الإصحَاحُ
الثَّانِي

 

هذا
الإصحاح يتضمن القصة الجميلة عن معاملة الله راحاب الامرأة الأممية ومع أنهُ كان
آخذاً بإدخال شعبهِ من نسل إبراهيم إلى أرضهم، لكنهُ أظهر نعمتهُ المطلقة لنحو
هذهِ الامرأة غير المستحقة لذلك، سواءٌ أن اعتبرنا جنسيتها أو سواء آدابها، ولم يُذكر
شئٌ من هذا القبيل بعد عبور إسرائيل البحر الأحمر، ولكنهُ مذكور هنا بغاية
المناسبة حيث شعب الله مزمع أن يمتلك بركاتهُ وأرضهُ الخاصة فأبان الله عدم نفع
الجسد، وأن نفس النعمة العاملة لإسرائيل قادرة أن تخلص الأمم أيضاً، ومثل ذلك ما
ورد لنا برسالة أفسس خصوصاً الإصحاح الثاني حيث يُظهر الرسول حالة اليهود والأمم
جميعاً؛ لأن اليهود كانوا أبناء الغضب كالباقين أيضاً، والأمم بدون المسيح أجنبيين
عن رعوية إسرائيل وغرباءَ عن عهود الموعد لا رجاء لهم وبلا إله في العالم، ولكن
النعمة التي خلَّصت اليهود خلَّصت الأمم أيضاً وقربتهم جميعاً إلى الله وأعطتهم
نسبة جديدة لم يوجد لها نظير قبلاً، وكما كانت النعمة عظيمة كذلك كانت البركات
التي فاز بها المؤمنون من الفريقين، وبطُل كل أثر الجنسية ولم يبق موضع للاستحقاق
البشري. رأينا في سفر يشوع الرمز الجميل، وأما هنا فنرى المرموز إليهِ، فظهرت حكمة
الله العجيبة بدعوة راحاب التي لم تكن أجنبية الجنس فقط، بل أيضاً كانت مختارة
بالنعمة من صفوف الساقطين، إذ كانت معروفة زانية ومن المعلوم لا يوجد حال من سوء
الآداب أشرّ للنساء من ذلك، قد زعم البعض أن اللفظة المترجمة بزانية تحتمل معنى
صاحبة فندق أو خان عَلَى ظنهم الباطل أن كونها زانية يحسب عاراً عَلَى كلمة الله،
ولكنهم سعوا باطلاً؛ لأن كتاب الله لا يحتاج إلى من يحامي عنهُ أو يلطف ألفاظهُ
خوفاً من وقوع العار عليهِ والأحسن بنا أن نقبله كما هو بالبساطة. كل بشر كعشب
ويستدّ كل فم أمام الله وأحسن أشخاص وأنجسهم عَلَى حد سوى أمام تلك النعمة المطلقة
الوصف الضرورية لأجل خلاص نفس واحدة من البشر، وبالحقيقة قصة راحاب الزانية واقعة
بغاية الموافقة هنا؛ لأنهُ إن كان الله في ذلك الوقت آخذاً من نعمتهِ بإدخال نسل
إبراهيم إلى أرضهم، فلماذا لا يظهر لهم ماهية تلك النعمة وعظمها بخلاص واحدة توغلت
بالرداءة بهذا المقدار حتى أنهُ ما كان يُظن أن خلاصها ممكن، فمن حسب عملاً كهذا
غير لائق بمجد الله حينما يرفع خاصتهُ إلى أعلى درجة من الامتيازات، إنما يفعل ذلك
بموجب النعمة التي تبلغ حتى من كان عَلَى أوطى درجة من الفساد. فإذاً عوضاً عن أن
نستصعب ما قيل عن حالة راحاب، نراهُ بغاية اللياقة، وإن من أراد تغييره فقد فقدَ
جانبا عظيماً من الفوائد التي لنا بهذه القصة العجيبة. يا اخوتي، ليس السؤال الآن
ماذا كنا؟ بل ماذا قد صرنا بنعمة الله. أنظر (كورنثوس الأولى 9:6-11).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر الملوك الأول 22

 

لا
حاجة إلى طول الشرح حول هذا الموضوع، غير أنهُ يوافق المبشر كل الموافقة إذ يقصد
أن ينبه السامعين، ويبرهن حقيقة نعمة الله لكي يجتذبهم إلى المسيح، ولا أبحث
مدققاً في كل الكلام. يكفينا أن نلاحظ أن راحاب بالمناسبة إلى ما كان الله آخذاً
بإجرائه وقتئذٍ، إذ صدقت الأخبار التي تواترت إلى مدينتها من جهة عجائبه وأعماله
ومقاصدهِ في إسرائيل، وبناءً عَلَى ذلك أظهرت معروفاً للجاسوسين.

 

وبلا
شك نرى بعض تصرفاتها بعد إيمانها غير لائقة لأنها كذبت حسب عوائدها القديمة حالاً
بعد تصديقها الحق، ولربما ظنت كذبها ضرورياً لأجل عمل صالح، عَلَى أني لا أصدق أنهُ
جائز لأحد أن يكذب أو يحتال لأي علة كانت، وقد ذُكر في العهد العتيق مثل ذلك في
القديسين ولكن الوحي لا يبرئهم، إنما يذكر ما عملوا بدون أن يصادق عليهِ، رأينا
فيهم كما في راحاب قصورات الجسد الفاسد، مع أن الله أنعم عليهم ببركات نعمتهِ. ولا
يجب أن نستغرب عملاً كهذا من تلك الامرأة المدعوة حديثاً من الظلمة الوثنية كما
نستغربهُ في إبراهيم واسحق ويعقوب وداود أيضاً، وغيرهم من القديسين القدماءِ الذين
كان عندهم مقدار أعظم من النور الإلهي، وكل ذلك يُظهر لنا جلياً ما هو الإنسان وما
أوسع هوة الفساد التي تجتازها نعمة إلهنا حتى تبلغ إلى أُناس مثلنا،

 

يبان
من كلام راحاب أنها آمنت بالله متأكدة أنه مع إسرائيل شعبهِ قبل أن امتلكوا شيئاً
من كنعان، وعَلَى ذلك ألقت قرعتها معهم وحسبت أهل وطنها محكوماً عليهم، إذ هم
أعداء لإله السماء، وخانت وطنها، واتحدت مع شعب غريب، تعلق قلبها مع الله وشعبه
أيضاً، وكذلك يجب علينا نحن أيضاً أن نجعل قلوبنا ليس مع الله فقط، بل مع شعبه
المختار أيضاً حال كونهم خاصته في وسط هذا العالم المضادّ له ولهم، ولا يليق أن
نستخف بالنسبة الحقيقية التي بين الله وشعبهُ، لربما لو قال أحد أني مقتصر بالله
وحده فبمعزل عن شعبه الكثير القصورات، لظهر كلامه هذا من العلامات الدالة عَلَى
كونه روحانياً بأقصى درجة، ولكنه بخلاف ذلك، لأن الله لا ينفصل عن شعبه الخاص ولا
يكفُّ عن أن يحبهم رغماً عن أحوالهم، ونحبهم نحن أيضاً بقدر ما تكون لنا شركة معه،
منقادين من الروح القدس، وإذ ذاك قصوراتهم لا تنقص محبتنا؛ لأن المحبة التي تبرد
بسبب حدوث قصورات في المحبوب ليست محبة، ومن نحن حتى نسرع إلى التنديد والتنكيت
عَلَى اخوتنا؟ هل نحن ملائكة بالمقابلة معهم؟ ألا يوجد فينا ما نعترف بهِ بالحزن؟
ألم يخطر ببالنا أن نفس روح التنكيت هذا هو سبب حزن وتجربة للآخرين، ولعلهُ قد
أعثر البعض؟ فلنتعلم بالأحرى أن نحكم عَلَى أنفسنا حاسبين اخوتنا أفضل منا. ولست
أقول هذا مستخفّاً بسوءِ الآداب أو لكي أُبرّر الاشتراك مع اخوتنا فيما يهين مجد
الرب، حاشا؛ لأن المحبة نفسها تحملنا عَلَى أن نجتهد لخلاص الأخ الساقط، ولكن
بالصبر والوداعة الناتجين من قلب محب، وإن جرَّبنا إصلاحه بخلاف ذلك إنما نقسّي
قلبهُ ونمكنه في طرقهِ، فالمقصود بكلامي هذا أن نضم صوالحنا مع شعب الله، وننظر
إليهم بعين المحبة كما ينظر إليهم الله. هكذا عملت راحاب بعد إيمانها إذ قبلت
الجاسوسين وخبأتهما تحت عيدان كتان، ثم صرفتهما بطريق آخر، وبذلك أظهرت إيمانها
أقوى وأصحّ مما لو قالت: "إني آمنت" وتركتهما لحالهما. لا شك أن الله
كان قادراً أن يحفظهما بدون حيلتها، ولكنهُ شاءَ أن يقدم لها فرصة مناسبة لإظهار
صحة إيمانها، فلم تقصر والحالة هذه عن أن تظهر إيمانها بأعمالها، وأحبّتْ ليس إله
إسرائيل فقط بل إسرائيل الله أيضا، وحصلت عَلَى ذكر حميد إلى الأبد، ولما أتاها
أمر من ملك أريحا الذي كانت ملتزمة أن تطيعهُ في ظروفٍ أُخرى، لم تطعهُ لأنها كانت
قد انضمت بالإيمان إلى شعب الله، فخاطرت بحياتها مسلّمة أمرها في يديهِ، فصار
ملتزماً بحفظها فحفظها ويعمل هكذا كل حين مع المتكلين عليهِ. إنه كان من الممكن أنها
تُقتل بسبب خيانتها لوطنها؛ لأنها ارتكبت حسب الظاهر أعظم الجنايات الممكن للرعايا
ارتكابها، ولكنها عملت ذلك بالإيمان حاسبة الله أعلَى من الكل، وأن صوالح شعبهِ
أفضل عندها من وطنها وملكها، وهذا المبدأ نفسهُ يطلق علينا في سلوكنا كل يوم، لست
أتكلم من جهة خيانة الوطن، بل من جهة تقديم الطاعة المطلقة لله تحت كل الظروف ولو
مهما خسرنا، وتفضيل خير اخوتنا عَلَى خير أنفسنا لا بل عَلَى حياتنا أيضاً، فنحن
ينبغي لنا أن«نضع نفوسنا لأجل الاخوة» (يوحنا الأولى 16:3) إن كان إيماننا صحيحاً
ونشيطاً يجعلنا نخاطر بكل شئٍ طاعة لله وحباً للذين هم لهُ.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس بنيامين بنكرتن 12

 

قالت
للرجلين:«علمتُ أن الرب قد أعطاكم الأرض، وأن رعبكم قد وقع علينا، وان جميع سكان
الأرض ذابوا من أجلكم….لأن الرب إلهكم هو الله في السماءِ من فوق وعَلَى الأرض من
تحت» الخ (عدد6-12)، فإذا كان سكان كنعان اضطربوا من أخبار إسرائيل ولم يؤمنوا
بإله السماء والأرض، بل سعوا في محاربة شعبهِ، وأما تلك الزانية فآمنت وخلصت هي
وأهل بيتها، وكان خلاصها ليس حفظ حياتها فقط بل تبريرها أيضاً، قابل (عبرانيين
31:11)، و(يعقوب 25:2)، وبعد انضمامها إلى إسرائيل صارت من أسلاف المسيح حسب الجسد
(متى 5:1).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي