الإصحاح الحادي عشر

 

الآيات
(1-4):             في كتاب إنجيل متى (مت9:6-15)

الآيات (9-13): في كتاب إنجيل متى (مت7:7-12)

الآيات (14-23):         في كتاب إنجيل متى
(مت22:12-37)

الآيات (24-26):         في كتاب إنجيل متى
(مت43:12-45)

الآيات (27،28): في كتاب إنجيل متى
(مت43:12-45وما بعده)

الآيات (29-32):         في كتاب إنجيل متى
(مت38:12-42)

الآيات (33-36):         راجع هذا الكتاب
(مر21:4-25)

                             وراجع كتاب
إنجيل متى (22:6،23)

الآيات (37-54)          راجع تفسير (مت23) في
كتاب الآلام والقيامة

 

في آية (1): إذ كان يصلي= المسيح
كإنسان كامل كان يحتاج للصلاة. وكنائب عن البشرية يرفع صلاة عنا. وليقدم لنا
نموذجاً. والتلاميذ حينما رأوه يصلي بحرارة إشتهوا أن يصلوا مثله، فسألوه أن
يعلمهم الصلاة.

 

(لو 1:11-4)

وإذ
كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا
أيضا تلاميذه. فقال لهم متى صليتم فقولوا أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت
ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا اعطنا كل يوم.
واغفر لنا خطايانا لأننا نحن أيضا نغفر لكل من يذنب إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن
نجنا من الشرير

هنا يعلم السيد تلاميذه صلاة محفوظة فلماذا تنكر
علينا بعض الطوائف أن نصلى المزامير والأجبية كصلوات محفوظة والكنيسة المقدسة
تفتخر بهذه الصلاة الربانية فهى نموذج من وضع السيد نفسه، نبدأ به كل صلواتنا
وننهيها بها، فهى نموذج حى نتفهم خلاله علاقتنا بالله ودالتنا لديه، نرددها لنحيا
بالروح الذى يريده الرب نفسه. ونبدأها بإجعلنا مستحقين أن نصلى لأننا نقول أبانا.
ومن إنجيل معلمنا لوقا نفهم أن التلاميذ سألوا السيد المسيح أن يعلمهم الصلاة لما
رأوه يصلى، فهو بصلاته أمامهم تذوقوا معنى جديد وصورة جديدة للصلاة لم يعرفوها من
قبل. فالمسيح يعلم ليس بالإلزام ولكن بالإقناع الداخلى وفتح الوعى الداخلى، صلاة
المسيح وحرارتها كانت ليس كما كان الفريسيين يصلون، بل تركت أثراً عميقاً فى نفوس
التلاميذ فإشتهوا أن يصلوا مثله وبنفس الروح.

والمسيح
كان يصلى كنائب عن البشرية وكرأس للكنيسة، يصلى لحسابنا، حملنا بصلاته إلى حضن
أبيه.

أبانا
الذى فى السموات
= المسيح جعلنا فيه أبناء الله، إذ وحدنا فى شخصه كإبن لله.
ونقول أبانا بالجمع، فلسنا وحدنا فى وقوفنا أمام الله، لأن المسيح جمعنا كأعضاء
جسده ووحدنا فى نفسه. وكون أبانا هو فى السموات،إذاً لنفهم أننا أصبحنا سماويين،
وغرباء فى هذه الأرض بل هو ساكن فى قلوبنا فأصبحت قلوبنا سماء، هو فى السموات وعلى
الأرض وفى كل مكان، ولكن السيد يريد أن يرفع عيوننا إلى السموات حيث أعد هو لنا
مكاناً سنذهب إليه " أنا ذاهب لأعد لكم مكاناً يو 2:14،3 "وقولنا أبانا
تحمل معنى أنه حتى لو صلينا بمفردنا فى مخدعنا فإننا نصلى ونقدم صلواتنا بإسم
الجماعة كلها، فأنا عضو فى جسد المسيح أهتم بكل عضو آخر فى هذا الجسد، فهو مكمل
لى. وبنفس المفهوم نكمل خبزنا كفافنا وليس خبزى، نحن نصلى لأجل شعب المسيح كله
لأننا جميعاً واحد.

فى
بداية الصلاة نصلى بقولنا أبانا فندرك مركزنا الجديد بالنسبة لله والذى حصلنا علية
بالمعمودية. بل أن الروح القدس فى داخلنا يشهد لأرواحنا أننا صرنا أولاداً وأبناء
لله فنصرخ يا آبا الأب (رو 16:8+غل6:4) ليتقدس إسمك = الإسم فى الكتاب
المقدس يعبر عن حقيقة الجوهر وهدفنا هو مجد الله، نقدس إسمه فى قلوبنا ونتمنى أن
يكون هو ممجداً فى قلوب كل الناس يتقدس فينا ويرانا الناس فيقدسوا إسمه. ويكون هنا
بسلوكنا فى كمال مسيحى، نسلك بما فيه تقديس إسمك، يرانا الآخرون ويروا أعمالنا
فيمجدوا أبانا الذى فى السموات (مت16:5). صارت شهوة قلوب أبناء الله أن يصرخ
الجميع كما يفعل الملائكة قائلين قدوس قدوس قدوس.

طبعاً
قولنا ليتقدس إسمك لا يعنى أننا نطلب أن يرتقى الله فى القداسة أو يزداد فيها
بصلاتنا، فهو كامل من كل وجه، بل نشتاق أننا نَكْمُلْ ويقدسنا الله ويكون ذلك
سبباً أن كل الناس يمجدون الله.

ليأت
ملكوتك=
الله
يملك الآن على الملائكة وعلى قلوب أولاده المؤمنين به، ولكن مازال هناك شياطين
يقاومون ملكوت الله، وأشرار على الأرض غير خاضعين لناموس الله، والله يترك الجميع،
ولكن فى حدود يسمح بها، (1كو 28:15) (المسيح هنا كرأس للكنيسة يقدم الخضوع لله
الآب)

فالمؤمن
الحقيقى يشتهى أن يأتى هذا اليوم الذى يخضع فيه الكل لله، هو الشوق لمجئ السيد
المسيح الثانى فى مجده ليسود الرب على كل الخليقة ويصير الله الكل فى الكل، وتبطل
مقاومة كل الأعداء.

والمؤمن
الحقيقى يشتهى أن يمتد وينمو ملكوت الله الآن على الأرض ويزداد المؤمنين بالمسيح
عدداً، ويزداد التائبين من المؤمنين.

والمؤمن
الحقيقى يشتهى أن يملك عليه المسيح تماماً فلا يعود هناك مكان فى قلبه لمشاغبات
الجسد ولا لأى محبة للعالم والزمنيات، بل يطيع الله طاعة كاملة ومن له هذه الشهوات
المقدسة، أن يأتى الله فى ملكوته سيكون له معه نصيب فى ملكوته. من له شهوة أن لا
يكون للشيطان ولا للخطية أى نصيب فى قلبه، بل يكون قلبه كله لله، ومن يجاهد لأجل
هذا سيكون له نصيب فى ملكوت المسيح حين يجئ. بهذه الطلبة نشتاق لإضمحلال مملكة
الشيطان وأن يخضع الجميع وأولهم أنا للملك الحقيقى. وبها نتذكر أن نصيبنا هو فى
السموات فننصرف عن الإهتمام بالأرضيات.

لتكن
مشيئتك =

مشيئة الله هى الخير المطلق، فهو صانع خيرات، لا يعرف أن يعمل ما فيه ضرر لأحد.
ومشيئة الله قد تتعارض مع مشيئتى لأننى محدود فى كل شىء. فبولس صلى ثلاثة مرات
ليشفى وكانت مشيئة الله عكس مشيئة بولس، ورفض الله شفاءه، وكان هذا لخلاص نفسه
لئلا يرتفع من فرط الإستعلانات (2كو 7:12-9) وبهذا الإرتفاع يتكبر وينتفخ فيسقط
ويهلك. فمشيئة الله ليست فى شفاء الجسد والغنى المادى والمراكز العالية، فهذه كلها
قد تُضَيِّع صاحبها، ولكن مشيئة الله هى خلاص النفوس (اتى 4:2) فالله قد يسمح ببعض
التجارب والألام لخلاص النفس وبهذا تكون كل الأمور تعمل معاً للخير (رو 28:8). ما
نظنه خيراً بحسب فكرنا البشرى وما نظنه شراً ( كالمرض والفشل ) بحسب فكرنا البشرى،
كل هذا بسماح من الله وللخير، أى لخلاص نفوسنا (1كو 22:3).

إذاً
لنصلى بثقة لتكن مشئيتك يارب وليس مشيئتى، فأنا لا أعرف ما هو الخير لنفسى، والروح
القدس عمله فى الصلاة أن يجعلنا نقبل مشيئة الله (رو 26:8).

كما
فى السماء كذلك على الأرض
= هى شهوة قلب المؤمن أن يرى الكل، من على
الأرض، يعملون وفق إرادة الله ومرضاته كما تفعل الملائكة فى السماء، وأن يتمم الله
مشيئته فى كل من على الأرض كما يفعل فى السماء. فإرادة البشر قد تعطل إرادة الله
من ناحية خلاص نفوسهم، فالله كما قلنا يريد أن الجميع يخلصون، ولكن إن قاومت إرادة
الله، فالله لن يقدر أن يخلصنى ( مت 37:23-39).

هذه
الطلبة تعنى إجعلنا يارب قادرين أن نتبع الحياة السماوية فنريد ما تريده أنت. وإذا
كانت السماء تشير للمؤمنين فى الكنيسة، فشهوة قلب المؤمن أن يصير غير المؤمنين
(الأرض) مؤمنين أى سماء. يقول المرنم أن الله طأطأ السموات ونزل (مز 9:18) أى جعل
للأرض إمكانية أن تحيا فى السماويات (أف 6:2) فهل نُفرح قلب الله ونحيا فى
السماويات، وبهذا نحقق ما أراده. والسماء من الفعل سما أى هى ارتفاع عن الشهوات
الأرضية، وهذا ما طلبه الرسول (كو 1:3) إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا من
فوق….

خبزنا
كفافنا أعطنا اليوم
= يقول الدارسين للغة اليونانية أن كلمة كفافنا
المستخدمة هنا تعنى خبزنا الذى يكفينا لليوم وتعنى أيضاً خبزنا الذى للغد، الخبز
الجوهرى الأساسى. فالله هو المسئول أن يقوتنا بالخبز الجسدى والملبس وإحتياجات
الحياة، وهو المسئول أيضاً عن الإحتياجات الروحية والغذاء الروحى. والله يغذى
أرواحنا بكلمته فى الكتاب المقدس وبالأسرار الكنسية ومنها التناول الذى يفتح
أعيننا فنعرف الله كما فُتِحت أعين تلميذى عمواس بعد كسر الخبز. والله هو الذى
سيعطينا الشبع بمعرفته فى الحياة الأبدية (يو 3:17). هذا نطلبه الآن أن نعرف الله
فتحيا نفوسنا ونحيا منتصرين على ألام هذه الحياة، فمعرفة الله تعطى عزاء وحياة.
وإذا فهمنا الكلمة بمعنى كفافنا، نفهم أننا نطلب الله ليعطينا ما نحتاجه فقط وليس
عطايا التدليل التى تفسد. وإذا فهمنا الكلمة بمعنى الذى للغد فنحن نعنى بها الحياة
الأبدية. وكلا المعنيين صحيح وضرورى.قوله كفافنا تعطينا أن لا ننشغل بالغد.

تأمل
:

المسيح خبزا الحياة (يو 35:6) ونحن نحتاجه كخبز سماوى يومى، بدونه تصير النفس فى
عوز.

وإغفر
لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبيين إلينا=
هذا إعتراف بأننا خطاة
ونقدم توبة ونحن محتاجين لمغفرة مستمرة فنحن مازلنا فى الجسد. من يتصور أنه بلا
خطية يضل نفسه ويكون متكبراً ( ايو 8:1). نحن فى إحتياج أن نصرخ لله دائماً مع
العشار " اللهم إرحمنى أنا الخاطىء (لو 13:18 ). فلنذكر دائماً أننا خطاة
ونطلب الرحمة والغفران ونرى أن هناك شرطاً لكى يغفر لنا الله وهو أن نغفر للآخرين.
ولنعلم أن طبيعتنا الفاسدة ودس الشيطان يمنعوننا من أن نغفر، ولكن ذلك يؤدى لفقدان
سلامنا على الأرض وأبديتنا فى السماء. ولنلاحظ أن من يخطىء فى حقى فخطيته صغيرة
لأننى صغير، ولكنى حين أخطأت إلى الله فخطيتى كبيرة جداً بل غير محدودة لأن الله
غير محدود، فإن لم أغفر الخطايا الصغيرة كيف يغفر الله لى الخطايا الكبيرة. ونلاحظ
فى هذه الطلبة أننا نقدم إعتراف مستمر بخطايانا ولا نلتمس الأعذار وفيها أيضاً
إلتزام بأن نغفر للآخرين.

لا
تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير=
نحن نثق فى أن الله
قادر أن يحفظنا من تجارب إبليس الشريرة، ولكننا لا نندفع بتهور نحو التجربة، بل فى
تواضع نطلب أن لا يدخلنا الشيطان فى تجربة، نطلب من الله أن يُبعد عنا تجارب
إبليس. فالله لا يريد النفس المتشامخة التى لا تحتاط من التجربة بل يريد النفس
المتضعة. وبصراخنا لله يهرب الشيطان، فصراخنا هو سر نجاتنا أماّ لو إتكلنا على
أنفسنا فهذا هو الكبرياء. وبداية سقوط بطرس فى الإنكار كان كبرياءهُ إذ قال لا
أنكرك، والمسيح سمح بسقوطه فى الإنكار حتى يتضع. والشرير هو الشيطان ونحن نطلب أن
ننجو من سهامه الملتهبة ونجنا من الشرير = أى نجنا من خداعاته وإسندنا ضد
حيله. ولنلاحظ أن قولنا لا تدخلنا فى تجربة لا تعنى أننا لن ندخل أبداً فى تجربة،
أى لن نجرب، وإلاّ لما أضاف الرب" لكن نجنا من الشرير" فالشرير لابد سوف
يجربنا، ونحن نصرخ بإتضاع يا رب أنا لست كفؤاً لتجارب إبليس فإن سمحت بتجربة فنجنى
منها حتى لا أهلك، وستكون هناك تجارب طالما نحن فى الجسد.ولكننا نعلم أنه إذا سمح
الله بتجربة فهى حتى ننمو روحياً، هو يسندنا خلالها، ونخرج وقد اكتسبنا شيئاً لذلك
نصرخ له. وأضاف الأباء بعد هذا "بالمسيح يسوع ربنا" وهى مستنتجة من قول
المسيح مهما سألتم بإسمى فذلك أفعله ( يو 13:14+ يو 23:16) لأن لك الملك والقوة
والمجد إلى الأبد =
بعد أن نطلب أن ينجينا الله من الشيطان الشرير. نقول هذه
التسبحة فتعطينا راحة وثقة أننا فى يد الله محفوظين فلا نخاف من إبليس وتجاربه.الملك=
هو يملك على الإنسان وعلى الشيطان وعلى كل الخليقة. والقوة= هو أقوى
بما لا يقاس من عدونا الذى يجربنا. والمجد = هو مستحق أن نمجده.

أمين=
كلمة
عبرية تعنى ليكن هذا وباليونانية أمين تعنى حقاً.

 

الآيات (5-8): "ثم قال لهم من منكم يكون له صديق
ويمضي إليه نصف الليل ويقول له يا صديق أقرضني ثلاثة أرغفة. لأن صديقاً لي جاءني
من سفر وليس لي ما اقدم له. فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني الباب مغلق الآن
وأولادي معي في الفراش لا اقدر أن أقوم وأعطيك. أقول لكم وأن كان لا يقوم ويعطيه
لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج."

في الآيات السابقة قدم السيد نفسه نموذجاً
حياً للصلاة مما دفع تلاميذه أن يسألوه علمنا أن نصلي. فعلمهم الصلاة الربانية ثم
ها هو هنا يعلمهم اللجاجة. ليس لأنه يستجيب لكثرة الكلام وإنما حين نطيل صلواتنا،
فنحن نطيل فترة صلتنا بالله، وندخل معه في صلة حقيقية، ومع الوقت تتحول الصلاة إلى
عبادة ملتهبة بالروح، فيها لا نكف عن الصلاة، بل نظل في صلة مع الله حتى ونحن في
أعمالنا، وفي الشارع وفي كل مكان. صلوا بلا إنقطاع (1تس17:5). والصلاة بلجاجة تحمل
معنى الإيمان والثقة في إستجابة الله، أمّا ترك الصلاة بيأس فيحمل معنى عدم الثقة
في الله وهذا ممّا يحزن الله. ونلاحظ في مثل السيد المسيح أن هذا الإنسان حقق غرضه
من إنسان مثله تتنازعه عوامل الأثرة والكسل، أفلا نستطيع أن نحقق أغراضنا من الله
كلي المحبة والقدرة بلجاجتنا مثل هذا الإنسان، بصلاتنا نحن أيضاً بلجاجة. ولكننا
يجب أن نعلم أن الله كثيراً ما يؤجل الإستجابة بسبب عدم إستعدادنا لقبول البركة.
ولنعلم أن الصلاة بلجاجة وإيمان تعطينا هذا الإستعداد، بل تغير طبيعتنا تماماً.

مثال: رسام يقوم
برسم صورة لأحد الأشخاص على لوحة. فإذا جلس الشخص أمام الرسام لحظات ثم قام، ليأتي
بعد أيام ويجلس لحظات ويقوم، لن يستطيع هذا الرسام رسم اللوحة. ولكن على الشخص أن
يطيل وقفته أمام الرسام حتى ترسم الصورة. والرسام هو الروح القدس، وهو يرسم فينا
صورة المسيح، ولكنه يحتاج لوقت نقف فيه أمام الله، ليتمكن من رسم هذه الصورة فينا
(غل19:4) إذاً لنقف أمام الله في مثابرة حتى تتغير طبيعتنا.

والمسيح هنا يقدم نفسه كصديق= من منكم يكون
له صديق=
وهذا يشرح لنا أن طلبتنا منه يجب أن تكون بدالة فهو صديق. بل الله هو
أب نصرخ له قائلين يا أبانا.. فما مقدار الدالة والثقة التي يجب أن نصلي بها.
وهناك شرك آخر هو الإحساس بالعوز، وهذا ما تعبر عنه اللجاجة. ونلاحظ في المثل أن
الطالب يطلب لأجل آخر جاء ليزوره، وهذا يعلمنا أن نصلي لأجل الآخرين.. هذه هي
المحبة في المسيحية.

ولاحظ أن المسيح يصعب الأمر (نصف الليل
والصديق نائم/ لا تزعجني/ الباب مغلق الآن/ أولادي في الفراش/ لا أقدر) ليشرح أنه
في بعض الأحيان تتأخر الإستجابة، وحتى نزيد من لجاجتنا في الصلاة، ويرتفع مستوى
الصلاة وحرارة اللجاجة إلى المستوى الذي يساوي إستجابة الصلاة.

نصف الليل= نصف الليل إعلان عن وقت الضيقة، ولمن نذهب في ضيقتنا؟ لو ذهبنا لصديق بشري
في منتصف الليل لكان هذا إزعاجاً ولكن أبونا السماوي لا ينعس ولا ينام، ويقول
"إدعني وقت الضيق" وداود كان يسبحه في نصف الليل (مز62:119). ونصف الليل
أيضاً تعبير عن حالة كسل وفتور أو خطية وإبتعاد، فالليل يشير لكل هذا. ولكن من
يدرك وضعه هذا، عليه أن يلجأ لله صارخاً شاعراً بالعوز والإحتياج، ولكن مصلياً
برجاء ودالة، بثقة وإصرار ومن المؤكد فالله سيستجيب. قد يتأخر الله، حتى نشعر بعظم
العطية التي سنأخذها لكنه سيستجيب. ثلاث خبزات= [1] فالله يشبعنا نفساً
وجسداً وروحاً. [2] رقم 3 إشارة للثالوث فنحن نشبع بمعرفتنا وعلاقتنا بالثالوث.
فالروح يثبتنا في الابن، والإبن يحملنا لأحضان الآب. [3] الخبز يشير لجسد المسيح،
ورقم 3 يشير للقيامة، فنحن نشبع بجسد المسيح القائم من الأموات.

يأتي بعد هذا المثل إسألوا تعطوا والمقصود
إسألوا بلجاجة وثقة.

 

(لو9:11-13):-

وأنا
أقول لكم أسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم. لان كل من يسال يأخذ ومن
يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزا افيعطيه حجرا إن سمكة
افيعطيه حية بدل السمكة. أو إذا سأله بيضة افيعطيه عقربا. فان كنتم وانتم أشرار
تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الأب الذي من السماء يعطي الروح
القدس للذين يسألونه

هنا يكرر
القديس لوقا نفس الكلمات ولنلاحظ فرقين

1- 
الآيات
إسألوا تعطوا

جاءت بعد حديث السيد المسيح عن أهمية اللجاجة فى الصلاة. ومن هنا نفهم أن الصلاة
المقبولة عند الله،أحد شروطها هو اللجاجة. فاللجاجة لها أهميتها، فهى تخلق دالة
بيننا وبين الله، فنشعر بأبوته، خصوصاً أن لنا هنا وعداً أن كل من يسأل يأخذ. فمع
الطلبة بلجاجة نمتلىء رجاء. وقد يبطىء الله بعض الأحيان فى الإستجابة حتى نشعر
بأهمية ما سنحصل عليه، أو لأن الله يرى أن الوقت غير مناسب للإستجابة، أو لأن ما
نطلبه ليس فى مصلحتنا، لكن عموماً من يصلى بلجاجة حتى ولو لم يستجيب الله طلبته
ستنشأ علاقة حب ودالة وثقة بينه وبين الله فيتقبل ما يسمح به الله. وهذا نراه فى
صلاة المسيح فى جثيسمانى فهو يطلب رفع الكأس عنه، ولكن سرعان ما يقول.. لتكن لا
كإرادتى ولكن كإرادتك. وهذا يفعله معنا الروح القدس.. لكن قد تحدث الإستجابة..
إستجابتنا لصوت الروح القدس.. بعد فترة. فنحن قد نبدأ الصلاة طالبين شيئاً بعينه،
ونصلى بلجاجة، لمدة من الزمن، وبعد وقت نستجيب لصوت الروح القدس فينا، ونقول أنا
يا رب لا أعرف أين هو الصالح.. إذاً لتكن مشيئتك.

2- 
الفرق
الثانى هو أن لوقا وضع كلمة الروح القدس هنا آية (13) عوضاً عن كلمة خيرات فى
إنجيل متى. ومن هنا نفهم أن الروح القدس هو أعظم عطية يعطيها لنا الآب السماوى.
وهذا هو ما يجب أن نسأله وبلجاجة أن يعطيه لنا. من الآن علينا أن نطلب الإمتلاء من
الروح القدس عوضاً عن أن نهتم فى صلواتنا بالأمور الزمنية فهذه.. تزاد لكم. فالروح
القدس هو الذى يعطينا أن نصير خليقة جديدة، هو يعلمنا كل شىء ويذكرنا بكل ما قاله
المسيح، هو يثبتنا فى المسيح ويحملنا إلى حضن الآب وهو الذى يفتح أعيننا على ما لم
تراه عين ( 1كو 10:2).

تأمل
:- إسألوا.. اطلبوا.. إقرعوا=
هى درجات الإصرار واللجاجة فى الصلاة فدرجة
إقرعوا هى أعلى درجة، هى درجة الصراخ لله ليفتح، والعجيب أن الله صوَّر نفسه هكذا
صارخاً أو قارعاً لنفتح قلوبنا له (رؤ 20:3) فإن كان المسيح يقرع هكذا على باب
قلبى، أفلا أثابر وأقرع وأصلى له بلجاجة.

الخبز=
يشير
للحياة. وهذا ما يريده الله لنا. الحجر= وهذا يشير للقساوة، وهذا ليس هو
قلب الله لنا

السمكة=
هى
حياة وسط بحر هذا العالم.

البيضة= حياة بعد
موت. فالله يريد لنا حياة هنا وفى السماء.

الحية
والعقرب=
موت.
وقطعاً هذا لا يريده الله لنا. بل التجارب هى لتاديبنا فتكون لنا للحياة.

 

(لو 14:11-23):-

وكان
يخرج شيطانا وكان ذلك اخرس فلما اخرج الشيطان تكلم الأخرس فتعجب الجموع. وأما قوم
منهم فقالوا ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين. وآخرون طلبوا منه اية من
السماء يجربونه. فعلم أفكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وبيت منقسم
على بيت يسقط. فان كان الشيطان أيضا ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته لأنكم تقولون
أنى ببعلزبول اخرج الشياطين. فان كنت أنا ببعلزبول اخرج الشياطين فأبناؤكم بمن
يخرجون لذلك هم يكونون قضاتكم. ولكن أن كنت بإصبع الله اخرج الشياطين فقد اقبل
عليكم ملكوت الله. حينما يحفظ القوي داره متسلحا تكون أمواله في أمان. ولكن متى
جاء من هو أقوى منه فانه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه ويوزع غنائمه.
من ليس معي فهو علي ومن لا يجمع معي فهو يفرق.

فى
إنجيل متى نسمع أن السيد المسيح يشفى مجنون أعمى وأخرس فيتهمه الفريسيون لحسدهم له
انه إنما عمل هذا بالشيطان ليبعدوا الناس عنه. ورد المسيح عليهم فى خطاب طويل.
يورد منه القديس مرقس بعضٌ منه. أما القديس لوقا فأورد نفس الخطاب بعد معجزة شفاء
أخرس. وكان يخرِجُ شيطاناً وكان ذلك أخرس = طبعاً لا يوجد شيطان أخرس. ولكن
هذه صفة الإنسان الذى صار أخرساً نتيجة لسكن الشيطان فيه. وبمقارنة ماورد فى متى
وفى لوقا نفهم أن السيد المسيح قد شفى المجنون الأعمى الأخرس بأن أخرج منه الروح
النجس الذى جعله كذلك.

والمجنون
هو من يفعل شْىء لا يتوقع أن يصدر عن إنساناً عاقل، مثلاً إذا وجدنا إنساناً يُلقى
بنفسه فى النار، نقول عنه أنه مجنون لأنه يفعل ما يضربه نفسه. والشيطان يغوى
الإنسان أن يخطىء وحين يتجاوب معه ويسير فى طريق الخطية يكون مجنوناً روحياً إذ هو
يضر نفسه، فطريق الخطية نهايته الموت. ثم لو سار إنسان فى هذا الطريق سيصاب بالعمى
الروحى فلا يعود يعرف المسيح ولا يتذوق حلاوة عشرته. وطالما صار لا يعرف المسيح
ولا حلاوة عشرته فهو لن يسبحه ولن يتحرك لسانه طالباً التوبة إذ صار أخرساً.
(فالعمى الروحى يعمى الإنسان أيضاً عن فساد طريقه فلا يعرف انه خاطىء ولن يطلب
التوبة). فشفاء السيد المسيح لهذا المجنون الأعمى الأخرس هو رمز لشفاء الخاطئ الذى
يسيطر عليه الشيطان أو تسيطر عليه الخطية فيسلبه لبه وعقله ويعميه عن رؤية البركات
السماوية وعن رؤية الهلاك الأبدى، فلا يقع بصره إلاّ على اللذات العالمية ويعقد
لسانه عن الإعتراف بالذنب والتوبة وعن التسبيح. وفى هذه المعجزة نرى إنهيار مملكة
الشيطان التى تفقد الإنسان فكره السليم ورؤيته وتخرس لسانه.والشعب العادى رأى فى
هذا إعلان مملكة المسيا=العل هذا إبن داود ولكن الفريسيين جدفوا وأظهروا
عداءهم بغير تعقل قائلين هذا لا يخرج الشياطين إلاّ ببعلزبول رئيس الشياطين =
وأصل كلمة بعلزبول هو بعلزبول أى إله الذباب عند العقرونيين، (2مل 3:1) وأسموه
هكذا إذ كانوا يعتقدون أن فيه القدرة على طرد الذباب من المنازل، أما اليهود
فأخذوا الإسم وأطلقوه على الشيطان بعد تعديله إلى بعلزبول أى إله المزابل وكان رد
المسيح أن الشيطان لا ينقسم على نفسه وإلاّ خربت مملكته. وفى هذا درس لنا إلا
ننقسم على أنفسنا سواء على مستوى الكنيسة أو مستوى العائلة.وكل إنقسام سواء على
مستوى الكنيسة أو العائلات هو غريب عن روح المسيح. إنه من عمل الشيطان. وهل من
المنطقى أن يأتى الشيطان ليسئ لإنسان ( وهذه خطتهم ) فيأتى أخر وينقسم عليهم
ويخرجه ما لم يكن لمن أخرجه سلطان على الشياطين.

فأبناؤكم
بمن يخرجون=
يقصد تلاميذه الذين هم من أبناء الشعب وهؤلاء لما أرسلهم
المسيح أخضعوا الشياطين بإسم المسيح (لو 17:10 + مت 8:10) وهؤلاء صيادين بسطاء لم
يعرف عنهم أنهم يتعاملون بالسحر وهم صاروا شهود للمسيح وبره وقوته ومحبته وقضاة
لهؤلاء المتمردين، فهم بشهادتهم يوم الدين سُيحكم على هؤلاء المفترين على المسيح
ظلماً. ولو تعلل هؤلاء بأن الشيطان أغواهم إذ كان مسيطراً عليهم، فتلاميذ المسيح
أيضاً سيدينونهم إذ هم منهم، هم إخوتهم وأبناءهم، وهم سيشهدوا أن المسيح قد قيد
إبليس وحررهم، وكان المسيح مستعداً لأن يحرر كل من يقبله. ولكن إن كنت أنا بروح
الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله =
هنا السيد يؤكد أنه يخرج
الشياطين بروح الله، والمقصود طبعاً أن المسيح يريد أن يقول أنا لا أستخدم بعلزبول
ولكن أنا بروح الله الذى تعرفونه أعمل ما أعمله من معجزات إخراج الشياطين، هنا
السيد يظهر العلاقة بينه وبين الله حتى يطمئنوا أنه لا يستخدم قوى شيطانية، كان
المسيح يمكنه أن يقول أنا أخرج الشياطين بقوتى ولكن كان هذا لن يعطى إطمئناناً
للسامعين فهم لم يعرفوا بعد من هو المسيح، كان السيد يريد أن يطمئنهم أن مصدر قوته
هو الله وليس الشيطان. وعلامة ذلك قد ظهرت فى حياة التلاميذ البسطاء الذين صاروا
يحملون قوة وسلطاناً، الأمر الذى يؤكد ظهور ملكوت الله، محطماً مملكة الشيطان
ليقيم مملكة الله الروحية على كل الأمم. وليملك على القلوب

والآن
هل السامعين هم من مملكة الله أم من مملكة الشيطان ؟لقد أقبل ملكوت الله وتحطمت
مملكة الشيطان، فإن هم قبلوا المسيح صاروا مسكناً للروح القدس وتحرروا من سلطان
إبليس، وإن هم عاندوا المسيح وقاوموه فهم بالضرورة سيهلكوا مع مملكة الشيطان التى
هلكت وأتت الآية فى لوقا ولكن إن كنت أنا بإصبع الله أخرج.. وبهذا نفهم أن
الروح القدس هو إصبح الله بينما يسمى المسيح ذراع الله (اش 9:51+ مز 1:98) فالذراع
هى القوة التى يُعْمَلَ بها العمل، أماّ الأصابع فهى التى تنفذ العمل والآن الروح القدس
يبنى الكنيسة ويهيىء النفوس، ولكن عمله مبنى على قوة عمل المسيح فى فدائه. وعموما
وحدة الذراع والأصابع إشارة لوحدة الإبن والروح القدس.

السيد
المسيح هنا لا يستعرض قوته الإلهية بل هو يوجه نظر السامعين من الرافضين
والمعاندين إلى السلطان الجديد على الشياطين الذى صار متاحاً للتلاميذ، ومتاح
أيضاً لهم ولكنهم بعنادهم يحرمون أنفسهم منه. إذن عوضاً عن أن تتهمونى بأنى
ببعلزبول أخرج الشياطين تمتعوا بهذا السلطان وهذا الرصيد الذى صار للبشرية.

أم
كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوى.. =
هذا دليل ثالث أن
المسيح أخرج الشيطان بسلطانه فهو الأقوى من الشيطان. لقد إحتل الشيطان الإنسان
وحسبه بيته، ونهب كل طاقاته وإمكانياته ومواهبه لتعمل لحساب مملكة الشر.هذا
العدو القوى لن يخرج، ولا تسحب منه أمتعته التى إغتصبها ما لم يربط أولاً. فقد جاء
السيد المسيح ليعلن عملياً سلطانه كمحطم لهذا العدو القوى حتى يسحب منه ما قد سبق
فسلبه. وقد يكون بيته هو مملكته على الأرض وأمتعته هم الناس الذين يتشبهون بإبليس
أبيهم فى أعمالهم. وكما أننا ندعو القديسين أو أنى مقدسة وأمتعة مكرسة، فالأشرار
هم آنية إبليس وأمتعته. والمسيح بدأ معركة مع الشيطان على الجبل وأنهاها على
الصليب، وبعد الصليب ربطه (2بط 4:2 + رؤ 1:20-3) من ليس معى فهو علىَّ= فى
الحرب مع إبليس ( فالحرب لم تنته بعد لأن إبليس لم يلق فى البحيرة المتقدة بالنار)
لا يوجد حياد فإما أن نكون مع المسيح ضد إبليس أو نكون مع إبليس ضد المسيح، إماّ
نكون أولاداً لله أو أولاداً لإبليس. هذا الكلام موجه للسامعين ومنهم من إعتبر
المسيح أنه إبن داود خصوصاً بعد معجزة شفاء المجنون الأعمى الأخرس، ومنهم
الفريسيين الرافضين الذين جدفوا عليه. ومن لا يجمع معى فهو يفرق = فالذى
يجمع بدون المسيح، مهما جمع فهو يفرق، فالمسيح واحد وكنيسته واحدة، ومن يجمع بدونه
سيكون خارج الكنيسة الواحدة. مع المسيح ليس حل وسط، إماّ أنت مع المسيح أو ضده.
والمسيح أتى ليرد الناس لله والفريسيين بقولهم يفرقون الناس عن المسيح، إذن هم مع
الشيطان ضد الله

ونلاحظ
فى (لو 21:11) قوله حينما يحفظ القوى دارهُ متسلحاً = وأسلحة إبليس القوى
الخبث والدهاء، وجاء المسيح ليشهر هذا العدو ويفضحه ويحطم أسلحته بمحبته وبالحق
الذى فيه، ليطرده من قلوب أولاده.

فى
(مر 22:3) أماّ الكتبة الذين نزلوا من أورشليم = هم بعثة غالباً من مجمع
السنهدريم مرسلة لإفساد خدمة السيد، إذ ذاع صيته. لكن قوله نزلوا فهذا إشارة
لإنحطاطهم. ولاحظ أن مرقس لم يضع خطاب السيد عقب معجزة ولكن عقب أن أقرباء المسيح
قالوا أنه مختل (مر 21:3). فمرقس يصور أن الهجوم على المسيح كان من أقربائه ومن
الفريسيين والكتبة والسنهدريم. وهنا يوضح مرقس أن هؤلاء كان يلوثون سمعة يسوع ليوقفوا
الإنبهار به.

ومن
(مر 22:3) نجد أن هؤلاء الكتبة مرة يقولون أن معهُ بعلزبول ومرة يقولون برئيس
الشياطين يخرج الشياطين.
والمسيح يرد بأن قولهم هذا وذاك فيه تناقص إذ كيف وهو
مستحوذ عليه الشيطان يخرج شياطين، هذا هو الإنقسام بعينه، والشيطان لا يفعل ذلك
حتى لا تخرب مملكته. فإخراج الشيطان من إنسان هو حكم بطرده بسلطان يخرج أمامه
الشيطان منهزماً.

وفى
لو (16:11) نجدهم لم يكتفوا بمعجزة إخراج الشياطين بل يطلبوا معجزة أخرى
ليثبت أنه المسيا، فكان اليهود عندهم إعتقاد أن المسيا سينزل مناً من السماء كما
فعل موسى (يو 30:6-31).

 

(لو
24:11-26):-

متى
خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة وإذ لا يجد
يقول ارجع إلى بيتي الذي خرجت منه.فياتي ويجده مكنوسا مزينا.ثم يذهب ويأخذ سبعة
أرواح أخر اشر منه فتدخل وتسكن هناك فتصير أواخر ذلك الإنسان اشر من أوائله.

قبل
هذا شرح المسيح أنه هو الذى نهب أمتعة القوى بعد أن دخل بيته وذلك بعد أن ربطه
أولاً. والسيد المسيح حررنا كمؤمنين من سلطان إبليس.ولكن السيد المسح هنا يحذرنا
لئلا نبدأ الطريق ولا نكمله، فإننا بعد أن حررنا المسيح، علينا أن نجاهد لنستمر
أحرار. وذلك بأن نرفض طريق الخطية، وأن نصلى بإستمرار ونمارس وسائط النعمة، نسهر
على خلاص نفوسنا ونستعد لليوم الأخير، أماَ من يهمل ويريد فسيعود له الشيطان وبقوة
أكبر، فهو لا يجد راحته إلاً فى العودة من حيث طُرد، وهكذا يبقى متربصاً لعله فى
تهاوننا يرجع بصورة أشر وأقوى لكى يسكن فينا من جديد. هذا حال من بدأ بالروح وأكمل
بالجسد (غل 3:3) وهذا هو حال اليهود الذى يوجه السيد كلامه إليهم، إذ هم بسابق
علاقتهم مع الله ووجود الله فى وسطهم، فكأنهم تمتعوا بطرد إبليس من قلوبهم، لكنهم
إذ جحدوا الرب وجدفوا عليه صاروا أشر مما كانوا عليه قبل الإيمان ليس فيها ماء=
أى يطوف باحثاً عن شخص خلا من الروح القدس ليحتل قلبه.

والشعب
اليهودى حين كان فى مصر مستعبداً، يعيشون حسب نواميس المصريين المملوءة دنساً سكن
الروح النجس فيهم، ولكنهم خلصوا بواسطة موسى خلال رحمة الله وتقبلوا الشريعة،
حينئذ طُرِد منهم الروح النجس، والآن بجحدهم للمسيح هاجمهم الروح النجس من جديد
فوجد قلبهم فارغاً، خالياً من مخافة الله، كما لو كان مكنوساً مزيناً، فسكن فيهم.
والعكس فالروح القدس إذ يجد قلباً نقياً يطلب الله، يأتى ويسكن عنده.

ليس
فيها ماء=
كان
اليهود يظنون أن البرية هى مكان الشياطين. ونلاحظ عموماً أن الماء يرمز للروح
القدس (أش 1:44-4 + يو 37:7-39).

يطلب
راحة =

الشيطان يجد راحة فى إحتلال أجسام البشر. ليؤذيهم ويبعدهم عن الله، فهذه راحته

أرجع
إلى بيتى =

فهو إن لم يجد إنسان آخر يدخل فيه يعود لمن خرج منه. ولنطبق هذا على اليهود،
فالشيطان خرج منهم إذ أخرجهم موسى من أرض مصر وسكنوا فى أرض الميعاد، ثم سكن فى
الأمم الوثنيين، لكنه ظل متربصاً بالمكان الذى خرج منه، فالأمم كانوا أماكن ليس
بها ماء
. ولما جحد اليهود المسيح وصلبوه، صار واهم أماكن بلا ماء، فرجع
الشيطان إلى بيته ومعه سبعة أرواح أخر أشر منه. وهذا ما حدث، فحسب وصف
المؤرخ يوسيفوس عن حال اليهود قبل خراب سنه 70م على يد تيطس، نرى فعلاً أن حال
اليهود صار من أردأ ما يمكن أخلاقياً كإنما إستولى عليهم لجيئون وإندفعوا فى
شرورهم جداً. مكنوساً مزيناً = إذا عاد الإنسان لسيرته الأولى (2بط
20:2-22) ولم يحصنوا أنفسهم بعبادتهم لله. أشر منه= إذاً الشياطين متفاوتين
فى القوة والشر والخداع لكن من يتحصن بالله ينجو منهم هو برج حصين.

مكنوساً
=
ليس
فيه أثر لكلام المسيح مزيناً = فيه صور الخلاعة فى القلب. ولاحظ فالشيطان
حين يخرج من شخص يظل يجول باحثاً عن شخص آخر يؤذيه، فعمله هو أذية الناس. وإن لم
يجد آخر يعود للشخص الذى خرج منه ليحتله ثانية ويؤذيها

 

(لو 11 : 27-28):-

وفيما
هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبى للبطن الذي حملك والثديين
اللذين رضعتهما. أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه.

طوبى
للبطن=
هنا
نجد تنفيذ نبوة العذراء "كل الأجيال تطوبنى (لو 48:1)" هذه المرأة تطوب
المرأة التى حملت المسيح فى بطنها إذ أعجبت بأقواله. ونفهم أن الروح القدس نطق على
شفتيها فهى لم تذكر أباه فهو بلا أب جسدى طوبى للذين يسمعون كلام الله
= المسيح بهذا يطوب العذراء أيضاً فهى بلا شك تحفظ
كلام الله وإلاً ما إستحقت أن تكون لهُ أماً. المسيح هنا يرفض أن تكون الطوبى بسبب
القرابة الجسدية، ولكن بسبب التقوى فهذا أهم.ونجد أن من تلاميذ المسيح من هم
أقرباؤه بالجسد مثل يعقوب ويهوذا كاتب الرسالة وليس الإسخريوطى، ولكنهم فى كتابتهم
لم يقولوا أنهم أقرباء لهُ بالجسد، بل عبيده (يع 1:1 + يه1). فالقرابة الجسدية لا
تعطى فرحاً بالمسيح، فهاهم بعض أقرباؤه يعتبرونه مختل (مر 21:3). لذلك إعتبر بولس
الرسول أنه إن عرفنا المسيح حسب الجسد فنحن ما عرفناه (2كو 16:5) ولاحظ أن الناس
لن يحبوا أحداً لأنه يقول أنا إبن فلان أو علان وإنما هم يحبونه لشخصه وأعماله،
وهكذا السيد المسيح أراد أن تكون الطوبى لأمه بسبب تقواها. وإن كنا نهاجم
الفريسيين على عنادهم وعدم إيمانهم المسيح وعيونهم المغلقة، فإننا نطوب هذه المرأة
على أذنيها المفتوحتين وعيونها المفتوحة وقلبها المفتوح،فى علمت أن من أمامها أى
المسيح، ليس شخصاً عادياً، إذ هى عرفت قدر كلماته وتعاليمه.

 

(لو29:11-32):-

وفيما
كان الجموع مزدحمين أبتدأ يقول هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية
يونان النبي. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا
الجيل. ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم لأنها أتت من أقاصي
الأرض لتسمع حكمة سليمان وهوذا اعظم من سليمان ههنا. رجال نينوى سيقومون في الدين
مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان وهوذا اعظم من يونان ههنا.

رفض
السيد المسيح تقديم آية لهم لأنهم طلبوا هذا بمكر، فهو صنع معجزات من قبل لكنهم
قالوا أنه يعملها ببعلزبول فهم لا يستحقون، لأن السيد نفسه عَلّمَ من قبل ضرورة
ألا يُلقى القدس للكلاب. ولنفهم أن المعجزة ليست عملاً إستعراضياً، وإنما هى عمل
إلهى هدفه خلاص الإنسان، يقدم هذا كله الآية التى حملت رمزاً لدفن السيد المسيح
وقيامته التى بها أعطانا الخلاص وهذه الآية هى آية يونان النبى. وموت المسيح نفسه
وقيامته هى آية عجبية لمن يفهم، فموت المسيح فيه موت للخطية وقيامة المسيح فيها
إنتصار على الموت وهذه هى الآية التى يحتاجها الإنسان لخلاصه.

ونفهم
أيضاً أن المعجزات لن تزيد إيمان أحد بقدر ما يزيد إيمانه التأمل فى محبة المسيح
المصلوب عناّ، والقائم من الأموات ليقيمنا ويعطينا حياة أبدية فها هم اليهود قد
رأوا معجزات كثيرة ولم يؤمنوا بل هم يطلبون المزيد منها، والمسيح يقول لا معجزات،
فما تحتاجونه لخلاصكم ليس هو المعجزة بل التأمل فى عمل المسيح الفدائى أى موته
وقيامته. ويحتاجون لتوبة كتوبة يونان النبى وتوبة نينوى التى تابت بمناداة يونان.

ثلاثة
أيام وثلاث ليال=
التلمود يعتبر جزء اليوم يوماً كاملاً. واليهود يعبرون عن
اليوم الكامل بقولهم ليلاً ونهاراً (تك 5:1،8
+ تك 4:7،12+إس 16:4) جيل شرير وفاسق = يتهمونه أنه
ببعلزبول يعمل معجزاته التيمن= اليمن أو الجنوب عموماً أو سبأ.

(لو
30:11) يونان آية لأهل نينوى = ربما أن خبر الحوت وصل لأهل نينوى من
البحارة، ثم خرج يونان حياً، وكان هذا سبباً فى إيمان أهل نينوى فكانت آية يونان
هى خروجه من بطن الحوت بعد ثلاثة أيام. وآية المسيح الكبرى هى خروجه من الموت بعد
ثلاثة أيام. والمعنى وراء هذا الكلام أن الضربات التى كانت ستوجه لنينوى إن لم
تتب، ستوجه لليهود لو رفضوا الإيمان بالمسيح، وهذا ما حدث من تيطس سنة 70م.

ونلاحظ
فى المثلين الذين إستخدمهما المسيح 1) نينوى سمعت عن خوف وإضطرار 2) ملكة التيمن
جاءت تسمع عن إشتياق بعد أن سمعت عن سليمان أماّ إسرائيل فليس لديه إشتياق ولا
يحرك قلوبهم الخوف بالرغم من كل ما رأوه وسمعوه من المسيح، مع أن المسيح أتى بحكمة
ومعجزات أكثر بكثير من سليمان، ونادى بكلمات أعظم من يونان لكنهم رفضوه. ولاحظ أن
نينوى قبلت نبياً غريباً عنهم فهو من إسرائيل وسمعت له وتابت، واليهود رفضوا ربهم
المتجسد الذى تكلمت عنه نبوات كتابهم المقدس.

تأمل
:-
ما
نحتاجه اليوم فعلاً ليس كثرة المعجزات ولكن تغير القلب إلى قلب محب لله، والقلب
المملوء حباً لله سيقبل من يديه أى شىء.

 

الآيات (33-36): "ليس أحد يوقد سراجاً ويضعه في خفية
ولا تحت المكيال بل على المنارة لكي ينظر الداخلون النور. سراج الجسد هو العين
فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً ومتى كانت عينك شريرة فجسدك يكون
مظلماً. انظر إذاً لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة. فان كان جسدك كله نيراً ليس فيه
جزء مظلم يكون نيراً كله كما حينما يضيء لك السراج بلمعانه."

مثل السراج جاء من قبل في (لو16:8) في حديث
السيد المسيح عن أمثال ملكوت الله، فلماذا يكرر هنا ثانية؟ لاحظ أنه يأتي مباشرة
بعد طلب اليهود (الجيل الشرير) آية. والسيد وصفهم بالجيل الشرير بسبب مقاومتهم.
وما سر مقاومتهم والمسيح نوراً ظاهراً أمامهم؟ أن عينهم ليست بسيطة. فالعين
البسيطة هي التي لها هدف واحد هو أن تعرف الرب وتعاين الرب، وتطلب مجد الرب. فملكة
التيمن كان لها هدف واحد، هو أن ترى مجد سليمان وحكمته فرأت، وأهل نينوى كان هدفهم
إرضاء الله فقبلت توبتهم. أمّا هؤلاء اليهود فلا يطلبون معرفة المسيح ولا يطلبون
مجد الله، بل هم يطلبون مجد أنفسهم (يو44:5). فعيونهم ليست بسيطة ومن عينه بسيطة
يستريح المسيح فيه ويظهر له ذاته فيكون جسده نيراً. من يفتح أعين قلبه للنور
السماوي يخلص كما فعل أهل نينوى وملكة التيمن وعين القلب تظلم بعدم الإيمان
والخطية. أي لو إمتلأ قلب الإنسان بالبغضة وحب الذات والكبرياء والحقد والحسد فإنه
يُحرم من سكنى المسيح، النور الحقيقي في داخله، فيصير النور الذي فيه ظلاماً، ومع
هذا يُمسى الإنسان حكيماً في عيني نفسه وهو لا يدري أنه في ظلمة. ليس أحد يوقد
سراجاً ويضعه في خفية=
هذا إشارة لأن تعاليم المسيح وأعماله وآياته كانت أمام
الجميع، فماذا يطلبون آية؟ السبب أنهم صاروا ظلمة ولا يفهمون بينما هم يدَّعون
الفهم والحكمة. يقصد المسيح أن الجهالة بالنور لا تكون بسبب المصباح بل بسبب العين
العمياء. فملكة التيمن جاءت تتلمس حكمة سليمان وهؤلاء العميان لا يدركون أن أمامهم
أقنوم الحكمة. من يريد بإخلاص أن يعرف سيعطيه المسيح أن يعرف. فالمجوس وجدوا
المسيح، أما هيرودس والكهنة فلم يجدوه لسبب حسدهم له. وحسدهم أعمى عيونهم فلم يروا
النور.

بل على المنارة= المنارة عالية وإذا وضع فوقها النور سيراه كل أحد والمسيح السماوي نوره يشع
في كل مكان ولكل أحد لكنهم هم عميان. والمسيح سيعطي تلاميذه أيضاً أن يكونوا نوراً
للعالم.

(آية36): فإن كان جسدك كله نيراً ليس فيه
جزء مظلم=
هذه تعني إن كان داخلك نيراً، مستنيراً بنور المسيح، وأنت لا تترك
مجالاً لنفسك للسقوط في الخطية. يكون نيراً كله= حينئذ يشع نورك للخارج،
سيكون نورك ظاهراً للجميع كما من مصباح= كما حينما يضئ لك السراج بلمعانه.

سراج الجسد هو العين= أي ما يجعل جسدك منيراً كسراج أو مظلماً هو عينك أي.. ماذا
تريد، ما هو هدفك؟ هل هو المسيح أم العالم. أنظر لئلا يكون النور الذي فيك
ظلمة=
أي حاذر من أن تكون إرادتك التي جعلها الله في سلطانك، إذ خلقك حراً،
مظلمة حين تختار العالم، أو كما حدث مع الكهنة وهيرودس.

 

الآيات (37-54): "وفيما هو يتكلم سأله فريسي أن يتغدى
عنده فدخل وإتكأ. وأما الفريسي فلما رأى ذلك تعجب انه لم يغتسل أولاً قبل الغداء.
فقال له الرب انتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس والقصعة وأما باطنكم
فمملوء اختطافاً وخبثاً. يا أغبياء أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضاً. بل
أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شيء يكون نقياً لكم. ولكن ويل لكم أيها الفريسيون
لأنكم تعشرون النعنع والسذاب وكل بقل وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله كان ينبغي أن
تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ويل لكم أيها الفريسيون لأنكم تحبون المجلس الأول في
المجامع والتحيات في الأسواق. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم مثل
القبور المختفية والذين يمشون عليها لا يعلمون. فأجاب واحد من الناموسيين وقال له
يا معلم حين تقول هذا تشتمنا نحن ايضا. فقال وويل لكم انتم ايها الناموسيون لانكم
تحملون الناس أحمالاً عسرة الحمل وأنتم لا تمسون الأحمال بإحدى أصابعكم. ويل لكم
لأنكم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم. إذا تشهدون وترضون بأعمال آبائكم لأنهم
هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم. لذلك أيضاً قالت حكمة الله أني أرسل إليهم أنبياء
ورسلاً فيقتلون منهم ويطردون. لكي يطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء المهرق منذ
إنشاء العالم. من دم هابيل إلى دم زكريا الذي اهلك بين المذبح والبيت نعم أقول لكم
أنه يطلب من هذا الجيل. ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما
دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم. وفيما هو يكلمهم بهذا أبتدأ الكتبة والفريسيون يحنقون
جداً ويصادرونه على أمور كثيرة. وهم يراقبونه طالبين أن يصطادوا شيئاً من فمه لكي
يشتكوا عليه."

دعا هذا الفريسي السيد المسيح، غالباً ليس عن
محبة، بل لأنه أراد أن يوقع به ويتصيد أي خطأ عليه. والسيد لم يغتسل عمداً لا لأن
الإغتسال خطأ ولكنه أراد أن يعطي درساً لهذا الفريسي ومن معه بأن المهم هو الطهارة
الباطنية وليس الخارجية، بينما أن تطهير الخارج دون الداخل لهو حماقة. لقد ظن هذا
الفريسي أن عدم الإغتسال خطية كبرى ودليل على عدم الطهارة الباطنية، لكن في حقيقة
الأمر كان داخله عداء وحقد ورياء وعدم محبة لهذا الضيف الذي أتى به إلى منزله،بل
هو يريد أن يوقع به. ولاحظ أن ناموس موسى لا توجد به وصية واحدة عن الإغتسال قبل
الأكل، فالمسيح لم يكسر الناموس. الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضاً= إن
الله حقاً يهتم بنظافة الخارج لأنه خلقه، فهو قطعاً يهتم بطهارة القلب الذي خلقه
أيضاً، ويهتم بأن يكون خالياً من الشر والرياء والحقد حتى تجاه الضيف الذي
تستضيفه.

ولاحظ أن اليهود كانوا يغسلون الآنية من
الخارج وليس الداخل، فالغسيل ليس للتنظيف بل للطهارة الطقسية (كانوا يخافون أن
تكون قد تلامست مع نجس مثل شخص أممي مثلاً). وهذا فيه نوع من الغباء، فكيف يطهرون
خارج الآنية ويتركون داخلها الذي سيأكلون فيه أو يشربون منه. المهم أنهم يمارسون
نفس الشئ مع أنفسهم إذ هم يغتسلون من الخارج وقلوبهم مملوءة شراً. هم بهذا قد
إهتموا برأي الناس فيهم (فالناس يرون الظاهر) ولم يهتموا برأي الله فيهم (فالله
وحده يرى الداخل). وهذا هو الرياء. القصعة= الطبق. أعطوا صدقة= هم
محبين للأموال، ولكن من يعطي يصبح قلبه نقياً من الطمع والجشع وحب الظهور (إن أعطى
خفية). فمن يعمل خيراً ينقيه الله. وقول المسيح هذا كان حلاً لمشكلة الفريسيين
الذين يهتمون بأنفسهم في كبرياء. والسيد يطلب منهم هنا الإهتمام بالآخرين فتمتلئ
قلوبهم محبة. تعشرون النعنع والسذاب.. وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله= النباتات
التي يشير إليها السيد هي التي تزرع في البيوت، وهم يعشرونها ليظهروا أمام الناس
أنهم مدققين في الناموس، أمّا باطن القلب والذي من المفروض أن يمتلئ حقاً ومحبة
لله فلا يهتمون به. ولاحظ أن إهتمامهم بالعشور كان ليشجعوا الشعب على دفع العشور
وهم يستفيدون من ذلك.

(آية43): أما في المسيحية فمن أراد أن يكون
عظيماً يكون هم الأصغر (لو48:9) وعبداً (مت27:20). المسيح أخلى ذاته فهل نقبل أن
نتواضع، ولنلاحظ أن الكبرياء هو سقطة الشيطان (أش13:14،14). والفريسيون كانوا قد
إفتتنوا بمحبة المجد من الناس وإحتقروا الفقراء والمساكين والضعفاء.

(آية44): القبور المختفية= كان من يلمس
قبراً يتنجس سبعة أيام لذلك وضعوا علامات على القبور حتى لا يلمسها المارة. وهؤلاء
الفريسيون المملوئين شراً ورياء هم مثل قبور بلا علامات، لأن داخلهم نجاسة ولكنهم
يتظاهرون بالطهارة.

(آية45): في آية (44) قال ويل لكم أيها الكتبة
والفريسيون.
والناموسيون هم كتبة مشتغلين بالناموس. فطبعاً الكلام كان موجه
لهم أيضاً. وهذا الناموسي ثار لكرامته عوضاً عن أن يفكر فيما قيل ويفكر في كيف
يتوب.

(آية46): كانوا يعطون أنفسهم حلاً من ممارسة
ما يطلبونه من الناس. ولنفس السبب هاجمهم بولس الرسول (رو17:2-23).

الآيات (47-49): المسيح يوبخهم على أنهم يبنون
ويزينون قبور الأنبياء الذين قتلهم أبائهم ورفضوا تعاليمهم. وهم بسيرتهم وأعمالهم
وشرورهم يثبتون أنهم متفقون مع آبائهم قتلة الأنبياء أكثر من إتفاقهم مع الأنبياء
في أعمالهم الصالحة. وهذا ظهر في إتفاقهم الآن ضد المسيح (آيات 53،54). ثم ظهر في
مؤامرة الصليب، ثم رجم إسطفانوس، فهم مستمرين في نفس أعمال أبائهم. لذلك أيضاً
قالت حكمة الله إنى أرسل=
الله أرسل لهم الأنبياء والرسل لكي إذا سمعوهم
يخلصوا لكنهم قاموا عليهم وقتلوهم، فدم هؤلاء الأنبياء سيشهد عليهم. لكن الله
سيتبرر إذا حاكمه أحد هؤلاء، فالله سبق وأنذر، ولم يتركهم دون شاهد.

آية (50): يطلب من هذا الجيل دم جميع= ما
كان يطلب منهم إن كانوا قد تابوا أو آمنوا بالمسيح، ولكن هذا الجيل أكمل خطية
الآباء بصلبهم للمسيح.

(آية51): زكريا هو إبن برخيا (مت35:23+
2أي20:24-22) حيث يذكر أنه زكريا إبن يهوياداع. وغالباً فزكريا كان أبوه هو برخيا
الذي مات مبكراً فنسب إلى جده يهوياداع، وهذا منطقي فعمر يهوياداع كان 130سنة.
راجع باقي التفسير في كتاب آلام وقيامة السيد المسيح. ويقال أن زكريا هو أبو يوحنا
المعمدان، الذي قتله الجند بعدما وضع الطفل يوحنا على المذبح قائلاً، من حيث أخذته
(المذبح) أعيده، فخطفه ملاك الرب وذهب به للبرية وكان ذلك إبان قتل أطفال بيت لحم.

(آية52): جرت العادة أن يعطي كل ناموسي
مفتاحاً عند تعيينه وفرزه للخدمة وذلك عند الثلاثين من عمره دلالة أنه ملزم بفتح
كنوز المعرفة والحكمة الإلهية للشعب. وكان هؤلاء الدارسين للناموس يعرفون النبوات
التي تشهد للمسيح وأخفوها عن الشعب. وضللوا الشعب (بينما كان هناك من فهم موعد مجيء
المسيح مثل حنة وإنتظرت المسيح في الهيكل) فهؤلاء الناموسيون لم يدخلوا إلى
الإيمان ومنعوا الشعب بينما أن معهم مفتاح معرفة وفهم النبوات.

(آية53) يصادرونه= هي كلمة قضائية
بمعنى أن السلطات تصادر الشخص معنوياً لاسيما عند إستخدام الأحكام العرفية.
والمفهوم مقاطعته ومنعه من إبداء رأيه والإعتراض عليه.

(آية54): يشتكوا عليه= لرؤساء اليهود
على أنه مجدف، أو مقاوم للرومان وهذا بدلاً من أن يتوبوا.

هل تبحث عن  مريم العذراء العذراء مريم والدة الإله ه

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي