اَلْمَزْمُورُ
الْمِئَةُ وَالْخَامِسُ وَالأَرْبَعُونَ

تَسْبِيحَةٌ
لِدَاوُدَ

أَرْفَعُكَ
يَا إِلَهِي الْمَلِكَ

وَأُبَارِكُ
اسْمَكَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ [1].

فِي كُلِّ
يَوْمٍ أُبَارِكُكَ

وَأُسَبِّحُ
اسْمَكَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ [2].

عَظِيمٌ
هُوَ الرَّبُّ

وَحَمِيدٌ
جِدًّا

وَلَيْسَ
لِعَظَمَتِهِ اسْتِقْصَاءٌ [3].

دَوْرٌ
إِلَى دَوْرٍ يُسَبِّحُ أَعْمَالَكَ

وَبِجَبَرُوتِكَ
يُخْبِرُونَ [4].

بِجَلاَلِ
مَجْدِ حَمْدِكَ

وَأُمُورِ
عَجَائِبِكَ أَلْهَجُ [5].

بِقُوَّةِ
مَخَاوِفِكَ يَنْطِقُونَ

وَبِعَظَمَتِكَ
أُحَدِّثُ [6].

v      
عندما كتب الرسول العظيم
بولس إلى كنيسة كورنثوس عن رؤيته السمائية، لم يكن متأكدًا إذا كان قد رآها بروحه
فقط أم بجسده وروحه معًا. وشهد قائلاً: "أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي أني
قد أدركت. ولكني أفعل شيئًا واحدًا إذ أنسى ما هو وراء واَمتد إلى ما هو
قدام" (في 3: 13). يتضح من هذا أن بولس وحده كان يعرف ما يوجد وراء السماء
الثالثة، لأن موسى نفسه لم يذكرها عندما تكلم عن خلق وأصل الكون. اِستمر بولس في
الارتفاع ولم يتوقف بعدما سمع عن أسرار الفردوس التي لا يُنطق بها. ولم يسمح للسمو
والارتفاع الذي وصل إليه أن يحدّ من رغبته هذه، وأكد بولس أن ما نعرفه عن الله
محدود لأن طبيعه الله أبدية واسمي مما نعرفه، وليس لها حدود. أمّا من يتحدون مع
الله فتنمو وتزداد شركتهم معه باِستمرار في الحياة الأبدية ويتفق هذا مع كلمات
السيد المسيح: "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). إنهم
سوف يعرفون الله بقدر ما تسمح به عقولهم من فهم، إلا أن الله الغير محدود والغير
مدرك يبقى دائمًا بعيدًا عن الفهم. إن مجد الله العظيم جدًا لا حدود له كما يشهد
بذلك النبي (مز 145: 3-6). يبقى الله دائمًا كما هو عندما نتطلع إليه ونفكر في علو
سمائه. هذا ولقد حاول داود العظيم بكل قلبه أن يرتفع بفكره إلى الآفاق العليا.
وكان دائمًا يتقدم من قوة إلى قوة (مز 84: 7). وصرخ إلى الله: "أما أنت يا رب
فمتعال إلى الآبد". (مز 92: 8). وذلك يتضح أن الشخص الذي يجرى نحو الله يصبح
أعظم كلما اِرتقى إلى أعلى وينمو باِستمرار في الخير حسب مستواه في الارتفاع.
ويحدث هذا في جميع العصور والله هو الأعظم ارتفاعًا الآن وإلى الأبد، ويظهر
باِستمرار هكذا لمن يقتربون منه، فهو أعلى واسمي من قدرات كل من يرتفعون
[1].

القديس
غريغوريوس أسقف نيصص

ذِكْرَ
كَثْرَةِ صَلاَحِكَ يُبْدُونَ

وَبِعَدْلِكَ
يُرَنِّمُونَ [7].

اَلرَّبُّ
حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ،

طَوِيلُ
الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ [8].

v      
الله يريد أن يُدعى بواسطتها: "الرب
حنان ورحيم، بطيء الغضب وكثير الرحمة
" (
LXX)، والحق رحمة الله فوق كل الأرض. إنها تخلص جنس البشر (مز 145:
9)، فلولا تعطفها علينا لتدمَّر كل شيء. ونحن أعداء (رو 5: 10) صالحتنا، وقدَّمت
بركات لا حصر لها. لقد حثت ابن الله أن يصير عبدًا ويخلي ذاته عن مجده. دعونا
نتبارى فيها بكل غيرة، هذه التي بها خلصنا. لنحبها، ونفضلها عن الغنى والثروة.
لتكن لنا نفس رحومه. ليس شيء يميز شخصية المسيحي مثل الرحمة[2].

القديس
يوحنا الذهبي الفم

v  ينبغي
أن نحترس من أفكارنا ونقاومها أولاً بأول. أمّا إذا صرنا ضحيّةً للوهم فلا نستسلم
لليأس، بل بالعكس، لأنّ هذا الأمر يأتي من الشرير. ولنعلم أنّ مثل هذه الأمور
يُسمَح بها لنا حتى نتعرّف على ضعفنا وأننا بشرٌ، كما أنّ هذه الأوهام تقابلنا لكي
تجعلنا أكثر خبرة. وهكذا ينبغي أن ننوح لكوننا قد انخدعنا، وأن لا نيأس لأنّ "الرب
حنّانٌ ورحيم" (مز 145: 8)، ويعرف ضعفنا ويتراءف علينا[3].

القديس مقاريوس
الكبير

الرَّبُّ
صَالِحٌ لِلْكُلِّ

وَمَرَاحِمُهُ
عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ [9].

v  أليس
الله صالحًا؟ تذكر كيف أشبع آلاف الجموع في البرية بخبزٍ من السماء. لقد حال دون
حدوث مجاعة ولم تكن الجموع محتاجة إلى المشاركة في العمل لكي يشبعوا. لقد نعموا
بالراحة لمدة أربعين عامًا فلم تُبلَ ثيابهم ولم تتهرَّأ أحذيتهم.

أليس هو
صالح؟ فقد أصعد الأرض إلى السماء، حتى أنه مثلما تعكس النجوم بهاء مجده في السماء
كالمرآة كذلك، فإن جوقة الرسل والشهداء والكهنة يتلألأون كالنجوم تمامًا، ويبعثون
نورهم للعالم أجمع.

فإذًا هو
ليس صالح فحسب، بل أكثر من ذلك كثيرًا.

إنه راعٍ
صالحٍ لخرافه… و"الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف".

إنه لنفعي
أؤمن أن الله صالح، و "صالح هو الاتكال على الرب". جيد هو الاعتراف بأنه
هو الرب، لأنه مكتوب: "احمدوا الرب فإنه صالح"[4].

القدِّيس
أمبروسيوس

يَحْمَدُكَ
يَا رَبُّ كُلُّ أَعْمَالِكَ

وَيُبَارِكُكَ
أَتْقِيَاؤُكَ [10].

بِمَجْدِ
مُلْكِكَ يَنْطِقُونَ،

وَبِجَبَرُوتِكَ
يَتَكَلَّمُون [11].

َلِيُعَرِّفُوا
بَنِي آدَمَ قُدْرَتَكَ

وَمَجْدَ
جَلاَلِ مُلْكِكَ [12].

مُلْكُكَ
مُلْكُ كُلِّ الدُّهُورِ،

وَسُلْطَانُكَ
فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ [13].

اَلرَّبُّ
عَاضِدٌ كُلَّ السَّاقِطِين،َ

وَمُقَوِّمٌ
كُلَّ الْمُنْحَنِينَ [14].

v      
الرب صادق في كل أقواله. إنه لا يكذب! عندما
يقول: "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، وإن كانت حمراء كالدودي تصير
كالصوف" (إش 1: 18).

إن طبيب
النفوس العظيم، الذي يريد أن يحرر، هو مستعد أن يشفي مرضكِ، لا أنتِ وحدِ فحسب بل
كل الذين أسرتهم الخطية[5].

القديس
باسيليوس الكبير

v  "الصديق
يسقط سبع مرات
ويقوم، أما الأشرار فيعثرون بالشر" (أم
24: 16). عندما تسقط الشرور الأشرار يضعفون بها. وعندما تسقط الصديقون، فإن يقَّوي
كل الساقطين… "الرب عاضد كل الساقطين" (مز 145: 14)، كل الذين
ينتمون إليه، لأن "الله يقاوم المستكبرين" (يع 4: 6)[6].

القديس
أغسطينوس

أَعْيُنُ
الْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى،

وَأَنْتَ
تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ [15].

v      
"ليأت حبيبي إلى
جنته ويأكل ثمرة النفيس
" [ع 16]. أنه
لتعبير جريء من نفس ممتلئة حماسًا وروعة ترتفع على كل تعجب. من تدعوه العروس
لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟ لمن تُجهز العروس ولِيمتها التي أقامتها
من مصادرها الخاصة؟ من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ "هو الذي منه وبه
وله كل الأشياء" (رو 11: 36). أنه يعطي كل شخص طعامه في حينه (مز 145: 15)،
يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 6: 41)، هو
الذي يعطي الحياة للعالم ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة. هذا هو الواحد
الذي تُرتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة. ترمز
الأشجار إلينا وتُشير أرواحنا المُخلصة إلى الطعام المُقدم له. وقال
لتلاميذه: "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم" (يو 4: 32، 34). تتميم
إرادة الله المقدسة: "فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق
يقبلون" (1 تي 2: 4). فهذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تعطي إرادتنا
الحرة الثمرة لله وهي أرواحنا، ليقطفها من على غصنها الصغير. تمتعت العروس في
البداية بثمرة التفاح حلوة المذاق قائلة "وثمرته حلوة لحلقي" (نش 2: 3).
ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها
[7].

القديس
غريغوريوس أسقف نيصص

v  إنّ
الفقر الاختياري صالحٌ للذين لهم عادات صالحة، لأنهم بمجرد أن يطرحوا عنهم جميع
الممتلكات غير الضرورية يأتون للرب بعلامةٍ على تعهُّدهم وهم يرتلون بطهارةٍ تلك
الآية الملهَمة: "أعين الكل إياك تترجَّى، وأنت تعطيهم طعامهم في حينه"
(مز 145: 15).

القديسة الأم
سنكليتيكي

تَفْتَحُ
يَدَكَ

فَتُشْبِعُ
كُلَّ حَيٍّ رِضىً [16].

v  العلامات
التي
بها نعرف الله
هي ذات العلامات التي بها يلزم على الابن أن يراها في علاقته بأبيه "يفتح يده
ويشبع كل حي بالفرح عن الإثم" (مي 7: 18
LXX). يندم على الشر" (يوئيل 2: 13). "يوم الرب صالح للكل
ولا يغضب علينا كل يوم" (مز 145: 9
LXX). "الله مستقيم لا ظلم فيه" (مز 92: 15 LXX). هذا هو ما يفعله
الآباء لأبنائهم… إن كنتم هكذا فإنك بالحق تصير ابنًا لله[8].

القديس
غريغوريوس النيسي

الرَّبُّ
بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ

وَرَحِيمٌ
فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ [17].

الرَّبُّ
قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ

الَّذِينَ
يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ [18].

يَعْمَلُ
رِضَى خَائِفِيهِ

وَيَسْمَعُ
تَضَرُّعَهُمْ فَيُخَلِّصُهُمْ [19].

v      
إنه بالتأكيد سيخلص (مز 145: 19)، لكنه سيفعل
هذا بالطريقة التي يعد بها. بأية طريقة هو يعد بهذا؟ أن نريد نحن ذلك، وأن نسمع
له. فإنه لا يقدم وعدًا لكتلٍ خشبية![9]

القديس
يوحنا الذهبي الفم

v  سؤال
من الأب نفسه إلى الشيخ الكبير: أتوسل إليك أن تخبرني من أين تأتيني ليونة الجسد
وميوعة القلب؟ ولماذا لا أستطيع أن أمكث دائمًا في نفس التدبير؟

إجابة الأب
برصنوفيوس
: أيها الأخ، إنني مندهش ومذهول من رؤية كيف أن أهل العالم الذين لهم
شهوة الربح أو القتال يستخفون بالوحوش وفخاخ قطاع الطرق وأخطار البحر وحتى الموت
ذاته. إنهم لا يجبنون من أجل الغِنى الذي يشتهونه بتلهُّف، في حين أنهم غير
متيقنين من الحصول عليه. ونحن البؤساء الجبناء الذين نلنا سلطانًا أن ندوس «الحيات
والعقارب وكل قوة العدو» (لو 10: 19)، نحن الذين سمعنا القول: "أنا هو لا
تخافوا" (يو 6: 20)، نحن الذين نعلم بوضوح أننا لا نصارع بقوتنا بل بقوة الله
الذي يسلِّحنا ويحصنّا، إذن فنحن الذين نستسلم لليونة وللاكتئاب! ومن أين يأتي
ذلك؟ هذا لأن أجسادنا لم تتسمّر فيها مخافة الله (مز 118: 120 السبعينية)، ولأنه
لم يجعلنا صراخ نوحنا (أو تنهُّدنا) مطلقًا ننسى أكل خبزنا (مز 102: 4-5). ولذلك
نحن نتقلّب من جانب إلى آخر ومن نظام إلى آخر لأننا لا نتشبث تمامًا بالنار التي
جاء الرب ليلقيها على الأرض (لو 12: 49)، والتي يمكنها أن تُهلك وتلتهم أشواك
حقلنا الروحي. إن تخاذلنا وتغافلنا وحبنا لأجسادنا لا يسمح لنا بالرحيل.

يشهد لي ابن
الله الحي أنني أعرف إنسانًا، وهو هنا في هذا الدير المبارك – ولا يقول أحد أنني
أتكلم عن نفسي، فأنا لا أحسب نفسي شيئًا في أي أمر – هذا الإنسان يمكنه أن يبقى
كما هو بدون أي غذاء أو شراب أو ملبس حتى يفتقده الرب، ولن يعوزه من كل ذلك أي شيء
على الإطلاق، لأن غذاءه وشرابه ولباسه إنما هو الروح القدس! فإذا أردت نافسه
وتشوّق وبادر، وامتلئ بالغيرة ومخافة الله وهو سيحقق رغباتك. لأنه مكتوب:
"يعمل رضى خائفيه" (مز 145: 19). وفي الحقيقة، فإنني أنا، الذي لستُ
شيئًا، بسبب الوصية أعمل بقدر استطاعتي، ولكن الله هو الذي منه يكون الثبات
والتحصين والتحرر وإتمام كل عمل صالح وتجنُّب كل شر وتدبير الخلاص في ملكوته، وله
المجد آمين.

فردوس
الآباء

يَحْفَظُ
الرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ

وَيُهْلِكُ
جَمِيعَ الأَشْرَارِ [20].

بِتَسْبِيحِ
الرَّبِّ يَنْطِقُ فَمِي

وَلِْيُبَارِكْ
كُلُّ بَشَرٍ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ [21].



[1] عظة 8 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[2] Homilies on Heb., 32: 7.

[3] رسائله
المكتَشَفة حديثًا عن مجلة:
Recherches
Augustiniennes, 1999 – 31, p. 104 – 135 
 رسالة 6 :5 (فردوس الآباء).

[4] Exposition of Christian Faith, 2: 23-25, 27. ترجمة الدكتورة نهي عزت

[5] رسالة 46.

[6] On Ps. 145. 13.

[7] عظة 10 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[8] Address on Religious Instruction,
40.

[9] Homilies on 2 Thess. 3:1.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر مراثى إرميا 02

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي