الأناجيل
المنحولة غير القانونية
يقول
المعترض
إن
الأناجيل والرسائل الغنوسية المكتشفة حديثا تضمنت تعاليم تناقض أسفار العهد الجديد
القانونية.
الرد
المحقق
تاريخيا أن كثيرين فى العصر الرسولى من المؤمنين واليهود والأمم شرعوا فى تسجيل
وتأريخ حياة السيد المسيح وجاءت هذه الكتب الكثيرة معبرة عن معتقدات هؤلاء الأفراد
فى المسيح وقد تضمن بعضها وقائع وتعاليم صحيحة إلا أنها لم تكتب بوحى إلهى.
ثم
فى آواخر القرن الثانى الميلادى بدأ ظهور كتب منحولة تستهدف هدم الفداء وإنكار
الصلب من قبل جماعات من محضرى الأرواح النجسة اشتهروا باسم الغنوسيين وقد تضمنت
كتبهم خرافات مضادة للحق الكتابى أملتها عليهم الأرواح الشيطانية النجسة ونسبت
بعضها إلى رسل المسيح.
والمحقق تاريخيا أن
الكنيسة منذ نشأتها كانت منظمة على شكل هرمى رأسه الرسل الذين أقاموا فى كل إقليم
أساقفة وقسوس وشمامسة ورسموا أن الأول فيهم هو أسقف المدينة الأم أى عاصمة البلاد,
وبهذا تأسست تلقائيا خمس أسقفيات رئيسية فى أورشليم ومصر وأنطاكية وأفسس وروما, ولم
تتعمد أى من هذه الأسقفيات أن تحرق أو تتلف النسخ الأصلية من الإنجيل بهدف الإبقاء
على نسخة واحدة خالية من الأخطاء أو مخالفة للأصل حتى كان يظن أن الإنجيل الذي
عندنا الآن ليس هو الإنجيل الحقيقي, بل أن هذه النسخ ظلت موجودة ومتداولة بين
الكنائس والأفراد وفى متناول حتى الوثنيين منذ العصر الرسولى حتى وقتنا هذا كما هى
دون أدنى تغيير أو تحريف وقد عثر على نسخ كثيرة لا تزال باقية إلى الآن ترجع إلى
بدايات القرن الثانى الميلادى.
فضلا عما تقدم فإن المسيحيين الأولين، لثقتهم المطلقة في صدق
أسفار
العهد الجديد الذي بين أيديهم. لم يحرقوا حتى الكتب التي ألفها أصحاب البدع عن
المسيح لإنكار لاهوته وصلبه في الفترة الواقعة بين أواخر القرن الثاني وأواخر القرن
الرابع والتى أطلقوا عليها زوراً وبهتانا اسم الإنجيل. بل أبقاها هؤلاء المسيحيون
كما هي, وأفرزوها ككتب غير قانونية وحفظوها ونسخوها ونشروها
بلغات كثيرة، مراعاةً لمبدأ حرية الرأى. ليفسحوا المجال أمام الناس في كل العصور
للمقارنة بين ما جاء في هذه الكتب، وبين ما جاء في الإنجيل الذي بين أيديهم، الأمر
الذي يدل على أمانتهم ونزاهتهم وعدم جواز إتهامهم بإجراء أي
تحريف في الأناجيل.
لأنه رغم أن هذه الأناجيل
المنحولة لا تعترف بها الكنيسة إلا أنها لم تحرقها أو تتلفها وإنما أفرزتها ككتب
غير قانونية, وقد حفظ لنا التاريخ العديد منها تم طبعها فى مجموعة ” Ante-Nicene FathersVol_VIII “
أما
الكتب القانونية فقد تسلمتها الكنيسة من الرسل وحفظتها ولم تكن تجهل ما هو من وضع
الرسل وما هو من وضع الأفراد أو الهراطقة.
ومن
أبرز الأدلة التى تثبت وجود التسليم الرسولى وتواتره ما كتبه بولس الرسول فى
رسالته الأولى لمؤمنى كورنثوس بقوله:
فأمدحكم
أيها الأخوة على أنكم تذكروننى فى كل شىء وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم..
لأنى تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا (كورنثوس الأولى 11: 2, 23).
وفى
رسالته الأولى لمؤمنى كولوسى كتب يقول:
أناشدكم
فى الرب أن تقرأ هذه الرسالة على جميع الإخوة القديسين (تسالونيكى الأولى 5: 27).
وفى
سفر الرؤيا نجد أن يوحنا يكتب إلى السبع الكنائس التى فى أسيا ما أعلنه له الرب فى
الجزيرة التى تدعى بطمس (رؤيا 1: 4 , 9).
وكتب
بطرس ما يشير إلى معرفته برسائل بولس بقوله:
واحسبوا
أناة ربنا خلاصا، كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضا بحسب الحكمة المعطاة له
كما فى الرسائل كلها أيضا متكلما فيها عن هذه الأمور التى فيها أشياء عسرة الفهم
يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقى الكتب أيضا لهلاك أنفسهم (بطرس الثانية 3:
15).
وهذا
معناه أن الأسفار المقدسة المعترف بها فى الكنائس الرسولية كانت معروفة لدى جميع
كنائس المسكونة وكانت ومازالت تستخدم فى طقوس وخدمات وقراءات هذه الكنائس حتى
وقتنا هذا دون خلاف بينها فى ذلك.
وعلى
هذا فإن الأناجيل المنحولة وإن عرفت من الكنيسة إلا أنها لا تقرها ولاتعترف
بها ككتب من وضع الرسل.
ومن البراهين التى
تثبت عدم قانونية هذه الأسفار المنحولة أنه لم يرد ذكرها حتى فى كتابات أعداء
المسيحية, ولو كانوا يعلمون بقانونيتها وأن المسيحيين يعولون عليها، لكانت خير
معين لهم فى هجماتهم على المسيحية.
وفى هذا يقول العلامة أوريجانوس:
تتمسك الكنائس
المسيحية بأربعة أناجيل فقط, أما أصحاب البدع فعندهم أناجيل كثيرة مثل إنجيل
المصريين وتوما, ونحن نطالعها لكي لا نرمى بالجهل، ولأن الذين يتمسكون بها توهموا
أنهم أوتوا علماً عظيماً.
وفى
نهاية القرن الأول الميلادى ظهرت نسخة محرفة من إنجيل متى عرفت باسم إنجيل
العبرانيين كما ظهرت نسخة أخرى بعدها عرفت باسم إنجيل الرسل الاثنى عشر وكان هو
أيضا نسخة محرفة من أنجيل متى الرسول.
أما إنجيل المصريين
الذى وضعه داعية غنوسى يسمى يوليوس كاسيانيوس فكان أول إنجيل غنوسى قائم على أساس
أن المعرفة أى إدراك الإنسان إلوهيته الكامنة هى أساس الخلاص لا الإيمان بالمسيح,
وقد أنكر هذا الإنجيل المزور تجسد المسيح مقررا أنه لم يكن له جسد حقيقى بل شبه
جسد أى صورة الجسد دون حقيقته المادية لهذا لم يقتل ولم يصلب وأنما شبه لهم أى
تصوروا ذلك لأنه لم يكن حقيقى.
وفى القرن الثانى
الميلادى ظهر مؤلف منحول باسم سفر أعمال بولس وتكلا.
ثم فى القرى الثالث الميلادى ظهر ما يعرف بإنجيل ولادة مريم،
واشتهر بالأقوال المتناقضة، وهو يشبه إنجيل يعقوب, ومؤلفه يهودى يونانى.
كما ظهرت أناجيل
منحولة أخرى منها إنجيلا الطفولية المنسوبان إلى توما وكان يعتقد بهما
المرقيونيون.
وفى القرن الرابع وضع
لوسياس شارينوس إنجيلا ملفقا دعاه باسم إنجيل نيقوديموس المسمى أيضا أعمال بيلاطس،
واشتهر بأنه لفق أيضاً أعمال بطرس وبولس وأندراوس وغيرهم من الرسل.
وقد
ذكر القديس ليون أن طائفة من الغنوسيين وضعوا إنجيلا مزورا يعرف باسم إنجيل يهوذا
الإسخريوطى كتب نحو سنة 180 ميلادية.
وواضح
أن هذا الإنجيل ليس من وضع يهوذا الإسخريوطى الذى بعد أن أسلم معلمه للصلب مضى
فشنق نفسه وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط (متى 27: 3 – 10) (أعمال 1: 18).
يروى هذا
الإنجيل قصة آلام المسيح وصلبه وقيامته، ولكنه يمجد يهوذا إذ يزعم أن يهوذا
بخيانته قد ضحى بنفسه حتى يجعل الخلاص ممكنًا لكل البشرية, لأنه منع إعاقة الحق
الذي أعلنه المسيح إذ عوق بمؤامرته القوات الشرِيرة والرؤساء الذين أرادوا منع صلب
المسيح الذي به جلب الخلاص للبشرية مبطلا بذلك مشورتهم.
وقال
أمبروز
” إننا نقرأ هذه الكتب لا لأننا نقبلها، فإننا نرفضها رفضاً باتاً, وإنما
نقرأها لنعرف ما فيها”.
ومن الرسائل المنحولة رسالة أبجر أمير الرها ورسالة يسوع المسيح التى
لم يسمع بهما إلا في القرن الرابع. عندما
أذاعها يوسابيوس.
أما الرسالة المنسوبة
لبولس بأنه أرسلها إلى مؤمنى لاودكية فقال العلامة
جونس إنها ملفقة وأنها بنيت على بعض آيات صحيحة من رسائله. وهي حديثة عهد لم تظهر
إلا قبيل الحركة البروتستانتية بفترة وجيزة, ولم تكتب باليونانية.
وأما قول
بولس الرسول لمؤمنى تسالونيكى “ متى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرأ أيضا
فى كنيسة اللاودكيين والتى من لاودكية تقرأونها أنتم أيضا ” (كولوسى 4: 16).
فلا يستدل من
ذلك أنه كانت هناك رسالة خاصة بكنيسة اللاودكيين وفقدت إذ الواقع أن إشارة بولس
لمؤمنى تسالونيكى إلى قرأة الرسالة التى ترد إليهم من لاودكية لا تعنى بالضرورة
أنها رسالة خاصة بكنيسة لاودكية. بل قد تكون رسالة واردة إليهم من كنيسة أخرى أوصى
بولس شفويا بأن تقرأ فى كنيسة اللاودكيين ثم طلب من مؤمنى كولوسى أن يرسلوا ما
كتبه إليهم إلى لاودكية ويأخذوا ما لدى اللاودكيين كدعوة لتبادل الرسائل بين عموم
الكنائس.
أما رسائل
بولس الست إلى سنيكا وثماني رسائل هذا
الفيلسوف إليه، فلم يسمع بها أحد إلا في القرن الرابع, وقد ذكرها
إيرونيموس وأوغسطين ونبها على أنها مفتعلة.
وفى سنة 1738 ميلادية
ظهر ما يعرف بإنجيل برنابا المزور. كان ضمن مكتبة الدوق ابوجين سافوى التى آلت
ملكيتها لمكتبة البلاط الملكى فى فيينا بعد وفاته.
وكانت النسخة الوحيدة
لهذا الإنجيل مكتوبة بالإيطالية على أوراق من نوع إيطالى به علامات مائية ترجع إلى
منتصف القرن السابع عشر مما يرجح أن كاتب هذا الإنجيل هو الدوق نفسه الذى اشتهر
بولعه بالعلوم والآثار التاريخية.
وقد ترجم هذا الإنجيل
إلى الأسبانية ثم الإنجليزية ثم إلى العربية عن الإنجليزية بمعرفة الدكتور خليل
سعادة سنة 1908 وطبع سنة 1958 ميلادية بمصر.
استهل الكاتب مؤلفه
بالهجوم على الإنجيليين بزعم تبشيرهم بتعاليم شديدة الكفر بأن المسيح ابن الله
رافضين الختان مجوزين كل لحم نجس الذين ضل فى عدادهم أيضا بولس.
يكشف اسلوب الكاتب عن
غنوسية واضحة بزعمه أن يسوع ليس هو المسيح, وأن يسوع لم يصلب بل رفع إلى السماء,
وأن الذى صلب هو يهوذا الخائن الذى أوقع الله شبه المسيح عليه فأخذ وصلب.
تم نسخ الرابط