الإصحَاحُ
الثَّانِي عَشَرَ

 

يوم
الأحد: أحد الشعانين

دخول
المسيح أورشليم في موكب عظيم (مت1:21-11+ مر1:11-11+ لو29:19-44+ يو12:12-19)

طلب
اليونانيين أن يروا يسوع (يو20:12-36)

يوم
ثلاثاء البصخة:

– رفض
اليهود للمسيح: يوحنا (37:12-50)

 

مريم
تدهن يسوع بالطيب في بيت عنيا

وردت هذه القصة في (مت6:26-13 + مر3:14-9 + يو1:12-11)

وزمنياً
فهي حدثت كما يوردها إنجيل يوحنا يوم السبت مساءً عشية أحد الشعانين ولكننا نجد أن
متى ومرقس يوردان القصة بعد مشاورة اليهود وإتفاقهم على قتل المسيح. وذلك لأن متى
ومرقس لم يهتما بالترتيب الزمني لكنهما أرادا تصوير محبة مريم للمسيح في مقابل
خيانة يهوذا ومؤامرات اليهود. وكأنهما أرادا أن يقولا يا رب وحتى إن كان اليهود
رفضوك فنحن على إستعداد أن نبذل كل غالي في سبيل حبك. نحن نحبك يا رب مثل مريم
ومستعدين أن نسفك حياتنا لأجلك.

+
وهناك قصة مشابهة في (لو36:7-50). وهناك من يخلط بينهما ويظنهما قصة واحدة ولكن
قصة لوقا حدثت في الجليل في بيت سمعان الفريسي وكانت تلك المرأة الخاطئة ومعروفة
بخطيتها وإن كانت قد تابت حديثاً. ولكن القصة التي نحن بصددها فقد حدثت في بيت
عنيا في بيت سمعان الأبرص. غالباً كان سمعان الأبرص هو والد هذه الأسرة أي لعازر
ومرثا ومريم (مر3:14) وكان المسيح قد شفاه وإلا لما جلس معهم. في قصة لوقا إنسانة
خاطئة تسكب الطيب بروح التوبة وفي متى ومرقس إنسانة فاضلة محبة تعلن محبتها وتسكب
الطيب بروح النبوة لتكفين يسوع.

 

(يو1:12-11)

آية
(1): "ثم قبل الفصح بستة أيام آتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت
الذي أقامه من الأموات."

الفصح
يكون 14نيسان والمسيح أتى إلى بيت عنيا يوم السبت 8نيسان ووليمة العشاء كانت بعد
غروب السبت لأن مرثا كانت تخدم ولا يحل الخدمة يوم السبت. ويقرأ هذا الفصل مساء
سبت لعازر (عشية أحد الشعانين) تطبيقاً لقول الإنجيل "قبل الفصح بستة
أيام". وتكرر قراءته يوم الأربعاء من البصخة المقدسة في الساعة السادسة لما
جاء فيه عن يهوذا الإسخريوطي. وذلك حسب ما عرضه متى ومرقس وأوردا القصة بعد ذكر
مؤامرة اليهود ضد المسيح. هنا نجد أن المسيح يسلم نفسه مثل خروف الفصح بين أيدي
أحبائه ليكفنوه.

 

الآيات (2،3):
"فصنعوا له هناك عشاء وكانت مرثا تخدم وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه.
فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها
فامتلأ البيت من رائحة الطيب."

بحسب
ما ورد في متى ومرقس فهذه الوليمة كانت في بيت سمعان الأبرص وهناك رأيين [1] أن
سمعان الأبرص هو والد لعازر ومريم ومرثا والوليمة كانت في بيتهم. [2] سمعان الأبرص
شخص معروف وذو قرابة لعائلة لعازر لذلك أقام وليمة ليسوع الذي أقام لعازر. وأتت
الأختان لتخدما في هذه الوليمة بدافع محبتهما ليسوع وكرد لجميله لإقامة أخيهما
لعازر من الموت. وغالباً فسمعان الأبرص أخذ إسمه هذا من أنه كان أبرصاً وشفاه
المسيح. وسواء كان سمعان الأبرص والد لهم أو قريب فنحن أمام صورة رائعة يحبها
المسيح.

1-   
سمعان
الأبرص
:
شفاه المسيح وهو أتى ليشفينا من مرض الخطية ومعروف أن البرص رمز للخطية. والمسيح
جاء لحياتنا ليطهرها.

2-   
لعازر: أقامه المسيح من الموت وهو
أتى لتكون لنا حياة.

3- 
مرثا: وكانت مرثا تخدم مرثا
تعبر عن حبها بالخدمة. بعد أن يقيم المسيح كنيسته من الأموات ويعطيها حياة عليها
أن تقوم وتخدم وتشهد له ولعمله هذه تمثل حياة الخدمة.

4- 
مريم: تعلن حبها للمسيح وتسكب
حياتها ومالها عند قدميه مشتركة في صليبه محتملة كل ألم ويكون هذا رائحة طيبة
تنتشر في كل العالم هذه تمثل حياة التأمل.

5-   
يسوع وسط كنيسته:
يتعشى معها وتتعشى معه (رؤ20:3) فكنيسته فتحت قلبها له.

6-   
في بيت عنيا: أي
بيت الحزن والألم. والمسيح معنا الآن يشترك في آلامنا على الأرض.

ونلاحظ
أن مرثا استمرت في عملها في خدمة البيت. ومريم إستمرت في عملها تحت قدمي يسوع
ملازمة المكان الذي إختارته نصيباً لها (لو39:10،40). وهنا مريم إنتهزت فرصة
وجودها تحت قدمي يسوع لتعلن حبها، وأنها بآلامها تشترك مع المسيح في آلامه. فمريم
سمعت كلام المسيح وأنه سيصلب ويتألم ويموت وآمنت بما قال وهي تصنع هذا لتكفينه.

لعازر كان أحد المتكئين معه= وجود لعازر في الوليمة
إعلاناً لقوة الحياة التي في المسيح والتي تتحدى قرار السنهدريم. مناً= المن=
327جم= رطل روماني= لتر.

ناردين
خالص=
أي
عطر خالص دون أي زيوت أو إضافات، أصيل ونقي. ناردين معناه السنبل وهو النبات الذي
يستخرج منه هذا الطيب وهو أثمن ما عرف يومئذ من أطياب وهو من شمال الهند. هذا
إشارة لمن يقدم حباً خالصاً ولا يطلب ثمناً لهذا الحب.

دهنت
قدمي يسوع=
يقول
متى ومرقس أنها دهنت رأسه. فالعادة كانت أن يسكب المضيف دهناً على رأس ضيفه
(لو46:7). ومريم سكبت الطيب على راس السيد ثم قدميه، ومتى ومرقس تكلما عن العادة
المتبعة، أن مريم قامت بواجب الضيافة المعتاد. أمّا يوحنا فلاحظ غير المعتاد أنها
تدهن قدميه بل مسحت قدميه بشعرها وإذا كان الشعر هو مجد المرأة (1كو15:11)=
منتهى الإتضاع والإنسحاق، فيوحنا حبيب المسيح لاحظ بمحبته النارية هذه الملاحظة
أنها لم تقم فقط بواجب الضيافة المعتاد بل وضعت مجدها تحت قدمي من تحبه وهذا هو
الحب في نظر يوحنا. فإمتلأ البيت من رائحة الطيب= ملاحظة شاهد عيان. بل أن الرائحة
مازالت منتشرة لهذا اليوم "يذكر ما فعلته هذه المرأة تذكاراً لها"
ونلاحظ أن القصة حدثت عشية أسبوع آلام المسيح وتقرأها الكنيسة في ميعادها أي السبت
مساءً. فمحبة مريم التي قدمتها هي نموذج لما يجب أن نقدمه للمسيح في مقابل آلامه،
علينا أن نضع كل ما لنا (حتى مالنا من مجد تحت قدميه) فتنتشر الرائحة الطيبة.

 

الآيات (4-6):
"فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الإسخريوطي المزمع أن يسلمه. لماذا لم
يبع هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويعط للفقراء. قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء
بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه."

يذكر
الإنجيليين متى ومرقس ويوحنا أن الطيب كان كثير الثمن ولكنهم لم يهتموا بكم هو
الثمن. ولكن يهوذا وحده إهتم، فكل شئ عنده يمكن أن يباع حتى سيده المسيح. وهو
قدَّر ثمنه بثلاثمائة دينار= وهي أجرة العامل في سنة فالعامل أجرته دينار
في اليوم. ونلاحظ أن الثمن الذي قدَّره يهوذا للطيب كان أكثر كثيراً جداً من الثمن
الذي باع به سيده (يُقَّدَرْ بـ4 مرّات) هنا نرى التناقض صارخاً بين محبة مريم
للسيد ومحبة يهوذا للمال وخيانته لسيده فالإنسان العالمي يحب الأخذ ولا يحب
العطاء، أمّا إبن الله فهو يسكب نفسه سكيباً. وكان كلام يهوذا فيه تعريض بالمسيح
وأنه قبل الطيب بدلاً من الفقراء، وتحريض للتلاميذ والسامعين، وهذا ما حدث فهم
إغتاظوا وبدأوا يرددون ما قاله يهوذا (مت8:26+ مر4:14). ويهوذا كان سارقاً= وكونه
سارقاً يدل على طبعه الخائن وعدم أمانته ونلاحظ أن المسيح سلًّم يهوذا الصندوق
لكفاءته في النواحي المالية. وكان المسيح وتلاميذه يتعيشون مماّ في الصندوق. ولكن
يهوذا كان يأخذ أكثر من حقوقه لنفسه. فالله أعطاه موهبة التفوق في الأمور المالية
ولكن فنلاحظ أن مواهبنا والنقاط القوية التي نملكها قد تتحول لنقاط ضعف إذا إنخذع
الإنسان من شهوته وإنغلب من التجربة التي تَعْرِضْ له من ناحيتها. كما أنها تكون
مصدر بركة وقوة له ومنفعة للخدمة لو غلبها، أي غلب شهوته. (يع13:1،14). يحمل=
أصلها ينشل.

 

الآيات (7،8):
"فقال يسوع اتركوها أنها ليوم تكفيني قد حفظته. لأن الفقراء معكم في كل حين وأما
أنا فلست معكم في كل حين."

المسيح
هنا يتنبأ بأنه عند موته لن يكون هناك وقت لتكفينه وما فعلته مريم هو كنبوءة
(فمريم من شدة محبتها شعرت بما سيحدث له) وواجب تكفين لجسده، وهو بهذا يرد على ما
قاله يهوذا من أن هذا كان يجب أن يعطي للفقراء بأن الفقراء معكم كل حين وهناك
من قلبه مملوء شراً ويتستر وراء أشياء حلوة. والمسيح بهذا يبرئ مريم من أنها أخطأت
بفعلها، بل هي كرمت من له كل الكرامة وهو مستحق لها. بل أن ذكر التكفين كان فيه
تقريع ليهوذا الخائن الذي يفكر في خيانة سيده. فيهوذا طعن السيد ومريم تلقفت جسده
بعطرها. لقد بدأت مريم ما أكمله بعد ذلك يوسف ونيقوديموس في (مت20:28) يقول
"أنا معكم كل الأيام" وهنا يقول "أنا لست معكم في كل حين" هو
يقصد أنه سيتركهم بالجسد إذ يموت ويقوم ويصعد للسماء. ولكن المعنى إنتهزوا أي فرصة
موجودة، فالفرصة قد لا تتكرر. والمحبة تعرف متى تقدم للمسيح ومتى تعطي الفقراء.

 

الآيات (9-11):
"فعلم جمع كثير من اليهود انه هناك فجاءوا ليس لأجل يسوع فقط بل لينظروا
أيضاً لعازر الذي أقامه من الأموات. فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضاً. لأن
كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع."

بدأ الناس يتوافدون، على المسيح بسبب معجزة لعازر. ونرى هنا
غباء هؤلاء الرؤساء، فهل قتل لعازر سيجعل الناس تنسى المعجزة، وهل من أقامُه مرّة
لن يستطيع إقامته ثانية. ولنلاحظ أن هياجهم كان أحد أسبابه أن في إقامة لعازر دليل
على عدم صحة عقيدتهم بأن الموتى لا يقومون. وبسبب آخر واضح هو إلتفاف الناس حول
المسيح وإنفضاضهم عن رؤساء الكهنة اليهود.

 

(مت6:26-13)

آية
(8): "فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا قائلين لماذا هذا الإتلاف."

إغتاظوا=
لم يكن
للتلاميذ هذا الحب الذي لمريم العظيمة في حبها. فحسبوا ما فعلته إتلافاً، أمّا
مريم في محبتها للمسيح حسبت أن لا شئ له قيمة أمام حب المسيح لها، وأنها في مقابل
حبه تبذل كل غالي ونفيس، وأن حبه أهم من العطاء للفقراء، وكما رأينا فإن يهوذا هو
الذي بدأ هذا التذمر. ولاحظ أن من يريد أن يبرر نقص محبته للمسيح يقدم أعذاراً
منطقية مثل الفقراء وغيره. ولاحظ رقة المسيح في أنه لم يكشف نية يهوذا أمام الجمع.

هل تبحث عن  هوت روحى كلمة منفعة 05

 

آية
(13): "الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما
فعلته هذه تذكاراً لها."

لقد إستحسن الرب صنيع هذه المرأة وسمح بتخليد
هذا العمل تذكاراً لإيمانها وحبها، تذكار يخبر به في كل العالم الذي ينتشر فيه
الإنجيل. وهذه نبوة من الرب يسوع بإنتشار الإنجيل في العالم كله. وما الذي أراد
الرب يسوع نشره في العالم بهذه القصة؟ هذه هي قصة الكنيسة التي رأت عريسها يبذل
حياته عنها على الصليب وينابيع حبه تتفجر خلال الجنب المطعون، تتقدم هذه الكنيسة
في شخص مريم كقارورة طيب تكسره بإرادتها لتفجر رائحة حبها خلال الطيب، وهكذا فعل
الشهداء والمتوحدين والرهبان الذي تركوا العالم، بل كل نفس رفضت لذة خطايا العالم.
وهكذا يمتزج الحب بالحب والألم بالألم والصليب بالصليب والجنب المطعون بالقارورة
المنكسرة والمسكوبة على الجسد المقدس.

 

(يو12 :12-19)

الآيات (12،13): "وفي
الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم. فاخذوا سعوف
النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك
إسرائيل."

وفي الغد= أي يوم الأحد. إذاً
الوليمة كانت يوم السبت. الذين حضروا حفل العشاء أذاعوا النبأ السار أن يسوع الذي
يريدونه كملك سيأتي إلى أورشليم. والجمع الذي إحتشد كان أغلبهم من الجليليين ومن
الذين سمعوا بمعجزة إقامة لعازر فتحمسوا للقائه. وأمام هذا الإستقبال الحافل تأكدت
مخاوف الفريسيين ورؤساء الكهنة ووقفوا ينظرون خائفين وحاقدين. وسعف النخيل هو رمز
للنصرة والبهجة (لا40:23+ رؤ9:7). وهم رأوا أن يسوع هو المسيح المسيا الذي تنبأ
عنه الأنبياء وأنه سيأتي من نسل داود ليعيد لهم الملك (صف15:3-17+ لو32:1،33) فهم
كانوا يحلمون بإستعادة كرسي داود بل وأن يحكموا العالم كله. ونرى من (1مك51:13+
2مك4:14) أنهم كانوا يستقبلون الملوك بسعف النخيل. ووجدت عملات مسكوكة من أيام
سمعان المكابي عليها سعف النخيل. والنخيل شجرة محبوبة لأنها ترتفع شامخة نحو
السماء فارشة أغصانها مثل التاج كأذرع تتوسل دائماً. خضراء على الدوام تزهر وتثمر
لمئات السنين (مز12:92،13+ نش6:7-8) وفيه نرى النفس المحبوبة للمسيح تشبه بنخلة.

 

الآيات (14،15): "ووجد
يسوع جحشاً فجلس عليه كما هو مكتوب. لا تخافي يا ابنة صهيون هوذا ملكك يأتي جالساً
على جحش أتان."

لا تخافي= فدخول المسيح
لأورشليم كان للسلام ولم يأتي ليحارب الرومان وتسيل الدماء في أورشليم لكن ليملأ
القلوب سلاماً. بل ليصنع سلاماً بين السماء والأرض. وكان دخوله وديعاً هادئاً وليس
كالملوك الأرضيين يصنعون حرباً ويطلبون جزية. والجحش يستعمله الفقراء وفي هذا درس
لليهود المتكبرين الذين يحلمون بملك أرضي. وفي تواضع المسيح هذا إشارة لأن أحلام
اليهود في مملكة عالمية هي أوهام خاطئة. ودرس لكل من يحلم بمجد أرضي أنه يجري وراء
باطل.

 

آية (16): "وهذه الأمور
لم يفهمها تلاميذه أولاً ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا إن هذه كانت مكتوبة عنه
وانهم صنعوا هذه له."

لم يفهمها تلاميذه أولاً=
كثيراً ما لا نفهم أعمال المسيح أولاً ولكننا من المؤكد سنفهم فيما بعد. وأنهم
صنعوا هذه له= أي أنهم إشتركوا في تكريم المسيح كملك، وإشتركوا في تنفيذ النبوات،
فهذه عائدة على النبوات. لم يكن التلاميذ فاهمين ولا الشعب ولا الفريسيين وكم من
أمور تجري في حياتنا ونحن لا نفهمها. علينا أن لا نطالب بالفهم فسيأتي يوم ونفهم.
لكن علينا بالإيمان.

 

آية (19): "فقال
الفريسيون بعضهم لبعض انظروا أنكم لا تنفعون شيئا هوذا العالم قد ذهب وراءه."

هذه نبوة من فم الأعداء
بإيمان العالم وذهابه وراؤه، ونرى غيظهم من ضياع سلطانهم. لا تنفعون شيئاً= هذه
مثل "راحت عليكم". فالناس تركتهم وهذا هو ما أغاظهم.

 

طلب اليونانيين أن يروا يسوع
(يو20:12-36)

الآيات (20-22): "وكان
أناس يونانيون من الذين صعدوا ليسجدوا في العيد. فتقدم هؤلاء إلى فيلبس الذي من
بيت صيدا الجليل وسألوه قائلين يا سيد نريد أن نرى يسوع. فآتى فيلبس وقال لإندراوس
ثم قال إندراوس وفيلبس ليسوع."

يقرأ هذا الفصل في الساعة
الأولى من ليلة الإثنين من البصخة المقدسة، فهذا هو الوقت الذي دار فيه هذا الحديث
بعد دخول الرب لأورشليم. ويقرأ باكر عيد الصليب، فالصليب هو خلاص كل العالم، وهو
محور كلام السيد المسيح هنا في ضرورة حمل الصليب. ومن يفعل يرى يسوع. ونرى هنا أن
اليونانيين الأمم جاءوا لتحية المصلوب ملك اليهود، كما جاء المجوس الوثنيين لتحية
المولود ملك اليهود، لكي يجمع المسيح في حياته ومماته الشرق والغرب، فالكل يسجد له
ويعبده، كلاهما (يونانيين ومجوس) هم من الخراف التي ليست من هذه الحظيرة (اليهود)،
كلاهما يفتتحان عصر قبول الأمم. ولاحظ أن في ميلاده رفضه اليهود. فولد في مذود
ومجده الأمم. والآن يقبله الأمم اليونانيين ويدبر اليهود لقتله. واليونانيين هنا
هم أصحاب الجنسية اليونانية وليسوا من يهود الشتات لكنهم تهودوا إذ قيل أتوا
ليسجدوا، ولكنهم كانوا يعيشون في الجليل معجبين باليهودية، ولأنهم في نظر اليهود
دخلاء فمكانهم في الهيكل في دار الأمم، لذلك جاءوا إلى فيلبس ليدبر لهم مقابلة مع
المسيح لأن المسيح كان داخل الهيكل. ونلاحظ أن اليونانيين أتوا لفيلبس لأنهم
يعرفونه من الجليل حيث يقيم يونانيين كثيرين. ونلاحظ أن فيلبس إسمه يوناني فربما
كان له قرابة معهم. هم سمعوا عن المسيح ومعجزاته وإستقباله وتطهيره للهيكل فأعجبوا
به وأرادوا أن يروه.

 

الآيات (23،24): "وأما
يسوع فأجابهما قائلاً قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم إن لم
تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير."

رأى المسيح في مجيء
اليونانيين باكورة الحصاد الذي سيحصد بواسطة موته. فحبة الحنطة تشير للمسيح الذي
سيدفن بعد صلبه ليأتي بالأمم واليهود. والمسيح إنتهز الفرصة ليعلن إقتراب ساعة
موته والتي بها سيكون الخلاص لكل العالم يهوداً ويونانيين أي يهوداً ووثنيين.
يتمجد= بصليبه وموته ثم بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب. وبذلك يكون الموت
بداية للحياة المجيدة السمائية للأمم كما لليهود وبهذا يتمجد يسوع. وفي هذا تشابه
مع البذرة في دفنها. اليونانيون أتوا ليروا مجد يسوع الذي دخل في إستقبال عظيم
وطهر الهيكل. لكن نجد يسوع يتكلم عن موته. فالصليب هو مجده. وهذا عكس الملوك
الأرضيون الذين يفتخرون بالمظاهر. وعلى كل مؤمن أن يميت ذاته مثل حبة الحنطة في
هذا العالم، وهذا ما سوف يعطيه حياة أبدية. ومن يميت ذاته يكون المسيح بالنسبة له
هو الطريق للقيامة والحياة. أمّا من إنغمس في لذات هذا العالم فيكون قد إختار
الموت كما أن البذرة لو تركت بدون دفن يأكلها السوس (مت39:10). ولو تُركت البذرة
في المخازن دون أن تُدفن في الأرض لأكلها السوس، بل لظلت هكذا بدون جمال، مجرد
بذرة يابسة لكنها متى ماتت نبتت وأثمرت وأينعت وأخضرت الحقول وتوجت بالسنابل لذلك
فالتضحية هي باب الإثمار والإنتاج، والصليب باب المجد. وأمّا الحبة التي ترفض
التضحية وترفض الصليب تظل وحدها بلا منظر، بلا ثمار وبلا مجد. والثمار ستأتي أيضاً
بتلاميذه الذين سيبذلون حياتهم. قد أتت الساعة= المسيح يعلن أن ساعة الصليب
إقتربت، الذي به سيدخل الأمم (اليونانيون) للإيمان. هم أتوا ليروا مجد أرضي. ولكن
أتت الساعة ليعرف الجميع معنى المجد الحقيقي السماوي. والمسيح إذ مات ودفن ثم قام
عرفه الكل، وآمن العالم به. هو حبة الحنطة التي إذ تموت في التربة وتتحلل يخرج
منها سنابل خضراء مملوءة (المؤمنين في كل العالم). فعمل المسيح الفدائي أعطى حياة
لكثيرين جداً في كل العالم. وبالصليب سيرى الأمم واليهود المسيح رؤية قلبية بالروح
القدس فيعرفوه ويؤمنوا به فيتمجد إبن الإنسان.

 

آية (25): "من يحب نفسه
يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية."

نرى هنا التطبيق العملي. من
يبغض نفسه= يموت عن شهوات العالم. هنا المسيح يرد على سؤال اليونانيين وعلى كل من
يريد أن يرى يسوع. فمن يريد أن يرى يسوع فليصنع ما صنعه يسوع ويموت عن العالم. من
يحب نفسه= النفس هنا تشير للحياة الطبيعية الحسية. أمّا الحياة الأبدية فهي الحياة
الحقيقية، فمن يترك لذاته الحسية الخاطئة الآن يكون كمن يدفن نفسه وبذلك يرتفع
ليستحق الحياة الأبدية والحياة الأبدية هي المسيح والمعنى أن من يصلب الأنا تظهر
حياة المسيح فيه. ولنبدأ بحفظ الوصية وإيثار الآخرين على أنفسنا ونقدم توبة
حقيقية، فالتوبة هي دفن الجسد العتيق وإيثار الآخر هو دفن للأنا. وأمّا من لا يريد
أن يكون كحبة الحنطة المدفونة ويمت فلن يأتي بثمر، من يرفض خدمة الآخرين ويرفض
إعطاء الحب للآخرين ويحيا في عزلة وإنفرادية متلذذاً بحسياته الجسدية يكون كبذرة
في المخازن بلا جمال ولا مجد معرضة للفساد والسوس محرومة من الحياة الأبدية.
فلنحمل صليب يسوع حتى الموت. ومن يتمسك بالمادة لا يمكن أن يرتقي إلى فوق
(السماويات). ومن يلتصق بشيء فانٍ يفنى معه (كملذات الدنيا). هذا هو طريق رؤية
المسيح.

 

آية (26): "إن كان أحد
يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي وإن كان أحد يخدمني يكرمه
الآب."

المسيح هنا يقدم مفهوم الخدمة
فهي ليست مجرد خدمة للآخرين بل هي أن نسير في طريق المسيح أي الصليب. فليتبعني=
كيف نتبعه إن لم نقبل أن نحمل الصليب. ونسير في طريقه بحفظ وصاياه وقبول أي صليب
يوضع علينا (مت38:10،39). فالإيمان الصادق بالمسيح هو أن نسير في طريقه ونتحمل في
سبيله كل أنواع الجهاد الروحي فمن يشاركه آلامه سيشاركه أمجاده (رو17:8). حيث أكون
أنا يكون خادمي= أي يكون له نفس طريق المسيح أي الصليب ثم المجد. إن كان أحد
يخدمني= لا يقصد بهذا خدمته في العالم بينما هو في الجسد لأن ساعة موته قد إقتربت.
ولكن تعني حفظ وصاياه وخدمة أولاده، ويتشبه به فهو أتى ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ.
يكرمه الآب= من يتبع المسيح ويخدمه حاملاً صليبه سينال كرامة من الله الآب
(مت40:10+ 1صم30:2). وهنا المسيح يشرح وحدة الذات الإلهية بينه وبين الآب. فمن
يكرمه الإبن يكرمه الآب أيضاً، ولا يعود عبداً بل يصير إبناً للآب. ونحن نكرم
القديسين والشهداء فالآب يكرمهم. ولنلاحظ أنه لا صليب بدون تعزيات (2كو3:1-10).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر المزامير 25

 

آية (27): "الآن نفسي قد
اضطربت وماذا أقول أيها الآب نجني من هذه الساعة ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه
الساعة."

النفس هي قاعدة المشاعر
الإنسانية. أمّا الروح فهي أداة الإتصال بالله بها يتحدث مع الله وينعكس هذا في
تعبيراته وتعاليمه. وإضطرابه هنا يشير لأنه إنسان كامل وهو الآن يتصوًّر الثمن
الذي عليه أن يدفعه وهو الموت وحمل خطايا كل البشرية حتى يراه اليونانيين ويراه كل
من يؤمن. الإضطراب لا يعني الخوف فالمسيح لا يخاف من الموت فما يجعلنا نخاف من
الموت هو الخطية والمسيح بلا خطية. ونخاف من الموت فما بعد الموت مجهول لنا، أما
المسيح فيعرف المجد السماوي. إذا هو ليس خوف بل هو إنفعال عاطفي شديد داخل النفس.
ليس من أجل آلام الصليب ولكن [1] من أجل الخطايا سيحملها وهو القدوس البار.
والخطية بالنسبة له شئ مكروه جداً. [2] من أجل الموت الذي سيتذوقه وهو الحي
المحيي. القيامة والحياة. والموت ليس من طبيعته. ولكن لإتصاله الروحي بالآب كان له
قرار حاسم هو التوجه إلى الصليب مهما كان الثمن= ولكن لأجل هذا أتيت= لأجل [1]
محبته للبشر [2] طاعته للآب. كان قراره موجه بكل قوة نحو إتمام المشيئة الربانية
وبكل حسم أيضاً. ماذا أقول= المسيح لا يسأل، بل هو يلفت النظر لإضطرابه وإنفعاله
نتيجة المعركة مع الموت والتي في نهايتها يموت الموت. وهو كان يصلي ويصرخ (عب7:5)
ليخرج منتصراً من هذه المعركة ويضاف إنتصاره لحساب الإنسان ويكون للإنسان حياة
عوضاً عن الموت.

نجني من هذه الساعة= أعطني
الإنتصار على الموت بالقيامة. وقبول الآب وإستجابة الآب أعلنا بقيامة الإبن.

 

الآيات (28-30): "أيها
الآب مجد اسمك فجاء صوت من السماء مجدت وامجد أيضاً. فالجمع الذي كان واقفاً وسمع
قال قد حدث رعد وآخرون قالوا قد كلمه ملاك. أجاب يسوع وقال ليس من اجلي صار هذا
الصوت بل من أجلكم."

إسمك= إجو إيمي (يونانية)=
أنا هو يهوه (عبرية) يهوه صار إسماً للمسيح. مجد إسمك= مجد إبنك. فالمسيح يطلب أن
يمجده الآب ويؤيده في هذه المعركة مع الموت لينتصر على الموت. ولكن لنلاحظ أن الآب
والإبن واحد فمجد الإبن هو مجد الآب أيضاً. والصوت الشديد كان ليسمعه المجتمعون
فيؤمنوا بالمسيح بعد أن ظهرت علاقته بالآب. والله سبق وكلم موسى وإبراهيم وكثير من
الأنبياء والآن يكلم إبنه ليظهر العلاقة بينه وبين إبنه، إلاّ أن اليهود لم
يفهموا. رعد .. ملاك= الله يتكلم لكن كل واحد يسمع بحسب إستعداده ونقاوة قلبه
وإهتمامه فالبعض فهموا أن هذا صوت فقالوا ملاك والبعض لم يفهم أبداً فقالوا رعد.
وعموماً فصوت الرعد يصاحب كلام الله كما حدث مع موسى. ونلاحظ أن المجتمعين لم
يميزوا صوت الله ولم يفهموا ما قيل، فالناس في بشريتهم وخطيتهم لا يستطيعون أن
يسمعوا صوت الله. ونلاحظ أن صلاة المسيح ليست مثل صلاتنا وفيها نرجو ونتذلل وننسحق
ليقبلنا الله، ولكن هي نوع من إعلان الصلة بينه وبين أبيه ومن خلال هذه الصلة
تنسكب القوة الإلهية لتساند الجسد الضعيف حتى ينتصر في معركة الموت. ويرى الناس
هذه الصلة فيؤمنوا بأن المسيح هو من الله. وصلاة المسيح حيث أنه واحد مع الآب
ومشيئتهما وإرادتهما واحدة تشير لأنه يعلن مشيئة الآب التي هي مشيئته أيضاً. مجدت=
في حياته ومعجزاته وبره وأن كل الإتهامات ضده إرتدت على مقاوميه. كما شهد الآب
للإبن في العماد والتجلي وقال "هذا هو إبني الحبيب" وكما شهدت الملائكة
له يوم الميلاد قائلة "المجد لله في الأعالي.." هنا الآب يشهد للمجد
الذي للإبن منذ الأزل= وأمجد أيضاً= المجد الذي سيصير لناسوته بعد موته إذ يقوم
ويصعد للسماء ويجلس عن يمين الآب. وسيؤمن به كل العالم ويسجدون له. بل من أجلكم=
إذاً الصوت ليس لتشجيع المسيح لكن ليؤمنوا (هو إعلان للناس).

 

آية (31): "الآن دينونة
هذا العالم الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً."

قال دينونة ولم يقل الدينونة.
فالدينونة مُعَرَّفَةْ بالـ هي في نهاية العالم. دينونة= يسقط بعنف نتيجة ضربة
قوية ويخرج خارج دائرة المصارعة إذ إنهزم، هذا معنى الكلمة. والإنتصار ليس أن الله
إنتصر على إبليس بل المسيح الإنسان إنتصر لحسابنا عليه ليجذبنا بصليبه للسماء
والغلبة هي لمن يؤمن (1يو4:5). ولكن هناك دينونات كثيرة كلٌ في ميعادها. فمحاكمة
المسيح الظالمة سيقع ذنبها على من حكموا عليه، ولذلك خربت أورشليم. ولأن من حكموا
على المسيح ظلماً يحركهم الشيطان فلابد أن يسقط الشيطان بعد أن ساد العالم بظلمته
طويلاً (لو18:10،19). ولقد إنكشف إبليس أمام الكل وصارت حيله معروفة مدانة لأولاد
الله. المسيح ببره أظهر شر العالم والشيطان الذي يحرك العالم حين صلب العالم
المسيح. فلا عذر لإنسان يسير وراء العالم. لقد كان الصليب دليل إدانة العالم على
كل شروره، فالعالم عوضاً عن أن يفرح بالمسيح قام عليه وصلبه (يو19:3+ 39:9+
11:16). ومعروف أن الشيطان رئيس هذا العالم (يو30:14). ولقد تحوَّل الصليب إلى مجد
للمسيح وحياة للمؤمنين وقوة يهزمون بها الشيطان، وصار الصليب عار ودينونة وإدانة
لمن صلبه ولمن لا يؤمن به. بالصليب سلب الله كل سلطان لإبليس على البشر (مت29:12).
وجرده من كل نفوذ له كان يذلهم به ويجعلهم عبيداً له (كو14:2،15). ومن ثم خلعه من
عرشه وطرحه خارج العالم ليصير مجرد مخلوق حقير شرير متمرد على الله ينتظر في سجنه
ساعة الدينونة (2بط4:2) مقيداً بسلاسل بعد الصليب (رؤ1:20-3). ينتظر أن يلقى في
النار الأبدية في نهاية الأيام (مت41:25+ مر24:1). ولكن طرحه بدأ بالصليب= الآن
يُطرح لم يعد للشيطان سلطان على أولاد الله. هو خارج دائرة من هم للمسيح. هو
يحاربهم لكن لا سلطان له عليهم. وقوله دينونة العالم أي كشف وجه العالم الغادر والمقصود
بالعالم هو المادية المعادية لروح الله. ونلاحظ أنه بالمعمودية يخرج الشيطان
تماماً من حياة المؤمنين ولكن يظل يحاربهم من خارج (لو22:11،21). والمسيح أعطانا
القوة أن نطرده وأعطانا سلطاناً أن ندوس عليه بعد أن حررنا منه. ولكن هناك من يذهب
له وبالتالي يفقد حريته لذلك ينبه المسيح أن لا نفعل ذلك (يو36:8). بالصليب أدينت
الخطية فينا أي ماتت وأصبحت بلا سلطان علينا (رو3:8).

 

الآيات (32،33): "وأنا
إن ارتفعت عن الأرض اجذب إلىّ الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن
يموت."

المسيح إرتفع على مرحلتين
الأولى على الصليب (يو14:3+ 28:8) ثم الصعود (مر19:16+ لو51:9+ أع11:1). وكان
الصليب هو طريق الصعود لأعلى فهو كان الخطوة الأولى. لذلك صار المؤمنون يشتهون
الصليب بسبب الخطوة التالية وهي الإرتفاع للمجد (يو1:14-3) كان كل هذا رداً على
طلب اليونانيين أن يروه. فهو سيجذبهم لأعلى وليس فقط سيرونه. بإرتفاع المسيح على
الصليب سيجذب المؤمنين إلى الحياة الأبدية. مشيراً= كلمة صليب كانت لعنة وصارت
إرتفاع للمجد. لقد صارت كلمة إرتفاع تشير للصليب وتشير للصعود أيضاً، بل صارت قوة
جبارة تجذب البشر للسماء وعكس قوى الشر. هو يجذب لكن ليس كل واحد يستجيب، وقوله
الجميع= يهود وأمم.

 

آية (34): "فأجابه الجمع
نحن سمعنا من الناموس إن المسيح يبقى إلى الأبد فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع
ابن الإنسان من هو هذا ابن الإنسان."

تنبأ الأنبياء عن أن ملك
المسيح أبدي (دا 13:7،14 + أش7:9 + حز25:37+ مز3:89،4، 35، 36 + مز4:110) ولكن
اليهود فهموا هذه النبوات خطأ لأنهم ظنوا أن ملك المسيح سيكون على الأرض ولم
يفهموا أن ملكه سيكون ملك أبدي سماوي. ولذلك حينما قال المسيح إن إرتفعت عن الأرض
(32) فهمها اليهود أنه سيموت، ومن هنا حدث اللبس فيكف يموت وهو المسيا الذي سيملك
إلى الأبد. وكان خطأ اليهود فهمهم السطحي فكيف يقيم المسيح ملكاً أبدياً على أرض
مصيرها الفناء. هو قال عن نفسه أنه إبن الإنسان فبحسب فهمهم أنه لو كان المسيح
فإبن الإنسان لن يموت.

 

الآيات (35،36): "فقال
لهم يسوع النور معكم زماناً قليلاً بعد فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم
الظلام والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب. ما دام لكم النور آمنوا بالنور
لتصيروا أبناء النور تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم."

فيها رد على تصورهم أن المسيح
سيبقى على الأرض إلى الأبد. ومعنى كلامه لا لن أبقى للأبد على الأرض كما تظنون. وهنا
فالسيد يعطيهم نصيحة لأنهم متشككين حتى ينتفعوا بفرصة وجوده معهم فهو النور القادر
أن يقودهم. فهو ليس إنسان ذي جسد عادي مثل باقي البشر، بل هو الله نور من نور
(يو12:8+ 5:9+ 6:1-10+ 19:3) وطالما قال السيد عن نفسه أنه هو النور. ونفهم من
الكتاب المقدس أن النور هو الله ذاته (أي19:38+ دا22:2+ مز2:104+ مز1:27) وواضح أن
المسيح يدعوهم لأن يؤمنوا به ليصيروا أبناء النور= أي من يؤمن بالمسيح يتغير
كيانياً، يصير خليقة جديدة، يصير نوراني (هذه مثل "يصير نيرِّاً كله"
لو36:11). ثم مضى وإختفى عنهم= غالباً كان إختفائه بطريقة عجيبة ملحوظة من أمامهم
رمزاً لأن نوره الذي كلمهم عنه سوف يختفي قريباً كتحذير لهم من عدم إيمانهم..
ولكنهم لم يؤمنوا، هم يريدوا أن يسير الله بحسب فكرهم وليس العكس. ولاحظ تسلسل
كلام الرب فهو قال أولاً سيروا في النور ثم تقدم خطوة فقال آمنوا بي. فسيروا ما
دام لكم النور= في ترجمة أخرى (القطمارس) فسيروا في النور، ومن يسير في النور
سيعرف المسيح ويؤمن به، أي من ينفذ الوصية سيلتقي بالمسيح ويعرفه، بل يسكن عنده
الآب والإبن (يو23:14). يدرككم الظلام= أي الشيطان والمعنى إن لم تقبلوني سيسيطر
عليكم الشيطان. إذاً إنتهزوا الفرصة فمن لا يسير في النور لن يصل للحياة الأبدية.

هل تبحث عن  هوت طقسى علم اللاهوت الطقسى 02

(مت17:21):- المسيح يبيت في
بيت الألم (عنيا) فهو يرفض الملك الزمني الذي أراده له الذين إستقبلوه في أورشليم.

 

رفض
اليهود للمسيح يو37:12-50

الآيات
(37-41): "ومع انه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به
. ليتم قول أشعياء النبي
الذي قاله يا رب من صدق خبرنا ولمن إستعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا
لأن أشعياء قال أيضاً. قد أعمى عيونهم واغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا
بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم. قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه."

نرى
هنا عدم إيمان اليهود بالرغم من كل ما عمله المسيح أمامهم. بل كل ما عمله كان
تصديقاً للنبوات، ولو إهتم هؤلاء العلماء الدارسين أن يفهموا، لو إهتموا بالبحث عن
الحقيقة لرأوها مجسده أمامهم. من صدق خبرنا= من صدق كلام المسيح (الإنجيل).
وللآن فهناك من لا يصدق حتى من المسيحيين، فمن يصدق لابد أن يتوب وتتغير حياته.
ولكنهم لأنهم لم يبحثوا عن الحق فقد عميت عيونهم. وحتى هذا تنبأ عنه إشعياء. فهم
الذين أعموا عيونهم لأنهم لا يريدون. هم بحثوا عن أنفسهم لا عن الله لذلك لم يجدوا
الله بينما كان هو أمامهم. وكون إشعياء يعلن هذا، فهذا يشير إلى أن كل شئ يتم بحسب
تدبير الله، ليس بقوتهم ولا مؤامراتهم صلبوا المسيح، بل بسماح من الله. (يو11:19).
إشعياء قال هذا حين رأي مجده= ويوحنا يقصد بهذا ما قصده إشعياء.. أبعد ما
رأى اليهود كل هذا المجد للمسيح لم يؤمنوا. لمن إستعلنت ذراع الرب= ذراع
الرب إشارة للمسيح المتجسد (إش9:51+ 1:53+ أش9:52،10). فالمسيح ظهر في الجسد،
وأظهر بأعماله وأقواله محبة الله، ولكن أشعياء يتعجب، لمن حدث هذا؟ لليهود الذين
رفضوه وصلبوه، لقد تحققت نبوة إشعياء. ولكن عدم إيمانهم لم يوقف تدبير الخلاص بل
صار عثرة لهم وحدهم، وإستعلنت ذراع الرب للأمم. لم يقدروا أن يؤمنوا= ليس
لأن الإيمان صعب. لكنهم لم يريدوا. حين رأي مجده= في أش (6) رأى أشعياء مجد
الله، وهنا يوحنا ينسب هذا المجد للمسيح. وبهذا نفهم أن المسيح هو رب المجد. أعمى
عيونهم=
أي سمح بأن يغمضوا عيونهم عن الحق وذلك لشرهم. الله يحاول مع الإنسان
لكي يؤمن فإذا عاند الإنسان فالله يترك الإنسان ويكف عن محاولاته معه فيقال أن
الله قسى قلب الإنسان أو أن الله أعمى عينيه وهذا ما حدث مع فرعون. إذاً الله
تركهم لقساوة قلوبهم ولم تساندهم نعمته ومع قساوة قلوبهم فالله لم يتوقف عن خلاص
البشرية.

 

الآيات
(42،43): "ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضاً غير انهم لسبب
الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع. لأنهم احبوا مجد الناس اكثر من
مجد الله."

الإيمان
بلا إعتراف يساوي عدمه، فسبب عدم الإعتراف هو الخوف على ضياع مراكزهم كأعضاء في
مجمع السنهدريم وهذه لها كرامة عظيمة عند اليهود، وكيف يكون الله في مرتبة أقل من
مراكزهم. والكتاب ذكر إثنين من الذين آمنوا من الشيوخ وهم نيقوديموس ويوسف الرامي
وهؤلاء كانوا يأتون للسيد ليلاً حتى لا يراهم أحد، لكنهما أظهرا شجاعة ما بعدها
شجاعة عند موته وجاهرا بإيمانهما غير مبالين بأي خطر (مت57:27+ لو50:23،51+
يو1:3،2+ يو22:9).

هذه
الآيات يذكرها يوحنا هنا لنرى فيها:

مقام
المؤمن      44-46

مقام
غير المؤمن 47-48

مقام
كلام المسيح 48-50

وهذه
مبادئ ذكرها المسيح ونادى بها من قبل ويسجلها يوحنا هنا كتعليق على عدم إيمان
اليهود بالمسيح بعد أن أنهى المسيح تعليمه للجموع ولليهود. فإبتداء من إصحاح (13)
ينفرد المسيح بتلاميذه في أحاديث خاصة وتعليم لهم وحدهم وصلاته الشفاعية يوم
الخميس. ولكن لم يَعُدُ المسيح بعد هذه الكلمات يتكلم مع الفريسيين أو الشعب. لذلك
يضع يوحنا هذه الآيات كختام بمعنى أن المسيح صنع لهم كل شئ وأراهم كل شئ. وكل
إنسان حر أن يقبل أو يرفض. وهذه تشبه ما قيل في (رؤ11:22) من يظلم فليظلم بعد ومن
هو نجس فليتنجس بعد ومن هو بار فليتبرر بعد.

 

الآيات
(44،45): "فنادى يسوع وقال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني. والذي
يراني يرى الذي أرسلني."

نادى=
أي بصوت
عالٍ إظهاراً لغيرته الشديدة على خلاصهم. الذي يؤمن بي= هذا تعليق على من
آمن وأعلن إيمانه جهاراً، وعلى من آمن من الرؤساء والشيوخ وأخفى إيمانه، وعلى من
رفضوا الإيمان تماماً (آيات 40،42). والذي يراني= يراني بحسب الحقيقة ويعرف
مجدي السماوي. العين المفتوحة هنا هي درجة أعلى من الإيمان، وتحتاج لإعلان بالروح
القدس. ونرى هنا أن المسيح لا يفصل بين الإيمان بالآب والإيمان به فهما جوهر إلهي
واحد. وتأكيد المسيح الدائم أنه مرسل من الآب هو تأكيد على هذه الوحدة مع أبيه
السماوي لذلك فمن يراه يرى الآب. من يرى يسوع (ليس بشكله البشري) بل رؤية إيمانية
سيرى كل ما يمكن إدراكه عن الآب.

تعليق:
1) الروح
ينير قلب الإنسان فيرى ما لا يُرى. يرى بعيني قلبه، بحواسه الداخلية. كما نطق بطرس
"أنت هو المسيح إبن الله الحي".

 2)
نحن نصل للآب عن طريق الإبن، والآب يصل لنا عن طريق الإبن.

 

آية
(46): "أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في
الظلمة."

نوراً=
قبل المسيح
كان العالم في ظلمة لا يدرك الله ولا يراه ولا يعرفه. ومجيء المسيح بدد الظلمة
بنوره. لكن لا ينتفع بهذا النور سوى من يؤمن بالمسيح.هو الحق المدرك الكامل.
والمسيح جاء ليستعلن ذات الله المخفية في شخصه. والخطية أظلمت عيوننا فما عدنا نرى
الله. والإيمان بالمسيح يعيدنا إلى الحالة الأولى، لنا عيون تبصر الله وتراه كما
كان آدم في الجنة، وهذا عكس ما قيل في آية (40) قد أعمى عيونهم بسبب عدم إيمانهم
(آية39). هذه الآية توضيح لما سبق، فمن يقبل المسيح، ينير له المسيح قلبه فيعرف
الآب. وبدون المسيح فالإنسان يعيش في ظلام فلا يعرف الله ولا الطريق ولا الحق ولا
المستقبل.

 

آية
(47): "وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل
لأخلص العالم."

المسيح
في مجيئه الأول أتى ليخلص لا ليدين، أتي ليدعو الجميع للإيمان، ومن يرفض لن يُدان
الآن (يو17:3). وهذا ما نراه فكثيرين من الملحدين يهاجمون الله والمسيح، ولا
يعاقبهم الله. والدعوة معروضة أمامهم حتى آخر يوم في حياتهم. هذا الزمان هو زمان
الرحمة وليس الدينونة. سمع= سمع وينفذ.

 

الآيات
(48-50): "من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو
يدينه في اليوم الأخير. لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني
وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم. وأنا اعلم أن وصيته هي حياة أبدية فما أتكلم أنا به
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم."

الكلام
الذي تكلمت به هو يدينه=
كلام الله هو سيف ذو حدين
(عب12:4) الحد الأول يطهر وينقي ويقطع الخطية من داخلنا لنولد من جديد (1بط23:1)
ومن يرفض فالحد الثاني يدين به المسيح هذا الشخص، وبه يحاربه (رؤ13:2). من يرفض
كلام المسيح وكلام المسيح حياة. إذاً هو يرفض الحياة. إذاً هو وقع تحت الدينونة.
هو وضع نفسه بنفسه تحت الدينونة. فكلام المسيح نور وسيميز البار من الشرير
(يو19:3،20) إذاً المسيح بسلطان كلمته يحيي ويقدس ويطهر وأيضاً يميت. فالكلمة التي
لها قوة الخلاص لها أيضاً قوة الدينونة وهذا يتطابق مع (تث18:18،19)، فمن لا يسمع
كلام المسيح ويؤمن به يدينه الآب. فكلمات المسيح ستقف شاهداً ضد من يستهين بها.
المسيح الآن لا يدين أحداً، فهو ما جاء ليدين. لكن من يرفضه وضع نفسه خارج دائرة
الرحمة. وسيدان في الأبدية إذ تقف كلمات المسيح شاهدة عليه أنه رفض الرحمة=
من رذلني= أي رفض أن يؤمن بي. لم يقبل كلامي= لم
يقبل تعليمي، فكلام المسيح وتعليمه هو الحق وهو نفسه كلام الآب. وهذا الكلام لا
يزول، ومن يقبله يحيا ومن لا يقبله يدان. فالدينونة ليست أن نقف في محاكمة أمام
الله، بل أن كلام المسيح حق سيواجه ضمير الإنسان ويحكم عليه. كل واحد سيدان من
الحق الذي سمعه في يوم من الأيام "ضمائرهم مشتكية" (رو15:2).
وصيته حياة
أبدية=
هي في ذاتها حياة. أي حين تقبل وصية المسيح تأخذ حياة في
داخلك.

ونفهم من كلام المسيح هنا أن كلامه هو نفسه كلام
الآب فهما واحد. لذلك فكل من لا يؤمن بالمسيح وبكلامه سيبرهن أنه غير مستحق
للغفران والخلاص الذي أتى لأجلهما المسيح. وبالتالي لا يستحق الحياة الأبدية. فهدف
وصايا المسيح وتجسد المسيح أن يعطينا حياة أبدية. وخلاصة كلام المسيح هنا أنه هو
الله الظاهر في الجسد ومن يؤمن به ينال حياة ابدية، ووصايا الآب التي هي وصاياه من
يطيعها تكون له الحياة الأبدية.

فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم= هذا نفس ما
قاله موسى (تث18:18،19). وقال لي الآب هذه تعني أنه، لأن الآب والإبن واحد
فالمعرفة متطابقة والإرادة واحدة، ولكن ما يريده الآب يعلنه الإبن وينفذه.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي