الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

 

في
الجهاد المسيحي ليست المسألة دائماً من جهة قوة العدو فقط؛ لأن قوتهُ ليست من أقوى
الشرور التي يصادفها شعب الله في هذا العالم، بل يجب أن يخشى من حيل الشرير أكثر
من قوتهِ؛ لأن الشيطان إذا أتى أولاد الله كحية يضرُّبهم أكثر مما لو أتاهم مزمجراً
كأَسد. من المعلوم أن الخصم في وقت الاضطهادات الجهارية يكون مثل أسد زائر، ولكن
في وقت الأَمن والراحة يستعمل التمليقات والخداع ليجتذب قلوب شعب الله إلى العالم
ويغريهم لحبهِ ومعاشرتهِ، وأنهُ من الأمور المحزنة نجاحهُ في ذلك وكم قد استعمل
حيلة الحية لضرر شعب الله وإهانة مجدهِ فيهم، ولكن تعزيتنا بهذا الخصوص تأتي من
النعمة الإلهية التي هي فوق كل شيء وقد وضعت لنا قانوناً بهِ يمكننا أن نكتشف
مكائد العدو ونميز بين ما هو للعالم وما هو للمسيح. ولنا من هذا القبيل قانون أعلى
مما كان لليهود بحيث أننا نحكم في كل شيءٍ بحسب مقامنا المسيحي ودعوتنا السماوية
العليا، فإذاً الاضطهادات التي يثيرها الشيطان علينا إذ يهيج بغض العالم إنما
تسوقنا بأكثر سرعة إلى ملجأَنا الوحيد، وإذ ذاك نقول مع الرسول: «ولكننا في هذهِ
جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا» (رومية 37:8) تختلف دعوتنا عن دعوة إسرائيل
قديماً بحيث أنهم دعُوا إلى الراحة والاطمئنان ولصيانة حياتهم الأرضية خلاف الكلمة
المقولة لنا «من وَجد حياتهُ يضيعها، ومن أضاع حياتهُ من أجلي يجدها» (متى 39:10)

 

إن
رفض المسيح من العالم غيَّر كل شيءٍ هنا للمؤْمنين بهِ، فامتلاكنا المسيح واتحادنا
معهُ وهو مرفوض من العالم ومرتفع إلى السماء جعلانا مطمئنين ولو خسرنا كل شيءٍ هنا
حتى حياتنا أيضاً. ولكن ماذا ذلك كلهُ بالنسبة إلى الحياة الأبدية؟ فإن المسيح
عَلَى حالة القيامة من الأموات هو حياتنا، وبما أنهُ هو حياتنا نرى العالم
الرافضهُ ضدنا، ويستطيع الشيطان أن يستعملهُ لضررنا، ولكن عند هيجان العالم ضدّنا
نختبر عظم بركتنا؛ لأنهُ إن هاج العالم بغضاً لنا ولاطمنا وأهاننا وأحرمنا ما
نحسبهُ ضرورياً لمعاشنا هنا فماذا إذاً؟ إننا نزداد فرحاً وشكراً لله لأن ذلك عطية
جيدة تؤول لمجد الله «لأنهُ قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤْمنوا بهِ فقط بل
أيضاً أن تتأَلموا لأجلهِ» (فيلبي 29:1) لذلك ما علينا إلاَّ أن نتقدم إلى ما هو
قدام طاعة لمشيئة الله، لأن كلما كانت جلدات الشيطان قوية مؤلمة أعطانا الرب نعمة
أوفر، وحوَّل جميع آلامنا وأحزاننا لخير نفوسنا إذا قبلناها من يد أَبينا كما يليق
بأبناءٍ مطيعين، ويكون المسيح نفسهُ قوتنا العظمى في ذلك، غير أنهُ ينبغي أن نتذكر
دائماً أن الوقوف قدام مكائد إبليس وحيلهِ أصعب جداً من الوقوف أمام قوتهِ التي
أُبطلت بغلبة المسيح وإن استعملها إنما تحمل المؤمن بأكثر سرعة إلى ملجأَهِ
الأمين.

 

اجتمع
جميع ملوك كنعان ضدّ إسرائيل، ولكن لا قوتهم أسقطت شعب الله بل حيلة سكان جبعون.

 

«ولما
سمع جميع الملوك الذين في عبر الأردن في الجبل وفي السهل وفي كل ساحل البحر الكبير
إلى جهة لبنان الحثيون والأموريون والكنعانيون والفرزيون والحوّيون واليبوسيون
اجتمعوا معاً لمحاربة يشوع وإسرائيل بصوتِ واحد» (يشوع 1:9و2) فالظاهر أن هؤلاء
الملوك تشجعوا بسبب انكسار إسرائيل قدام أهل عاي؛ لأنهُ عند سقوط أريحا وقع رعب
شديد عليهم، ولكن بعد حادثة عاي تعلم الملوك أن إسرائيل ليس بمنصور دائماً،
وأصابوا بأفكارهم؛ لأنهم تأكدوا مما جرى أنهُ بممكن أن إسرائيل ينكسر بكل ذلّ حين
نظروا أن مدينة صغيرة توقف ذلك الجيش العظيم الذي ذابت قلوب جميع سكان الأرض من
إقبالهِ عندما عبروا الأردن ثم سقطت أريحا من جري هتافهم فقط، وأما بعد انكسارهم
أمام عاي فأخذ الملوك يتشجعون وتشاوروا معاً وقرّ رأَيهم أنهُ إذا اتفقوا معاً ضدّ
جيش إسرائيل يقدرون عليهم؛ لأنهُ حسبما ظهر لهم أن أهل عاي كسروهم بكل سهولة المرة
الأولى وإنما انكسروا المرة الثانية لأنهم من زيادة الثقة تجاسروا أكثر من اللازم
إذ تركوا المدينة فأُخذت بواسطة الكمين، ولم يعرفوا ما كان الله قاصداً أن يُعلِّم
شعبهُ إياهُ، فلا عجب من ذلك؛ لأن إسرائيل أنفسهم لم يتعلموا ذلك بعد كما يجب،
كانوا قد استفادوا قليلاً إذ رأَوا أن لا شيءٍ ينصرهم سوى حضور إلههم معهم، ولكنهم
خافوا قليلاً لما رأَوا كل هؤلاء الملوك متفقين عليهم وسقطوا في الفخ الذي نصبهُ
قدامهم الشيطان حين أتاهم سكان جبعون ليتحالفوا معهم لأنهم حسبوا ذلك نجداً
مناسباً لهم تحت ظروف كهذهِ بحيث يكون لهم بعض أصحاب يساعدونهم أو عَلَى الأقل لا
يساعدون أعدائهم عليهم.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر المزامير 23

 

«وساروا
إلى يشوع إلى المحلة في الجلجال وقالوا لهُ ولرجال إسرائيل من أرض بعيدة جئنا،
والآن اقطعوا لنا عهداً» (يشوع 6:9) فكلام كهذا كان من شأْنهِ أن يزيل من بال
إسرائيل كل شك بكونهم مخطئين إذا سمعوهُ؛ لأَنهم كانوا عارفين كل المعرفة أن الله
لا يدعهم يتحالفوا مع أمم كنعان الذين قد حكم عليهم بالهلاك. إن الله كان قد أعطى
تلك الأرض لعبده إبراهيم من برهة أربع مائة سنة، ومع ذلك بقي الكنعانيون فيها
أجيالاً عديدة بدون من يكدرهم، ولم يخطر عَلَى بالهم إلاَّ من مدة وجيزة نحو
أربعين سنة أنهُ مزمع أن يصير عليهم خطر، وذلك حين بلغهم الخبر بعبور إسرائيل
البحر الأحمر فارتعدوا أنظر (خروج 13:15-18) ثم بعد سكوت مدة أربعين سنة عاد ففاجئهم
خبر بقدوم إسرائيل من شرقي الأردن ثم عبورهم إياه بطريقة معجبة وبعد ذلك سقوط
أريحا ولو شاءُوا كان ممكنا لهم أن يهاجروا كنعان ويسكنوا في بلدان أُخرى؛ لأنهُ
لم يبق لهم حرب في أرض الرب، نعم كل كرة الأرض لله لكنهُ اختار إبراهيم وأعطاهُ
أرض كنعان، فمن هم ملوك كنعان أو غيرهم حتى يقاومون الله؟ وبأي حقٍّ يغتصبون أرضهُ
أو يستوطنون فيها بخلاف إرادتهِ؟ أَليس هو المطلق السلطان؟ أو هل نحسبهُ تعالى
وحدهُ بدون حق التصرُّف في العالم كما يشاءُ مع أننا نسلم للملوك بالحقوق المختصة
بالسياسة ويتصرفون كل واحد منهم في أراضي ملكهِ كما يشاءُ! ما أعجب الأفكار التي
استولت عَلَى عقول الناس من جهة حقوق الله في سياسة هذا العالم! لنتذكر أن الله
عبّر إسرائيل الأردن بموجب حقوقهِ المطلقة بالنظر إلى كونهِ سيد الأرض كلها، تابوت
العهد الذي قادهم كان تابوت الرب سيد الأرض كلها. راجع ( يشوع 11:3-13) وإذ ذاك لم
يشاء أن ينقص شيئاً من حقوقهِ الإلهية ولم يعبر إسرائيل بموجب حقوقهم الإنسانية بل
إنما رفعوا راية الرب عند دخولهم أرض كنعان، فإذاً الذين قاوموها خاطروا بأنفسهم؛
لأنهم عرفوا أن الله إله إسرائيل قاصد أن يسكن شعبهُ نسل إبراهيم في تلك الأرض لو
أرادوا أن يصدقوا ذلك ولكن لم يريدوا مع أنهُ كان قد بلغهم كل ما جرى مع فرعون
وعماليق وعوج وسيحون ومديان اتفقوا بصوت واحد أن يحاربوا إسرائيل فيجب أن تكون
العواقب المرة عَلَى رؤُوسهم.

 

وأما
سكان جبعون فبادروا إلى العمل عَلَى طريق آخر بينما كان باقي الأمم متكلين عَلَى
القوة الظاهرة، عمل سكان جبعون بغدرٍ وفي ذلك رمز صريح إلى مكائد إبليس مع شعب
الله في كل حين، إننا نعلم من (أفسس 6) حقيقة مؤثرة بهذا الخصوص، وهي أننا نحتاج
إلى سلاح الله الكامل لكي نتمكن من الثبوت ضد مكائد إبليس، وفي نفس هذا الإصحاح
المشار إليهِ مبايتة بين مجاهدة إسرائيل ضد الكنعانيين ومصارعتنا نحن ضد إبليس
وأجنادهِ حيث يقول:«فإن مصارعتنا ليست» الخ يعني بذلك أن مصارعتنا تختلف عن مصارعة
إسرائيل كما تقدم. فإذاً يجوز لنا حسب نور العهد الجديد أن نشبه سكان جبعون فيما
عملوا بالذين يستخدمهم الشيطان في كل حين ليغدروا بشعب الله ويقودوهم إلى مخالفة
ما يوافق عهد الله ودعوتهِ، فقالوا ليشوع ورجال إسرائيل:«من أرض بعيدة جئنا، والآن
اقطعوا لنا عهداً فقال رجال إسرائيل للحويين: لعلك ساكن في وسطي فكيف أقطع لك
عهداً؟» (يشوع 7:9و8) فعندي أنا هذه الحادثة تفيدنا بطريقة محزنة بحيث نرى ليس
يشوع والشيوخ ارتابوا في كلام الجبعونيين بل رجال إسرائيل الذين ما كنا نظن أن
فيهم تمييزاً هكذا أكثر من رؤسائهم، وهكذا يصير معنا أوقاتاً كثيرة يظهر تمييزٌ
روحي في البسطاء أكثر مما يظهر في الذين كنا نظنهم مميزين. وعَلَى أي حال كانت يجعلنا
الله نشعر باحتياجنا إليهِ.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر حزقيال 14

 

وإن
كان كذلك في إسرائيل فكم بالحري في الكنيسة لا نقدر أن نستغني عن عضو واحد من
أعضاء المسيح لأن الله قد مزج الجسد كما شاءَ، فإن كان أخ واحد ولو كان عَلَى غاية
من البساطة يرتاب في مسألة من جهة التصرف الحسن اللائق بجماعة اخوتهِ حال كونهِ
مخلص النية علينا أن ننتبه لهذا الأخ ونفحص بالمسألة فحصاً مدققاً، لعل فكر هذا
الأخ من الله القاصد بذلك أن يصوننا جميعاً من فخ العدو، ولكن يشوع وعرفاء الشعب
لم ينتبهوا إلى ما سأل عنهُ الرجال الإسرائيليون؛ لأنهُ من النوادر أن من تعوَّد
السياسة يسمع لرأْي الذين تحت قيادتهِ إذ يبان ذلك كأنهُ خلاف الطبيعة، وأما في
أمور الله فكل من يحتقر أصغر اخوتهِ يخسر خسارة عظيمة كما ظهر وقتئذٍ، فلما جاوب
رجال إسرائيل بالبساطة قائلين: «فكيف أقطع لك عهداً؟» سكت الجبعونيون عن موضوع قطع
العهد والتفتوا إلى يشوع وقالوا لهُ:«عبيدك نحن» (يشوع8:9) فحسب الظاهر لا يمكن أن
يكون كلام أظرف من هذا! «فقال لهم يشوع: من أنتم؟ ومن أين جئتم؟ فقالوا لهُ: من
أرض بعيدة جدَّاً جاءَ عبيدك عَلَى اسم الرب إلهك» (يشوع 8:9و9) فبهذا انكشف خداع
العدو تماماً؛ لأنهُ كان من أغرب العجائب أن يُسمع اعتراف باسم الرب من شفاه
كنعانيين، فاعترفوا هذا لأنهم عرفوا أنهُ يقع في موقع القبول عند واحد مثل يشوع؛
لأن من يعتبر اسم الرب حقيقة يسرع لقبول الاعتراف بهِ ولو كان الاعتراف ممن لم يكن
ينتظرهُ منهم. ثم بعدما لاحظوا فاعلية كلامهم فيهِ عادوا فقالوا:«لأننا سمعنا خبره
وكل ما عمل بمصر وكل ما عمل بملكي الأموريين الخ» (يشوع 6:9-13) فقصتهم الطويلة
المركبة من الأكاذيب أخذت فاعليتها في يشوع والشعب «فأخذ الرجال من زادهم ومن فم
الرب لم يسأَلوا» (يشوع 14:9) وهكذا رمى أهل جبعون الطعم لإسرائيل واصطادوهم بهِ
فلحقت عواقب هذا الضرر بني إسرائيل زماناً طويلاً. إن رجال إسرائيل الذين ارتابوا
أولاً صاروا بأَمن الآن وسلموا أنفسهم لشبكة الصياد، ولا عجب من ذلك حيث يشوع
قائدهم قد أُخذ بها أولاً. أخذوا من زادهم علامة الشركة، ولكنهم لم يسألوا من فم
الرب فهنا العدو كسر إسرائيل مرة ثانية، وذلك عبرة لنا في كل حين، لا نعرف كم من
العواقب المحزنة تتعلق باشتراكنا مع أُناس بدون أن نسأل من فم الرب، نرى مثال ذلك
في ما جرى مع بطرس في إنطاكية من جهة أكلهِ الطعام وامتناعهِ عنهُ مع المؤمنين من
الأمم، إذ خاف من أهل الختان وانفصل عن اخوتهِ حتى أن برنابا انقاد إلى ذلك، فبطرس
الشجاع خاف عَلَى شرفهِ مع أهل الختان واستعمل الرياء، وبهذه الواسطة فاز الشيطان
بالغلبة عَلَى شعب الله إلى حين وكانت لغلبتهِ عواقب عظيمة مرة لولا وجود بولس
هناك الذي حملتهُ الغيرة للمحاماة عن حق الإنجيل (مهما خسر من اعتبار اخوتهِ لهُ)
فوبخ بطرس مواجهة لكي يثبت عندنا حق الإنجيل، ولولا لذلك لكنا قد فقدناهُ بواسطة
حادثة صغيرة جدّاً كهذه التي هي مجابرة الاخوة في الطعام، بطرس والذين معهُ أكلوا
وامتنعوا عن الأكل ولم يسأَلوا من فم الرب.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 08

 

«فعمل
يشوع لهم صلحاً وقطع لهم عهداً لاستحيائهم وحلف لهم رؤساء الجماعة» (يشوع 15:9)
فتعاهدوا معهم معاهدة مقترنة مع اسم الرب. ومما يستحق الاعتبار أنهُ لم يخطر عَلَى
بالهم أن ينكثوا العهد مستخفين باسم الرب الذي ربطوا أنفسهم بهِ، مع أنهم عرفوا
بعد ذلك أنهم أُخذوا بغدرٍ، لكنهم لم يحسبوهُ من الأمور الجائزة أن ينكثوا العهد
احتراماً لأسم الرب، ونحن كذلك يجب علينا أن نحترس كل الاحتراس من أن نهين مجد هذا
الاسم ‘ن كنا قد ارتبطنا بهِ ولو في ما يؤول لضررنا، كان الضرر قد حدث وتمَّ وما
عاد ممكناً لهم أن يردوا ما حدث بحكمتهم، ولكنهُ كان ممكناً لهم أن يتخلصوا من ذلك
لو شاءَوا أن يسألوا من فم الرب ماذا ينبغي أن يفعلوا والأمر هكذا معهم، ولكنهم لم
يسألوه فأخطئوا مرة ثانية؛ لأنهم عاهدوا سكان جبعون بدون الرب ثم صادقوا عَلَى ما
عملوا بدون أن يسأَلوه، والحاصل أن العدو قد فاز بغلبة عظيمة عَلَى جيش الرب في
ذلك اليوم. أَلا يتضمن في كل ذلك تعليم لنا أيها الأحباء وإنذار مؤثر، فهذه الأمور
جميعها أصابتهم مثالاً، وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور
(كورنثوس الأولى 11:10) أنهُ يهمنا جداً في جميع المسائل المتعبة والتي يمكن أن
يكون فيها ما يؤثر في احساساتنا ويربطنا برباطات عملية أن نسأَل من فم الرب قبل أن
نرتبط بشيء منها، فإن هذا يوفر علينا كثيراً من الحزن والخجل، ويحفظنا من الانكسار
أمام أعدائنا، وهذا يجب خصوصاً عَلَى الذين فيهم حكمة لإرشاد الآخرين ولهم المقام
الأول بين اخوتهم؛ لأنهُ من المعلوم أنهُ يصعب جدًّا عَلَى أمثال هؤلاءِ أن يرجعوا
عن كلمتهم ولو كانوا قد استعجلوا بنطقها في مسألة ما، وكلما ازدادت خبرتهم في أمور
الله، وقويت سلطتهم بين شعبهِ استصعبوا النزول عن قولهم أكثر، وإن اصطادهم الشيطان
فارتبكوا بأمرٍ ما تنتج من ذلك عواقب مرّة، فعلينا بتخصيص هذا المبدأ لأنفسنا،
أنهُ سهل علينا أن نستعجل بتقديم النصائح لغيرنا إن وقعوا في ارتباكات ونقول بغاية
التأكيد: ينبغي أن يُفعل كذا وكذا بينما لم نسأل من فم الرب. لذلك لنصلِّ بعضنا
لأجل البعض وخصوصاً لأجل الذين يحتاجون مشورة الرب أكثر بالنظر إلى مقامهم كي
يُحفظوا من التكلم بالعجل فيما يتعلق بأنفسهم أو بغيرهم، لا سيما في ما يهين اسم
الرب أو ما يمجدهُ في مجاهدتنا ضدّ العدو. هذا كلهُ من الفوائد التي يجوز لنا أن
نستخرجها لأنفسنا من قصة سكان جبعون وغدرهم برجال إسرائيل، سمح الله بأنهم يُحفظون
ولكن حاملين دمغة الإهانة بين إسرائيل.

 

«فدعاهم
يشوع وكلمهم قائلاً: لماذا خدعتمونا قائلين نحن بعيدون عنكم جداً وأنتم ساكنون في
وسطنا؟ فالآن ملعونون أنتم، فلا ينقطع منكم العبيد ومحتطبو الحطب ومستقو الماء
لبيت إلهي لبيت إلهي الخ» (يشوع 22:9-26) فلم يبقَ طريق عادل لاستحيائهم سوى
استبعادهم، فأعطيتْ حكمة ليشوع وللشيوخ حتى يخلصوا الجبعونيين من الجماعة
فاستبعدوهم ؛ لأنهم لو قتلوهم بعدما عاهدوهم لكانت عليهم خطية أخرى كما يبان مما
صار بعد ذلك مع بيت الملك شاول، صار اسم الرب الجليل رابطاً بين الجبعونيين
وإسرائيل، ولكنهم بحالة العبودية لبت الرب ومذبحهِ فالحاصل أن لا شيء صانهم سوى
اسمهِ العزيز، فاقترنوا بمذبحهِ لكن بدمغة العبودية عليهم، ولكن مع ذلك كان الضرر
الحاصل لإسرائيل من معاهدة أهل جبعون أكثر جداً من الضرر الذي حصل من انكسارهم
أمام أهل عاي حين صعدوا بقوتهم؛ لأن انكسارهم هناك كان مؤقتاً وكان ممكناً لله أن
ينظر إليهم ويخلصهم من مذلتهم، وأما هنا فوقعوا في ضرر مزمن لا تزال عواقبهُ
تلحقهم وقتاً طويلاً كما سنرى. وهكذا كانت النتائج عظيمة ومضرة بهذا المقدار من
أخذهم زاد سكان جبعون ومن فم الرب لم يسأَلوا.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي