الاصحاح
الرابع والثلاثون

 

العبودية عوض الحرية

 

تمت أحداث هذا الاصحاح في الأيام الأخيرة من مملكة يهوذا،
أثناء حصار الكلدانيين لأورشليم، حيث كان إرميا النبي في السجن، أو ربما قبل دخوله
السجن. تكشف أحداثه عن شخصية الملك صدقيا المترددة، تارة يستيقظ ضميره فيسأل النبي
ليتعرف على إرادة اللَّه، وأخرى يترك الحبل على الغارب لرجاله يتممون مشورتهم
المقاومة لإرادة اللَّه. تارة يعمل كل جهده على حفظ شريعة العتق من العبودية أو
حفظ السنة السبتية، وأخرى يترك الكل يكسرونها بكل استهتارٍ.

1.رسالة حول مصير صدقيا                  1-7.

2. قطع العهد والحنث به                     8-11.

3. عهد اللَّه معنا وعهودنا مع الناس       12-19.

 

1. رسالة حول مصير صدقيا

يصف هذا الاصحاح المراحل الأولى للهجوم النهائي على أورشليم،
حيث تبدأ نهاية يهوذا، كما يظهر موقف صدقيا الميؤس منه
[i].

يبدو أن صدقيا الملك كان في صراع بين احترامه لإرميا بإخلاص،
إذ غالبًا ما كان يطلب مشورته، لكن في غير استقامة أمام الرب، إذ كان يعصى كلمة
الرب التي كان إرميا يبلغه إيَّاها.

كان جيش نبوخذ نصر، المكوَّن من الكلدانيين والكتائب التابعة
من كل  "ممالك أراضى سلطان يده" محاصرًا أورشليم، حين صدر الأمر
الإلهى إلى إرميا النبي أن يذهب إلى الملك يخبره بانهيار المدينة وحرقها، وسقوط
الملك أسيرًا. لكن لما كان في حياة صدقيا شيئًا من الخير كتوقيره لإرميا فقد أعلن
له الرب أنه لا يموت بالسيف بل موتًا عاديًا بسلام، وعند موته ُتقام إجراءات
التكريم العادية التي ُتقام لدى موت الملوك، إذ يُحتفي بموته بحرق البخور في
احتفالٍ مهيبٍ كما كان لأجداده في الوطن (2أي14:16؛ 19:21). إذ قيل عن آسا:
"واضجعوه في سرير كان مملوءًا أطيابًا وأصنافًا عطرة حسب صناعة العطارة،
واحرقوا له حريقة عظيمة جدًا" (2أي14:16)؛ بينما قيل عن يهورام: "مات
بأمراضٍ ردية ولم يعمل له شعبه حريقة كحريقة أبيه… وذهب غير مأسوف عليه"
(2أي19:21).

"الكلمة التي صارت إلى إرميا من قبل الرب حين كان نبوخذ
نصر ملك بابل  وكل جيشه وكل ممالك أراضي سلطان يده وكل الشعوب يحاربون أورشليم وكل
مدنها قائلة:

هكذا قال الرب إله إسرائيل:

اذهب وكلم صدقيا ملك يهوذا وقل له

هكذا قال الرب:

هأنذا أدفع هذه المدينة ليد ملك بابل فيحرقها بالنار.

وأنت لا تفلت من يده بل تُمسك إمساكًا وتُدفع ليده وترى
عيناك عيني ملك بابل وتكلمه فمًا لفم وتذهب إلى بابل.

ولكن اسمع كلمة الرب يا صدقيا ملك يهوذا.

هكذا قال الرب من جهتك:

لا تموت بالسيف.

بسلام تموت وبإحراق آبائك الملوك الأولين الذين كانوا قبلك
هكذا يحرقون لك ويندبونك قائلين: آه يا سيد.

لأني أنا تكلمت بالكلمة يقول الرب.

فكلم إرميا النبي صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام في
أورشليم.

إذ كان جيش ملك بابل يحارب أورشليم وكل مدن يهوذا الباقية
لخيش وعزيقة، لأن هاتين بقيتا في مدن يهوذا مدينتين حصينتين
"
ع1-7.

كان نبوخذ نصر قد فاز بالنصر في كل موضع تقريبًا فيما عدا
أورشليم العاصمة، ومدينتان من مدن يهوذا هما لخيش وعزيقة، وكلاهما جنوب أورشليم.
وكانتا محاصرتين، وقد انقطع كل أملٍ في استمرارهما صامدتين.

لخيش[ii]
(تل الدوير):
مدينة حصينة في سهل يهوذا (يش33:15،39) أُشير إليها في رسائل
تل العمارنة، تبعد حوالي 30 ميلاً جنوب غربى أورشليم، وخمسة أميال جنوب غربى بيت
جبرين. من أكبر مدن يهوذا القديمة، تبلغ مساحتها حوالي 18 فدانًا.

          ذات موقع استراتيجى في غاية الأهمية، إذ كانت
تهيمن على الطريق القديم من المرتفعات الفلسطينية إلى وادى النيل. كانت آهلة
بالسكان قبل أيام إبراهيم.

سقطت في يد يشوع الذي قتل ملكها يافيع (يش10:3).

حصنها الملك رحبعام (2 أى 11 : 9)، وبنى حولها سورا مزدوجا
تسندة ابراج منيعه. واليها هرب امصيا ملك يهوذا من وجه الثائرين ضده من اورشليم،
وهناك قتلة الثائرون (2 مل 14 : 19 ، 2 أى 15 : 27).

من بين الآثار في شكل نقوش على ألواح حجرية التي أُكتشفت في
قصر سنحاريب بنينوى رويت قصة هجوم الملك سنحاريب على لخيش، ونسمع عن الإمبراطور
الأشورى كيف يفتخر أنه اصطاد حزقيا كطائرٍ.

خربت المدينة بواسطة نبوخذ نصر مرتين، الأولى عام 598 ق.م
عندما حُمل يهوياقين وسكان أورشليم إلى السبي، والثانية عام 587 ق.م عندما حُرقت
المدينة بالنار وتحولت إلى رماد. لكنها صارت آهلة بالسكان بعد السبى (نح30:11).

يقول عنها ميخا النبي: "شدى المركبة بالجواد يا ساكنة
لخيش، هى أول خطية لابنة صهيون، لأن فيكٍ وُجدت ذنوب إسرائيل" (مي13:1).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر المكابيين الأول 02

          كشفت الحفريات التي أُجريت في أطلال لخيش في سنة
1935 عن بعض الرسائل المكتوبة باللغة العبرية تعود إلى زمن إرميا، يُستدل
من هذه الرسائل أن جيش الكلدانيين كان يتقدم للاستيلاء على مدن يهوذا في أواخر حكم
صدقيا.

كشفت رسائل لخيش هذه عن حالها في ذلك الحين، فقد وجدت 21
رسالة مكتوبة على قطع من الخزف المكسور وذلك في حجرة مملؤة رمادًا من نار دمرت
المدينة عام 587، تحمل رسائل عاجلة من قادة الجيش للقائد
Garrison  في
لخيش، قام
W.F. Albright بترجمتها. جاء في الرسالة الرابعة على وجه الخصوص الكلمات:
"ليعلم سيدي اننا نترقب العلامات
(signals) التي للخيش حسب كل المشيرات التي اعطانا إياها سيدي، لأننا لا
نقدر أن نرى عزيقة". يبدو أن عزيقة كانت قد سقطت. فإن كان الأمر هكذا فواضح
ان هذه الرسالة قد كتبت مباشرة بعدما تكلم أرميا بهذه الكلمات الواردة في هذا
الاصحاح[iii].

          وفي رسالة لخيش الثالثة نجد إشارة إلى زيارة كونيا
بن الناثان أحد قادة الجيش إلى مصر[iv]،
طالبًا عون فرعون.

عزيقة[v]: اسم عبرى
يعنى "الأرض التي تُعزق". وهى مدينة في الأرض المنخفضة بجوار سوكوه
(1صم1:17)، كانت من نصيب يهوذا (يش 35:15)، عسكر بجوارها جليات الجبار وجنوده
الفلسطينيون (1صم1:17).

قام رحبعام بتحصينها (2أي9:11)، وحاصرها بنوخذناصر (إر7:34).
عاد إليها اليهود بعد السبى (نح30:11).

في موقعها حاليًا تل زكريا؛ وقد ذُكرت في رسائل لخيش حيث سجلت
هجوم البابليين على يهوذا أيام نبوخذ نصر.

 

2. قطع العهد والحنث به

 "الكلمة التي صارت إلى إرميا من قبل الرب بعد قطع
الملك صدقيا عهدًا مع كل الشعب الذي في أورشليم لينادوا بالعتق.

أن يطلق كل واحدٍ عبده وكل واحد أمته العبرإني والعبرانية
حرين حتى لا يستعبدهما
أي أخويه
اليهوديين أحد.

فلما سمع كل الرؤساء وكل الشعب الذين دخلوا في العهد أن
يطلقوا كل واحدٍ عبده وكل واحدٍ أمته حرين ولا يستعبدوهما بعد أطاعوا وأطلقوا.

ولكنهم عادوا بعد ذلك فأرجعوا العبيد والإماء الذين أطلقوهم
أحرارًا وأخضعوهم عبيدًا وإماءً"
ع8-11.

اقترب الكلدانيون الى اورشليم لمحاصرتها، فارتعب الملك وارسل
الى ارميا يسألة ان كان عندة كلمة تعزية من قبل الله (ار 21)، فجاءت الاجابة ان
يخضع لبابل. وفى ايام الحصار، وقد ادرك الخوف جميع الناس، ورقت نفوسهم الصلبة،
قامت حركة لاتمام وصية قديمة فى الناموس اهملت لمدة طويلة اى عتق العبيد اليهود،
ولعل الحكومة ارجأت اشراك هؤلاء العبيد فى اعمال الدفاع، قامت بحركة العتق
لارضائهم.

حثّ صدقيا السادة على القسم في بيت الرب في احتفال ديني رسمي
بعتق العبيد ظنا ان اللَّه يتأثر بعمل الخير هذا ويرفع الحصار عن العاصمة. أكثر
هؤلاء العبيد قد استعبدوا لعدم مقدرتهم على دفع الديون، فكان عتقهم بمثابة تجاوز
عن ديونهم. ربما كان صدقيا مخلصًا بحق مشتاقًا أن يحفظ الناموس لكنه كان ضعيف
الشخصية، فإذ وجد الفرصة سانحة لذلك لم يكن يتركها، فسمع له السادة وكل الشعب حين
كانوا في ضيقة، وإذ رُفعت الضيقة ضغط عليه السادة فانهار في قراره وحنث بقسمه. لقد
اهتم بما للناس لا بما للَّه.

فجأة انسحبت جيوش بابل عن أورشليم لأن خفرع فرعون مصر قد خرج
بجيشه واقترب من العاصمة، ربما في نهاية ربيع أو بداية صيف عام 588 ق.م، جاء
ليحارب بابل. إذ أراد البابليون إعادة تنظيم قواتهم والاهتمام بمهاجمة المصريين
المتقدمين نحوهم، ففرح الناس وحسبوا ذلك دليل رضا اللَّه، ولكنهم رجعوا حالاً إلى
ما كانوا عليه، إذ الزموا العبيد المتحررين بالعودة إلى العبودية بالقوة وأساؤا
معاملتهم، ظن مالكوا العبيد أن الخطر قد زال فنقضوا وعودهم السابقة الخاصة بتحرير
العبيد، فأرجعوهم للخدمة بالقوة. هذا الحنث بالقسم مخالف للناموس (تث12:15)،
فصاروا مخالفين للناموس ومدنسين لإسم اللَّه الذي حلفوا به. هذا وان ظروف العبيد
كانت نتاج القرن السابق حيث كانت مظالمه الاجتماعية محل هجوم عنيف من عاموس وهوشع
وإشعياء وميخا. فراح إرميا يلذعهم بصارم القول، كما في ص13:34-22،37: 7-10. إن
الكارثة لابد من وقوعها، إذ لم ير اللَّه فيهم توبة حقيقية.

          ربما تعهد السادة أمام اللَّه وفي بيته بتحرير
العبيد، ليس ترفقًا بهم ولا طاعة للوصية الكتابية ولا مراضاة للَّه، وإنما لأن
أورشليم كانت محاصرة والحقول المحيطة بها قد صارت معسكرًا للأعداء. فلم يكن للعبيد
عملاً، ولا حاجة إليهم، إذ صاروا عبئًا على سادتهم الذين يلتزمون بتقديم طعامٍ لهم
دون أن يمارسوا أعمالهم الزراعية ورعاية الأغنام… أما وقد فك الحصار امتلأ
السادة رجاءً أنهم يتسلمون حقولهم؛ وصاروا في حاجة إلى العبيد ليمارسوا عملاً
مضاعفًا لإصلاح الحقول التي أفسدها الأعداء، لهذا تجاهلوا ما تعهدوا به أمام اللَّه
والزموا العبيد بالعودة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تَيْما و تيماء ء

يحذر إرميا النبي شعبه من كسر العهد الذي تعهدوا به بقسمٍ
أمام الرب وفي بيته لعتق العبودية، حاسبًا هذا نقضًا للعهد مع اللَّه نفسه وليس مع
العبيد، وإهانة لاسم الرب الذي حلفوا به، ونقضوا شريعته المملؤة حبًا نحو الضعفاء.
ما فعله إرميا يفعله حزقيال النبي، مذكرًا إياهم بخطورة الحنث بالقسم وذلك عندما
تعهد مع ملك بابل وحنث بوعده.

"قولوا للبيت المتمرد: أما علمتم ما هذه؟!…

لتكون المملكة حقيرة ولا ترتفع، لتحفظ العهد فتثبت…

فهل تنجح؟! هل يفلت فاعل هذا؟! أو ينقض عهدًا ويفلت؟!

حي أنا يقول السيد الرب إن في موضع الملك الذي ملكه الذي
ازدرى قسمه ونقض عهده فعنده في وسط بابل يموت…

إذ ازدرى القسم لنقض العهد، وهوذا قد أعطى يده وفعل هذا كله
فلا يفلت.

لأجل ذلك هكذا قال السيد الرب: حي أنا إن قسمي الذي ازدراه
وعهدي الذي نقضه أردُّهما على رأسه، وأبسط شبكتي عليه فيؤخذ في شركي وآتي به إلى
بابل وأحاكمه هناك على خيانته التي خانني بها، وكل هاربيه وكل جيوشه يسقطون بالسيف
والباقون يُذرُّون في كل ريح، فتعلمون إني أنا الرب تكلمت" (حز11:17-21).

 

3. عهد اللَّه معنا وعهودنا مع الناس

"فصارت كلمة الرب إلى إرميا من قبل الرب قائلة:

هكذا قال الرب إله إسرائيل.

أنا قطعت عهدًا مع آبائكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من بيت
العبيد قائلاً:

في نهاية سبع سنين تطلقون كل واحد أخاه العبرإني الذي بيع لك
وخدمك ست سنين فتطلقه حرًا من عندك.

ولكن لم يسمع آباؤكم لي ولا أمالوا أذنهم.

وقد رجعتم أنتم اليوم وفعلتم ما هو مستقيم في عينيَّ منادين
بالعتق كل واحدٍ إلى صاحبه وقطعتم عهدًا أمامى في البيت الذي دعي باسمي.

ثم عدتم ودنستم اسمي وأرجعتم كل واحدٍ عبده وكل واحد أمته
الذين أطلقتموهم أحرارًا لأنفسهم وأخضعتموهم ليكونوا لكم عبيدًا وإماءً.

لذلك هكذا قال الرب:

أنتم لم تسمعوا لي لتنادوا بالعتق كل واحدٍ إلى أخيه وكل
واحدٍ إلى صاحبه.

هأنذا أنادي لكم بالعتق يقول الرب للسيف والوبأ والجوع،

وأجعلكم قلقًا لكل ممالك الأرض.

وأدفع الناس الذين تعدوا عهدي الذين لم يقيموا كلام العهد
الذي قطعوه أمامي.

العجل الذي قطعوه إلى اثنين وجازوا بين قطعتيه.

رؤساء يهوذا ورؤساء أورشليم الخصيان والكهنة وكل شعب الأرض
الذين جازوا بين قطعتي العجل.

أدفعهم ليد أعدائهم وليد طالبي نفوسهم، فتكون جثثهم أكلاً
لطيور السماء ووحوش الأرض.

وأدفع صدقيا ملك يهوذا ورؤساءه ليد أعدائهم وليد طالبي نفوسهم
وليد جيش ملك بابل الذين صعدوا عنكم.

هأنذا آمر يقول الرب وأردهم إلى هذه المدينة،

فيحاربونها ويأخذونها ويحرقونها بالنار،

وأجعل مدن يهوذا خربة بلا ساكن" ع12-22.

في  عدد 15 يوضح أن
التعهد بالاطلاق تم في بيت الرب تحت اشراف السلطات الدينية المختصة. لذلك فالحنث
به تحدى للناموس السماوي (خر7:20).

العجل الذي قطعوه إلى اثنين هنا ع18 يشير إلى الطريق
البابلية القديمة في المصادقة على العهد (تك9:15،17) بما يوحي بأن أولئك الذين
نكثوا الاتفاق عليهم أن يتوقعوا نفس مصير الحيوان الذبيح. عندما قطع اللَّه عهدًا
مع أبرام قال له: "خذ لي عجلة ثلاثية، وعنزة ثلاثية، وكبشًا ثلاثيًا ويمامة
وحمامة" (تك9:15). "أخذها أبرام وشقها من الوسط وجعل شق كل واحدٍ مقابل
صاحبه، وأما الطير فلم يشقه" (تك10:15). ولما رتَّب كل قطعة كما يجب، أخذ
يحرسها، ويطرد الطيور النجسة التي كانت تنزل لتلتهمها. إذ سلك أبرام بالإيمان وعاش
أمينًا للعهد مع اللَّه لم يسمح للطيور النجسة أن تنزل لتلتهم الذبيحة. أما هنا
فقد إجتازوا بين قطعتي العجل معلنين التزامهم بقسم إلهي أن ينفذوا وعدهم بتحرير
العبيد، لكنهم حنثوا بالعهد، فصارت جثثهم مأكلاً لطيور السماء ووحوش البرية. إنهم
ليسوا أبناء إبراهيم حافظ العهد مع اللَّه!

لم يتشبهوا بإبراهيم الذي قدَّم الآتي:

ا. عجلة ثلاثية: تشير إلى السيد المسيح الذي جاء كعبدٍ باذلٍ
لحساب الغير.

ب. عنزة ثلاثية: صار خطية (مت25) ليحمل خطايانا.

ج. كبشًا ثلاثيًا: ذبيحة ملء أو قدم حياته مكرسة لأجلنا.

د.الحمامة واليمامة: إشارة إلى البساطة والعفة مع الحياة
السماوية.

بمعنى آخر قدَّم إبراهيم رمزًا لذبيحة السيد المسيح الذي بذل
ذاته عنا، حاملاً خطايانا، ومكرسًا ذاته لأجل مجدنا، رافعًا إيَّانا بحبه وطهارته
إلى سمواته
[vi].

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر عزرا 07

بينما يقدس اللَّه الحرية الإنسانية ينكر الإنسان حرية أخيه
الشخصية. لقد حدد اللَّه فترة العبودية بست سنوات خدمة في ناموس موسى (خر2:21؛
تث1:15،2) ويتم العتق في السنة السابعة، سنة الحرية أو العتق. ما يذكره إرميا
النبي هنا ليس الغاء العبودية، بل نهى اليهودي فقط عن أن يستعبد مواطنه اليهودي
بحالةٍ دائمةٍ. وبولس الرسول لم يمنع العبودية في أيامه، بل حرَّض السادة على أن
يعاملوا عبيدهم بالعدل والإنصاف، وحرَّض العبيد على أن يتحملوا بالصبر. ولا يطلبوا
تحريرهم بدون قيد أو شرط، لكن فيما بعد جاء وقت شعر فيه المسيحيون أن مبدأ المحبة
للآخرين لم يعد يسمح باستعباد الآخرين. فأُلغيت العبودية في البلدان المسيحية.

يحث الكتاب المقدس المؤمنين على محبة اللَّه ومحبة الآخرين.
هذا المبدأ يعمل من تلقاء نفسه ويؤثر تأثيرًا فعالاً في كل قوانين الهيئة
الاجتماعية رويدًا رويدًا ومنها  نظام العبودية.

لقد تحقق هذا التهديد: "واجعل مدن يهوذا خربة بلا
ساكن
" ع22، إذ تشهد أبحاث علم الآثار في السنوات الأخيرة على هذا الخراب.
يقول
F. Albright

[خُربت مدن كثيرة في بدء القرن السادس ق.م ولم تعد فيها
حياة.

ومدن أخرى دُمرت لكن عاد إليها العمران نسبيًا في تاريخ لاحق
متأخر إلى حد ما.

وبقيت مدن أخرى دُمرت ولم تعد مسكونة إلاّ بعد فترة طويلة من
هجرها، اتسمت بتغيرٍ حادٍ في تطورها وحملت المؤشرات العارضة عن استخدامها في أغراض
لا تخص المدينة.

لا نعرف حالة واحدة عن مدينة من مدن يهوذا المعروفة استمرت
آهلة بالسكان خلال فترة السبي[vii].]

 

من وحي إرميا 34

هب لي روح الحرية!

 

أنت هو الحُر الحقيقي،

   والد الحرية،

   وباعث روح الحرية!

قدمتَ لخليقتك العاقلة روح الحرية،

   لكنني أسأت استعمالها!

   في كمال حريتي عصيتك،

   فصرت عبدًا للعصيان،

   وذليلاً للشهوات!

   فقدت كمال حريتي بك أيها الحُر الحقيقي!

تشتاق أن يعمل روحك فيّ،

   روح الحرية الذي يرفعني فوق كل مذلةٍ وعبوديةٍ،

   يهبني لا أن أعيش حُرًا حقيقيًا فحسب،

   بل أَبذل كل حياتي ليعيش الكل حرًا!

   من ذاق الحرية الحقيقية لا يحتمل أن يرى كائنًا في مذلة
العبودية!

أقسم الملك صدقيا وكل رجاله وشعبه في ضيقتهم المرة،

   وتعهدوا في بيتك أن يحرروا العبيد!

   لكن ما أن رفعت الضيق عنهم،

   حتى حنثوا بالعهد معك،

   واستخدموا كل وسيلة بشرية لإذلال إخوتهم!

   نسوا أنهم العبيد رفقاؤهم!

   فقدوا روح الحرية… فانسحبت قلوبهم إلى العنف!

أرادوا لإخوتهم المذلة،

   فسقطوا تحت الغضب الإلهي!

   فقدوا حريتهم وانهاروا مع العبيد تحت السيف والسبي‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

   لم يترفقوا باخوتهم ففقدوا الترفق والحنان!‍‍‍‍‍  

ليعمل روحك القدوس فيّ،

          فيهبني التحرر من الذات كما من الشهوات،

          ليرفعني إلى الحب الإلهي ويحملني إلى إتساع القلب
السماوي!

          نعم لاختبر الحرية الداخلية،

          فتنفتح أعماقي ببذل الذات لأجل كل خليقة!

          حررني فاشتهي حرية المسكونة كلها!

          نعم اجعلني أتمثَّل بك يا واهب الحرية!

طالبت شعبك أن يحرروا العبيد في السنة السبتية،

          فيفرح الكل: السادة والعبيد،

          ويدرك الكل أنهم إخوة متساوون!

          يفرحون معًا، وتفرح أنت بهم!

          حوّل كل حياتي إلى سنة سبتية، إلى عيدٍ غير منقطع!

          أطلب تحرير كل أخوتي كما ضعفي،

  نعيش كلنا أحرارًا يا واهب الحرية!

          نفرح جميعًا إذ نختبر جدة الحياة المقدسة الفائقة.

          وتفرح أنت بنا.

          نعم ليأت اليوم الأخير لتحيا خليقتك المتحررة معك إلى
الأبد!



[i]   R.K. Harrison: Jeremiah and Lamentations,  Illinios
1973, p.145.

[ii]   New Westminster Dict. of the Bible, 1969, p. 546;
Unger’s Bible Dict., 1966,p. 639.

[iii]   Thompson: Jeremiah, p.608.

[iv]   See J. Bright: A History of Israel, p. 329; M.Noth:
The History of Israel, p. 284.

[v]   Westminster Dict of the Bible, p 81; Unger’s Bible
Dict. , p. 111.

 [vi]
قدَّمنا
تفسيرًا آخر للأصحاح الخامس عشر في كتاب: "التكوين".

[vii]   Thompson, p. 613; W.F. Albright: Archiology of Palestine,
1960,  p. 160.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي