الإصحَاحُ
الثَّانِي وَالثَّلاَثُونَ

العجل الذهبى

 (1) إقامة العجل الذهبى:

كان الشعب فى مصر يعبد التيوس ويزنى وراءها (لا 17: 7، يش 24: 14، خر
20: 8)، فاعتادوا أن يعبدوا إلها منظورا مجسما أمامهم. وكان وجود موسى النبى
قدامهم يقدم لهم على الدوام أعمال الله العجيبة الملموسة قد غطى إلى حين على
حاجتهم لإله مجسم قدام أعينهم. لهذا إذ غاب موسى عنهم سألوا هرون، قائلين:

" قم إصنع لنا إلها يسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذى
أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه "
ع 1. إنهم لم يقصدوا تجاهل
الله الذى أخرجهم من أرض مصر، لكنهم أرادوا أن يعبدوا خلال العجل الذى فى قلبهم،
يظهر ذلك من قول هرون:
" غدا عيد للرب (يهوه) " ع 5

ومع ذلك فإننا لا نتجاهل أن ما صنعوه هو أثر عبادتهم القديمة للعجل،
والتى كانت لا تزال فى داخلهم، إذ يقول القديس مار افرام السريانى:
[أستبعد موسى
عنهم إلى حين حتى يظهر العجل الذى كان قدامهم، فيعبدونه علانية، هذا الذى كانوا
يعبدونه خفية فى قلوبهم!].

والحق إنهم كانوا بلا عذر، فإن كان موسى قد تأخر، لكن أعمال الله
خلال موسى لم تتوقف، كان المن ينزل عليهم كل صباح، والصخرة كانت تتبعهم، وعمود
النور فى الليل يرشدهم وعمود السحاب يظلل عليهم نهارا.. إنهم بلا عذر!

يعطى سفر التثنية تعليلا آخرا لهذا الإنحراف، وهو اهتمامهم باللذة
الجسدية خلال الأكل والشرب واللهو، إذ يقول:

 " سمنت وغلظت واكتسبت شحما.. ذبحوا لأوثان ليست لله.. الصخرة
الذى ولدك تركته ونسيت الله الذى أبدأك "
تث 32: 15 – 18

يقول القديس جيروم: [لقد ضاع تعب أيام كثيرة كهذه خلال الشبع لمدة
ساعة]، وأيضا قال: [بجسارة كسر موسى اللوحين إذ عرف أن السكارى لا يقدرون أن
يسمعوا كلمة الله].

أخيرا فإن هذا الشعب يمثل الطبيعة البشرية الفاسدة التى تريد أن تقيم
لنفسها إلها حسب أهوائها. تريد إلها يرضى ضمائرها الشريرة ويترك لشهوات جسدها
العنان، ولا تريد صليبا وآلاما!

قد نذهب للأعتراف والتناول من الأسرار المقدسة ربما إرضاءا لضمائرنا
فقط، ولكن هل استفدنا من البر الذى منحه الله لنا؟..

أيهما تغلب فينا: طبيعتنا الفاسدة التى ورثناها من آدم، أم ثمرة
جهادنا الروحى بمعونة من الله؟!.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ ألِيدَاع ع

 (2) غضب الله على شعب موسى:

إذ
اختار الشعب لنفسه إلها آخرا حسب أهوائه الشريرة لم يحتمل الرب أن ينسب هذا الشعب
لنفسه، فلم يعد بعد يدعوه هكذا " شعبى "
بل نراه يقول لموسى النبى:

" إذهب إنزل، لأنه قد فسد شعبك الذى أصعدته من أرض مصر " ع 7

لقد
غضب الله على ما بلغ إليه الإنسان، ومع ذلك يفتح الباب أمام موسى ليشفع فيه، إذ
يقول له: " رأيت هذا الشعب، وغذا هو شعب صلب
الرقبة، فالآن اتركنى (وحدى) ليحمى غضبى عليهم وافنيهم، فأصيرك شعبا عظيما "

ع 9، 10. ففى قوله: " اتركنى " يترك له مجالا للتشفع وإعلان حبه لشعبه،
أى ممارسته لعمله الأبوى.

وبالفعل
تشفع موسى عن شعبه لدى الله مقدما له ثلاث حجج،..

 الأولى: يذكر أنه شعبه الذى إهتم به
قديما فأخرجه بقوة عظيمة ويد شديدة
11)،..

 والثانية:
أن العدو
يشمت بهزيمة أولاده فيقول ".. أخرجهم بخبث
ليقتلهم فى الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض "
ع 12،..

 والثالثة: يذكره بمواعيده لآبائهم
إبراهيم وإسحق ويعقوب عبيد الرب، الذين أقسم الله
لهم بنفسه أن يبارك نسلهم ويهبهم أرض الموعد
(ع 3)..

أمام
دالة موسى النبى يقول الكتاب:

 " ندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه "

حين نقدم توبة نسقط تحت مراحم الله ورأفاته فلا نسقط تحت العقوبة
(الشر).

 (3)
غضب موسى وكسر اللوحين:

موسى
النبى الذى لم يحتمل كلمات الرب على شعبه فتشفع فيهم حتى ندم الرب عما كان سيفعله
بهم إذ نزل إلى سفح الجبل لم يحتمل رؤية الشعب وهو يرقص حول العجل، فحمى غضبه وطرح
اللوحين من يديه وكسرهما (ع 19).

لقد
تنبأ موسى حتى فى غضبه، فبكسره للوحي الشريعة أعلن حال البشرية الساقطة تحت لعنة
الناموس بسبب كسرها للوصية، وها هى تنتظر عمل النعمة الإلهية عوض الناموس، كقول
القديس يوحنا: " لأن الناموس بموسى أعطى أما
النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا "
يو 1.

بكسر
اللوحين الحجرين ظهر ثقل الناموس ولعنته على البشرية العاجزة عن تنفيذه، لهذا كان
لابد من رفع هذا الحجر أى حرف الناموس القاتل، لتحل محله نعمة السيد المسيح.

عند
إقامة لعازر من الموت قال السيد المسيح: "
ارفعوا الحجر "
فماذا يعنى؟ إنه يعنى:

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكى متى بهنام م

إكرزوا بالنعمة.. الحرف يقتل لأنه كالحجر ولكن الروح يحيى! لأنه لو
أعطى ناموس قادر أن يحيى لكان بالحقيقة يتحقق البر بالناموس!

 (4) سحق العجل الذهبى ع 20

 يقول الكتاب: " ثم أخذ العجل الذى صنعوا وأحرقه بالنار
وطحنه حتى صار ناعما وذراه على وجه الماء وسقى بنى إسرائيل "
ع 20

لماذا تصرف موسى هكذا؟

لقد أحرق العجل بالنار وسحقه وذراه على الماء لكى يشرب الشعب من هذا
الماء الممتزج بالمسحوق علامة أن كل إنسان يلتزم بأن يشرب ثمار خطاياه،
..

 وذلك كما أمرت الشريعة أن تشرب المرأة المشتبه فى أمرها أنها
حملت من رجل غير رجلها وليس من شاهد عليها أن تشرب ماء اللعنة المر، فإن كانت
بريئة تلد ولا يصيبها ضرر، وإن كانت قد تنجست يورم بطنها ويسقط فخذها وتصير لعنة
وسط شعبها
(عد 5: 11 – 28).

إن المتعبدين للشيطان قد صاروا جسدا واحدا معه!!

كما أن الذين يعترفون بالمسيح يصيرون جسد المسيح، فيقال لهم: " أنتم جسد
المسيح وأعضاؤه "
(1 كو 2: 27).

 (5) تأديب موسى للشعب:

رأى موسى الشعب وقد تعرى بسبب شره، وصار هزءا بين مقاوميه (ع 25).
لقد تشفع عن الشعب قبل أن يرى بعينيه الشر وقبل الرب شفاعته (ع 14)، لكنه فى نفس
الوقت أمر بحزم كل الذين للرب – بنى لاوى – أن يقتلوا إخوتهم الذين خارج
أبواب خيامهم، فقتلوا فى ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل (ع 28). لقد أخطأ الشعب،
وكان لابد من التأديب. فالذين دخلوا خيامهم فى خجل من خطيتهم نادمين نجوا من
السيف، والدليل على ذلك أنهم إذ اجتمعوا بموسى فى اليوم التالى قال لهم:
" أنتم قد
أخطأتم خطية عظيمة، فأصعد الآن إلى الرب لعلى أكفر خطيتكم "
ع 20، أما الذين
لم يبالوا بما فعلوا وكانوا خارج خيامهم فقتلوا.

 (6) شفاعة موسى:

طلب الله من موسى أن يتركه ليحمى غضبه عليهم فيقتلهم (ع 10) ويصيره شعبا
عظيما، ولكن القلب الأبوى رفض أن يترك شعبه – مهما بلغت قسوة قلوبهم – بل تشفع
فيهم بقوة، إذ قال:

 " الآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحنى من كتابك الذى كتبت " ع 32

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أسبوع 3

وبقيت هذه الشفاعة ينبوعا حيا يستقى منه الرعاة والخدام الحب الأبوى
إلى يومنا هذا.

بعض تعليقات الآباء على هذه الشفاعة:

[قال الله لموسى " أصيرك شعبا عظيما " خر 32: 10، لكنه
لم يقبل، بل التصق بالخطاة وصلى من أجلهم. كيف أصلى؟ إنها علامة الحب يا إخوتى..

لقد هدد الله الشعب الذى دنس المقدسات، لكن قلب موسى اللطيف إرتعب،
معرضا نفسه لغضب الله بسببهم، إذ قال:
" يارب، والآن إن غفرت
خطيتهم وإلا فامحنى من كتابك الذى كتبت "..
بهذا نظر إلى عدل الله
ورحمته فى نفس الوقت. فبكونه عادلا لا يهلك الإنسان البار (أى موسى)، وبكونه رحيما
يغفر للخطاة].

[يا لقوة الحب! يالكماله الذى يفوق كل كمال!

العبد يكلم سيده بكل حرية، طالبا العفو عن الشعب أو يهلك مع الجموع]

[لقد نطق بهذا لكونه صديقا لله، يحمل طابعه (الحب)!]

[هكذا هى أحشاء القديسين،.. إنهم يحسبون الموت مع أولادهم أعذب من
الحياة بدونهم].

[خلال هذا العمل ؛ صار موسى مثلا حيا للحب والوداعة حتى أن القديس
يوحنا ذهبى الفم يرى فى ظهوره مع إيليا عند تجلى السيد المسيح أمام تلاميذه، كان
إعلانا عما يجب أن يكون عليه التلاميذ من سمات فيحملون وداعة موسى وحلمه الذى صرف
غضب الله عن شعبه، وحزم إيليا وغيرته الذى طلب أن تحل المجاعة ثلاثة سنين ونصف
للتأديب].

أخيرا، مع قبول شفاعة موسى للشعب يقول الله لموسى: " والآن
إذهب إهد الشعب إلى حيث كلمتك. هوذا ملاكى يسير أمامك، ولكن فى يوم افتقادى أفتقد
منهم خطيتهم "
ع 34، فضرب الرب الشعب، لأنهم صنعوا العجل (ع 35).

لقد قبل شفاعة موسى النبى فلا يفنيهم، بل يعطى العون حتى تتم وعوده
مع الشعب، لكنه ليس بدون شرط، فإنهم إذ قبلوا الخطية حين يفتقدهم
[إشارة إلى دفعه
ثمن الخطية وقبوله الموت عنهم فى يوم افتقادهم على الصليب]
بالخلاص أيضا
يفتقد فيهم الخطية أى يؤدبهم، لذلك ضربهم بالتأديب حتى يعود ويعلن عمله الخلاصى فى
حياتهم.

حب الله أو رحمته لا تتعارض مع عدله، إن كان يغفر لكنه لا يقبل
الإستهتار ولا يتحد مع الإنسان وهو بعد فى خطيته.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي