تَفْسِير سِفْرُ طوبِيّا

الأنبا مكاريوس –
الأسقف العام

(تفسير نص الترجمة
اليسوعية "الكاثوليكية")

 

المحتويات

أولاً : مدخل إلى سفر طوبيا

1.        
محور السفر

2.        
كاتب السفر

3.        
زمان ومكان الكتابة

4.        
لغة السفر والنصوص الأصلية

5.        
سفر طوبيا والعهد والجديد

6.        
القيمة اللاهوتية للسفر

7.        
القيمة الليتورجية للسفر

8.        
تأثير السفر فى الحياة العامة

9.        
قانونية السفر

10.   
أوجه الإعتراض على السفر ومناقشتها

ثانياً : التفسير

1.        
فضائل طوبيا إصحاح (1)

2.        
تجربة كل من طوبيا وسارة إصحاح (2، 3)

3.        
طوبيا الإشبين إصحاح (4)

4.        
رحلة طوبيا إلى بلاد مديان إصحاح (5، 6)

5.        
عرس طوبيا وسارة إصحاح (7، 8، 9)

6.        
العودة إلى نينوى إصحاح (10، 11، 12)

7.        
الخاتمة (انتظار خلاص الرب) إصحاح (13، 14)

* وثائق قمران (برديات
سفر طوبيا فى مخطوطات قمران)

* المراجع

 

مقدمة

إهتمت
الكنيسة الأولى بهذه الأسفار وتداولتها جنباً إلى جنب، مع بقية أسفار الكتاب
المقدس، وإقتبس منها الآباء فى عظاتهم وكتاباتهم ودفاعهم عن الإيمان ضد الهراطقة،
كما أخذت بعض هذه الأسفار مكانها بين ليتورجيات الكنيسة (مثل طوبيا والحكمة وإبن
سيراخ وباروخ وتتمة دانيال) والتى تقرأ فى الصوم الكبير وأسبوع الآلام وليلة أبو
غالمسيس وغيرها.

ومنذ
نشأة البروتستانتية، وتدخّل إقتصاديات الطباعة فى حذف هذه الأسفار من الطبعات
الجديدة للكتاب المقدس، من جهة، وإهتمام الكنيسة بالعقائد والطقوس فى مواجهة
التيارات الجديدة، من جهة أخرى، قد قلّص الإهتمام بها.

وقد
حان الوقت لتأخذ مكانها مرة أخرى فى إجتماعاتنا وقراءاتنا الخاصة، ومناهج التربية
الكنسية – لاسيما للنشىء – لنغوص فيها وننعم بكل ما فيها من أفكار وإشارات خلاصية،
وحكمة وتعليم.

 

متوسلين
إلى الله أن يستخدم هذا الجهد المتواضع، فى تشجيع الكتّاب والدارسين للإهتمام
بتناول هذه الأسفار بالدراسة والتعليق والتأمل، للدخول بعمق أكبر فى كلمة الله،
بصلوات أبينا المكرم البابا شنودة الثالث، وشريكه فى الخدمة الرسولية أبينا الأسقف
المكرم الأنبا إيسوذورس رئيس الدير، كما أتقدم بالشكر لنيافة الحبر الجليل الأنبا
أرسانيوس على مراجعته ونصائحه:

 

أولاً: مدخل إلى سفر طوبيا

1.          
محور السفر

سفر
طوبيا (والذى يقع عقب سفر نحميا مباشرة) هو عظة عاطفية جميلة ومؤثرة، كما تحسب
بحق، تحفة أدبية وروحية رائعة، وهى تصور التقوى التى تحلّى بها اليهود، إبان فترات
السبى بعيداً عن أورشليم الأم موطن النبوات والأنبياء، ومحطّ أنظار الشعوب، كما
يمثلّ السفر سمة خاصة فى مرحلة التطور لليهود بعد السبى.

 

أما
أحداث السفر، فتدور فى بيئة شديدة الشبه، ببيئة الآباء الأول إبراهيم وإسحق
ويعقوب، وتتناول عائلتين يهوديتين تعيشان فى السبى، الأولى هى عائلة طوبيا، حيث
تسكن فى نينوى والثانية عائلة رعوئيل فى أحمتا (العراق وإيران حالياً).

 

و قد
تعرضت العائلتان للتجارب، فطوبيا التقى، يفقد غناه ثم يفقد بصره، وعندما يشعر بقرب
نياحته، يستدعى إليه أبنه المسمّى طوبيا أيضاً، حيث يلقنه قائمة من الوصايا متخذاً
بذلك دور الإشبين (بالنسبة للمعمّد حالياً فى العهد الجديد) ثم يخبره بأن له وديعة
مالية كبيرة، لدى شخص يعيش فى منطقة راجيس، ويسلمه الصكّ الخاص بها لإستردادها،
وأما العائلة الثانية فقد جرّبت أبنتها سارة بتجربة قاسية وعجيبة، إذ تزوجت سبع
مرات، غير أن شيطاناً يدعى أزموداوس كان يقتل الزوج فى الليلة الأولى للزواج.

ويظهر
على ساحة السفر، الملاك روفائيل، حيث يقوم بدور ريادى فى الأحداث، فهو يظهر فى شكل
إنسان مستعدّ للسفر، ويرافق طوبيا الأبن فى رحلته إلى بلاد مديان، وفى الطريق
يساعده فى إصطياد سمكة كبيرة، استخدم طوبيا قلبها وكبدها فى طرد الشيطان أزموداوس،
ويتزوج بسارة، وفى أثناء العرس يمضى الملاك روفائيل ليسترد الوديعة المالية ثم
يعود الجميع بعد ذلك (طوبيا وسارة والملاك) إلى طوبيا الشيخ حيث يستخدم الأبن
مرارة السمكة – كنصيحة الملاك – فى دهن عينى أبيه فيشفى من عماه، وعندئذ ينتحى
الملاك بكل من الأبن والأب ليعلن لهما عن حقيقته ثم يوصيهما بتدوين ما جرى لهما فى
كتاب، والتحدث بعجائب الله، ويعيش الجميع بعد ذلك فى سعادة شاكرين الله، منتظرين
خلاصه وعودة إسرائيل من السبى.

 

2.          
كاتب السفر

يتضح
من (طو 12 : 6، 7، 20) أن كاتبا السفر، هما طوبيا الشيخ وطوبيا الأبن معاً، حيث
يوصيهما الملاك قبل اختفاءه عنهما قائلاً (بارِكا
وعَظِّما آسمَه. أَخبِرا جَميعَ النَّاسِ بِأَعْمالِ اللهِ له…
خَيرٌ أَن يُكتَمَ سِرُّ المَلِك، أَمَّا أعْمالُ الله فلا
بُدَّ مِن كَشْفِها… فدَوِّنا جَميعَ ما جَرى لَكُما..
).

 

و قد
يكون طوبيا الأبن هو الذى أخذ على عاتقه هذه المهمة المقدسة، لاسيّما وأن نصيبه من
المشاركة فى أحداث السفر، أكبر من نصيب والده الشيخ، ومع ذلك فإنه من الصعب تحديد
إلى آى منهما تنتمى تسمية السفر، ومن هنا يحتمل أن يكون منسوباً لكليهما معا.


ويكشف الكاتب فى
السفر عن درايته الواسعة للأسفار المقدسة بمجموعاتها الثلاث (الناموس – الأنبياء –
الكتابات)
1 كما تظهر
للقارىء محبة كاتب السفر الشديدة لوصايا الناموس (اللاويين والعدد) بل وحفظه لها،
فهو إذا يهودى تقى وتقليدى، وقد كان سفر عاموس هو آخر الأسفار التى اقتبس منها حيث
قال في (طو 2 : 6) (فذَكَرتُ الكَلامَ الَّذي

تَكلَّمَ بِه عاموسُ النَّبِيُّ على بَيتَ إِيلَ حَيثُ قال: ستُحوَّلُ
أَعْيادُكم نَوحاً وجَميعُ أناشيدِكم رِثاءً
) وهذا ما قاله عاموس النبي (عا 8 : 10)
(وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحاً وَجَمِيعَ
أَغَانِيكُمْ مَرَاثِيَ وَأُصْعِدُ عَلَى كُلِّ الأَحْقَاءِ مِسْحاً وَعَلَى كُلِّ
رَأْسٍ قَرْعَةً وَأَجْعَلُهَا كَمَنَاحَةِ الْوَحِيدِ وَآخِرَهَا يَوْماً مُرّاً!
).


كما يعكس الكاتب فى السفر، محبته للحكمة والأدب، ولا يضيره أن يقتبس من التاريخ
والبيئة، إذ أنه من المعروف أن الله ترك للكاتب، صياغة الوحى، حسبما تكون ثقافته
وبيئته ومستواه (فى مختلف المجالات) ومما لاشك فيه أن الكاتب قصّاص طريف يحب
التصوير والتفاصيل ليثرى خيال القارىء وينقله إلى الواقع، يحيا فيه معه
2

 

3.          
زمان ومكان الكتابة

كتب
السفر فى القرن السابع قبل الميلاد، وبالتحديد بعد خراب نينوى سنة 612 ق.م. بسنوات
قليلة، فقد جرت أحداث السفر، وما تزال نينوى قائمة ثم عاصر طوبيا خرابها، وهو الذى
دون السفر كوصية الملاك روفائيل له، بعد خراب نينوى بقليل، وقبل نياحته.

 

وقد
حاول بعض النقاد إثبات أن الصفر كًتب خلال القرن الثانى قبل الميلاد، متعللين فى
ذلك بوجود بعض الإختلاف فى أسماء المدن والحكام، مما يعنى أن الكاتب كان فى تاريخ
يبعد كثيراً عن الزمن الذى جرت فيه أحداث السفر، أو أن السفر نفسه مختلق حيث كُتب
ككتاب تعليمى فقط (على حد زعمهم).

أما
من جهة الأختلاف فى الأسماء والمواضع فقد كان لبعض البلاد أكثر من اسم لاسيما فى
اللغات الأخرى، وكان المُلك كذلك ينسب لأكثر من شخص فى وقت واحد، كما اكتسب الكثير
من الملوك لقباً واحداً – ربما لقب جدهم الأكبر – على التوالى ولسنين عديدة، هذا
وقد تعرضت بلاد أشور فى زمن السفر إلى تطورات سياسية سريعة، من ثورات إلى قتل
الملوك لبعضهم البعض.

 

و
يستند بعض أولئك النقاد أيضاً، على وجود إشارة فى السفر إلى إستخدام عملة الدراخمة
(الدرهم) وهى عملة يونانية ترجع إلى زمن الإسكندر الأكبر (بداية من القرن الرابع
قبل الميلاد) ولكن يجب الإنتباه هنا إلى أن الدرهم هو عملة فارسية فى الأصل وقد
ورد ذكره فى سفرى الملوك وسفر عزرا وسفر نحميا، حيث أعطى نحميا (الترشاثا) ألفا من
الدرهم مساهمة منه فى العمل (نح 7 : 70 وَالْبَعْضُ
مِنْ رُؤُوسِ الآبَاءِ أَعْطُوا لِلْعَمَلِ. التَّرْشَاثَا أَعْطَى لِلْخَزِينَةِ
أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ وَخَمْسِينَ مِنْضَحَةً وَخَمْسَ مِئَةٍ
وَثَلاَثِينَ قَمِيصاً لِلْكَهَنَةِ.
) ذلك على الرغم من أن السفر يرجع
إلى أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، أى قبل ظهور الإسكندر المقدونى. (راجع
التعليق على الإصحاح الخامس).

 

أما
العالم ريتشاردسون، فقد قام بعمل دراسة أثبت فيها أن النسخة الأصلية للسفر (أى
أقدم نسخة موجودة حالياً) ترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد
3.

 

إلا
أن مخطوطات قمران
Qumran، والتى
اشتملت على ثلاثة أجزاء أرامية للسفر، فقد دلت بذلك على أنه كتب إبان السبي وفى
الشتات، وعندما يتعرض البعض بأن الآرامية كانت مستخدمة فى فلسطين لفترة طويلة بعد
السبى، فإنه يجب الإنتباه إلى أن اليهود اعتادوا على عمل نهرين لكتاباتهم فى تلك
الفترة، أحدهما عبرى والآخر أرامى، وهو ما جمع بعد ذلك فى القرن السادس الميلادى
فى كتاب معتمد سمى الترجوم
Targom، ولكن مخطوطات قمران كانت بالآرامية فقط (أي الأجزاء الخاصة بسفر
طوبيا)

 

كذلك
فإن الذين يرجحون أن السفر قد كتب فى القرن الثانى قبل الميلاد، يستندون أيضاً على
وجود بعض الشبه بين بعض آياته، وبعض آيات أخرى فى سفر يشوع بن سيراخ، ويرون كذلك
أن السفر يمهد لطائفة الفريسيين، ولكن من الجلّى أن السفر لم يشر إلى الثورة
المكابية (176 ق.م.) ولا إلى الفتح المقدونى، وأما بخصوص طائفة الفريسيين، فإن كان
السفر قد شدّد على التمسك بالوصايا ورفض أطعمة الأمم، فأن هذين الأمرين قد عالجهما
من قبل، سفر دانيال والذى جرت أحداثه فى القرن السادس قبل الميلاد، وأما عن
التشابه بين السفر وسفر إبن سيراخ، فإن الله المعطى الوحى لجميع الأنبياء والكتاب،
قد عمل فى الكل وربط بينهم جميعاً، وبين الأسفار بذلك الخيط الإلهى القرمزى.

 

إذا
فقد كتب السفر فى القرن السابع قبل الميلاد، هذا بالنسبة لتاريخ كتابته، أما عن
مكان الكتابة، فقد كتب السفر فى الشتات
Diaspora وبالتحديد فى بلاد
ما بين النهرين (العراق وإيران حالياً) ذلك لتقوية عزائم اليهود الذين بدأوا فى
التحلل من الإلتزام بالناموس متعللين فى ذلك ببعدهم عن أورشليم وتعرضهم للإضطهاد
والضغط العقيدى الوثنى، ولذلك فإن السفر يحضهم على التمسك بالشريعة ودفن الموتى
وإقامة الولائم، والتصدق، والصلاة، كما يشجعهم بأن الله لن يتخلى عنهم ماداموا ملتصقين
به.

 

و قد
رجح العلماء ثلاثة أماكن كموطن للنسخة الأصلية للسفر، فيرى العالم باتريل
Pautrel أنه كتب فى فلسطين، بينما يرشح
العالم سمسون

Simpson
مصر كمكان لأول
نسخة، وأما العالم زمري
Zinpreman فقد رأى أنه كتب فى سوريا.

 

فإذا
أخذنا فى الأعتبار أن بيئة الكاتب هى الشتات، فإننا بذلك بذلك نستبعد فلسطين
(باعتبارها الوطن) وأن مصر فلا يمكن أن تكون هى الوطن الأصلى للسفر، إذ يرد فى
السفر أن الشيطان طرد إلى برية مصر العليا (فرَدَّت
رائِحةُ الحوتِ الشَّيطانَ فهَرَبَ في
الجَوِّ إِلى
نواحي مِصْر. فمَضى رافائيلُ في إثْرِه وشَكَلَه هُناكَ
وأَوثَقَه مِن
ساعتِه.
طو
8 : 3) وأما بسبب ترجيح سوريا وعلى وجه الخصوص إنطاكية، فهو أن إنطاكية فى العصر
السلوقى كانت مركزاً سياسياً وتجارياً هاماً، وبالتالى فمن المحتمل أن تكون أول
رحلة للسفر خارج بلاد ما بين النهرين، هى إنطاكية، حيث يظهر هناك أول ما يظهر، فى
المنطقة الجنوبية.

 

كذلك
فقد ظن العالم ميليك
Milik أن
السفر قد كتب فى السامرة، ولكن السامرة لم تكن ضمن مناطق الشتات وبالتالى فقد
استبعد هذا الرأى ليبقى الرأى الأرجح بأن النسخة الأولى قد كتبت فى أواخر القرن
السابع قبل الميلاد فى بلاد ما بين النهرين
Misopotamia.

 

4.          
لغة السفر والنصوص الأصلية

يصعب
الوصول إلى النص الأصلى من خلال ترجمة ! ولكن العلماء فى القرن الماضى، رشحوا ثلاث
لغات كأصل للنص وهى الآرامية والعبرية واليونانية، ثم جاءت مخطوطات قمران لترشح
الآرامية والعبرية فقط وفى الوقت ذاته تستبعد اليونانية.

 

و بعد
عدة أبحاث قام بها العالم زمري
Zimpreman استطاع الوصول إلى
أن النسخة اليونانية المأخوذة عن العبرية ترجع إلى أصل أرامى، هذا وقد تم العثور
على أقدم نسخة يونانية للسفر فى ثلاث صور :

 أ-
النسخة السينائية –
CODEX SINATICUS ورمزها
(
S)

 ب- النسخة الفاتيكانية – CODEX VATICANUS ورمزها (B)

 ج-
النسخة السكندرية –
CODEX ALEXANDIRUS ورمزها
(
A)

و هذه
الصور الثلاث لها مضمون واحد على الرغم من وجود بعض الأختلافات الطفيفة بينها، هذا
وقد عثر على النسخة الفاتيكانية فى القرن الرابع الميلادى، وهى عبارة عن نص متوسط
فى حجمه، بالمقارنة مع النسخة السينائية ذات النص الطويل والتى ترجمت إلى
اللاتينية قبل القديس جيروم، ووجدت متفقة إلى حد كبير مع أجزاء التى عثر عليها
للسفر فى قمران، وقد ترجمت مؤخرا إلى العربية بمعرفة الآباء اليسوعيين، وهى التى
استخدمناها هنا فى دراستنا هذه.

 

و فى
مغارات قمران
Qumran تم
العثور على خمسة أجزاء من السفر أربعة باللغة الآرامية والخامس باللغة العبرية،
وقد كتب أحد النصوص الآرامية الثلاثة على ورق بردى، بينما كتبت بقية الأجزاء
الآرامية والعبرية على ألواح من الجلد، هذا وقد وجد أن النصوص الخمسة تتفق مع بقية
النصوص الأخرى (أنظر صفحة 208).

 

و قد
أكدت مخطوطات قمران أن لغة السفر ليست يونانية، كما أشارت إلى أن النص الطويل هو
الأقدم بالنسبة للنصين الآخرين (
B، A) ويقول العالم روبيرت ه. بفيفر ROBERT.H PFEIFFER بعد
دراسة قام بها، أنه يرجح أن تكون الآرامية هى لغة السفر
4 ويقول كذلك أن سفر طوبيا هو أفضل الأمثلة الباقية
للقصة السامية القديمة
5، وأن أوريجانوس وجيروم كانا محقين فى ظنهما بأن النص
اليونانى مأخوذ عن النص العبرى من الأصل الآرامى، ويضيف بأن الرأى القائل بأن
السفر يونانى اللغة فى الأصل، قد تراجع الآن
6.

 

و مع
انتشار نسخ كثيرة للسفر، دعا البابا داماسوس بطريرك روما فى أواخر القرن الرابع
الميلادى إلى تكليف القديس جيروم (إيرونيموس) بعمل ترجمة لاتينية شاملة للكتاب
المقدس، حيث قام بنشر هذه الترجمة بمعرفة سكرتيره الخاص، كما يؤكد هو لإثنين من
الأساقفة هما كرومانيوس أسقف أكويلا وهليودورس أسقف ألتينو
7.

 

و قد
نشر الأصل الآرامى بواسطة جامعة أكسفورد وذلك فى عام 1878 م، وأما النصوص العبرية
فقد نشرت كذلك فى لندن عام 1879 م وذلك بعدة لغات، وأما النصوص اللاتينية فقد
نشرها القديس جيروم كما سبق.

 

و
بصدد الحديث عن ترجمات السفر المختلفة تجدر الإشارة هنا، إلى أن عملية الترجمة من
لغة سامية كالعبري مثلاً إلى لغة أخرى غير سامية مثل اليونانى، لهو أمر فى غاية
الصعوبة، بسبب بعض التعبيرات والمصطلحات الدينية والفنية المألوفة لليهود أنفسهم
دون بقية الشعوب، مما يضطر المترجم لأن يعبر عن هذا المصطلح أو ذاك بما يوافقه من
مفردات لغة هو، وفى كثير من الأحيان تأتى الكلمة غير مطابقة تماماً للمعنى الأصلى،
ويلاحظ أيضاً أن هناك تشابه كبير بين بعض حروف اللغتين العبرية والآرامية، مثل :

{ = R } و{ = D }

{ = B } و{ = K }

{ = O } و{ = N فى آخر
الكلمة }

{ = S } و{ = SH }

و فى
اللغة الآرامية مثل :

{ = B } و{ = K }

{ = D } و{ = R }
وهكذا.           

 

5.          
سفر طوبيا والعهد الجديد

كانت
أفكار السفر راسخة فى بيئة كتاب العهد الجديد، كذلك فإن المحاور التى يدور حولها
السفر واضحة تماماً فى العهد الجديد (حياة وكتابات) مما يؤكد أن السفر كان
متداولاً بين يهود الشتات، بل ويهود أورشليم أيضاً، رغم محاولات بعض الجماعات
المتشددة هناك (فى أورشليم) طمس معالم السفر وإعتباره ضمن الكتابات (التى تدنس
الأيدى
SEFARIM HIZONIM) وهو
تعبير أطلقه حاخامات اليهود على الأسفار غير المعترف بها لديهم، كذلك – وكما
أسلفنا – فأن الروح الذى ألهم الكاتب فى القرن السابع قبل الميلاد، هو ذات الروح
الذى ألهم كتاب العهد الجديد.

 

و
القائمة التالية توضح نقاط التلاقى بين السفر وأسفار العهد الجديد، مثل الزواج
والصدقة والتقوى والنسك، كذلك فإن بعض نقاط التلاقى نصية بينما البعض الآخر
ضمنية (أى فى المضمون).

 

الصدقة

سفر طوبيا

العهد الجديد

تَصَدَّقْ
مِن مالِكَ ولا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير فوَجْهُ اللهِ لا يُحوَّلُ عنكَ تَصَدَّقْ
بِما عِندَكَ وبِحَسَبِ ما يَتَوفَّرُ لَكَ إِن كانَ لَكَ كَثير فآبذُلْ كَثيرا وإِن
كانَ لكَ قَليل فآبذُلْ قليلاً ولكِن لا تَخَفْ أَن تَتَصَدَّق فإِنَّكَ
تَذَّخِرُ لَكَ كَنْزاً حَسَناً إِلى يَومِ العَوَز

(طو4
: 7 – 9)

أَعْطُوا
تُعْطَوْا كَيْلاً جَيِّداً مُلَبَّداً مَهْزُوزاً فَائِضاً يُعْطُونَ فِي
أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ. بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ
لَكُمْ (لو 6 : 38)

كل
خبزك مع الجياع والمساكين واكس العراة من ثيابك

(طو4
: 17)

إذَا
صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ
وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ
أَيْضاً فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَاةٌ. بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ
الْمَسَاكِينَ: الْجُدْعَ الْعُرْجَ الْعُمْيَ. فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ
لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ
(لو 14 : 13 ، 14)

 

فَجَاءَتْ
أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ . فَدَعَ
تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هَذِهِ
الأَرْمَلَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي
الْخِزَانَةِ لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا وَأَمَّا هَذِهِ
فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا كُلَّ مَعِيشَتِهَا

(مر
12 : 42 – 44)

 

بَلِ
اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ
صَدَأٌ وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ. (مت 6 : 20)

 

مُدَّخِرِينَ
لأَنْفُسِهِمْ اسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَِلِ لِكَيْ يُمْسِكُوا
بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. (1 تيمو 6 : 19)

 

وَأَمَّا
مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً وَأَغْلَقَ
أَحْشَاءَهُ عَنْهُ فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟

(1يو
3 : 17)

كُلُّ
ما تَكرَهُه لا تَفعَلْه بِأَحَدٍ مِنَ النَّاس

(طو
4 : 15)

فَكُلُّ
مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ
أَيْضاً بِهِمْ. (مت 7 : 12)، (لو 6 : 31)

فلا
تَخَفْ، يا بُنَىَّ، إِنِ اَفتَقَرْنا. عِندَكَ خَيراتٌ كثيرة، إن كُنتَ تَخافُ اللهَ
وتَهرُبُ مِن كُلِّ خَطيئة و تَصنعُ ما هو صالِحٌ امامَ الرَّبِّ إِلهِكَ. (طو 4
: 21)

َمَّا
التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ
وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا.

(1
تيمو 6 : 6 ، 8)

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة أبوسولوس س

 

الحنين إلى اللقاء
و الفرحة به

سفر طوبيا

العهد الجديد

وكانَت
كُلَّ يَومٍ تَخرُجُ مُسرِعةً فتُراقِبُ الطَّريقَ الَّتي ذَهَبَ فيها آبنُها طو
(10 : 7)، (11 : 5)

وَإِذْ
كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَ وَقَعَ عَلَى
عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. (لو 15 : 20)

وقامَ
طوبيتُ ومَشى متَعَثِّراً وخَرَجَ مِن بابِ الدَّار وسارَ طوبِيَّا إِلى لِقائِه
(طو 11 : 10)

 

 

شفاء الأعمى بطريقة
تبدو غير منطقية

سفر طوبيا

العهد الجديد

وسارَ
طوبِيَّا إِلى لِقائِه وبِيَدِه مَرارةُ الحوت ونَفَخَ في عَينَيه وأَمسَكَ بِه
فقالَ لَه تشَجع يا أَبَتِ ثُمَّ طَلى عَينَيه بِالدَّواءِ وآنتَظَر وجَعَلَ
بِكِلْتَي يَدَيه يُخرِجُ قِشْرَةً من أَطرافِ عَينَيه فأَلْقى أَبوه بِنَفْسِه
على عُنُقِه وبَكى ثُمَّ قال إِنِّي أَراكَ يا وَلَدي ونورَ عَينَيَّ

(طو
11 : 11 – 14)

قَالَ
هَذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِالطِّينِ
عَيْنَيِ الأَعْمَى وَقَالَ لَهُ إذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ الَّذِي
تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ فَمَضَى  وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً. (يو 9 : 6 ، 7)

 

الملاك يعمل كشفيع

سفر طوبيا

العهد الجديد

فحينَ
كُنتَ تُصَلِّي أَنتَ وسارة ُ كُنتُ أَنا أَرفعُ ذِكْرَ صَلاتِكُما إِلى حَضرَةِ
مَجْدِ الرَّبّ (طو 12 : 12)

صَلَوَاتُكَ
وَصَدَقَاتُكَ قد صَعِدَتْ تَذْكَاراً أَمَامَ اللهِ.

(
أع 10 : 4 )

أَنا
رافائيل أَحَدُ المَلائِكةِ السَّبعةِ الواقِفينَ والدَّاخِلينَ في حَضرَةِ
مَجْدِ الرَّبّ … أَرسَلَني اللهُ لِأَشفِيَكَ وأُبرِئَ سارةَ كنَّتَكَ (طو 12
: 15 ، 14)

أَنَا
جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ
بِهَذَا. (لو 1 : 18)

 

وَرَأَيْتُ
السَّبْعَةَ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ يَقِفُونَ أَمَامَ اللهِ.

(رؤ
8 : 2)

ها
إِنِّي صاعِدٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني (طو 12 : 20)

الآنَ
فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي (يو 16 : 5)

ثُمَّ
صَعِدَ وأَمَّا هُمَا فنَهَضا ولم يَعُدْ بِإِمكانِهِما أَن يَرَياه (طو 12 : 20
، 21)

وَلَمَّا
قَالَ هَذَا ارْتَفَعَ عنهم وَهُمْ يَنْظُرُونَ

(أع
1 : 9)

 

أورشليم الجديدة

سفر طوبيا

العهد الجديد

سَتُبْنى
أَبْوابُ أُورَشَليمَ مِن الياقوتِ و الزُّمُرُّد وجَميعُ أَسْورِكِ من الحَجَرِ
الكَريم. ستُبْنى أَبْراجُ أُورَشَليمَ مِنَ الذَّهَب وتَحْصيناتُها مِن
الذَّهَبِ الخالِص ستُفرَشُ شَوارِعُ أُورَشَليمَ بِالياقوتِ الأَحمَرِ وحَجَرِ
أُوفير. (طو 13 : 16 ، 17)

وَكَانَ
بِنَاءُ سُورِهَا مِنْ يَشْبٍ وَالْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ شِبْهُ زُجَاجٍ
نَقِيٍّ وَ أَسَاسَاتُ سُورِ الْمَدِينَةِ مُزَيَّنَةٌ بِكُلِّ حَجَرٍ كَرِيمٍ

(رؤ
21 : 18 – 21)

 

6.          
القيمة اللاهوتية للسفر

سفر
طوبيا هو سفر خلاصى، نستطيع أن نلمح ذلك من خلال مطالعتنا له، فطوبيا الأب يشبه
الآب محب الصلاح، وطوبيا الإبن المولود منه (و له نفس الإسم) يشبه الإبن الإقنوم
الثانى المولود من الآب والواحد معه فى الجوهر، فالآب يرسل إبنه (طوبيا) إلى
العالم (راجيس) ليسترد الوديعة

(الطبيعة
الأولى) من غابليوس (الغربة) وطوبيا الأبن (المسيح) يتخذ سارة (الكنيسة) زوجة له
(الكنيسة هى جسد المسيح وعروسه) وذلك بعد أن يدخل مع الشيطان أزموداوس فى حرب

(جبل
التجربة) ويهزمه ويطرده
] إذهب
عنى يا شيطان
[ ويخلص الكنيسة ] سارة [ من سلطانه ويقيده فى برية مصر العليا 8 وفى اليوم الثالث يعلن سلطانه على الموت والشيطان 9 ثم يرجع إلى أبيه ] الصعود [
منتظراً سارة مدة سبعة أيام
] مدة
حياتنا على الأرض – مازلنا فى اليوم السابع
[ لتعود
بعد ذلك إلى عريسها فى بيته الذى خرج منه
] السماء
[ حيث يبدأ حفل العرس السمائى فى اليوم
الثامن
] الأبدية [.

 

و
نلاحظ أن هناك عدة نقاط هامة فى السفر، مثل دور الملاك روفائيل الذى يقوم بعمل
الخدام

(ملاك
= رسول)
10
و
يشترك مع
الله فى خلاص البشرية (و هو من صميم عمل الخدام) كما تشير وليمة العرس إلى سر
التناول المقدس.

 

و
يعالج السفر عدة موضوعات لاهوتية أخرى، فهو يقدم الله كخالق (طو 8 : 5، 6) (فقامَت وأَخذا يُصلِّيانِ فيَبتَهِلانِ لِكَي يُنعَمَ علَيهما
بِالخلاص، وشرَعَ يقول: مُبارك أَنتَ، يا إِلهَ آبائِنا ومُباركٌ آسمُكَ إِلى
جَميعِ الاجْيالِ الآتِيَة! لِتُباركْكَ السَّمَواتُ وجَميعُ خَلائِقِكَ أَبَدَ
الدُّهور! 6 أَنتَ صَنَعتَ آدم أَنتَ صَنَعتَ لَه عَوناً وسَنَذا حَوَّاءَ
آمرأَتَه ومِنهُما خَرَجَ الجِنسُ البَشَرِيّ. وأَنتَ قُلتَ: لا يَحسُنُ أَن
يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه فَلْنَصنَعْ لَه عَوناً يُناسِبُه)
وملك (طو 13 : 6) (حينَ
تَرجِعونَ إِليه من كُلِّ قُلوبِكُم ومِن كُلِّ نُفوسِكُم لِتَعْمَلوا بِالحَقِّ
أمامَه عِندَئِذٍ يَرجعُ اليكُم ولا يَعودُ يَحجُبُ وَجهَه عَنكُم. والآَن
فآعتَبِروا ما صَنَعَ إِلَيكُم وسَبِّحوه مِن كُلِّ أَفْواهِكُم. بارِكوا رَبَّ
البِرّ وأَشيدوا بِمَلِكِ الدُّهور. أَمَّا أَنا فَني أَرْضِ الجَلاءَ أُسَبِّحُه
وأُخبِرُ أُمَّةَ الخاطِئينَ بِقُوَّته وعَظَمَتِه. إِرْجِعوا، أَيُّها الخاطِئون
وآعمَلوا البِرَّ أَمامَه. من يَدْري؟ فلَعَلَّه يَرْضى عَنكُم وَيرأَفُ بِكُم)
ومعطى الوصايا (طو 4 : 5)
(وآذكُرِ الرَّبَّ، يا بُنَيَّ، جَميعَ أَيَّامِكَ، ولا تَرْضَ بِأَن تَخطأَ
وتَتَعَدَّى وَصاياه. إِعمَل أَعْمالَ البِرِّ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِكَ، ولا
تَسلُكْ سُبُلَ الإِثْم)
وله سلطان الحياة
والموت (طو 3 : 6، 15)
(والآنَ فبِحَسَبِ ما
يُرْضيكَ عامِلْني ومُرْ أَن تُستَرَدَّ روحي مِنِّي لِكَي أَزولَ مِن وَجْهِ
الأَرض فأُصبِحَ تُراباً. فالمَوت لي خَيرٌ مِنَ الحَياة لِأَنِّي سَمِعتُ
شَتائِمَ كاذِبَة وبي غَمٌّ شديد. يا رَبّ، مُرْ أَن أَنجُوَ مِن هذه الشِّدَّة.
دَعْني أَمْضي إِلى المُقام الأَبديّ ولا تعرِضْ، يا ربّ، بَوَجْهِكَ عنِّي
فالمَوت لي خَيرٌ مِن مُشاهَدةِ ضيق شَديدٍ في حَياتي ومِن سَماعي الشَّتائم…
وإِن لم تَشأْ أَن تَقتُلَني، يا رَبّ فآسمع ما يُوجَّهُ إِلَيَّ مِنَ
الشَّتائِمَ)
وفي (طوبيا 13 : 2) (لأَِنَّه يُؤَدَّبُ وَيرحَم يُنزِلُ الى الجَحيمِ إِلى
إِسافِلِ الأَرض ويُصعِدُ مِنَ الهَلاكِ الجَسيم فما مِن أَحدٍ يُفلِتُ من يَدِه)
يستجيب للذين يدعونه (طو 3 : 16) (في ذلكَ الحينِ آستُجيبَت صَلَوات الِاثْنَينِ أَمامَ مَجدِ
الله)
صالح ورحوم وعادل، وإن كان يسمح
بالتجارب لفائدتنا (طو 3 : 2، 3)
(عادِلٌ
أَنتَ، يا ربّ وأَعْمالُك كُلُّها عادِلَة وطُرُقُكَ كُلُّها رَحمَةٌ وحَقّ. أَنتَ
تَدينُ العالَم. 3 فآذكُرْني الآنَ، يا ربُّ، وآنظُرْ إِلَيَّ ولا تُعاقِبْني على
خَطاياي ولا على جَهالاتي وجَهالاتِ آبائي. لِأَنَّنا خَطِئْنا إِلَيكَ)
وإله ممجّد (طو 3 : 16) (أَمامَ
مَجدِ الله)
تخدمه الملائكة (طو 12 : 15) (أَنا رافائيل، أَحَدُ المَلائِكةِ السَّبعةِ الواقِفينَ
والدَّاخِلينَ في حَضرَةِ مَجْدِ الرَب).

كما يعالج السفر موضوعين آخرين هما فكر الحياة الأبدية (طو 3 : 6) وخدمة الملائكة
للبشر.

هذا
ويلاحظ أن إنجيل القديس يوحنا اللاهوتى، هو أكثر أسفار العهد الجديد، تقابلاً مع
سفر طوبيا، وذلك على مستوى الفكر اللاهوتى.

 

و فى
السمكة التى إصطادها طوبيا، رمز للمسيحية كلها، فقد إتخذ المسيحيون الأوائل،
السمكة كرمز للمسيحية. (راجع التعليق على الإصحاح السادس) ففى السمكة وجد طوبيا
طعاماً، وفيها وجد شفاءاً لوالده الفاقد البصر، وفيها أيضاً القجرة على إخراج
الشياطين.

 

و
نلاحظ أيضاً أن الولائم فى الأفراح اليهودية، كانت تستمر مدة سبعة أيام، وأمّا فى
سفر طوبيا تستمر أربعة عشر يوماً، الأمر الذى لم يتكرر إلا فى تدشين بيت الرب فى
عهد سليمان، (طو 8 : 20)

(ثمَّ دعا طوبِيَّا فقالَ لَه: طَوالَ أَربَعَةَ
عَشَرَ يَوماً لا تتحَرَّكُ مِن هُنا، بل تَبْقى لِتأكُلَ وتَشرَبَ
عِنْدي وتُفرِجَ الغَمَّ عن نَفْسِ آبنَتي). وفي (1 مل 3 : 15)
(فَاسْتَيْقَظَ سُلَيْمَانُ وَإِذَا هُوَ حُلْمٌ. وَجَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ
وَوَقَفَ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَقَرَّبَ
ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَعَمِلَ وَلِيمَةًلِكُلِّ عَبِيدِهِ
.) وأيضا في
(1مل 8 : 65) (وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مَدْخَلِ
حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ
وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً
) مما يغنى أن الإحتفال
فى الحالتين هو إحتفال إلهى.

 

ويرى آخرون:

أن ما
قام به الملاك روفائيل إنما يرمز لعمل المسيح الذى كان وسيطاً بيم الله والناس،
ولإن المسيح قد قبض على الشيطان الذى كان يقتل أرواحنا ولإن السيد الرب هو الذى
أنار عيون النفس كما فعل روفائيل مع طوبيا الأب، ومن هنا فقط كان السفر فى العصر
الرسولى مطابق جداً لعمل المسيح له المجد، وأحد أركان البشارة الأساسية، لقوة رموز
طوبيا والملاك لعمل المسيح الخلاصى.

 

و فى
السفر نرى أن الله له شهود فى كل زمان ومكان مهما كانت الظروف المحيطة والشرور
السائدة، فكما ذكر شهود للرب فى فترة السبى مثل دانيال والثلاثة فتية، كذلك طوبيا
وسارة وغيرهم فى سبى الشمال.

 

و
يوضح السفر أيضاً حيل أبليس وهزيمته بعد طول صبر وصلاة نقية من نفس لها رجاء
بإلهها.

 

7.          
القيمة الليتورجية للسفر

سفر
طوبيا، سفر معبق برائحة نسكية، تصطبغ تعاليمه بصبغة أورثوذكسية، ولذلك فإن الكنيسة
الملهمة بالروح القدس قد أدخلته فى ليتورجياتها، حيث رتبت أن يقرأ بكامله فى يوم
الجمعة من الأسبوع السادس فى الصوم الكبير، وذلك فى إطار التعليم الكتابى الكنسى
عن (إستجابة الله للذين يدعونه، بخلاص أكيد).

 

وليمة طوبيا والإفخارستيا:

فى
عيد العنصرة، وكما يقضى الناموس والتقليد أقام طوبيا الأب (الآب) وليمة عظيمة فى
بيته، ثم أرسل طوبيا أبنه (الإبن) لكى يدعو إلى الوليمة كل مستعد وتقى حتى يكمل
الفرح، إذ لم يشأ طوبيا الأب أن يأكل طعامه حتى يأتى ضيوفه إلى المائدة، هكذا يصرخ
الكاهن فى نهاية القداس (القدسات للقديسين).

 

الصلاة والصوم والصدقة :

كما
يأخذ السفر دوره فى الصوم المقدس عموماً، فى تعزيز أركان العبادة الثلاثة (الصلاة
والصوم والصدقة) والتى من المحتمل أن تكون مستقاه فكراً ونصا من السفر، إذ وردت فى
السفر (الصَّلاةُ مع
الصَّومِ
والصَّدَقةُ مع البِرِّ خَيرٌ مِنَ الغِنى مع الإِثْم،
التَّصَدُّقُ
خَيرٌ مِنِ آذِّخارِ الذَّهَب
طو 12 : 8) وقد ركز كثير من قديسى الكنيسة الأول مثل يوحنا
ذهبى الفم والقديس أغسطينوس على الصدقة ورحمة المساكين، فى عظاتهم كثيراً، معتمدين
أيضاً على ما ورد فى السفر (لِأَنَّ

الصَّدَقَةَ تُنقِذُ مِنَ المَوت ولا تَدَعُ النَّفْسَ تَصيرُ إِلى
الظُّلمَْة
طو 4 : 10، 12 : 9 الصَّدَقةُ تُنَجِّي مِنَ المَوت
وهي تُطَهِّرُ مِن كُلِّ خَطيئة.
الَّذينَ
يَتَصَدَّقونَ يَشبَعونَ مِنَ الحَياة)
.

 

سر الزواج:

كذلك
فقد كان للسفر أثراً كبيرا فى طقوس الزواج فى الكنيسة، فإلى وقت قريب كان والد
العروس يأخذها من يدها ويسير بها داخل الكنيسة حتى يصل إلى مكان عقد الإكليل حيث
يسلمها للعريس، هذا ما صنعه رعوئيل والد سارة، حيث أخذها من يدها اليمنى وسلمها
ليمين طوبيا (راجع طو 7 : 12) (ثُمَّ دَعا رَعوئيلُ
سارةَ آبْنَتَه، فأَتَت
إِلَيه، فأَخَذَها
بِيَدِها وسلَّمَها إِلَيه وقال: إِقْبَلْها، فهي
تُزَفُّ إِلَيكَ
آمرأَةً بِحَسَبِ الشَّريعة وبِحَسَبِ الحُكْمِ
الوارِدِ في
كِتابِ موسى. خُذْها وعُدْ إِلى أَبيكَ سالِماً. أَوصَلَكم

إِلهُ السَّماءَ بِسَلام) كما وردت فى السفر أول إشارة إلى
إستخدام صحيفة (عقد) الزواج، وهو الأمر المعمول به إلى اليوم لدى جميع الكنائس
والشعوب (طو 7 : 13) (
!ثُم دَعا
أُمَّها وطَلَبَ إِلَيها أَن تأتِيَ بِصَحيفة وكتَبَ فيها عَقدَ
الزَّواج، زافّاً إِيَّاها آمرأَةً لَه بِحَسَبِ حُكْمِ شَريعةِ موسى).

 

كما
نلاحظ أن طوبيا وسارة يتفرغان للصلاة والصوم مدة ثلاثة أيام، بعد مراسم الزواج
وقبل الإحتفال بهما، وهو الأمر الذى كان متبعا فى الكنيسة الأولى، حيث يتم طقس سر
الزواج بين رفع بخور باكر والقداس الإلهى وعندها يتناول العروسان من السرائر
المقدسة ثم يتفرغان للعبادة ثلاثة أيام.

و قد
بدأ هذا الطقس فى إتخاذ موقعه فى الكنيسة اليوم، حيث يشجع الآباء على إتمام مراسم
الزواج باكر يوم الأحد عقب بخور باكر، ثم يتناول العروسان من الأسرار المقدسة قبل
خروجهما من الكنيسة والإحتفال مع الأهل والأصدقاء بزواجهما.


الدهن بالزيت:

يرد
فى طقس صلوات الإكليل، أن الكاهن يصلى على الزيت، ثم يرشم العريس والعروس قائلاً

(ليبطل
هذا الدهن الشياطين، هذا الدهن قبالة الأرواح الرديئة، هذا دهن الأرواح المقدسة،
هذا الدهن قبالة مقاومة الأرواح النجسة، بيسوع المسيح ملك المجد…. إلخ) وفى هذه
الصلاة إشارة إلى الروح الردىء المذكور فى قصة زواج طوبيا بسارة.

و
يقول أيضاً هذه الصلاة (أستر عبديك… واحفظ مضجعهما نقياً، حصنهما بملائكتك
الأطهار.. إلخ) وفيها إشارة إلى دور الملاك روفائيل فى قصة الزواج هذه (راجع كتاب
مجموع صلوات الكنيسة للأفراح والأتراح، للقمص عبد المسيح سليمان سنة 1943 م ص 47 :
52).


المعمودية:

وفى
إطار التعليم عن المعمودية، يظهر طوبيا الأب فى دور الإشبين بالنسبة لإبنه طوبيا
(طو 4) وهو الأمر الذى صار معمولاً به حتى أواخر القرن الماضى حين إضطر الأب والأم
فى أيامنا هذه إلى الخروج للعمل ولم يعودا مؤهلين للقيام بهذا الدور، مما دفع
الكنيسة إلى إنشاء مدارس الأحد لتقوم بدور الإشبين لدى الطفل.


مسحة المرضى:

وعن
سر مسحة المرضى، نرى أن الملاك يوصى طوبيا بأن يطلى عينى أبيه بمرارة السمكة، وهو
مايقابل الزيت المقدس فى دهن المرضى (طو 11 : 11) (وبِيَدِه
مَرارةُ الحوت. ونَفَخَ في عَينَيه وأَمسَكَ بِه فقالَ لَه
: تشَجع، يا أَبَتِ.
ثُمَّ طَلى عَينَيه بِالدَّواءِ وآنتَظَر
) والقاسم المشترك هنا، أن إيمان الملايض
نفسه، هو الذى يشفيه،
11 مع
العمل الخفى للأسرار، وليست المادة المحسوسة فقط (راجع التعليق على ذلك فى شرح
النص).


تبريك المنازل:

و يرى
العالم ب. جيفين
P.GIFFUN أنه
كان لسفر طوبيا الأثر الكبير فى تأكيد عادة وتقليد رش المنازل بالماء، لتبريكها
وطرد الأرواح الشريرة منها.

و فى
بستان الرهبان ترد قصة عن شخص مريض ظهر له فى حلم، شخص آخر (كان الأول قد أحسن
إليه) ومسح بيده عليه وشفاه ثم أورد له آية من سفر طوبيا وهى (إعمل الرحمة فإنها
تخلصك من الآفات وتغفر الخطايا) وهو نفس مضمون (لِأَنَّ

الصَّدَقَةَ تُنقِذُ مِنَ المَوت ولا تَدَعُ النَّفْسَ تَصيرُ إِلى
الظُّلمَْة.
طو 4 : 10، الصَّدَقةُ تُنَجِّي مِنَ المَوت وهي تُطَهِّرُ مِن كُلِّ
خَطيئة.
الَّذينَ يَتَصَدَّقونَ
يَشبَعونَ مِنَ الحَياة

12 : 9) مما يدل على أن السفر كان معروفاً فى القرن الرابع الميلادى (الوقت الذى
جرت فيه أغلب حوادث بستان الرهبان) وإتضح بما لا يقبل الشك أن اروح القدس الذى
ألهم كاتب السفر هو ذات الروح الذى وضع فى فم الشخص – الذى ظهر فى الحلم – نفس
القول.

 

8.          
تأثير السفر فى الحياة العامة

و قد
إمتد تأثير السفر منذ فجر المسيحية، إلى عادات الناس وحياتهم العامة، فهذه هى صورة
الملاك روفائيل برفقة طوبيا وسمكة كبيرة قابعة عند قدميهما، منتشرة فى المنازل ليس
فى مصر فقط وإنما فى جميع أنحاء العالم، حيث الطمأنينة فى قلوب الآباء والأبناء،
إذ أن الملاك حارسهم ورفيقهم فى تنقلاتهم، وقد إهتم الكثير من فنانى العالم بتحويل
مشاهد سفر طوبيا ووقائعه إلى لوحات فنية رائعة، إنتشرت فى بلاد الشرق والغرب.
12

كما
كان لدور الملاك روفائيل فى رحلة طوبيا، الأثر الكبير فى تعضيد التعليم الكتابى
والكنسى بوجود الملاك الحارس لكل إنسان، يحميه ويدافع عنه ويرافقه فى أسفاره، وقد
تمخض هذا التعليم عن عبارة شهيرة تقال عند توديع المسافرين وهى { يصحبك ملاك
السلامة
} !.

 

و من
الملاحظات الطريفة فى السفر، أن الكلمة التى إعتاد الأقباط تبادلها عند اللقاء،
وهى كلمة {سعيدة} وأصلها {سعيدا}، هذه الكلمة فى الواقع مقتبسة من
سفر طوبيا، إذ نقرأ أن طوبيا الشيخ قد إستقبل بها الملاك روفائيل (المتخذ صورة
إنسان) عند لقاءه به، إذ قال له : أَهلاً

بِكَ سالِماً مُعافًى (طو 5 : 14).

هذا
إلى جوار ملاحظات آخرى كثيرة سنتعرض لها فى حينه.

 

9.          
قانونية السفر

فى مجمع
يمنيا
JAMNIA والذى عقد سنة 0
م، قام اليهود مرة أخرى بتحديد الأسفار القانونية للعهد القديم، حيث إستبعدوا
مجموعة من الأسفار المسماه (بطريق الخطأ) الأسفار القانونية الثانية، بما فيها سفر
طوبيا، من قائمة كتبهم المقدسة رغم إنتشاره فى ذلك الوقت وكان السبب فى إعادة
تحديد كتبهم المقدسة هو إعتبارهم أن المسيحية قد خرجت عن الإطار اليهودى ومن
المحتمل بذلك أن تضيف بعض الأسفار السابقة.

 

أما
عن السبب فى رفضهم سفر طوبيا بالتحديد، فإنه يحتمل جدا أن اليهود فى الجنوب
(أورشليم) قد رفضوا أى شىء قادم من مملكة الشمال بإعتباره فاسداً دينياً ولا يصلح.
لإعتبارهم أن المملكة الشمالية قد دخلت عليها تأثيرات وثنية كثيرة كعجلى الذهب
اللذان وضعهما يربعام بن نباط فى دان وبيت إيل، وتعيينه كهنة من غير سبط لاوى،
وغيره من الملوك (مثل آخاب) والذين ساعدوا بقوة على طمث الهوية الدينية اليهودية ومحاولة
صبغها بالصبغة الوثنية لأغراض سياسية وشخصية،

و هم
بذلك نظروا إلى سفر طوبيا نظرة لا تخلو من الشك والتحفظ، ولعل هذا ما يبرر عدم ضمه
إلى بقية الأسفار رغم وجوده أيام عزرا الكاهن.
13

 

و من
بين الأسباب التى دعت اليهود أيضاً إلى إعادة تحديد الأسفار فى مجمع يمنيا هو أنهم
كانوا على مشارف فترة شتات طويلة سوف تتجاوز العشرين قرناً ! ومن هنا يصبح من
الضرورى لديهم تحديد الأسفار التى ستقرأ فى مجامع الشتات.

 

و
بتعبير آخر نستطيع أن نقول أنهم وضعوا هذه الأسفار (طوبيا ويهوديت) مع الأسفار
والتعاليم المسيحية (فى سلة واحدة) لجعلها أسفاراً (تدنس الأيدى
SEFARIM HIZONIM)

و هو
تعبير الذى أصطلح عليه للدلالة على الكتب المرفوضة (كما إستخدمه التلمود).

و لكن
فى مجمع يمنيا الذى تم فيه الحكم بالتصويت، لم يكن معصوماً من الخطأ، أما أباء
ومعلمى الكنيسة الأولى، فقد إعتبروها أسفاراً لها نفس أهمية ومصداقية الأسفار
الأخرى، فى الوقت الذى رفضوا فيه أكثر من ثلاثين سفراً، إعتبروها كتباً تاريخية أو
أدبية، لا ترقى إلى مستوى الأسفار التى نحن بصددها.
14

 

وقد
رفضت الكنيسة أيضاً المصطلحات، التى ظهرت للتعبير عن هذه السفار التى قبلتها ككتب
موحى بها (مثل طوبيا).

و من
هذه المصطلحات :

*                         
APOCRYPHA
أبوكريفا، لإنه تعبير أصبح يطلق على الكتابات التى تحوى الأساطير والتعاليم
المشكوك فى صحتها ونسبتها.

*                         
PSEUDEPIGRAPHA بسودبجرافا، والذى يعنى الأعمال الكاذبة.

*          
DEUTEROCANONICSL أى الأسفار القانونية الثانية (ديتروكانونيكال) 15 إذ تعتبرها الكنيسة (أى الأسفار التى نحن
بصددها) أسفاراً فى نفس مستوى وأهمية الأسفار الأخرى. وهذه الأسفار هى:

1.             
سفر
طوبيا (موضوع دراستنا).

2.             
سفر
يهوديت.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير 91

3.             
تتمة
سفر أستير.

4.             
سفر
الحكمة.

5.             
سفر
يشوع بن سيراخ.

6.             
تتمة
سفر دانيال.

7.             
سفر
نبوة باروخ.

8.             
سفر
المكابيين الأول.

9.             
سفر
المكابيين الثانى.

إضافة
إلى:

*               
المزمور
المائة والواحد والخمسين.

*               
صلاة
منسى الملك.

 

أما
يهود الشتات فقد إستخدموا هذه الأسفار فى عبادتهم، نظراً لإتساع أفقهم اللاهوتى،
بالنسبة لنظرائهم فى فلسطين، بل أن جماعة الآسينيين
ESSENS والتى سكنت بجوار البحر الميت فى فلسطين كانت تستخدم هذه الأسفار،
حيث عثر فى سنة 1947 م فى كهوف قمران
QUMRAN على خمسة أجزاء من سفر طوبيا وبعض من سفر يشوع بن سيراخ.

 

و قد
أشار العالم إسفلدت
EISSFALDT فى
طبعته الثانية لكتابه
AINLATLUNG سنة
1956م، أن إكتشافات قمران أثبتت أن المجتمع الأسينى فى قمران، عرف مجموع كتابات
تتفق مغ القانون اليونانى المعمول به لدى يهود الشتات والمأخوذ عن السبعينية.

و على
الرغم من أن اليهود يزعمون أن الوحى قد توقف منذ عصر أرتحتشتا، فى القرن الرابع
قبل الميلاد (كما ورد فى تاريخ يوسيفوس) فإننا نقرأ فى (2 مكا 2 : 14) (وكذلك جمع يهوذا كل ما ضاع منا من الكتب في الحرب الأخيرة،
وهذه الكتب في حوزتنا ألان
.) أن يهوذا المكابى قام بجمع بعض الكتب
والأسفار والمخطوطات وقد حدث ذلك فى سنة 163 قبل الميلاد، مما يدل على أنه كانت
هناك أسفار لم تدرج بعد، عثر عليها بعد عصر عزرا.

 

فعندما
قام عزرا الكاتب بجمع الأسفار المقدسة، لم يعثر عليها جميعاً بسبب ظروف الشتات،
كما أن بعض من هذه الأسفار التى نحن بصددها (مثل يشوع بن سيراخ والمكابيين) قد
كتبت بعد عصر عزرا، وقد فقد كثير من الأسفار الأخرى التى أشار إليها الكتاب المقدس
مثل سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا وإسرائيل وسفر ياشر وسفر حروب الرب وسفر عدو
النبى.

 

ومن
هنا فإن الترجمة السبعينية تعد عملاً عظيماً، وعلمياً، ومتمم لما قام به عزرا الكاتب،
إذ أنه من المؤكد أن علماء اليهود الذين أوكل إليهم بطليموس فيلادلفوس هذا العمل
كانوا موضع ثقة وعلى دراية كبيرة بالأسفار والظروف المختلفة التى حولها، وكان
عملهم هذا بتدبير من الله
16. (أنظر صفحة 106).

 

وقد
ظلت الكنيسة منذ البداية وبعد أن دون السفر كجزء من الكتاب المقدس وذلك قبل سنة
240
17 متيقظة لأية محاولات تنال من
هذه الأسفار، على مر السنين، ولعل أول صفة قانونية مجمعية توهب لهذه الأسفار كانت
فى مجمع نيقية المنعقد سنة 325 م حسبما صرح بذلك القديس جيروم، الذى يقول : أن
إعتراف هذا المجمع با، قد قضى على أى شك لديه من ناحيتها.

 

وقد
تصدت الكنيسة الأولى تلك المحاولات، فى مجمع هيبو
HIPPO الذى عقد سنة 393م والذى حضره القديس أغسطينوس، أعقبه مجمع
قرطاجنة الأول سنة 397 م ثم الثانى سنة 419م.

 

ثم
قامت الكنيسة الرومانية بعد ذلك بإعتماد ترجمة القديس جيروم – بعد هذين المجمعين –
وأعطتها إسم الفولجاتا
VOLGATE أى
الشعبية، معتبرة جميع الأسفار – بما فيها الأسفار موضوع دراستنا – ذات صيغة
قانونية واحدة، دون تمييز.

 

و
بفضل معلمى وآباء الكنيسة الأول، ضم سفر طوبيا مع بقية الأسفار ضمن مجلد واحد وفى
عدة لغات، متخذة هذه الأسفار ترتيبها بين بقية أسفار العهد القديم، وظلت تحظى
بالشريعة حتى القرن الرابع عشر، حين قام العالم المسيحى (من أبوين يهوديين)
نيقولاوس الليرالى
NICHOLUS OF LYRA (مات
سنة 1340م). بعمل طبعة للكتاب المقدس، وضع فيها هذه الأسفار فى ملحق منفصل، فى آخر
العهد القديم، هى طبعة
WYCLIFFE OF BIBLE سنة 1340م، وتعد
هذه هى المرة الأولى التى تفصل فيها هذه الأسفار هكذا.

 

و قد
كان لهذا العالم وطبعته هذه، الأثر المباشر والرئيسى على مارتن لوثر، مؤسس حركة
الإصلاح، والذى قام بالتعاون مع العالم الألمانى كارل ستار
KARL
STAR بعمل ترجمة للكتاب
المقدس سنة 1534م حيث قام بفصلها أيضاً عن العهد القديم مطلقين عليها إصطلاح
(نافعة للقراءة) وأسموها أبوكريفا، ظلماً.

 

و منذ
ذلك الحين وبدأت تظهر طبعة للملك جيمس للكتاب المقدس
K.J.V.، أحياناً بدون هذه الأسفار، حتى أعلنت جمعية الكتاب المقدس فى
بريطانيا بعد مناقشة حادة سنة 1847 م بخصوص هذه الأسفار، بأنها سوف تحذفها من
طبعاتها، ليس كذلك فحسب وإنما إمتنعت أيضاًعن مساعدة الجمعيات الأوربية التى تصدر
الكتاب المقدس متضمناً هذه الأسفار، وهكذا تدخلت إقتصاديات الطباعة أيضاً فى حذفها
!!.

 

أما
الكاردينال كاجيتان
CAJETAN، وهو
الخصم الأكبر لمارتن لوثر
18 فقد
صرح قائلاً:

{إن
الكتب التى كانت معدودة عند جيروم، قانونية، يجب أن نعتبرها قانونية، والتى كانت
محسوبة عنده غير قانونية، ينبغى أن نرفضها} ثم أضاف
]إن الكنيسة مديونة لهذا الأب
لأجل تمييزه للأسفار القانونية من غيرها
[.

 

وأمّا
ردّ الفعل المباشر للكنيسة الرومانية تجاه موقف لوثر، فهو عقد مجمع ترنت
TRENT (جمعية الثالوث) وذلك فى سنة 1546م،
حيث أعلنت فيه (إن كل من لا يعترف بقانونية هذه الأسفار فليكن أناثيما {محروماً})
مستندين فى ذلك أيضاً على مجمع فلورنسا الذى عقد سنة 1439م والذى أيد هذه الأسفار
وحرم كل من يرفضها، ثم تمّ تعضيد قرارات هذا المجمع (ترنت) فى مجمع الفاتيكان الذى
عقد سنة 1870م.

 

أمّا
فى مصر فقد كانت الكنيسة بمنأى عن هذه الصراعات، ولم تدخل طرفاً فيها، نظراً
لقناعتها بهذه الأسفار ضمن قائمة الكتب القانونية وذلك فى قوانين الشيخ الصفى بن
العسال، وكذلك فى قوانين العلامة شمس الرياسة أبو البركات والمعروف بإبن كبر.
19

 

و أما
فى القسطنطينية فقد عقد مجمع، كملت أعماله فى (ياش) سنة 1642م أيّد فيه قرارت
المجامع السابقة على تاريخه، وأقّر قانونية هذه الأسفار، وكذلك الكنيسة اليونانية
إتخذت نفس الموقف فى مجمع عقده البطريرك دوسيتاوس سنة 1672م فى أورشليم، وفى الهند
قام العالم الكاهن (الكانن سل) بتشجيع الكنيسة هناك على الإهتمام بهذه الأسفار
ودراستها.

 

وفى القرن العشرين، ومنذ أن نشر العالم كارلس R.H.CHARLES كتابه APOCRYPHA & PSEUDAPIGRAPHA فى سنة
1913م وتزايدت الرغبة فى دراسة هذه الأسفار لإعطائها نصيبها من الشريعة كبقية
الأسفار، كذلك فقد قوى هذه الرغبة، ما ورد فى طبعة جود سبيد
E.J.GOODSPEED للكتاب المقدس حيث جاء فيه (أننا لا نستطيع أن نقبل الكتاب المقدس
كمرجع للدراسات الثقافية والفنية والأدبية والتاريخية والروحية، بدون هذه
الأسفار).

 

كما
يجب ألا ننسى ونحن فى هذا الصدد، أن نشير إلى الدور البارز الذى قام به المجلس
القومى للكنائس
NATIONAL COUNCIL OF CHURCHS، إذ نشر مخطوطات قمران، مما شجع مجلس الكنائس الأمريكية على تكوين
لجنة من علماء الكتاب المقدس لإعداد ترجمة جديدة صدرت سنة 1957 م وتم ضمها إلى
طبعة
R.S.V، كما توجد حالياً
منظمة دولية وهى

INTERNATIONAL ORGANIZATION FOR SEPTUAGINT & COGNOTE STUDIES

وذلك
لدراسة هذه الأسفار ونشر نتائجها أولاً بأول.

 

وأخيراً
فقد قامت دار الكتاب المقدس فى مصر (و للمرة الأولى) بعمل طبعة جديدة للكتاب
المقدس بعهديه تتضمن هذه الأسفار (مجتمعة فى نهاية العهد القديم) مترجمة عن النص
اليونانى.

 

و
فيما يلى قائمة بأسماء بعض القديسين الذين إقتبسوا من سفر طوبيا فى تعاليمهم
وكتاباتهم :

V                       
القديس
كليمندس الرومانى، تلميذ بولس الرسول – فى رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس تنيح ما
بين 90 – 100م.

V         
القديس
بوليكاربوس أسقف سميرنا – تلميذ القديس يوحنا الحبيب – فى رسالته إلى فيليبى. ولد
فى 70 م وتنيح ما بين 155 – 160م.

V                       
القديس
كليمندس السكندرى – فى كتابه (المربى) ولد فى سنة 155م وتنيح سنة 220م.

V                       
القديس
يوسابيوس القيصرى – فى كتابه تاريخ الكنيسة ولد فى سنة 265 م وتنيح سنة 339م.

V                       
العلامة
أوريجانوس – فى كتابه (الصلاة) وتنيح سنة 254م.

V                       
القديس
أثناسيوس الرسولى – فى دفاعه ضد الأريوسيين. ولد فى سنة 296م وتنيح سنة 373م.

V                       
القديس
ديوناسيوس الرومانى – فى الرد أتباع سابليوس. وتنيح سنة 369م.

V                       
القديس
ديديموس الضرير – فى كتابه الثالوث. ولد ما بين 309- 314م وتنيح سنة 398م.

V                       
القديس
كبريانوس (حيث يصف السفر بأنه الموحى به من الله).

V                       
القديس
إيرونيموس (جيروم) حيث قام بترجمة السفر على الآرامية. ولد فى سنة 245 م وتنيح سنة
419م.

V         
القديس
أغسطينوس – فى الرد على البلاجية، والموعظة على الجبل، ومدينة الله وشرح إنجيل
يوحنا. ولد فى سنة 354 م وتنيح سنة 430م.

V                       
القديس
ديوناسيوس السكندرى – فى رسالته العاشرة. وتنيح سنة 454م.

و
من آباء الكنيسة اللاتينية :

V                             
البابا
ليون الكبير – فى كتابه (الرعاية) ولد سنة 540م.

V           
البابا
كليستوس بابا روما – فى كتاب له عن التعامل مع الآخرين. إضافة إلى مجموعة قوانين
الآباء الرسل (المجموعة الثانية) القانون 55، ومجموعة تعاليم الآباء الرسل.

 

10.     
الشبهات والإعتراضات على السفر ومناقشتها

1.          
أولا : السفر والميثالوجيا (الأساطير) :

حاول بعض العلماء والنقاد فى دراستهم النقدية للكتاب المقدس، لاسيّما
العالم إرنست رينان
E.RENAN، الربط بين سفر طوبيا من جهة وبعض الأساطير التى
إنتشرت فى القرن الخامس قبل الميلاد من جهة أخرى، والتى ظهرت فى منطقة الشرق
الأدنى، ومن بين تلك الأساطير:

 

أ- قصة رجل قام بدفن جثة ميت،
متكلفاً بذلك مبلغاً طائلاً من المال، ثم قام شبح الرجل الميت بإرشاد الرجل فى
العثور على كنز كبير، وقد أطلق على هذه الأسطورة إسم الميت الشاكر
GRATEFUL DEAD.

 

ب-
قصة العروس التى كان التنين يقتل أزواجها، حتى جاء البطل برفقة صديق آخر يتبعهما
كلب، وقام بذبح التنين، وقد أطلق على هذه الأسطورة إسم العروس الخطرة
DANGEROUS BRIDE، وعروس الوحش BRIDE OF TH MANOTER، والمرأة المفتدية
REUSOMED WOMEN، وقد
عثر عليها فى مؤلف يونانى شهير يرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

 

ج-
أسطورة تروى عن شخص إسمه سيمونيدس
SIMONIDES، أنهبعدما قام بدفن جثة رجل مجهول، حذره شبح الرجل الميت ألاّ
يبحر على أية سفينة خوفاً من هلاكه غرقاً، قد إتبع سيمونيدوس النصيحة بالفعل عند
أسفاره، بينما مات جميع الذين إستقلوا السفينة.

د-
وقد ظهرت قصة أرمنية حديثة، عبارة عن تجميع للقصص السابقة، حيث تروى أن رجلاً رأى
جثة يعذبّها دافنوها بسبب دين كان على صاحبها، فدفع هو هذا الدين ثم دفنها بإكرام،
وبعد ذلك أصبح هو ذاته فقيراً، وفكر فى التزوج من عذراء غنية، كانت قد تزوجت بخمسة
رجال من قبل ولكنهم ماتوا فى ليلة الزفاف، ثم جاء إليه رجل مجهول وعرض عليه أن
يكون خادمه مقابل نصف الثروة التى سوف يحصل عليها فى المستقبل، ونصحه بالتزوج من
البتول، وفى ليلة الزواج قطع الخادم رأس التنين الخارج من فم العروس، كما أجبر
تنينا آخر على الخروج منها بعد أن هددها بشطرها إلى نصفين، ثم أعلن الخادم للرجل
أنه روح الرجل الميت الذى أكرم هو جثته، ثم إختفى بعد ذلك عنه، وقد أطلق على هذه
الأسطورة لقب الميت الشاكر، أيضاً.

 

هـ –
وبعد ذلك ظهرت إضافة لهذه الأسطورة وذلك بالقلاب من
ADRIANOPLE حيث ورد أن المرافق بعد أن قطع رأس التنين الهارج من المرأة، طلب
نصف المرأة، فلما أخذ سيفه ليشطرها نصفين، صرخت المرأة وتقيأت التنين الثانى.
20

 

و-
كذلك حاول البعض الربط بين قصة أخيكار الحكيم وسفر طوبيا، وقد ظهرت هذه القصة فى
مؤلف يونانى خلال القرن السابع قبل الميلاد أيضاً، حيث يرد أخيكار كوزير للملكين
سنحاريب وأسرحدون على التوالى، وقد تبنى إبن أخيه ناداب بالإرشاد والنصح، فلما كبر
أشركه معه فى الحكم، ولكن ناداب مالبث أن إنقلب عليه وتسبب فى سجنه، غير أن
السّجان وهو من تلاميذ أخيكار، سهل له الهرب من السجن، فلمّا تغيرت الظروف
السياسية، عاد أخيكار إلى وظيفته معاتباً إبن أخيه بسلسلة من النصائح والحكم قبل أن
يودعه هو نفسه فى السجن، حيث بقى فيه حتى مات.

 

ز-
كما إدعى البعض أن
TRACTATE OF KHONS
المصرى، ربما كان فى فكر طوبيا عندما كتب السفر، حيث يحكى قصة أميرة، إمتلكت
بواسطة شيطان، طرد عن طريق تدخل (خونس)
KHONS إله طيبة 21.

 

الرد على هذه الإعتراضات :

كثيراً
ما يجد النقاد، فى الأساطير القديمة، سلاحاً للطعن فى سلامة الأسفار وصحة الوحى
بها، ولكن الأساطير لا تستطيع أن تقوم كدليل قاطع فى نفى صحة الأسفار، إذ يعتبرها
المعتدلون مجرد إحتمالات، ومعروف أن الدليل إذا تطرق إليه الإحتمال، سقط به
الإستدلال، فقط جاءت تلك الأساطير عبارة عن قصص مبتورة، بحيث أن أوجه الشبه بينها
وبين فقرات من السفر، ضعيفة وهزيلة للغاية، كذلك فإن المزج بينها جميعاً لتكون
ملحمة أسطورية كاملة، كما أوردناها، قد جاء فى وقت متأخر، بحيث كان السفر قد أخذ
مكانته بين يهود الشتات.
22

 

فقد
كتب السفر فى أواخر القرن السابع قبل الميلاد، ولا مانع من أن يقتبس بعض الشعراء
والقصاصين، من الكتب المقدسة، ويستوحون منها فى ملامحهم ويتأثرون بها فى أعمالهم،
حيث أن ذلك قد حدث كثيراً، عندما تحولت الكثير من قصص الكتاب المقدس إلى أعمال
أدبية، قدم بعضها على المسرح الأوروبى فى القرون الوسطى
]مثل سفر يهوديت[.

 

أما
إذا إعتبرنا جدلاً، أن الكاتب الإنجيلى قد تأثر بالبيئة، فهذا أمر لا خلاف عليه،
إذ أنه من الثابت أن الله يترك صياغة الوحى، إلى شخصية الكاتب، حسبما تكون ثقافته
وظروفه المختلفة، ويظهر ذلك فى تنوع أشكال الأسفار الإلهية، مابين بسيطة وأدبية،
وشعرية وفلسفية، غير أن تأثر سفر طوبيا بالبيئة، يظهر فقط فى إستعارته لبعض
المصطلحات السامية مثلما ورد فى:

أَمَّا أَنا فكُنتُ أَصونُ نَفْسي مِن أَكْلِ طَعامِ الأُمَم ( طو 1 :
11)

فأَنا الآنَ خائف. إِنَّه لا يُسيءُ إِلَيها، ولكِن إِذا أَرادَ أَحَدٌ
مِنَ النَّاسِ أَن يَقتَربَ مِنْها، قَتَلَه. إِني وَحيدٌ لأَبي، فأَخْشى أَن
أَموتَ فأُنزِلَ إِلى القَبرِ حَياةَ أَبي وأُمِّي غَمّاً علَيَّ. ولَيسَ لَهُما
آبنٌ آخَرُ لِيَدفِنَهُما». (طو 6 : 15)

 

وعندما
قال أنه قد وجد بعض التشابه بين مقولات أخناتون الملك المصرى وبعض قطع من
المزامير، أو بين شكل خيمة الإجتماع والمعابد الفرعونية فى صعيد مصر، أو أن فكرة
الختان كان لها صدى فى مصر، فإنه من الثابت أن ذلك كان بتدبير من الله لإعداد
الذهن البشرى (فى كل مكان) لفكرة الفداء ومجىء المخلص وتكوين خلفية للعهد الجديد.

 

وإضافة
إلى ما سبق، فقد ورد فى بستان الرهبان، والذى ترجع الحوادث الموجودة فيه إلى القرن
الثالث والرابع والخامس الميلادى، قصتين يظهر فيهما بوضوح أن الإهتمام بجثث الموتى
والإحسان إليها وكذلك عمل الرحمة، هى وصايا إلهية مستقاه من سفر طوبيا الموحى به
من الله.
23

 

ثانياً: بقية
الإعتراضات:

يذكر السفر أن سبط منسى، قد سبى فى عهد شلمناصر (في
أَيَّامِ شَلْمَنآسَر، مَلِكِ أَشُّور، جُلِيَ مِن تِشْبَةَ في جَنوبِ
قادَشَ نَفْتالي في الجَليلِ الأَعْلى فَوقَ حاصور وَراءَ شَمسِ
الغُروبِ وإِلى شَمالِ صَفَت طو 1 : 2) فى حين أن الذى سبى سبط منسى هو تجلث فلاسر أبوه (2 مل 15 : 29) (فِي أَيَّامِ فَقْحٍ
مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، جَاءَ تَغْلَثَ فَلاَسِرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَخَذَ عُيُونَ
وَآبَلَ بَيْتِ مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادِشَ وَحَاصُورَ وَجِلْعَادَ
وَالْجَلِيلَ وَكُلَّ أَرْضِ نَفْتَالِي، وَسَبَاهُمْ إِلَى أَشُّورَ)
.

الرد

تجلث
فلاسر سبى بعض من الأسباط العشرة فى عهد فقح بن رمليا، ثم أكمل السبى فى عهد
شلمناصر، فى أيام هوشع، وقد نسب البعض السبى فى المرتين إلى شلمناصر لشهرته ب
(قاهر الملوك) وذلك لإنه الملك الذى تفاعل أكثر مع أحداث السفر.

 

ذكر فى السفر أن سبط منسى، إنفصل عن إسرائيل الأم، بينما كان طوبيا لا
يزال شاباً
(لَمَّا كُنتُ في بِلادي في أَرضِ
إِسْرائيل وكُنتُ شابّاً، اِنفَصَلَ كُلُّ سِبْطِ
نَفْتالي جَدِّي
عن بَيتِ داوُدَ وعن أُورَشَليم، المَدينةِ
المُخْتارةِ مِن
بَينِ جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ لِتَكون مَكانَ
ذَبائِحِهم،
وحَيثُ قُدِّسَ هَيكَلُ سُكْنى الله وبُنِيَ لِجَميعِ
الأَجْيال طو 1 : 4) بينما
تم هذا الإنفصال عام 930 م، فى عهد يربعام ورحبعام.

الرد

المقصود
بالإنفصال هنا هو السبى والبعد عن أورشليم الأم.

 

ورد فى السفر أن سنحاريب هو إبن وخليفة شلمناصر، فى حين أن سرجون
الثانى (722 – 705 ق.م.) هو الذى خلف شلمناصر
.

الرد

السفر
يركز على الملوك الذين أوقعوا الضرر والسوء باليهود، بينما لم يذكر الملوك الذين
لم يفعلوا شيئاً ذا بال لليهود (ولَمَّا ماتَ
شَلْمَنآسَر ومَلَكَ سَنْحاريبُ
ابنُه مَكانَه
فأُغلِقَت طُرُقُ ميدِيا، لم أَعُدْ أَستَطيعُ الذَّهابَ
إلَيها. طو 1 : 15)، وهو ما تكرر فى
إنجيل القديس متى، إذ تجاوز فى سرده لسلسلة أنساب المسيح عدة ملوك، حيث ورد فى (وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ
يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا.
مت 1 : 8) أن يورام ولد عزّيّا
والحقيقة أن يورام ولد أخزيا، وأخزيا ولد يوآش، ويوآش ولد أمصيا، وأمصيا ولد يورام
(كما ورد فى فَقَالَ حَزَائِيلُ: لِمَاذَا يَبْكِي
سَيِّدِي؟ فَقَالَ: لأَنِّي عَلِمْتُ مَا سَتَفْعَلُهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ
الشَّرِّ، فَإِنَّكَ تُطْلِقُ النَّارَ فِي حُصُونِهِمْ وَتَقْتُلُ شُبَّانَهُمْ
بِالسَّيْفِ وَتُحَطِّمُ أَطْفَالَهُمْ وَتَشُقُّ حَوَامِلَهُمْ. فَقَالَ
حَزَائِيلُ: وَمَنْ هُوَ عَبْدُكَ الْكَلْبُ حَتَّى يَفْعَلَ هَذَا الأَمْرَ
الْعَظِيمَ؟ فَقَالَ أَلِيشَعُ: قَدْ أَرَانِي الرَّبُّ إِيَّاكَ مَلِكاًعَلَى
أَرَامَ. فَانْطَلَقَ مِنْ عِنْدِ أَلِيشَعَ وَدَخَلَ إِلَى سَيِّدِهِ فَسَأَلَهُ:
مَاذَا قَالَ لَكَ أَلِيشَعُ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي إِنَّكَ تَحْيَا
. {2
مل 8 : 12، 14}، {2 أخ 22 : 24، 25}) ربما
لكى يحافظ على سلسلة الأمساب 14 جيلاً لا أكثر ولا أقل، وربما لإن أولئك الملوك
كانوا من أصل وثنى (وَكَأَنَّهُ كَانَ
أَمْراًزَهِيداًسُلُوكُهُ فِي خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ حَتَّى اتَّخَذَ
إِيزَابَلَ ابْنَةَ أَثْبَعَلَ مَلِكِ الصَّيْدُونِيِّينَ امْرَأَةً، وَعَبَدَ
الْبَعْلَ وَسَجَدَ لَهُ. (
1 مل 16 : 31).
24

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بروس أنيستى 64

كذلك
فإن كثيراً ما ورد فى الكتاب المقدس، شخصاً ينسب إلى جده بإعتباره والده، مثل
يكنيا الذى ينسب ليوشيا بإعتباره أبوه (وَيُوشِيَّا
وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ
. مت 1 : 11) فى
حين يرد فى (وَبَنُو يُوشِيَّا: الْبِكْرُ يُوحَانَانُ،
الثَّانِي يَهُويَاقِيمُ، الثَّالِثُ صِدْقِيَّا، الرَّابِعُ شَلُّومُ. وَابْنَا
يَهُويَاقِيمَ: يَكُنْيَا وَصِدْقِيَّا
.1 أخ 3 : 15، 16) أن يكنيا هو
إبن أبن يوشيا، وكذلك فقد دعى آخزيا إبناً ليهوشافاط والحقيقة أنه إبن إبنه (وَمَلَّكَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ أَخَزْيَا ابْنَهُ
الأَصْغَرَ عِوَضاًعَنْهُ لأَنَّ جَمِيعَ الأَوَّلِينَ قَتَلَهُمُ الْغُزَاةُ
الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ الْعَرَبِ إِلَى الْمَحَلَّةِ. فَمَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ
يَهُورَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. وَطَلَبَ أَخَزْيَا فَأَمْسَكُوهُ وَهُوَ مُخْتَبِئٌ
فِي السَّامِرَةِ وَأَتُوا بِهِ إِلَى يَاهُو وَقَتَلُوهُ وَدَفَنُوهُ لأَنَّهُمْ
قَالُوا إِنَّهُ ابْنُ يَهُوشَافَاطَ الَّذِي طَلَبَ الرَّبَّ بِكُلِّ قَلْبِهِ.
فَلَمْ يَكُنْ لِبَيْتِ أَخَزْيَا مَنْ يَقْوَى عَلَى الْمَمْلَكَةِ.
2
أخ 22 : 1، 9).

 

و
هكذا ذكر طوبيا شلمناسر وسنحاريب ولم يذكر سرجون للأسباب التالية :

1- فى عصر شلمناصر إحتل الآشوريين كل
البلاد فيما عدا السامرة، بعد أن عصى عليه هوشع وتحالف مع ملك مصر ضده.

2- الملك
سنحاريب (704 – 682 ق.م.) والذى إعتلى العرش بعد سرجون الثانى، هو الذى ضربه الرب
حين الإستيلاء على أورشليم فى أيام حزقيا الملك، وقد قتله إبناه عندما كان يسجد فى
هيكل الإله نسروخ وهربا إلى آرارات، وقد إهتم الكتاب المقدس كعادته بجوهر القصة
ولم يورد التفاصيل الفرعية.

3- كان
سرجيون الثانى مشغولاً بقمع الثورات الداخلية فى الإمبراطورية، مثل ثورة مردوخ فى
سنة 721 ق.م. الذى إستطاع الإستقلال بحكم بابل عشر سنوات قبل قمعه، والثورات التى
قامت فى حماة وغزة ودمشق والسامرة ورفح، حيث هزمها جميعاً فى معركة قرقر،
وثورة (ميتاأوميداس) ملك فريجية التى أقمعها فى معركة كركميش، كما هاجم سرجون نفسه
أوروراتو (آرارات حالياً) وحطمها، ثم ثورة (آزورى) ملك أشدود مع بعض المدن
الفلسطينية بالتحالف مع ملك مصر، ولكنه سحقها جميعاً فى سنة 711 ق.م.، كما قام
بإنتصارات مختلفة فى سنة 710 ق.م. فى سوريا وفلسطين وآرارات وغيرها، وقد نعم ببعض
الهدوء فى أواخر حياته فقام بأعمال تشييد كثيرة وقد قتل سنة 705 ق.م. فى مناوشة
على الحدود مع آسيا الصغرى، ودفن بعيداً عن وطنه
ومن هنا يتضح السبب فى إغفال السفر لسرجون الثانى

 

ورد فى كتابات سترابو STRABO المؤرخ الشهير، أن راجيس مدينة بناها سلوقس
نكانور فى سنة 300 ق.م.، فى حين يذكر السفر أن رعوئيل سكن فى راجيس (فى القرن
السابع ق.م.)
.
الرد

قد
ينسب بناء مدينة واحدة لأكثر من شخص، عندما يقوم الشخص الثانى بإعادة البناء أو
الإضافة والتوسع، وقد حدث ذلك كثيراً.

 

ورد فى السفر أن كل من رعوئيل حمو طوبيا، وغابليوس مدين طوبيا، قد سكنا
فى مدينة راجيس، فى حين يذكر السفر نفسه، أن الملاك روفائيل سافر من عند رعوئيل
إلى غابليوس لإسترداد الوديعة، فكيف ذلك وهى مدينة واحدة ؟
.

الرد

هناك
إحتمالين لذلك، الأول أن يكون رعوئيل قد سكن فى أحد طرفى المدينة الكبيرة
راجيس، بينما سكن غابليوس فى الطرف الآخر، أما الإحتمال الثانى فهو أن يكون
أحدهما أو كليهما قد سكن فى ضواحى وقرى بالقرب من تلك المدينة، وأستخدم الإسم
راجيس للتعبير عنها بإعتبارها الأشهر، مثلما يطلق على القاهرة مصر والعكس.

 

ذكر فى السفر أن طوبيا إصطاد سمكة من نهر دجلة، فى حين أن هذا النهر لا
يقع على الطريق من نينوى إلى راجيس.

الرد

بالرجوع
إلى خريطة الإمبراطورية الآشورية، يتضح لنا أن أحد فروع نهر دجلة الرئيسية، يمتد
شرقاً حتى يصل إلى أكبتانا (أحمتا) حيث تقع راجيس هناك (أنظر الخريطة).

 

كيف يصف السفر الملاك كاذباً ؟ إذ يقول أنه عزريا بن حننيا العظيم وأنه
من سبط منسى ؟
.

الرد

ظهور
الملاك متخفياً، ورد كثيراً فى أسفار العهد القديم، وفى قصص الآباء، ويمكننا أن
نعتبر إسم الملاك روفائيل الذى إتخذ لنفسه بإعتباره معنى لمهمته، فيكون المعنى
هكذا : قوة الله (عزريا) إبن حننيا العظيم وهو المعنى الذى يتفق مع دوره فى
الرحلة، وأما قوله أنه من سبط منسى فهذا يعنى أنه مكلف بمساعدة شخص من نفس السبط
(راجع زيارة الملائكة لإبراهيم ولوط.. وصراع الملاك مع يعقوب… إلخ).

 

كيف يمكن لشاب أعزل أن يصطاد حوتاً، وكيف يمكن أن تحيا الحيتان فى
الأنهار فى حين أن مكانها المحيطات ؟
.

الرد

جميع
الترجمات اليونانية والإنجليزية والقبطية، أوردتها (سمكة كبيرة) وليست حوتاً، وقد
ترجع التسمية إلى الرغبة فى الإشارة إلى كبر السمكة، كذلك تجدر الإشارة هنا، إلى
أنه وحتى وقت قريب، كان الناس فى صلواتهم يقولون عن الخمس خبزات والسمكتين (خمس
خبزات وحوتان !) وقد وردت على هذا النحو فى بعض الأجابى القديمة.

 

كيف تبرأ عينى طوبيا بدهنهما بمرارة الحوت ؟.

الرد

الوصفات
الطبية الشعبية، كانت معروفة ومتداولة، ومازالت حتى اليوم فى كثير من القرى وبين
عرب البادية، غير أن الذى شفى طوبيا هو إيمانه مع العمل الخفى للروح القدس، وهذا
ما يحدث فى سر مسحة المرضى من استخدام زيت قهل يعقل أن الزيت لوحده (دون قوة الله
يشفي؟) طبعا لا ولم نسمع هذا الإعتراض من احد خاصة أن الإنجيل المقدس يقول أن
الرسل شفوا أناس كثيرين به (مرقس 6 : 13) (وَأَخْرَجُوا
شَيَاطِينَ كَثِيرَةً وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ.
)
مع أن مادة الزيت لا تشفي وحدها ولكن الإعتراض أساسه موجه لعمل الله في الأسرار
لأنهم ينكرون حدوث استخدام الله لهذه المواد لأيصال نعمته (راجع التعليق على
النص).

 

كيف يتسنى للشيطان أن يقتل أزواج سارة السبعة ومن أين له هذا السلطان
على أرواح البشر؟.

 الرد

واضح
فى الكتاب المقدس أن الله سمح للشيطان بتجربة البشر، ومن البشر من مات بسبب تعذيب
الشيطان له، والسيد المسيح نفسه يصف الشيطان بأنه قتال للناس (أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ
تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ
وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ
بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو
الْكَذَّابِ.
يو 8 : 44) كما تسبب الشيطان كثيراً فى إشعال الحروب مما
تسبب عنها هلاك كثيرين، ومع ذلك فإنه لم يستطع أن يؤذى طوبيا وذلك لأنه بار ومتكل
على الرب (حسب الترجمة اللاتينية).

 

ماذا يعنى أن الملاك طرد الشيطان وأوثقه فى برية مصر ؟.

الرد

 معروف
أن برية مصر العليا التي مقرها طيبة الأقصر الآن (حسب النص اللاتينى) وهى صعيد
مصر، كانت مليئة فى ذلك الوقت بهياكل الوثنية والتى تسكنها الشياطين، كما أنه كان
هناك إعتقاد، فى ذلك الوقت، بأن مصر هى آخر حدود العالم، إذ كانت تمثل الحدود
الجنوبية للإمبراطورية الآشورية، فهو بالتالى، قد طرد خارج العالم !، وكما أن مصر
هى آخر الحدود الجنوبية، فهذا يعنى أنه قد طرح إلى أسفل !.
25 فى ذلك الوقت أيضاً كانت
منطقة طيبة (الأقصر) تشهد نشاطاً دينياً ملحوظاً، حيث يوجد الإله آمون، معبود مصر
كلها إذن ان زمان كتابة السفر يتزامن مع الأسرة الحادية والعشرون للخامسة والعشرون
وهم المعروفون في التاريخ المصري القديم بأسر الكهنة لأن كهنة آمون استطاعوا
إعتلاء عرش البلاد وشهد الدين نشاطا ملحوظا وتأثيرا قوي جدا في هذه الفترة فإذن كل
ما عمله الملاك هو قصر نشاط هذا الشيطان على دائرته ومنطقة نفوذه الوثنية فقط.

 

كيف يتسبب وسخ العصفور الصغير فى فقدان البصر ؟.

الرد

العين
عضو حساس فى الجسم، يتأثر سريعاً لاسيّما باليوريا والأمونيا، التى يحتوى عليها
وسخ العصفور، وقد يكون طوبيا قد عالجها فى البداية بطريقة خاطئة، أضف إلى ذلك أنه
كان قد قارب الستين من عمره، والعين فى مثل هذا السن لا تكون بقوتها فى الشباب
(أنظر تعليقنا على الإصحاح الثانى).

 

يذكر السفر أن طوبيا والملاك، كان يتبعهما كلب، وهو الأمر غير المألوف
لدى اليهود، إذ تعد الكلاب فى نظرهم ضمن الحيوانات النجسة، فكيف ذلك ؟.

الرد

يجب
ألا ننسى أن القصة قد حدثت خارج أورشليم، مما يغفر بعض التجاوزات، وقد تكون عادة
إقتناء كلب للترفيه، قد إكتسبت فى ذلك السبى، وفى ميمر للقديس يوحنا ذهبى الفم،
يرد أن طوبيا تبعه كلب من مواشيهم،
26 أى أن الكلب كان موجوداً بغرض الحراسة (وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ مَنْ يَصْغُرُنِي فِي
الأَيَّامِ الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ
كِلاَبِ غَنَمِي
. راجع أى 30 : 1 وتعليقنا على النص) كما يجب أن نجاسة
الكلب في الأكل فقط وليس في الإنتفاع به وهذا أمر تعرض له اليهود كثيرا في
شروحاتهم على التوراة – راجع مثلا باب عفوداه زاره في التلمود (العبادة الأجنبية)
إذ يقررون أن الإنتفاع بشيء محرم أكله لا يعني تحليله بل الأكل شيء وإستخدامه في
بعض المواد النافعة شيء – فمثلا دباغة الجلود تضطر الشخص إلى ملامسة جثث الحيوانات
وسلخها وهو الأمر الذي يسبب نجاسة لدى اليهود لكن لم نسمع أن شخص ما اعترض على
استخدام جلود هذه الحيوانات على الرغم من أنها في عملية السلخ والدباغة تسبب
نجاسة.

 

ورد فى السفر أن طوبيا الشيخ تنبأ قبل موته بإعادة بناء أورشليم
والهيكل، فى حين أن السبى البابلى لم يكن قد تمّ بعد فكيف ذلك ؟.

الرد

طوبيا
شأنه هنا، شأن جميع الأنبياء الذين تنبأوا عن أمور لم تكن قد حدثت وكأنها حدثت فى
الماضى، فالنبوة هنا تسبق الحدث نفسه. ويقول بولس الرسول في (عبرانيين 11 : 13) (فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ
يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا
وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ.)
و
موضوع
النبوة هو وحي إلهي كما تذكر كلمة الله فهل يستحيل على الله الإنباء بهذا الأمر ؟!
(2 بطرس 1 : 21) (لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ
قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ
مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ).

 

يرد فى الحديث عن رحلة الرجوع إلى نينوى أنهما (طوبيا والملاك) وصلا
إلى حاران بالقرب من نينوى، فى حين أن حاران تقع غرب نينوى فكيف ذلك ؟.

الرد

هناك
عدة ردود على هذه النقطة البسيطة :

X         
أن
المنطقة كان فيها الكثير من القلاقل بسبب ثورة مردوخ بلدان، مما كان يحتم على
القادم من أحمتا الدوران والمرور عن طريق حاران فى الغرب. – راجع تاريخ هذه
المنطقة في هذه الفترة التاريخية من ثورات وقالئل شمالية.

X         
تعنى
كلمة حاران، لغوياً : قافلة، فيكون المعنى أن طوبيا بلغ القافلة التى كانت
أمامه من عبيد وإماء ومواشى وأموال (هبة رعوئيل له).

X         
ومن
معاني حاران أيضاً لغوياً : طريق، فيصبح المعنى أن طوبيا وصل إلى طريق
القوافل، حيث كانت هناك طرق خاصة للقوافل التجارية.

X         
وظاهرة
إطلاق إسم مدينة كبيرة على منطقة صغيرة موجودة ومعروفة ليومنا هذا كما في القديم
فكانت هناك هناك قرية صغيرة تحمل نفس الإسم وتقع شرق نينوىً.

X                       
فى
الترجمة اليونانية (التى إعتمدنا عليها) يرد أنهم وصلوا إلى بلدة قصرين
(أربيل) وتقع بالفعل شرق نينوى.

 

أخيراً:

سيكون
من اللائق والضرورى (حتى لراحة العقل وعدم قلقه) الخضوع لكلمة الله فى السفر، فهو
ملىء بالكنوز اللاهوتية والعقائدية والروحية، بل والأدبية والفنية، لا يليق بنا
تجاوزها.

 

وإلى
كل من يقف حائراً أمام بعض أجزاء من الكتاب المقدس، يقول القديس أغسطينوس :

"ولكن
إفهم قبل كل شىء أنه لا يجوز لك أن تضطرب إذا لم تفهم الكتاب المقدس، بل إصبر
بإحترام إلى أن ينكشف أمامك معناه الخفى… عمق كلمة الله يروّض الذوق ولا يلغى
العقل، لو كان كل شىء مغلقاً لما كان مجال لكشف الستار عما هو ظلمة.. إن الله لم
يحجب كنوز الكتاب المقدس لمنعها عن عقول الناس بل لكى يذكى الشوق إلى معرفتها..
إحترم فى الكتاب مالا تفهم وزد له إحتراماً كلما زاد إحتجاباً عن ناظريك، وفى
الواقع فإن إحترام الشخص يزداد كلما إزدادت الحجب فى بيته، أمّا الذين يسخرون منها
(يشكون فى بعضها) فالدنو إليها محظور عليهم.. وبالتالى لا تمل إلى الأضاليل، ولا
تتهم الكتاب إن لم تفهمه".
27

 

 

** المراجع **

1.          
Writings of Ante Nicene،
Nicene & P.Nicene Fathers
.

2.          
International Standard Bible
Encyclopedia
.

3.          
Interpreter‘s Dictionary of the
Bible.

4.          
History of New Testament with an
Introduction to the Apocrypha
.

5.          
Interpreter One Volume Commentary،
On the Bible.

6.          
New Catholic Commentary،
On Holy Scripture.

7.          
One Volume Bible Commentary – William
Neil
، London
1961
.

8.          
Apocrypha and Pseudepigrapha،
R.H. Charles 1913
.

 

1.                            
قاموس
الكتاب المقدس.

2.                            
قاموس
الأسفار القانونية الثانية، للمؤلف (تحت الطبع).

3.                            
مذكرة
فى سفر طوبيا، د. إميل ماهر.

4.                            
كتاب
الدرّ المنتخب فى مقالات القديس يوحنا فم الذهب – عُنى بنشره الأرشيدياكون حبيب
جرجس.

5.                            
كتاب
التعازى الروحية فى الميامر السيدية.

 

نصوص
السفر

1.                            
R.S.V.الطبعة
القياسية المنقحة

2.                            
J.B. Jerusalem Bible

3.                            
The books of Apocrypha (S.B) London

4.                            
The books of Apocrypha Greek /
English

5.                            
الترجمة
اليسوعية الحديثة للكتاب المقدس وهى التى استخدمناها هنا.

6.                            
طبعة
الفولجاتا – الشائعة الإستخدام.

7.                            
الترجمة
القبطية للسفر من كتاب قطمارس الصوم الكبير.



1 ينقسم العهد القديم
لدى اليهود إلى ثلاث أقسام : توراة (و هى أسفار موسى الخمسة ) ونبييم (و هى أسفار
الأنبياء الكبار والصغار ) وكتوبيم (و هى الأسفار الحكمية والشعرية والتاريخية ).

2 راجع على سبيل المثال (طو
6 : 2 )
وذَهَبَ
معه الكَلْبُ ورافَقَهما
راجع
أيضاً (طو 11 : 4 )
.

3 Interpreter’s one Volume
Commentary P.P.203.

4 History of New Testament
Times p.273

5 IBID p.273

6 IBID p.273

7 History of New Testament
p.271
.

8 مصر بالنسبة لبلاد
فارس كانت أسفل العالم المعروف فى ذلك الوقت والسيد المسيح يقول (رأيت الشيطان
ساقطاً مثل البرق من السماء يو 10 : 18 ).

9 مِثْلُ الْعَرُوسِ
الْخَارِجِ مِنْ حَجَلَتِهِ. يَبْتَهِجُ مِثْلَ الْجَبَّارِ لِلسِّبَاقِ فِي
الطَّرِيقِ (مثل العريس الخارج من خدره يتهلل مثل الجبار المسرع فى طريقه )(مز 19
: 5 ) , ويرد فى الترجمة اللاتينية الشائعة الإستخدام أن طوبيا وسارة مكثا فى صلاة
وصوم لمدة ثلاثة أيام قبل أن يجتمعا.

10 أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ
أَرْوَاحاً خَادِمَةً (أى الملائكة ) مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ
الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ (عب 1 : 14 ).

11 أَمَرِيضٌ أَحَدٌ
بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ (قسوس ) الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ
وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي
الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ
لَهْ (يع 5 : 13 , 14 ).

12 أمثال الفنانين
بوتيكلى
Botticelli
وتيتيان
Titian
ورمبرانت
Rembrndt.

13 ونذكر
هنا ما حدث خلال القرن الثامن الميلادى (و هو العصر الذهبى لليهود فى الشرق الأدنى
وحتى القرن الثالث عشر ) فقد إشتد الخلاف جداً بين طائفتى اليهود الربانيون (الفريسيون
) واليهود القراؤون , الذين طعنوا فى التوراة الشفاهية (المشناة والتلمود ) حيث رد
الربانيون عليهم بقولهم : (إن التوراة التى بين أيدينا اليوم , ليست هى التوراة
التى وضعها موسى وإنما هى من عمل عزرا , لإن الأولى ضاعت وفقدت ) وقد قالوا ذلك
لكى يبطلوا إستناد القراؤون على العهد القديم ورفضهم التلمود وملحقاته , من هذا
يتضح أن اليهود مستعدون دائماً للتضحية بكل ثمين وثابت فى سبيل خلافاتهم مع
أقرانهم. – كتاب الأنوار والمراقب نشر. محمد الهوارى.

14 من بين الكتب المزيفة
الشعبية التي لا ترقى كوحي إلهي ولم تتسملها الكنيسة من الأباء بل كتبها بعض
الهراطقة لتثبيت بدعتهم ورواج إنتشارها بين جمهور المؤمنين وهي في الغالب كتابات
الهراطقة الغنوسيين (إنجيل بطرس ونيقوديموس وإنجيل العبرانين وأعمال بولس وتكلا وغيرها
وهى ما تسمى إصطلاحاً (أبوكريفا العهد الجديد ).

15 أول من إستخدم هذا
التعبير هو عالم كاثوليكى فى القرن 16 م محاولة منه فى إيجاد تعبير متوسط.

16 مقدمات العهد القديم /
د.وهيب جورجى – سنة 1985 م.

17 History of New Testament,
P.275

18 الكاردينال كاجيتان هو
ممثل بابا روما فى ذلك الحين.

19 كتاب مصباح الظلمة فى
إيضاح الخدمة. القرن الثالث عشر.

20 History of New Testament
P.P.263, 270
.

21 New
Catholic Commentary-Tobit.

22 لاحظ مثلاً فى قصة
الطوفان أنها أنتشرت فى جميع أنحاء العالم بعد بلبلة الألسنة وتشتت الشعوب , حيث
وجدت 33 أسطورة تحكى عن الطوفان بأسماء وملابسات مختلفة يرجع أصلها إلى الحدث
الكتابى نفسه.

23 بستان الرهبان / ص 450
, 451 – راجع أيضاً تفسير الإصحاح الثانى عشر.

24 يرد أيضاً فى سفر
راعوث أن عوبيد هو إبن بوعز وراعوث , ومع ذلك يذكر السفر أيضاً أنه أبن نعمى (الجدة
) راجع (را 4 : 17 ).

25 فى ذلك الوقت كان
معبود المصريين هو الإله آمون , ومقره فى طيبة (الأقصر ) حيث شهدت المنطقة نشاطاً
دينياً ملحوظاً , وكان الشيطان قد طرد إلى حيث مملكته هو.

26 كتاب التعازى الروحية
فى الميامر السيدية , الميمر الحادى عشر , طبع سنة 1902 م.

27 خواطر فيلسوف فى
الحياة الروحية , الكتاب الثانى / فصل 3 – ص 73 – 75.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي