تَفْسِير
سِفْرُ التَّكْوِينِ

 

إسم السفر:

سفر التكوين Genesis

الاختصار: تك = GE

سفر التكوين هو أول الأسفار الخمسة التي كتبها موسى (أوّل أسفار
البنتاتوكس) بوحي من الروح القدس. والتكوين معناه "في البدء" وهو القصة
الوحيدة الدقيقة للخليقة والتاريخ القديم للبشرية.

دعي في العبرية "برشيث"، أي في البدء، وهي الكلمة الأولى
في السفر.

واسم التكوين جاء نقلاً عن اسمه في الترجمة السبيعينة (Genesis) ومعناه البدايات، لأنه يتكلم
عن أصل تكوين جميع الكائنات ثم مبادئ التاريخ البشرى.

والتكوين جزء من خمسة أسفار موسى التي تسمى "التوراة" (تث
31: 9 و11، مت 12: 5).

 

وهى الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس (التكوين-التثنية). وكان
اليهود يطلقون عليها "خمسة أخماس الشريعة". وتستخدم أيضاً كلمة
"التوراة" –أصلاً- للدلالة على هذه الأسفار الخمسة، ولكنها 0كشريعة-
امتدت لتشمل الأقوال النبوية أيضاً (انظر إش 1: 10، 8: 16).

 

كاتب السفر:

موسى النبى

(1)- الرأي التاريخي: يمكننا عرض الرأي –على مدى التاريخ الطويل- عن
تاريخ كتابة سفر التكوين وكاتبه –بإيجاز: فقد كان إجماع اليهود والكنيسة المسيحية
هو أن الكاتب هو موسى كليم الله، إلى أن ظهر ما يسمى "بالنقد العالي" في
القرن التاسع عشر.

 

ونجد أسفار الكتاب المقدس تشهد بصحة كتابة موسى لأسفار التوراة،
فمثلاً في سفر نحميا (8،9) نجد أن السفر الذي قرأ فيه عزرا واللاويون هو "
سفر شريعة موسى" (نح 8:1)، بينما نجد في صلاتهم (نح 9) ملخصاً لتاريخ بني
إسرائيل ابتداء من الخليقة إلى دعوة أبرام، ثم الخروج من مصر والارتحال في سيناء،
وتمردهم في قادش برنيع، مع ذكر عبارة اقتباساً من خر 34: 6 (نح 9: 17)، ومسارهم في
البرية، وغزواتهم في شرقي الأردن، وباقي تاريخهم موجزاً، أي أنهم لخصوا كل ما جاء
في التوراة، ابتداء من سفر التكوين. ويكتسب هذا الشاهد أهمية من اتفاق العلماء
الآن على أن سفري عزرا ونحميا وسفري أخبار الأيام، ترجع إلى القرن الخامس قبل
الميلاد.

 

كما يدعم هذا الرأي الكثير مما جاء في أسفار العهد القديم (انظر
مثلاً يش 1: 7- 9، 23: 6، 1مل 2: 3، 8: 53 و56، عز 7: 6.. الخ). أما بالنسبة
لتاريخ بني إسرائيل، فالأحداث الواردة منه في سفر التكوين، تُستكمل بنفس التتابع
في أسفار الخروج واللاويين والعدد والتثنية. علاوة على وجود هذا التتابع في
الأصحاح التاسع من نحميا، فإننا نجده أيضاً في المزمور التاريخي، وهو المزمور
المائة والخامس. كما أن هوشع النبي يشير بمثل هذه السهولة إلى تاريخ الأمة القديم
في سفر التكوين (هو 12: 3- 4و12) وفي سفر الخروج (هو 12: 13، 13: 4)، وفي اللاويين
(هو 12: 9)، وفي سفر العدد (هو 9: 10)، وفي سفر التثنية (في الإشارة إلى صبويبم
–هو 11: 8). كما يتضح من سائر الأسفار أن سفر التكوين كان جزءاً فلا يتجزأ من
التاريخ المقدس الباكر لإسرائيل.

 

و نقرأ في العهد الجديد أن المسيح "ابتدأ من موسى وجميع
الأنبياء، يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو 24: 27). فمن
الواضح أن الرب يسوع أقر بأن موسى هو كاتب أول أسفار الكتاب المقدس، بل إنه أطلق
على العهد القديم اسم "موسى والأنبياء" (لو 16: 19 و31، ارجع أيضاً إلى
يو 5: 46 و47، مت 5: 17، لو 24: 44). كما أن الرسول بولس استخدم نفس هذه العبارة
(أع 26: 22، 28: 23) وفي نفس الوقت أشار الرب يسوع المسيح إلى الكثير من فصول سفر
التكوين باعتبارها جزءاً من الأسفار الموحى بها (مت 19: 4-6، 24: 38، لو 17: 32،
يو 7: 22). فمن الواضح أن الرب يسوع والرسل أقروا بكتابة موسى لسفر التكوين. ويؤكد
يوسيفوس المؤرخ اليهودي (حوالي عام 90م.) بقوة هذا الأمر، ولم يُثر أي كاتب من
القدماء أي شك في ذلك.

(2) آراء النقاد: بظهور الحركة العقلانية في ألمانيا حوالي 1800م،
بدأ الشك في كتابة موسى لكل أسفار التوراة الخمسة. ففي بداية الأمر زعموا أن سفر
التكوين يتكون من وثيقتين على أساس أسماء الله المختلفة، فقسم يستخدم لفظه
"إلوهيم" (
E
الله)، وقسم يستخدم لفظه "يهوه" (الرب-
J). فقالوا في أول الأمر أن هاتين الوثيقتين القديمتين قد نسجهما
موسى معاً في وثيقة واحدة هي سفر التكوين، ولكن سرعان ما طبقوا هذه النظرية على
باقي الأسفار الخمسة بناء على هذه الظاهرة. وقالوا إن من قام بإدماج هذه الوثائق
العديدة، عاش بعد موسى بزمن طويل، وهكذا استبعدوا كتابة موسى للتوراة بجملتها.

 

ثم لاحظوا أن الأسلوب العام لأجزاء من الوثيقة التي تستخدم اسم
"إلوهيم" يختلف عنه في الوثيقة التي تستخدم اسم "يهوه"، بينما
في أجزاء أخرى تتشابه تماماً، فقسموا الوثيقة التي تستخدم اسم "إلوهيم"
إلى وثيقتين،
E1، E2 كما فصلوا سفر التثنية باعتباره يشتمل على
كمية كبيرة من مصدر آخر. فأصبحت هناك ثلاث وثائق هي:
E1، E2، D (الحرف الأول من اسم سفر التثنية في اليونانية). وإذ استخدم نقاد
آخرون هذا الأسلوب، قسَّموا التوراة أو بالحري مزقوها إلى أجزاء عديدة.

 

ثم جاء ولها وزن في نحو 1875م. ليضع نظريته التي ظلت قائمة لسنوات
عديدة، حيث قال إن الوثائق الأربعة:
J (يهوه)، E
(إلوهيم)،
D (تثنية)، P (كهنوتية)، يمكن أن يحدد تاريخها بمقارنة الإشارات القانونية
التاريخية، بالتواريخ المعروفة والقوانين التي كانت سارية في تاريخ إسرائيل
قديماً، فإذا أشارت وثيقة إلى تشريعات عصر متأخر، فإنها تكون من عصر متأخر.

 

ولكن من العوامل الناقضة لنظرية ولهاوزن، أن العلماء في ذلك الوقت
كانوا لا يعرفون جيداً تاريخ الشرق الأوسط القديم، ناهيك عن تاريخ بني إسرائيل.
وكثيراً ما كان ولهاوزن يفترض افتراضات، أحداثاً تاريخية مبنية على أساس الفلسفة
الهيجيلية عن التطور التاريخي، والتي كانت الفكرة المسيطرة في زمن ولهاوزن
(1875م). فلا عجب أن نرى ولهاوزن يرسم تقدماً جميلاً متوالياً في الفكر والثقافة،
مبتدئاً ببدايات فجة في تاريخ إسرائيل إلى أن تبلغ أوج ازدهارها في عصر أنبياء
القرن الثامن قبل الميلاد، كان ذلك تعبيراً رائعاً عن إيديولوجية العصر الفكتوري
.

 

وثمة أمران اجتمعا لتحدي نظرية واسم واحد ولهاوزن: أولهما أن الفلسفة
الهيجيلية عن التطور التاريخي، تبعها فلسفة وجودية أكثر تشاؤماً منذ الحرب
العالمية الثانية. وثانيهما أن الأبحاث الأركيولوجية طفرت طفرات واسعة باكتشاف
الكثير من الألواح الفخارية منذ الحرب العالمية الأولى، وبخاصة نتيجة للتنقيب
العلمي في المدن الفلسطينية. فبعد أن كان التاريخ يبدأ باليونان، حتى إن
"هيرودوت" كان يسمى "أبا التاريخ"، فإن التاريخ- في المدارس
الثانوية الآن- يتوغل في الماضي حتى عام 3.000 ق.م. حين بدأ التاريخ المكتوب، وما
زال هناك الكثير مدفوناً في باطن الأرض.

 

والشيء الرائع هو أن هذه الثروة من التاريخ القديم، تتفق اتفاقاً
عجيباً مع ما هو مدون في الكتاب المقدس. فمثلاً اكتشفت الآثار الباقية عن شعب سومر
الذين عاشوا في جنوبي بلاد النهرين، والتي يسميها الكتاب "أرض شنعار"،
والكلمة العبرية "شنعار" هي اللفظ العبري لكلمة "سومر" (تك
10: 10، 11: 2، 14: 1). كما اكتشفت آثار الحورانيين بعاداتهم ولغتهم، ويسميهم
الكتاب "الحوريين". كما اكتشفت مدينة "يوروك" (
URUK) التي هي "أرك" الكتابية، ووجدت
فيها أقدم ألواح مكتوبة (ترجع إلى 3300ق.م.). كما اكتشفت فتوحات "سرجون"
ملك "أكد" العظيم (من 2350ق.م.) ولا يُعلم –حتى الآن- موقع
"أكد"، ولكن "أكد وأرك وبابل" مذكورة جميعها في (تك 10: 10).

 

لقد انبعث من الماضي السحيق ملوك قدماء، وشعوب قديمة، ومدن قديمة،
وثقافات قديمة، ولغات قديمة، بعد أن كان قد طواها النسيان، ولكن الكتاب المقدس قد
احتفظ لنا بتواريخ أولئك الملوك والشعوب في تتابعهم الصحيح وارتباطاتهم. كما يعكس
لنا الحضارات القديمة في أكثر الصور صدقاً. ونحن نعلم أن الكتابة نقلاً عن خليط من
المراجع بمعرفة محرر من عصر متأخر لم يكن لديه سوى معرفة محدودة جداً، لا يمكن أن
تكون بمثل هذه الدقة التي يتميز بها الكتاب المقدس. وقد أثبتت الكشوف الأركيولوجية
دقة تاريخية الأسفار الكتابية، وبخاصة سفر التكوين الذي يسجل لنا تاريخ زمن سحيق.
وقد ألقت هذه الأبحاث الأركيولوجية الضوء على كل جزء من سفر التكوين تقريباً
. وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل عند الكلام عن محتويات السفر.

 

في الأجزاء الأولى من سفر التكوين، قام ولهاوزن بتوزيع قصة الطوفان
على الوثيقتين "
J"، "P". وقال بأن الأولى كُتبت حوالي 850ق.م.
والثانية حوالي 450ق.م. وبعد ذلك اكتشفت القصة البابلية عن الطوفان، وهي ترجع إلى
ما قبل موسى بزمن طويل، والعلاقة بينها وبين قصة التوراة عير مؤكدة، ومن المحتمل
أن كلتيهما بُنيتا على سجلات وأخبار متواترة قديماً عن الطوفان نفسه، ولكن هناك
وجوه تشابه هامة بين قصة التوراة والقصة البابلية عن الطوفان، والنتيجة الطبيعية
هي أن نظرية الوثائق المتعددة نظرية مصطنعة، وتواريخ ولها وزن تواريخ جزافية لا
أساس لها.

 

وقد تأيدت قصص الآباء في سفر التكوين بالألواح التي اكتشفت في مدينة
"نوزي" وغيرها، التي أثبتت العادات العائلية والقانونية للحورانيين
الذين كانوا يستوطنون البلاد السامية(من أموريين وأراميين). ومن الواضح أن هذه
العادات كانت معروفة عند الآباء من إقامتهم في حاران ,أور، فالتشابه شديد جداً بين
تصرفات الآباء وقوانين "نوزي". ويكفي أن نذكر مثالاً واحداً، وهو حق
البكر في أن يكون له نصيب مضاعف في الميراث في قوانين "نوزي"، ولكن له
الحق في أن يبيعه. وهناك حالة بيع فيها هذا الحق بثلاثة أغنام. كما كان للأب الحق
في أن ينقله، وكان يكفي أن يصرح الأب بذلك شفاها (ارجع إلى تك 48: 17-20).

 

ومن الملاحظ، أنه لا يوجد في تشريعات إسرائيل اللاحقة أو ممارساتهم
شيء من ذلك. والأمر الوحيد الذي جاء في شريعة موسى بهذا الخصوص هو النهي عن تغيير
الوضع الطبيعي (تث 21: 15-17)، بينما لم يحدث ذلك إلا في عهد الآباء. فكيف كان
يمكن لكاتب إسرائيلي في عصر متأخر مثل "
J" في 850 ق.م. أو "P" في عام 450 ق.م. أن يميز بهذه الدقة بين ما كان متبعاً قديماً
في بلاد بين النهرين وعند الآباء، وبين الشرائع الموسوية التي كانت سارية وقتئذ في
إسرائيل؟

 

وقد دفع الكثير من هذه الأمور، علماء العهد القديم الآن إلى القبول
بتاريخية قصص الأباء في سفر التكوين بكافة تفاصيلها، ومن العسير جداً الجمع بين
هذه النتيجة، وتحديد ولهاوزن لتاريخ متأخر للوثائق المزعومة.

 

ويقول النقاد الأحدث عهداً إن التوراة (وغيرها من الأسفار التاريخية)
قد ضُمت معاً في تاريخ متأخر، نقلاً عن تقاليد شفاهية حُفظت بدقة، ونُقلت بأمانة
عبر أجيال متعاقبة. ولكن تختلف الآراء حول ما إذا كانت هذه التقاليد سجلت كلها
كتابة بعد السبي أم أنها كانت وراء الوثائق
J، E، D التي يقول ولهاوزن إنها جمعت معاً بعد السبي. وفي كلتا الحالتين،
تبدو نظريته غير طبيعية، فقد كانت الكتابة أمراً شائعاً في بلاد بين النهرين ومصر
قبل عصر الآباء بزمن طويل، فلماذا يزعمون أن إسرائيل وحدها لم تكن لديها آداب
مكتوبة؟ إنها نتيجة غريبة جداً وبخاصة إذا ذكرنا أن الأرجح هو أن الأبجدية قد
اخترعت في سورية وفلسطين، وهي أفضل الوسائل للكتابة وأيسرها.

 

إنه من الحق أيضاً أن الوثائق القديمة في فلسطين قد ضاعت تماماً، ما
عدا مخطوطات البحر الميت، ولكن ليس معنى هذا أنها لم توجد أبداً، بل حدث ذلك لأنها
قد هلكت. فلو أنهم استخدموا الفخار أو الأحجار، لبقيت كتاباتهم، ولكنهم كتبوا على
البردي والجلود، وهي مواد تبقى جيداً في الجو الجاف كما في مصر، أما في الجو
المطير في فلسطين، فسرعان ما تهلك. قد يكون من الحق أيضاً أن العبرانيين كانوا
يحفظون الكثير في الذاكرة، وكانوا يحبون تلاوة ملاحمهم وكتاباتهم، ولكن القول بأنه
لم يكن لديهم شيء مكتوب، هو محض افتراء. فتأييد الأبحاث الأركيولوجية لتواريخ سفر
التكوين وقوانينه وعاداته هو حجة قوية تؤيد شهادة العهدين القديم والجديد بأن سفر
التكوين وسائر الأسفار الخمسة هي أسفار قديمة أصيلة كتبها موسى.

 

فكاتب السفر هو موسى النبي بالوحي الإلهي، مستخدما التقليد المسلم
إليه عن آبائه شفاهه أو كتابة، وربما استند على السجلات التى وضعها يوسف في قصر
فرعون.

 

ولو أن اسم كاتب السفر لم يرد في السفر إلاّ أن الكتابات العبرانية
القديمة تقول أن كاتب السفر هو موسى وتتفق الدلائل التي في السفر من حيث العبارات
والمفردات الاصطلاحات والأسلوب وغير هذا مع الكتابات الأخرى التي جاءتنا من عصر
موسى. ويرتبط هذا السفر ارتباطاً وثيقاً متتابعاً من حيث سرد الحوادث وأسلوب الكتابة
مع سفر الخروج الذي يليه والذي يذكر فيه أأن كاتبه موسى، انظر مثلاً خروج 24: 4
وقد دعا المسيح القسم الأول أو الأسفار الخمسة بما فيها التكوين باسم موسى (لوقا
24: 44 قارنه مع لوقا 16: 29).

 

يعلن الكتاب المقدس بكل جلاء أن موسى هو الذى كتب الأسفارالخمسة، فهناك
ستة فصول فى هذه الأسفار الخمسة تذكر بكل وضوح أن موسى هو الذى كتبها (انظر خر 17:
14، 24: 4- 8، 34: 27، عدد 33: 1و2، تث 31: 9و24-26، 31: 22و30). وتختص ثلاثة فصول
منها بالأقسام التشريعية، وثلاثة بالأقسام التاريخية. وهذه الفصول الستة هى أجزاء
لا تتجزأ من محتويات هذه الأسفار.

 

وبالنسبة لسفر التكوين، فليس فى السفر نفسه ما يشير إلى كاتبه، ولكن
سفر التكوين جزء لا يتجزأ من الأسفار الخمسة، فأحداثه هى التى تمهد لسفر الخروج،
وبدون سفر التكوين، لا يمكن فهم سفر الخروج. كما أن سفر الخروج يفترض وجود سفر
التكوين، فهو يبدأ بحرف العطف " الواو"، مما يدل على أنه يعطف على سفر
التكوين السابق له. فمتى كان موسى هو كاتب الأسفار الأربعة الأخيرة من هذه الأسفار
الخمسة، فلابد أنه هو أيضاً كاتب سفر التكوين.

 

كما أن موسى هو الشخصية الرئيسية البارزة فى الأسفار الأربعة الأخرى.
فقد كان هو الوسيط الذى تكلم من خلاله الله إلى الأمة، وأعطاهم الشريعة.كما أعطاه
الله التعليمات الخاصة بإقامة خيمة الشهادة، وأعلن له كل فرائض العبادة. ويتكرر
كثيراً القول:" وكلم الله موسى قائلاً، "وكما أمر الرب موسى"..الخ.
ومتى وصلنا إلى سفر التثنية نجد أنفسنا فى نفس الجو، إذ يبدأ السفر بالقول:"
هذا هو الكلام الذى كلم به موسى جميع إسرائيل"(تث 1: 1). وفى كل السفر يبرز
أمامنا موسى باعتباره الشخصية الرئيسية فيه.

 

وفى سائر أسفار العهد القديم، نجد باستمرار أن الأسفار الخمسة الأولى
تنسب إلى موسى، فالناموس الوحيد الذى له السلطان فى العهد القديم هو " ناموس
موسى " أو " شريعة موسى" أو "توراة موسى " أو " سفر
موسى" (انظر يش 8: 31، 23: 6،1مل 2: 3، 2مل 14: 6، نح 8: 1، 13: 1، 2أخ 25:
4، 35: 12، دانيال 9: 11، ملاخى 4: 4).

 

ونجد نفس الأمر فى العهد الجديد، فالاقتباسات فى العهد الجديد من هذه
الأسفار، تنسب إلى موسى (انظر مت 19: 8، مرقس 10: 3-5، 12: 26، لو 2: 22، 24:
27و44، يو 1: 17، 5: 46و47، 7: 19و23، 8: 5، أع 3: 22، 13: 39، 15: 5، عب 10:
28..الخ). فكلا العهدين القديم والجديد يعلنان أن موسى هو كاتب أسفار الشريعة.

 

تاريخ كتابة السفر:

 كتب في أثناء التجوال في البرية أي نحو عام 1440 ق.م.- 1400 ق.م.
على الأرجح.

 

تقسيم الأسفار الخمسة:

يمكن تقسيم الأسفار الخمسة للتوراة  إلى قسمين كبيرين:

القسم التاريخي من تك 1: 1-خر 19: 25

حيث يروى المراحل المختلفة التى مرت بالبشرية منذ الخليقة، إلى أن
أصبحت إسرائيل أمة كهنوتية.

القسم التشريعي من خر 20: 1 إلى نهاية سفر التثنية

ويشتمل على الوصايا العشر والتوجيهات المختصة بإقامة خيمة الشهادة،
والذبائح والكهنوت وغيرها.

وواضح إن القسم الأول كان تمهيداً للقسم الثاني، فكان يجب أولاً أن
ينفصل شعب الله عن العالم ليعطيهم الله شرائعه.

 

فيروى سفر التكوين قصة خلق العالم والإنسان ووضعه فى جنة عدن، ثم
سقوط الإنسان فى الخطية وطرده من الجنة، والنمو السريع للخطية، حتى أضطر الله إلى
إهلاك العالم بالطوفان، ولكنه حفظ نوحاً وعائلته، ليبدأ العالم بداية جديدة. ولكن
مرة أخرى استشرى الفساد والشر، فوجد الله من اللازم أن يدعوا شعبه للانفصال عن
العالم الشرير. وقد تم هذا بدعوة إبراهيم أن يترك أور الكلدانيين وأن يصبح أباً
للمؤمنيين، ويروى سفر التكوين طاعته وتجواله مبيناً أن الله يظل أميناً لمواعيده
رغم ضعف الإنسان.

 

ويبدأ سفر الخروج ببني إسرائيل فى مصر، ويروى قصة خلاصهم العظيم
بقيادة موسى، وكيف أعطاهم الله شريعته فى جبل سيناء، وأكد لهم عهده. كما أعطاهم
تعليماته لإقامة خيمة الشهادة لكي يسكن الله فى وسط شعبه.

 

ويقدم لنا سفر اللاويين الشرائع المختلفة اللازمة للعبادة، فكان يجب
تقديم الذبائح لإزالة كل نجاسة تفصل الإنسان عن الله، ولاستعادة الشركة بين
الإنسان والله.

 

ويروى سفر العدد ترتيب المحلة، والاستعدادات للارتحال. وتجوال الشعب
من سيناء إلى سهول موآب، مع ذكر الأحداث التى وقعت لهم فى الطريق.

 

أما سفر التثنية فيشتمل على خطابات موسى الأخيرة للشعب، وإعدادهم
للدخول فى أرض كنعان. وهو فى شكل وثيقة عهد أشبه ما يكون بالمعاهدات الحثية.

 

وهناك خطة واضحة في ترتيب أسفار التوراة، فالتاريخ المبكر للعالم
يسجله سفر التكوين، ويسجل سفر الخروج التاريخ إلى زمن إقامة إسرائيل في برية سيناء
وتدشين خيمة الشهادة. ويسجل سفر اللاويين الشرائع التي أعطي معظمها في سيناء. أما
سفر العدد فيبدأ بإحصاء الشعب استعداداً للدخول إلى أرض كنعان، ويواصل سرد تاريخ
هذا الشعب إلى نهاية أيام تجوالهم في البرية. ويكاد سفر التثنية في معظمه أن يكون
مراجعة للشرائع والأحداث التي حدثت طوال أيام التجوال في البرية، في شكل عظة لتكون
أساساً لتجديد عهدهم مع الله. فالتكوين يقدم لنا ملخصاً للتاريخ قبل خروج بني
إسرائيل من مصر، ويقتبس سفر أخبار الأيام الأول الكثير من سلاسل الأنساب المذكورة
في سفر التكوين كما تشير إليه فصول أخرى كثيرة في أسفار العهد القديم. ومع ذلك يظل
سفر التكوين فريداً في محتواه.

 

والأسفار الخمسة وحدة واحدة تتضمن موضوعاً متصلاً.

والغرض من هذه الأسفار الخمسة هى الأساس الذى تبنى علية سائر الأسفار
فى الكتاب المقدس، فهي تحوى الشريعة التى على أساسها بنى الأنبياء رسالتهم، كما
تخبرنا عن موسى المشرع العظيم وأبرز شخصيات العهد القديم، والذي شهد عن المستقبل
وتنبأ عن المسيح ابن الله. وتروى لنا قصة السقوط وافتقاد الله للإنسان والوعد
بالفداء.

 

كلمة الله في العهد القديم هي الشريعة (التوراه في العبرية)، وهي
تحديداً او تخصيصا تلك التي أعطاها الله لشعبه في سيناء. يُطلق عليها ايضا اسم
"الكتب الخمسة" او "الكتب الموسوية الخمسة"، ذلك أن موسى،
بحسب التقليد، هو المشترع والوسيط الذي عن يده حصل اسرائيل على هذه الشريعة.

 

 والواقع أن هذه الشريعة تحتوي على مصادر قديمة هي مجموعة من
الروايات والتقاليد تناقلها الناس شفويا وكتبتها للمرة الاولى "المدارس
النبوية"، على الأرجح، في القرن التاسع الى القرن الثامن ق.م.، وعلى مصادر
أخرى متأخرة عنها هي التثنية والشرع الكهنوتي. وقد أثّرت هذه التقاليد في مراحل
تكوين شعب الله وأمّنت بنيته. اما كتابة هذه الأسفار للمرة الأخيرة فترجع، غالبا،
الى زمن عزرا الكاهن (القرن الخامس ق.م.).

 

 وحدة الأسفار الخمسة لا تعطّلها المظاهر الأدبية التي تأتي من هذه
التقاليد، فقد تتكرّر الروايات والأحداث وقد تُلاحظ فوارق إنشائية لعلّ أبرزها
استعمال أسماء إلهية مختلفة (يهوه وإيلوهيم). اتُّخذ هذان الاسمان لتسمية
التقليدين الأدبيين المختلفين باسم:

1- التقليد اليهوي.

تم وضع التقليد اليهوي في ايام داود-سليمان في مملكة الجنوب حوالى
السنة 950 ق.م.، اي انه نشأ في الأوساط الملكية حيث كان للملك منزلة رفيعة فهو
الذي كان يجسّد وحدة الإيمان. أهم شواغل هذا التقليد أن يلفت النظر الى قرب الحضور
الإلهي، فالله الذي يحيا مع الانسان لا يتوقف عن الإحسان اليه، انه اله الوعد
والعهد، اله يستطيع الانسان ان يلبيه بالعبادة.

2- التقليد الإيلوهي.

يتأصل التقليد الإيلوهي في تفكير الأنبياء، فقد حُرّر في مملكة
الشمال (مطلع القرن الثامن ق.م.)، وهو يتجنّب وجوه التشبيه (الكلام على الله على
نحو الكلام على الانسان). فالإله الذي لا يدرك يتجلى في هذا التقليد بواسطة
الأحلام. واذا تكلم عن نفسه فيكون ذلك أثناء تجلّيات او ترائيات جلية. مع هذا
التقليد ترسخت الاهتمامات الأخلاقية باحترام الله والقريب. فالله الذي لا يمكن
رؤيته عرّف عن نفسه بوصاياه.

 

تم دمج هذان التقليدان (اليهوي والإيلوهي) في ما بعد في رواية واحدة،
وذلك في اورشليم حوالى السنة 700 ق.م.. هذا الاندامج ما كان مجرد جمع ولكن مناسبة
لاستكمال بعض التقاليد والتوسّع فيها.

 

هذين التقليدين لا يكفيان لتحليل كل ما في التوراة من غنى أدبي،
فنميّز تقليدين آخرين هما:

1- التقليد الكهنوتي:

وهو يتضمن تقاليد مستقلّة لا سيما شرائع في الذبائح والأعياد وضعها
الكهنة في الجلاء في بابل وبعده. كانوا يجدّدون في المنفى قراءة تقاليدهم للمحافظة
على إيمان الشعب ورجائه. اله النصوص الكهنوتية هو اله الكون الذي يريد انتشار
الحياة على الأرض فهو الذي صنع الانسان على صورته ومثاله وخلّص البشرية في شخص نوح
وقطع له عهداً وبعد أن اختار ابراهيم ليكون ابا لأمم كثيرة قطع ايضا له عهداً. وهو
الذي نظّم العبادات بواسطة موسى وهارون.

2- التقليد المقترَح:

وهو موجود خصوصا في تثنية الاشتراع، الا انه أثر في اسفار اخرى. بدأ
وضعه في مملكة الشمال وانتهى في مملكة اورشليم. الله في هذا التقليد هو اله الآباء
واله العهد وهو الذي بملء حريته يختار شعبا ويعطيه ارضا ومؤسسات (ملوك، كهنة،
قضاة، أنبياء). وهو يعمل بحكم وفائه لمواعيده ويعمل عن محبته (6:4)، والشعب مدعو
مع هذه المحبة لاتّباع الشريعة.

 

 هذه التقاليد واستكمالاتها تنبعث من تاريخ تندمج فيه بلا انقطاع، هي
طريقة تعليم الله الذي يتّخذ له شعبا يصوغه على صورته "كونوا قديسين لاني انا
قدوس" (لاويين 11: 45) وهي ايضا تعبير عن فكر هذا الشعب الديني.

 

 هذه التوراه تهمّ كل من يتلمس مطلات الله في التاريخ حضورا حيا
وكلمات فاعلة، وهي تاليا ككل العهد القديم كتاب كل مسيحي، ذلك انها تحوي المسيح اذ
ترمز اليه وتمهّد له وتعلنه مسبقاً.

 

وتعلن لنا أول عبارة أن الله شخص حي، وأنه الخالق الأسمى، كلي القدرة
والسلطان على الكون (يوحنا 1:1-3؛ كولوسي 16:1-17). لقد خلق كل الأشياء بقوة كلمته
– بمجرد أن تكلم أتت إلى الوجود. ولا زالت كلمته اليوم لها نفس القوة (عبرانيين
12:4). إن هذا الحق يكشف كذب الملحدين الذين ينكرون وجود الله ويفضح جهلهم. وهو
أيضا يكشف خدعة "العصر الجديد" تلك النظرية التي تنادي بأن الأرض الأم
هي الله (مزمور 1:53).

 

عندما تعرّض الرب يسوع للسؤال من أعدائه بشأن الطلاق، أكد مصداقية
سفر التكوين، وليس ذلك فقط بل كشف أيضا عن كذب نظرية التطور. فلقد اقتبس من سفر
التكوين قائلا: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى، وقال من أجل
هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا؟ (متى 4:19-6؛
تكوين 27:1، 24:2).

فالإيمان بنظرية التطور معناه تكذيب المسيح، الخالق. وقد أعلن يسوع
أيضا أن سفر التكوين ضروري من أجل إيمان الناس به، فيقول: لأنكم لو كنتم تصدقون
موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني (يوحنا 5:46).

تظهر بوضوح أهمية ومصداقية سفر التكوين في إنجيل متى عندما أشار يسوع
إلى نوح (متى 37:24-38؛ تكوين 5:6؛ 6:7-23)، وسدوم وعمورة (متى 15:10؛ تكوين
24:19-25).

 

يظهر الثالوث الإلهي في أصحاح 1 حيث نقرأ: خلق الله… روح الله يرف
على وجه المياه… قال الله، نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (1، 2، 26). وفي
يوحنا 3:1 نقرأ: كل شيء به كان [أي المسيح] (لمزيد من التفاصيل انظر التعليق على
سفر إشعياء). واليوم، كما في ذلك الوقت، ينبغي أن يتمجد الله في كل ما نقوله
ونعمله أثناء إتمام الإرسالية العظمى بنشر الأخبار السارة؛ عمدوهم باسم الآب
والابن والروح القدس (متى 19:28).

 

غاية السفر:

+ إن كان الإنسان كثير التعثر فى الله حتى في الفردوس، يبقى الله
ساعيا في المبادرة بالحب، مشتهيا خلاصه.

+ يسخّر الله التاريخ من اجل خلاص الإنسان والدخول به إلى الأبدية ؛
ففي فترة التاريخ البدائي يعلن الله حبه للإنسان خلال الخليقة ويكشف عن تقديره
للحرية الإنسانية ؛ وفي عصر الآباء البطاركة يكشف عن اختياره لأولاده وتدبيره
لخلاص شعبه.

+ في هذا السفر ابرز البذار الأولى للوصية (الشريعة الإلهية)،
الاختيار، العهد مع الله، الذبيحة كسر مصالحة، سر بيت الله، النبوة، الأسرة والزواج
المقدس … انه بحق هو مفتاح الكتاب المقدس بعهديه.

+ كتب نثرا لا شعرا، بطريقة تاريخية ليقدم لنا الحق في بساطة ووضوح،
بعيدا عن الأساطير التي ملأت العالم في ذلك الحين.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ز زَبَح ح

+ يبدأ بالحديث عن الله مخرج الحياة من الموت والعدم، ليختتم بيوسف
في أكفانه … آي يختتم بالإنسان الحي يدخل الأكفان.

 

الشريعة والتاريخ:

– بدأ العهد القديم بأسفار موسى الخمسة أي بالناموس الموسوي وقد
أعلنت هذه الأسفار حب الله الفائق لي ؛ أنا خليقة الله المحبوبة جدا لديه.

– عند سقوطي لم يقف الله مكتوف اليدين ؛ قدم لي الشريعة أشبه بمرآة
تكشف عما حل بي لكي أطلب عونا من الله مخلصي.

– إن كانت الأسفار التاريخية تحتل القسم الثاني من العهد القديم (الناموس،
الأسفار التاريخية، الأسفار الحكمية (الرسائل) النبوات (الرؤيا)).. إلا أن كل سفر
يكاد يحمل لمسة تاريخية من بعيد أو قريب كما تحمل الأسفار التاريخية مسحة لاهوتية
روحية ؛ لا يمكن عزل التاريخ البشري أو الحياة البشرية عن كلمة الله.

 

 – جاء سفر التكوين يؤكد اهتمام الله الشخصي بي.

 – سفر الخروج اهتمامه بتحريري.

 – سفر اللاويين بتقديسي.

 – سفر العدد بقيادته لي في رحلة حياتي.

 – سفر التثنية بشوقه في إقامة عهد معي.

 

 لكن كل ما فعلته الشريعة أنها كشفت عن حب الله وعمله بقي أن يتحقق
هذا الحب عمليا في شخص المسيا، حكمة الله مخلص العالم وجاءت الأسفار التاريخية
تؤكد الحقائق التالية:

 

– أن الله عامل في تاريخ البشرية قبل خلقة آدم الأول ويبقي عاملا إلى
مجيء آدم الثاني الأخير ليحمل كل المؤمنين الحقيقيين إلى شركة أمجاده السماوية.

– في معاملات الله مع البشرية خلال التاريخ كله توجد أحداث تمس كياني،
وعلاقتي الشخصية مع الله مخلصي، فان الله يود أن يعبر بي مستخدما كل وسيلة حتى
يبلغ بي إلى الأحضان الإلهية

– فإن كان تاريخ البشرية من جهة خلاصنا اجتازت عدة مراحل فإنني أري
هذا التاريخ كله ليس غريبا عن أعماقي الداخلية. هذه المراحل بدأت بالأتي:

.. الخليقة: من أجلي خلق كل شيء ليقيمني ملكا
صاحب سلطان حتى علي الفضاء.

.. تجديد الأرض (نوح والطوفان): يجدد روح الله
طبيعتي في مياه المعمودية ويعمل علي تجديد فكري بلا انقطاع.

.. عصر البطاركة: حينما يجحد العالم خالقه يجد الله
إبراهيم أمينا ومطيعا، هكذا أود أن أكون ابنا لإبراهيم واسحق ويعقوب حتى إن هاج
العالم كله ضد الإيمان الحق، في هذا العصر ظهر أيضا أيوب قاومه أصدقاؤه حتى زوجته،
لكن الله في السماوات يدافع عنه أمام قوات الظلمة ويذكيه ويكلله.

.. في أرض العبودية: نشأ شعب الله غريبا في مصر
واستعبده فرعون، وأعد الله لهم موسي لينطلق بهم إلى الحرية، لكنه يعجز عن أن يدخل
بهم أرض الموعد.

 

 يكشف لي الناموس ما فعلته بي الخطية إذ حطمت أيقونة الله الجميلة في
داخلي، شكرا لله الذي قدم لي الناموس فأدرك حاجتي إلى الله مخلصي ومقدسي وقائدي
ونصيبي الدائم.

.. في أرض الموعد: دخل يشوع بن نون بالشعب إلى أرض
الموعد كما إلى عربون السماء

وقد مر الشعب بمراحل كثيرة هناك:

أولا: في ظل النظام الثيؤقراطي، حيث يبقي
الله هو الملك.

ثانيا: في ظل النظام الملكي، بجانبيه
الشرير (شاول) والصالح (داود).

ثالثا: انقسام المملكة، بسبب رفض رحبعام
المشورة الصالحة التقية وقبوله المشورة العنيفة.

رابعا: سقوط المملكتين تحت السبي،
إسرائيل سباه أشور ويهوذا سابته بابل ليلتقيا معا في الذل في ارض السبي.

خامسا: عودة الشعب إلى أرض الموعد، تحت
الاستعمار الفارسي ثم اليوناني فالروماني وانتظاره للخلاص الحقيقي.

سادسا: مجيء المخلص – يسوع المسيح – إليهم
في أرض الموعد ليرفع العالم كله إلى السماء.

 

 هذه لمحة سريعة عن التاريخ كما ورد في العهد القديم حتى يلتقي
المؤمن بربنا يسوع.

 

 في البرية يقدم الله الوصية الإلهية (الشريعة) حتى تؤكد النفس
قبولها الخلاص المجاني خلال الطاعة. لا يفصل الله بين الوصية والعبادة، أو بين
الشريعة وخيمة الاجتماع … فنحن نطيع وصية الله لكي نوجد فيه ويسكن هو فينا، فنصير
خيمة مقدسة له، يحل بمجده في داخلنا. لأن الوصية غايتها العبادة الحقة، والعبادة
الحقة تسندنا في طاعة وصية أبينا السماوي.

 

ملخص السفر:

أولا: التاريخ البدائي ص 1- 11

تسجل اول 2000 سنة من تاريخ البشرية. حدثت خلال هذه المدة ستة أحداث
رئيسية:

(1) خلق كل الأشياء؛

(2) خطية آدم وحواء؛

(3) بناء الفلك بواسطة نوح بعد 1500 سنة؛

(4) الطوفان العظيم؛

(5) بناء برج بابل، بعد 300 سنة؛

(6) بلبلة الألسنة.

قدم لنا التاريخ منذ الخليقة حتى بدء ظهور إبراهيم كأب الآباء،
بطريقة مبسطة تعلن رعاية الله للإنسان، واهتمامه بخلاصه.

– الخلق ص 1 و2.

 – دخول الخطية إلى العالم ص 1:3 – 4: 6 1

 – الطوفان ص 6 – 9.

 – بدء ظهور إبراهيم ص 11

 

ثانيا: تاريخ الآباء البطاركة ص 12- 50

تغطي حوالي 500 سنة وتركز على أربعة رجال – هم إبراهيم وإسحاق ويعقوب
ويوسف. فمن خلال هؤلاء الرجال، نرى محبة الله لشعبه الذي يطيع كلمته، وقدرته على
حمايتهم وإعالتهم.

– قصة إبراهيم ص 12- 24.

– قصة أسحق ص 25- 26.

– قصص يعقوب وعيسو ص 27- 37.

– قصة يوسف ص 37-50.

 تعتبر هذه الحقبة الزمنية هي خطوة تمهيدية لاختيار الله لشعبه،
ليصير خميرة مقدسة من اجل خلاص العالم.

1 – إبراهيم ص 12- 24

. دعوة
إبراهيم ص12

. موقعة
كدرلعومر ص 14

. الوعد
الإلهي له ص15

. عهد
الختان ص17

. استضافة
الله ص18

. حرق
سدوم وعمورة ص 19

. ميلاد
اسحق ص21

. ذبح اسحق ص22

. زواج
اسحق ص24

 

2- اسحق ص 25- 26

– إن كان إبراهيم يمثل الأب الذى قدم ابنه ذبيحة حب، فان اسحق يرمز
للابن الذي اسلم ذاته بالحب للموت في طاعة لأبيه.

– تحقق زواج اسحق برفقه عند البئر، ويتم زواج الكنيسة لعريسها خلال
مياه المعمودية.

 

3 – يعقوب ص 25- 36

 "أحببت
يعقوب وأبغضت عيسو" رو9

. اغتصابه
البكورية ص25

. اغتصابه البركة ص27

. سلم
يعقوب ص28

. زواجه ليئة وراحيل ص29

. معاهدة مع لابان ص31

. لقاؤه
مع عيسو ص33

. دينة
وشكيم ص34

. في بيت آيل ص35

 

4 – يوسف ص 37-50

. طفولته
وصبوته ص37

. يهوذا وثامار ص38

. في بيت فوطيفار ص39

. في
السجن ص40

. في
القصر ص41

. مع أخوته ص 42

. يعقوب في مصر ص46

. يعقوب
يبارك ابني يوسف ص48

. يعقوب
يبارك بنيه ص49

 

يصف سفر التكوين بداية كل الأشياء، بينما يشرح سفر الرؤيا – آخر
الأسفار المقدسة – كيف ستنتهي كل الأشياء.

 ملحوظة: جميع التواريخ هي فترات زمنية تقريبية والهدف منها هو إعطاء
القارئ فكرة عامة عن الأحداث بالارتباط بالفترات الزمنية.

 

محتويات السفر:

(أ) تاريخ ما قبل إبراهيم- الأصحاحات 1-11.

(1) الخليقة والسقوط 1- 3.

(2) قايين ونسله 4.

(3) السلالات قبل الطوفان 5.

(4) الطوفان 6-9.

(5) الأمم وذرياتهم بعد الطوفان 10 و11.

(ب) تاريخ إبراهيم – الأصحاحات 12- 25.

(1) دعوة إبراهيم واستقراره في فلسطين 12 و13.

(2) الحرب مع الملوك الأربعة 14.

(3) تأكيد العهد لإبراهيم 15 –17.

(4) سدوم وعمورة 18 و19.

(5) إبراهيم وأبيمالك 20.

(6) مولد إسحق وتقديمه على المذبح 21 و22.

(7) موت سارة 23.

(8) زواج إسحق وموت إبراهيم 24 و25.

(ج-) إسحق وابناه –الأصحاحات 26- 36.

(1) تاريخ إسحق 26.

(2) يعقوب والبكورية 27.

(3) يعقوب في حاران 28- 31.

(4) عودة يعقوب لفلسطين 32 –35.

(5) ذرية عيسو 36.

(د) تاريخ يوسف –الأصحاحات 37- 50.

(1) شباب يوسف وأحلامه 37.

(2) عار يهوذا 38.

(3) عبودية يوسف 39 و40.

(4) ارتفاع يوسف 41.

(5) يوسف وإخوته 42-48.

(6) قصيدة يعقوب النبوية 49.

(7) موت يعقوب وموت يوسف 50.

 

التاريخ
البدائي ص1-11

تاريخ الآباء البطاركة ص 12-50

0
قدم لنا التاريخ منذ الخلقة

تعتبر هذه
الحقبة خطوة تمهيدية لاختيار الله لشعبه ليصير خميرة مقدسة من أجل خلاص العالم،
منه يأتي كلمة الله متجسدًا

حتى
بدء ظهور إبراهيم كأب

إبراهيم
12-25

اسحق
21-27

يعقوب
25-36

يوسف
37-50

الآباء بطريقة مبسطة تعلن عن

رعاية الله الفائقة للإنسان واهتمامه

بخلاصه بالرغم من كثرة سقطاته

0
أقام الله الإنسان سيدًا حرًا!

1. الخلقة وسقوط الإنسان 1-3

2. قتل هابيل 4

3. نوح وتجديد العالم 5-10

4.
برج بابل 11

1. دعوته ص12: دعوة إلهية لكل

نفس أن تترك أور الكلدانيين الوثنية

2.
موقعة كدرلعومر14 ملكي صادق

3.
وعد الله له 15

4.
عهد الختان 17

5.
استضافة الله 18

6.
حرق سدوم 19

7.
ميلاد اسحق 21

8.
ذبح اسحق 22

9.
زواج اسحق 24

1. إن كان إبراهيم يمثل الآب فاسحق ابنه يمثل
السيد المسيح الذي أطاع حتى الموت.

2. تحقق زواج اسحق برفقة عند البئر، ويتم زواج
الكنيسة بعريسها السيد المسيح خلال مياه المعمودية.

 

أحببت يعقوب وأبغضت عيسو

.
اغتصابه البكورية 25

.
والبركة 27

.
سلم يعقوب 28

.
زواجه 29

.
معاهدة مع لابان 31

.
لقاء مع عيسو 33

.
دينة وشكيم 34

.بيت
إيل 35

الله
يجدد وعده لأولاده 12:35

يوسف رمز للسيد المسيح

.
طفولته وصبوته 37

.
يهوذا وثامار 38

.
في بيت فوطيفار 39

.
في السجن 40

.
في القصر 41

.
مع اخوته 42

.
يعقوب في مصر 46

.
يعقوب يبارك ابني يوسف 48

.
يعقوب يبارك بنيه 49

 

شرح السفر

تكوين 1 – 3

الأصحاح الأول يتناول الخليقة ككل، والأصحاحان الثاني والثالث
يعطيانا صورة لآدم النبع الأساسي للتاريخ. والأصحاح الرابع يعطينا تاريخ قايين
ونسله. أما الأصحاح الخامس فيحدثنا عن نسل شيث الذي يصل بنا إلى نوح. وبعد الطوفان
يخبرنا الأصحاح العاشر عن استيطان كل الشرق الأوسط. ثم يذكر سلسلة أنساب تصل بنا
إلى إبراهيم. وفي تاريخ الآباء يأتي إسماعيل قبل إسحق، ونسل عيسو قبل نسل يعقوب.
ومن الواضح أن سفر التكوين، كما هو بين أيدينا، هو من كتابة كاتب واحد بارع جدير
بالثقة، يستخدم مواده بمهارة بوحي من الروح القدس.

 

في الإصحاح الأول منه يُمّيز الله تماماً عن المادة ويُصرح بوجوده
منذ الأزل قبل تأسيس العالم وأن الكون قد صار بأمره ولا فرق بين تولدات العالم حسب
الإصحاح الأول من التكوين والاكتشافات الجيولوجية الحديثة لأن كلاً من التكوين
والجيولوجية يبتدئ بتكوين الأرض وفصل الماء عن اليابسة وتولد النبات ثم الحيوان
إلى أن يُخلق الإنسان آخر الكل.

 

ويرجح أن لفظة يوم في الإصحاح الأول تدل على مدة غير معروفة اليوم.
ولم يذكر في هذا السفر مساء لليوم السابع (تك 2: 2). وسفر التكوين هو من أقدم كتب
العالم ويحتوي على تاريخ أكثر من 3000 سنة وهو أساس كل التعاليم اينية في بقية
الأسفار الملهمة.

 

لقد كتبت مجلدات عن الأصحاح الأول من سفر التكوين، فيما يتعلق بقصة
الخليقة، وهناك موضوعان لهما أهمية خاصة:

1- العلاقة بالنظريات البابلية عن نشأة الكون

2- العلاقة بالعلوم الحديثة.

أما بالنسبة للعلاقة بالأساطير البابلية عن الخليقة، فنجد ذلك
مشروحاً بالتفصيل في كتاب "أ. هيدل" (
A. Heidel) "سفر التكوين البابلي" (عام 1951). فتبدأ القصة
البابلية بالحرب بين الآلهة، إذ يتمرد الجيل الثاني من الآلهة على الجيل الأول،
وينتصر "مردوك" (مردوخ)، ويقضي على الإلاهة "تيامات" (
Tiamat ويشق جثمانها إلى نصفين، صنع منهما السماء
والأرض. فلا توجد أي علاقة واضحة بين القصة الكتابية والأساطير البابلية.

 

أما من جهة المشكلات العلمية، فإن القصة في سفر التكوين لا تذكر إلا
تفاصيل قليلة. وهناك الكثير من الحق في القول بأن الكتاب المقدس ليس كتاب علوم بل
كتاب دين. ومع ذلك فمن الواضح جداً في سفر التكوين أن الله خلق العالمين، وأنه سيد
الطبيعة كما أنه سيد الأرواح، فالكتاب المقدس يعلن بوضوح في الأصحاح الأول من سفر
التكوين، وفي غيره من المواضع، أن الله خلق العالمين من العدم، فالمادة ليست
أزلية. والنظريات العلمية المطروحة على الساحة الآن، ليس بها ما يتعارض مع ذلك.
فإحدى النظريات الكبرى تقول إن كل المادة وجدت عن طريق انفجار نووي رهيب حدث منذ
نحو عشرة بلايين من السنين، وليس لدى العلم ما يقوله عن سبب هذا الانفجار. أما سفر
التكوين فيقول: "في البدء خلق الله..".

 

إن قِدَم الكون كان مشكلة، فترى إحدى النظريات الحديثة أن تك 1: 1
يتحدث عن خلق المادة في الزمن السحيق، أما العدد الثاني فيتحدث عن كارثة حاقت
بالخليقة في تاريخ حديث نوعاً، أما الأعداد التالية فتتحدث عن وقائع حدثت على
الأرض حديثاً نوعاً.

 

وهناك نظرية أخرى تقول إن أيام الخليقة في الأصحاح الأول من التكوين،
لا يجب أن تعتبر أياماً فعلية حدثت فيها الأمور المذكورة، بل أياماً أعلن الله
فيها لموسى هذه الأمور، فهي "أيام إعلانية".

 

وهناك رأي آخر قال به "ج. هويتكوم" (J. Whitcomb)، ه-. موريس، في كتابهما "الفيضان في سفر
التكوين" (عام 1961)، فهما يقولان إن الكون ليس بهذا القدر من القِدم، إنه يبدو
قديماً لأن الله خلقه "كامل التكوين" فله مظهر القِدم، إنه يبدو قديماً
لأن الله خلقه "كامل التكوين" فله مظهر القِدم. ولهذه النظرية بعض
الجوانب الجذابة، ولكن لها مشكلاتها الفلسفية أيضاً، فهل خلق الله الصخور الرسوبية
وبها "الأحافير" (بقايا كائنات حية متحجرة)، ولكنهم يدافعون بالقول بأن
الطوفان قد خلف وراءه الكثير من هذه الأحافير، فهي إذاً تكوينات حديثة، ولكن من
المشكوك فيه أن يؤيد العلم هذا الرأي.

 

وهناك رأي رابع، طالما حظي بالقبول، وهو أن الأيام السبعة في الأصحاح
الأول من سفر التكوين، لم تكن أيام كل منها من أربع وعشرين ساعة، بل هي تعبير عن
حقبة طويلة من الزمن، فقد بدأت هذه الأيام قبل أن تصبح الشمس، في اليوم الرابع،
لحكم النهار وتحديد اليوم، كما أن يوم راحة الله من الخلق ما زال مستمراً حتى
الآن. وهذا الرأي يتفق بشكل عام مع الرأي العلمي، والذين ينادون به يقولون إن تك
1: 14 يشير إلى انجلاء السحب الكثيفة، فظهرت الشمس والقمر وسائر الكواكب والنجوم
التي سبق أن خُلقت في البدء الأزلي (تك 1: 1).

 

يحدثنا تك 2: 4- 25 عن خليقة معينة هي خلق أبوينا الأولين، وكانت
الجنة في جنوبي بلاد النهرين (حيث أن كوش في 2: 13 هي الأرض الواقعة شرقي نهر
الدجلة –ارجع إلى مادة كوش والأرجح أن تك 2: 5 لا يشير إلى كل الأرض بعامة، بل إلى
الجنة فقط التي كانت تروى من ينابيع جوفية (فكلمة "ضباب" مأخوذة عن كلمة
أكادية يبدو أنها تعني "المياه الجوفية")، فليس في هذا الجزء ما يشير إلى
شيء على الأرض خارج جنة عدن (يمكن الرجوع إلى مادة "خليقة" في موضعها من
حرف الخاء بالمجلد الثالث، وإلى مادة "جنة عدن"

 

يعلن سفر التكوين أن الإنسان، بجسده ونفسه وروحه، هو أسمى خلائق الله
(1 تسالونيكي 23:5). قال الله: نعمل (أي الآب، والابن، والروح القدس) الإنسان على
صورتنا كشبهنا (تكوين 26:1) – لكي يطيع كلمة الله ويحقق الغرض الذي من أجله قد
خُلق. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى علاقة مستمرة مع الله بإرادة حرة تستطيع أن تقول
"نعم" أو "لا" للتجارب.

عند هذه النقطة دخل الشيطان وتكلم مع حواء، قائلا: أحقا قال الله لا
تأكلا من كل شجر الجنة؟ (تكوين 1:3). ويبدأ عادة هجوم الشيطان بالتشكيك في كلمة
الله. وأفضل طريقة للإجابة على أسئلة الشيطان هي بأن نفعل ما فعله يسوع –
بالاقتباس فورا من كلمة الله. هذا ما فعله في كلٍ من تجاربه الثلاث (متى 1:4-11).

 

ولكن الخطأ الأول الذي وقعت فيه حواء هو التردد وإعادة التفكير، ثم
الإجابة من خلال الإضافة إلى كلمة الله. إن الأسلوب الوحيد المضمون لكي نظل أمناء
للرب هو التمسك بالثقة الكاملة والخضوع لكلمة الله المقدسة. لقد اعترف داود بذلك
في صلاته، فقال: بكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف (مزمور 4:17). والثقة
الكاملة بكلمة الله لها أهمية قصوى إذ أنها الطريقة الوحيدة للانتصار على الشيطان
والتمتع بأفضل ما في الحياة.

 

التشكك في كلمة الله يؤدي دائما إلى العصيان. في هذه اللحظة من حياة
حواء، فقدت كلمة الله سلطانها على قلبها وضميرها وذهنها. فبمجرد أن فكرت في بديل
للوصية لا تأكل منها (تكوين 17:2) أتتها في الحال كذبة الشيطان: بل الله عالم أنه
يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر (تكوين 5:3).
فالشيطان ينوه إلى أنه إذا كان الله حقا يحبكم، فلماذا يحرمكم من التمتع بأعظم
الامتيازات؟

من المستحيل أن يحجز الله عن أولاده خيرا حقيقيا. ففي الواقع عندما
يقول الله لا تفعل (تكوين 26:1) فإنه يعني بذلك أننا إذا عصينا كلمته سنصبح في حال
أردأ. نعم، لقد انفتحت أعينهما، ولكن ما أبشع ما رأيا! لقد رأيا أنهما مذنبان أمام
الله. لقد فقد آدم وحواء سلطانهما على الجنة، وفقدا السعادة والبراءة والسلام –
فقدا كل شيء. والأكثر من ذلك، فإن العلاقة مع الله والخطية لا يجتمعان معا.

ففي ذات اليوم الذي أخطأ فيه آدم، مات روحيا. لم تفنَ روحه، ولكنها
صارت منفصلة عن الله وعن الحياة الأبدية. ومنذ هذه اللحظة ملك الموت (رومية
12:5-14). فالموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد، والموت الروحي هو انفصال الروح
عن الله.

عندما أخطأ الإنسان، كان ينبغي أن يموت حيوان بريء لكي يغطي جلده عري
إنسان؛ لقد تطلب الأمر ذبيحة دموية كإشارة لذبيحة المسيح نفسه. ولأن الحياة هي في
الدم، كان لا بد من تقديم حياة. ولأن الإنسان تنازل عن سلطانه على الأرض للشيطان،
فكان لا بد من إنسان بلا خطية لكي يسترده مرة أخرى، ومن هنا جاءت أول نبوة عن
المسيا (تكوين 15:3).

لقد ورث الجنس البشري كله طبيعة آدم وحكم الموت الواقع عليه. فلقد
أتينا إلى هذا العالم متجنبين (منفصلين) عن حياة الله (أفسس 18:4)، ولنا هذا القلب
– الذي هو – أخدع من كل شيء ونجيس (إرميا 9:17)؛ وبالتالي فنحن أموات بالذنوب
والخطايا (أفسس 1:2).

وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي
المؤمنون باسمه (يوحنا 12:1).

إعلان عن المسيح:

كالخالق (تكوين 1:1). يوحنا 1:1-4؛ كولوسي 15:1-17؛ عبرانيين 3:11.
كنسل المرأة (تكوين 15:3). إشعياء 14:7؛ 6:9-7؛ غلاطية 4:4.

 

تكوين 4 – 6

سلاسل الأنساب: توجد في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين أربع سلاسل
من الأنساب الرئيسية. ففي الأصحاح الرابع سلسلة أبناء قايين، وفي الأصحاحين الخامس
والحادي عشر سلسلتا أنساب الآباء قبل الطوفان وبعد الطوفان. وفي الأصحاح العاشر
نجد جدول الأمم، فهو في الواقع ليس سلسلة أنساب، ولكنه موجز لما كان عليه الحال في
أيام موسى في استيطان بلاد الشرق الأوسط بعد الطوفان. وفي تحرك هذه القبائل والأمم
حدث اختلاط فيما بينها. ولكن في شعوب كنعان، مثلاً (10: 15- 18) نقرأ أن كنعان ولد
شعوباً وليس أفراداً. ومن الواضح أن حثا كان آريا، كما يرجح أن اليبوسي كان
حورياً. أما الأموريون فكانوا ساميين ولكنهم وجدوا بين أبناء حام. وكان مصرايم
ابناً آخر لحام، وهو اسم في صيغة المثنى للدلالة على اتحاد مصر العليا ومصر السفلى
في نحو سنة 3.000 ق.م.

 

ويعتقد الكثيرون من العلماء أن هناك بعض الأسماء الساقطة من الجدولين
في الأصحاحين الخامس والعاشر، كما يبدو نفس الشيء في بعض جداول الأنساب الأخرى.
فمثلاً لا يذكر بين لاوي وموسى سوى أربعة أجيال (خر 6: 16-20)، بينما بلغ عدد
اللاويين في زمن موسى وهرون 22.000 (عد 3: 39). كما أنه لو كان الجدول في الأصحاح
العاشر كاملاً، لكان معنى ذلك أن سام وابنه أرفكشاد قد امتد بهما العمر إلى ما بعد
إبراهيم، وهو ما لا يمكن أن نستخلصه من قصة إبراهيم.

 

وقد أدت ملاحظة هذه النقاط وغيرها إلى اعتبار أن تحديد
"أشر" (
Ussher) لتاريخ الخليقة (4.000 سنة قبل الميلاد) وتاريخ الطوفان (2.300
سنة ق.م.) غير صحيح، ويجب الرجوع بهذه التواريخ إلى ما قبل ذلك بكثير.

 

فَقَدَ آدم وحواء في الحال جميع مباهج الطاعة وطردا من جنة عدن عندما
تشككا في كلمة الله وتجاهلاها. وقد استمر نسل أبناء الله (تكوين 2:6،4) من خلال
شيث (تكوين 3:5) النسل الذي كان سيأتي منه يسوع المسيح (لوقا 38:3). ومن بين أحفاد
شيث أخنوخ الذي تميز بأنه سار مع الله في علاقة صحيحة، ومن بعده حفيده الرابع نوح
(تكوين 22:5،24،28-29).وبعد قتل قايين لهابيل استمر العنف والشر في التزايد على
الأرض من خلال بنات الناس – أي العصاة (2:6).

وحدث… أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم
نساء من كل ما اختاروا (تكوين 6:2). يبدو أن هذا التزاوج بين المؤمن وغير المؤمن
مرغوب في كثير من الأحيان – وكأنه شيء يدعو إلى الفخر وليس إلى الخوف.

بحسب حكم الناس يحدث أحيانا جدل بشأن هذه الزيجات بحجة أنها قد تجلب
فائدة، تماما كما نرى في هذا الجزء الكتابي: إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن
لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم (4:6). فإن القلب البشري قد
ينتفخ بالكبرياء من جهة الأبناء المولودين من هذه الزيجات المختلطة عندما يصبحون
من رجال الفن البارزين، أو من ذوي المهارة أو النفوذ أو الاسم.

ولكن حكم الرب كان مختلفا تماما. فلقد رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر
في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم (5:6). فالمبدأ الكتابي كان
دائما منذ البدء هو هذا: لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري
وبّخوها (أفسس 11:5)؛ محبة العالم عداوة لله (يعقوب 4:4)؛ لا تكونوا تحت نير مع
غير المؤمنين (2 كورنثوس 14:6). وهذا المبدأ لا ينطبق فقط على الزواج ولكن على
جميع مشاريعنا. فمن وجهة نظر الله، لا يمكن تحقيق فائدة ما من خلال التنازل عن
الحق لصالح علاقة غير مقدسة.

عندما تكلم الله مع نوح بشأن الدينونة الآتية على العالم، لم تكن
هناك علامات على ذلك. ولكن الإيمان لا ينتظر أن يرى شيئا حتى يؤمن، وإنما الإيمان
بالخبر والخبر بكلمة الله (رومية 17:10).

فالإنسان الطبيعي محكوم بما يراه بعينيه وما يفكر فيه بذهنه. ولكن
الإيمان محكوم فقط بكلمة الله. فكل ما يحتاج رجل الإيمان أن يعرفه هو أن الله قد
تكلم وهذا يحسم كل شيء. لذا فمن الواضح أنه ليس هناك ما هو أهم من فهم كلمة الله.

كان الفلك هو عطية النعمة التي أعدها الله لنوح، تماما كما أن المسيح
بالنسبة للمؤمنين هو المخبأ من دينونة الله وكذلك وسيلة الانفصال عن العالم
الشرير. إن خلاص نوح بواسطة الماء هو إشارة لمعمودية المؤمن (1 بطرس 21:3). فإنه
بسبب إيماننا بالمسيح – محررنا من الدينونة – كما أقيم المسيح من الأموات بمجد
الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة (رومية 4:6).

إعلان عن المسيح:

من خلال الذبيحة الدموية التي قدمها هابيل (تكوين 4:4-7). المسيح هو
حمل الله. يوحنا 29:1؛ عبرانيين 22:9؛ 4:11.إن أفضل إنجازات الإنسان لا تستطيع
أبدا أن تحل محل كفارة المسيح.

 

تكوين 7 – 9

قصة الطوفان: يخبرنا الكتاب المقدس بأنه حدث طوفان شمل كل العالم على
اتساعه، أرسله الله ليمحو الجنس البشري الخاطيء. وعند شعوب بلاد النهرين تقليد عن
الطوفان، كما عند الكثير من الحضارات الأخرى. وقد قام "أ. هيدل" (
Heidel) بدراسة القصة البابلية ومقارنتها بالقصة
الكتابية في كتابه "ملحمة جلجامش" (سنة 1949)، وقد وجد وجوه شبه كثيرة،
فكلتا القصتين تعكسان ما حدث فعلاً.

 

ولا يوجد دليل علمي على الطوفان، ولكن أيضاً لا يوجد دليل علمي ينفي
وقوعه. وقد أثبتت الحسابات الدقيقة لأبعاد الفُلك أنه كان يتسع فعلاً لكل
الحيوانات البرية التي دخلت إليه (أ.م. ريوميكل –في كتابة "الفيضان"
الذي نشره في عام 1951)، ولعل الفيضان لم يكن ظاهرة بسيطة كما كان يظن، فلربما كان
فيضاناً من المطر الغزير مع حدوث حركات في القشرة الأرضية، جعلت مستوى المياه في
المحيطات يرتفع، مع ذوبان الثلوج المتراكمة عند القطبين وعلى قمم الجبال العالية،
ويبدو جلياً أنه حدث تغيير كبير في المناخ منذ نحو 10.000 سنة، فمن الواضح أن
حيوانات الماموث التي عاشت في سيبريا منذ عصور بعيدة، عاشت في مناخ انتشرت فيه
النباتات الزهرية (التي وجدت في أفواهها) والحشائش. وواضح أيضاً أنها تجمدت فجأة،
وبعضها واقف على أرجله. وظلت متجمدة منذ ذلك الزمان (الرجا الرجوع إلى مادة
"طوفان"

 

يذكرنا الكتاب بطاعة نوح في ثلاث مرات. لقد كان نوح رجلا بارا كاملا
وسط جيله الشرير، وسار في شركة مع الله، وفعل حسب كل ما أمره به الرب (تكوين
9:6،22؛ 5:7). فليس على سبيل الصدفة أن الله اختار نوح لبناء الفلك وإتمام مشيئته.

لقد كان إيمان نوح ورغبته في طاعة الله هما الدافع لبنائه الفلك.
وهذا تصوير للحقيقة القائلة بأن الإيمان بدون أعمال الطاعة ميت (يعقوب 26:2). لقد
استطاع نوح أن ينقذ أسرته لأنه كان مطيعا لكلمة الله. كان الفلك هو الملجأ الأمين
من الموت؛ وكان أيضا مثالا للمسيح، يصور خلاص المؤمن من الموت الأبدي. مكتوب أن
نوح وجد نعمة في عينَي الرب (تكوين 8:6؛ قارن مع أفسس 8:2). وكما قال الرب لنوح
ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك (تكوين 1:7)، كذلك اليوم فإن المسيح، الذي هو
بمثابة الفلك لنا، ينادي قائلا: تعالوا إليّ.. وأنا أريحكم – أي عنده كمال السلام
والحماية والإعالة (متى 28:11).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ن نهرين ن

وكما أن نوح كان في مأمن من مياه الموت، كذلك فإن حياتنا أيضا مستترة
مع المسيح في الله (كولوسي 3:3).

إن الله نفسه الذي قال لنوح: اصنع لنفسك فلكا.. وادخل إلى الفلك، هو
الذي قال له بعد ذلك: اخرج من الفلك.. فخرج نوح.. وبنى نوح مذبحا للرب (تكوين 14:6؛
1:7؛ 16:8، 18، 20).

فالأمر كله مجرد طاعة بسيطة. إن طاعة الإيمان وعبادة الإيمان، يسيران
كلاهما معا. لقد بنى نوح مذبحه للرب. ونحن ندخل إلى محضر الله بواسطة المسيح لأجل
الخلاص، ونخرج بناء على وصيته من أجل الشهادة.

ولكن إيمان نوح تجاوز حدود الفلك إلى إله الفلك. فلقد بنى مذبحا للرب
وعبد الرب، ولم يأتِ ذكر الفلك مرة أخرى.

إن الخرافة قد تؤدي إلى عبادة الفلك على اعتبار أنه وسيلة الخلاص.
فإن القلب يميل إلى استبدال الرب بفرائضه. لهذا السبب اتجه بنو إسرائيل فيما بعد
لعبادة الحية النحاسية كمصدر لخلاصهم بدلا من الرب نفسه (2 ملوك 4:18).

وحتى في يومنا الحالي فإن البعض يؤسسون إيمانهم وضمانهم لطريق السماء
على أساس طاعتهم للفرائض. لقد كانت هذه هي أيضا مشكلة الكنيسة الأولى من جهة
الختان. ولكن بولس يقول: إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا (غلاطية 2:5). فيجب أن
يكون المسيح وحده – ربا للكل.

لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم: هو عطية الله: ليس من
أعمال كيلا يفتخر أحد (أفسس 8:2-9).

إعلان عن المسيح:

من خلال الفلك (تكوين 1:7،7). أعمال 12:4؛ 1 بطرس 20:3. المسيح، فلك
أماننا، يحمي المؤمنين من مياه الدينونة.

 

تكوين 10 – 12

حتى ذلك الحين كان الإنسان قد اختبر مرتين إعلان رحمة الله ونعمته
أثناء تنفيذه للقضاء على الخطية – أولا مع آدم ثم مع نوح. والآن ها هي أزمة جديدة
تحدث لتاريخ البشرية.

نمرود هو أول ملك يأتي ذكره في الكتاب المقدس، وكانت مملكته في بابل.
ونمرود معنى اسمه "المتمرد". ثلاث مرات نقرأ عنه أنه كان جبار صيد أمام
الرب. وترد عبارة مشابهة في (تكوين 11:6): وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض
ظلما (تكوين 8:10-9؛ 1 أخبار الأيام 10:1). ويبدو أن عبارة "أمام الرب"
تعني أن هذا المتمرد قد سار وراء خططه الطموحة متحديا الله.

لقد حشد نمرود الناس لبناء بابل: هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه
بالسماء ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض (تكوين 4:11). إن القلب
البشري يبحث لنفسه عن اسم – بدلا من انتظار الله، وفي الواقع فإن اسم الله لا يرد
ذكره بالمرة.

ترد كلمة "جبار" أربع مرات في وصف نمرود (تكوين 8:10-9؛ 1
أخبار الأيام 10:1). فلقد أسس أول إمبراطورية عالمية وملك عليها. كان طموحه يتمثل
في بناء برج يصل إلى السماء – ليس أنه كان يريد أن يصل إلى عرش الله القدير، بل
كان يريد هو وأتباعه أن يحصلوا على النفوذ الذي يجعلهم يحكمون العالم فيضطر العالم
أن يخضع لهم ويعبدهم. كان يناشد الشعب قائلا: هلم نصنع لأنفسنا اسما – أي الرغبة
في الشهرة. كان نمرود صيادا – ربما بمعنى صياد للناس الذين سينضمون إليه في تحديه
لله، وربما بمعنى أنه يقمع جميع الذين لا يخضعون لسلطانه. ولتحقيق خطته كان على
نمرود أن يمنع البشرية من التبدد على وجه كل الأرض (تكوين 4:11) – متحديا وصية
الله المعطاة أولا لآدم ثم بعد ذلك لنوح (28:1؛ 1:9).

واسم بابل يحتل مكانا بارزا في الكتاب المقدس ابتداء من الأصحاح
العاشر من سفر التكوين وحتى الأصحاح الثامن عشر من سفر الرؤيا؛ فهي دائما تشير إلى
شيء مضاد لإرادة الله. وفي سفر الرؤيا تتخذ بابل شكل نظام ديني فاسد يسمى بالزانية
العظيمة، أم الزواني (رؤيا 1:17،5).

هناك حركة عملاقة آخذة في التحرك في كل أنحاء العالم بهدف توحيد جميع
الديانات وأيضا جميع الشعوب. وهذه الوحدة الشيطانية قد خدعت فعلا الكثيرين. ولكن
الضمان الوحيد لعدم الوقوع في الخداع في هذا العصر المتمرد على القوانين هو في
معرفة كلمة الله والرغبة في السلوك بأمانة أمام الرب.

يشير نمرود إلى ضد المسيح الذي سيرتفع ويتعظّم على كل إله ويتكلم
بأمور عجيبة على إله الآلهة (دانيال 36:11-37). إن إنسان الخطية هذا، الذي يستعد
له العالم حاليا بسرعة، سيسود على النظام العالمي الجديد – بمساعدة من بابل. إنه
سيقاوم ويرتفع على كل ما يدعى إلها… مظهرا نفسه أنه إله. هذا المتمرد سيحك-م
العالم لفترة قصيرة – الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة (2
تسالونيكي 3:2-9؛ رؤيا 5:17).

إعلان عن المسيح:

كنسل إبراهيم (تكوين 3:12؛ 18:18). متى 1:1؛ أعمال 25:3-26؛ غلاطية
16:3. كان إبراهيم رمزا للمسيح الذي يقود إلى طريق الأرض الأفضل (يوحنا 2:14-4؛
عبرانيين 8:11-10).

 

تكوين 13 – 15

على عكس بابل المتمردة، كان إبراهيم مثالا لحياة الإيمان في طاعة
كلمة الله (تكوين 4:12). كانت دعوة إبراهيم تتطلب إيمانا – حتى يترك كل مقومات
الأمن والاستقرار في الحياة ويذهب إلى أرض لم يرها من قبل – لم يكن يعلم إلى أين
يأتي ولكنه كان يؤمن بكلمة الله (عبرانيين 8:11؛ يعقوب 21:2-24). أتت دعوة الله
لإبراهيم بينما كان في مدينة أور الكلدانيين، وهي بلد تعبد الأصنام وتقع بالقرب من
خليج العقبة (يشوع 2:24). إن إبراهيم هو مثال لنا من جهة الدعوة الروحية لأولئك
الذين هم أعضاء في عائلة الله – أبا لجميع الذين يؤمنون (رومية 11:4،16).

إن دعوة إبراهيم هي نقطة البداية لكل من يريد أن يطيع الله. فالمطلب
الأول هو الانفصال عن العالم – لأن كل ما في العالم.. ليس من الآب (1 يوحنا
15:2-17). كان إبراهيم مدعوا أيضا لترك أهله وعشيرته. فإن أوثق ربط المحبة البشرية
والولاء للقيادة البشرية يجب أن تقطع في سبيل خضوعنا الكامل لما كتبه الله في
كلمته.

عندما اقترب إبراهيم من أرض الموعد واجهته تجربتان. كان الكنعانيون
حينئذ في الأرض (تكوين 6:12)، وبالإضافة لهذا التحدي، حدث جوع في الأرض (10:12).
لقد أرسل الله الجوع لامتحان إيمان إبراهيم – فتخيلوا مجاعة في أرض الموعد! وكما
يحدث معنا عادة عندما نواجه مشاكل غير متوقعة، استخدم إبراهيم تفكيره الشخصي فنزل
إلى مصر بحثا عن الطعام بدلا من الثقة في أن الله سيعوله أينما يقوده.

عندما قرر إبراهيم أن يجد الطعام في مصر، أصبحت مشاكله أخطر من مجرد
نقص في الطعام. إن مصر ترمز إلى نظام هذا العالم؛ والتحالف مع العالم وحكمته هو
فشل للإيمان. ويل للذين ينزلون إلى مصر للمعونة… ولا ينظرون إلى قدوس إسرائيل
ولا يطلبون الرب (إشعياء 1:31). ولكن من المشجع أن نقرأ أن إقامة إبراهيم في مصر
كانت قصيرة: فصعد إبراهيم من مصر… إلى بيت إيل… إلى مكان المذبح… ودعا هناك
أبرام باسم الرب (تكوين 1:13،3-4). المذبح يشير إلى الخضوع لله وتقديم العبادة له
اعترافا باحتياجنا إلى قيادته.

إن امتحان إيمان إبراهيم هو أيضا امتحان جميع أولاد الله. فالاعتراف
يجب أن يمتحن، وفشل إبراهيم هو بمثابة تحذير من التأثر بالظروف بدلا من التأثر
بمواعيد الله.

وأخذ امتحان الإيمان يزداد (كما هو الحال دائما) فنقرأ عن حدوث
مخاصمة بين رعاة مواشي أبرام ورعاة مواشي لوط (7:13). كان ذلك بمثابة فرصة
لإبراهيم لكي يمارس إيمانه، فقال للوط: لا تكن مخاصمة بيني وبينك… لأننا نحن
أخوان. ثم أعطاه حرية الاختيار (8:13-9). وهنا ظن لوط أنه قد أصبح على الطريق
السريع المؤدي إلى النجاح الباهر، فاختار كل سهول الأردن الجميلة ذات المياه
الوفيرة وسرعان ما أصبح من أعيان سدوم وصار يشغل فيها مركزا مرموقا. فبحسب ذهنه
العالمي، قرر لوط أن يؤجل احتياجاته الروحية لوقت أكثر رخاء. ولكن نظرة الإيمان
الفاحصة كانت تستطيع أن تميز أن الناس السائدين على سدوم والمتحكمين فيها كانوا
أشرارا وخطاة لدى الرب جدا (10:13-13).وكما سبق القول بالنسبة لنمرود فإن كلمة
"لدى الرب" تعني ضد الرب.

إن الطمع يسعى نحو الاختيار الأفضل ويصارع من أجل المكان الأول، ولكن
الإيمان يثق في الله حتى أنه لا يحتاج أن يصارع من أجل حقوقه. وفي الواقع فإنه
يعرف تماما أنه مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ (أعمال 35:20؛ رومية 10:12؛ فيلبي
3:2).

إعلان عن المسيح:

من خلال رئيس الكهنة ملكي صادق (تكوين 18:14-20). عبرانيين 15:4-16؛
5:5-10؛ 1:7-4). إن المسيح هو اليوم رئيس كهنتنا الذي يشفع فينا بالصلاة.

 

حياة إبراهيم: لا شك في أن إبراهيم لم يكن الرجل الوحيد الخائف الله
في ذلك الوقت بل كان هناك كثيرون مثل أخنوخ قبل الطوفان وملكي صادق بعده. ولكن
بالنسبة لإبراهيم، قرر الله أن يفعل شيئاً جديداً- أن يجمع شعبه في مكان واحد،
وبإعلان مكثف لكلمته ونعمته، لإعداد جماعة متماسكة من الناس توطئة لظهور المسيح
وبركة الأمم. ويجب ملاحظة أن فلسطين كانت جسراً بين قارات العالم القديم، فكانت
تمر بها القوافل بين ثلاث قارات، وكان على اليهود بعمل المسيا فيهم، أن يكونوا
نوراً للأمم (إش 42: 6، 49: 6، 51: 4).

 

اختار الله إبراهيم وأوصاه بتقديم الذبائح وأعطاه الختان ليكون علامة
العهد. وكان الختان يمارس في مصر وغيرها عند سن البلوغ، ولكن من المعلوم أن ختان
الأطفال الذكور عند اليهود كان فريداً في ذلك العصر. وكان علامة لنسل إبراهيم،
وعلامة نعمة أيضاً (تك 17: 14، تث 30: 6، رو 2: 29). وفي زمن موسى كانت عشيرة
إبراهيم قد أصبحت أمة. وموضوع تقديم الذبائح قديم يعود إلى أيام آدم. وكان إبراهيم
يؤمن بإله واحد حي حقيقي، ويدرك خطية البشر، فقد م الذبائح للتكفير، لأنه كان
ينتظر مجيء الفادي، والشركة السماوية الأبدية مع الله (تك 22: 8و 18، يو 8: 56، عب
11: 10).

 

تكوين 16 – 18

كان من الواضح بلا أدنى شك أن إبراهيم قد فقد كل شيء، لأن لوط اختار
كل حوض نهر الأردن (تكوين 11:13). ولكن لا يمكن أن يخسر إنسان جعل الله أولا في
حياته – هذا مستحيل ! ونقل أبرام خيامه وأتي وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون،
وبنى هناك مذبحا للرب (تكوين 18:13).

مرت خمسة وعشرون سنة منذ أن استجاب إبراهيم لدعوة الله بترك أور
الكلدانيين، وكان قد تلقى وعدا من الرب بأن نسله سيكون كتراب الأرض (تكوين 16:13).
ولكن مرت السنون، وظل إبراهيم بلا أبناء.

كان هذا الأمر يؤرق إبراهيم، فلقد قال له الله أن نسله سيرث الأرض
(تكوين 15:13). ولكن أين هو الوارث؟ فصلى إبراهيم وسأل الرب هل المقصود أن عبده
الأمين أليعازر الدمشقي سيكون هو الوارث له؟ ولكن الله أجابه قائلا: انظر إلى
السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها. وقال له هكذا يكون نسلك (تكوين 5:15).

عندما يمتحن إيماننا، فإننا كثيرا ما نحاول أن نساعد الله في تحقيق
مواعيده باستخدام الحكمة البشرية والخطط البارعة والأساليب التي لا تتفق مع ما
يعرف بإرادة الله الكاملة. هذا ما فعله إبراهيم. ومرت سنوات أخرى ولم يأتِ الابن،
فقالت سارة لإبراهيم: هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة، ادخل على جاريتي (هاجر
المصرية) لعلي أرزق منها بنين. وفي هذه المرة لم يصلِّ إبراهيم كما في المرات
السابقة، ولكنه في الحال سمع لقول ساراي (تكوين 2:16). وعلى الرغم من أنه ولد ابنا
من هاجر، وهو إسماعيل، إلا أنه كان من الواضح أنه ليس المحقِّق لوعد الله.

ومرت 13 سنة منذ ولادة إسماعيل (تكوين 16:16؛ 1:17)، ثم تكلم الله
مرة أخرى مع إبراهيم قائلا له: أنا الله القدير، سر أمامي وكن كاملا… لا يدعى
اسمك بعد أبرام (أي الأب المتعالي) بل يكون اسمك إبراهيم (أي أب لأمم كثيرة)…
وساراي امرأتك تدعو اسمها سارة (وتعني الأميرة)… وأباركها وأعطيك أيضا منها
ابنا… فتكون أمما وملوك شعوب منها يكونون (تكوين 1:17-19).

كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت 99 سنة وكان عمر سارة 90 سنة. فبحسب
المنطق البشري كان مستحيلا أن يلدا ابنا. ولكن الله لا يتعجل في تنفيذ خططه. ربما
كان إبراهيم وسارة قد شاخا على أن يكون لهما ابن، ولكن الله كان مزمع أن يعلمنا أن
غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله (لوقا 27:18).

إن جميع المؤمنين بالمسيح هم أبناء روحيون لإبراهيم وهم إسرائيل
الحقيقي في نظر الله. هذا ليس لأنهم نسل بحسب الجسد، ولكن الذين ينطبق عليهم
الوعد، الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم… الله سبق فبشر إبراهيم أن فيك
تتبارك جميع الأمم… فكل الذين يسلكون بحسب هذا القانون عليهم سلام ورحمة وعلى
إسرائيل الله (غلاطية 7:3-8،14؛ 16:6؛ أيضا رومية 6:9-8).

إعلان عن المسيح:

كنسل إسحاق (تكوين 19:17). جاء المسيح من نسل إسحاق (لوقا 34:3؛
عبرانيين 18:11).

 

تكوين 19 – 21

كان لوط يبدو ناجحا جدا لأننا نجده جالسا في باب سدوم (تكوين 1:19)
أي في مكان السلطة. لقد أصبح من قادة المدينة – ربما قاضيا (تكوين 9:19).

ما أبعد ذلك عن أسلوب إبراهيم، الذي كان ينظر إلى الأمور التي لا ترى
التي هي أبدية (2 كورنثوس 18:4) في حين كان لوط يضع عينيه على الكسب المادي. فمع
أنهما كانا قد خرجا معا من أور الكلدانيين في طريقهم إلى أرض الموعد، إلا أن
أهدافهم كانت مختلفة تماما.

يعرف إبراهيم بأنه أبو المؤمنين (أي الأمناء). ويبدو أن السبب الوحيد
الذي من أجله ذهب الملاكان إلى منزل لوط في سدوم لتحذيره من دمارها الآتي هو صلاة
إبراهيم، حيث نقرأ: وحدث لما أخرب الله مدن الدائرة أن الله ذكر إبراهيم (تكوين
29:19). فإنه فقط من أجل خاطر إبراهيم تمكن لوط من النجاة. لقد كان الملاكان
مترددين في دخول منزل لوط وفي قبول ضيافته. فقالا: لا بل في الساحة نبيت (تكوين
2:19). ياله من توبيخ! إنها إشارة إلى إدانتهما لاختلاط لوط بشعب سدوم الشرير.

إن الكتاب المقدس يدين بوضوح الشذوذ الجنسي (اشتهاء المماثل) واللواط
(مضاجعة الذكور) باعتباره خطية شريرة ومشينة. ويعلن الناموس أن الشذوذ الجنسي شر
عظيم، مثله مثل الزنى والفسق (قارن لاويين 22:18-30؛ 13:20؛ رومية 24:1-27؛ 1
كورنثوس 9:6-10؛ 1 تيموثاوس 10:1).

يا لها من نهاية مؤسفة انتهى إليها لوط. فلقد سقته ابنتاه خمرا، وفي
سكره أصبح أبا للعمونيين والموآبيين وهما ألد أعداء شعب الله (تكوين 31:19-38).

يشير لوط إلى المسيحي الذي حاد عن طريق الله، واضعا عينيه على الأمور
المادية، فاندثر وصار إلى لا شيء في حين أن أنظارنا تتركز على إبراهيم الذي صار
أبا للأمناء.

وافتقد الرب سارة كما قال… فحبلت سارة وولدت لإبراهيم ابنا في
شيخوخته في الوقت الذي تكلم الله عنه (1:21-2). فهناك وقت محدد وأوان معد وسنحصد
في وقته إن كنا لا نكل (غلاطية 9:6). ودخل ابن الموعد المولود بمعجزة إلى بيت
إبراهيم، وسارة، وهاجر الجارية، وإسماعيل، وبذلك دخل عنصر جديد تماما إلى بيت
إبراهيم. وكشف ابن الجارية عن طباعه الحقيقية بمقاومته لإسحاق، الذي هو ابن
الإيمان. وأصبح إسماعيل أبا لاثنَي عشر أميرا، وصار أمة كبيرة، ولكنه كان ابن
الجارية. وأبغض إسماعيل إسحاق الذي هو ابن الإيمان لأن إسحاق كان ابن المرأة الحرة
والوارث لثروة العائلة.

وعلى عكس ذلك فمهما كان إسحاق ضعيفا ومحتقرا، إلا أنه كان ابن
المعجزة الابن الذي وعد به إبراهيم الأمين. هذان الابنان، إسماعيل وإسحاق، يمثلان
طبيعة حياتنا. فإننا نولد أولا من الجسد، ولكن بمجرد أن يؤمن الخاطئ بقلبه ويعترف
بفمه بالرب يسوع، فإنه يصبح مالكا لحياة جديدة. هذه الحياة هي في المسيح بمعجزة
الولادة الجديدة، وتجعل المؤمن ابنا بالإيمان؛ والجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد
الجسد: وهذان يقاوم أحدهما الآخر (غلاطية 17:5؛ رومية 9:10؛ كولوسي 4:3؛ 1 يوحنا
1:3-2؛ غلاطية 26:3؛ 31:4).

إعلان عن المسيح:

من خلال إسحاق، ابن الموعد (تكوين 12:21) – بالمقارنة مع إسماعيل ابن
الجارية (غلاطية 22:4-31). إن الحياة في المسيح تحررنا من عبودية الناموس.

 

 تكوين 22 – 24

الإيمان الكامل غير المتزعزع يتحقق فقط من خلال تجارب عديدة عبر سنين
عديدة. في هذه المرة كان الله يقدم الامتحان الأعظم لإيمان إبراهيم عندما قال له:
خذ ابنك وحيدك الذي تحبه… وأصعده محرقة (تكوين 1:22-2).

ولكن يجب ألا يفوتنا أن امتحان الله لإبراهيم جاء بعد هذه الأمور. أي
بعد أن ترك إبراهيم وطنه وكل ما كان عزيزا لديه، وبعد أن اختبر نتائج النزول إلى
أرض مصر من أجل الطعام؛ وبعد أن اختار لوط أن يأخذ لنفسه كل الأرض الجيدة الخصبة
وترك له الجبال؛ وبعد أن انتظر 25 سنة حتى جاء ابن الموعد؛ وبعد أن ترك إسماعيل
المنزل؛ وبعد أن قال له الله بإسحاق يُدعى لك نسل (تكوين 12:21)؛ وأيضا بعد أن كبر
إسحاق. بعد هذه الأمور كلها امتحن الله إيمان إبراهيم من جهة تقديم إسحاق كمحرقة.

كانت هذه بلا شك مفاجأة مذهلة وتجربة مؤكدة لإبراهيم. ولكن إيمانه
انتصر على المنطق البشري وعلى حبه العميق لإسحاق. فإن طول السنين التي قضاها
إبراهيم في الثقة في الرب ولّدت في داخله إيمانا غير مشروط تجاه كفاية الله. لم
يكن صوت الله غريبا عليه، وكان إيمانه قد نما عبر السنين إلى حد اليقين بأن الله
لا يخطئ أبدا. كان صوت الله واضحا كل الوضوح: خذ الآن ابنك وحيدك – نعم، إسحاق –
ابن المعجزة – ابن الموعد – الذي يُفترض أن نسله سيصير كنجوم السماء في الكثرة.

لم تحدث لحظة تردّدٍ واحدة، وإنما بكّر إبراهيم (تكوين 3:22).
فالإيمان لا يتوقّف لينظر إلى الظروف أو ليرهب النتائج، وإنما ينظر فقط إلى الرب،
معتمدا على كلمته كالأساس الوحيد للتحرك. لقد حسب أن الله قادر على الإقامة من
الأموات (عبرانيين 19:11).

يستمر الله في بناء إيماننا على قدر استجابتنا لقيادته. فإننا فقط من
خلال التجارب غير المتوقعة نستطيع أن نتعلم عظمة الله ونعمته وأمانته وكفايته.
فعندما تصلي بإيمان لا تندهش من الإحباطات والصعوبات التي تصادفك. فهناك تجارب
عديدة – تكاد تكون يومية – هدفها تقوية حقيقة إيماننا. لأن الله يودّ أن يستحوذ
على ولاء قلوبنا بالكامل.

كثيرا ما نفترض أن الله يسرّ بنا عندما نستخدم مواهبنا وطاقاتنا
وإمكانياتنا لخدمته. ولكن الله يسر بالأولى بالحق في الباطن (مزمور 6:51) أي الصدق
الداخلي وليس مجرد خدمة الشفتين.

من السهل أن نتكلم عن الإيمان عندما لا يكون له متطلبات. فمن السهل
أن نقول مع بطرس: وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا… ولو اضطررت أن أموت معك
لا أنكرك (متى 33:26،35). ولكن الأمر كان مختلفا تماما عندما كتب بطرس فيما بعد
قائلا: لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار (1
بطرس 7:1).

هذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا (1 يوحنا 4:5).

إعلان عن المسيح:

من خلال إسحاق الذي أبدى استعدادا كاملا لتقديم نفسه (تكوين 7:22-10؛
قارن مع يوحنا 11:10-18).

 

تكوين 25 – 27

اثنان فقط في الكتاب المقدس يُقال عنهما أنهما صيادان – نمرود وعيسو
– وتوجد أمور كثيرة مشتركة بينهما.

قيل عن عيسو أنه كان إنسان البرية (أو الحقل) (تكوين 27:25). ونعرف
من متى 38:13، أن الحقل هو العالم. فعيسو كان مثالا لإنسان العالم. رجع من الحقل
جائعا، وهذا الجوع يشير إلى أكثر من مجرد الاحتياج الجسدي، لأنه لا يوجد شيء في
العالم يستطيع حقاً أن يشبع. فعيسو يرمز إلى غير المؤمن، ونسله هم الأدوميون
(تكوين 36؛ ملاخي 2:1-3) الذين قاوموا شعب الله بكل وحشية.

وعلى عكس عيسو، كان يعقوب إنسانا كاملا يسكن الخيام (تكوين 27:25).
و"كاملا" تعني مستقيما وصادقا وطاهرا، هذه هي طبيعته كرجل الله.

كان يعقوب يعرف مصدر الشبع، ولعلمه بطبيعة أخيه قال له: بِعني
بكوريتك (31:25). لقد عرض يعقوب أن يشتري ما سبق وأنبا به الرب أنه من نصيبه
(23:25). فالبكورية كانت موضع فخر، أن يكون حاملها وارثا للعهد الذي صنعه الله مع
إبراهيم ونسله. لقد كانت تمثل حلقة في سلسلة النسب التي من خلالها سيولد المسيا في
هذه العالم (عدد 17:24-19).

كشف عيسو عن طبيعته الحقيقية عندما قال: ها أنا ماض إلى الموت.
فلماذا لي بكورية؟ (تكوين 32:25). وبالطبع لم يكن عيسو يقصد أنه يكاد أن يموت من
الجوع، لأنه لو كان حقا هكذا لكان في إمكانه أن يجد طعاما في بيت إسحاق أبيه. ولكن
من الواضح أنه كان يقصد أنه لا يبالي بأمور الله. ويسجل التاريخ عن عيسو أنه كان
شخصا مستبيحا ومجدفا (عبرانيين 16:12). وتظهر أيضا استهانة عيسو بالقيم الروحية في
زواجه من بنات حث ومن بنت إسماعيل (تكوين 46:27؛ 9:28). ويؤكد الروح القدس على
استهانة عيسو بالقيم الروحية في تحذيره للمزمعين أن ينضموا للمسيحية لئلا يكون أحد
زانيا أو مستبيحا كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته (عبرانيين 16:12).

كان إسحاق قد فقد بصره (تكوين 1:27)؛ ولكنه للأسف كان قد فقد أيضا
بصيرته لكلمة الله من جهة علاقة العهد. كان إسحاق يعرف أن الله قد أعلن بواسطة
رفقة أن عيسو سيستعبد ليعقوب (22:25-23؛ قارن رومية 1:10-7؛ عبرانيين 20:11).

ولهذا السبب كانت لرفقة كل هذه الشجاعة والإيمان بالله. فلقد خاطرت
بالتعرض لغضب زوجها الضرير من أجل تحقيق النبوة التي اؤتمنت عليها من الله قبل
ولادة التوأمين (تكوين 22:25-23). فلقد كان يعقوب محقا في شراء البكورية من عيسو
الذي احتقرها (تكوين 32:25-34). وقد أكرم الله إيمان رفقة وإيمان يعقوب بأنه أعطى
البكورية ليعقوب.

فإن كان من المحتم على خادم الرب الأمين أن يتعرض للخيانة وللاتهام
زورا، إلا أنه من المشجع أن نرى من اختبار يعقوب أنه يستحيل أن يقدر أي إنسان أن
يمنع خادم الرب المختار من تحقيق إرادة الله الكاملة. فإذا ليس لمن يشاء ولا لمن
يسعى بل لله الذي يرحم (رومية 16:9).

إعلان عن المسيح:

كالنسل الروحي (تكوين 4:26). جميع المؤمنين الحقيقيين في المسيح هم
أبناء الموعد (يوحنا 12:1-13؛ 1 يوحنا 9:3).

 

تكوين 28 – 30

إسحق ويعقوب: لا نعرف عن حياة إسحق إلا القليل، فقد غطت على قصته قصة
ابنه يعقوب. ولكن على العموم كان إسحق رجلاً مسالماً، حوَّل خده الآخر لأبيمالك
(تك 26: 17-31)، وأعطاه الله الوعد بالمسيا (تك 26: 4)

 

أما يعقوب فقد احتال للحصول (بمشورة أمه) على حق البكورية. ولكن لا
ننسى أنها كانت موعوداً بها من الله للصغير (تك 25: 23). وكان يعقوب يرغب في حق
البكورية لأسباب روحية أكثر منها مادية. وقد كرَّس يعقوب نفسه لله في بيت إيل (تك
28: 20-22). وقد نسب يعقوب وزوجتاه الفضل في إعطائه الأولاد عن طريق الصلاة (تك
30)، كما ينسب يعقوب الفضل في تكاثر غنمه لله وليس لمحاولاته هو (تك 31: 9 و42).
وقد بنى يعقوب صلاته في فنوئيل على مواعيد الله، كما على طاعته لأوامر الله (32:
9-12). وفي مصارعته مع الملاك، التمس يعقوب بركة الله، وليس المنفعة المادية (32:
25-30). وفي حديثه مع عيسو نسب كل ما صار له إلى إنعام الله عليه (تك 33: 11).

 

من المؤسف أن نرى تصميم إسحاق على منح بركة إبراهيم المقدسة لعيسو
صاحب الذهن العالمي، وأن تضطر رفقة إلى الاحتيال لتضمن ليعقوب الشيء الذي كان من
حقه بحسب وعد الله. وبعد لحظات من حصول يعقوب على بركة البكورية من إسحاق أبيه دون
علمه، يأتي عيسو ويكتشف إسحاق أن الله قد أبطل خطته غير المبنية على الطاعة. اضطرب
بشدة – فارتعد إسحاق ارتعادا عظيما جدا (تكوين 33:27). ولكنه أسرع بطلب يعقوب ورفقة،
وأكد مرة أخرى على إعطائه البركة ليعقوب وأضاف قائلا: الله القدير يباركك ويجعلك
مثمرا (تكوين 3:28). وقد كانت رفقة حريصة جدا على أن يأخذ يعقوب لنفسه زوجة بحسب
مشيئة الله، والآن أصبح إسحاق يشاركها في هذا الحرص، فقال له: لا تأخذ زوجة من
بنات كنعان. قم اذهب إلى فدان أرام… وخذ لنفسك زوجة من هناك (1:28-6).

وعلى الرغم من أن إسحاق قد عاش 43 سنة بعد محاولة سلب يعقوب حق
البكورية وإنكار مقاصد الله المعلنة لرفقة، إلا أن هذه السنوات الباقية كانت عديمة
الفائدة من الناحية الروحية. على عكس يعقوب الذي وهو على فراش الموت استطاع أن
يعطي نبوات عجيبة تخص أبناءه الاثنَي عشر كما هو مدون في الأصحاح التاسع والأربعين
من سفر التكوين.

بعد ذلك غادر يعقوب بئر سبع، بلا خريطة ولا رفيق، في رحلة طولها 500
ميلا شمال أعالي نهر الفرات متجها إلى فدان أرام. وقد كانت المدينة الرئيسية هناك
هي حاران، بلد إبراهيم قبل أن يهاجر إلى كنعان. وقد وصل يعقوب في الليلة الأولى
إلى قرب بيت إيل، خارج المدينة (10 أميال شمال أورشليم – وحوالي 64 ميلا شمال بلده
في بئر سبع). ربما كانت هذه هي الليلة الأولى في حياته التي يقضيها خارج المنزل،
والمرة الأولى التي يضطر فيها أن ينام على الأرض وليس له وسادة سوى الأحجار
الباردة. ولكنها أيضا كانت المرة الأولى في حياته التي يحصل فيها على رؤيا عظيمة
من إله إبراهيم – رؤيا معزية ومطمئنة من جهة أسمى بركات الله له. وقد أدرك يعقوب
أن ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء (تكوين 17:28). وقد تشجع قلبه جدا إذ أيقن
أنه في محضر الله وفي صميم إرادة الله. وقد تكلم الرب إليه في هذه الليلة قائلا:
أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك
ولنسلك… وهاأنا معك وأحفظك حيثما تذهب… لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به (تكوين
13:28،15). كان هذا بمثابة تأكيد ومباركة من الله على شجاعة يعقوب وفطنته الروحية.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد جديد إنجيل متى 16

وقد حفظ الرب يعقوب في رحلته الطويلة المنفردة. وعند دخوله إلى فدان
أرام لم يكن بالصدفة أنه وصل إلى بئر تخص خاله. ولا نندهش أيضا من أن راحيل ابنة
خاله تأتي إلى تلك البئر عينها وفي نفس تلك اللحظة. ما أروع البركة التي بارك بها
الله يعقوب إذ قاده إلى مكان خاله الذي استقبله بكل حرارة وترحاب. كان كل شيء يسير
بحسب خطة إلهية. فليست هناك صدف في عالم يحكمه الله، لا أحداث تحدث بالصدفة ولا
خسائر تأتي بالصدفة، وإنما كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله (رومية
28:8).

فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا
أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة
الله التي في المسيح يسوع ربنا (رومية 38:8-39).

إعلان عن المسيح:

كالرب الذي يوفر الحماية بحضرته غير المرئية (تكوين 13:28-16)

 

تكوين 31 – 33

بينما كان يعقوب راجعا إلى المنزل، وصله خبر بأن عيسو أخاه قادم
لملاقاته مع 400 من الرجال المسلحين. ولم يفسر يعقوب ذلك على أنه علامة استقبال
حار. فعلى الرغم من مرور 20 سنة، إلا أنه لم يكن في استطاعته أن ينسى أن أخاه كان
قد هدده بالقتل. لذا فلا عجب أن نقرأ عنه أنه خاف جدا وضاق به الأمر (تكوين 7:32).
لقد شعر الآن بحاجة ملحة للصلاة. وقبل أن يصلي، كان يعقوب قد بذل مجهودات كبيرة في
تنظيم امرأتيه وجاريتيه وأولاده والقطيع الذي معه حتى إذا ما هجم عيسو من اتجاه ما
يمكن للآخرين أن يهربوا في الاتجاه الآخر.

لاحظ الطريقة التي صلى بها يعقوب – كان يذكّر الرب بكلمته: ارجع إلى
أرضك… فأُحسن إليك (تكوين 9:32؛ 3:31). إننا نحتاج حقا أن نتعلم درسا من يعقوب –
نحتاج أن نعرف كلمة الله جيدا حتى يمكننا أن نذكر الرب بأننا مستندون على وعوده
الخاصة لنا.

وبكل خضوع اعترف يعقوب أيضا للرب بأنه على الرغم من وعوده له إلا أنه
غير مستحق – صغير أنا عن جميع ألطافك (تكوين 10:32). كم ينطبق ذلك على كل واحد
منا! لقد أخطأنا في حق الرب 70 مرة 7 مرات ولا نستحق أية إجابة لصلواتنا (متى
22:18)، وطالما أننا واثقون في أنفسنا ومستكبرون لا نتوقع من الله أن يسمع صلاتنا.
إننا نحتاج أن ننحني أمامه في تذلل عميق، ونشكره من أجل رعايته وكفايته، ونحمده
لأن أماننا وشبعنا يستقران حقا فيه.

لاحظ أيضا الدافع الذي دفع يعقوب للصلاة: نجّنى من يد أخي من يد عيسو
لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين (تكوين 11:32). ربما يبدو في
البداية أن يعقوب كان يتضرع فقط من أجل مصالحه الشخصية، وأن هذه هي مجرد صلاة من
أب وزوج محب. ولكنه سرعان ما أضاف قائلا: وأنت قد قلت إني أحسن إليك وأجعل نسلك
كرمل البحر الذي لا يعد للكثرة (تكوين 12:32).

لقد كان يعقوب يتضرع من أجل ما هو أبعد من حماية الأشخاص المحبوبين
لديه. لقد كانت صلاته من أجل مجد الله في تحقيق الوعد المعطى لإبراهيم.

كانت جميع المظاهر الخارجية تشير إلى أن يعقوب يواجه موتا محققا.
فلقد قضى ليلته على انفراد بعيدا عن أسرته يصارع مع الله في الصلاة. جاهد مع
الملاك وغلب، بكى واسترحمه (هوشع 4:12). واستجاب الله لصلاته، وكانت بداية إعلان
جديد في علاقته الروحية مع الرب الذي قال له: لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل
إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت (تكوين 28:32).

لاحظ أولا أنه لم يقترب من الله فقط كإله إبراهيم، ولكن إيمانه كان
ثابتا في علاقة العهد التي اختبرها في بيت إيل عندما قال له الرب: أنا معك وأحفظك
حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض لأني لا أتركك (13:28-15). إن لنا امتياز أعظم
بكثير وهو أن نأتي بالصلاة إلى الله أبينا في علاقة العهد مع يسوع المسيح مخلصنا
ووسيطنا الذي قال: ها أنا معكم كل الأيام (متى 20:28).

إعلان عن المسيح:

كملاك الله الذي يرشد (تكوين 11:31-13). فالملاك لا يتكلم فقط
بالنيابة عن الله ولكن بصفته الله غير تارك أي شك في أنه هو الرب

 

تكوين 34 – 36

بعد أن رحل عيسو، استمر يعقوب في تحقيق الأمر الذي أمره به الله: أنا
إله بيت إيل… ارجع إلى أرض ميلادك (تكوين 13:31). ولكن قرب نهاية رحلته، اكتشف
إبراهيم السهول الجميلة والفرص المتاحة للكسب المادي بالقرب من شكيم. ويبدو أنه
توقع بركة الله على عصيانه عندما أقام هناك مذبحا (تكوين 20:33) وسكن في شكيم.

ولمدة عشر سنوات كانت إقامته تبدو كأنها ناجحة. لكننا نقرأ بعد ذلك
عن مأساة ابنته، عندما رآها شكيم… رئيس الأرض، وأخذها واضطجع معها وأذلها (تكوين
2:34). استطاع الله عندئذ أن يلفت انتباه يعقوب، فقال له من جديد: قم اصعد إلى بيت
إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحا (تكوين 1:35) – وكأنه يريد أن يذكر يعقوب بأن
مذبحه وعبادته في هذا الوسط الوثني العالمي غير مقبولَين. ونظرا لأن يعقوب كان قد
أهمل المكان الحقيقي للعبادة، فلقد تنجست أسرته بالأوثان. فكانت الترافيم التي
سرقتها راحيل فخا للأسرة كلها. ولكن الآن بدأ يعقوب يمارس سلطته الأبوية فطلب من
أهل بيته ألا يخضعوا للآلهة الكاذبة، بل أن يتطهروا ويبدلوا ثيابهم (تكوين 2:35).

ما أكثر ما يعاني الأبناء نتيجة لعصيان الوالدين لكلمة الله، إذ
يكونون منهمكين جدا في تحقيق الأهداف المادية لدرجة أنهم يؤجلون الأهداف الروحية.
وبهذه الطريقة فإنهم يتركون الباب مفتوحا أمام قوى الجذب العالمية التي كثيرا ما
تقود إلى خطايا مؤلمة.

في كثير من الأحيان، عندما نزداد ماديا فإننا ننقص روحيا؛ ونظل هكذا
إلى أن نصطدم بأزمة شديدة، عندئذ يستطيع الله أن يسترد انتباهنا من جديد.

في بيت إيل لم يكن يعقوب يمتلك شيئا، وهناك وقف الرب مؤكدا له وعده:
ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض (تكوين 13:28-14). ومرة أخرى عاد يعقوب إلى
بيت إيل وبنى مذبحا. وهنا أيضا يذكره الله ببركاته العظيمة – لا يدعى اسمك فيما
بعد يعقوب بل يكون اسمك إسرائيل (أي جندي الله)… أثمِر واكثِر (تكوين 10:35-11).

نحن أيضا نحتاج أن نتذكر كيف بدأنا سيرنا مع الله، بثقة كاملة، وكيف
توسلنا إليه من أجل العون والقوة الإرشاد والفهم. ولكن مع مرور الوقت باركنا الله،
ولم يعد لدينا نفس هذا الإحساس بالاحتياج ولا نفس الاتكال البسيط على الله كما كان
لنا في البداية. لقد أصبحنا مكتفين بذواتنا – ولم نعد معتمدين على الله كما في
الفترة التي كنا نحتاج بشدة أن نصلي قائلين: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم (متى 11:6)،
لأننا قد أصبح لدينا الآن مخزون يكفي لعدة أيام.

انظر على سبيل المثال الرسالة التي كتبها بولس إلى كنيسة أفسس. فهي
تأخذنا إلى السماويات – حيث لا توجد إشارة واحدة إلى مشكلة روحية أو أخلاقية. ولكن
بعد سنوات قليلة فقط، تلقى يوحنا في جزيرة بطمس رسالة من المسيح تمدح المؤمنين في
أفسس من جهة أعمالهم وتعبهم وصبرهم وتمسكهم الشديد بالحق الكتابي. ولكن الرب يقول
لهم أيضا: عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى، فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال
الأولى (رؤيا 2:2-5).

إعلان عن المسيح:

كالله القدير (تكوين 11:35). قال يسوع: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن
(يوحنا 58:8).

 

اقرأ تكوين 37 – 39

كان يوسف هو الابن الوحيد ليعقوب الذي أبدى اهتماما بالأمور الروحية.
وربما كان ذلك هو سر الحب العميق الذي كان في قلب يعقوب من جهة يوسف. وقد كان يوسف
منزعجا من جهة إخوته وسلوكهم الرديء أثناء وجودهم بعيدا عن المنزل، وقد شارك مع
أبيه هذا الأمر (تكوين 2:37). إن البعض لا يحبذون كشف الشرور، والبعض الآخر يقولون
أنهم لا يحبون التدخل في هذه الأمور. ولكن يوسف كانت لديه الأمانة الروحية وكان
مستعدا لتحمل الإساءة من إخوته بسبب كشفه لطبيعتهم الشريرة. وقد تحول هذا الحقد
إلى بغضة له عندما كشف يوسف عن أحلامه النبوية معلنا أن الله لديه مكانة خاصة لهم
في التاريخ.

مضى إخوة يوسف ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم – وهي تقع على مسافة بعيدة
من البيت (تكوين 12:37). وبعد فترة من الزمن أراد يعقوب أن يطمئن على سلامة
أبنائه، فأرسل يوسف ليرى هل كل شيء على ما يرام (تكوين 14:37). وبعد بحث طويل وجد
يوسف إخوته، وتوقع بلا شك أن يخبرهم أخبارا طيبة ويفرح بينما يتناولون الطعام معا.
ولكنهم لهول صدمته، خلعوا عنه قميصه الملون… وطرحوه في البئر… ثم جلسوا
ليأكلوا طعاما (تكوين 23:37-25). ثم إذ رأوا قافلة إسماعيليين في طريقها إلى مصر،
باعوه لهم عبدا. وكانت آخر ذكرياتهم عن أخيهم هي منظره وهو يتوسل إليهم طالبا منهم
ألا يقتلوه.

وعند وصول الإسماعيليين إلى مصر باعوه في سوق العبيد لفوطيفار وهو
أحد القادة لدى فرعون. وبسبب افتراءات زوجة فوطيفار، أُلقي يوسف في السجن حيث ظل
لعدة سنوات – محبوسا في زنزانة – آذوا بالقيد رجليه، في الحديد دخلت نفسه (مزمور
16:105-22). فمع أن يوسف لم يرتكب جرما إلا أنه عومل بوحشية. ولكن في هذه الأمور
كلها، كانت لديه الثقة بأن الرب كان معه (تكوين 21:39-23؛ مزمور 17:105-19).

تذكر هذا! إن الله استخدم بغضة إخوة يوسف وانتقام زوجة فوطيفار لكي
يعدّ يوسف لتحقيق قصد الله. وقد كان إطلاق سراح يوسف من السجن موقوتا بدقة من جانب
خالقنا الذي لا زال يعمل في كل مكان متمما إرادته الكاملة في توقيته الصحيح.

وقد استدعي يوسف فيما بعد ليفسر أحلام فرعون. وهكذا أصبح يوسف
المنبوذ مكرما لدى فرعون، إذ أعطاه فرعون خاتمه، وألبسه ثيابا فخمة، ووضع قلادة من
ذهب حول عنقه، وأركبه في مركبته الثانية ليطوف ويحكم في كل أرض مصر (تكوين
39:41-44). إن جميع أعداء الله لا يستطيعون أن يهزموا الشخص الذي رغبته القصوى هي
أن يكون مطيعا للمسيح.

بالإضافة إلى ما حدث ليوسف بعد ذلك يصور بدقة كيف أن المسيح، الابن
الوحيد المحبوب، جاء إلى الأرض حسب النبوة ليقدم طعاما روحيا لإخوته الذين أبغضوه:
إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله (يوحنا 11:1). ثم بعد ذلك صلبوه. ولكنه قريبا سيحكم
بكل سلطان في السماء وعلى الأرض (متى 18:28).

لا توجد طرق مختصرة للنضوج الروحي ولإعداد الشخص الذي سيستخدمه الله.
ولهذا السبب، كثيرا ما يسمح الله لخدامه أن يجتازوا في تجارب عديدة – بل وآلام –
قبل أن يأتي أوان الفرج. ولكن توقيتات الله دائما دقيقة.

يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن
الاستقصاء! (رومية 33:11).

إعلان عن المسيح:

من خلال يوسف الذي طرح في البئر والذي أصبح فيما بعد حاكما للعالم
(تكوين 28:37). فإن يوسف كرمز للمسيح رُفض من إخوته، وأُلقي في البئر، وبيع للأمم،
وطُرح في السجن، بينما كان ينتظر تحقيق النبوة (الأحلام) بأنه سيملك

 

تكوين 40 – 42

يوسف في مصر: لقد كانت قصة يوسف على الدوام من أروع القصص، وليست
رسالتها الحقيقية أنها قصة الانتقال من الحضيض إلى المجد، ولكن كيف أن الله في
أعمال عنايته بالغة الدقة، قد نفذ مشيئته الكاملة، فقد سبق أن أنبأ الله بما ينتظر
يوسف من رفعة، وقد وثق يوسف من ذلك، وإن كانت أحلامه قد غاظت جميع أفراد الأسرة.

 

عندما يترك الشباب عائلاتهم للعمل أو للحرب، فهم إما ينجحون أو
يفشلون لانعدام الرقابة، ولكن يوسف دون رقابة من أحد إلاَّ الله، عاش أميناً لله
رغم تعرضه للمعاناة ظلماً بسب أمانته. ولكن وهو في السجن تمسك بإيمانه وأمانته،
وأخيراً باركه الله واستخدمه بركة.

 

مضت ثلاثة عشرة سنة منذ أن بيع يوسف من إخوته كعبد في دوثان وما أصعب
التجارب التي اجتاز فيها منذ ذلك الحين! فلقد حملته قافلة التجار الإسماعيليين إلى
مصر. ثم بيع مرة ثانية كعبد إلى فوطيفار، وهو المسئول الأول عن الحرس الملكي، وخدم
لديه مدة عشر سنوات – أولا كمساعد له ثم كوكيل على بيته وعلى كل ما كان له (تكوين
4:39). فما أعجب هذا أن يصير الابن المفضل ليعقوب عبدا. ولكن الأسوأ من ذلك أنه
قضى الثلاث سنوات التالية في السجن من أجل جريمة لم يرتكبها – لأنه لم يقبل أن
يخضع لإغراءات زوجة فوطيفار. لقد كان ليوسف إيمان راسخ بوجود الله فقال لها: كيف
أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله (تكوين 9:39، قارن 4:40 مع 1:41).

كانت إرادة الله هي القاعدة في حياته. فلم يتخذ من الإساءات التي
لحقت به عذرا لتبرير الخطية.

لا يمكننا أن نتخيل الليالي العديدة والطويلة التي قضاها يوسف في
وحدة قاتلة، ولا الظروف القاسية والأليمة التي ألمّت بسنوات كثيرة من عمره. وحسب
نظرة العالم فإن إخوة يوسف الذين خططوا لقتله كانوا يعيشون في رخاء، بينما يوسف
الذي سار بكل أمانة وراء الله فلقد أصبح عبدا – وقضى أفضل سنين عمره في السجن –
لمجرد أنه كان أمينا للرب. ولكنه الآن عند سن الثلاثين، أصبح أحكم رجل وأعظم رجل
في مصر. إن الله له دائما طرق عجيبة لتنمية مواهب أمنائه وإنضاج خبرتهم وتقديمهم
في الكرامة. ومع أننا نعرف أن هذا كله صحيح، إلا أننا غالبا ما نعجز عن فهم قصد
الله في تجاربنا تماما كما حدث مع يوسف.

إن قصة يوسف تبين فوائد الصعوبات والمقاومات. فلو كان يوسف قضى هذه
السنوات في الراحة والترف والحب في بيت أبيه ربما ما كان بإمكانه أن يؤدي دوره
بمثل هذه الروعة في إتمام مشيئة الله.

فإذا كان يوسف قد استطاع أن يحيا حياة منتصرة بدون أن تكون له معرفة
بالعهد الجديد ولا بقوة سكنى الروح القدس، ولا حتى كانت لديه كتابات العهد القديم،
فأي عذر يمكن أن يكون للمؤمنين المعاصرين من جهة فشلهم؟ ويمكننا أيضا أن نسأل
أنفسنا: "ماذا لو كان يوسف قد استسلم لإغراءات زوجة فوطيفار؟" كان
الكتاب سيسجل لنا قصة مختلفة تماما، كتلك التي سجلها عن رأوبين أخيه الأكبر الذي
فقد امتيازه كالقائد لشعب الله الروحي بسبب خطاياه الجنسية.

أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل
امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا
في استعلان مجده أيضا مبتهجين (1 بطرس 12:4،13).

إعلان عن المسيح:

من خلال تفسير حلم فرعون بواسطة يوسف. إن المسيح هو المفسر الحقيقي
لجميع ظروف الحياة (تكوين 16:41-36؛ قارن مع متى 18:13-43).

 

تكوين 43 – 45

أثناء المجاعة الكبرى، أرسل يعقوب أبناءه إلى مصر ليشتروا طعاما.
وتكلم معهم حاكم مصر العظيم من خلال مترجم إذ طلبوا منه أن يحملوا معهم طعاما
لأبيهم ولعائلاتهم. ولم يدركوا أن الحاكم هو يوسف الذي باعوه عبدا منذ حوالي 20
سنة مضت.

وبعد أن سألهم عن أسرتهم، أمر يوسف بأن يوضع إخوته في السجن لثلاثة
أيام. في هذه الفترة كان لديهم الوقت ليتذكروا كيف أن أخاهم الصغير يوسف قد توسل
إليهم ألا يبيعوه عبدا للتجار الإسماعيليين. ومن داخل السجن في مصر اعترف إخوة
يوسف لبعضهم البعض بخطيتهم البشعة قائلين: حقا إننا مذنبون إلى أخينا، الذي رأينا
ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة (تكوين 21:42).

وبعد أن سمعهم يوسف يعترفون بشرهم، طلب أن يمكث شمعون كرهينة حتى
يذهبوا ويأتوا بأخيهم الأصغر كدليل على أنهم يقولون الصدق، وأنهم ليسوا جواسيس
وإنما يطلبون طعاما (تكوين 11:42). وعند رجوعهم إلى البيت، انزعج يعقوب جدا من جهة
طلب حضور بنيامين. ولكن عندما اشتدت الحاجة ولم يكن هناك حل آخر – فإما الموت جوعا
وإما أن يذهب بنيامين – سمح يعقوب لأبنائه بأن يأخذوا بنيامين في رحلتهم التالية.

وفي مصر ملأوا أكياسهم مرة أخرى. وأثناء رجوعهم إلى البيت، أُلقي
القبض عليهم لتفتيش أكياسهم. ووُجدت كأس الفضة الخاصة بيوسف في كيس بنيامين حيث
أمر يوسف خادمه بأن يضعها سرا. وفي الحال أُخذ بنيامين إلى السجن.

فهل كانوا سيكذبون على أبيهم من جهته كما فعلوا من قبل من جهة يوسف؟
يا له من تغيّر رائع في أسلوبهم! (تكوين 14:44-16). لقد طلب يهوذا متوسلا أن يأخذ
مكان بنيامين لأنهم لن يقدروا أن يواجهوا أباهم إذ أن هذا الأمر كان سيكسر قلبه.
ومع أن بنيامين كان يبدو مذنبا حقا إلا أن يهوذا كان مستعدا أن يصبح عبدا ليطلق
سراح بنيامين. هذه صورة جميلة لما فعله يسوع، الذي هو من نسل يهوذا، عندما نال
عقوبة البشرية في الجلجثة.

واضطر الأحد عشر أخا أن يرجعوا إلى مصر وأن يذهبوا بخوف ورعدة إلى
بيت الحاكم العظيم. فدعا يوسف إخوته إلى الدخول. وكم كانت دهشتهم عندما كلمهم فجأة
حاكم مصر بلغتهم قائلا: أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر والآن لا تتأسفوا ولا
تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم (تكوين
4:45-5).

وكما كان يوسف رحيما فإن ربنا يسوع أيضا يتحنن علينا ويرحمنا. وهو
يأتي بنا إلى النقطة التي فيها نكف عن الدفاع عن أنفسنا ونعترف بأننا خطاة غير
مستحقين.

إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في
كل صباح، كثيرة أمانتك (مراثي 22:3-23).

 

تكوين 46 – 48

كان هناك تباين واضح بين سيرة يعقوب وسيرة أبيه. فلقد حاول إسحاق أن
يبطل نبوة الله عندما حاول هو وابنه الشرير عيسو أن يسلبا يعقوب بكوريته التي كان
قد اشتراها والتي كانت أيضا من حقه بالنبوة. منذ تلك الحادثة وحتى يوم مماته ظل
إسحاق إنسانا مغمورا بعيدا عن الأضواء.

كان عيسو قد أقسم يوما بأن يقتل يعقوب؛ وعندما عرف أن يعقوب عائد إلى
كنعان، خرج لاستقباله مع 400 من عبيده. وإذ سمع يعقوب بهذا خاف من عيسو وصارع
الليل كله مع الرب في الصلاة. فمن المؤكد أنه لم يكن ينتظر استقبالا حسنا من أخيه.

كم نحتاج أن نشكر الرب من أجل أوقات الشدة في حياتنا! فلم يكن من
المتوقع أن يصلي يعقوب بهذه اللجاجة ويصبح محاربا مع الله (تكوين 28:32) لولا خوفه
من عيسو على سلامة أسرته.

تقدم لنا حياة يعقوب لمحة عن قدرة الله الفائقة – في الحماية،
والإرشاد، والبركة، وإتمام قصده. وقرب نهاية حياته، جمع يعقوب أبناءه وأنبأهم
بالبركات المعطاة لهم من الله.

هنا نرى بصيرة يعقوب الروحية وكيف ظل متمسكا بإرادة الله كالدافع
الأسمى له في حياته. وهذا يظهر في إصراره على رفض رغبة يوسف في أن يحصل ابنه
الأكبر على البركة الأولى (تكوين 19:48). وقد أصبحت هذه البركات النبوية الرائعة
هي العلامة المضيئة الخاتمة لحياة يعقوب، تلك الحياة الزاخرة بالأحداث لهذا الرجل
العظيم الذي تحمّل الكثير من الإساءة طوال حياته. وحتى يومنا هذا فإن الكثيرين
ينتقدونه. ولكن ما أخطر أن ننتقد من اختاره الله لكي يباركه. فإن الله يقول
بصراحة: أحببت يعقوب وأبغضت عيسو (رومية 13:9؛ ملاخي 2:1-3).

يأتي اسم إبراهيم، أبو المؤمنين، أكثر من 300 مرة في الكتاب المقدس؛
ويأتي اسم إسحاق 130 مرة فقط؛ أما اسم يعقوب فيأتي أكثر من 350 مرة واسمه الجديد
إسرائيل حوالي 2500 مرة. فلا عجب أن اسم إسرائيل يكون هو الاسم الذي اختاره الله
لشعبه القديم.

ومن المشجع أيضا أن نعرف أن كل إهانة تعرض لها يعقوب في حياته أحضرت
له إعلانا جديدا عن وجود الله – ابتداء من أول ليلة غادر فيها البيت حتى آخر ليلة
قبل انتقاله إلى محضر الله.

لعل هذا يعزي قلوب الأقلية الذين لهم هدف واحد في الحياة. فعندما نجد
إحباطات عند كل منحنى يمكننا أن نتأكد أنها ستؤدي بنا في كل مرة إلى الالتقاء مع
الله. فلا تندهش عندما يسعى رافضو الله أمثال عيسو وضعفاء الإيمان أمثال إسحاق إلى
إحباط مجهوداتك في إرضاء الله. وقد سبق وأنبأ الرب يسوع بذلك قائلا: إن كان العالم
يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم (يوحنا 18:15).

إعلان عن المسيح:

من خلال يوسف الذي جلس على العرش لاستبقاء حياة ومن أجل توفير الطعام
(تكوين 15:47). قال يسوع: لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم
(يوحنا 33:6).

 

تكوين 49 – 50

بدأ إسرائيل يتحول إلى أمة داخل أمة وكانت النتيجة أن القادة
المصريين اختشوا من بني إسرائيل (خروج 12:1)، وتعبر كلمة "اختشوا" عن
مزيج من الكراهية والخوف.

ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف (8:1). فأصدر قرارا يبدو
بحسب النظرة البشرية أنه في منتهى الحكمة، إذ قال لمشيريه: هوذا بنو إسرائيل شعب
أكثر وأعظم منا. هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى
أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض… ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا
(9:1-10،12). ولهذا السبب أقامت السلطات المصرية رؤساء قساة على العبيد العبرانيين
فأذلوهم بلا رحمة.

وقد استخدمت كل الشرور الممكنة لمضايقة العبيد: غضب فرعون، ورؤساء
تسخير قساة، وأثقال وتعذيب. ثم جاء الرعب الأبشع من كل ذلك، وهو المرسوم الذي
أصدره فرعون بقتل كل مولود ذكر. ولكن لولا هذا المرسوم لما أُنقذ موسى من الماء
بواسطة ابنة فرعون.

إن الرب القدير الكلي الحكمة يستخدم ظروفنا الحالية من أجل إعلان
محبته المنقذة. فنحن نعلم أن ديان كل الأرض لا بد وأن يصنع عدلا (تكوين 25:18).
فأبناء الإيمان يعلمون أنه يوجد شخص وراء الستار لا يراه العالم ولا ينظره، وهم
يثقون تماما في حكمة ومحبة خالقهم ومخلصهم.

إن إيماننا لا يستند على رمال الأحوال البشرية المتحركة والمؤثرات
الأرضية المتغيرة، ولكن على صخرة كلمة الله الراسخة والأبدية.

ربما يقول أعظم الملوك: هلم نحتال لهم لئلا ينموا… ويحاربوننا
(خروج 10:1). لقد استطاع فرعون أن يدرك أن الشعب الإسرائيلي في نمو متزايد وأنه قد
أصبح قادرا على الهروب من الأرض. ولكنه في جهالةٍ تصوَّرَ أنه قادر على وقف نمو
عبيده. لم يكن يعرف أن الله قد قال: أنهم سيكونون كنجوم السماء وكالرمل الذي على
شاطئ البحر (تكوين 17:22).

شكرا للرب، فإن أبناء الإيمان يقدرون أن يقولوا بكل ثقة: ونحن غير
ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى لأن التي تُرى وقتية وأما التي
لا ترى فأبدية (2 كورنثوس 18:4).

إعلان عن المسيح:

كالمسيا الذي يأتي من سبط يهوذا. لا يزول قضيب (حق السيادة) من
يهوذا… حتى يأتي شيلون (صانع السلام) (تكوين 10:49؛ قارن مع لوقا 33:3). إن يسوع
هو ملك السلام الذي قال، وأنا أريحكم (متى 28:11)

 

والأرجح أن يوسف أصبح كبير وزراء فرعون ملك مصر في عهد ملوك الهكسوس
الأسيويين. وقد حكم الهكسوس مصر من عام 1750 – 1570 ق.م. تعددت فيها أسراتهم. وقد
أدخل الهكسوس المركبات الحربية إلى مصر (تك 41: 43)، كما غيروا نظام تملك الأراضي،
فأصبحت كل الأرض ملكاً للتاج، ما عدا ممتلكات المعابد، وأصبح على كل مستغل للأرض
أن يدفع خمس الناتج ضريبة (ارجع إلى تك 47: 20-26).

 

وقد تجلت أخلاق يوسف السامية، ليس في وقت الضيق فحسب، بل وفي قمة النجاح،
وذلك في تعامله مع إخوته بكل حكمة، ثم غفرانه لهم ونسيانه كل ما فعلوه به. وهكذا
وضع بشهامته أساس نمو إسرائيل إلى أمة عظيمة كما أنبأ الله بها. ولم يكن هناك من
هو أعظم من يوسف دراية بعناية الله الحكيمة الغالية.

 

ويختتم سفر التكوين بنبوة يعقوب العظيمة عن المسيا (تك 49: 10)، ثم
خبر موت يعقوب بإيجاز ودفنه في مغارة المكفيلة، وتوجيهات يوسف لإخوته بخصوص أخذ
عظامه معهم ودفنها في أرض كنعان عندما يفتقدهم الله ويصعدهم من مصر.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي