الإصحاح الرابع

 

الآيات (1-9، 13-20): في
كتاب إنجيل متى (مت1:13-9،8-23)

الآيات (10-12):         في كتاب إنجيل متى
(مت10:13-17)

الآيات (21-25)          (لو16:8-18) (مثل
السراج)

الآيات (مر26:4-29)    نمو البذار

الآيات
(30-32)          في كتاب إنجيل متى (مت31:13-32)

الآيات
(33،

34) في
كتاب إنجيل متى (مت34:13،35)

الآيات
(35-41)          في كتاب إنجيل متى (مت23:8-27)

 

(مر
1:4-9):-

وأبتدأ
أيضا يعلم عند البحر فاجتمع إليه جمع كثير حتى انه دخل السفينة وجلس على البحر
والجمع كله كان عند البحر على الأرض. فكان يعلمهم كثيرا بأمثال وقال لهم في
تعليمه. اسمعوا هوذا الزارع قد خرج ليزرع. وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فجاءت
طيور السماء وأكلته. وسقط أخر على مكان محجر حيث لم تكن له تربة كثيرة فنبت حالا
إذ لم يكن له عمق ارض. ولكن لما أشرقت الشمس احترق وإذ لم يكن له اصل جف. وسقط أخر
في الشوك فطلع الشوك وخنقه فلم يعط ثمرا. وسقط أخر في الأرض الجيدة فأعطى ثمرا
يصعد وينمو فأتى واحد بثلاثين وأخر بستين وأخر بمئة. ثم قال لهم من له أذنان للسمع
فليسمع.

 

(مر
10:4-12):-

ولما
كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل. فقال لهم قد أعطى لكم أن تعرفوا
سر ملكوت الله وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء. لكي يبصروا
مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم.

1- 
إستخدام
السيد المسيح الأحداث التى يرونها تجرى أمامهم، مثل الزارع الذى خرج ليزرع أو الصياد
الذى يصطاد…. الخ فالصور التى تجرى أمام عيونهم تُثَبِّت المفهوم التعليمى الذى
يريده السيد. ولو كان السيد المسيح موجوداً اليوم لضرب أمثال من حياتنا اليومية.
وهذه طريقة لنتأمل أعمال الله، فلنتأمل فيما حولنا من أحداث لنرى حكمة الله ولنرى
يد الله. ولقد إتبعت الكنيسة المقدسة نفس أسلوب السيد المسيح فمثلاً تقرأ الكنيسة
هذا الفصل فى شهر هاتور شهر الزراعة، بنفس المفهوم الذى إستخدمه السيد المسيح. وفى
أعياد إستشهاد القديسين تقرأ فصولاً عن الإضطهادات والألام، ثم نسمع سيرة الشهيد
وتُرسم أمام عيوننا.

2- 
المثل
هو شرح لأمر يصعب فهمه وهذا يتضح من كلمة مثل، وهو قد يكون مجرد تشبيه أو قصة من
الواقع اليومى لتوضيح حقيقة روحية. فالقصص والأمثال التى من واقع الحياة تؤثر فى
الناس أكثر من الوعظ. أما التلاميذ فأعطاهم المسيح أكثر من القصص وعظاً فهو يعرف
أهتمامهم.

3- 
إستخدم
السيد المسيح أمثال للمشابهة كمثل رقعة الثوب الجديد على الثوب القديم…. وهناك
مثل للمناسبة كمثل الزارع.. وهناك مثل بالقصة لموضِّحةَ كمثل السامرى الصالح
والغنى الغبى وقاضى الظلم وهنا فى هذه القصص يوضح السيد حقائق روحية فى صورة قصة.

 إذاً
فى الأمثال عموماً يشرح الرب ويستخرج الحقائق الروحية من الأشياء والأحداث المألوفة
ليدربنا أن نأمل فيما حولنا وفى الطبيعة ونرى يد الله.

4-  السيد
المسيح يتكلم بأمثال لا ليخفى الحقائق الروحية عن بعض الناس فهو يريد أن الجميع
يخلصون، ولكن الكلام بأمثال هى طريقة تدعو السامع لأن يفكر ويستنتج وبهذا تثبت
المعلومة بالأكثر، ولكن من هو الذى سوف يفكر ويستنتج ؟ قطعاً هو المهتم بأن يفهم
أسرار الملكوت، هو من يأخذ الأمر بجدية، هو المشتاق لمعرفة الحق، أما قساة القلوب
والمهتمين بالماديات أو بأنفسهم فى كبرياء غير المهتمين بالبحث عن الحق فلن يهتموا
بالبحث ولا الفهم، وبهذا فإن السيد يطبق ما سبق أن قاله "لا تعطوا القدس
للكلاب". من هنا نفهم قول السيد من لهُ سيعطى ويزداد = أى من كان
أميناً وقد حرص أن يفتش على الحق، سيعطيه السيد أن يفهم، وينمو فهمه يوماً فيوماً
ويذوق حلاوة أسرار ملكوت الله.وبقدر ما يكون الإنسان أميناً ينمو فى إستيعاب أسرار
ملكوت الله، وكلما ينمو يرتفع مستوى التعليم ويرتفع مستوى كشف أمور ملكوت الله.
أماّ النفس الرافضة غير الأمينة بل المستهترة أو المعاندة فهذه لا يُعطى لها أى
فهم = أما من ليس له فالذى عنده سيؤخذ منه= ما الذى كان عند هذه النفس، كان
لها الذكاء العادى وكان لها بعض المفاهيم الروحية ولكن أمام عناد هذه النفس
واستهتارها تفقد حتى ذكاءها العادى، وفقد حتى مفاهيمها الروحية السابقة ويدخل
الإنسان فى ظلام روحى ويفقد حكمته. إذاً هناك من يكشف له السيد عن أسرار الملكوت
فينطلق من مجد إلى مجد، وهناك من يحرمه السيد حتى من حكمته العادية. وهذه الحالة
الأخيرة كانت هى حالة الشعب اليهودى والفريسيين والكتبة.. هؤلاء كان لهم الناموس
والنبوات تشهد للمسيح وأمام عنادهم فقدوا حتى تمييز النبوات، ولاحظ أنهم كانوا
يفهمون هذه النبوات إذ حين سأل المجوس عن المسيح كان هناك من يعلم أن المسيح يولد
فى بيت لحم. ولكن أمام عنادهم فهم فقدوا حتى فهم نبوات كتابهم. لقد صاروا مبصرين
لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون
وهم رأوا السيد ولم يعرفوه وسمعوه ولم
يميزوا صوته الإلهى بينما أن تلاميذ السيد إنفتحت بصيرتهم الروحية فعرفوه وأحبوه طوبى
لعيونكم لأنها تبصر

 من
له أذنان للسمع فليسمع = (مت 9:13)
هنا السيد يقسم الناس قسمين من يريد أن
يسمع ويفهم، من لا يريد أن يفهم بل يريد أن يقاوم لذلك فالسيد ينبه (لو 18:8)
ويقول فانظروا كيف تسمعون. قول السيد فى (مت 11:13) قد أعطى لكم أن
تعرفوا أسرار ملكوت الله
هذا لسابق علمه عن إستعدادهم وإشتياقهم للسمع (رو
29:8،30) ونلاحظ أن متى إذ يكتب لليهود أورد لهم نبوة إشعياء لأنهم يعرفون النبوات
وأما مرقس ولوقا إذ يكتبون للأمم لم يوردوا النبوة.

قلب
هذا الشعب قد غلظ
ويرجعوا فأشفيهم= كم يود السيد أن هذا الشعب يسمع ويؤمن
ويرجع إليه فيشفيه، ولكن كبريائهم وعنادهم وارتباطهم بشهواتهم غَلّظَ قلوبهم وأغلق
عيونهم وأذانهم فلم يعرفوا المسيح بل صلبوه إن أنبياء.. اشتهوا أن يروا ما أنتم
ترون =
أى يروا المسيح حين يتجسد.

 

(مر
13:4-20):-

ثم
قال لهم أما تعلمون هذا المثل فكيف تعرفون جميع الأمثال. الزارع يزرع
الكلمة.وهؤلاء هم الذين على الطريق حيث تزرع الكلمة وحينما يسمعون يأتي الشيطان
للوقت وينزع الكلمة المزروعة في قلوبهم. وهؤلاء كذلك هم الذين زرعوا على الأماكن
المحجرة الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح. ولكن ليس لهم اصل في
ذواتهم بل هم إلى حين فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو اضطهاد من اجل الكلمة فللوقت
يعثرون. وهؤلاء هم الذين زرعوا بين الشوك هؤلاء هم الذين يسمعون الكلمة. وهموم هذا
العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. وهؤلاء
هم الذين زرعوا على الأرض الجيدة الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها ويثمرون واحد
ثلاثين وأخر ستين وأخر مئة.

مثل
الزارع هو إشارة لكلمة الله التى تبذر فى قلوب المؤمنين فيولدوا من جديد.
"مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مماّ لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى
الأبد (ابط 23:1) فنحن التربة لأننا مأخوذين من تراب الأرض، والروح القدس هو المطر
النازل من السماء (اش 3:44،4) والروح القدس يعلمنا ويذكرنا بكلام الله (يو 26:14).
ومن يسمع كلمة الله التى يعلمها له الروح القدس يتنقى (يو 3:15) ويولد من جديد، أى
بعد أن كان ميتا يحيا وكأنه وُلدَ من جديد ( يو 24:5،25). أما من يقاوم فكلمة الله
التى سمعها سوف تدينه (يو 48:12). فكلمة الله سيف ذى حدين (عب 12:4) الحد الأول
للسيف يقطع الشر من النفس وينقى الإنسان فيحيا ويولد من جديد، هو مشرط الجراح الذى
يقطع الداء من الجسم ليحيا.

والحد
الثانى هو حد الدينونة والعقاب، (رؤ 16:2+يو 48:12)

والكنيسة
المقدسة كما قلنا تقرأ فصل الزارع مرتين فى شهر هاتور المرة الأولى فى الأسبوع
الأول (الأحد الأول من الشهر ) وتقرأ معه فصل من رسالة بولس الرسول إلى أهل
كورنثوس الثانية "هذا وان من يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد، ومن يزرع
بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد (2كو 6:9). وكأن الكنيسة تدعونا لقراءة الكتاب
المقدس كلمة الله لنتنقى، وأن نقراً كثيراً ونسمع كثيراً، نقرأ لا بالشح بل
كثيراً. هذا هو الحد الأول للسيف ذى الحدين أى كلمة الله. ثم نأتى للأحد الثانى من
الشهر لنجد الحد الثانى للسيف، فالكنيسة تقرأ نفس الفصل من الإنجيل أى فصل الزارع
ولكن تقرأ معه فصلاً أخر من البولس من "عب 7:6،8" لأن أرضاً قد شربت
المطر الآتى عليها.. وأنتجت عشباً صالحاً تنال بركة من الله، ولكن أن أخرجت
شوكاً.. فهى مرفوضة وقريبة من اللعنة التى نهايتها للحريق". وكلمة الله التى
تزرع فينا ليست فقط هى كلمات الكتاب المقدس بل هى حياة المسيح كلمة الله، فأقول
" لى الحياة هى المسيح " (فى 23:1) وأقول " مع المسيح صلبت فأحيا
لا أنا بل المسيح يحيا فىّ " (غل 20:2) ومن يحافظ على حياة المسيح فيه يخلص،
فنحن " نخلص بحياته " (رو 10:5). أى نصير بذرة حية فيها حياة هى حياة
المسيح، فحتى وإن متنا ودفننا نعود ونحيا فى مجد (1كو 35:15-45).

 

الآيات (مر26:4-29): "وقال هكذا ملكوت الله
كان إنساناً يلقي البذار على الأرض. وينام ويقوم ليلاً ونهاراً والبذار يطلع وينمو
وهو لا يعلم كيف. لأن الأرض من ذاتها تأتى بثمر أولاً نباتاً ثم سنبلاً ثم قمحاً
ملآن في السنبل. وأما متى أدرك الثمر فللوقت يرسل المنجل لأن الحصاد قد حضر."

القديس
مرقس هو الوحيد الذي يذكر هذا المثل "البذور التي تنمو في السر" وهو مقابل
لمثل الخميرة.

ربما
إستصعب التلاميذ العمل، وكيف يقدمون نوراً للعالم، لذلك يؤكد لهم السيد هنا أن
العمل الكرازي، وعمل الخدمة هو عمل إلهي مستمر، له فاعليته في حياة الآخرين.
الكارز أو الخادم يلقي الكلمة في القلوب والله ينميها كيف؟ لا نعرف. هنا الإنسان
الذي يلقي البذار على الأرض هو الكارز أو الخادم. (هناك من قال أنه المسيح.. ولكن
لا يصح أن تقال باقي الكلمات عن المسيح ينام ويقوم ليلاً ونهاراً.. وهو لا
يعلم).
فالخادم يلقي البذار أي كلمة الله، والله في سرية له عمله الخفي في
القلوب التي يقيمها معه بطريقة لا يمكن لنا إدراكها. ويفاجأ الخادم بنمو الملكوت.
نحن نجهل طريقة نمو البذار، ولكننا نرى نتائجها وربما بعد مدة. النمو هو عمل الروح
القدس في النفس وليس عمل الخادم. فالخادم يجهل كيف تنمو الكلمة. سمعت هذا الاعتراف
من أحد خدام الكنيسة الموقرين خارج مصر:- قال في حفل أقيم له في مصر حضره خادم
مدارس الأحد الذي كان يخدمه منذ ثلاثين عاماً، قال لخادمه هذا في الحفل.. لطالما
زرتني وإفتقدتني، وكنت آخذ كلامك بسخرية، ولطالما إحتملتني لمدة سنوات، وإذا حضرت
فصل مدارس الأحد كنت أسخر من كل ما أسمعه، ولطالما أتعبتك في مناقشات حول صحة الفلسفات
الإلحادية. وسافرت للخارج.. وهناك وأنا وحدي كانت كلماتك ترن بشدة في أعماقي،
وحولتني تدريجياً إلى الكنيسة وهناك وصلت لأعلى درجات الخدمة.. لقد نمت الكلمات
بطريقة سرية، مع أن الخادم نفسه كان يائساً من إصلاح هذا الشاب الذي كان يظنه في
طريقه للإلحاد. حقاً ليس الغارس شيئاً ولا الساقي بل الله الذي يُنمي (1كو7:3).
ولكن على الخادم أن يصبر. وفي النهاية سيأتي الملائكة كحاصدين قادمين بالمنجل
السماوي يحصدون لحساب ملكوت الله ثماراً مفرحة. وقد يشير المنجل للحصاد الآن على
الأرض، فكل من نمت داخله البذار يخطفه منجل الله ليترك خدمة العالم ويبدأ في خدمة
الله وكنيسته، مثل هذا الخادم الذي ذكرنا قصته. الأرض من ذاتها تأتي بثمر= الأرض
إشارة إلى طبيعة البشر بعد أن صارت خليقة جديدة (1كو17:5)

 

(مر30:4-32):-

وقال
بماذا نشبه ملكوت الله أو بأي مثل نمثله. مثل حبة خردل متى زرعت في الأرض فهي اصغر
جميع البزور التي على الأرض. ولكن متى زرعت تطلع وتصير اكبر جميع البقول وتصنع
أغصانا كبيرة حتى تستطيع طيور السماء أن تتاوى تحت ظلها.

   
فى
مثل الزارع رأينا ثلاثة أقسام من البذار يهلك، وقسم واحد يخلص، بل فى مثل الزوان
رأينا أن جزءاً من القسم الرابع يهلك، وحتى لا ييأس أحد يقدم السيد المسيح مثل حبة
الخردل. هنا نرى حبة خردل صغيرة تنمو وتزداد وتصبح شجرة كبيرة وهذا يعنى..

1.   يشير
للمؤمن الفرد إذ تنمو كلمة الله فى داخله ويتحول لشجرة يأوى إليها الآخرون.
والملكوت ينمو فى القلب الهادئى وتدريجياً كنمو الحبة أو الخميرة.

2.   يشير
للكنيسة التى بدأت بشخص المسيح الذى ظهر فى صورة ضعف ومات على الصليب وترك 12
تلميذاً خائفين مضطهدين ولكنها نمت فى العالم كله وإنتشرت.

3.     
تشير للمسيح الذى تألم ودُفِنَ كما دفنت هذه
البذرة (يو24:12) ولكن قام وأقام كنيسته فيه، كنيسة هى جسده الذى إمتد فى كل
العالم.

والبذرة
فيها حياة تظهر بدفنها للموت، وهكذا الخميرة فى المثل القادم، فالحبة تدفن وتتحلل
لتثمر، وهكذا كل من مات وصُلِبَ عن شهوات العالم، ويقبل المسيح فيه مصلوباً حاملاً
شركة ألامه فيه، هذا ينعم بقوة قيامة المسيح فيه.حبة الخردل التى تُدفن فى الحقل
إنما هى المسيح المتألم الذى يدفن فينا ويقوم شجرة حياة فى قلبنا. وحبة الخردل هذه
الصغيرة لا تتحول لشجرة يأوى إليها الطيور ويستظل تحتها حيوانات البرية إلاّ لو
دفنت فى الطين (موت عن شهوات العالم)

طيور
السماء=
إشارة
للأمم الذين آمنوا ودخلوا تحت ظلال الكنيسة المريحة. ولكن فى آية (19:13) نفهم أن
الطيور تشير للشيطان، ونحن لا نندهش إذ يتسلل أبناء الشيطان إلى داخل الكنيسة
(فهذا هو مثل الحنطة والزوان) إنسان وزرعها فى حقله= الإنسان هو المسيح
وحقله هو العالم. وهذا المثل يشير لإزدهار الحق ونمو الملكوت بالرغم من مضايقات
أهل العالم. فالحبة ألقيت فى الأرض، وأحاطت بها الظلمة، وضغط عليها الطين من كل
جانب، ولكن الحياة الكامنة فيها إنطلقت لتصبح شجرة. ونلاحظ أن ملكوت الله يبدأ فى
حياة الإنسان بمعرفة بسيطة عن الله مع بدايات التوبة، ولكن بعد ذلك يتحول ليشمل حب
الله كل النفس فيعطى الإنسان حياته كلها لله.

ملحوظة
:-

هناك بذور أصغر من حبة الخرول، فلماذا إختار المسيح الخردل؟ لأن شجرة الخردل تنمو
من بعد وضع البذرة فى شهور قليلة. وكأن المسيح أراد أن يشير ضمناً لسرعة إنتشار
الملكوت، مع الهدف الأساسى الذى هو الفارق الهائل ين حجم حبة الخردل والشجرة التى
ستنمو.

 

(مر4 : 33-34):-

وبأمثال
كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا. وبدون مثل لم يكن
يكلمهم وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء.

فكما
قلنا فى مقدمة الإصحاح أن الأمثال تزيد توضيح الأمور، وتدفع السامع للتفكير فتثبت
الحقائق فى ذهنه.

 

(مر
35:4-41):-

وقال
لهم في ذلك اليوم لما كان المساء لنجتز إلى العبر. فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في
السفينة وكانت معه أيضا سفن أخرى صغيرة. فحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى
السفينة حتى صارت تمتلئ. وكان هو في المؤخر على وسادة نائما فأيقظوه وقالوا له يا
معلم أما يهمك أننا نهلك. فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت ابكم فسكنت الريح
وصار هدوء عظيم. وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا كيف لا إيمان لكم. فخافوا خوفا
عظيما وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا فان الريح أيضا والبحر يطيعان.

آية
(23):-
هذه
رد على (مت 18:8) أمر بالذهاب إلى العبر، وهاهم الآن ينفذون ويركبون السفينة
ليذهبوا إلى العبر. ولقد عُرِف بحر الجليل بالعواصف العنيفة المفاجئة وهو بحيرة
صغيرة (13 ميل × 8 أميال) صورة هذه المركب المعذبة وسط الأمواج، هى صورة الكنيسة
التى تتعرض لعواصف شديدة يثيرها الشيطان ضدها، وصورة لكل نفس بشرية تقبل المسيح
داخلها رأساً لها فيثير الشيطان ضدها رياح التجارب. لكن لنصرخ طوال حياتنا للمسيح،
وهو قطعاً لن يسمح للسفينة أن تغرق لسبب بسيط…. هو انه بداخلها. إذاً لنصرخ
للمسيح دون أن نفقد إيماننا، ودون أن نشك ولو للحظة أن السفينة ستغرق، وإلاّ سنسمع
توبيخ المسيح ما بالكم خائفين يا قليلى الإيمان. والخوف هو طاقة مدمرة
ونصيب الخائفين البحيرة المتقدة بالنار (رؤ 8:21) فالخوف سببه عدم الإيمان. والخوف
الصحى الوحيد هو الخوف من الله (مت 28:10 + رو 20:11) وكان هو نائماً= مثلما
يحدث كثيراً فى مشاكلنا إذ نصرخ ونظن أنه لا يسمع أو أنه لا يستجيب. ويكون هذا حتى
تنكشف لنا طبيعتنا الخائرة الضعيفة وينكشف لنا ضعف إيماننا ونشعر بالإحتياج
للمخلص، وعندما يستجيب نُشفى من هذه الأمراض الروحية. فتأخر إستجابته هى فرصة
لشفائنا ولإصلاح شأننا، قبل أن يهدئ المسيح عاصفة المياه يهدئ المسيح النفوس
الهائجة المضطربة. ولنعلم أنه طالما نحن فى الجسد، وطالما كانت الكنيسة على الأرض
فهناك عواصف فالعالم مضطرب.. لكن لنطمئن فالمسيح داخلنا فلن نغرق، ولكن وجوده لا
يمنع التجارب. وهناك ملحوظة رائعة يقدمها القديس مرقس وكان هو فى المؤخر على
وسادة نائماً=
هذه رؤية شاهد عيان. ولكنه كان يركز على المسيح فلاحظ أنه كان
نائماً على وسادة. وقوله فأيقظوه يشير لأن مرقس كان معهم على السفينة لكن
لم يشترك فى إيقاظ السيد، فهو لم يكن مثلهم خائفاً، والسبب بسيط أنه ركز فكره فى
المسيح حتى أنه إنتبه لوجود وسادة تحت رأسه، فمن يركز نظره على المسيح لا يخاف، بل
هذا يمنح النفس سلاماً وسط التجربة. ونوم المسيح إثبات لكمال بشريته. ومرة أخرى
فوجود المسيح فى حياتنا وفى الكنيسة لا يمنع التجارب لكن هو يحفظنا منها. وأخذوه
كما كان فى السفينة (
مر 36:4) أى أن المسيح كان فى السفينة يُعَلِّم ولما قرر
أن يعبر بحر الجليل بسبب الزحام، إنطلقوا بالسفينة والمعلم فى مكانه وهذه أيضاً
ملاحظة شاهد عيان.

والعجيب
أن داود النبى تنبأ عن هذه الحادثة تفصيلاً (مز 23:107-32). لنطمئن فالمسيح له
قدرة على كل ما هو فوق قدرة الإنسان كالرياح والبحر.. الخ. يشير القديسين مرقس
ولوقا أن التلاميذ خافوا إذ رأوا المعجزة، هم ما كانوا يخافوا من المسيح، ولكنهم
خافوا الآن إذ شعروا بالسلطان الإلهى على الرياح والبحر. وهذا هو الخوف المطلوب.
أما خوف عدم الإيمان فهو خوف يُهلك. من هو هذا فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه
(
مر 41:4) هذه شهادة بلاهوت المسيح. فهذا قيل عن يهوة " أنت متسلط على
كبرياء البحر (مز 9:89،11). عموماً وجود المسيح فى الكنيسة أو فى حياتنا لا يمنع
التجارب، لكن هو له سلطان عليها ومتى يريد يسكتها. لكن فائدتها أن نصرخ دائماً له
ونشعر بالإحتياج إليه. وحينما يستجيب يزداد إيماننا به.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد إنجيل متى 02

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي