كتب قبطية
كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد –
البابا شنودة الثالث
16- هوّذا تخت
سليمان، حوله ستون جبارًا (نش 3: 7)
هوذا تخت
سليمان
Solomon’s couch حوله ستون جبارًا (نش 3: 7).
نود أن يكون
تأملنا اليوم في قول الوحي في
سفر النشيد: تخت سليمان حوله ستون جبارًا من
جبابرة إسرائيل. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون
الحرب. كل رجل سيفه على
فخذه من
هول الليل (نش 3: 7، 8).
سليمان رمز
المسيح:
St-Takla.org Image:
صورة |
لان كلمة
(سليمان) معناه “رجل سلام”. وقد قيل عن
السيد المسيح
أنه “رئيس السلام” (أش
9: 6) وإنه هو سلامنا (أف 2: 4) وهو الذي قال “سلامي اترك لكم. سلامي أنا أعطيكم” (يو 14: 27) وهو الذي صنع سلامًا بين السماء
والأرض، ونقض الحائط المتوسط أي
العداوة (أف 2: 14، 17).
وسليمان كان
يمثل
الحكمة والمسيح هو
أقنوم
الحكمة. هو “حكمة الله وقوة الله” (1كو1: 24).
سليمان هو ابن داود الباني للهيكل والمسيح هو ابن داود، وهو ابن الله الذي بنى
الكنيسة هيكل الله القوس (1كو3: 16).
† عبارة “تخت
سليمان” تعني عرشه، ويرمز
إلى عرش
المسيح.
حوله ستون
جبارًا من جبابرة إسرائيل. وكلمة (إسرائيل) هنا ترمز إلى
الكنيسة المقدسة.
عرش الله إذن
حوله الجبابرة، أي النفوس القوية.
التي حاربت
حروب الرب، وانتصرت على العالم والجسد والشيطان.
أما النفوس
الضعيفة التي لم تتثبت في حروبها الروحية، فليس لها نصيب حول عرش الله.
الإنسان الضعيف الذي مجرد شهوة تحطم قلبه وإرادته وفكره. هذا لا يمكن أن يكون
من الجبابرة المحيطين بعرش الله.
† العجيب أيها
الأخوة الأحباء أن سفر العدد الذي أمر الله فيه بعد خاصته، لم يدخل في ذلك
التعداد والإحصاء جميع الناس.
إنما أمر الله
بإحصاء النفوس القادرة على القتال، القادرة على حمل السلاح، أي “كل خارج
للحرب” (عد1: 2، 3) هؤلاء هم الجبابرة. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل
رجل سيفه
على
فخذه من هول الليل. من هول
الظلام، من هول الأخطار. من هول
الشهوات ومحبة العالم.
فان حاربك في
أحد الأيام فكر من الأفكار، واستسلمت له، لا تكون حينئذ جبارًا متعلمًا الحروب.
بل تكون إنسانًا قد ألقى سلاحه وانطرح أمام العدو على الأرض.
† الإنسان
المتعلم
الحرب، هو إنسان خبير
بالأفكار، خبير بحروب العدو، كما قال
القديس بولس الرسول “نحن لا نجهل أفكاره” (2كو 2: 11).
بل نعرف خداع
الشيطان، ونميز الأرواح (1كو 4: 1) هل هي من الله أم من العدو..
وهذه الحرب
قد شرحها
القديس
بولس في رسالته
إلى أهل أفسس فقال “إن مصارعتنا ليست مع لحم
ودم.. بل مع أجناد الشر الروحية” (أف 6: 12). مع
الشياطين، مع الجسد، مع كل
قوة العدو.
ما أجمل قول
ملاك الرب
لجدعون “الرب معك يا جبار البأس” (قض 6: 12).
حقًا إن السماء
لا يصل إليها فيما بعد إلا جبابرة البأس الذين انتصروا في الحروب.
الذين يرتلون
مع جموع الغالبين: شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته (2كو 2: 14).
سِتّون جبارًا:
لماذا اختار
هذا الرقم (60)؟ والى أي شيء يرمز؟
ستون = 6 *10.
والرقم 10 يرمز إلى الكمال، والى الوصايا.
والرقم 6
يرمز إلى تمام العمل. فالله قد أتم عمله في الخلق في ستة أيام.
والسيد المسيح
أتم عمله في
الفداء في اليوم السادس. وفي الساعة السادسة. والإنسان يتمم كل
عمله في ستة أيام، ويستريح في اليوم السابع حسب الوصية..
* فمادام
الرقم 6 يرمز إلى أتمام العمل والرقم 10 يرمز إلى الكمال والوصايا (اقرأ مقالًا
عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، إذن الرقم
60 يرمز إلى كل من تمموا عملهم في وصايا الرب في الكمال.
فان سالت
وقلت: هل حول عرش الله ستون جبارا فقط؟
نجيب إنما هذا
الرقم هو رقم رمزي، يرمز إلى كل جبابرة الروح الذين كملوا في الإيمان،
الكاملين في قوتهم، الكاملين في جهادهم وفي انتصارهم.. لا نقصد الجبابرة
في أجسادهم وفي قوتهم الجسدية، بل الجبابرة في أرواحهم، حتى لو كانوا صغارا.
*داود
النبي
-أمام
جليات– كان جبارًا وهو فتى صغير.
كل
الجيش خاف.
ولكنه كان الوحيد الذي لم يخف، وتقدم لمحاربة
جليات في جبروت في الوقت الذي
خاف فيه
شاول الملك (1صم 17: 11) وكان
أطول من جميع الشعب (1 صم 10: 23).
شاول الملك
الذي كان جبارًا في جسده، لم يكن جبارا في روحه “فبغته روح رديء من قبل الرب”
(1صم 16: 14) وكان يصرعه. والذي كان ينقذه من ذلك الروح الرديء كان داود الصغير
أحد الجبابرة الذين حول العرش. كان داود جبار بأس وفصيحا ورجلا جميلا والرب معه
(1صم 16: 15) وهذه العبارة الأخيرة كانت سر جبروته.
داود الجبار
كانت تخافه
الشياطين. يكفي
أن يضرب على عوده ويصلي مزاميره، حتى لتهرب
الشياطين مرتعبة..
جبار له سلطان
على
الشياطين!!
* نريد في
الكنيسة مجموعة من هؤلاء الجبابرة الذين تخافهم
الشياطين. ليتكم
تستعرضون في
تاريخ الكنيسة
القديسين الذين كان لهم سلطان على
الشياطين.. تذكروا قصة ذلك
القديس الذي أتى شيطان لمحاربته، فربطه خارج
القلاية.. تذكروا
القديس ايسوذورس
الذي قالت له
الشياطين:
أما يكفيك أننا لا نستطيع أن نمر على
قلايتك، ولا على
القلاية التي جوارك. وأخ واحد في البرية، جعلته بصلاتك يتعدى علينا النهار
والليل؟!
وأنت يا أخي
أن كنت تخاف
الشياطين،
أتستطيع أن تحسب نفسك من الجبابرة المحيطين بالعرش
الذين لهم سلطان على كل قوة العدو؟! (لو 10: 19).
هل تكون جبارًا
، أم أمتلك الشيطان إرادتك وكان يقدر أن يغريك بخطية ويستولى على نفسك؟! لا تظن
أن الشيطان كريمًا في عطائه، يعطى بلا مقابل!! كلا فهو يعطيك ما تشتهيه في مقابل
أن يأخذ كل ما عندك، وأسمى ما عندك: روحك وأبديتك..!
الشيطان لا
يقبل على نفسه أن يدخل في صفقة خاسرة. أنه يأخذ دائمًا أكثر مما يعطي.
أرباحه أكثر
من مصروفاته.. وهكذا يفعل مع الذين يلجأون إلى
السحر مثلًا..
* عجيبة هي
صورة الملاك ميخائيل، وسيفه في يده، وهو يدوس على الشيطان بقدمه.. لا شك أنه
أحد الجبابرة الذين حول العرش..
وأنت، أتريد
أن تكون جبارًا في محاربة
الشياطين؟
أنك تكون كذلك،
أن لم تكن الشهوة يحاربك الشيطان بها.
إن الشيطان
يتحسس حياتك الروحية، محاولًا أن يعرف نقط الضعف فيك لكي يحاربك بها. إنه يختبر
الأرض وصلابتها التي سيضرب فيها بمعوله. يرى أين توجد الأرض الرخوة واللينة
التي يتخذها ميدانًا لعمله فيشققها كما يشاء. أما الصلبة فلا يقترب منها.
St-Takla.org Image: صورة في موقع الأنبا تكلا: |
* هناك جبابرة
وقفوا ضد الشيطان في قتالهم لأجل
الفضائل.
خذوا فضيلة
العفة مثلًا. وكيف كان من جبابرتها
يوسف الصديق، وسوسنة العفيفة وأمثالهما..
دانيال النبي والثلاثة فتية كانوا في قصر الملك، ورفضوا أن يأكلوا من أطيابه ومن خمر
مشروبه (دا 1: 8)، بل ورفضوا معبوداته. ولم يخف دانيال من أن يلقى في جب
الأسود (دا 6: 16) ولا الثلاثة فتية خافوا من إلقائهم في
أتون
النار (دا 3: 17).
إنهم الجبابرة
لا يعرفون الخوف. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون
الحرب.
*الشهداء
القديسون أيضًا كانوا جبابرة لا يعرفون الخوف.
وقفوا أمام
الأباطرة والملوك والولاة والحكام. وقفوا أمام الحرق والشنق والعصر والجلد
والتمزيق والتعذيب وكل صنوف الاضطهاد، ولم يبالوا – كان إيمانهم وثباتهم أقوى من
العذاب.
هناك جبابرة
آخرون في عالم النسك: في الصلاة والسهر والوحدة، في العبادة وفي التجرد، مثل
سكان البرية من المتوحدين والنسك والسواح..
أرسانيوس
الجبار، كان يقف متجها للشرق، والشمس وراؤه وقت الغروب.
ويظل ساهرًا
طول الليل حتى تظهر
الشمس
أمامه في أول النهار.. إنه جبار. بينما آخرون لا
يستطيعون أن يصمدوا في السهر، وحالما يحاربهم النوم يتركون صلاتهم. أين هؤلاء
من الجبابرة الذين حول العرش، الذين مثلهم:
القديس مكاريوس الإسكندراني، الجبار
في سهره. الذي تحدث عن حروبه من جهة السهر فقال: حوربت مرة بالنوم ونمت. فصممت
أن أقاتل النوم. وبقيت 21 يومًا لا أبق جفنًا على جفن، حتى شعرت أن مخي قد نشف.
جبابرة آخرون
لم يسمحوا لأية قوة أن تفصلهم عن الرب.
مثل
القديس بولس الرسول الذي قال “مَنْ سيفصلنا عن محبة
المسيح؟..
إنني متيقن أنه لا موت
ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلية، ولا
علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في
المسيح
يسوع ربنا (رو 8: 25-29).
إن
ملكوت السموات، لا يدخله إلا جبابرة الروح.
+ ولكننا
للأسف الشديد، كثيرًا ما نحاول أن نكون جبابرة على الناس، ولا نكون جبابرة في
تعاملنا مع أنفسنا!!
بينما يقول
الكتاب “مالك روحه خير ممن يملك مدينة” (أم 16: 32).
أنبا بولا كان
جبارًا في الوحدة. قضى ثمانين سنة لا يرى فيها وجه إنسان، ولا يتعزى
بكلام الناس، إنما عزاؤه بالله وحده.
* هناك أشخاص
آخرون كانوا جبابرة في
الصوم،منهم من عاش ثلاثين سنة لا تبصره
الشمس
آكلًا. ومنهم من عاش عمره كله نباتيًا، لا يأكل لحمًا طول حياته ومنهم من كان
يطوى الأيام لا يأكل شيئًا فيها ولا يشرب.
هكذا عاش
جبابرة
الصوم. أما في جيلنا هذا فما أكثر الكنائس التي خفضت
الأصوام أو كادت
تلغيها، بحجة الإشفاق على الناس!!
آباؤنا كانوا
أيضا جبابرة في
حفظ آيات
الكتاب المقدس.
كانت الآيات
تجري على ألسنتهم بمنتهى السهولة. لدرجة أن أحد العلماء قال: “لو ضاع
الكتاب
المقدس، لأمكن جمعه من كتابات الآباء”..
كانوا جبابرة
في الصمود. لا يستطيع أحد أن يثيرهم …
يوجد أشخاص
ضعفاء، يثارون بسرعة. تثيرهم أية كلمة يظنون أنها تجرح مشاعرهم. بل حتى كلمات
المديح والإعجاب، فتحرك فيهم محبة المجد الباطل. يثيرهم أي منظر جنسي.. أقل شيء يعتبرونه عثرة!
مساكين هؤلاء
– إنهم ليسو من النوع الذي يقف حول عرش الله.. ليسوا كالجبابرة الذين حول تخت
سليمان.
إنني
أريدكم يا أخوتي أن تكونوا جبابرة في حروب الرب.
لاشك أن
الملائكة عندما تصف
الكنيسة المقدسة، وما فيها من أبرار لم تهزهم مغريات
العالم، ولم تتعبهم حروب
الشياطين، يقف
ميخائيل رئيس
الملائكة، وفي يده قيثارة
ذهبية وينشد مع ملائكته: “تخت
سليمان حوله ستون جبارًا..”