الإصحاح الرابع

 

تجربة
المسيح:             (مت1:4-11) (مر12:1،13) (لو1:4-15)

الآيات (31-37):         في كتابنا هذا
(مر21:1-28)

الآيات (38-41):         في كتاب إنجيل متى
(مت14:8-17)

الآيات (42-44):         كتابنا هذا (مر35:2-39)

 

 

نجد
الإنجيليين الثلاثة الذين أوردوا قصة تجربة المسيح، أنهم يأتوا بها بعد معموديته
وحلول الروح القدس عليه. إذ أن حلول الروح القدس على المسيح يعني مسحه أي تكريسه
لعمل الفداء وهذا يعني حتماً الدخول في صراع مع الشيطان.

 

وما
الذي أثار الشيطان ليبدأ المواجهة مع المسيح؟

من
المعروف أن الشيطان هو رئيس هذا العالم كما أسماه المسيح (يو30:14). وهو يستخدم
إغراءات وملاذ العالم في إبعاد أولاد الله عنه. الله خلق العالم بما فيه لنستعمله،
ولكن إبليس حوَّل العالم إلى هدف عند الناس. والمسيح بدأ حربه ضد إبليس بأنه صام
والصوم هو زهد في ملذات هذا العالم، وكأن المسيح يعلن لرئيس هذا العالم أنه لا
يهتم بأسلحته وملذاته، وبهذا أثار الشيطان.

 

ولكن
كما نفهم من أقوال السيد المسيح أن الصوم والصلاة أقوى أسلحة ضد الشيطان
(مت21:17). ولذلك فالكنيسة الأرثوذكسية تضع أصواماً كثيرة لتسلح أولادها ضد إبليس،
فإن كان المسيح قد احتاج للصوم فكم وكم أنا الخاطئ الضعيف.

 

نعود
ونقول أن الصوم هو سلاح ضد الشيطان ولكننا نجد هنا أن الصوم أثار الشيطان ضد
المسيح فحاربه، فهل نصوم ليحاربنا الشيطان؟ نقول نعم فنحن في حروبنا لسنا نحارب
بقوتنا بل أن المسيح الغالب يغلب فينا (يو33:16+ رؤ2:6). والروح الذي فينا هو روح
قوة ونصرة ضد إبليس، فلماذا الخوف من حروبه!! بل أننا إذا غلبنا إبليس برفضنا
لملذات العالم وجهادنا في صلواتنا وأصوامنا نمتلئ بالروح أكثر، وهذا ما حدث مع
المسيح إذ يقول الكتاب أن المسيح بعد التجربة رجع بقوة الروح إلى الجليل (لو14:4).
لذلك فالله يسمح بالتجارب الشيطانية ضدنا ولكن هذا لنغلب به، وحينما نغلب نمتلئ
أكثر بالروح وبهذا يعظم انتصارنا (رو37:8) وهناك قصة من العهد القديم تشرح هذه
الفكرة تماماً. فقد جاء يهوشافاط كملك قديس على يهوذا، فأثارت قداسته ثائرة إبليس
فأهاج الأعداء ضده واجتمع عليه جيش عظيم. إذاً سمح الله بتجربة هذا الملك القديس.
فماذا فعل يهوشافاط؟ نجده يصلي ويسبح ويصرخ لله، ونجد الله يتدخل ويزيل العدو من
أمامه ويعود يهوشافاط وشعبه ومعهم غنائم كثيرة، عادوا أعظم من منتصرين
(2أي1:20-30) (أي لم ينتصروا فقط بل عادوا ومعهم غنائم). والمسيح أتى ليفتتح ملكوت
الله في صميم العالم وهذا معناه اقتحام سلطة الشيطان رئيس هذا العالم ونهب داره
أولاً، داره الذي سلَّحه بأسلحة الخطية المتعددة من شهوات وملذات العالم
(مت28:12،29). إذن فقد لزمت المواجهة.

 

ولقد
تقدم المسيح أعزل من سلطانه الإلهي، إذ تخلى عمداً عماَّ له ليستطيع أن يقف موقفنا
ويأخذ دورنا، ففي كل ما انتصر فيه المسيح معناه أننا انتصرنا، لقد انتصرت البشرية
فيه. ولنلاحظ أن المسيح بلاهوته لا قوة تقف أمامه ولا معنى أن نتكلم عن انتصاره
على إبليس أو غيره، فقوة الله لا يفوقها قوة أخرى.

 

لقد
أتى المسيح ليحارب الشيطان بعد أن حل عليه الروح القدس والروح القدس هو قوة رادعة
للشيطان، والمسيح أرسل لنا الروح القدس لنغلب الشيطان وندوسه، فالشيطان قوي
وخداعاته قوية، لكننا بالروح القدس الذي فينا نكتشف ألاعيبه ونهزمه ونرفض عروضه
الخبيثة.

 

ونكرر
أنه علينا أن لا ننزعج إذا حاربنا الشيطان إذا زهدنا العالم وصمنا وصلينا وذهبنا
للكنيسة وواظبنا عليها، فهو لا يحتمل كل هذا والله يسمح بهذه التجارب إذ نخرج منها
ببركات كثيرة وغنائم عديدة، بل نمتلئ بالروح أكثر وأكثر. وهذا ما يحدث وحدث مراراً
مع الرهبان والمتوحدين، إذ حينما تركوا العالم وذهبوا للبرية أثاروا الشيطان بزهدهم
ورفضهم لأدوات إغراءاته وأسلحته، أي ملاذ هذا العالم، فكان أن زادت حروبه ضدهم،
حتى أنه كان يظهر لهم في صورة وحوش ضارية تحاربهم، ولكن لنراجع سيرة هؤلاء لنرى
البركات التي حصلوا عليها، فعادوا أعظم من منتصرين.

 

والمسيح
دخل التجربة وهو حامل البشرية فيه وممثلها بقصد مباشر، هو أن يجيز البشرية التي
فيه كل تجارب الشيطان ثم يغلب الشيطان بجسده الضعيف، وبهذا فهو يحطم أسلحته وقوته
لحساب الإنسان الجديد أو الخليقة الجديدة التي هو رأسها التي ستقوم به وفيه من بين
الأموات.

 

بعد
هذه التجربة ربط المسيح إبليس بعد أن هزمه، ثم بعد ذلك على الصليب جرده من كل
سلطانه، ثم نزل ليهزم الشيطان في الناس ويشفيهم ويخرج الشياطين منهم إعلاناً لأنه
أتي ليحرر البشرية من إبليس. المسيح بموته على الصليب كحامل لخطايانا أبطل أقوى
أسلحة الشيطان أي الخطية، فصارت الخطية فينا ميتة أي مدانة (رو3:8) صارت الخطية
مدانة في المؤمنين إذ ماتوا مع المسيح، وجرد المسيح إبليس وتابعيه من رتبهم
وسلطانهم ليوم الدينونة (كو15:2). ولكن بقى لهم عمل يتناسب مع ضعفهم حتى إلى ذلك
اليوم، فهم ما زالوا يحاربون المؤمنين ولكن في ضعف، وشرح هذه الفكرة نجده في عدة
أماكن في العهد القديم:

 

1-
(حز24:30) فالله يكسر ذراعي فرعون (رمز إبليس) ولكنه لا يكسر رقبته. سيظل له رأس
ولكن بلا قوة الذراعين. فإبليس مازال يستخدم رأسه في بث أفكاره المسمومة من تشكيك،
وإثارة شهوات في المؤمنين، لكن لنثق أنه بلا ذراعين أي بلا قوة، الشيطان هو قوة
فكرية ولكنه هو لا يستطيع أن يرغم أحد على قبول أفكاره، بل أن المؤمنين حين يصرخون
لله يطردون هذه الأفكار سريعاً.

 

2-
نسمع في قصة فرعون والخروج أن جيش فرعون قد غرق في البحر الأحمر، ولكننا لم نسمع
أن فرعون نفسه قد غرق. وفرعون رمز لإبليس الذي بقي بعد معركة الصليب بلا قوة (بلا
جيش).

 

المسيح
كرأس للخليقة الجديدة دخل المعركة وغلب لأن آدم رأس الخليقة القديمة دخل المعركة
وهُزِمَ.

 

بالمعمودية
وحلول الروح القدس على المسيح تكرس المسيح للصليب، وفي التجارب عروض من إبليس كما
سنرى ليبتعد عن الصليب في خدمته.

 

ربما
استخدم إبليس سلاح الأفكار ضد المسيح، فهو تارة يشككه في محبة الآب الذي تركه
جائعاً ولم يحول له الحجارة إلى خبز، وتارة يثير فيه شهوة امتلاك العالم، وهذا ما
يصنعه إبليس معنا. ولكن لنلاحظ أن التعرض للتجربة الفكرية ليس خطية وليس هو
السقوط، بل أن انتصارنا على هذه التجارب يعقبها نصرة وبركة، لكن أن نتلذذ بالفكر
فهذه هي الخطية، أن نتحاور مع إبليس، هذا هو الخطأ. لذلك قال الآباء "ليس
الخطأ أن تحوم الطيور حول رؤوسنا، بل الخطأ أن تتخذ الطيور من رؤوسنا أوكاراً لها.

 

الله
يسمح إذاً بالتجارب ويعيننا في أثنائها لنخرج مملوئين من الروح ونخرج منها أكثر
قوة وصلابة وخبرة، واثقين في وعود الله، مختبرين قوته ونصرته، الله بهذا يكون كأم
تعلم أولادها المشي، وكالنسر الذي يحمل أفراخه على جناحيه ويرتفع لأعلى ثم يتركهم
ليتعلموا الطيران ولكنه يهبط ويصير تحتهم حتى لا يسقطون على الأرض بل عليه.

 

بل
نخرج من هذه التجارب أكثر تواضعاً إذ ندرك ضعفنا وندرك أيضاً قوة الله، بل ندرك
أننا بالمسيح أقوى من الشيطان وأسلحته.

 

المسيح
هو الطريق، ففيه اعتمدنا وفيه نلنا قوة الروح القدس وفيه نصوم ونزهد في العالم،
وفيه نُقْتاد إلى التجارب غير هيابين وفيه نغلب ونخرج من التجارب أعظم من منتصرين.

 

نتعلم
أيضاً من المسيح أن نستخدم كلمة الله في حروبنا للرد على إبليس وعلينا أيضاً أن
نستخدم اسم يسوع، فحينما تهاجمك الأفكار أصرخ قائلاً "يا ربي يسوع المسيح
ارحمني أنا الخاطئ، يا ربي يسوع المسيح أعني" فتهرب منك الأفكار. ارشم نفسك
بعلامة الصليب التي يفزع منها إبليس، استعن بالقديسين وشفاعتهم فيأتوا لمعونتك.

 

إبليس
هو المجرب ومن أسمائه أي صفاته أنه الشيطان أي المقاوم. وهو المعاند والمشتكي
والمتمرد. هو خصم لا يكف عن الحرب.

 

كلمات
السيد المسيح التي استخدمها مقتبسة من سفر التثنية (تث3:8+ تث16:6+ تث13:6) بالترتيب

 

ملحوظة:
في طقس المعمودية نجحد الشيطان وهذا معناه أن المؤمن سيدخل في تحد مع الشيطان
يرفضه ويرفض أعماله وإغراءاته. وكما أن التجربة للمسيح ارتبطت بالمعمودية هكذا نحن
بالمعمودية ندخل في معركة مع إبليس العمر كله، لكنها معركة ستنتهي حتماً بانتصار
أولاد الله الذين قبلوا المسيح رأساً لهم وحل عليهم الروح القدس. فالروح القدس هو
الذي يقودنا بعد المعمودية.

 

(لو1:4-14)

آية
(1) "أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في
البرية."

أما
يسوع=
هذا
اسمه الإنساني، فهو جرب كإنسان، لذلك فيوحنا الذي تكلم عن لاهوت المسيح لم يورد
هذه التجربة، وبهذا فهو صار مُجَرَّب مثلنا. فلو دخل التجربة بلاهوته لما كان قد
جرب مثلنا.

هذه
الآية نرى فيها ارتباط المعمودية بالتجربة.

آية
(2) "أربعين يوما يجرب من إبليس ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمت جاع
أخيراً."

أربعين
يوماً=
موسى
يصوم 40يوماً ليتسلم شريعة العهد القديم كان فيها يحرم جسده لترتفع الروح حُرَّة
من مشاغبات الجسد فيأخذ من الله الشريعة. وهكذا صام المسيح 40يوماً قبل البدء في
خدمة العهد الجديد.

آية
(13) "ولما اكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين."

فارقه
إلى حين=
فالشيطان
لا يكف عن حروبه ضدنا، فإن لم نستجب لإغراءاته أشهر ضدنا اضطهاداً، وهذا ما فعله
بالمسيح إذ أثار ضده الفريسيين وغيرهم، ثم انتهى بمؤامرة الصليب. وربما أن القديس
لوقا أراد أن ينوه عن هذا إذ هو نقل التجربة الثانية، أي تجربة جناح الهيكل في
أورشليم بحسب متى لتصبح في لوقا التجربة الثالثة، لأنه يريد أن يقول أن هزيمة
إبليس هنا الأخيرة في أورشليم كانت تمهيداً لهزيمته النهائية على الصليب في
أورشليم أيضاً.

كل
تجربة=
ربما
كانت هناك تجارب أخرى لم يكشف عنها المسيح فهي فوق إدراكنا، بل حتى القديسين
حاربهم إبليس بحروب فوق إدراكنا. ونشكر الله أن الله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل.

آية
(14) "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل وخرج خبر عنه في جميع الكورة
المحيطة."

رجوع
يسوع بقوة الروح بعد هزيمته لإبليس وبعد صومه فيه درس لنا بأهمية الصيام وعدم
الخوف من حروب إبليس. وهذا القول لا يعني أن يسوع لم يكن قوياً ثم صار قوياً، بل
أن البشرية التي فيه صارت تحمل قوة جديدة هي لحسابي ولحسابك، هي رصيد نتمتع نحن
به. وظهر هذه القوة في السلطان الذي كان المسيح يعلم به ويصنع به المعجزات.

 

الآيات (14-22): "ورجع يسوع بقوة الروح
إلى الجليل وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة. وكان يعلم في مجامعهم ممجداً من
الجميع. وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام
ليقرأ. فدفع إليه سفر أشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً
فيه. روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي
للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية. وأكرز بسنة الرب
المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم
شاخصة إليه. فأبتدأ يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم. وكان الجميع
يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون أليس هذا ابن
يوسف."

رجع يسوع بقوة الروح= الجسد كان
ضعيفاً، ولكن الروح كان قوياً. ومن منهج المسيح نفهم كيف نصبح أقوياء [1] صوم
وصلاة كما صام المسيح هذه الأربعين يوماً [2] رفض إقتراحات إبليس [3] قطعاً يسبق
كل هذا المعمودية. ومن المؤكد سننتصر لأن غلبة المسيح على الشيطان كانت لحسابنا.

خرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة= بدأ السيد
معجزاته وتعاليمه في كفرناحوم، وخرجت أخباره لكل منطقة الجليل، مما أثار غيرة أهل
الناصرة، فالناصرة هي وطنه، وآخذوه على ذلك (23:4).

ممجداً من الجميع= لقد إنبهروا بتعاليمه
ومعجزاته، ولكن وياللعجب فبعد قليل نجدهم يثورون ضده ويحاولون قتله (29:4)، فهم لا
يريدون أن يسمعوا كلمات تأنيب، هم يريدون المعجزات ولكن لا يريدون التعاليم التي
تقود للحياة، يريدون شفاء الأجساد ولكن لا يريدون شفاء الأرواح. ولاحظ كبريائهم
فما أعثرهم فيه أنه من أصل بسيط أليس هذا إبن يوسف فهم في كبريائهم يريدون
أن من يعلمهم يكون إبن ملوك. وسنرى سبباً آخر بعد ذلك لثورتهم أن السيد أشار
لاستحقاق الأمم للشفاء (26:4،27) وهم كانوا يشعرون أنهم أبناء الله أمّا الأمم
فكانوا يسمونهم كلاباً.

إن إنتقالهم هكذا من الإعجاب بالمسيح إلى محاولة
قتله ليشير أنهم فقدوا الحس والبصيرة (تث28:32-33). (آية16): وقام ليقرأ= كان
الشعب يجتمع في المجامع للصلاة ولسماع الكتاب المقدس والوعظ والتعليم. وكان من
الممكن أن يُدعى للقراءة والوعظ أي شخص يمكنه أن يتكلم، وهذا إستغله رُسُل
المسيحية فعلموا من خلال المجامع اليهودية المنتشرة في العالم كله عن المسيح.
والمجامع بدأ إنشاؤها بعد السبي. وكانوا يجتمعون أيام السبت والإثنين والخميس.
وكانت هناك قراءات محددة لكل يوم. (بنظام القطمارس القبطي حالياً). فكان يقرأ جزء
من ناموس موسى أي التوراة وجزء من الأنبياء (أع14:13-16). حسب عادته= إذاً
فالمسيح كان قد تعود حضور المجامع في المكان الذي يوجد به. وبالرجوع للآية (15):-
نجد أن المسيح قد ظهر في مجامع اليهود كواعظ مشهور. وقام ليقرأ= كانت
العادة أن يقرأوا الكتاب وهم وقوف، ويجلسون عند الوعظ والتعليم (نح5:8). ومن كان
يريد أن يتكلم ويعظ يقف، لذلك وقف السيد.

(آية17): كانت القراءة من أسفار النبوات في هذا
اليوم مأخوذة من سفر إشعياء (أش1:61،2). وكان هذا بتدبير إلهي فليس هناك مكان
للصدف في تدبيرات الله، وكان النص يتحدث عن المسيح.

(آيات 18-20): وطوى السفر= بعد أن قرأ وأكرز
بسنة الرب المقبولة
ولم يُكِمل باقي الآية من سفر إشعياء، والتكملة هي
"وبيوم إنتقام لإلهنا" لكن المسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص لا لينتقم،
لذلك طوى السفر تعني أن الوقت ليس هو وقت الإنتقام. هو جاء ليُمْسَحْ من الروح
القدس يوم الأردن ويخصص كرئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه ليخلص المساكين، المطحونين في
عبودية لإبليس، جاء كطبيب سماوي ليشفي المنكسري القلوب. وليكرز بسنة الرب
المقبولة=
هي سنة اليوبيل التي تأتي كل 50سنة وكان يتم فيها تحرير العبيد
وتحرير الأرض، وهذا رمز لما سيقدمه المسيح بصليبه للبشرية، فهو أتى ليهب المؤمنين
الحرية الروحية، ويعيد للبشر ما فقدوه من ميراث البر وملكوت السموات. وليعيد لنا البصيرة
الروحية. إذاً سنة اليوبيل، السنة المقبولة، هي مجيئه الأول، أما "يوم إنتقام
إلهنا" فهذه إشارة لمجيئه الثاني كديان للأرض كلها. والمسيح في كلامه أشار
صراحة أنه هو المقصود بهذه النبوة. وكان يتكلم بقوة وسلطان جذبا السامعين إليه،
ولكن ياللأسف فكبريائهم قد أعمى عيونهم فلم يعرفوه ولم يؤمنوا.. لماذا؟ لأنه إبن
يوسف النجار البسيط.

 

الآيات (23-30): "فقال لهم على كل حال
تقولون لي هذا المثل أيها الطبيب أشفي نفسك كم سمعنا انه جرى في كفرناحوم فافعل
ذلك هنا أيضاً في وطنك. وقال الحق أقول لكم انه ليس نبي مقبولاً في وطنه. وبالحق
أقول لكم أن أرامل كثيرة كن في إسرائيل في أيام ايليا حين أغلقت السماء مدة ثلاث
سنين وستة اشهر لما كان جوع عظيم في الأرض كلها. ولم يرسل ايليا إلى واحدة منها
إلا إلى امرأة أرملة إلى صرفة صيدا. وبرص كثيرون كانوا في إسرائيل في زمان اليشع
النبي ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان السرياني. فامتلأ غضباً جميع الذين في المجمع
حين سمعوا هذا. فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت
مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى اسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى."

هم تساءلوا لماذا لم يبدأ المسيح معجزاته في بلده
الناصرة ولماذا بدأ في كفرناحوم. والمسيح عرف ما يجول في ذهنهم فهو الله فاحص
القلوب والكلى، فقال لهم تقولون لي هذا المثل، أيها الطبيب إشف نفسك= أي
إذا كنت طبيباً وقادر أن تشفي أهل كفرناحوم، كان الأولى بك أن تشفي أهلك في
الناصرة (= نفسك). وبهذا تثبت نفسك كطبيب شافي ولست إبن يوسف النجار فقط (طبعاً
المثل يقال أصلاً إذا أصاب الطبيب أي مرض). وكان رد المسيح عليهم وعلى تساؤلاتهم
أنه لم يصنع آيات في وسطهم لأنهم لا يستحقون.. الحق أقول لكم ليس نبي
مقبولاً في وطنه
= (هذا مثل شائع عندهم). فالمشكلة أنكم لا تقبلونني ولا تؤمنون
بي، بل كل ما تفكرون فيه بساطة عائلتي وأن أبي نجار. وأيضاً فالمثل يشير لأنهم
رافضين للمسيح كما رفض أباؤهم الأنبياء وقتلوهم، وذلك بسب الحسد، فأهل النبي إذ
يعرفون أهله وبيته وسيرته يستكثرون عليه أن يصير نبياً، إذ يحسبونه كواحد منهم أو
أقل. فرؤية إنسان كثيراً يفرغ المهابة من حول شخصه. وهذا حقيقي دائماً فالحسد يجعل
كل واحد، لا يحتمل تفوق جاره الذي يعرفه ويظن أنه الأجدر بهذه الكرامة.

بل أن السيد أشار أن موقفه هذا تكرر من قبل مع
إيليا وإليشع إذ تمتعه بمعجزاتهم الأمم وليس أبناء وطنهم الذين لا يستحقون، بل كان
الله يؤدبهم. وهنا نفهم أسلوب الله، أن الله يمنع نعمه وبركاته عمن لا يستحقها.
وطبعاً فقصتي إيليا وإليشع، إشارة واضحة لقبول الأمم ورفض اليهود فيما بعد لصلبهم
المسيح. ولكن المعنى القريب هو إستحقاق كفرناحوم للمعجزات لإيمانهم وعدم إستحقاق
أهل الناصرة لعدم إيمانهم. ولكن إشارة المسيح لإستحقاق الأمم أكثر من اليهود
لمعجزات إيليا وإليشع، أثارت اليهود الحاضرين لكبريائهم وقاموا بمحاولة لقتل
المسيح. إلاّ أن المسيح لم تكن ساعته قد جاءت بعد فجاز في وسطهم وتركهم، فلا سلطان
لأحد عليه (يو11:19)، بل هو يضع ذاته من نفسه حين يريد (يو17:10،18) إذاً هو جاز
وسطهم بسلطان لاهوته. وهنا السيد إستغل مقاومة أهل بلده له ليعلن قبوله لكل
البشرية.

 

الآيات (لو31:4-37): "وانحدر إلى
كفرناحوم مدينة من الجليل وكان يعلمهم في السبوت. فبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان
بسلطان. وكان في المجمع رجل به روح شيطان نجس فصرخ بصوت عظيم. قائلاً آه ما لنا
ولك يا يسوع الناصري أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت قدوس الله. فانتهره يسوع
قائلاً اخرس واخرج منه فصرعه الشيطان في الوسط وخرج منه ولم يضره شيئاً. فوقعت
دهشة على الجميع وكانوا يخاطبون بعضهم بعضاً قائلين ما هذه الكلمة لأنه بسلطان
وقوة يأمر الأرواح النجسة فتخرج. وخرج صيت عنه إلى كل موضع في الكورة
المحيطة."

كفرناحوم=
كفر
النياح أو الراحة وجغرافياً فيه أوطى من الناصرة لذلك يقول إنحدر. في السبت= يوم
الراحة فالقديس مرقس بدا معجزات السيد المسيح بهذه المعجزة، وهو يكتب للأمم ليعلن
لهم أن السيد المسيح أتى ليعطي الراحة للمتعبين إذ يحررهم من الأرواح النجسة التي
سيطرت عليهم زماناً وأتعبتهم بل استعبدتهم. كمن له سلطان وليس كالكتبة= كان
الكتبة يقولون، الناموس يقول.. أو المعلم فلان يقول، أما السيد المسيح فكان يقول..
أما أنا فأقول كذا وكذا.. والكتبة كانت كلماتهم جوفاء بلا قوة، أمّا المسيح
فكلماته كلها قوة وجذابة للنفس.

آه
ما لنا ولك يا يسوع الناصري.. أنا أعرفك=
الشياطين عرفت المسيح
ولكن ليس كمعرفة الملائكة والقديسين الذين يجدون في معرفته فرحاً وحياة وشركة
أبدية (يو3:17). أمّا الشياطين فتعرفه دياناً لها يأتي ليهلكها، وترتعب منه. من
يفرح بالمسيح هو من إمتلأ قبله محبة، أمّا هؤلاء الشياطين فمملوئين كراهية وحقد.
هم يعرفون الله لكنها معرفة بلا حب ولا رجاء، يؤمنون ويقشعرون (يع19:2) وهم
يحاولون إبعاد البشر عن الله. والله لا يقبل شهادة هؤلاء، فهم إذا شهدوا يكون هذا
بنية خبيثة، فمثلاً هم أقنعوا الفريسيين أن السيد يخرج الشياطين بواسطة بعلزبول،
وربما يريدون بشهادتهم إثبات هذه العلاقة. المهم أن المسيح في غنى عن شهادة
الأشرار عنه. والسيد المسيح كان لا يريد في البداية الإعلان عن أنه المسيا المنتظر
حتى لا تحدث ثورة سياسية إذ يظن الشعب أنه جاء ليحررهم من الرومان. والمسيح رفض
شهادة الشياطين. فشهادتهم له هي نوع من الخداع. فهم يريدون إثبات أن لهم علاقة
بالمسيح، واليوم يشهدون له وغداً يهاجمونه فيضللون السامعين.

ولاحظ أن الشيطان لم يحتمل وجود المسيح الذي كان
يعلم بسلطان فبدأ يهتاج. ولكن الشيطان مهما كانت قوته فهو بلا حول ولا قوة أمام
سلطان رب المجد. ولاحظ أنهم عرفوا كثيراً عن المسيح، لكن الشياطين لم يدركوا أنه
الله المتجسد، ولكن الشيطان فزع منه كما تفزع الظلمة من النور. ولاحظ أن السيد
المسيح قبل أن يخرج الشياطين من الناس سبق وهزم الشياطين في البرية. فهو إن لم يكن
قد هزمه، ما كان يقدر أن يكون له هذا السلطان. فهو هزمه لحسابنا ليحررنا من
سلطانه.

 

(لو
38:4
41):-

ولما
قام من المجمع دخل بيت سمعان وكانت حماة سمعان قد أخذتها حمى شديدة فسألوه من
اجلها. فوقف فوقها وانتهر الحمى فتركتها وفي الحال قامت وصارت تخدمهم. وعند غروب
الشمس جميع الذين كان عندهم سقماء بأمراض مختلفة قدموهم إليه فوضع يديه على كل
واحد منهم وشفاهم. وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح
ابن الله فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه انه المسيح.

هنا
نرى السيد المسيح يشفى حماة بطرس، فالسيد يهتم ببيت خادمه أو تلميذه، فعلى الخادم
أن يقدم عمره كله للمسيح ولا يفكر فى أموره الخاصة، والمسيح يتكفل بإحتياجات بيته.
وكلما خدمنا المسيح يخدمنا المسيح. فقامت وخدمتهم= دليل الشفاء الفورى
والكامل ( لم توجد فترة نقاهة) فلمس يدها= المسيح كان يمكن أن يشفى بمجرد
كلمة منه. ولكن كان يلمس فى بعض الأحيان المرض ليعلمنا أن جسده المقدس كان به قوة
الكلمة الإلهى وهذا لنفهم أنه إذا إتحدنا بجسده المقدس يمكن للنفس أن تُشفى من
امراضها وتقوى على هجمات الشياطين.

وهنه
المعجزة جذبت كثيرين فأتوا، والسيد شفى كثيرين. وربما من لم يحصل على الشفاء، كان
هذا بسبب عدم إيمانه. والشياطين إذ رأت قدرته عرفته فلم يدعهم ينطقون فهو يرفض
شهادتهم. ولوقا وحده إذ هو طبيب يصف الحمى بأنها شديدة.

ونلاحظ
أن بطرس لم يسأل السيد بنفسه، إنما الموجودين سألوه، وهذه الصورة محببه لدى السيد
وهى تطبيق لقول يعقوب صلوا بعضكم لأجل بعض. هى صورة حية لشفاعة الأعضاء بعضها لبعض
أمام رأسنا يسوع.

لماذا
أسكت السيد الشياطين أن تنطق بأنه إبن الله ؟
لقد تصوُر اليهود أن
المسيح أت كمخلص من الرومان، فهموا بعض الآيات كما فى المزامير مثل تحطيمهم بقضيب
من حديد ( مز 9:2+ مز 6:79) بطريقة خاطئة، لذلك حرص السيد أن لا ينتشر خبر انه
المسيا اولاً، حتى لايفهم الشعب أنه آتٍ ليحارب الرومان، لذلك كان يوصى تلاميذه أن
لا يقولوا إنه المسيا، وأيضاً المرضى وكل الذين أخرج منهم شياطين أمرهم أن لا يقولوا
لأحد، وهنا ينتهر الشياطين حتى لا تقول وتتكلم وتكشف هذه الحقيقة أمام الجموع لأن
الجموع كان لها فهم سياسى وعسكرى لوظيفة المسيح. ولكن حينما أعلن بطرس أن المسيح
هو إبن الله تهلل المسيح وطوب بطرس، ولكنه وجه تلاميذه للفهم الصحيح والحقيقى
للخلاص وأن هذا سيتم بموته وصلبه وقيامته وليس بثورة سياسية أو عمل عسكرى ( مت
15:16-23). فالمسيح يود أن يعرف الناس حقيقته ولكن لمن له القدرة على فهم حقيقة
الخلاص. وفى أواخر ايام المسيح على الأرض إبتدأ يعلن صراحة عن كونه إبن الله ( مت
63:26،64) ولكن نلاحظ أنه تدرج فى إعلان هذه الحقيقة بحسب حالة السامعين، فإن من
لهُ سيعطى ويزاد (مت 12:13) فبقدر ما ينمو السامع فى إستيعاب أمور وأسرار الملكوت
يرتفع التعليم ويزيد وينمو ليعطى الأكثر والأعلى، فمستوى السامع فى نموه هو الذى
يحدد مستوى التعليم الذى يقدمه المسيح، أما النفس الرافضة فينقطع عنها أسرار
الملكوت والحياة مع الله. الله يعطينا إذاً أن نكتشف اسراره بقدر ما نكون مستعدين
لذلك.السيد أيضاً أنتهر الشياطين لعلمه بأن الشيطان مخادع، فهو اليوم يشهد للمسيح
وغداً يشهد ضده فيضلل الناس لذلك أسكته حتى لا ينطقوا بأنه إبن الله.

ملحوظة:- يبدو أن المسيح
كان قد إعتاد أن يأتى لبيت بطرس لتناول الطعام وأنه أتى فى هذا اليوم لهذا الغرض،
بدليل أن حماة بطرس قامت واعدت الطعام وكان السيد يأخذ معهُ تلاميذه الأخصاء يوحنا
ويعقوب (مر 29:1).عموماً حماة سمعان ترمز لكل نفس أصيبت بالخطية فأقعدتها عن
الحركة والخدمة فجاء المسيح ليشفيها.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر القضاة دك وودورد د

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي