اَلْمَزْمُورُ
الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ

مَزْمُورُ
تَسْبِيحَةٍ. لِيَوْمِ السَّبْتِ

وكما يقول القديس
جيروم
معلقًا على مزمور تسبيح ليوم السبت (مز92): [لا يمكن أن يوجد سبت مالم
تسبقه ستة أيام. نحن نعمل الستة أيام لنستريح في السابع. لا نقدر أن نسبح الرب إلا
في يوم السبت؛ مادمنا مشغولين بأعمال العالم، أي مادمنا في الستة أيام لا نستطيع
أن نغني للرب… ليس أحد في يوم السبت، أي في راحة الرب يعمل عملاً دنيئًا، أي
يرتبك بأعمال العالم، إنما يلزمه أن يعمل ما يخص السبت. أتريد أن تعرف أنه في
السبت يعمل الكهنة في هيكل الرب بينما لا يُسمح لأحدٍ أن يقطع فيه حطبًا، ففي
الحقيقة الرجل الذي اُكتشف أنه يجمع حطبًا في البرية رُجم للموت (عد32:14-36). في
السبت لا يشعل أحد نارًا، ولا يمارس أي عمل… إذن لنرى أنه يليق بنا أن نسبح في
السبت عندما نترك أعمال هذا العالم[1].]

يرى كثير من
الآباء في اليوم السابق للسبت حيث كان الشعب يجمع منًا ليوم السبت إشارة إلى العمل
الجاد لأجل التمتع بالطعام السماوي الأخيريِّ. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص:
[هذا اليوم إنما هو الحياة الحاضرة التي فيها نعد أنفسنا للأشياء العتيدة[2].]
ويقول العلامة أوريجينوس: [من خزَّن للسبت لم يفسد (المن) ولا أتى فيه دود، بل بقي
سليمًا، أما إن كنت تخزن للحياة الحاضرة حُبًا في هذا العالم فسيتولد فيك الدود[3].]

هكذا سبتنا
يعني مشاركتنا إلهنا في راحته التي هي عمل إلهي لا يتوقف كما في قداسته (خر12:31-
17). لهذا كثيرًا ما يستخدم الكتاب المقدس تعبير "قدِّسْ يوم
السبت". بمعنى آخر حفظ السبت هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة
والذبيحة لا لنكرم الله بعبادتنا، لكن ما هو أعظم لكي ننعم بعمل الله فينا واهبًا
إيانا الشركة معه لندخل به إلى قداسته[4].

كأن
"السبت" هو عربون لتمتع الشعب المختار بقداسة الله يومًا كل أسبوع، وسنة
كل سبع سنوات، وأخرى كل خمسين عامًا. كانوا يعتزلون كل عملٍ زمني، لا ليعيشون في
خمولٍ بل في الحياة المقدسة، ليختبروا عربون السماء!

كان السبت
هو علامة على العضوية في الأسرة الإلهية،
والانتساب إلى السماء،
لذا كان كسر السبت عقوبته الموت (خر1:35-3).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى 31

في مزمور
تسبحة ليوم السبت (مز92) يتأمل المرتل في معاملات الله، قائلاً: "ما أعظم
أعمالك يارب، وأعمق جدًا أفكارك!" مز5:92. يدرك المؤمن نجاحه بالرب فيقول:
"الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو، مغروسين في بيت الرب في ديار
إلهنا يزهرون، وأيضًا يثمرون في الشيبة" مز12:92-14. بهذا تمتلئ نفس المؤمن
فرحًا فيترنم "على ذات عشرة أوتار وعلى الرباب وعلى عزف العود، لأنك  فرحتني
يارب بصنائعك، بأعمال يديك أبتهج" مز3:92،4.

يقول العلامة
أوريجينوس
إن حياة المؤمن تصير سبتية لا بالامتناع عن الأعمال الصالحة، بل
بالتأمل في الله وأعماله ومجده السماوى[5].

حَسَنٌ هُوَ
الْحَمْدُ لِلرَّبِّ

وَالتَّرَنُّمُ
لاِسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ [1].

أَنْ
يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي الْغَدَاةِ

وَأَمَانَتِكَ
كُلَّ لَيْلَةٍ [2].

عَلَى ذَاتِ
عَشْرَةِ أَوْتَارٍ

وَعَلَى
الرَّبَابِ عَلَى عَزْفِ الْعُودِ [3].

لأَنَّكَ
فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ.

بِأَعْمَالِ
يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ [4].

مَا
أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ

وَأَعْمَقَ
جِدًّا أَفْكَارَكَ [5].

الرَّجُلُ
الْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ

وَالْجَاهِلُ
لاَ يَفْهَمُ هَذَا [6].

إِذَا زَهَا
الأَشْرَارُ كَالْعُشْبِ

وَأَزْهَرَ
كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ

فَلِكَيْ
يُبَادُوا إِلَى الدَّهْرِ [7].

أَمَّا
أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَالٍ إِلَى الأَبَدِ [8].

لأَنَّهُ
هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ

لأَنَّهُ
هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ.

يَتَبَدَّدُ
كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ [9].

وَتَنْصِبُ
مِثْلَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ قَرْنِي.

تَدَهَّنْتُ
بِزَيْتٍ طَرِيٍّ [10].

وَتُبْصِرُ
عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ

وَبِالْقَائِمِينَ
عَلَيَّ بِالشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ [11].

اَلصِّدِّيقُ
كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو كَالأَرْزِ

فِي
لُبْنَانَ يَنْمُو [12].

البار
والشرير كلاهما يزهوان، لكن ليسا بذات الطريقة، الأول يزهو كالنخلة ويدوم نموه إلى
الأبد. أما الثاني فيزهو ولكن كالعشب إلى حين، إذ يُقال عنه: "لأن الشمس
أشرقت بالحر فيبست العشب، فسقط زهره وفنى جمال منظره" (يع 1: 11).

الأول يجد
سعادته في الأبديات فتحمله معها، والثاني يجد سعادته في الزمنيات فتدمره معها.

v 
يظهر جبل لبنان لنا من جميع
جوانبه وتنمو الغابات الكثيفة تظلل جوانبه المنحدرة ولهذا السبب تتنوع الصور التي
كتبت عن جبل لبنان في الكتاب المقدس، لذلك يجب أن نفحص كل واحدة منها على حدة.
لذلك يرى الأنبياء لبنان في أوجهها المختلفة، لمدحها ولإدانتها. الرب يكسر أرز
لبنان ويقلل من شأنها ويجعلها كالعجل الوحشي الذي يُعبد في الصحراء (مز 5:29-6)
(تعلمنا هذه النبوّة أن كل شر يرفع نفسه ضد معرفة الله سوف يذوىة إلى لاشيء).
ويمكن أن نضفي معنى أفضل إلى لبنان: "الصديق كالنخلة يزهر كالأرز في لبنان
ينمو" (مز 12:92). ينمو الواحد العادل كنخلة عالية لأنه في الحقيقة عادل
(السيد المسيح هو الواحد العادل الذي صعد من الأرض إلى السماء من أجلنا). هو نخلة
يحمل الكثير من الأوراق. وأصبح السيد المسيح وهو في طبيعتنا البشرية، جبلاً ملأ
بالأرز كل من كان مرتبطًا به بالإيمان وناميًا عليه. وعندما نُزرع في بيت الله،
ننمو ونزدهر في فناء الله
[6].

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كودة ة

القديس
غريغوريوس أسقف نيصص

v  قال
شيخ: "مكتوبٌ "الصدِّيق (أو البار) كالنخلة يزهو" (مز 92:
12)، هذا القول يعني أنّ ما ينتج عن أعمالهم السامية إنما هو صالحٌ وصوابٌ ومُرضٍ،
فالنخلة لها قلبٌ واحدٌ، وهو أبيض ويحوي كل ما هو جيد. والإنسان يجد نفس الشيء بين
الأبرار: قلوبهم بسيطة إذ ترى الله وحده، وهي بيضاء إذ أنّ لها الاستنارة التي
تنبثق من الإيمان، وكل عمل الأبرار هو في قلوبهم. وهم مثل النخلة في كون رؤوسهم
المدبّبة (مثل السعف) هي لأجل الدفاع عن نفوسهم ضدّ الشيطان".

فردوس
الآباء

v  ولعل
النار الروحانية تشتعل في قلبك على الدوام، تلك التي قال عنها سيدنا المسيح: "جئتُ
لألقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49). ولعل سلام الرب يملك في قلبك حسب القول
الرسولي (كو 3: 15)، ولعل نخلتك ترتفع بأغصانها كما قال داود النبي: "الصدِّيق
كالنخلة يزهو" (مز 92: 12). ولعلك تتنقّى من الغضب والسُخط، هذين الوجعين
المريعين، مثل القديسين الكاملين الذين لا تظهر حركتهما فيهم على الإطلاق ولا
لحظة، ولعل الرب يعتبر أنه من المناسب أنّ نفسك "في الخير تبيت (أو تسكن)"
(مز 25: 13) بوداعةٍ وبلا غشٍّ، لكيما تكون طفلاً رضيعًا للمسيح، حملاً بلا عيب،
ولعلك تقتفي إثر خطواتنا مثل قصّاص أثر مجتهد، ولعلك تبلغ إلى تدبيرنا كوارثٍ
صالحٍ لما لنا من مواهب النعمة، ولعل عيناك "تعاينا الله" كمن هو "نقي
القلب" (مت5 : 8)، ولعلك تكون طويل الأناة في الضيقات كمَنْ وصل إلى عهد
السيد الذي قال: "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا (أو ابتهجوا) أنا قد
غلبتُ العالم" (يو 16: 33)، ولعلك تبلغ إلى ذلك الحب الذي لا يُقهَر الذي
يأتي بالذين حصلوا عليه إلى القصور الملكية ويجعلهم إخوة للمسيح.

القديس
برصنوفيوس

مَغْرُوسِينَ
فِي بَيْتِ الرَّبِّ،

فِي دِيَارِ
إِلَهِنَا يُزْهِرُونَ [13].

v  "سوف
يضطر كل المطوبين, في أول الأمر, للسفر في الطريق الضيق والعسير في عاصفة الشتاء
(مت 7: 14), ليكشفوا عن مدى المعرفة التي اقتنوها لتوجيه حياتهم. فيمكنهم بذلك
إدراك المغزى من كلمات نشيد الأناشيد للعروس, إذ قد عبر الشتاء بأمان: "أجاب حبيبي
وقال لي: قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي, لأن الشتاء قد مضى والمطر قد زال"
(نش 2: 10, 11) … فبعد مُضِىّ الشتاء ومرور المطر وزواله, سوف تظهر الزهور "المغروسة
في بيت الرب, وتزهر في ديار إلهنا" (مز 92: 13).

v  يليق بكم أن
تحتفظوا في عقولكم أنكم لا تستطيعون أن تسمعوا "الشتاء قد مضى" (نش 2:
11) بطريق آخر سوى الدخول في صراع مع هذا الشتاء الحاضر بكل قوتكم وقدرتكم وقوتكم
البدنية. إذ يمضي الشتاء ويزول المطر تظهر الزهور المغروسة في بيت الرب وتنتعش في
ساحات إلهنا
[7].

العلامة
أوريجينوس

أَيْضًا
يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ.

يَكُونُونَ
دِسَامًا وَخُضْرًا [14].

لِيُخْبِرُوا
بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ.

صَخْرَتِي
هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ [15].

٩٢:
١٢

v      
المسيح هو
واحد من جهة الأقنوم، لكنه يتنوع حسب احتياجات من يعمل فيه. فيكون عصا تأديب
"لا تنبت" بالنسبة لمن كان مهملاً وضعيفًا… أما بالنسبة للصدّيق
فينبت… ليثمر فيه "ثمر الروح الذي هو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح
إيمان" وفضائل أخرى في المسيح يسوع ربنا
[8].

العلامة أوريجينوس



[1] On Ps. hom.
21.

[2] Vita Mos.
2:144.

[3] In Exod. hom.
7:6.

[4] Thierry Maertens:
A Feast in Honor of Yahweh, Geaffret Cheplen, 1966, p. 166.

[5] Source Chrétienne
147:30.

[6] عظة 14 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[7] Exhortation to Martyrdom 31.

[8] In Lev. 9.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي