تَفْسِير سِفْرُ يَشُوع
كاتب
هذا السفر يشوع بن نون من سبط أفرايم، وكان اسمه أولا هوشع ولكن موسى غيّره إلى
يشوع (سفر العدد8: 13،16)، ولفظة يشوع هي نفس لفظة يسوع في اليونانية ومعناها
((يهوه المخلص)) وكان يشوع واحدًا من الأنثى عشر جاسوسًا إلا أنه هو كالب فقط شجعا
الشعب على الصعود لامتلاك الأرض. وهذان الأنثان هما اللذان دخلا أرض الموعد دون
جميع الرجال الذين خرجوا من أرض مصر. وأول مرة يرد ذكر يشوع هي عندما تولى قيادة
جيش إسرائيل ضد العمالقة وهزمهم بينما كانت يدا موسى مرفوعتين (خروج9: 17) وقد دعي
بعد ذلك ((خادم)) موسى، وعلى هذا الاعتبار صعد معه على جبل الله (خروج13: 24،17:
32) وقد تعين يشوع خليفة لموسى ليس باعتباره معطي الناموس بل كقائد للشعب، وكان
يشوع رجلا "فيه روح" وقد خلع عليه موسى من هيبته ما جعله مكرما في أعين
الشعب (عدد18: 27-23؛ تثنية 38،28: 3) وقد كانت مهمة يشوع الرئيسية هي قيادة
الإسرائيليين إلى أرض الموعد لا على أساس برهم، بل من أجل المواعيد المعطاة
لآبائهم، وإخضاع سكان الأرض الاصليين، وتقسيم الأرض كميراث للأسباط الأنثى عشر.
وتفصيل هذه الأمور مدون في سفر يشوع. وفي هذه جميعها كان يشوع رمزًا للمسيح كقائد
وكرئيس لقديسيه.
يشمل
سفر يشوع نحو ثلاثين سنة من موت موسى وإقامة يشوع خليفة له سنة 1451 قبل الميلاد.
إلى موت العازار بن هرون سنة 1420 قبل الميلاد. ويرتبط هذا السفر بسفر التثنية
ارتباطًا وثيقًا، إلا أن طابعه الخاص الموحى به من الله، فليس موضوعه الوساطة ولا
الكهنوت، ولكن لنا فيه بصورة رمزية قوة المسيح في الروح كقائد لشبعه في جهادهم مع
أجناد الشر الروحية في السماويات. وهذا السفر لا يشير إلى ظهور ربنا يسوع من
السماء عندما يأخذ سلطانه على كل المسكونة ويقيم ملكوته الأكيد بالقوة والمجد في
آخر الأيام، إذ أن يشوع يمثل العمل التوسطي لذاك الذي إذ مات وقام وصعد يعمل بروحه
في قيسيه ليتحققوا مقامهم وميراثهم السماوي في مواجهة أعدائهم الذين لم يقهروا بعد
وهذا يوضحه بكل جلاء ما جاء في أفسس 12: 6
ولا
يرمز هذا السفر إلى دخول المؤمنين أفرادًا إلى السماء بعد الموت ولا إلى التمتع براحة
الله عندما نتغير إلى صورة ابنه ونوجد معه في بيت الآب، بل يشير إلى موتنا
وقيامتنا مع المسيح وجلوسنا في السماويات فيه ومسئوليتنا المترتبة على ذلك من جهة
المصارعة مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر الذين يدأبون على حرماننا من التمتع
عمليًا ببركاتنا السماوية في المسيح.
إصحاح1
بعد موت موسى دُعي يشوع من الرب نفسه «قم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى
الأرض التي أنا معطيها لهم» فالبرية لم تكن المكان المعين بحسب قصد الرب للشعب
افتداه من مصر وإنما كانت الطريق للوصول إلى غرضه (قارن 8: 3،17،4: 6،3: 13-5،13:
15-17) والأردن يشير إلى موتنا وقيامتنا مع المسيح كما أن البحر الأحمر يشير إلى
موت وقيامة المسيح لأجلنا. وقد كانت الطاعة الكاملة للرب الضمان الوحيد للفلاح.
فالرب يأمر يشوع بأن يتشدد ويتشجع وأعدًا إياه بأن لا يتركه ولا يهمله. وقد كان
للإسرائيليين الحق في امتلاك جميع ما وعد الله به إبراهيم ولكن ما يمتلكونه فعلا
هو «كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته» وهكذا يجب على المسيحي أن يجعل دعوته
واختياره ثابتين فيتمتع فعليًا بامتلاك بركاته وامتيازاته السماوية لأنه أن كان
المسيحي قد أصبح محررًا إلا أنه تحت التزام الطاعة لله كمن صار عبدًا له.
إصحاح2
لقد أيقن الجاسوسان بأن رعب إسرائيل قد وقع على جميع سكان الأرض. وما أغنى النعمة
التي أدركت امرأة أممية ساقطة ومحتقر مثل راحاب التي خلصت هي وأهل بيتها بسبب
الحبل القرمزي. فهي قد آمنت بالرب، وبالإيمان احتلت مكانًا في دائرة النعمة الوعود
بها. وإذا ما رجعنا إلى سلسلة نسب الرب يسوع الواردة في (متى1) نجد أن اسمي راحاب
وثامار مذكور أن فيها، ووردهما هناك يعظم نعمة الله التي تسمو فوق جميع الخطايا،
كما أنه يبين أن أقوالا كهذه ليست من تصنيف البشر لأنه من المرجع أن الإنسان في
مناسبات كهذه يتعمد إغفال مثل هذه الأسماء.
إصحاح3،4
نرى العمل العجيب الذي حدث في الأردن وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه، فعند انغماس أرجل
الكهنة حاملي التابوت في الأردن هربت مياهه من أمام التابوت إذ وقفت المياه
المنحدرة من فوق بعيدًا جدًا عن مدينة آدام "آدم" وعبر الشعب على اليابسة
مقابل أريحا. وفي إشارة إلى مركزنا الجديد في المسيح ومعه في السماوات، فقد متنا
مع المسيح وأقمنا معه ولذا يجب علينا أن نميت أعضاءنا التي على الأرض (كولوسي 2،3)
وفي الاثنى عشر حجرًا المأخوذ من وسط الأردن لتكون تذكارًا لبني إسرائيل إلى الدهر
نرى الشهادة الكاملة للحياة المتنصرة على الموت.
إصحاح
5 على أثر عبورهم الأردن كان يجب أن يختتن كل ذكر وهذا قد تم فعلا في الجلجال
وعندئذ (وليس قبل ذلك) قد دُحرج عنهم عار مصر وبذلك «الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا
الكل قد صار جديدًا ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح»
(كورونثوس17: 5،18) وهذا يوافقه بالنسبة للمسيحي ما جاء في (كولوسي11: 2،3: 3-5)
وهذا معناه إنكار حياة الجسد بواسطة المسيح الذي مات على الصليب. إذ أنه مكتوب
«لأنكم قد متم… فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض». ولقد عمل بنو إسرائيل الفصح
إشارة إلى السلام العميق الذي يتمتع به المؤمن إذ يتذكر ذلك الموت الذي هو أساس
تمتعه بالوعد الإلهي.
وبعد
ذلك أكلوا من غلة الأرض (رمز المسيح السماوي) وعندئذ انقطع المن، وهذا ما نجد
تفسيره الروحي بالنسبة لنا في (كورونثوس الثانية 16: 5) «وأن كنا قد عرفنا المسيح
حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد». ونحن باعتبارنا سائرين في البرية نأكل المن
ونحتفل بذكرى موت الرب ولكننا كسماويين (لأن كل شيء لنا) نتغذى بشخصه المقام في
الأعالي. ثم ظهر الرب ليشوع كرئيس جند الرب بسيفه المسلول بيده فسقط يشوع على وجهه
إلى الأرض وسجد «الله لنا ملجأ وقوة. عونًا في الضيقات وجد شديدًا»
إصحاح6،7
أريحا (وهي رمز للعالم المستعبد للشيطان في مقاومته لحقوق الرب) كانت أول مدنية
أخذها بنو إسرائيل، والكيفية التي بها سقطت تلك الدينة تبين بكل وضوح أن القوة
للنصرة هي من الرب حقًا. ولقد حّرم الرب المدينة وكل ما فيها كما لعن الرجل الذي
يقوم ويبني هذه المدينة مرة أخرى، إلا أن عاخان خالف الوصية وأخذ من الحرام.
ولجهلهم بهذه الخطية واعتمادهم على قوتهم الذاتية فشلوا في هجومهم على عاي. وقد
اعتبر الرب خطية عاخان هي خطية الشعب كله إذ قال "قد اخطأ إسرائيل " ولذا
لم يكن ممكنًا أن تكون هناك قوة أو بركة حتى يُنزع الشر وهذا يوافقه تمامًا مت وجب
على الكنيسة في كورونثوس أن تفعله بازاء الشر التي كانت في وسطها (كورونثوس الأولى
5)
إصحاح8
إذ أتنزع الشر من وسط الشعب سقطت عاي وأحرقت بالنار ولكن البهائم وغنيمة تلك
المدنية أخذها بنو إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب. وحينئذ بنى يشوع مذبحًا للرب في
جبل عيبال كما أن الناموس كتب على حجارة وُقرىء على الجماعة (انظر تثنية 2: 27 -8)
وهذا يبن الأسس التي عليها امتلاك الأرض أعني الطاعة للكلمة.
إصحاح
9،10 لما سمع ملوك الجنوب بسقوط أريحا وعاي اجتمعوا معًا لمحاربة إسرائيل، أما
الجبونيون فقد عملوا بغدر إذ قالوا لرجال إسرائيل بأنهم أتوا من أرض بعيدة ونرى في
هؤلاء صورة لحيل الشيطان التي يجب أن يسهر المسيحي لئلا يُخدع بها.
ولقد
اغفل يشوع وإسرائيل الصلاة وعملوا لهم صلحًا معتمدين على حكمتهم الجسدية وعندئذ
قام خمسة ملوك ضد جبعون لأنهم تحالفوا مع إسرائيل ولكن يشوع هزمهم وقتل ملوكهم
وعلق أجسادهم على خشب، ولكي يطول يوم النصرة وتتم إبادة الأعداء دامت الشمس والقمر
في مكانهما لأن الرب هو الذي حارب عن إسرائيل. وهكذا انحل ومتحالف الأمم التي في
الجنوب إذ أخذ يشوع جميع أولئك الملوك وأرضهم ثم رجع وجميع إسرائيل معه إلى
الجلجال وذلك رمز إلى المسيحي آخذًا مركز التخلي عن الذات وإماتة أعمال الجسد بقوة
القيامة.
إصحاح11،12
ومن الجلجال ذهب يشوع ثانية مزودًا بقوة إلهية ضد تحالف ملوك الشمال وانتصر
انتصارًا عظميا في كل حروبه وقرض العناقيين من الجبل «فأخذ يشوع كل الأرض حسب ما
كلم به الرب موسى» وبعد ذلك يذكر اسما الملكين اللذين انتصر عليهما موسى شرق
الأردن وأسماء الواحد وثلاثين ملكا الذين انتصر عليهم يشوع غربًا.
إصحاح13
بانتهاء الإصحاح الثاني عشر يختم القيم الأول من هذا السفر الذي يشير إلى أن جميع
الأرض قد امتلكت ولكن الإصحاح الثالث عشر يبدأ بالقول «قد بقيت أرض كثيرة جدًا
للامتلاك ». فمن الجهة الواحدة قد امتلكوا كل الأرض من الشمال إلى الجنوب حتى
استطاعوا أن يقسموها بين الأسباط ولكن من الجهة الأخرى لم يتم بعد القضاء على جميع
أعدائهم ولم يمتلكوا فعلا كل الأرض التي وعُد بها إبراهيم، وفي إشارة إلى المسيحي
الذي صار الكل له ومع ذلك يقصر دون التمتع بمركزه السماوي تمتعًا كاملا، وهكذا
الحال دائما الفشل الإنسان وليس من جانب الله.
أما
سبط لاوي فكان ذا مركز خاص «الرب إله إسرائيل هو نصبيه»، «وقائد الرب إله إسرائيل
هي نصبيه» وهذه إشارة إلى المسيحيين ككهنة الذين ليسوا من الأرض بل من السماء. ثم
كانت هناك انتصارات محلية. كما ذكر بأن بلعام العراف قد قتل، فدينونة الله قد لحقت
ذلك الإنسان الشرير.
إصحاح
14-17 عند تقسيم بين الأسباط كان لكالب نصيب ممتاز «لأنه اتبع تماما الرب إله
إسرائيل» وفي هذا إشارة عملية إلى تمتع المؤمن بأوفر نصيب من البركة إذا ما سلك
بالأمانة الكاملة أمام الرب.
أما
عن يوسف فقد قيل «أنت شعب عظيم ولك قوة عظيمة، لا تكون لك قرعة واحدة» فقد صار
ليوسف في افرايم ومنسى نصيب مضاعف. ثم يذكر في هذا القسم حدود كل الأسباط
إصحاح
18،19 اجتمع كل جماعة بني إسرائيل في شيلوه، وقد القيت قرعة أنصبة الأسباط أمام
الرب في شليوه عند باب خيمة الاجتماع إشارة إلى حصول المسيحي على مركزه السماوي،
وقد أعطى بنو إسرائيل يشوع نصيبًا في وسطهم «مدينة تمنة سارح في جبل افرايم».
إصحاح20و21
تخصيص ست مدن ملجأ ليهرب إليها القاتل سهوًا بغير علم، وتخصيص ثماني وأربعين مدنية
للاويين، ثم يتكرر القول بأن «أعطى الرب إسرائيل جميع الأرض التي اقسم أن يعطيها
لآبائهم فامتلكوها وسكنوا بها»، فقد أراحهم الرب ولم تسقط كلمة من جميع الكلام الصالح
الذي كلمهم به. غير أنه، كما رأينا، بقيت هناك أرض لم يمتلكوا بعد، وفيها سكنت
شعوب كانت على استعداد اغوايتهم من الناحية الواحدة ولمقاومتهم من الناحية الأخرى.
إصحاح22
السبطان والنصف الذين عبروا إلى غرب الأردن لمعاونة أخوتهم في إخضاع الأرض
وامتلاكها انصرفوا إلى أرض ميراثهم في شرق الأردن مزودين ببركة يشوع. وإقامة هذه
الأسباط شرقي الأردن نشأت عنها صعوبة إذ أنهم بنوا مذبحًا عظيما على شاطئ الأردن،
سموه " عيدًا " لأنه شاهد بينهم أن الرب هو الله فكأنهم بدأوا يشعرون
بنتائج تقصيرهم في قبول الدعوة الإلهية واكتفائهم بالبقاء شرق الأردن، أما بقية
الأسباط التي غرب الأردن فقد خافوا لئلا يكون ذلك المذبح قد بُني للانفصال عن
عبادة الرب، ولذا أرسلوا رؤساء الجماعة مع فينحاس الكان للاحتجاج ضد هذه الخيانة،
ولكنهم إذ سمعوا كلام أخوتهم شرقي الأردن اقتنعوا بأنهم كانوا أمناء في قلوبهم
وحسن الأمر في أعينهم.
إصحاح23،24
في خاتمة هذا السفر يكرر يشوع على مسامع الشعب معاملات الرب مع آبائهم والعظائم
التي عملها الرب معهم. ولقد توقفت بركتهم على الطاعة أما إذا تركوا الرب فلابد أن
تلحقهم اللعنات. أما الشعب فلأنه كان يجهل ضعفه فقد صرح بأنه يعبد الرب. ولأن
الشعب كان لا يزال تحت الناموس لذا كانت طاعتهم شرطًا أساسيًا لسلامهم ولبركتهم من
قبل الرب، فقطع يشوع عهدًا للشعب في ذلك اليوم، وجعل لهم فريضة وحكما في شكيم ونصب
حجرًا كبيرًا ليكون شاهدًا لهذا العهد. ومات يشوع الخادم الأمين للرب وعمره مائة
وعشر سنين. ويختم السفر بهذه الشهادة «وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع، وكل أيام
الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع، والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله
لإسرائيل». وليست لسفر يشوع الأهمية العظمى بالنسبة لإسرائيل فقط إذ نرى فيه تحقيق
الرب الكامل لكل المواعيد التي نطقت بها شفتاه، بل أيضًا يرسم أمام المسيحي
امتيازاته الحاضرة، والبركات الروحية التي في السماويات بكيفية لا تجدها في أي جزء
آخر من أجزاء العهد القديم.
بعض
الشواهد المقتبسة من سفر يشوع في العهد الجديد
(1)
«لا أهملك ولا أتركك » (إصحاح5: 1) (1) «لأنه قال لا أهملك ولا أتركك»
(عبرانيين5:
13)
(2)
«فأرسل يشوع بن نون من شطيم رجلين جاسوسين (2) «بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع
العصاة إذ
سرًا
قائلا أذهبا أنظر الأرض وأريحا. فذهبا ودخلا قبلت الجاسوسين بسلام» (أنظر يعقوب2:
1)
بيت
امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك»
(إصحاح1:
2)
(3)«فهتف
الشعب وضربوا بالأبواق وكان حين سمع (3) «بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعد ما طيف
حولها
الشعب
صوت البوق أن الشعب هتف هتافا عظيما سبعة أيام» (عبرانيين30: 11)
فسقط
السور في مكانه وصعد إلى المدينة»
(إصحاح20:
6)