الإصحاح العاشر

 

آية
(1): "أيها الأخوة إن مسرة قلبي وطلبتي إلى الله لأجل إسرائيل هي
للخلاص."

في(1:9) نري الرسول
حزين عليهم، ولكن الحزن وحده لا يكفي لعودة الخاطئ، لذلك نري الرسول هنا مصلياً
لأجلهم بالرغم من عنادهم ليحصلوا علي الخلاص. ومحبة بولس لشعبه وصلاته لأجلهم لم
يتوقفا علي الرغم من هجومهم المستمر عليه فشابه صموئيل حين قال "كيف أخطئ إلي
الله وأكف عن الصلاة لأجلكم" (1صم23:12).

 

آية
(2): "لأني أشهد لهم أن لهم غيرة لله ولكن ليس حسب المعرفة."

هناك غيرة لله ولكن ليس
حسب المعرفة
= فهناك من يقتل شعب الله ظاناً أنه يقدم خدمة لله (يو2:16).
وبولس نفسه سقط هذه السقطة من قبل أع 1:9 ويسقط في هذا كل من له فكر تعصب أعمي دون
إتساع قلب في محبة الغير. ولاحظ هنا أن بولس يشهد لهم وهم ألد أعداؤه، فالسيد قال
"باركوا لاعنيكم". ومعناها أن نذكر أعداءنا بأحسن ما فيهم. المعرفة=
هم يطبقون الناموس في غيرة لله لكن لإثبات بر أنفسهم وليس لكي يمجدوا الله
وينسحقوا شاعرين بالإحتياج إليه.

 

آية
(3): "لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا
لبر الله."

يثبوا بر أنفسهم= لم يعرفوا
عمل الله فيهم. لم يخضعوا لبر الله= هذه ليس معناها أن الله بار، بل البر
الذي يهبه الله للإنسان فيجعله باراً بالله. محاولتهم لإثبات بر أنفسهم راجعة
لكبريائهم أي فسادهم الداخلي، فحينما تتضخم الأنا وتملأ القلب، لا تطيق آخر في
داخله، وحتى إذ تدينت تعمل لحساب ذاتها المغلقة تطلب تثبيت بر نفسها، عوض إتساعها
بالحب لتقبل نعمة الله واهبة البر بالإيمان. هؤلاء ظنوا أن الصلاح والبر من
عندياتهم وليس هو عطية إلهية، لهذا لم يخضعوا لبر الله إذ أنهم متكبرون. وفي
إعتدادهم بذواتهم إحتقروا النعمة، فلما أتي المسيح لم يؤمنوا به. هم طلبوا بر
ذواتهم والمجد لذواتهم (يو42:5،44). وفقدوا محبتهم لله لذلك تخلي عنهم (رو28:1 +
2أي1:15،2).

 

آية
(4): "لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن."

الناموس وُضِع ليمهد
للمسيح ويعمل لحسابه، ليكتشف الإنسان ضعفه وإحتياجه لمخلص، إذ هو عاجز عن تنفيذ
الوصايا التي في الناموس (أع10:15)

هكذا شعر التلاميذ.
وكان هذا هو عمل الأنبياء إذ تنبأوا عن مجيء المخلص. فالناموس لم يوضع ليبقي بل
ليعمل لحساب المسيح. فإن شهادة يسوع هي روح النبوة (رؤ10:19). حتى إذا جاء المسيح
يكون الناموس قد بلغ غايته ونهايته. الناموس وُضِع لكيما إذا إستخدمه اليهود
بالإيمان، أي بالعلاقة الصحيحة مع الله، فإنه سينتهي بهم حتماً إلي الإستنارة
الروحية وإعداد الفكر لقبول المسيح الذي يبرر من يؤمن به= لأن غاية الناموس هي
المسيح للبر
= أي يكتشف الإنسان إحتياجه للمسيح فيذهب إليه، ومن يفعل بإيمان
سيبرره المسيح. لكنهم استخدموا الناموس بطريقة خطأ وأرادوا إثبات بر أنفسهم أي
لحسابهم وليس لحساب مجد الله. لذلك رفضوا المسيح وصلبوه. فالناموس لا يبرر بل يقود
للمسيح الذي يبرر من يؤمن.

 

آية
(5): "لأن موسى يكتب في البر الذي بالناموس أن الإنسان الذي يفعلها سيحيا
بها."

الآن التبرير هو فقط
بواسطة الإيمان بالمسيح. لأن موسى يكتب عن التبرير الذي يجئ بواسطة الناموس وأعمال
الناموس الموسوي قائلاً: "إن الإنسان الذي سيتمم كل وصايا الناموس سوف يحيا
وهو وحده الذي يمكن ان يتبرر (لا5:18). علي أن المحافظة علي الناموس بصورة تامة
أمر مستحيل وغير ممكن بسبب فساد الطبيعة البشرية، فمن يستطيع أن لا يشتهي ما عند
قريبه (الوصية العاشرة). هذه لا يطبقها إلاّ الذي مات عن العالم مع المسيح فزهد في
العالم كله.

 

الآيات
(6-9): "وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد إلى
السماء أي ليحدر المسيح. أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الأموات. لكن
ماذا يقول الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها. لأنك
إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت."

 في آية5 حدثنا الرسول
عن صعوبة الخلاص بواسطة أعمال الناموس وهنا يتكلم عن الإيمان ليثبت أن طريق
الإيمان أسهل من طريق الأعمال والناموس. بل إن مطاليب العهد الجديد تبدو للوهلة
الأولي أصعب جداً من مطاليب العهد القديم. فالعهد القديم يوصي بألا تزني، أما
العهد الجديد فيمنع النظرة للإشتهاء. ولكن مجرد الإيمان مع محاولة تنفيذ الوصايا
سنجد المعونة والعمل الإلهي الذي يبرر. وهذا كان مستحيلاً في العهد القديم الذي
يقف ليدين الخاطئ أمّا العهد الجديد ففيه الروح القدس يعين المؤمن.

وفي هذه الآيات نجد أن
بولس أعاد صياغة ما قاله موسى النبي في (تث11:30-14). وأعاد تفصيل هذه الآيات
بإرشاد الروح القدس لتفهم بمفهوم العهد الجديد. فموسى كان يقصد أن يقول لشعبه.. لا
تقولوا أن الوصية صعبة أو هي في السماء لا أستطيع أن أصعد إليها، ولا هي في عبر
البحر فكيف أسافر إليها بعيداً. وهذا ما قاله الله لقايين عن الخطية "وأنت
تسود عليها" لكن ما رأيناه عملياً أن ضعف الإنسان حال بينه وبين تنفيذ
الناموس بالكامل فبدا لنا الناموس صعباً. لذلك فهم بولس الرسول أن موسى حين كان
يقول هذا عن سهولة الوصية إنما كان يتنبأ عن المسيح، الذي مات بجسده ليعطيني أن
أموت وأقوم معه بالمعمودية. فالآن أنا أنفذ الوصية لأن الروح القدس أعطاني إمكانية
أن أموت مع المسيح عن الخطية، وأعطاني أن أقوم معه فيعطيني المسيح حياته لأعمل
البر، وهذا ما نسميه النعمة. وهذا ما طلبه المسيح أن نحمل نيره أي نرتبط معه، وهو
حقيقة من يحمل حمل تنفيذ الوصية.

وبولس الرسول رأي في
كلمات موسي أن الوصية هي رمز للمسيح، فالمسيح هو غاية الناموس، والناموس في نهايته
هو إستعلان شخص المسيح، فرفع بولس كلمة الوصية من آيات التثنية ووضع مكانها المسيح
واهب البر. وعبور البحر فهمه بولس الرسول أنه موت المسيح، فأعماق البحر رمز
للهاوية مكان الأموات. وقال أن المسيح لم يستمر ميتاً بل قام، وبالتالي أعطاني ألا
أمكث مهزوماً من الخطية والموت. وكما أن القيامة من الموت أصبحت سهلة بقيامة
المسيح، علينا ألاّ نستصعب إتصال المسيح بنا بعد صعوده، فصعوده للسموات لا يعني
إنفصاله عنا، بل هو صعد ليعطينا حياته نحيا بها. إذاً سهولة الوصية الآن راجعة
لموت المسيح وقيامته، فصرنا نموت معه ثم نقوم معه ليعطينا حياته فنسلك بها في
البر. وكل المطلوب منّا أن نؤمن ثم نقرر أن نصلب مع المسيح "مع المسيح صلبت
فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). لا تقل في قلبك من يصعد إلي
السماء اي ليحدر المسيح
= أي لا داعي أن تتصور لزوم وجود المسيح وسطنا الآن
بجسده ليمكن لنا أن ننفذ الوصية فالمسيح صعد حقاً لكنه أعطانا حياته لنحيا به في
كلماتنا وتصرفاتنا وكل مشاعرنا وأحاسيسنا. المسيح أرسل الناموس بواسطة خادم، أمّا
النعمة فجاء بنفسه من أجلها. جاء ليعطينا قوة قيامته عاملة فينا، ويسكن فينا البر
ليزداد برنا علي بر الفريسيين. والمسيحي إبن إبراهيم بالإيمان يؤمن أن المسيح قادر
أن يقيمه من موت الخطية، ويعطيه حياة مقامة في المسيح. والروح القدس الذي أوحي
لموسي بما قاله هو الذي فسر وشرح ما قيل لبولس. فبولس إقتبس كلمات موسي وأعطاها
مسحة إنجيلية ليظهر أنه لا داعي أن نصعد للسماء ولا أن نموت ونهبط للهاوية فهذا
صنعه المسيح ليبررنا.

وفي آية9 لأنك=
صحة ترجمتها وهي… وهذه راجعة لكلمة الإيمان التي نكرز بها في آية8. فما
هي كلمة الإيمان التي يكرز بها الرسل= إن إعترفت بفمك.. وآمنت بقلبك =
القلب يشير للحياة الداخلية والفم يشير للحياة الظاهرة. وإيماننا يمس أعماقنا
الداخلية وتصرفاتنا الظاهرة. الإيمان هو المدخل للبر والتقديس والمجد. وبدون القلب
يصير إعترافنا الظاهري لغواً وتعصباً وشكليات. وبدون الحياة العاملة والاعتراف
الظاهر يكون إيماننا ميتاً (رسالة يعقوب) فلا ننعم بالمكافأة والإعتراف بالفم هو
ما قال عنه السيد المسيح "كل من يعترف بي قدّام الناس أعترف أنا أيضاً
به…" والإعتراف بالفم ليس بالكلام فقط، بل بالحياة والأعمال (مت16:5). بل
في الإعتراف حتى الموت ثمناً لهذه الشهادة كما فعل الشهداء. ولاحظ أنه لا يستطيع
أحد أن يشهد للمسيح حتي الموت إن لم تكن له حياة مسيحية في قداسة وفي محبة لله.
هنا تكون الحياة التي نحياها متفقة مع الإيمان الذي في القلب. والإعتراف بالفم
يعني أن إسم المسيح يملأ الفم ولا يعلو عليه إسم آخر. وأن إسم المسيح قَدَّسَ
الحياة والفم، فلا تعظيم إلاّ للمسيح ولا خوف سوي منه ولا رجاء إلاّ فيه ولا شهوة
إلاّ له. وهذا يساوي أن الإنسان مات مع المسيح وقام. وهذا هو الخلاص إن إعترفت
.. وآمنتخلصت. وفي أية8 وفي قلبك= هذا ما يعمله الروح
القدس الذي يسكب المحبة في القلب (رو5:5) فنلتزم بالوصايا.

آية
(10): "لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص."

 لأن القلب يؤمن به
للبر=

فأول خطوة للتبرير هي الإيمان. والمعني إنك سوف تتبرر لأنه بقلبك إذا آمنت فإنك
ستحصل علي البر ثمرة لهذا الإيمان، لأن المسيح سيكون في القلب فتتحول أعضاؤنا
بدلاً من أن تخدم الخطية، لتخدم الله. إيمان القلب هو تكريس للنفس (العقل
والإرادة) والفم يعترف به= في الصلاة والتسبيح والإعتراف أمام الناس، وهذا
هو تكريس الجسد. وهذه تعني أيضاً أنه بحياتك تعترف بالمسيح، أو بالأحرى "حياة
المسيح فيك" وتعني إعتراف الفم الأعمال الصالحة الناشئة عن حياة المسيح فينا.

تكريس النفس أو الإيمان
بالقلب تعني خضوع العقل والإرادة خضوعاً داخلياً مخلصاً. وتكريس الجسد أي إعتراف
الفم تعني أن أعضاء جسدي صارت آلات بر. وهذا التكريس الكلي بالنفس والجسد هو طريق
التبرير والخلاص وينسب البر للإيمان فالإيمان هو المدخل للتبرير، ولكن الإيمان قد
يكون ميتاً، فلا نكمل الطريق للخلاص. والإيمان يكون حياً لو كان هناك أعمال. لذلك
نسبت الأعمال (الفم يعترف به..) للخلاص.

 

آية
(11): "لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزى."

مقتبسة من (إش16:28)
(سبعينية). والمعني أنت سوف تنال الخلاص لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزي
أي سيتحقق له الخلاص لأن بأعمال الناموس يمكن أن نخزي، إذ نعجز عن أن نتبرر، أما
الإيمان الحي فلن يُخزِي. ولاحظ قوله كل= فهي تشير لعمومية الخلاص، فلماذا
يرفض اليهود الأمم وكتابهم يشير لخلاصهم. لا يخزي= من آمن بالمسيح سيكون له
المجد والحياة الأبدية، أما المتعلق بالناموس كطريق للخلاص فسيخزي لأنه لم ولن
يوجد من التزم بالناموس بالكامل. والآية جاءت في ترجمات أخرى "كل من يؤمن
به لا يهرب
"= أي يهرب من الآلام، فهو لن يخزيه إرتباطه بالمسيح المصلوب
المتألم المرفوض، ويزداد تعلقاً به مع زيادة الألم.

 

الآيات
(12،13): "لأنه لا فرق بين اليهودي واليوناني لأن رباً واحداً للجميع غنياً
لجميع الذين يدعون به. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص."

لأن رباً واحداً
للجميع=

هذه عائدة علي "كل" في الآية السابقة. الرسول هنا يعالج رفضهم حب الله
الشامل للجميع يهوداً وأمماً. ويقول أن الله هو رب الجميع، خالق الجميع، إذاً هو
مسئول عن الجميع. ولذلك سيقبل الجميع، كل من يؤمن، من اليهود أو اليونانيين.
وإستند بولس الرسول علي آية أخري من يوئيل إن كل من يدعو بإسم الرب يخلص=
(32:2). طبعاً لا أحد سوف يدعو إن لم يؤمن أولاً ثم يدعو بإسم الرب. فالوعد هنا في
يوئيل هو للكل أيضاً، لكل من يصلي مؤمناً بالرب.

 

الآيات
(14،15): "فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به وكيف
يسمعون بلا كارز. وكيف يكرزون إن لم يرسلوا كما هو مكتوب ما اجمل أقدام المبشرين
بالسلام المبشرين بالخيرات."

الرسول يوجه اللوم
لليهود ويفضح تقصيرهم، إذ كان المفروض أن يكونوا نوراً للعالم، وبمعرفتهم للرب
أولاً كان يجب أن يكونوا سفراء للعالم كله، ويقوموا بدور كرازي، ويعلنوا الله لهم.
لكن بسبب كبريائهم وبرهم الذاتي، دخلوا في مناقشات غبية بتشامخ وكبرياء ضد
الأمم.فكانوا عثرة للأمم وسبب نفور الأمم من الله. والآن لقد أتي الله ليقبل
الأمم، واليهود يرفضون ذلك، بينما أن المفروض أن إيمان الأمم بالله يسعدهم. لأن
إسم الله يتمجد في العالم، هذا إن كانوا يحبون الله فعلاً، لكن هم كانوا يحبون أنفسهم،
وهذا معني أنهم يطلبون بر أنفسهم. هم كانوا بناموسهم الذي يشهد للمسيح، قادرين أن
يكتشفوا المسيح ويكرزوا به للأمم، لكنهم للأسف بسبب كبريائهم لم يقوموا بدورهم
الذي أراده لهم الله.

فكيف يدعون= هذه راجعة
للآية13 كل من يدعو بإسم الرب.. وهنا يتساءل بولس الرسول كيف يدعوا الأمم الله لكي
يخلصوا وهم لم يؤمنوا به وحتى يؤمنوا بالله كان يجب أن يسمعوا به=
وهذا لم يحدث لأنه لم يوجد كارز يعرفهم بالله فيؤمنوا به ثم يدعون بإسمه
فيخلصون. هنا الرسول يلوم اليهود، إذ كان عليهم بسابق معرفتهم بالله أن يكونوا أول
المؤمنين بالمسيح، بل كارزين به للعالم أجمع، لكن عوضاً عن ذلك إذ بهم يسدون
آذانهم حتى عن نبوات أنبيائهم، فلم يعرفوا المسيح، ولم يؤمنوا به، ولم يكرزوا به. لم
يُرسلوا
= لم يرسلهم الروح القدس بواسطة الكنيسة ليكرزوا، وكيف يخدم إنسان
كسفير مالم يقدم أوراق إعتماده. والملك لا يُرسل سفيراً ما لم يكن أهلاً لذلك.
فالله لم يُرسلهم للكرازة إذ أنهم لا يستحقون بسبب كبريائهم. وهنا يشير الرسول
للخدمة القانونية التي تستلزم خادماً رُسِمَ بالطريقة القانونية. والذي يرسل
الخدام هو رب الحصاد ولكنه يترك هذا لقادة الكنيسة حتى يحكموا علي مقدرته وصلاحياته،
ولا يترك لكل إنسان أن يحكم علي نفسه، وذلك يؤول لحفظ نظام الكنيسة فهم الذين
أُعْطوا السلطان (الله أعطي السلطان للكنيسة) لإقامة الخدام، وبهذا تحتفظ الكنيسة
بخلافة الرسل. ولذلك رأينا أنه بينما إختار الله بولس وبرنابا للكرازة، قامت
الكنيسة بوضع اليد عليهما لترسلهما (أع2:13،3) وحينما خَسِر اليهود دورهم ككارزين
وسط الأمم خسروا بركات أن يكونوا المبشرين بالسلام (إش7:52). وهذه الآية
قيلت عن خلاص إسرائيل من سبي بابل، لكن بولس رأي فيها ما هو أبعد من ذلك، رأي أنها
تشير لمن يبشر بالسلام الذي تحقق بدم المسيح بين الله والناس. والذي يبشر بالمسيح
هو يبشر بالسلام فالمسيح ملك السلام. وما أجمل أقدام المبشرين= في نظر
سامعيهم. هم خسروا هذه البركات.

 

آية
(16): "لكن ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل لأن إشعياء يقول يا رب من صدق
خبرنا."

عدم إيمان اليهود
بالمسيح، هذا كان النبي إشعياء قد تنبأ به من قبل (1:53) فقليلون هم الذين صدقوا
وآمنوا. قد أطاعوا الإنجيل= ليس المهم أن نسمع ونعرف بل أن نطيع. من صدق
خبرنا
= من يؤمن بكلمات الكرازة.

 

آية (17): "إذاً
الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله."

إذاً الإيمان بالخبر= الخبر في
الإنجليزية
HEARING أي سماع. وكلمة الخبر هنا راجعة علي كلمة خبرنا في الآية السابقة.
والمعني أنه لابد من الإستماع لكلمة الله حتي يؤمن الإنسان، فبداية الإيمان ونموه
تأتي من السماع، سماع كلمة الله= الخبر بكلمة الله. ولأن الخبر هو كلمة
الله فمن يرفض الكلمة التي كرز بها الرسل، فإنه يرفض الله.

 

آية (18):
"لكنني أقول ألعلهم لم يسمعوا بلى إلى كل الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصي
المسكونة أقوالهم."

ولكنني أقول هل اليهود
لم يسمعوا كلمة الله. بكل تأكيد هم سمعوا. لأن صوت الكارزين ببشارة الخلاص قد ذاع
ووصل إلي كل الأرض. وأقوال الكرازة قد وصلت إلي أقاصي المسكونة. فبولس هنا يثبت
علي اليهود أنه لا عذر لهم في رفض الكلمة، لكنهم هم سامعين لا يسمعون (مت13:13).
ولقد إقتبس الرسول من (مز5:19). ولكن المزمور كان يتكلم عن شهادة الفلك والطبيعة
لله، فالكواكب بنظامها العجيب تنطق بوجود الله، لكن بولس فهم المزمور أنه عن شهادة
الرسل وكرازتهم التي بلغت أقاصي المسكونة (مر15:16 + مت19:28). فكما رتب الله أن
تذاع أعماله في الخليقة عن طريق الشمس والقمر والكواكب، هكذا رتب الآن أن تذاع
أعمال الفداء وأعمال محبته لكل العالم بواسطة كرازة الرسل، لذلك يسمي الرسل كواكب.

 

آية
(19): "لكني أقول ألعل إسرائيل لم يعلم أولاً موسى يقول أنا أغيركم بما ليس
أمة بأمة غبية أغيظكم."

هو يقصد أن إسرائيل سمع
وعلم. ولكنه لم يريد أن يفهم لأن الأمم سمعوا وفهموا وآمنوا. فكان يليق باليهود
الذين لهم الأنبياء والعلامات أن يفهموا. والله يغيظهم بقبوله للأمم لعلهم يرجعوا
ويؤمنوا. فالله لم يغلق بابه إذاً أمام اليهود. ولكن عناد اليهود أفقدهم وجودهم
كأمة، ودخل بدلاً منهم الأمم. وبولس يقتبس من (تث21:32) قول موسى بأمة غبية
أغيظكم
= فالأمم كانوا أمة غبية لإلتصاقهم بالأوثان، فمهما سمت حكمة الشعوب
الوثنية فهم بعيداً عن الله لا تزيد حكمتهم عن كونها غباء. ونري غيظ اليهود من
قبول الأمم في أع45:13 + 5:17 + 13:17 + 22:22). اليهود كانوا كالأخ الأكبر الذي
تضايق من عودة أخيه الأصغر، الإبن الضال.

 

آية
(20): "ثم إشعياء يتجاسر ويقول وجدت من الذين لم يطلبوني وصرت ظاهراً للذين
لم يسألوا عني."

إن إشعياء وهو واحد من
اليهود، وكان يحتقر عبدة الأوثان، إلاّ أنه يتجاسر ويقول علي لسان الرب.
وجدت من الذين لم يطلبوني
= (إش1:65-3) أي صرت إلهاً للأمم. فإشعياء تنبأ هنا
عن قبول الأمم.

 

آية (21): "أما
من جهة إسرائيل فيقول طول النهار بسطت يدي إلى شعب معاند ومقاوم."

تابع نفس نبوة إشعياء
(1:65-3). هنا نري الله طول النهار= أي علي الدوام كأب غيور رحيم يمد يده
ليحتضن هذا الشعب إلاّ أنهم رفضوا. بسطت يدي= فيها إشارة للصليب حيث بسط
المسيح يديه يطلب المصالحة ويريد أن يحتضن الكل، يبحث عمن يلبي النداء. طول
النهار
= أي أن الزمان محدود، فالنهار يعقبه ليل، والليل إشارة لغضب الله (راجع
يو30:13 قول الكتاب عن يهوذا حين دخله الشيطان إذ كان الرب قد رفضه فذاك لما أخذ
اللقمة خرج للوقت. وكان ليلاً). والنهار محدد بساعات محدودة. فالله لا ينتظر
دائماً (نش2:5-6) في النشيد نجد الحبيب تحول عن محبوبته (إذ طال إنتظاره) وعبر. إن
رحمة الله العجيبة عجيبة جداً لأن صلاحه لم يغلبه شر الإنسان، وشر الإنسان لعجيب
جداً لأن شره لم يغلبه صلاح الله.

هل تبحث عن  م المسيح صعود المسيح والجاذبية الأرضية ة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي