تَفْسِير سِفْرُ
إِرْمِيَا

 

السيد المسيح مركز
النبوات

سفر كل عصر

لسفر إرميا أهمية خاصة
تمس حياة المؤمنين في كل عصر.

عاش النبي في فترة
عصيبة، فمنذ حوالي قرن سقطت مملكة الشمال "إسرائيل" بأسباطها العشرة تحت
السبي، وزال مجدها بسبب ما اتسم بها ملوكها العتاة من عجرفة وفساد. أما مملكة
الجنوب "يهوذا" فعوض أن تتعظ بما حلّ بأختها "إسرائيل"، نست
أو تناست ما صنعته الخطية بأختها، حاسبة أن ذلك هو حكم إلهي عادل لانفصالها عن
يهوذا وإقامتها مركزًا للعبادة في السامرة عوض هيكل أورشليم.

مع بداية خدمة إرميا
كان الكل – الملك والمشيرون والكهنة وكل القيادات الدينية والشعب – متفائلاً، وقد
انحرفوا إلى عبادة الأوثان وانحطت أخلاقياتهم حتى سكنت الشريرات حول بيت الرب
يكرسن حياتهن لارتكاب الشر مع القادمين للعبادة، وانشغل رجال الدين مع الأنبياء
الكذبة بمحبة المال والمجد الباطل. وإذ أراد يوشيا الملك الإصلاح قام بترميم
الهيكل، لكن الإصلاح لم يصل إلى القلوب. فجاء إرميا يحذر وينذر معلنًا ضرورة
التوبة والرجوع إلى اللَّه بكل القلب، مهتمًا بالإصلاح الداخلي للنفس وإلا سقطت
المملكة!
هذا هو مفتاح السفر.

إن كان هناك ترميم لبيت
الرب، فالحاجة ماسة إلى ترميم القلب كمسكن خفي للرب.

وإن كانت هناك ضرورة
للذبائح، فيلزم أيضًا تقديم الطاعة للّه ذبيحة حب له.

وإن كان لابد من الختان
فليُختن القلب والحواس أيضًا.

إن كانوا أثناء الترميم
قد وجدوا سفر الشريعة، فيليق بنا أن نجدها منقوشة بالروح القدس داخل النفس.

وسط هذا الظلام الدامس
أشرقت أشعة الرجاء بالرب على النبي الباكي الشجاع، إذ رأى من بعيد المسّيا المخلص
قادمًا ليقيم عهدًا جديدًا، فيه تُنقش شريعة اللَّه لا على لوحي حجر، إنما داخل
القلب الحجري لتجعل منه سماءً مقدسة!

هذا السفر في حقيقته هو
سفر كل نفس قد مالت في ضعفها إلى تغطية ذاتها بالشكليات في العبادة دون التمتع
بعمل اللَّه الخفي والانشغال بالعريس السماوي!

في هذا السفر نرى رجل
اللَّه مختفيًا وراء كلمة اللَّه النارية لكي يعلن الحق الذي كاد أن يرفضه الكل
. يكشف
أحكام اللَّه وتأديباته في غير مداهنة ولا مجاملة؛ بل في اتضاع مع حزم، في قوة مع
بث روح الرجاء… وقد كلفه ذلك احتمال اضطهادات كثيرة ومتاعب، بل ودفع حياته كلها
ثمنًا لذلك.

لخص العلامة
أوريجينوس
غاية هذا السفر بقوله:

]أنظر إذًا
أي شقاء عظيم أن يخطئ الإنسان فيُسلَّم إلى الشيطان، الذي يسبي (يأسر) النفوس التي
تخلى عنها اللَّه. لكن ليس بدون سبب يترك اللَّه هؤلاء الخطاة. فإنه عندما يرسل
المطر على الكرمة ثم لا تعطيه هذه الكرمة سوى شوكًا بدلاً من العنب، ماذا يفعل
اللَّه بها إلاَّ أن يأمر السحب بألا تمطر عليها؟

إذًا نحن أيضًا مهددون
بسبب خطايانا، إن لم نتب يجب أن ُنسلم إلى نبوخذنصر وإلى البابليين حتى
يعذبوننا بالمعنى الروحي
. أمام هذا التهديد، تدعونا كلمات الأنبياء، وكلمات
الشريعة، وكلمات الرسل، وكلمات إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى التوبة وإلى الرجوع.
إن سمعنا لهم نؤمن بالذي قال: "ندم اللَّه على الشر الذي تكلم أن
يصنعه بهم فلم يصنعه" (يونان10:3)
[1].

والآن أقدم لك أيها
العزيز مقدمة بسيطة للسفر مع تفسير مختصر وتأملات أرجو أن تسندنا بروح اللَّه
القدوس على التمتع بأسرار هذا السفر الروحية العميقة وفاعلية كلمة اللَّه فينا،
مستندًا على بعض مفاهيم الأولين.

القمص تادرس يعقوب ملطي

سانتا مونيكا 1994

كنيسة القديسين بطرس
وبولس

 

مقدمة في سفر إرميا

اسم السفر

          جاء اسم
إرميا في العبرية "
Yirmya" أو "Yirmyahu"
(إرمياهو)، وجاء في الترجمة السبعينية
Iremias (إرمياس)، وفي
الطبعات اللاتينية
Jeremias (جرمياس).

إرميا النبي وظروف الكتابة

في هذا السفر امتزجت
حياة إرميا النبي والأحداث التاريخية في عهده بالنبوة، لذا أجد نفسي ُملزمًا أن
أكتب أولاً عن حياة هذا النبي مع عرض سريع للأحداث المعاصرة له، وإن كان قد سبق لي
عرض بعضها في سفر حزقيال الذي عاصر إرميا النبي في أواخر أيامه.

1. إن كان هذا السفر
يُنسب لإرميا النبي، لكن البعض يرى أن صديقه الحميم "باروخ" الكاتب هو
الذي سجله (23:36)، إذ كان محتفظًا بمنطوقات النبي ومدركًا لدقائق حياته.

2. كلمة
"إرميا" تعني "يهوه يؤسس أو يثبت"، وربما تعني "يهوه
يرفع أو يمجد
[2]". ففي أحلك الفترات ظلامًا، بينما كان إسرائيل
مسبيًا ويهوذا في طريقه إلى السبي جاء إرميا من قبل الرب يعلن أن اللَّه يود أن
يؤسس شعبه ويثبته، بل يرفعه ويمجده، إن عاد اليه بالتوبة من كل القلب. اللَّه لا
يريد لنا المرّ ولا الضيق، حتى إن بدا كأنه يمرّر حياتنا بتهديداته، إنما يريد
قيامتنا ومجدنا على مستوى أبدي فائق.

يرى البعض أن
"إرميا" تعني "الرب يرمي"، بمعنى أن اللَّه قذف بالنبي
إلى عالمٍ معادٍ له، أو ألقى بالأمم تحت الحكم الإلهي بسبب خطاياهم
[3].

3. ُولد إرميا في منتصف
القرن السابع ق.م، في أواخر عصر الملك منسى المرتد، من عائلة كهنوتية، تقطن في
قرية صغيرة تسمى عناثوث في أرض بنيامين، تبعد حوالي ثلاثة أميال شمال شرق أورشليم.
وهي مدينة الكاهن أبياثار الذي استبعده سليمان الملك (1مل26:2)، ربما في موقع رأس
الخرابة
Ras-el-Kharrubeh بجوار القرية الحالية عناتا [4]Anata. وقد أفاده نسبه إلى عائلة كهنوتية في معرفة الشريعة وإدراكه أعمال
اللَّه مع شعبه. أما كونه بجوار أورشليم، فقد أتاح له وهو في سن صغير أن يحضر
المواسم والأعياد المقدسة ويرى التصرفات الفاسدة في الأيام المقدسة للرب. أما
القرية فقدمت له الطبيعة الشاعرية التي كان لها أثرها على نفسه من حساسية وعاطفة
متدفقة. كانت القرية أيضًا على حافة البرية، فقدمت له بجوار آمان القرية رعب
الصحراء، ومع خيرات القرية جفاف البرية. لهذا كثيرًا ما تحدث عن زئير الأسود وأشار
إلى الحيوانات المفترسة.

4- تكرس إرميا لهذا
العمل النبوي قبل ولادته، وُدعي بواسطة رؤيا وهو صغير السن (ولد
na’ar). مثل موسى النبي حاول أن يهرب من الدعوة الإلهية، ليس رغبة في
التخلي عن الالتزام بالمسئولية أو الخدمة، وإنما لشعوره بعجزه وقلة خبرته في
التعامل مع الآخرين. لكن اللَّه لمس فمه ووهبه كلمته وأقامه على ممالك وأمم لكي
يقلع ويهدم، ويزرع ويبني. لقد أعلن له اللَّه أنه سُيقاوم من القادة والكهنة
والشعب، لكنهم لا يغلبوه (4:1-10).

كان إرميا في عيني نفسه
أمام اللَّه كطفلٍ صغيرٍ، أما أمام الناس فصاحب قلب أسدي لا يعرف الخوف ولا
المهادنة.

كان حساسًا للغاية،
رقيق المشاعر،
عاطفيًا إلى أبعد الحدود، لكنه قوي لا يعرف الضعف، ولا
يتراخى في إعلان الحق مهما كلفه الأمر.

عاش باكيًا، تجري دموعه
كنهرٍ يناسب لا يجف، فدُعي بالنبي الباكي، لكنه غير هزيلٍ ولا متراخٍ في جهاده.

دعي "أيوب
الأنبياء"
، رجل آلام وضيقات بسبب جراءته
[5]:

– رفضه شعبه ورذلوه
(18:11-21).

– خانه اخوته (13:14-16
؛10:28-17).

– ضُرب ووضع في مقطرة
(1:20-2).

هُدد بالقتل (8:26
؛26:36).

– سُجن واُتُهم
بالخيانة الوطنية (2:32،3 ؛11:37-15).

– وُضع في جب ليموت
(6:38).

– قيِّد في سلاسل
(1:40).

– اُحرقت بعض نبواته
(22:36-25).

– حُمل إلى مصر قسرًا
وهناك رجمه شعبه.

من يوم ميلاده إلى لحظة
استشهاده نادرُا جدًا ما وجد إرميا تعزية من بشر، لهذا فيُعتبر سندًا لكل مسيحي
يُدعي ليعيش "ضد العالم". إنه أشبه بمنارة عالية تنير له الطريق
[6].

دُعي "نبي
القلب المنكسر"
، فقد كسرت رسالته الثقيلة قلبه (1:9)، وسرت كلمة اللَّه
في عظامه كنارٍ ملتهبة (9:20).

وجه أحاديثه إلى يهوذا
في أحرج اللحظات… ولا تزال كلمات اللَّه التي نطق بها تصرخ لتحذر كل نفسٍ وكل
قلبٍ حتى اليوم!

5. ربما كشابٍ أراد
الزواج كعادة شعبه ليفرح بإقامة نسلٍ باسمه، وليدفنه أولاده عند موته. لكنه امتنع
عن الزواج بأمر إلهي (1:16-4)، كعملٍ رمزي أن الشعب يموت ولا يجد من يدفنه:
"فيموت الكبار والصغار في هذه الأرض، لا يُدفنون ولا يندبونهم…"
(6:16)، أما عن انقطاع الفرح يقول: "ولا تدخل بيت الوليمة لتجلس معهم للأكل
والشرب" (8:16).

 6. بدأ إرميا خدمته في
السنة الثالثة عشرة لملك يوشيا (626ق.م)، أي بعد حوالي خمس سنوات من حركة الإصلاح
الدينية العظيمة الواردة في (2 مل23)
[7]، واستمر في
عمله النبوي حتى حوالي سنة 86 ق.م، أي لمدة حوالي 40 عامًا.

اسم الملك
"يوشيا" بالعبرية معناه "يهوه يشفي"، تبوأ العرش وهو ابن
ثمانية سنوات.

بالرغم من مقاومة يوشيا
الملك للوثنية بكل طاقاته، لكن تيار الفساد كان متغلغلاً في النفوس.

مع بداية خدمة إرميا
كان موضوع استقلال يهوذا عن أشور قد بدأ يظهر كأمرٍ عملي، وتطلع الكل بنظرة
تفاؤلية نحو مستقبل يهوذا، بينما وقف إرميا وحده أمام هذا التيار الشعبي والديني
ليكرر أن هجومًا من الشمال يحل بيهوذا، وأن اللَّه قد تخلى عن يهوذا!

بعد خمس سنوات من عمل
إرميا، أي في السنة الثامنة عشرة من ملك يوشيا بدأ ترميم الهيكل، وفي أثنائه وجد
شافان الكاتب سفر الشريعة المفقود، فأخبر حلقيا الكاهن العظيم، وقُدم السفر للملك
الذي تأثر به جدًا ومع ما بذله الملك من إصلاحات لم يهتم الرؤساء المدنيون والدينيون
والشعب أيضًا بإصلاح قلوبهم، مكتفين بترميم الهيكل وممارسة العبادة في شكليات بلا
روح، ممتزجة بالرجاسات الوثنية.

7. واجه إرميا النبي
مشكلتين إحداهما تخص قريته، والثانية تخص مملكة يهوذا ككل.

فمن جهة قريته، هاج
أهلها عليه، لأنه شدد على ضرورة الالتزام بما جاء في الشريعة، وهي حصر العبادة
العامة في الهيكل بأورشليم، الأمر الذي لا يقبله أهل عناثوث بكونهم سلالة الكاهن
أبياثار المطرود من أورشليم، فكانوا ُيجرون طقوس العبادة مستقلين عن أورشليم. بهذا
ظهر إرميا كخائنٍ لعائلته وقريته.

من جهة أخرى إذ رأى أهل
قريته أن مملكة يهوذا بملكها وقياداتها وشعبها في ثورة ضد إرميا النبي كخائنٍ وطني
حاولوا التبرؤ منه بجحده ومقاومته حتى لا يُنظر إليهم كخونة للوطن.

أما من جهة مملكة يهوذا
ككل، فتلخصت مشكلته معهم في أمرين: أولاً حينما بدأوا في حركة الإصلاح في أيام
يوشيا ركزوا على الشكليات دون الجوهر، يريدون إصلاح الهيكل دون تطهير القلب.
ثانيًا، كان الحكام والشعب في مرارة وصراع بين التحالف مع فرعون مصر أم مع بابل.
فالغالبية لا تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والآخر، مما دفعهم للارتماء في
أحضان فرعون مصر وإن كانت خبرتهم مع الفراعنة ليست بطيبة. ويمكننا إدراك ذلك
الصراع مما حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم إرميا أثناء نبوته:

ا. يوشيا الملك
(626-609 ق.م): قتله المصريون عام 609 في معركة مجدو.

ب. يهوآحاز (609ق.م):
أقامه فرعون عوض أبيه وخلعه بعد ثلاثة شهور (2أي2:36).

ج. يهوياقيم
(609-597ق.م): أقامه فرعون عوض أخيه، وبقى مواليًا له لمدة أربع سنوات، وإذ غلب
نبوخذنصر فرعون خضع لبابل، وكان موته غامضًا.

د. يهوياكين (597ق.م):
بعد إقامته ملكًا عوض والده بثلاثة شهور أخذه نبوخذنصر أسيرًا.

هـ. صدقيا
(597-587ق.م): أقامه نبوخذنصر عوض ابن أخيه. كان في صراع بين ولائه لسيده في بابل
وبين محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل، متطلعين إلى
يهوياكين الأسير في بابل كملكٍ شرعي. تحالف صدقيا قلبيًا مع فرعون، فسباه ملك بابل
بعد أن فقأ عينيه وسبى أورشليم ويهوذا (1:39-7).

هذه صورة مختصرة تكشف
كيف كان يهوذا بين حجري رحى، وعوضًا عن الالتجاء إلى اللَّه بالتوبة للتمتع
بالخلاص اتكأ على هذا أو ذاك.

8. فيما يلي الأحداث في
أكثر تفصيل حتى يمكن متابعة الظروف المحيطة بإرميا النبي.

في بدء رسالته (626
ق.م) كانت أشور في الوادي الشمالي للفرات سيدة العالم لمدة حوالي 300 عامًا، وكانت
عاصمتها نينوى. ولم يكن أحد يتخيل قط أنه يمكن أن تنهار يومًا ما؛ وكانت مصر منذ
حوالي 1000 عام قبل قيام أشور قوة عالمية تمسك زمام السلطة في العالم لكنها بدأت
تنهار. في السنة التالية لخدمة إرميا (625ق.م) أسس نبوبلاسر الدولة البابلية الجديدة
(في الوادي الجنوبي لنهر الفرات)، وكانت بابل أشبه بدويلة صغيرة لا قوة لها؛ لا
يتوقع أحد أنها في الطريق لاستلام سيادة العالم من أشور حيث تغرب شمسها إلى غير
رجعة بعد سقوط نينوى عام 612ق.م، ونصرتها على فرعون مصر.

بعد موت أشور بانيبال
حلّ الضعف بأشور، فصارت عاجزة عن منع يوشيا من التحرك نحو الاستقلال والتحرر من
النفوذ الأشوري. وقام أهل سميرنا والسكيثيون باقتطاع أجزاء من الإمبراطورية
الأشورية. وصار بنو مادي في غرب إيران يمثلون خطرًا يهدد أشور… انتهى الأمر
بانهيار أشور.

بسقوط نينوى عاصمة أشور
عام 612ق.م انتهت مملكة أشور، فبدا كأن إرميا قد أخطأ في تفسيره لمركز يهوذا
السياسي، إذ حسب الكل انه لم يعد بعد هناك خطر بعد على يهوذا بعد انهيار أشور، وأن
نظرة إرميا التشاؤمية غير صادقة.

في سنة 609ق.م حشد نخوNecho فرعون مصر جيشه وتقدم لاحتلال أرض الفرات، فاحتل غزة وعسقلان وغيرهما
من المدن الفلسطينية وكان هدفه مساعدة الأشوريين الذين كانوا يقومون بمحاولة
مستميتة للصمود في وجه البابليين في حاران. حاول يوشيا أن يوقفه عند مجدو ربما
حاسبًا أن اللَّه يسنده في ذلك، متكلاً على وعود الأنبياء الكذبة التفاؤلية، لكنه
قُتل. وبقتل يوشيا أُقيم ابنه يهوآحاز (تعني يهوه يأخذ) أو شلوم (إر11:22) ملكًا،
وكان شريرًا. خلعه فرعون نخو بعد ثلاثة شهور وأسره في ربلة، ثم أخذه إلى مصر،
وأقام أخاه يهوياقيم (تعني يهوه يقيم) أو الياقيم عوضًا عنه.

9. عند تجليس يهوياقيم
أو في السنوات الأولى من حكمه أعلن إرميا النبي في دار الهيكل أنه إن لم يغيّر
يهوذا طريقه فسيخرب الهيكل نفسه (1:7-15؛1:26-6). أثارت هذه النبوة شغبًا، ولولا
تدخل بعض الأشراف لقتل الشعب الثائر إرميا (7:26-24)
[8].

أرهق يهوياقيم الشعب
بالضرائب ليدفع الجزية لسيده المصري، وكان يدفعها لمدة أربع سنوات (2مل31:32-35)،
وقد عبد الأوثان وصنع الشر. وفي السنة الرابعة من حكمه سجل إرميا النبوات التي نطق
بها خلال السنوات السابقة، وقام باروخ بنسخها في درج، وإذ ُمنع إرميا من الدخول
إلى بيت اللَّه زمانًا طويلاً أمر باروخ أن يأخذ الدرج إلى الهيكل ويقرأه أمام
الشعب الحاضر بمناسبة الصوم. وصل الدرج إلى يد الملك فاستمع إلى بعض فقراته،
وعندئذ مزقه وأحرقه بالنار. قام إرميا بكتابة درجين كالدرج الأول مع إضافات
(27:36-32) بتوجيه إلهي، ولكن الكاهن فشحور الناظر الأول للهيكل وأحد أعداء النبي
وضعه في مقطرة ثم أطلقه في اليوم التالي (1:20-3).

في نفس السنة (605ق.م)،
أي السنة الرابعة من حكمه، تغلب نبوخذنصر على نخو فرعون مصر في معركة كركميش
Carchemish  (إر1:46،2)، فاضطر يهوياقين أن يحّول ولاءه وخضوعه لمصر إلى
بابل، لكن ظل قسم ليس بقليل من الشعب يفضل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو
أن يهوياقيم نفسه كان يميل إلى هذا، لكن إرميا حذر من ذلك.

مرت بيهوذا فترة هدوء
نسبي، شجعت يهوذا على الثورة ضد بابل، لكن الأخيرة أرسلت فرقًا من الجيش إلى
فلسطين. وفي عام 598ق.م وصل جيشها إلى يهوذا، وفي هذا الوقت مات يهوياقيم بطريقة
غامضة، وتوِّج ابنه يهوياكين (يكينا) المملوء شرًا. لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور،
وجاء نبوخذنصر إلى أورشليم وأخذه هو وعائلته ورؤساء الشعب مع خزائن بيت الرب إلى
بابل (2مل8:24-16)، وعاش أسيرًا في السبي.

مما يجدر ملاحظته أن
السلطات اليهودية تطلعت إلى نبوات إرميا وكلماته أثناء حصار أورشليم بمنظار سياسي
حربي لا ديني، فرأت فيها تحطيمًا لمعنويات الجيش ونفسية الشعب، فحسبته خائنًا
وطنيًا.

10. ملَّك نبوخذ نصر
الملك صدقيا عوضًا عن أخيه يهوياكين (2مل17:24)، وكان شريرًا، لم يبالِ بكلمات
إرميا بل ونجَّس الهيكل. في بداية حكمه كان بعض رجال يهوذا يتطلعون إلى يهوياكين
المسبي كملك شرعي، يأملون في رجوعه واستعادته العرش (إر17-29)؛ لذا كان صدقيًا في
صراع بين رغبته في الظهور بالخضوع لسيده البابلي وبين إظهار روح الوطنية أمام
الشعب ومضاداته لبابل المستعمر.

في عام 588ق.م سار
نبوخذ نصر مرة أخرى إلى يهوذا وحاصر أورشليم. في الشهور الأولى من الحصار طلب
صدقيا المشورة من إرميا النبي (1:21-14) فأخبره بأن الخضوع للبابليين هو الطريق
الوحيد لإنقاذ حياته ومدينته، لكن الملك لم يقدر أن يقدم هذه المشورة لرجاله بسبب
ضعف شخصيته. تحرك الجيش المصري نحو فلسطين، ففك البابليون الحصار عن أورشليم
مؤقتًا لمواجهة المصريين، ليعود فيحاصرها من جديد بعد تدبير أموره مع فرعون.

انتهز إرميا فرصة فك
الحصار المؤقت وأراد الذهاب إلى قريته (6:32)، فاُتهم أنه هارب إلى الكلدانيين
كخائن (11:37). أُلقى في الجب (1:37-15)، وبعد أيام كثيرة أطلقه الملك صدقيا من
حبسه وسأله سرًا عن كلمة الرب بشأنه. وهنا يظهر صدقيا أنه يحترم إرميا لكنه لضعف
شخصيته كان يخشى الرؤساء. أخبر إرميا الملك أنه سيُدفع إلى ملك بابل، فأمر الملك
بإيداعه في دار السجن وإحسان معاملته بعض الشيء، ولكن الرؤساء أخذوه وألقوه في
الجب ليموت جوعًا (16:37-21؛ 1:38-6). أشفق عليه خصي أثيوبي (عبد ملك) فاستأذن
الملك أن يُرفع إرميا من وحل الجب ويُوضع في دار السجن فسمح له، وبقي هناك حتى
استسلمت أورشليم (7:38-28).

11. في سنة 587ق.م سقطت
أورشليم، وقتل نبوخذنصر كثيرين، كما سبى البعض إلى بابل. فقأ عيني صدقيا واقتاده
مسبيًا إلى بابل. أما من جهة إرميا فقد علم ملك بابل ما عاناه فظن أنه يفعل ذلك
لأجله، فأصدر تعليماته بإحسان معاملته. أرسل نبوزردان الكلداني رئيس الشرطة إلى
دار السجن ليستدعيه مع غيره من الأسرى إلى رامة، ومنحه حق الخيار بين الذهاب إلى
بابل أو البقاء في يهوذا، وقدم له رئيس الشرطة زادًا وهدية وأطلقه. أتى إرميا إلى
جدليا بن أخيقام والى المنطقة، إلى المصفاة، وأقام عنده مع الشعب الباقي في يهوذا
(11:39-14؛ 1:40-6). رفض إرميا راحته وكرامته، مفضلاً أن يعيش متألمًا وسط من
أحبهم بالرغم من كراهيتهم له.

12. لما قُتل جدليا حث
إرميا النبي الشعب ألا يهربوا إلى مصر، لكن عبثًا حاول أن يثنيهم عن عزمهم، فلم
يذهبوا هم وحدهم إلى مصر وإنما أرغموه أيضًا هو وصديقه الحميم باروخ الكاتب على
موافقتهم في رحلتهم (1:41-7:43)، وهناك نطق نبواته الأخيرة في تحفنحيس بمصر
(8:43-30:44). يوجد تقليد يقول إنه رُجم في مصر بسبب توبيخاته لشعبه
[9].

13. يلقب البعض إرميا "رجل
كل الفصول
[10]". عاش في ظروف متغيرة، بدأ نبوته في عهد يوشيا
حيث كان الملك وكل يهوذا في سلام، وتوقع الكل الاستقلال التام من أشور مع حركة
الإصلاح الخارجية. وانتهت حياته بالرجم في أرض غريبة (مصر)، حيث لم تعد مملكة
يهوذا قائمة، بل سُبي أغلب الشعب إلى بابل، وهرب البعض إلى مصر، وخربت أورشليم
لتصير مرعى غنم، وحُرق الهيكل.

امتدت خدمة إرميا لتشمل
حوالي العشرين عامًا الأخيرة من الإمبراطورية الأشورية العظيمة والعشرين عامًا
الأولى من إمبراطورية بابل الجديدة التي قامت عام 605ق.م، لتصير أعظم من أشور.

عاصر إرميا ثلاثة
أحداث
خطيرة قلبت الموازين:

ا. معركة مجدو سنة
609ق.م.

ب. معركة كركميش بالقرب
من نفس الموقع، بعد أربع سنوات حيث انهزمت مصر لتصير بابل سيدة العالم.

ج. سبي أورشليم بواسطة
نبوخذنصر وتدمير المدينة المقدسة والهيكل.

عاصر أيضًا إرميا
ثلاثة معارك رئيسية
ليهوذا: معركة ضد مصر (609ق.م)، ومعركتان ضد بابل
(597،587).

عاصر أيضًا ثلاث
مراحل للسبي
(597، 587،582ق.م). ويرى البعض أن إرميا عاصر السبي في مراحله
الأربع:

ا. السبي الأول : سنة
06 ق.م. في أيام الملك يهوياقيم، فيه سُبي دانيال وأصدقاؤه الثلاثة (2أي36:6،

دا 1:1،2،6).

ب. السبي الثاني : سنة
599ق.م. في أيام الملك يهوياكين،
ويسمى السبي
العظيم (2مل8:24-16، 2أي9:36،10)، فيه ُسبي حزقيال النبي (حز1:1،2)؛ ومردخاي
(إس6:2).

ج. السبي الثالث: سنة
588ق.م. بسبب تمرد صدقيا الملك على نبوخذنصر (2أي2:36)،

حيث
حوصرت أورشليم واشتد بها الجوع (إر37 :5-7)، لكن عاد جيش الكلدانيين يستأنف حصاره،
واضطر صدقيا إلى الهروب، فُقبض عليه.

د. السبي الرابع: سنة
584 ق.م على يد نبوزردان رئيس الشرط (إر52: 12،30)، حيث أُحرق بيت الرب وبيت الملك
وهدمت أسوار المدينة وبعد ثلاثة أيام انتهت أعمال التدمير الشامل، فصار اليوم
العاشر من الشهر الخامس يوم بكاء لسقوط أورشليم (إر12:52 ؛ زك3:7،

19:8).

14. بدأ إرميا خدمته
النبوية بعد 60 عامًا من نياحة إشعياء النبي الإنجيلي. عاصر النبية خلدة، والنبيين
حبقوق وصفنيا اللذين ساعداه في أورشليم، وحزقيال الكاهن ودانيال الذي يحمل دمًا
ملوكيًا؛ وربما أيضًا ناحوم
[11] الذي تنبأ
عن سقوط نينوى، وعوبديا الذي تنبأ عن دمار آدوم
[12].

 عاش إرميا بتولاً، لم
يتزوج، بأمر إلهي، حتى لا يقاسي أولاده مما سيعاني منه الشعب من جوعٍ وسيفٍ وعارٍ
(إر1:16-4).

في خدمته اجتذب قله
قليلة من الأصدقاء، من بينهم اخيقان بن شافان (24:26، وابنه جدليا (14:39)، وعبد
ملك الكوشي (7:38-13؛ 16:39)، وكاتبه الوفي باروخ (4:36-32).

قائمة تاريخية بعصر إرميا

627ق.م الملك يوشيا
يبدأ إصلاحاته (2 أي 34).

626ق.م دعوة إرميا
للعمل النبوي.

626ق.م غزو السكيثيين
(إر4).

621ق.م وجود كتاب
الشريعة أثناء إصلاح يوشيا (2مل22،23).

612ق.م انهيار نينوى
أمام بابل (ربما عام 607ق.م).

609ق.م قتل يوشيا في
موقعة مجدو بواسطة فرعون، وانتهاء استقلال يهوذا.

606ق.م السبي الأول
ليهوذا بواسطة بابل (خراب جزئي لأورشليم).

605ق.م معركة كركميش
(بابل تحطم مصر).

604ق.م حرق الدرج الذي
به نبوات إرميا النبي (ربما سنة 602م
[13]).

8-597ق.م أسر يهوياكين.

593ق.م صدقيا يزور
بابل.

587ق.م السبي الثاني
ليهوذا بواسطة بابل.

586ق.م حرق الهيكل.

582ق.م السبي الثالث.

الملوك المعاصرون لإرميا

1. منسى (597-642ق.م):
55 عامًا، ُولد إرميا النبي (2أي1:33)، أشر ملوك يهوذا.

2. آمون (641-640ق.م):
سنتان، شرير مثل أبيه (2أي21:33،22).

3. يوشيا (639-608ق.م):
31 عامًا، ملك صالح. بدأ إرميا عمله في السنة 13 من ملكه.

4. يهوآحاز (609ق.م): 3
شهور، حُمل إلى مصر.

5. يهوياقيم
(609-597ق.م): شرير، حمل عداوة مرة ضد إرميا.

6. يهوياكين (597ق.م):
3 شهور، حُمل إلى بابل.

7. صدقيا (597-587ق.م):
صديق إرميا، لكنه ضعيف الشخصية فكان آداة في يد الأشراف والمشيرين الأشرار.

غرض السفر

1. كان إرميا يترجى أن
يدخل بمملكة يهوذا إلى التوبة لكي يتجنب كارثة السبي البابلي، وذلك كما فعل إشعياء
النبي قبله بقرنٍ مشتاقًا أن يعين إسرائيل لتجنب السبي الأشوري.

2. يعلن قضاء اللَّه
وتأديباته خاصة بواسطة السبي، كما يكشف عن مراحم اللَّه وترفقه بإرجاعهم من السبي
ومعاقبة من سبوهم ومن شمتوا بهم من الأمم الغريبة. وكأن النبي أراد لهم ألا يسقطوا
في اليأس مدركين أن سرّ الغلبة أو الهزيمة هو في داخلهم بالالتقاء مع اللَّه واهب
النصرة أو كسر الميثاق معه.

3. إن كانت كلمات السفر
موجهة بالأكثر إلى يهوذا في أيام النبي غير أنها هي إعلانات إلهية لا يحدها زمن،
موجهة إلى البشرية في كل جيل، يفهمها المعاصرون من خلال عمل المسيح الخلاصي للتحرر
من سبي إبليس وتحطيم مملكة الظلمة من داخلنا.

اشترك أغلب الأنبياء في
الأغراض السابقة بطريقة أو أخرى، لكن حمل كل نبي اتجاهًا معينًا في كتاباته، فاهتم
عاموس النبي بالجانب السلوكي بينما ركز هوشع على إحساسات الحب الشخصي الذي يربط
اللَّه بشعبه، وتحدث إشعياء النبي الإنجيلي عن اللَّه كضابط الشعوب بطريقة فائقة،
أما إرميا فركز على الآتي:

1. الحاجة إلى التوبة
والرجوع إلى اللَّه.

2. الحاجة إلى إصلاح
القلب الداخلي.

3. اللَّه هو سيد
التاريخ، يعمل لخير البشرية كلها.

4. خطب اللَّه إسرائيل
(كنيسة العهد القديم) عروسًا، لكن الحاجة إلى عهد جديد.

5. الحاجة إلى المسّيا
الملك البار ليحقق الخلاص (نتحدث عنه في نهاية المقدمة).

1. الحاجة إلى التوبة

جاء إرميا النبي يعلن
كلمات الرب الحازمة، مهددًا بالسبي، لا لأجل الانتقام، ولا لأجل التهديد في ذاته،
وإنما بالأحرى لكي يخشوا الرب فيرجعوا اليه. إن كانوا لا يرجعون خلال اللطف،
فليرجعوا خلال التهديدات، وإن لم يرجعوا يسقطون تحت التأديب فيرجعوا خلال الألم. وللعلامة
أوريجينوس
عبارات جميلة عن محبة اللَّه خلال تهديده الخطاة، إذ يقول:

[اللَّه سريع في
تقديمه الخير، بطيء في العقاب لمستحقيه.

 بالرغم من أنه قادر
على توقيع العقاب على الذين هم تحت الحكم بدون أن يتكلم أو ينذر، لكنه ينذر ولا
يعمل حالاً حتى يعطي الفرصة لنزع الاستحقاق للتأديب
، باعتبار أن الكلام هو
وسيلة لرفع العقوبة عن المحكوم عليه.

يمكننا أن نقدم أمثلة
عديدة لحنان اللَّه من الكتاب المقدس، ولكن يكفي الآن هذا العدد الصغير الحاضر في
ذهني…

صار أهل نينوى خطاة،
وقد تم الحكم عليهم من قبل اللَّه: بعد ثلاثة أيام كان يجب أن تنقلب مدينة
نينوى
(يونان4:3). لم يشأ اللَّه توقيع حكمه عليها دون أن ينطق بشيء،
لكنه أعطاها فرصة للتوبة (حك10:12)، وفرصة للرجوع، وأرسل لها نبيًا
عبرانيًا، حتى متى أبلغها النبي: بعد ثلاثة أيام تنقلب نينوى، يصير أهلها
غير محكوم عليهم فيما بعد، وإنما بتوبتهم يتمتعون بالرحمة الإلهية.

 كان سكان سدوم وعمورة
محكومًا عليهم، كما يظهر من كلام اللَّه لإبراهيم؛ ومع ذلك فقد قام الملائكة
بواجبهم في البحث عن خلاص أناسٍ لم يكونوا يريدون أن يخلصوا، حينما قالوا للوط: "من
لك أيضًا هنا، أصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة؟ أخرج من المكان!" (تك12:19)،
لم تكن الملائكة تجهل أن هؤلاء لن يتبعوا لوط، ولكنهم أكملوا عمل الخير
والصلاح من قِبل الذي أرسلهم. (نصح لوط أصهاره بالخروج من المدينة، لكنهم رفضوا أن
يسمعوه، ففي الغد أخرج الملائكة لوط وبناته، تاركين أصهاره.)
[14]]

كما يقول العلامة
أوريجينوس:
[عاتب اللَّه أورشليم من أجل خطاياها، وكان الحكم هو تسليم سكانها
للسبي، وبحبه ورحمته أرسل اللَّه هذا النبي قبل تحقيق السبي بثلاثة ملوك حتى يعطي
الفرصة للراغبين في إعادة التفكير والندم والتوبة خلال أقوال النبي… كان اللَّه
الطويل الأناة يقدم فترة استعداد حتى عشية السبي لكي يتوب السامعون فيعفون من آلام
السبي… وحتى إذ بدأ السبي استمر إرميا يتنبأ وكأنه يقول: لقد صرتم تحت السبي،
ومع هذا فإن رجعتم وتبتم لا تستمروا تحته طويلاً بل تشملكم نعمة اللَّه وغفرانه.
ونحن أيضًا نجد في هذا نفعًا لنا، إذ نحن ساقطون تحت ما يشبه السبي… فإننا إذ
نخطئ نصير أسرى، ُنسلم أنفسنا للشيطان، الأمر الذي لا يختلف كثيرًا عن سقوط سكان
أورشليم تحت يد نبوخذنصر. وكما سُلم هؤلاء لنبوخذ نصر بسبب خطاياهم، هكذا نُسلم
نحن للشيطان بسبب خطايانا
[15].]

كأن رسالة إرميا النبي
هي التوبة والرجوع إلى اللَّه بكونه الطريق الوحيد للخلاص من هذا السبي!

2. إصلاح القلب الداخلي

يعتبر إرميا أكثر
الأنبياء الذين تحدثوا عن القلب. يرى إرميا النبي أن القلب قد صار نجسًا بالطبيعة
كثمرة للسقوط: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس" (9:17)، وكما يقول
إشعياء النبي: "قلب مخدوع قد أضله فلا ينجي نفسه، ولا يقول: أليس كذب في
يميني؟!" (إش20:44).

هذا الفساد أفقد
الإنسان بصيرته الداخلية، فلا يرى خطاياه ولا يكتشفها، بل يقول: "لماذا
أصابتني هذه؟!" (12:13)، وإن أدركها يحمل عنادًا رديئًا (12:18). القلب في
فساده يصير كمينًا، فلا يحمل محبة وسلامًا بل بغضة وحربًا (8:9،9)، ويحول أرضه إلى
خراب (11:12)، لهذا فإنه لن تحل النجاة ما لم يحدث تغير وإصلاح في القلب.

علامة التوبة الحقيقية
هي تغيير القلب في الداخل. ففي أيام يوشيا بدأ الترميم في الهيكل وصار للشعب مظهر
التدين لا فاعليته، الأمر الذي سقطت فيه المملكتان بل ويسقط فيه الكثيرون، إذ
يغيرون الشكل لا الجوهر ليتبرروا أمام الناس، بل وأحيانًا أمام أنفسهم. يقول
النبي: "قد بررت العاصية إسرائيل أكثر من الخائنة يهوذا" (10:3). وقد
عالج النبي موضوع الإصلاح الداخلي من جوانب كثيرة، نذكر منها:

ا. القلب هو موضوع
الإصلاح، فمنه تنبع الخطية (4:4؛ 9:7، 2:12) فيتقسى (24:7؛ 14:9؛ 17:23)، مع أن
غاية القلب هو اللَّه، فيه يصب كل اشتياقاته (20:11؛ 10:17؛ 12:20). بهذا صارت
الحاجة ُملحة إلى شريعة يمكن أن ُتنقش على القلب ذاته (33:31؛ 7:24).

ب. ترميم بيت الرب ليس
غاية في ذاته: "لا تتكلوا على كلام كذب، قائلين: هيكل الرب هيكل الرب هيكل
الرب هو" (4:7). فإن لم يتب المؤمنون وتتغير حياتهم الداخلية يتحول الهيكل
إلى مغارة لصوص (11:7)، إذ لا يضم عابدين حقيقيين يفرحون قلب اللَّه، وإنما يضم
أشرارًا ينجسون البيت. وقد تنبأ عن خرابه، بكونه إعلانًا عن الخراب الذي حلّ في
هيكل القلوب غير المنظورة. وكأن التأديب في حقيقته إنما هو كشف عما في النفس من
دمار خفي وهلاك، يبرزه اللَّه بالضيق الخارجي.

ج. عدم الارتكان على
مجرد حيازة سفر الشريعة، أو التمتع بوجود تابوت العهد في وسطهم، إنما الحاجة أيضًا
إلى نقش الشريعة في القلب وإعلان حضرة اللَّه فيهم.

د. بخصوص الذبائح،
فاللَّه لا يطلبها لأجل ذاتها، لذا إن لم ترتبط بذبيحة الطاعة أو ذبيحة القلب
(24:17-46؛ 19:27-22؛ 10:3،11،18) تصير بلا قيمة، أشبه برشوة لا يتقبلها اللَّه.

هـ. من جهة الختان،
يهتم اللَّه بختان القلب (4:4) والأذن (4:6) والحواس مع ختان الجسد، حتى يُنزع عنا
ما هو لحساب شهوات الجسد ونتقبل ما هو لحساب اللَّه نفسه. وهكذا أيضًا الاغتسال،
فإنه يطلب اغتسالنا من الإثم لا مجرد اغتسال الجسد (22:2).

و. أما عن الاتكال على
الآباء السابقين ومحبة اللَّه لهم وشفاعتهم لديه (1:15)، وعلى الآباء المجاهدين
أيضًا (16:7؛ 14:11؛ 11:14)… فإن اللَّه يطلب منا التوبة والرجوع إليه، فصلاة
الغير عنا لا تسندنا مالم نطلب من اللَّه العون.

3. اللَّه هو سيد التاريخ[16]

يوجه اللَّه التاريخ
لخير شعبه وكل الأمم أيضًا، كالخزَّاف الذي ُيخرج من الطين أوانٍ جميلة (1:18-12).
هو الذي يحث نبوخذنصر خادمه (6:27) مع أنه وثني، لتأديب يهوذا، ليعود اللَّه فيؤدب
الأمم على خطاياها (15:25 الخ؛ 46). إنه يقيم الأمم ويزيلها بخطة إلهية فائقة
(7:18).

اللَّه هو خالق العالم
كله وضابطه (5:27؛ 22:5؛ 7:8)، ليس إله غيره، أما الأوثان فليست آلهة (11:2). هو
يهب الحياة (13:2)، أما هي فبلا عمل (28:13). إنه قريب من كل البشر (23:23)، يعرف
فكر الإنسان ويستخدمه (20:11؛ 10:17).

بمعنى آخر، يعلن هذا
السفر أن اللَّه كضابط الكل وواهب الحياة ومدبرها يمسك بيمينه دفة كل الأحداث
كبيرها وصغيرها ليتمجد في وسط شعبه، بل وفي حياة كل عضو؛ يشتهي خلاص الجميع وبنيان
الكل؛ من يقبله إنما يقبل من في يده دفة أمور العالم كله، الأحداث الظاهرة
والخفية، الجماعية والفردية!

4. اللَّه وشعبه

يقدم لنا إرميا النبي
اللَّه ليس فقط سيدًا للتاريخ، بل هو أيضًا "ينبوع المياه الحية"
(13:2)، بكونه مصدر الحياة. كما يقدمه "الفخاري" (1:18-12) الذي
لا يزدري بقطعة طين، بل يبذل كل الجهد ليقيم منها آنية للكرامة.هو خالق العالم
الذي وضع لكل شيء قانونه ونظامه الطبيعي (22:5؛ 7:8؛ 12:10،13؛ 5:27-6؛ 35:31-36).

إن كان إرميا النبي
يتحدث عن قرب اللَّه من كل البشرية وخطته الإلهية نحو كل الأمم، فقد أعطى اهتمامًا
خاصًا باختيار شعبه مجانًا، بلا فضل من جانبه. لقد دعي إسرائيل بكر حصاد اللَّه
(3:2)، أي يتقبله عن البشرية كلها كأنه بكور الكل؛ وميراثه المقدس (7:12-9)؛
وكرمه(10:12)، وقطيعه (17:13)؛ وعروسه (10:13الخ)، ومحبوبته (15:11؛ 17:12)، لهذا
يطلب منها أن تسلك كما يليق بكرامتها وحبه لها (2:2 الخ؛ 16:6 الخ)، إذ دخل معها
في عهد خاص (23:7؛ 4:11؛ 7:24؛33:31).

ا. كما تحدث عنه إرميا
النبي – هو إله الحب الذي لا ينسى حب صبا شعبه (12:2؛ 19:3)، إله رحوم (21:3الخ)،
يهتم بإسعادها ويعمل لحساب مستقبلها ويهبها رجاءً. لا يتوقف عن تكرار الدعوة لها
لكي تعود إليه، فهو يترقب مجيئها بترحاب بالرغم من كل شرورها وآثامها… مستعد أن
يصفح بلا عتاب إن رجعت يقبلها اليه.

يقدم إرميا النبي
مفهومًا حيًا لعلاقة اللَّه بشعبه، فهي ليست علاقة بالشعب كجماعة فحسب وإنما هي
أيضًا علاقة شخصية تمس حياة كل عضو في الجماعة. هي علاقة اللَّه بكل قلب،
بكونه عضوًا حيًا في الجماعة، لذا يهتم أن يكون القلب مقدسًا لكي يدخل في هذه
العلاقة خلال العهد الإلهي (33:31-34).

يرى البعض أنه سفر موجه
للمرتدين الذين نسوا اللَّه، يدعوهم للرجوع اليه فينسى شرهم؛ لهذا تكررت كلمة
"ينسى" أو ما يماثلها 24 مرة كما تكررت كلمة "مرتد"
أو ما يعادلها 13 مرة، و"ارجع" 47 مرة… إنه سفر الدعوة
المستمرة للعودة والرجوع إلى حضن اللَّه.

          أخيرًا إن
كان قلب إرميا قد فاض بالأحزان ورثى للشعب الذي حل به الدمار، لكنه يرى خروجًا
للشعب، فيه يعود الأبناء من العبودية إلى حرية مجد اللَّه، إذ يقول "هكذا قال
الرب امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يوجد جزاء لعملكِ يقول الرب
فيرجع الأبناء إلى تخمهم" (31 :16-17). أما أساس هذا الخروج فهو العهد الجديد
المؤسس على دم ربنا يسوع المسيح "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت
إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم
بيدهم لأخرجهم من أرض مصر… بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت إسرائيل: بعد تلك
الأيام يقول الرب اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها، وهم
يكونون لي شعبًا" (31 :31 -34 ).

دور النبي في كتاباته[17]

لكي نفهم سفر إرميا
وغيره من الأنبياء يليق بنا أن ندرك ما هو دور المتحدث في هذه الأسفار. ففي سفر
إرميا كثيرًا ما تتكرر العبارة "كلمة الرب صارت…" ثم ينطق بصيغة
المخاطب المفرد "أنا" بكون اللَّه نفسه هو المتحدث. يتهم اللَّه شعبه
بخصوص كسر الميثاق المبرم بينه وبينهم، ويقف النبي كنائبٍ عامٍ في ساحة
القضاء يعرض خطايا الشعب وجرمهم، ويظهر اللَّه كقاضٍ في محكمة يصدر حكمًا
بالإدانة، غير أنه يفتح باب الرجاء إن قدم الشعب توبة ورغبة للرجوع إلى اللَّه
وحفظ العهد.

يتحدث النبي أحيانًا
بالأصالة عن نفسه كما جاء في اعترافات إرميا (1:12،6؛ 10:15-21؛ 12-18؛ 18:18-23؛
7:20-18).

في إيجاز يمكننا أن
نلخص دور النبي كمتحدثٍ في الآتي:

1. إنسان في حضرة
اللَّه (أو في مجلسه الإلهي 22:23) يتعرف على أحكام اللَّه وأسراره.

2. إنسان مرسل من قبل
اللَّه، له حق إعلان كلمة الرب (1:1-10؛ إش1:6-13؛ حز1-3)، يتحدث باسم اللَّه أو
يتحدث اللَّه على لسانه، على عكس الأنبياء الكذبة الذين ينطقون بكلماتهم الخاصة،
حسب فكرهم، من وحي قلوبهم.

3. شخص يدين الشعب
لكسره العهد الإلهي.

4. يقوم تارة بدور
النائب العام عندما يتحدث باسم اللَّه وأخرى بالمحامي المدافع عندما يتحدث باسم
الشعب.

5. اهتمامه الأول أن
ُيحضر شعب اللَّه لكي يدرك أهمية الميثاق مع اللَّه والالتصاق به، وأن يمارس
الحياة الميثاقية
convental مع اللَّه بالدخول في عهدٍ جديدٍ (الحياة الإنجيلية).

مميزات السفر

1. مال إشعياء النبي
إلى الحديث بفيض عن تعزيات اللَّه الفياضة مع لمسات خفية من جهة التوبيخ، أما
إرميا النبي فمال إلى التوبيخ بشدة مع فتح باب الرجاء. ولعل السبب في هذا شدة
قساوة قلب الشعب وكثرة آثامهم خاصة في أيام إرميا، وأيضًا شعوره بخطورة الموقف لأن
السبي كان على الأبواب.

2. مع ما اتسم به النبي
من عنف في التوبيخ والتحذير، جاء السفر يكشف عن قلب نبي مملوء حبًا وحنوًا. يتحدث
بقوة بأمثلة عملية وتشبيهات لكي يجتذب الشعب، فاتحًا أمامهم باب الرجاء. لقد انحرف
الشعب إلى عبادة الأوثان (10:16-13،20؛ 9:22؛ 29:32؛ 2:44، 3،8،17)، وقدموا
أحيانًا أطفالهم ذبائح للآلهة الغريبة (30:7-34)، ومع هذا بحبٍ شديدٍ كان يصلي من
أجلهم (7:14،20)، حتى حين أمره اللَّه أن يكف عن ذلك (16:7؛ 14:11؛ 11:14).

كان يحبهم كشعبٍ وأيضًا
كأشخاصٍ، إذ يدرك أن كل إنسانٍ يحمل مسئولية نفسه (29:31-34).

3. العلاقة الشخصية مع
اللَّه في عيني إرميا النبي تتكامل مع علاقة اللَّه بشعبه ككل. فقد اختبر إرميا
النبي هذه العلاقة المتكاملة، فكان يطلب أن يرى اللَّه ساكنًا في وسط شعبه (23:7)
وفي نفس الوقت يطلبه ساكنًا في كل قلب. يكشف عن خطية الشعب ككل (1:17)، وأيضًا عن
نجاسة القلب التي اتسم بها الأشخاص (9:17). يطلب توبة جماعية مع توبة قلبية
شخصية!
لهذا يربط النبي التاريخ الخاص بالخلاص بحياة الكنيسة كما بحياة
الأشخاص، إذ غايته تمتع الكل بعمل اللَّه الخلاصي خلال التوبة، وتمتع كل عضو بهذه
الحياة.

4. يرى البعض أن إرميا النبي
كان متشائمًا كل التشاؤم، متفائلاً كل التفاؤل. إذ ينظر إلى فساد يهوذا وخيانته
للعهد الإلهي يتشاءم وإذ يتطلع إلى حب اللَّه وطول أناته يمتلىء رجاءً. إلهه إله
الرجاء والوعد والقوة، له إرادة لا تُقهر من جهة إقامة شعبٍ مقدسٍ له
[18].

5. يقدم لنا سفر إرميا مفاهيم
لاهوتية روحية حية
:

ا. خطية الشعب هي في
جوهرها كسر الميثاق مع اللَّه، وبالتالي التوبة هي عودة إلى الحياة الميثاقية
covenantal مع اللَّه.

ب. كل جريمة يقترفها
الإنسان ضد أخيه موجهة ضد اللَّه نفسه.

ج. نجح النبي في تأكيد
حب اللَّه حتى في لحظات السقوط تحت التأديب؛ مؤكدًا أن التأديب هو علامة اهتمام
اللَّه بهم وحبه لهم.

د. الدمار الذي حلَّ
بهم يحتاج إلى دخول في عهد جديد (31:31-34).

6. في هذا السفر تتجلى
حياة النبي الروحية بكل وضوح فقد اتسم بأمانته لرسالته حتى النفس الأخير بالرغم من
النفور الذي واجهه به الكل.

كان وحيدًا، مُفتريًا
عليه، مُضطهدًا من الحكام ورجال الدين والشعب، لكنه لم ييأس إذ وَجد في اللَّه كل
تعزيته.

7. حمل هذا السفر رسالة
نبوية، تحقق بعضها بعد حياته بزمنٍ قليلٍ، لكن غايته الأسمى هي ما تحقق في العهد
الجديد. وجد الرائي اللاهوتي يوحنا أن ما يحدث في الأزمنة الأخيرة مطابقًا لما ورد
في سفر إرميا، من ذلك هلاك بابل (رؤ22:18؛ 8:14؛ 2:17-4؛ 2:18-5 يقابله إر10:25؛
7:51-9، 63:45،64).

8. سفر إرميا كرسائل
معلمنا بولس الرسول يكشف عن طبيعة رجل اللَّه الشديد الحساسية نحو شعب اللَّه
مستندًا على العمل الإلهي. وقد تأثر الرسول بولس كثيرًا بإرميا النبي
في شدة
حبه للشعب كما في معالجته لبعض المواضيع مثل الناموس والنعمة والحرية والختان
الروحي (راجع إر31:31-34 مع 2كو6:3 الخ ورو1:11؛ إر5:1 مع غلا15:1).

9. سفر إرميا هو سفر
النبوات: كثيرًا ما أشار السفر إلى الكاتب بكونه "إرميا النبي"، إذ كان
إرميا مدركًا لرسالته ولدعوته الإلهية كنبي (5:1؛ 19:15). كنبي حقيقي قاوم
الأنبياء الكذبة الذين ينطقون بكلمات هي من وحي أفكارهم الخاصة. أما بالنسبة له
فكرر العبارة "كلمة الرب التي صارت…" أو ما يعادلها 151 مرة
[19].

أما موضوع النبوات فهو:

ا. المسيا المخلص.

ب. يهوذا: سبيه وعودته.

ج. مدن: أورشليم، بابل،
دمشق.

د. شعوب أممية: مصر،
فلسطين، موآب، عمون، آدوم، عيلام، بابل.

هذه النبوات تحقق بعضها
في وقت قريب من النطق بها، وبعضها بعد زمنٍ طويلٍ.

10. سفر إرميا هو سفر
التساؤلات
، يحوي أسئلة ربما أكثر مما ورد في سفر أيوب.

هو سفر الإصلاح،
خاصة في الاصحاحات 30-33.

سفر الرثاء
والاضطهادات.

سفر الرموز: استخدم
إرميا الكثير من الرموز بأمر إلهي لأجل التعليم، تارة يلبس منطقة بالية، وأخرى يضع
نيرًا على عنقه كالثور، وثالثة يكسر زقًا أمام الوالي، ورابعة يشتري حقلاً ويدفن
الوصية.

من الرموز التي قدمها
في السفر:

قضيب لوز (11:1)؛

قدر منفوخة وجهها من
جهة الشمال (13:1)؛

منطقة بالية (7:13)؛

زق ممتلئ خمرًا
(12:13-14)؛

قحط (1:14-12)؛

إناء الفخاري (1:18-6)؛

الإناء المكسور
(1:19-2)؛

سلَّتان (1:24-10)؛

نير (1:27-12)؛

شراء حقل (1:32-12)؛

الحجارة الخفية
(9:43-13)؛

كتاب غارق في نهر
الفرات (59:51-64).

تأثره بهوشع النبي[20]

          يرى كثير من
الدارسين أن إرميا النبي قد تأثر بهوشع النبي، فالتشابه بينهما لا يقف عند حدود
اللغة والتشبيهات، بل يمتد إلى الأفكار الأساسية من جهة اللَّه وعلاقته بشعبه. كان
هوشع نبيًا لمملكة الشمال (إسرائيل)، وتقع عناثوث، قرية إرميا النبي، في شمال
أورشليم وهي ليست ببعيدة عن الحدود الجنوبية لمملكة إسرائيل. هذا وإرميا النبي هو
من نسل أبياثار (1مل26:2) من نسل عالي (1صم3:14؛ 20:22، 1مل27:2) الذي كان مهتمًا
بتابوت العهد في شيلوه قبل انقسام المملكة. لهذا ربما كان إرميا ملتصقًا بقلبه
بشيلوه ومتألمًا لما حلّ بها (14:7- 26) بسبب ارتباط أسرته القديم بهذا الوضع.
بهذا تكون عائلتا هوشع وإرميا مرتبطتين بالشمال. هذا ما دفع بعض الدارسين إلى
افتراض قيام هوشع النبي- أجمل زهرة تقوية في مملكة الشمال – بدور حيوي في حياة
إرميا الأولى، خاصة وأن إرميا يعترف أنه مدين للأنبياء السابقين له (8:28).

          يكشف
الاصحاحان 2،3 من سفر إرميا عن الارتباط القوي بهوشع من جهة عباراته وأفكاره. فمن
أهم كلمات هوشع النبي كلمة "
Hesed" أي "الولاء" أو "الأمانة" (الزوجية).
فإن الشكوى الأولى ليهوه هي: "لا أمانة… في الأرض" (هو1:4)، "روح
الزنى قد أضلهم فزنوا من تحت إلههم" (هو12:4)، فإن " إحسانكم (أمانتكم)
hesed" كسحاب الصبح الذي يزول (هو4:6)… ويتحدث إرميا النبي أيضًا
عن علاقة الحب بين اللَّه وشعبه الذي كان كصبية مخطوبة مملوءة غيرة وحبًا (2:2)،
ليعود فيتحدث عن حياتها الزوجية (1:3-5،20) التي كانت تتمثل في قصة زواج هوشع
النبي بالزانية جومر…

          يرى إرميا
النبي اللَّه أبًا يهتم بشعبه كابن محبوب لديه، خلصه من عبودية فرعون ليهبه
أرض الموعد ميراثًا مبهجًا ومجيدًا: "وأنا قلت كيف أضعك بين البنين وأعطيكِ
أرضًا شهية ميراث مجد أمجاد الأمم؛ وقلت تدعينني يا أبي" (19:3). جاء هذا
التشبيه متفقًا مع هوشع النبي: "ولما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر
دعوت ابني" (هو1:11).

          كانت شكوى
اللَّه في هوشع أنه "لا معرفة اللَّه في الأرض" (هو1:4)، وان
الشعب قد هلك بسبب عدم المعرفة (هو6:4). وقد جاءت نفس الشكوى في إرميا: "أهل
الشريعة لم يعرفونني" (8:2)؛ لأن شعبي أحمق. إياي لم يعرفوا. هم بنون جاهلون
وهم غير فاهمين" (22:4)… وجاء الوعد الإلهي بالعهد الجديد مرتبطًا
بالمعرفة: "ولا يُعلِمون بعد كل واحدٍ صاحبه، وكل واحدٍ أخاه، قائلين: اعرفوا
الرب. لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب" 34:31.

          يقدم لنا
هوشع النبي رغبة اللَّه في الدخول في محاكمة مع الشعب ليعطي الإنسان فرصة
للحوار معه وإدراك خطة اللَّه… وهي محاكمة تحمل عتابًا إلهيًا يدفع النفس إلى
التوبة والرجوع إلى اللَّه (هو1:4-3). وفي إرميا النبي يقدم اللَّه الشعوب
للمحاكمة (31:25).

          توجد أيضًا
أفكار أخرى كثيرة مشتركة بينهما، مثل:

          V احلال اللَّه
بالأوثان (هو7:2-10؛ إر10:2-13).

          V التطلع إلى فترة
التجول في البرية كفترة أمانة للشعب نحو اللَّه (هو10:9؛ 1:11؛ إر1:2-3).

   V اعتراف الشعب بخطاياه (هو1:6-3؛ إر22:3-25؛ 7:14-10؛ 19:14-21).

بين إرميا ونحميا

          اختلفت ظروف
إرميا النبي عن تلك التي عاش فيها نحميا، فكان الأول يرى الخطر يحدق بشعبه، وليس
من يهتم أو يبالي؛ بينما كان الثاني عائدًا من السبي ليحث الكل على بناء السور
جنبًا إلى جنب مع بناء أسوار النفس الداخلية، ومع ذلك فقد التقيا معًا في الآتي:

          1. حمل
الاثنان عواطف متأججة بالحب لشعب اللَّه، وكان كلاهما منكسري القلب ومنسحقي
النفس، باكيين (نح4:1؛ إر1:9).

          2. شعر
كلاهما أن خطايا الشعب هي خطاياهما. فيقول نحميا: "لتكن أذنك مصغية، وعيناك
مفتوحتين، لتسمع صلاة عبدك الذي يصلي إليك الآن نهارًا وليلاً لأجل بني إسرائيل
عبيدك، ويعترف بخطايا بني إسرائيل التي أخطأنا بها إليك، فإني أنا وبيت إبي
قد أخطأنا. لقد أفسدنا أمامك، ولم نحفظ الوصايا والفرائض
والأحكام التي أمرت بها موسى عبدك" (نح6:1،7). وبنفس الروح يصرخ إرميا النبي
كرجل صلاة حقيقي بعيد عن الحياة الفريسية، قائلاً: "وإن تكن آثامنا تشهد
علينا يارب فأعمل لأجل اسمك، لأن معاصينا كثرت، إليك أخطأنا"
(إر7:14).      

          3. مع
إنكارهما لذاتهما واعترافهما بخطأهما وقفا أيضًا كشفيعين في الشعب
(نح14:5-19؛ 31:13). في يقين الإيمان يقول إرميا النبي: "أذكر وقوفي أمامك
لأتكلم عنهم بالخير لأرد غضبك عنهم" (إر20:18).

          4. كانا
مخلصين في حبهما لوطنهما. وطنية نحميا اقتضته أن يقف أمام الملك البابلي يطلب أن
يقدم خيرًا لأورشليم، وأن يسمح له ببناء السور، وبذات الوطنية نادى إرميا النبي
وسط قيادات الشعب أن يخضعوا لنير بابل كتأديب إلهي مؤقت، مع توبتهم ورجوعهم إلى
اللَّه.

         

إرميا والأنبياء الكبار

          1. إن كان
إشعياء النبي
قد قدم نبواته قبل سبي الأسباط العشرة، فإنه مع ما أدركه من فساد
الشعب كان مشتاقًا إلى الخدمة. علة ذلك انه رأى رؤى سماوية مجيدة، منها تلك التي
وردت في الاصحاح السادس… هذا دفعه للقول: "هأنذا أرسلني" (إش8:6). أما
إرميا الذي عاصر أمر لحظات الشر، مدركًا صعوبة تحقيق رسالته، سواء على مستوى القصر
الملكي أو القيادات الدينية أو الشعب، لهذا تردد في قبول الخدمة
¡
قائلاً: "آه يا سيد الرب إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد" (6:1)، واحتاج
أن يسحبه اللَّه إلى الخدمة ويلزمه بها.

          إنه لم يتمتع
بالرؤى كإشعياء، لكنه تحدث مع اللَّه كصديقٍ حميمٍ جمعت بينهما الألفة، ففي بساطة
يقول: "فكانت كلمة الرب إلى قائلاً" (4:1).

          2. يتشابه
إرميا النبي مع النبي حزقيال في كونهما كاهنين، دُعيا للنبوة، ولم يمارسا
العمل الكهنوتي. كانت خدمة النبي بين المسبيين في مملكة بابل، أما خدمة إرميا
النبي فكانت بين مساكين الشعب الذين ُتركوا في الأرض. امتاز إرميا برقة المشاعر،
فكان يبكي ثكلى بنت شعبه واهتزت جدران قلبه في أعماقه، أما حزقيال فامتاز بالنشاط
والحماس والالتزام بالمسئولية.

          3. شاهد
إرميا النبي دانيال الشاب وهو يُساق أسيرا إلى بابل في السنة الثالثة لحكم
الملك يهوياقيم (دا 1). تحدث دانيال النبي عن انهيار الامبراطوريات الأربع (بابل،
مادي وفارس، اليونان، الرومان) ليملك الرب الملك بالصليب على القلب، كما تحدث عن
مجىء المسيا الأخير. أما إرميا النبي فلم يتحدث عن انهيار الممالك وإنما عن مدة
السبي والرجوع منه بعد سبعين سنة، وقد كانت نبوته معروفة لدانيال النبي وربما منها
عرف مدة السبي (دا 9: 1،2).

          هذا وقد عاصر
إرميا النبي النبيين: صفنيا الذي تنبأ قبيل حدوث السبي (صف1:1) وحبقوق الذي تنبأ
أيضًا قبل السبي البابلي.

سفر إرميا من الناحية اللغوية

كتب إرميا النبي معظم
نبواته في شكل شعر باللغة العبرية، لكن في عبارات بسيطة، على خلاف إشعياء النبي
الذي امتاز بفخامة الأسلوب. هذا لا ينفي ما امتاز به أسلوب إرميا من بلاغة بلا
تكلف، مع تعبيرٍ رائعٍ عن عواطفٍ رقيقةٍ ومعانٍ خشوعية.

يحوي السفر أبياتًا
شعرية صغيرة تتكون من مقطعين كما يحوي أبياتًا شعرية طويلة، بل وقصائد شعرية
كاملة.

أولاً: أبيات شعرية من
مقطعين
:

 + كخزي السارق إذا وُجد،

 هكذا خزي بيت
إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم وأنبياؤهم. (26:2)

 + كما تخون المرأة قرينها،

 هكذا خنتموني
يا بيت إسرائيل يقول الرب. (20:3)

 +V مثل قفص ملآن طيورًا،

 هكذا بيوتهم ملآنة
مكرًا. (27:5)

يرى
Muilenbur
أن
النبي كثيرًا ما يكرر، لكنه في تكراره يقدم أعماقًا مع عناصر جديدة المعنى أكثر
قوة وحيوية
[21]، من ذلك:

 + قبلما صورتك في البطن عرفتك،

 وقبلما خرجت من
الرح
م قدستك. (5:1)

   + آثامكم
عكست هذه،

 وخطاياكم منعت
الخير عنكم. (25:5)

 + بالفضة والذهب يزينونها،

 وبالمسامير والمطارق يشددونها
فلا تتحرك. (4:10)

 + أنقذك من يد الأشرار،

 وأفديك من كف
العتاة
. (21:15)

ثانيًا: أبيات شعرية
أكثر من مقطعين
:

جاءت هذه الأبيات في
أشكال أدبية كثيرة، نذكر منها:

ا. نموذج شعري متوازي

 + لم يقولوا أين هو الرب الذي أصعدنا من أرض مصر،

 الذي سار بنا في
البرية في أرض قفر وحُفر،

 في أرض يبوسة
وظل الموت،

 في أرض لم يعبرها
ولم يسكنها إنسان. (6:2)

ب. نماذج لأبيات في شكل
أسئلة تستخدم كقياس للتشبيه
:

 + هل بدلت أمة آلهة، وهي ليست آلهة؟!

 أما شعبي فقد بدل مجده
بما لا ينفع… (11:2)

 + هل تنسى عذراء زينتها؟!

 أو عروس مناطقها؟!

 أما شعبي فقد نسيني
أياما بلا عدد. (32:2)

 + هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان؟!

 أو هل تنشف المياه
المنفجرة الباردة الجارية؟!

 لأن شعبي قد نسيني،

 بخروا للباطل وقد
أعثروهم في طرقهم في السبل القديمة ليسلكوا في ُشعبٍ في طريق غير ُمسهلٍ.
(14:18،15)

 ج. شعر شرطي

 + إن رجعت يا إسرائيل يقول الرب،

 إن رجعت إلي،

 وإن نزعت مكرهاتك من
أمامي،

 فلا تتيه.

 وإن حلفت حي هو الرب
بالحق والعدل والبر،

 فتتبرك الشعوب به، وبه
يفتخرون. (1:4،2)

د. أمثلة لأبيات شعر
متوازي متعادل
:

 + والآن مالك وطريق مصر،

 لتشرب مياه شحور،

 ومالك وطريق أشور،

 لتشرب مياه النيل.
(18:2)

 + لأنه من صغيرهم إلى كبيرهم، كل واحدٍ مولع بالربح،

 ومن النبي إلى الكاهن،
كل واحد يعمل بالكذب. (13:6)

 + لماذا تكون كغريب في الأرض،

 وكمسافر يميل ليبيت؟

 لماذا تكون كإنسان قد
تحير،

 كجبار كإنسان قد
تحير؟! (8:14،9)

ه. أبيات مقابلات عكسية
تتكون من 3-6 فقرات
:

 + قد وكلتك اليوم…

 لتقلع وتهدم،

 وتهلك وتنقض،

 وتبني وتغرس. (10:1)

ثالثًا: قطع شعرية
كاملة

يحوي هذا السفر حوالي
15 قطعة شعرية بالعبرية كاملة.

بهذا يظهر سفر إرميا
باللغة العبرية قطعة أدبية رائعة، لكن سموه لا يظهر في تجسيد رسالته في أشعار،
وإنما يمثل أولاً وقبل كل شيء عملاً كرازيًا
[22] لقد اعتذر في البداية عن رسالته، كما فعل موسى النبي قبله لشعوره
بعجزه عن الكلام (6:1؛ خر10:4)، فأجابه الرب أنه يضع كلماته الإلهية في فمه (6:1؛
خر12:4). عاد مؤخرًا يعتذر متسائلاً عن مدى إمكانية العمل، فأكد له الرب:
"مثل فمي تكون" (19:15). حقًا لقد صار إرميا النبي وكأنه الفم الذي
يستخدمه اللَّه حاملاً قوة الكرازة الفعالة مع مهارة أدبية.

مصر وبابل في سفر إرميا

إن كانت مصر قد حملت
البركة باستقبالها العائلة المقدسة فتحقق لها الوعد الإلهي (إش19) وصار شعبها
المصري مباركًا، وفي وسطها أُقيم مذبح للرب، لكن مصر في العهد القديم كانت تشير
إلى محبة العالم إذ عُرفت بنيلها الذي أكسب الوادي خصوبة، كما عُرفت بابل
بكبريائها، فصارت رمزًا لكل كبرياء كما للزنا. لهذا فمن الجانب الرمزي جاء إرميا
النبي يحذر المؤمنين من الالتجاء إلى فرعون مصر، أي إلى العالم في محبته المهلكة،
أو إلى ملك بابل، أي إلى الكبرياء المفسد للنفس، وإنما يكون الالتجاء للّه وحده
الذي يحرر النفس والجسد معًا من أسر محبة العالم والكبرياء!

إرميا في العهد الجديد

          أُشير إلى
إرميا شخصيًا في الإنجيل بحسب معلمنا متى البشير مرتين: عند قتل أطفال بيت لحم
(مت17:2، إر15:31)، وعندما دخل السيد المسيح الهيكل ووجده كمغارة لصوص (مت13:21؛
إر11:7). كما ضم العهد الجديد 41 نصًا تحمل تلميحًا لما جاء في سفر إرميا، منها
سبعة نصوص مباشرة.

          تحدث إرميا
النبي عن العهد الجديد كمصدر تعزية ورجاء للنفوس الساقطة (إر34:31؛ عب16:10).

          وجد يعقوب
الرسول في إرميا ما يسنده للحديث في مجمع الرسل المسكوني (أع 16:15؛ إر15:12).
ووجد فيه بولس الرسول سندًا للحديث عن حرية اختيار الله في الدعوة (رو20:9؛
إر6:18)، كما أدرك يوحنا اللاهوتي انهيار بابل العظيمة (رؤ2:18؛ إر8:51).

بين إرميا النبي والرسول بولس

          1. رأينا
التشابه بينهما في اهتمامهما بأعماق النفس، والإصلاح الجذري لا التركيز على الختان
الظاهري…

          2. كان
كلاهما رجلي آلام ودموع (أع 16:9؛19:20، إر1:9).

          3. أدرك
الاثنان دعوتهما للخدمة وهما بعد في الأحشاء (إر4:1،5؛ غلا15:1).

المسّيا في سفر إرميا

في حديثنا عن غرض السفر
رأيناه يبرز الحاجة إلى المسيا الملك البار ليحقق الخلاص. فإن كان ملوك بيت داود
قد أساؤا القيادة، وكان ذلك أحد العوامل التي شتت الرعية (1:21-3:23)، فإن اللَّه
يعد بالأنبياء عن مجيء ملك جديد من نسل داود، بار وحكيم، يخلص يهوذا القطيع الجديد
(3:23-6). وكأن إرميا النبي قد تطلع بنظرة نبوية إلى العصر المسياني الذي فيه يحقق
السيد المسيح التجديد الروحي الحق، فيقدم اللَّه عهدًا جديدًا لإسرائيل الجديد،
حيث يملك اللَّه روحيًا على القلب (5:23-8؛ 4:30-11؛ 14:33-26؛ 14:33-26؛
36:32-41). وبظهور هذا العصر الجديد ينتهي الطقس اليهودي في حرفيته، وينفتح الباب
لدعوة الأمم (17:3).

لا يقف الأمر عند
النبوات عن عصر المسيا وإنما كانت شخصية إرميا ترتبط كثيرًا بشخصية السيد المسيح،
حتى عندما سأل السيد تلاميذه: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ قالوا إن بعضًا
يقول إنه إرميا (مت14:16).

أما أهم ملامح هذا
الارتباط فهي:

1. عاش إرميا يحمل في
داخله أثقال شعب اللَّه بمرارة، إذ يقول "أحشائي أحشائي، توجعني! جدران قلبي!
يئن في قلبي! لا أستطيع السكوت" (19:4). وبدموع يقدم مرثاة، قائلاً: "يا
ليت رأسي ماءً وعينَّي ينبوع دموع؟، فأبكي نهارًا وليلاً قتلى بنت شعبي"
(1:9)، حتى دُعي بالنبي الباكي. وقد جاء السيد المسيح يبكي البشرية على خطاياها
ورجاساتها، خاصة أورشليم التي قدم لها الكثير وفي عناد قاومت عمل اللَّه
. فقد قيل
عنه: "رجل أوجاع ومختبر الحزن" (إش3:53).

وُجد السيد المسيح
باكيً
ا
(مت37:23)
،
إن لم يكن علانية ففي أعماقه دموع لا تجف من جهة الخطاة. اكتشف إرميا بعض الخطايا
فلم يعد يحتمل نفسه مشتهيًا أن يجد له مبيتًا في البرية ليترك شعبه وينطلق من
عندهم لأنهم جميعًا زناة جماعة خائنين (2:9). أما السيد المسيح العارف بكل خطايا
البشرية في كل تفاصيلها الخفية والظاهرة، بكل ثقلها، فقد جاء ليحل وسط الخطاة
ويسندهم مقدسًا إياهم بدمه. لم يكن لإرميا رجاء في شعبه إلا من خلال نظرته
المستقبلية منتظرًا مجيء الملك المسيا ابن داود ليقيم مملكته على مستوى روحي جديد،
أما السيد المسيح فحقق ما اشتهاه إرميا وغيره من الأنبياء فاتحًا طريق الملكوت
الجديد لكل من يدعو اسم الرب من جميع الأمم.

          2. أبغض الشعب
مع القيادات إرميا النبي بسبب توبيخه لهم، وهكذا أبغضوا السيد المسيح، لا لسبب سوى
شرهم: "لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ
أعماله" يو20:3، "لا يقدر العالم أن يبغضكم، ولكنه يبغضني أنا، لأني
أشهد عليه أن أعماله شريرة" (يو7:7).

لم يكن ممكنًا للرؤساء
المدنيين والدينيين من كهنة وأنبياء كذبة، وأهل عناثوث وكل الشعب أن يتقبل محبة
النبي الصادقة وكلماته الصريحة، فعاش مرفوضًا ومضطهدًا ممن يحبهم، حاملاً صورة
السيد المسيح محب البشرية، الذي جاء يسلم ذاته من أجل الكل، أما خاصته فلم تقبله،
بل وتكاتفت كل القوى تريد الخلاص منه خارج المحلة.

3. تنبأ إرميا النبي عن
خراب أورشليم، قائلاً: "هأنذا داعٍ كل عشائر ممالك الشمال يقول الرب، فيأتون
ويضعون كل واحد كرسيه في مدخل أبواب أورشليم وعلى كل أسوارها حواليها وعلى كل مدن
يهوذا، وأقيم دعواي على كل شرهم، لأنهم تركوني وبخروا لآلهة أخرى وسجدوا لأعمال
أيديهم" (15:1،16). وأعلن السيد المسيح ما سيحل بأورشليم، قائلاً: "يا
أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع
أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا، هوذا بيتكم ُيترك لكم
خرابًا" (مت37:23،38).

4. مع ما حمله إرميا من
مرارة في داخله من جهة الشعب العنيد وما عاناه منهم بالرغم من محبته لهم، وإدراكه
التأديبات القاسية التي ستعانيها أورشليم وكل مدن يهوذا، مرارته امتزجت بحلاوة
خلال رؤيته السيد المسيح المخلص بروح النبوة
، خلال الظلال، فلم يحمل يأسًا بل
رجاءً.

رأى العصر المسياني
كعلاجٍ حقيقي للخراب الحاّل، فقال: "ها أيام يقول الرب وأقيم لداود غصن برّ
فيملك ملك وينجح ويجري حقًا وعدلاً في الأرض، في أيامه يخلص يهوذا، ويسكن إسرائيل
آمنا، وهذا هو اسمه الذي يدعونه به: الرب بِرّنا" (5:23،6).

رأى السيد المسيح
الذبيح، فقال: "وأنا كخروف داجن (أليف) يُساق إلى الذبح، ولم أعلم أنهم فكروا
علي أفكارًا، قائلين: لنهلك الشجرة بثمرها ونقطعه من أرض الأحياء، فلا ُيذكر بعد
اسمه" (19:11).

5. أدرك إرميا النبي أن
الإصلاح الحقيقي يقوم بهدم الشر تمامًا، أي هدم الإنسان القديم، والتمتع بالخير أي
قيامة الإنسان الجديد، ليكون الإصلاح جذريًا. ففي بدء دعوته سمع الصوت الإلهي يعلن
له: "قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم، وتهلك وتنقض،
وتبني وتغرس" (10:1). وقد أدرك أنه عاجز تمام العجز عن اقتلاع مملكة إبليس
وهدمها وإبادتها لكي يبني في نفوس شعبه مملكة اللَّه ويغرسها فيهم، لهذا أكّد
الحاجة إلى "عهد جديد" يقيمه الرب نفسه، القادر وحده بروحه القدوس أن
يهدم ويبني، ويقتلع ويغرس، الذي وحده يدخل إلى أعماق النفس، يحطم فيها ما هو قديم
ليقيمها بطبيعة جديدة… وكما يقول النبي: "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع
بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم… بل
هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل شريعتي في
داخلهم وأكتبها في قلوبهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبًا، ولا يعلمون بعد كل
واحدٍ صاحبه، وكل واحد أخاه، قائلين: اعرف الرب، لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم
إلى كبيرهم يقول الرب، لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (31:31-34).

6. يقول إرميا عن نفسه:
"وأنا كخروفٍ داجنٍ (أليف) ُيساق إلى الذبح" إر 9:11، كما قيل عن السيد
المسيح: "ُظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاةٍ تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة
أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش7:53؛ إر32:8).

7. حمل إرميا النبي
العار من أجل الرب: "اعرف احتمالي العار لأجلك" (إر15:15)، كما قيل عن
السيد المسيح كلمة اللَّه المتجسد: "لأن المسيح أيضًا لم يرضِ نفسه، بل كما
هو مكتوب تعييرات معيريك وقعت علي" (رو3:15).

8. يرى البعض أن إرميا
النبي قد عرض الكثير من الأسئلة التي لا إجابة لها إلا بمجيء السيد المسيح وإقامة
العهد الجديد. نذكر على سبيل المثال:

ا. "كيف أصفح لكٍ
عن هذه؟" (7:5). فلم يكن ممكنًا أن تنعم بالصفح إلا بالسيد المسيح "الذي
فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أف7:1).

ب. "أليس بلسان في
جلعاد أم ليس هناك طبيب؟!" (22:8)، وجاءت الإجابة في العهد الجديد أنه يوجد
طبيب النفوس والأجساد، ربنا يسوع المسيح الذي يقدم دمه بلسانًا لشفاء جراحات النفس
المميتة.

ج. "هل يغير
الكوشي جلده أو النمر رقطه؟" (23:13)… حقًا لم يكن ممكنًا للإنسان أن يغير
طبيعته التي التصقت به كجلده ولطخت حياته كرقط النمر، لكن جاء السيد المسيح يهبنا
بروحه القدوس تغيير جذري لطبيعتنا الداخلية، فصارت لنا الخلقة الجديدة (غلا15:6)،
وجدة الحياة (رو4:6).

د. "إن جريت مع
المشاة فأتعبوك، فكيف تباري الخيل؟ وإن كنت منبطحًا في أرض السلام فكيف تعمل في
كبرياء الأردن؟!" 5:12. وجاءت الإجابة: نستطيع بالمسيح يسوع ربنا أن نباري
الخيل أي الشياطين ونهزمهم، ونعمل في كبرياء الأردن، فنحطم تشامخ الخطية…
وباختصار "شكرًا للّه الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح"
(1كو57:15).

يُرى السيد المسيح
في سفر إرميا إنه:

ا. بلسان في جلعاد
(22:8)، أي دواء للنفس المنكسرة، وأيضًا طبيب بنت شعبي (22:8)، والراعي الصالح
(10:31).

ب. رجاء الكنيسة
ومخلصها: "يا رجاء إسرائيل مخلصه في زمان الضيق لماذا تكون كغريب في
الأرض وكمسافر يميل ليبيت" (8:14؛ 34:50).

ج. الفخاري،
ُيشكل طبيعتنا (الطين) بيده الإلهية (6:18).

د. غصن برّ:
"ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن برّ، فيملك ملك وينجح ويجري حقًا
وعدلاً في الأرض" (5:23).

هـ. داود الملك:
"بل يخدمون الرب إلههم وداود ملكهم الذي أقيمه لهم" (9:30).

و. ينبوع المياه
الحي
ة (13:2).

أما أهم النبوات
المسياني
ة فهي:

ا. ميلاده الجسدي كابن
لداود (5:23؛ 15:33؛ أع22:13؛ رو3:1).

ب. لاهوته: "الرب
برنا" 6:23 (1كو30:1).

ج. قتل أطفال بيت لحم
(15:31؛ مت16:2،18).

د. تقديم نفسه ذبيحة حب
(9:11)، وحمله العار (15:15)، وعدم جلوسه في مجلس المازحين مبتهجًا (17:15).

 

أقسام السفر

يبدو أن نبوات إرميا
النبي كانت تسجل في أدراج متفرقة، كل درج يحوي موضوعًا معينًا بغض النظر عن
التسلسل التاريخي، فقد جاء السفر مرتبًا ترتيبًا موضوعيًا وليس تاريخيًا. أما
تكرار بعض العبارات فجاء ضرورة حتمية، لأن السفر في غالبيته مجموعة عظات ألقاها
النبي في مناسبات متكررة ومتشابهة في أيام ملوك مختلفين.

يمكن تقسيم نبواته إلى
ثلاثة أقسام رئيسية، مع مقدمة وختام:

V دعوة إرميا
ورسالته   
          1.

1. نبوات ما قبل
سقوط أورشليم

(مع الوعد بالرجوع من
السبي)     2-33.

2. تأريخ سقوط
أورشليم
 
          34-45.

3. نبوات عن الأمم
الغريبة
         46-51.

 

من وحي إرميا

هب لي يارب رقة إرميا
وشجاعته!

 

V هب لي يارب رقة
إرميا،

     فأبكي ليلاً
ونهارًا من أجل كل نفس ساقطة!

     أصرخ اليك طالبًا
تقديس كل قلب،

     وختان كل الحواس
الداخلية.

 

V علمني أن أذوب حبًا
من أجل كنيستك،

     مشتهيًا خلاص
العالم كله!

     متى أرى كل البشر
حولك،

     يتمتعون بحبك،

    ويقبلون عهدك
وميثاقك؟!

 

V اسندني بكلمتكِ
النارية،

     لتلمس شفتي فأنطق
بالحق،

     ولا أهتز أمام
إنسانٍ ما،

     ولا أرتبك أمام
الأحداث،

    بل اطلب إرادتك
واشتهي مجدك!

 

V اعترف لك مع إرميا إني
أصغر من أن أعمل،

     صغير جدًا في عيني
نفسي!

     لكنك تحول طفولتي
إلى نضوج روحي،

     وضعفي الشديد إلى
قوة!

     ترى من يسندني
سواك؟!

 

V هب لي يارب روحك
القدوس الناري،

     فأصير كإرميا،

     يكفيني أنك معي،
ساكنًا في،

     حتى إن وقف العالم
كله ضدي!

     هب لي يارب رقة
إرميا وشجاعته!

 

 V V V

 

الباب الأول

 نبوات

 ما قبل سقوط أورشليم

"مع الوعد بالرجوع
من السبي"

إرميا 2-33

الاصحاحات 2-6

عتاب في الأذن

تشمل الاصحاحات الخمسة
(2-6) خطابين يتضمنان ما وصل إليه يهوذا من انحطاط روحي وأخلاقي مع تهديد بعقاب
أليم يحل بهم على أيدى شعبٍ بعيدٍ يجهلون لسانه، يأتيهم من الشمال[23].

          يرى بعض
الدارسين[24]
أن إرميا يتحدث عن كارثتين:

          الكارثة
الأولى:
قد حلت بهم فعلاً أثناء حديثه. أعمالهم الشريرة
هيالسبب، إذ
يقول لهم: "طريقك وأعمالك صنعت هذه لك. هذا شرك. فإنه مُرُّ فإنه قد بلغ
قلبك
" (18:4). بسببهم عادت الأرض إلى حالتها قبل خلقة العالم، حيث كانت
خاوية وخربة والسموات بلا نور (23:4، تك2:1).

          الكارثة
الثانية:
لم تكن بعد قد حلت بهم أثناء حديثه، وكان يمكن تجنبها بالتوبة
والرجوع إلى اللَّه، إذ يقول: "هل يحقد إلى الدهر؟! أو يحفظ غضبه إلى الأبد؟!"
(5:3).

 

الاصحاحات 7-10

عتاب علني

في باب بيت الرب

 

جاء الحديث السابق
(إر2-6) أشبه بهمسٍ في الأذن في هدوء، لأن اللَّه يبدأ تحذيراته لنا سرًا حتى نرجع
إليه دون أن يجرح مشاعرنا، أما إن أصررنا على عدم الاستماع إليه، فيكون جرحنا
خطيرًا، ويحتاج الأمر إلى توبيخٍ علنى. لهذا تبدأ هذه الاصحاحات بدعوة اللَّه
لإرميا النبي أن يقف في باب بيت الرب (إر1:7)، ويتحدث مع الشعب كما مع القيادات
علأنية وبكل صراحة، الأمر الذي كلف إرميا النبي الكثير، إذ شعرت القيادات بالفضيحة
وفكرت في التخلص منه عدة مرات.

لسنا ندري علة اجتماع
الشعب في الهيكل في ذلك الحين، إن كان بسبب الاضطرابات التي نشأت عن قرب قدوم
العدو، أو للاحتفال بعيد.

في الاصحاح الثإني
حدثهم عن سرّ الخصومة؛

وفي الاصحاح الثالث أكد
أنه إنما يعاتب ليطلب عروسه مقدسة حتى في تأديبه لها؛

وفي الاصحاح الرابع كشف
لنا عن سرّ الزينة الداخلية لعروسه المقدسة؛

وفي الاصحاح الخامس
تحدث عن عمل الكلمة الناري في النفس بكونه مصدر القداسة والجمال الروحي.

وفي الاصحاح السادس
يعلن أن وقت التأديب قد اقترب جدًا فلا يليق بهم أن يسمعوا للكلمات
المعسولة التي يقدمها الأنبياء الكذبة.

أما الاصحاحات 7-10 فهي
"عتاب في الهيكل"،
أي يوبخ علأنية لا لأجل الفضيحة في ذاتها وإنما
بسبب قساوة قلب الإنسان الذي يرفض الاستماع للكلمة السرية الهادئة. أما موضوع
العتاب فهو: "التقديس الداخلي".

 

الاصحاحات 11-20

نبوات ما قبل السقوط

صراع إرميا النبي

إرميا 11-20

          في
الاصحاحات 7 إلى 10 يعلن اللَّه عن ضرورة الإصلاح الداخلى، فإنه لا يقبل عبادتهم
من أصوامٍ وتسابيح وتقدمات وذبائح دون نقاوة القلب والحياة المقدسة في الرب. أما
هذا القسم (إر11-20) فيحتوى على منطوقات نبوية تكشف عن الرسالة الخاصة بهزيمة
الجيش وما يلحق البلاد من دمار. غالبًا ما ُنطق بها في أيام الملك يهوياقين
(605-598ق.م)[25].

          شملت هذه
النبوات مراثٍ، إذ كانت نفس النبي مرة، يصارع بين حبه الشديد لشعبه وتطلعاته
النبوية الخاصة بهلاكهم بسبب الشر. لقد رأى شعبه الذي نشأ وترعرع خلال العهد
الإلهي الذي ُقدم لهم بواسطة موسى على جبل حوريب بسيناء ينهار بسبب كسرهم للعهد.
يقوم هذا العهد على اختيار اللَّه لشعبه ورغبته في السكنى في وسطهم والالتصاق بهم
لتقديسهم، فيصيرون خاصته، ويقدم نفسه نصيبًا لهم ومخّلصًا وسندًا وشبعًا لكل
احتياجاتهم، مقابل هذا يلتزم الشعب بالأمانة والإخلاص فيعبادتهم وسلوكهم ليتمموا
إرادة اللَّه فيهم بالطاعة لوصيته المملوءة حبًا!

          في الاصحاحين
11،12 يوضح اللَّه سر غضبه على خطاياهم ألا وهو نقضهم للعهد معه. فهو يريد أن تكون
معاملاته مع شعبه على مستوى الأب مع بنيه، والعريس مع عروسه المحبوبة لديه،
الساكنة معه في بيته (ع 15)، وليس كسيدٍ آمرٍ ناهٍ.

          انصب دور
الأنبياء، خاصة في العصور المظلمة على القيام بدور الوسطاء، يشفعون في الشعب بطلب
مراحم اللَّه ورفع غضبه عنهم، بكونهم ممثلين لهم. أما النبي الذي لا يكشف بوضوح
خطة اللَّه وإرادته، بل يداهن القيادات أو الشعب ليكسب ودهم أو مالهم، ولا يشفع
فيهم، فهو نبي كذاب!

          أصالة النبوة
جعلت إرميا في صراع مرّ بين صراحته ووضوحه في الكشف عن غضب اللَّه على شعبه وما
يلحق هذا من تأديبات قاسية تكاد تدمرهم وبين قيامه بدور الممثل للشعب أمام اللَّه
يشفع بقلبه الذي يذوب كالشمع ودموعه التي لا تجف! هكذا كان قلب إرميا النبي يتمزق[26]!

 

الاصحاحات 26-29

 حوار إرميا
مع الأنبياء الكذبة

          تحوى
الاصحاحات الأربعة (26-29) صورة حية عن حوار إرميا النبي مع الأنبياء الكذبة،
موجهًا إلى كل المستويات:

          1. على
مستوى القيادات مع الشعب: عظة الهيكل ونتائجها (إر26).

          2. على
مستوى الملوك: نير بابل (إر27).

          3. على
مستوى الأنبياء الكذبة: إرميا يقف ضد حنانيا (إر28).

          4. على
مستوى القيادات والشعب في السبي: رسالة إلى
المسبيين
(إر29).

 

الاصحاحات 30-33

سفر تعزيـــة

"العودة وقيام
مملكة يهوذا"

 

          تقطع هذه
الاصحاحات التسلسل التاريخي لسير الأحداث التي يذكرها باروخ الكاتب، وهي تمثل
مجموعة من أقوال النبي مأخوذة من مراحل مختلفة من خدمته. تسمى هذه الاصحاحات
الأربع "سفر تعزية"، يمكن أن تُدعى "تسبحة نصرة الخلاص
والحرية
"، تعبر عن الرجاء المستقبلي أكثر منها الحكم والتأديب كما جاء في
الاصحاحات السابقة.

          مع تحذيرات
إرميا المستمرة ودموعه التي لا تجف وتأكيده للسبي لم يفارق
الرجاء
كلماته قط، فبالنسبة له لم تكن العقوبات
غاية أو
نهاية لأحاديثه
بل وسيلة للكشف عن
الدخول في
علاقةٍ جديدةٍ مع اللَّه
وعهدٍ جديدٍ. يبقى اللَّه أمينًا في مواعيده وغني في نعمته، يود أن يفيض بها على
المؤمنين في الوقت المناسب، خاصة بعد عبور زمن التأديب.

          جاءت مقدمة
هذه الاصحاحات (1:30-3) تحمل نغمة العزاء المملوء فرحًا، أما
قمتها ففي
31:31-34.

          إن كانت
العقوبات قد وُجهت ضد يهوذا لكنه يوجه  العزاء  إلى إسرائيل ويهوذا معًا (4:30)،
يقدمه في شيءٍ من التفصيل لكي ينشغل به المؤمن في لحظات التأديب فلا يسقط في حالة
قنوط بل يمتلئ رجاءً في الرب.

          يعلن اللَّه
لنبيه كما لكل نفسٍ مقدسةٍ عن مقاصده من جهة شعبه، حتى تطمئن وتستريح في الرب،
مدركة أنه دائمًا يعمل لبنيان كنيسته ومجدها الأبدي.

الاصحاحات 40-45

خبرات إرميا ونبواته

بعد خراب أورشليم

 

          تقدم لنا
الاصحاحات 40-45 خبرات ونبوات إرميا النبي بعد خراب أورشليم، أو خبرات أيامه
الأخيرة على الأرض.

 

أولاً: الأيام الأخيرة
لإرميا في يهوذا

          كما بدأ
إرميا النبي حياته في يهوذا وسط إصلاحات الملك يوشيا التي لم تمس قلوب القيادات
الدينية ولا الشعب، بل انشغلوا بالشكليات وحدها، هكذا تنتهي حياته في أرض الموعد
في أيام جدليا الذي أقامه ملك بابل واليًا على يهوذا، وكان هناك بارقة أملٍ
للإصلاح، غير أنه لم يستمر كثيرًا إذ قتله بنو جنسه.

 

ثانيًا: اقامة جدليا
واليًا على يهوذا

          "جدليا"
اسم عبرى معناه "يهوه عظيم". أقام نبوخذناصر جدليا بن أخيقام بن شافان
حاكمًا على مدن يهوذا ووكيلاً عن ملك بابل، وكما نعلم أن أخيقام كان أحد الخمسة
الذين أرسلهم الملك يوشيا إلى خلدة النبية ليسأل عن سفر الشريعة (2مل12:22،14)،
وقد استخدم نفوذه لحماية إرميا (إر24:26)؛ أقام في المصفاة.

 

ثالثًا: اغتيال جدليا

          أفسد الحسد
كل شيء، إذ قام شخص من الدم الملكي[27]
يدعى إسماعيل بن نثنيا، – بلا شك كان يفكر في اعتلاء الحكم – وبتشجيع من بعليس ملك
عمون، جاء مع عشرة من رجاله إلى جدليا في ضيافته وقتلوه وهو على المائدة يقدم لهم
طعامًا بحبٍ. قتلوه هو وكل اليهود الذين معه والجنود الكلدانيين الذين تُركوا في
الأرض بواسطة ملك بابل، كما قتلوا سبعين حاجًا يهوديًا كانوا مارين بالمصفاة في
طريقهم إلى أورشليم لتقديم عطايا غير دموية للهيكل المتهدم، ربما بمناسبة عيدٍ ما.
هؤلاء الذين كانوا في حزنٍ شديدٍ بسبب خراب الهيكل وتوقف الذبائح الدموية مع دمار
المدينة وسبي الشعب. سبى إسماعيل ورجاله بنات الملك مع بعض اليهود، وانطلقوا بهم
إلى بني عمون.

          انطلق
يوحانان والرؤساء الذين معه وراء إسماعيل حيث استطاعوا أن يطلقوا سراح المسبيين
الذين كانوا مع اسماعيل وهرب إسماعيل وثمانية ممن معه إلى عمون (2مل25:25؛ إر7:40؛
18:41).

          لاجدال في أن
يوحانان أحد رؤساء يهوذا كان رجلاً شجاعًا ووطنيًا ومخلصًا. في إخلاصه حذر جدليا
من إسماعيل سرًا وفكَّر أن يقتله، لكن جدليا حسبه كاذبًا. إنما كانت تعوزه روح
التقوى، وقد كان رجل أفعال، لكنه لم يكن رجلاً ينتظر اللَّه ليرشده إلى الطريق
الواجب سلوكه، فبدون تردد ولا سؤال من الرب قاد الموالين له والجماعة التي أنقذها
من يد إسماعيل ورجاله إلى جيروت كمهام بالقرب من بيت لحم على الطريق إلى مصر. لقد
صمم هو ومن معه أن يذهبوا إلى مصر خوفًا من وجه الكلدانيين، لأنهم كانوا خائفين
بسبب ما فعله إسماعيل (إر1:42-7:43).

 

رابعًا: استشارة إرميا
شكليًا

          قبل أن
يهربوا إلى مصر ذهب يوحنان والذين معه إلى إرميا النبي الذي أخذوه معهم من المصفاة
حيث كان يعيش وسط الشعب يطلبون منه الإرشاد من الرب، الكبير والصغير طلبوا منه أن
يصلي إلى الرب ويشفع فيهم ليريهم الطريق الذي يسيرون فيه وقد وعدوا بالطاعة
الكاملة لإرادة الرب، مهما تكن الظروف. حسب الظاهر كان  حسنًا أن يتوجهوا إلى الرب
في مثل هذه الظروف يلتمسون منه الإرشاد، فيقولون: "ليت تضرعنا يقع أمامك
فتصلي لأجلنا إلى الرب إلهك لأجل هذه البقية، لأننا قد بقينا قليلين من كثيرين كما
ترانا عيناك، فيخبرنا الرب إلهك عن الطريق الذي نسير فيه والأمر الذي نفعله"
(إر1:42-3). كانوا يطلبون مشورة اللَّه وشفاعة إرميا النبي بينما كانت رغبتهم في
الذهاب إلى مصر لها جذورها العميقة في عقولهم كما في قلوبهم. كل ما كانوا يشتاقون
إليه هو أخذ أمر ظاهري للذهاب إلى مصر، تحت مظهر أنهم يتممون إرادة اللَّه، بينما
كانوا قد وضعوا في قلوبهم أن يتمموا مشيئتهم الذاتية.

          قال لهم
إرميا "قد سمعت. هأنذا أصلي إلى الرب إلهكم كقولكم ويكون أن كل الكلام الذي
يجيبكم الرب أخبركم به، لا أمنع عنكم شيئًا" (إر3:42). يقول إرميا  "الرب
إلهكم…
والكلام الذي يجيبكم الرب أخبركم به"

أي
أنه سيكون وسيطًا لدى اللَّه من قبلهم يتحدث باسمهم، فإن اللَّه يريد أن ينتسب
إليهم ويقدم لهم المشورة الصالحة.

          يبدو حسب
الظاهر أنهم يطيعون الرب طاعة كاملة (إر5:42،6)، وقد سمح الرب بأن تمر عشرة أيام
قبل أن يجيب على النبي.

 

خامسًا: رسالة إلهية
مملؤة رجاءً وتحذيرًا

          بعد عشرة
أيام جاءت الإجابة من قبل الرب واضحة وصريحة، فأعلنها النبي علانية:

          ا. جاءت
الإجابة تحمل وعدًا إلهيًا يكشف عن شوق اللَّه إلى بنائهم كبيت مقدس له، وغرسهم
ككرمة من غرس يدىْ اللَّه
.

          ب. مع الوعد
والرجاء قدمت الإجابة الإلهية تحذيرًا من رفض الإرادة الإلهية من أجل تتميم
الإرادة الذاتية.

          أرادوا
الهروب من أرض يهوذا خشية السيف والجوع، ليحتموا في مصر؛ فإذ بالسيف والجوع
والوباء يلحق بهم هناك، بجانب سقوطهم تحت اللعنة والعار بسبب عصيانهم للَّه
وانسكاب الغضب الإلهى عليهم. إذن سلامهم وحمايتهم ليست بالهروب إلى أرض معينة، بل
بالتخلي عن الإرادة الذاتية والطاعة للإرادة الإلهية.

 

سادسًا: رفض المشورة
الإلهية

          رفضَ هؤلاء
الذين تكلم إليهم إرميا بكلام الرب الواضح والصريح النصيحة والتوجيه، ولم يسمعوا
لتحذيرات الرب، والسبب كما قال إرميا: "لأنكم قد خدعتم أنفسكم"
(إر20:42).

          كانوا مصممين
على تنفيذ إرادتهم الذاتية عندما طلبوا من إرميا أن يصلي إلىالرب طلبًا للإرشاد،
وبهذا سقطوا في الكبرياء الذي يحرم من الاعتراف بالخطأ وتقديم التوبة (إر1:43-3).

          اتهموا إرميا
أن نبوته كاذبة، لا ينطق بكلمة الرب بل يتكلم بالكذب. قالوا نحن سألناك أن تقول
لنا كلمة الرب لكنك أخبرتنا بأقوال باروخ لكي يدفعنا في يد الكلدانيين فيقتلوننا
ويقومون بسبينا.

 

سابعًا: ذهابهم إلى مصر

          رفضوا صوت الرب
على لسان إرميا قبل حدوث السبي ورفضوا كلامه أثناء السبي، وها هم يرفضونه بعد
السبي ويذهبون إلى مصر ويأخذون معهم إرميا وباروخ بن نيريا بالقوة (إر5:43-7).

 

ثامنًا: إرميا في مصر

          ختم إرميا
حياته لا في أرض الموعد، بل محمولاً من شعبه إلى مصر، حيث الآلهة الوثنية والوصية
المكسورة!

          أراد الرب أن
يُعلِّم الشعب درسًا بطريقة رمزية فأمر إرميا أن يأخذ بيده حجارة كبيرة ويطمرها في
الملاط (الطين) في الملبن (مكان صنع اللبن،
أي قوالب
الطوب الني) الذي عند باب بيت فرعون أمام قصره أو خلفه في تحفنحيس أمام رجال
يهوذا. وقد جذب إرميا انتباه الشعب بهذه الوسيلة لكي يعلن لهم القضاء باسم رب
الجنود إله إسرائيل فقيل: "هأنذا أرسل وآخذ نبوخذناصر ملك بابل عبدي وأضع
كرسيه فوق هذه الحجارة التي طمرتها…" (إر8:43-13).

          إن كانوا قد
هربوا من يهوذا إلى مصر من وجه ملك بابل، كي لا ينتقم منهم، غير واثقين في مواعيد
اللَّه، فإن ملك بابل يلحق بهم وبفرعون الذي احتموا فيه، يضع كرسيه على الحجارة
الكبيرة التي منها يقيم فرعون قصره، حتى وإن اختفت هذه الحجارة وسط الملاط.

          أنذر إرميا
النبي اليهود في مصر بسبب حياتهم الفاسدة (إر1:44-14). فإن هذه البقية التي نزلت
إلى مصر مارست العبادة الوثنية في مصر، لهذا يذكِّرهم الرب بما حدث لهم وهم
في مملكة يهوذا.

          لم يجد هذا
التحذير الخطير أذنًا صاغية، فقد جاء الرد من الرجال بكل عنفٍ: "إننا لا نسمع
لك الكلمة التي كلمتنا بها باسم الرب" (إر16:44). وأكثر من ذلك نسبوا الخير
والشبع عندما كانوا في أرض يهوذا إلى تبخيرهم لملكة السموات، وحين كفوا عن التبخير
لملكة السموات حلّ عليهم الفناء والجوع (انظر إر17:44-19). جاء جواب الرب لهم
قاطعًا ليعلن ان ممارساتهم الوثنية هى التي استنزلت عليهم غضب اللَّه
(إر20:44-23).

          أما النساء
فكان لهن من الرب كلمة خاصة، لأنهن كن يتزعمن تلك الممارسات الوثنية المهينة لاسم
الرب (إر27:44،28).

          أعطاهم الرب
علامة عن الهلاك القادم حتى إذا حدث يعرفون أن ساعة دينونتهم لن تتوإني بعد.
العلامة هي أن فرعون حفرع ملك مصر سيُدفع إلى يد أعدائه وإلى يد طالبي نفسه كما
دُفع صدقيا ملك يهوذا إلى يد نبوخذ نصر ملك بابل عدوه وطالب نفسه (ع29،30)، بذلك
تنكسر القصبة المرضوضة التي اتكأوا عليها.

تاسعًا: اهتمام شخصي
بباروخ

          وسط هذه
الأحداث الخطيرة أساء الشعب إلى باروخ، متهمًا إياه انه مثير لإرميا كي يدفع
بالشعب إلى البقاء في يهوذا فيهلكهم ملك بابل. لا نعرف ماذا كان رد فعل باروخ الذي
حُمل مع إرميا إلى مصر، إنما يبدو أنه مرْ بمرحلة قاسية خلال الضعف البشرى، فدخل
في حالة إحباطٍ شديدة. ربما بدأ يفكر في نفسه كيف صار موضع اتهام كخائنٍ وطني. على
أي الأحوال، اللَّه لم ينساه وسط هذه الأحداث، فجاء الأصحاح 45 حديثًا موجهًا
إليه. اللَّه لا ينسى أحدًا من خائفيه أينما وجد ومهما كانت الظروف!

 

إر 46-51

نبوات عن الأمم

 

في دراستنا لأسفار
حزقيال (25-32) وإشعياء (23:31) وعاموس (1،2)، وصفنيا (4:2-15) تحدثنا عن النبوات
ضد الأمم التي غالبًا ما كانت لتأديبهم. واضح أن هذه النبوات لم ينفرد بها نبي
معين، لكنها تكاد تكون مشتركة بين الأنبياء، وتمثل جزءًا حيًا من الكلمة الإلهية
التي تود أن تكشف لكل البشرية عن اللَّه نفسه ومعاملاته معهم.

يمكننا في إيجاز هنا أن
نوضح أسباب اهتمام النبوة بالأمم:

1. اللَّه هو إله
البشرية كلها، حتى وإن انحرفت. فمهما بدى تأديبهم قاسيًا فإن غايته هو رجوعهم إلى
اللَّه ليتمتعوا بشخصه ومواعيده الإلهية. لهذا كثيرًا ما تُختم النبوات ضدهم بفتح
باب الرجاء أمامهم ليختبروا الحب الإلهي. إن كان العهد القديم قد احتوى على نبوات
ضد الأمم، لكنه لم يقف عند ذلك بل فتح الطريق أمامهم لإدراك سر العهد الجديد الذي
قدم كلمة اللَّه لحساب الأمم. هؤلاء الذي كانوا غرباء صاروا قريبين، أهل بيت
اللَّه، وكما يقول الرسول بولس: "أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين
بدم المسيح" (أف13:2). إن كانت حاجة إلى برهان على أن إله إسرائيل كان يُنظر
إليه انه إله الأرض كلها فهنا نجد البرهان[28].
هذا ما سنراه واضحًا في الاصحاحات التالية.

2. ترمز الأمم الساقطون
في عبادة الأصنام برجاساتها إلى الخطية نفسها، خاصة وأن بعضهم كانوا يقدمون
أطفالهم ذبائح بشرية للأوثان بإجازتهم في النار. دمارهم يشير إلى التخلص من
الخطايا ذاتها ومن مصادرها لكي يحيا الإنسان في بر السيد المسيح. يقول العلامة
أوريجينوس
: [في رأيي أن بعض أسماء الشعوب أو الملوك التي نقرأ عنها في الكتاب
المقدس تخص بلا شك الملائكة الأشرار أو السلاطين المضادة، مثل فرعون ملك مصر
ونبوخذ نصر ملك بابل وأشور[29]].

يرى القديس جيروم
في تفسيره للمزامير[30]
أن الأمم المقاومة للَّه ولشعبه والتي خضعت للتأديب هي إحدى عشر أمة إشارة إلى
النقص، إذ لم تبلغ اثنتي عشرة، رقم الكمال الذي يشير إلى ملكوت اللَّه على الأرض.

3. اللَّه ضابط الكل
وصانع التاريخ له السيطرة التامة على الأفراد كما على الأمم. لقد شعر الأنبياء في
كل مراحل نشاطهم أنهم يشاركون في الأحداث التي يكون لها أكثر من مجرد معني محلي أو
قومي، لهذا اهتموا اهتمامًا جادًا بسلوك الشعوب الأجنبية التي لا يمكن عزلها عن
خطة الخلاص التي أعدها اللَّه. وقد عبر ذلك الاهتمام عن نفسه أحيانًا بإدانة
الشعوب المجاورة.

يوجد ثلاثة أسفار نبوية
ركزت بالكامل على قوة أجنبية: سفر عوبديا على أدوم، ويونان وناحوم على نينوى[31]

في هذا الفصل يعلن
إرميا النبي عن القضاء الإلهي على الشعوب الوثنية التالية:

 نبوات عن مصر                    في
الجنوب                 46.

 نبوات عن فلسطين                 في
الغرب                  47 :1-7.

 نبوات عن صور وصيدا            في شمال غرب             47
:4.

 نبوات عن موآب                   في
جنوب شرق            48.

 نبوات عن عمون                   في
الشرق                  49 :1-6.

 نبوات عن أدوم                     في جنوب شرق            49
:7-22.

 نبوات عن سوريا                  في
الشمال                 49 :23-27.

 نبوات عن قيدار                    في الشمال                 49
:28-33.

 نبوات عن حاصور                 في
الشمال                 49 :28-33.

 نبوات عن عيلام                   في
شمال شرق             49 :34-39.

 نبوات عن بابل                     في شمال شرق             ص
50، 51.

جاء ترتيب النبوات ليس
حسب تواريخ حدوثها، وإنما حسب مواقع الأمم، مبتدأ من الغرب ومتجهًا نحو الشرق.

 

 

المحتويات

 

سفر كل عصر

مقدمة في سفر إرميا

إرميا النبي وظروف
الكتابة، قائمة تاريخية بعصر إرميا، الملوك المعاصرون لإرميا، غرض السفر: 1.
الحاجة إلى التوبة، 2. إصلاح القلب الداخلي، 3. اللَّه هو سيد التاريخ، 4. اللَّه
وشعبه، دور النبي في كتاباته، مميزات السفر، تأثره بهوشع النبي، سفر إرميا من
الناحية اللغوية، مصر وبابل في سفر إرميا، إرميا في العهد الجديد، المسّيا في سفر
إرميا، أقسام السفر.

V V
V

 

دعوة إرميا ورسالته

إرميا 1

الاصحاح الأول: الدعوة
للخدمة

مقدمة، 1. ادراك الدعوة
الإلهية، 2. اتساع القلب بالحب، 3. اتضاع النفس، 4. شجاعة الخادم، 5. الاختفاء في
كلمة اللَّه، 6. الأمانة في العمل.

V V
V

 

الباب الأول

نبوات ما قبل سقوط
أورشليم

"مع الوعد بالرجوع
من السبي"

إرميا 2 – 33

V V
V

الاصحاحات 2 – 6

عتاب في الأذن

الاصحاح الثاني: سرّ
الخصومة

1. فضائلها الأولى، 2.
مركزها لديه، 3. عدم إهماله لها، 4. عدم امتثالها حتى بالأمم، 5. سّر ضعفها، 6.
ثمار خطاياها.

الاصحاح الثالث: اللَّه
يطلب عروسه

1. العريس يطلب مطلقته
الزانية، 2. خطة إلهية لعودتها، 3. طريق التوبة، 4. بركات الرجوع إلى اللَّه.

الاصحاح الرابع: زينة
العروس

1. التوبة وسيلة
التزين، 2. التمتع بختان القلب، 3. ترك الأنبياء الكذبة، 4. ادراك خطة اللَّه
وقبول التأديب، 5. قبول الأنبياء الحقيقيين، 6. الشبع والاستنارة، 7. ترك البر
الذاتي.      

الاصحاح الخامس: سرّ
التأديب

1. لم يجد بينهم بارًا
واحدًا، 2. لم يقبلوا التأديب الأولَّى، 3. أساءوا استخدام عطاياه، 4. قبلوا كلمات
المخادعين، 5. فقدوا البصيرة الداخلية، 6. اصطادوا الآخرين، 7. تجاوبوا مع الرعاة
في الشر.

الاصحاح السادس: اقتراب
التأديب

1. العدو على
الأبواب، 2. شر أورشليم هو السبب، 3. أذنهم غلفاء، 4. تركهم طريق الآباء، 5.
تقدماتهم بلا طاعة، 6. اصرارهم على الشر.    

V V
V

الاصحاحات 7 – 10

 عتاب علني في باب بيت
الرب

الاصحاح السابع: تقديس
البيت الداخلي

1. تسابيح بلا عمل، 2.
عبادة بلا قداسة، 3. عدم الامتثال بشيلوه، 4. طلب صلوات الغير بدون التوبة، 5.
تقدمات وذبائح للَّه والأوثان معًا، 6. مرثاة على رفض اللَّه بيته،  7. مرثاة على
رفض اللَّه شعبه. 

الاصحاح الثامن: شكلية
في حفظ الشريعة

 1. الخلط بين كلمة
اللَّه والعبادة الوثنية، 2. حفظ الشريعة بدون التوبة، 3. حفظ الشريعة بدون ثمر
الروح، 4. الحاجة إلى المسيح الكلمة. 

الاصحاح التاسع: مرثاة
على الجميع

1. بكاء النبي الدائم،
2. عدم مبالاتهم بحالهم، أ. انشغلوا بالمكر، ب. صاروا في فراغ، جـ. رفضهم الشريعة،
3. الدعوة لاقامة مرثاة على صهيون، 4. اللَّه واهب الحكمة والمعرفة، 5. الدينونة
بلا محاباه.            

الاصحاح العاشر: العودة
إلى اللَّه

1. ترك الوثنية الباطلة
وقبول الإله الحق، 2. الخروج عن الأرضيات، 3. قبول تأديبات الرب.

V V
V

 

الاصحاحات 11 – 20

صراع إرميا النبي

الاصحاح الحادي عشر:
العهد المكسور:

1. كسر العهد الإلهي،
2. ما لحبيبتي في بيتي؟!،   3. إعترافات إرميا.

الاصحاح الثاني عشر:
أعداء في الداخل

1. لماذا تُنجح طريق
الأشرار ؟، 2. كبرياء الأردن، 3. تدمير ميراث اللَّه، 4. تدمير جيران يهوذا.

الاصحاح الثالث عشر:
مثلا المنطقة والزق الممتلئ خمرًا

1. منطقة من كتان، 2.
مثل الزقاق الممتلئ خمرًا، 3. دعوة للتوبة، 4. ثمار الشر.

الاصحاح الرابع عشر:
التأديب بالقحط والحاجة إلى مياه الروح

القحط والتطلع إلى
العصر المسياني، ‏‏1. القحط ودعاء الشعب، ‏2. مسئولية الأنبياء الكذبة، ‏3. حوار
بين اللَّه والنبي.

الاصحاح الخامس عشر:
الشفاعة المرفوضة

‏1. الشفاعة المرفوضة، ‏2. التأديب، ‏3. انهيار نفسية إرميا إلى
حين، ‏4. اللَّه يسند نبيه، ‏5. سبي الشعب، 6. تعزيات وسط الآلام، ‏7. اللَّه يشدد
إرميا النبي.

الاصحاح السادس عشر:
منعه من الزواج

1. حياة إرميا مرآة
لحياة الشعب، 2. اعتزال الحياة إلىومية، 3. خروج جديد، 4. الفرح بالخلاص المسياني.

الاصحاح السابع عشر:
خطايا يهوذا

1. الخطية المحتلة
للقلب، 2. الإتكال على ذراع بشر، 3. القلب نجيس!، 4. الارتباط بالأرضيات، 5.
اللَّه مخلصنا منها، 6. كسر السبت.                    

الاصحاح الثامن عشر:
مثل الفخاري

1. إرميا والفخاري
المحب ، 2. الفخاري المؤدب، 3. الرغبة في الخلاص من إرميا.

الاصحاح التاسع عشر:
مثل الإناء الخزفي

1. رسالة أمام شيوخ الشعب
وشيوخ الكهنة، 2. خروجه إلى وادي ابن هنوم، 3. رسالة صريحة عن خطاياهم، 4.
تأديبهم، 5. كسر الإبريق الخزفي، 6. وقوفه في دار بيت الرب.

الاصحاح العشرون:
مقاومة فشحور له

1. إرميا في المقطرة،
2. فشحور المرتعب، 3. نار محرقة في قلب إرميا، 4. مقاومة الناس ومساندة الرب، 5.
تسبحة وسط الآلام، 6. لحظات ضعف بشري.

الاصحاح الحادي
والعشرون: قيادة جاحدة

V الملك صدقيا، 1. الملك صدقيا يطلب مشورة إرميا، 2. إجابة إرميا:
اللَّه نفسه ضد يهوذا، 3. نصيحة: الخضوع للتأديب الإلهي!، 4. الحاجة إلى التوبة  
5. أورشليم تؤله نفسها.  

الاصحاح الثاني
والعشرون: الحاجة الملك إلى التوبة

1. حديث صريح مع
يهوآحاز، 2. اجروا حقًا وعدلاً، 3. لا تبكوا ميتًا، 4. الإعتداد بالذات
(يهوياقيم)، 5. ثمرة العصيان، 6. تحطيم يهوياكين (كنياهو).

الاصحاح الثالث
والعشرون: الرب برنا وراعينا

* نبوات مملوءة رجاءًً،
1. ويل للرعاة الأنانيين، 2. أنا أرعى غنمي، 3. الرب برنا، 4. خروج جديد، 5. نبوات
ضد الأنبياء الكذبة.

V   V   V

 

الاصحاحات 21-33

نبوات ما قبل السقوط

إرميا 21 – إرميا 33

الاصحاح الحادي والعشرون:
قيادة جاحدة

  V الملك صدقيا، 1. الملك صدقيا
يطلب مشورة إرميا، 2.إجابة إرميا: اللَّه نفسه ضد يهوذا، 3. نصيحة: الخضوع للتأديب
الإلهي!،
4. الحاجة إلى التوبة، 5. أورشليم تؤله نفسها.

الاصحاح الثاني
والعشرون: حاجة الملك إلى التوب

1. حديث صريح مع
يهوآحاز، 2. اجروا حقًا وعدلاً، 3. لا تبكوا ميتًا، 4. الاعتداد بالذات (يهوياقيم)،
5. ثمرة العصيان، 6. تحطيم يهوياكين (كنياهو). الاصحاح الثالث والعشرون: الرب
راعينا وبرنا

1. نبوات مملوءة رجاءً،
2. ويل للرعاة الأنانيين، 3. أنا أرعى غنمي، 4. الرب برنا،  5. خروج جديد، نبوات
ضد الأنبياء الكذبة.

الاصحاح الرابع
والعشرون: سلَّتا التين

1. ماذا وراء الرؤيا؟،
2. رؤيا سلَّتي التين، 3. التين الجيد، 4. التين الرديء.

الاصحاح الخامس
والعشرون: كأس خمر السخط

1. تاريخ النبوة، 2.
تأكيد
الدمار، 3. مدة الدمار، 4. ملخص النبوات ضد
الأمم، 5. قضاء الرب  للمسكونة.

V V
V

 

الاصحاحات 26-29

 حوار إرميا
مع الأنبياء الكذبة

الاصحاح السادس
والعشرون: عظة الهيكل ونتائجها

 1. إرميا في دار بيت
الرب، 2. القبض عليه ومحاكمته، 3. صعود الرؤساء إلى
بيت الرب،
4. إرميا يحذرهم من سفك دمه، 5. الرؤساء والشعب ضد الكهنة والأنبياء.

الاصحاح السابع
والعشرون: نيـر بابل

1. تحذير لرسل الملوك
الغرباء، 2. نصيحة لصدقيا الملك، 3. حديث مع الكهنة والشعب.

الاصحاح الثامن
والعشرون: إرميا يقف ضد حننيا

1. كلمات حننيا
الكاذبة، 2. إرميا
يعلق على كلماته، 3.
حننيا يكسر النير الخشبي، 4. اللَّه يقيم نيرًا حديديًا، 5. إرميا يقف ضد حننيا.

الاصحاح التاسع والعشرون:
رسالة إلى
المسبيين

1. رسالة إلى
المسبيين،
2. رسالة إلى
شمعيا، 3. رسالة من
شمعيا إلى صفنيا،4. رسالة إلى
المسبيين.

V V
V

 

الاصحاحات 30-33

سفر تعزيـــة

"العودة وقيام
مملكة يهوذا"

الاصحاح الثلاثون: عودة
مجيدة

 1. مقدمة لسفر
التعزية، 2. كارثة يعقوب وخلاصه، 3. شفاء جراحات صهيون، 4. اصلاح يعقوب، 5. ادراك
مقاصد اللَّه.

الاصحاح الحادى
والثلاثون: العهد الجديد

1. وعود لكل عشائر
شعبه، 2. عودة إسرائيل إلى أرضه، 3. نهاية حزن راحيل، 4. إصلاح إسرائيل ويهوذا، 5.
العهد الجديد، 6. رباط لا ينحل، 7. أورشليم الجديدة.

الاصحاح الثاني
والثلاثون: شراء أرض أثناء السبي

1. شراء الأرض، 2. رد
الفعل للشراء، 3. إجابة اللَّه عليه، 4. أمجاد الإصلاح المسياني.

الاصحاح الثالث
والثلاثون: أورشليم… أنشودة فرح!

1. السماء قابلة
الصلوات، 2. أورشليم الحصينة، 3. أورشليم المتمتعة بالشفاء والسلام، 4. أورشليم
وغفران الخطايا،  5. أورشليم… أنشودة فرح، 6. أورشليم مرعى الراعي الصالح،  7.
أورشليم وكرسي داود، 8. أورشليم والعمل الكهنوتي، 9. الأمانة في  العهد.

الاصحاح الرابع
والثلاثون
: العبودية عوض الحرية

1. رسالة حول مصير
صدقيا، 2. قطع العهد والحنث به، 3. عهد اللَّه معنا وعهودنا مع الناس.

الاصحاح الخامس
والثلاثون: موقف الركابيين الأمناء

1. مقدمة في الركابيين،
2. إرميا يختبر أمانة الركابيين، 3. عدم أمانة الشعب، 4. البقية المقدسة.

الاصحاح السادس
والثلاثون: كلمة الرب لا تفنى

1. كتابة درج السفر، 2.
اعلان عن الصوم، 3. قراءة للرؤساء،  4. حرق الدرج، 5. النسخة الثانية من الدرج.

الاصحاح السابع
والثلاثون: صدقيا يستشير إرميا

1. مُلك صدقيا، 2.
صدقيا يلجأ إلى إرميا، 3. رفع الحصار، 4. نبوته عن استئناف الحصار، 5. القبض على
إرميا، 6. طرحه في الجب، 7. إطلاق إرميا، 8. إرميا يطلب رحمة.

الاصحاح الثامن
والثلاثون: إرميا في الجب

1. المطالبة بقتل
إرميا، 2. القاء إرميا في السجن، 3. عبدملك الكوشي ينقذ إرميا، 4. لقاء سري مع
الملك، 5. نبوة عن رحمةٍ مشروطةٍ، 6. صدقيا يخشى الرؤساء، 7. بقاء إرميا في الحبس.

الاصحاح التاسع
والثلاثون: سقوط أورشليم في السبي

1. سقوط المدينة، 2.
أسر صدقيا، 3. سبي الشعب، 4. العناية بإرميا، 5. رسالة إلى عبدملك.

V V
V

 

الاصحاحات 40-45

خبرات إرميا ونبواته

بعد خراب أورشليم

الاصحاح الأربعون:
إرميا مع جدليا في أورشليم

1. قرار إرميا، 2.
جدليا الحاكم، 3. الكشف عن مؤامرة ملك بني عمون.

الاصحاح الحادى
والأربعون: اغتيال جدليا وإلى أورشليم

1. مصرع جدليا، 2.
فظائع أخرى، 3. سبي البقية واطلاق سراحها.

الاصحاح الثاني
والأربعون: قد خدعتم أنفسكم!

1. طلب مشورة اللَّه،
2. إرميا يسأل اللَّه، 3. إلىهود يعدون بالطاعة، 4. الرسالة الإلهية: بركة 
مشروطة، 5. لعنة العصيان.

الاصحاح الثالث
والأربعون: حمل إرميا إلى مصر قسرًا

1. الذهاب إلى مصر، 2.
التنبوء بغزو مصر.

الاصحاح الرابع
والأربعون: نبواته في مصر        

1. موجز الأحداث، 2.
التنديد والمحاكمة، 3. الرد المخزي للبقية،  4. رسالة إرميا الأخيرة.

الاصحاح الخامس
والأربعون: حديث معزي مع باروخ

1. تاريخ الحديث، 2.
حالة احباط، 3. رسالة رجاء.

V V
V

 

إر 46-51

نبوات عن الأمم

نبوات عن الأمم

نبوات عن مصر

في الجنوب

ص 46.

نبوات عن فلسطين

في الغرب

47 :1-7.

نبوات عن صور وصيدا

في شمال غرب

47 :4.

نبوات عن موآب

في جنوب شرق

ص 48.

نبوات عن عمون

في الشرق

ص 49 :1-6.

نبوات عن أدوم

في جنوب شرق

ص 49 :7-22.

نبوات عن سوريا

في الشمال

ص 49 :23- ص 27

نبوات عن قيدار

في الشمال

ص 49 :28-33.

نبوات عن حاصور

في الشمال

ص 49 :28-33.

نبوات عن عيلام

في شمال شرق

ص 49 :34-39.

نبوات عن بابل

في شمال شرق

ص 50، 51.

 

الاصحاح السادس
والأربعون: ارتعاب مصر الوثنية

1. دعوة إلى معركة، 2.
ارتعاب مصر، 3. كبرياء مصر، 4. يوم للسيد الرب، 5. سقوط مصر، 6. قضاء مصر، 7. سبي
وخراب، 8. تعمير مصر، 9. إصلاح إسرائيل الجديد.

الاصحاح السابع
والأربعون: سيف الرب على الفلسطينيين  الوثنيين والقوات المتحالفة معهم

1. نبوات ضد
الفلسطينيين، 2. نبوات ضد صور وصيدا.

الاصحاح الثامن
والأربعون: نبوات ضد موآب

1. اللَّه الحيّ ضد
كموش، 2. دعوة للهروب، 3. خراب موآب، 4. حيثيات الحكم، 5. مرثاة على موآب، 6.
الغزو البابلي، 7. هروب موآب، 8. إصلاح موآب.

الاصحاح التاسع
والأربعون: نبوات ضد الأمم

1. بنو عمون البنت
المرتدة، 2. ادوم المتشامخ، 3. سوريا الهاربة المرتعدة، 4. قيدار فاقدة الخيام، 5.
حاصور مسكن بنت آوي، 6. عيلام صاحب القوس المنكسر.

الاصحاح الخمسون: سقطت،
سقطت أساسات
بابل!!

1. الغزو الفارسي، 2.
تجميع إسرائيل، 3. الغزو، 4. عودة إسرائيل، 5. قضاء على بابل، 6. ضيق مشترك، 7.
قضاء عاجل، 8. قضاء مستقبلي، 9. غزو عاجل.

الاصحاح الحادي
والخمسون: اهربوا من بابل!      

1. ريح مهلكة، 2.
اللَّه لن ينسى شعبه، 3. اهربوا من وسط بابل، 4. بابل كأس ذهب، 5. جراحات لا
تُشفي، 6. نصيب يعقوب، 7. عصا الرب للتأديب، 8. حرمان من حجر الزاوية، 9. جاء وقت
الحصاد، 10. شكوى إسرائيل، 11. اللَّه ينتقم لشعبه، 12. اخرجوا من وسطها، 13.
الحكم، 14. أمر بالعودة إلى المقادس، 15. نهاية السبي البابلي، 16. قراءة النبوات
في بابل، 17. سقوط بابل.         

الاصحاح الثاني
والخمسون: سبي يهوذا

تمرد يهوذا، 2. سقوط
أورشليم، 3. محاكمة صدقيا، 4. خراب أورشليم، 5. السبي النهائي ليهوذا، 6. ترك
بقية، 7. الاستيلاء على غنى الهيكل، 8. قتل الكهنة والرؤساء، 9. الترحيلات الثلاث،
10. الأيام الأخيرة ليهوياكين.

 

من وحي إرميا

 

لست واحدًا من بين
البلايين!

عجيب أنت حتي في دعوى
الخصومة!

ارجعي أيتها العروس إلى
القدوس!

لتعكس جمالك عليّ!      

تأديباتك أعذب من تملق
المخادعين!

حوّل رصاصي إلى فضة!

حوّل مرثاتي إلى فرح!

بشريعتك أتلذذ‍‍‍! ‍‍

هب لي يا رب دموعًا
مقدسة ‍‍‍‍

من يروي ظمأ نفسي

عوض لعنة الناموس دخلت
بي إلى حضن أبيك!     

لماذا تنجح طريق
الأشرار؟

لاختفي فيك يا صخرة
حياتي! لأسكر بخمر روحك القدوس!

إنك لا تُسر بجفاف
بريتي!

اذكرني، تعهدني، خلصني
من العدو!

دنسوا أرضي!

فى التراب سُجل اسمي،
لتسجله على كفك يا إلهي!

خذني إلى بيتك أيتها
الفخاري!     

دشّن مسكنك فيّ! لقد
جعلته غريبًا عنك!

اسمك نار فى قلبي،
محصورة فى عظامي

لأسمع صوتك فأحيا!

ويحي! كاد أن يضيع
الملك مني!

ليمُت صدقيا القديم!
وليحيا صدقيا الجديد!

احسبني تينًا جيدًا
أيها الخبز الحي

نفسي مرة من كأس السخط
يا إله كل الشعوب

لأسمع صوت إرميا فى
بيتك الداخلي        

خطيتي تدفعني تحت نير
بابل! حبك يجذبني نحو نير الصليب! 

نيرك أعذب من الكلمات
الناعمة!

اسندني في أرض السبي

ردني من السبي، وارجعنى
إلى أرض البر.

محبة أبدية أحببتك.

وعودك تتحدى الزمن!

لتقم فى داخلي مدينتك
المتهللة     

هب لي روح الحرية!     

أيها الأمين هب لي روح
الأمانة

كلماتك نار آكلة!

ليتني لا أدخل بكلمتك
إلى الجب، بل تحملني هي إلى سمواتك!

اطلقني من الجب السفلي!

في ملء الزمان .

بحبك حررتني من قيودي!
وبحبك أشتهي أن أقيد مع إخوتى!

من ينزع عني روح
الحسد؟!

قُد حياتي، فلا أخدع
نفسي!

هب لي أن أحتمي فيك، لا
فى مدينة فرعون الحصينة!

انزع عني كل تحٍد مهلك
.

ما أعذب تعزياتك لي وسط
أتعاب الخدمة .

حوّل أممي الداخلية إلى
مقادسٍ لك .

من ينقذني من سيول
خطاياي الجارفة؟!     

إلى أين أهرب من وجهك
يا رب؟!

لا تتركني إلي النهاية!    

لتزعزغ أساسات بابل!    

لتلقِ ببابلي في نهر
النسيان!



[1] In Jer. hom. 1:4.

[2] New Westminster Dict. of the Bible, p. 457.

[3] NIV Bible Study, p. 1115.

[4] John Bright: The Anchor
Bible, Jeremiah, 1986 p. XXXVI.

[5] Boyd’s Bible Handbook, 1983,
p. 286.

6 John Guest: The Communicator’s Commentary, Jeremiah, Lamentations,
1986, p.18.

7 Unger’s Survey of the Bible, 1981, p. 191.

8 Interpreter’s Concise Commentary, vol. 4 The major Prophets, 1983, p.
18.

9 Peak’s Comm. On the Bible, London 1920, p. 475.

[10] Collegeville Bible Comm.,
1989, p. 453.

11Henerietta Mears: What the Bible is all about, 1987, p. 198.

12 Hallay’s Bible Handbook, 1992, p. 309.

[13] William Holladay: Jeremiah
1,
Philadelphia 1986, p. 4.

14 In Jer. hom 1:1.

[15] Ibid 1:3.

16 See A New Catholic Comm., p. 602.

[17] Collegeville, p. 456-7.

[18] Ibid., 454.

[19] Boyd’s Bible Handbook, p.
286.

[20] Cf. J.A. Thompson: The Book
of Jeremiah,
Michigan 1981, p. 81f. (New International Comm. on the NT.)

[21] J. Muilenburg: A Study in
Hebrew Rhetoric: Repetition and Style, VI, Supplement I,
Copenhagen 1953, p. 98 f.

 

[22] Lundbom: Patterns of Poetic
Balance in the Book of Jeremiah,
Chicago 1967, p. 69 (Research).

[23] يرى بعض الدارسين أن النبي يتحدث في هذه الأصحاحات عن غزو السكيثيين
ليهوذا، بينما يرى آخرون أنه يتحدث عن الكلدانيين.

 [24]Robert Davidson: Jeremiah,
vol 1,
Philadelphia 1983, 21-23.

[25] R.E.
Clements: Jeremiah,
Atlanta 1988, p.73.

[26] Ibid
73-75.

[27]   يرى Keil أنه ليس من الضرورى أن يكون من
دمٍ ملوكي، فقد يكون أحد الأشراف الملكيين، أي من طبقة الأشراف الذين كانوا في
خدمة الملك
(Keil,
p. 131.)
.

[28]   Derek Kidner: The Message
of Jeremiah,
Illinois  1990, p. 137.

[29]   In Num. Hom. 11:14.

[30]   On Ps. 83.

[31]   Derek Kidner: The Message
of Jeremiah,
Illinois  1990, p. 137.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ط طغى طغاة ة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي