الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

فضائل طوبيا

 

هذا
الإصحاح عبارة عن مقدمة للسفر، يروى فيه الكاتب فضائل طوبيا الذى على الرغم من أنه
يعيش فى السبى، إلا أنه يظل متمسكاً ببره، محباً للفقراء والغرباء، عاكفاً على عمل
الخير.

 

1 سِفرُ
أخبارِ طوبيتَ بن طوبيئيلَ بنِ حَنَنْئيلَ بنِ عَدوئيلَ بنِ جَبَعْئيل، مِن نَسْلِ
عَسائيل ومِن سِبْطِ نَفْتالي.2 في أَيَّامِ شَلْمَنآسَر، مَلِكِ أَشُّور، جُلِيَ
مِن تِشْبَةَ في جَنوبِ قادَشَ نَفْتالي في الجَليلِ الأَعْلى فَوقَ حاصور وَراءَ
شَمسِ الغُروبِ وإِلى شَمالِ صَفَت.

 

طوبِيَّا إسم عبرى
معناه (طيب أو صالح) أو (الرب طيب – طوف ياه) وقد ورد فى مخطوطات قمران فى شكل
(طوبى) وتعنى فى اللغة السامية (خيّر).

 

حَنَنْئيلَ = (حنان
الله)، عَدوئيلَ = (الزينة لله)، جَبَعْئيل = (مكافأة الله)، عَسائيل = (عمل الله).

 

أما السبط الذى ينتمى
إليه طوبيا فهو سبط نَفْتالي (نَفْتالي = مصارعتى) الذى وقع نثيبه فى القسم
الشمالى من فلسطين، ويرجح أن تكون قادش نفتالى هى المدينة التى سكنها طوبيا قبل
السبى، وهى مدينة هامة تقع شمال غرب بحيرة الحولة (وَقَادِشُ
وَإِذْرَعِي وَعَيْنُ حَاصُورَ
. يش 19 : 37، فَقَدَّسُوا قَادِشَ فِي الْجَلِيلِ فِي جَبَلِ نَفْتَالِي،
وَشَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَقَرْيَةَ أَرْبَعَ فِي جَبَلِ يَهُوذَا.

20 : 7، فَأَرْسَلَتْ وَدَعَتْ بَارَاقَ بْنَ
أَبِينُوعَمَ مِنْ قَادِشِ نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: «أَلَمْ يَأْمُرِ الرَّبُّ
إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: اذْهَبْ وَازْحَفْ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ، وَخُذْ مَعَكَ
عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَمِنْ بَنِي زَبُو.
قض
4 : 6) وتسمى حالياً (قرية قديس) حيث كان يقع خلفها أحد الطرق الرئيسية فى ذلك
الوقت، والكاتب هنا يصف مكانها بدقة بالغة، ويجدر بالذكر أن السيد المسيح، قد زار
بعض قرى تلك المنطقة، حيث علم وصنع بعض معجزاته (وَلَمَّا
سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ. وَتَرَكَ
النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرِنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي
تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ
النَّبِيِّ: «أَرْضُ زَبُولُونَ وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ طَرِيقُ الْبَحْرِ عَبْرُ
الأُرْدُنِّ جَلِيلُ الأُمَمِ- الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُوراً
عَظِيماً وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ
نُورٌ».
مت 4 : 12 – 16).

 

أما عن سبى طوبيا، فإنه
من المعروف أن تجلث فلاسر (745 – 729 ق.م.) هو الذى سبى سبط نفتاى فى أيام فقح بن
رمليا (فِي أَيَّامِ فَقْحٍ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،
جَاءَ تَغْلَثَ فَلاَسِرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَخَذَ عُيُونَ وَآبَلَ بَيْتِ
مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادِشَ وَحَاصُورَ وَجِلْعَادَ وَالْجَلِيلَ وَكُلَّ
أَرْضِ نَفْتَالِي، وَسَبَاهُمْ إِلَى أَشُّورَ.
2 مل 15 : 29) إلا أنه
لم ينقل كل اليهود من هناك إلى بلاد ما بين النهرين، بل أكمل إبنه شلمناسر
الخامس(728 – 722 ق.م.) هذا السبى، وهو خليفة تجلث فلاسر، وأبو سرجون الثانى. (705
– 682 ق.م.).

و قد حارب شلمناسر
إسرائيل كثيراً وأخضعها للجزية، فلما تحالف هوشع الملك مع ملك مصر ضد شلمناسر،
إنتقم منه الأخير بإن أسره قبل أن يحاصره ثلاث سنوات ويستولى على بلاده وينقل
أهلها إلى بلاد ما بين النهرين، بما فيهم طوبيا (وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ
مَلِكُ أَشُّورَ فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْداًوَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً. 2 مل 17 :
3) وبذلك يكون قد أتم السبى الذى بدأه أبوه، هذا وقد نسب الكثير من المؤرخين،
السبى فى الحالتين، إلى شلمناسر نظراً للقبه الذى إشتهر به وهو (قاهر الملوك) أما
الإسم شلمناسر فهو آشورى ومعناه (شلمان رئيس).

 

3 أَنا
طوبيتَ سَلَكْتُ سُبُلَ الحَقِّ وأَعْمالَ البِرِّ جَميعَ أَيَّام حَياتي
وتَصَدَّقتُ كَثيراً على إِخْوَتي وعلىَ بَني أُمَّتي الَّذينَ جُلوا معي الى
نينَوى في بِلادِ أَشُّور.4 لَمَّا كُنتُ في بِلادي في أَرضِ إِسْرائيل وكُنتُ
شابّاً، اِنفَصَلَ كُلُّ سِبْطِ نَفْتالي جَدِّي عن بَيتِ داوُدَ وعن أُورَشَليم،
المَدينةِ المُخْتارةِ مِن بَينِ جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ لِتَكون مَكانَ
ذَبائِحِهم، وحَيثُ قُدِّسَ هَيكَلُ سُكْنى الله وبُنِيَ لِجَميعِ الأَجْيال.5
وكانَ جَميعُ إِخْوَتي وبَيتُ نَفْتالي جَدِّي يَذبَحونَ لِلْعِجلِ الَّذي صَنَعَه
يارُبْعام، مَلِكُ إِسْرائيل، في دانَ على جَميعِ جِبالِ الجَليل

 

لا
يلتمس طوبيا العذر لنفسه، فى أن يسلك كما يسلك بقية أقرانه الذين مالوا بقلوبهم
إلى عبادة الأوثان، ومع أنه تعرض مثلهم للضغط العقيدى الوثنى فى تلك الأيام، ونحن
نعرف أن كثيرين من الذين يعيشون فى بلاد ليس لنا بها كنائس، يسلكون بلياقة وخوف
ممجدين الله بأقوالهم وسلوكهم، على الرغم من عدم وجود خدمة هناك ولا ذبيحة ولا
كاهن ولا أسرار، إننا نتذكر هنا لوط البار ويوسف الصديق وشهداء روسيا إبان
الإضطهاد الشيوعى.

 

و
طوبيا هنا لا يفتخر ببره وإنما يشهد لإلهه ليصبح قدوة لنسله، راجع ما قاله نحميا
عن نفسه فى أثناء سرد عمل الله معه فى إعادة بناء أسوار أورشليم (اذْكُرْ لِي يَا إِلَهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ
لِهَذَا الشَّعْبِ
(إذكرنى يا إلهى
بالخير على جميع ما عملته لإجلهم)
نح 5 : 19).

هذا
وقد إرتبط إسم يربعام بن ناباط بعبادة الأوثان، حيث حمل اليهود على عبادة العجل
متجاوزين بذلك وصايا الناموس (وَهَذِهِ هِيَ
الوَصَايَا وَالفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ التِي أَمَرَ الرَّبُّ إِلهُكُمْ أَنْ
أُعَلِّمَكُمْ لِتَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ التِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِليْهَا
لِتَمْتَلِكُوهَا. لِتَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَحْفَظَ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ
وَوَصَايَاهُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ كُل
أَيَّامِ حَيَاتِكَ وَلِتَطُول أَيَّامُكَ. فَاسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ
وَاحْتَرِزْ لِتَعْمَل لِيَكُونَ لكَ خَيْرٌ وَتَكْثُرَ جِدّاًكَمَا كَلمَكَ
الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكَ فِي أَرْضٍ تَفِيضُ لبَناًوَعَسَلاً. «إِسْمَعْ يَا
إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ
كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلتَكُنْ هَذِهِ
الكَلِمَاتُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ عَلى قَلبِكَ. وَقُصَّهَا عَلى
أَوْلادِكَ وَتَكَلمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ وَحِينَ تَمْشِي فِي
الطَّرِيقِ وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ. وَارْبُطْهَا عَلامَةًعَلى يَدِكَ
وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ
بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ. «وَمَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى الأَرْضِ
التِي حَلفَ لآِبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَكَ
إِلى مُدُنٍ عَظِيمَةٍ جَيِّدَةٍ لمْ تَبْنِهَا. وَبُيُوتٍ مَمْلُوءَةٍ كُل خَيْرٍ
لمْ تَمْلأْهَا وَآبَارٍ مَحْفُورَةٍ لمْ تَحْفُرْهَا وَكُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لمْ
تَغْرِسْهَا وَأَكَلتَ وَشَبِعْتَ. فَاحْتَرِزْ لِئَلا تَنْسَى الرَّبَّ الذِي
أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. الرَّبَّ إِلهَكَ
تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. لا تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ
أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ التِي حَوْلكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ إِلهٌ
غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلا يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ إِلهِكُمْ عَليْكُمْ
فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ. لا تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا
جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ.
تث 6 : 1 – 16، 1 مل 12 : 28 – 33).

 

. 6 أَمَّا أَنا فكَثيراً ما كُنتُ أَذهَبُ وَحْدي إِلى أُورَشَليمَ
في الأَعْياد، بِحَسَبِ ما كُتِبَ في كُلِّ إسْرائيلَ بِفَريضةٍ أَبَدِيَّة. كُنتُ
اسرعُ إِلى أُورَشَليمَ بِالبَواكيرِ الأَبْكارِ وعُشورِ الماشِيَةِ وأُولى جِزَزِ
الخِراف،7 فأُقَدِّمُها لِلكَهَنَةِ بَني هارونَ مِنِ أَجْل المَذْبَح. وكنتُ
أُقدِّمُ لِبَني لاوِيَ الخادِمينَ في أُورَشَليم عُشورَ الخَمْرِ والقَمْحِ
والزَّيتونِ والرُّمَّانِ وسائِرِ الفَواكِه. وأمَّا العُشورُ الثَّانِيَة فكُنتُ
أُؤَدِّيها فِضَّةً مُدَّةَ سِتِّ سَنَواتٍ وأَمْضي فأُنفِقُها كُلَّ سَنَةٍ في
أُورَشَليم.8 وكنتُ أُقَدِّمُ العُشورَ الثَّالِثَةَ لِلْيَتامى والأَرامِلِ
والنُّزَلاءِ المُقيمينَ مع بَني إِسْرائيل، أَذهَبُ بِها وأُقَدِّمُها لَهُم
كُلَّ ثَلاثِ سَنَوات، فنَأكُلُها بِحَسَبِ ما رُسِمَ بِشأنِها في الشَّريعَةِ
الموسَوِّية وبِحَسَبِ ما أَوصَت بِه دَبورةُ أُمُّ حَنَنْئيلَ أَبينا، لأَِنَّ
أَبِي تَرَكَني يَتيماً بَعدَ مَوته.9 ولَمَّا صِرتُ رَجُلاً، اِتَّخَذتُ لِيَ
آمرَأَةً مِنْ نَسْلِ قَرابَتِنا اَسمُها حَنَّة، ووَلَدتُ مِنها آبْناً
وسَمَّيتُه طوبِيَّا.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير 78

كان
على اليهودى أن يذهب إلى الهيكل ثلاث مرات فى السنة (عيد الفطير وعيد الأسابيع
وعيد المظال) ليقدم هناك عشوره ونذوره وتقدماته (ثَلاثَ
مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَحْضُرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي
المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ فِي عِيدِ الفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ
المَظَالِّ. وَلا يَحْضُرُوا أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ. كُلُّ وَاحِدٍ
حَسْبَمَا تُعْطِي يَدُهُ كَبَرَكَةِ الرَّبِّ إِلهِكَ التِي أَعْطَاكَ.

تث 16 : 16، 17) ويتضح لنا من النص، أنه كانت لطوبيا أراضى ومواشى كثيرة، مما يحتم
عليه تقديم باكورات القمح والزيتون والفاكهة وصوف الأغنام (كانت الأغنام تجز فى
إحتفال سمى بموسم الجزّ ويقع فى فصل الربيع) أمافيما يختص بالسنة الثالثة فقد قضت
الشريعة بأن يقدم عشر المحصولات كل ثلاث سنوات لللاوى واليتيم والغريب (فِي آخِرِ ثَلاثِ سِنِينَ تُخْرِجُ كُل عُشْرِ مَحْصُولِكَ
فِي تِلكَ السَّنَةِ وَتَضَعُهُ فِي أَبْوَابِكَ. فَيَأْتِي اللاوِيُّ لأَنَّهُ
ليْسَ لهُ قِسْمٌ وَلا نَصِيبٌ مَعَكَ وَالغَرِيبُ وَاليَتِيمُ وَالأَرْمَلةُ
الذِينَ فِي أَبْوَابِكَ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ لِيُبَارِكَكَ الرَّبُّ
إِلهُكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ الذِي تَعْمَلُ
تث 14 : 28، 29) وهو
ما كان طوبيا يفعله فيخصص ذلك للغرباء والنزلاء.

 

و
يروى القديس جيروم عن شخص فى أورشليم أسمه يواقيم، كان يعمل راعياً، ويقسم ماله
إلى ثلاث حصص، حصة منها لخدمة الرب والثانية لخدمة الفقراء مثل طوبِيَّا، وأما الثالثة فلمعيشته هو وبيته
1.

 

لم
يقف طوبيا عند مستوى حفظ الشريعة، ولم تكن يهوديته نوعاً من القبلية أو الطائفية،
ولكنه تخطى ذلك إلى السلوك بمقتضى الشريعة.

حسناً… لم يكن طوبيا حاخاماً
ولا كاهناً ولا لاوياً، ولكنه حول كتب الشريعة إلى حياة، يقول القديس أمبروسيوس (إن
طوبيا قد ترك حياة اللهو ومتع الدنيا، وإتجه نحو التقشف والزهد
).
2

 

و فى
لمحة عابرة يشير طوبيا إلى الحالة الإجتماعية، إذ صار يتيماً وهو لا يزال طفلاً،
حيث تربى فى كنف جدته دبورة،، وكانت إمرأة يهودية تقية علمته الناموس وفرائض
الشريعة (وكنتُ أُقَدِّمُ العُشورَ الثَّالِثَةَ
لِلْيَتامى والأَرامِلِ والنُّزَلاءِ المُقيمينَ مع بَني إِسْرائيل، أَذهَبُ بِها
وأُقَدِّمُها لَهُم كُلَّ ثَلاثِ سَنَوات، فنَأكُلُها بِحَسَبِ ما رُسِمَ بِشأنِها
في الشَّريعَةِ الموسَوِّية وبِحَسَبِ ما أَوصَت بِه دَبورةُ أُمُّ حَنَنْئيلَ
أَبينا، لأَِنَّ أَبِي تَرَكَني يَتيماً بَعدَ مَوته.
طو 1 : 8)
3،

و قد
تزوج فتاة من سبطه حسبما تقضى الشريعة والتقاليد والتقاليد (تك 24) وقد كان من
الضرورى أن يتزوج إمرأة من سبطه، حيث كان لقانون الزواج هذا الآثر الكبير فى إثبات
القديس يوحنا ذهبى الفم أن السيدة العذراء والتى ولد منها السيد المسيح جسدياً،
تنتمى وتنتسب إلى جميع الشخصيات التى ورد ذكرها فى سلسلة الأنساب الخاصة بيوسف
النجار والمذكورة فى (مت 1، لو 3) لكى يدلل على أن السيد المسيح منسوب بالجسد إلى
تلك الشخصيات، حيث قال (إن السيدة العذراء قد خطبت إلى رجل من سبطها حسبما يقضى
الناموس).
4

 

10 وبَعدَ الجَلاءَ إِلى أَشُّور ولَمَّا جُليتُ أَنا أَيضاً، ذَهَبتُ
إِلى نينوى. وكانَ جَميعُ إِخوَتي وبنو أُمَّتي يأكُلونَ مِن طَعام الأمَم. 11
أَمَّا أَنا فكُنتُ أَصونُ نَفْسي مِن أَكْلِ طَعامِ الأُمَم. 12 ولَمَّا كُنتُ
أَذكُرُ اللهَ بِكُلِّ قَلْبي، 13 آتاني العَلِيُّ حُظْوَةً لدى شَلْمَناسَر،
فكُنتُ أَتَسَوَّقُ لَه كُلَّ ما يَحْتاجُ إِلَيه، 14 فأَذهَبُ إِلى ميديا
وآتسَوَّقُ لَه فيها حَتَّى وَفاتِه، فأَودَعتُ جَبَعْئيل، أَخا جَبْري، في راجيسَ
ميدِيا، أَكْياساً مِنَ الفِضَّةِ تَبلغٌ عَشرَةَ قَناطير.

نقل
طوبيا إلى نينوى عاصمة الآشوريين فى ذلك الوقت، وكان ملوك آشور يحضرون إليها
الغنائم والأسرى لكى يثروها، وأول من جعل من نينوى عاصمة لآشور هو شلمناسر الأول
فى سنة 1270 ق.م.، وكانت نينوى قد بنيت على أحد فروع نهر دجلة، وأشتهرت بجمال
شوارعها وقصورها التى عكست ولع الآشوريين بالعمارة والتشييد، وقد تنبأ كثير من
الأنبياء بخراب نينوى، حتى دمرها نبو بلاسر الرابع فى سنة 612 ق.م.

 

و فى
نينوى إستقرت جالية يهودية كبيرة في تأثر أفرادها – مع الوقت – بعادات هذه المدينة
الوثنية لاسيما فيما يتعلق لالأكل والشرب، ولكن طوبيا هنا لا يشترك فى الطعام غير
طقسى، الذى لا تراعى فيه أحكام الناموس. فقد حرّمت الشريعة الإشتراك فى أطعمة
الأمم (راجع لا 11، تى 14، دا 1 : 9) إذ يعّد الإشتراك فى طعام الأمم، مظهراً من
مظاهر الإشتراك فى عباداتهم، ولا سيما وأن الطعام فى كثير من الأحيان كان يتم فى
ولائم طقسية يصحبها ممارسة للشعائر الوثنية، ومن بين الأطعمة التى حرمها الناموس
الحيوانات غير الطاهرة كالجمل والأرانب والخنزير، وبعض أكلات معينة (مثل الجدى
المطبوخ بلبن أمّه، والذبائح المخنوقة والدم)، وأما فى العهد الجديد فقد رفع هذا
الخطر وصار مسموحاً بأكل ما كان محرماً، فى إشارة لقبول الأمم فى شركة الإيمان (أع
10) هذه من ناحية ومن ناحية أخرى إرتفاعنا فى العهد الجديد عن مستوى الناموس.

 

و قد
نال طوبيا نعمة فى عينى الملك، وقد يعنى هذا أنه كان من مشاهير اليهود هناك وله
سيرة حسنة، مما يعنى هذا أنه كان من مشاهير اليهود هناك وله سيرة حسنة، مما جعل
الملك يقربّه إليه ويودعه ثقته، إذ كلفه بقضاء بعض أموره، وقد حدث ذلك أكثر من مرة
فى أسفار الكتاب المقدس إذ أعطى الله بعض الشخصيات نعمة فى أعين الحكام حتى
يستخدمهم فى إعانة الآخرين ونجدتهم، مثل يوسف (وَرَأَى
سَيِّدُهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ
يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ. فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةًفِي عَيْنَيْهِ وَخَدَمَهُ
فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. وَكَانَ
مِنْ حِينَ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ أَنَّ الرَّبَّ
بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى
كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ. فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ
لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئاًإلاَّ الْخُبْزَ
الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ
.
تك 39 : 3 – 6) ونحميا (وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي
السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ. كَانَتْ خَمْرٌ أَمَامَهُ
فَحَمَلْتُ الْخَمْرَ وَأَعْطَيْتُ الْمَلِكَ. وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكَمَّداً
أَمَامَهُ. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: لِمَاذَا وَجْهُكَ مُكَمَّدٌ وَأَنْتَ غَيْرُ
مَرِيضٍ؟ مَا هَذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ! فَخِفْتُ كَثِيراًجِدّاً.وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ:
لِيَحْيَ الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي وَالْمَدِينَةُ
بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟.
فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟ فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلَهِ
السَّمَاءِ. وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِذَا سُرَّ الْمَلِكُ وَإِذَا أَحْسَنَ
عَبْدُكَ أَمَامَكَ تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي
فَأَبْنِيهَا. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ وَالْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ بِجَانِبِهِ: إِلَى
مَتَى يَكُونُ سَفَرُكَ وَمَتَى تَرْجِعُ؟ فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي
فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَاناً. وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِنْ حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ
فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ لِيُجِيزُونِي حَتَّى
أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا. وَرِسَالَةٌ إِلَى آسَافَ حَارِسِ فِرْدَوْسِ الْمَلِكِ
لِيُعْطِيَنِي أَخْشَاباًلِسَقْفِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الَّذِي لِلْبَيْتِ
وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ وَلِلْبَيْتِ الَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ. فَأَعْطَانِي
الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلَهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ. نح 2 : 1 – 8) ودانيال
(حِينَئِذٍ عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَأَعْطَاهُ عَطَايَا
كَثِيرَةًوَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ وِلاَيَةِ بَابِلَ وَجَعَلَهُ رَئِيسَ الشِّحَنِ
عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَطَلَبَ دَانِيآلُ مِنَ الْمَلِكِ فَوَلَّى
شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ. أَمَّا
دَانِيآلُ فَكَانَ فِي بَابِ الْمَلِكِ
دا 2 : 48، 49) وإستير.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد إنجيل يوحنا 18

 

و قد
جعل ذلك لطوبيا رحلات عديدة إلى بلاد ميديا حيث كان يشترى من هناك للملك
إحتياجاته، فصارت له علاقات كثيرة مع اليهود السكان فيها، يرشدهم ويقوى عزائمهم
(كما ورد فى النص اللاتينى)، وفى بداية عهدهم بالسبى كان اليهود محدودى الحركة،
محرومين من إمتيازات كثيرة، ومع ذلك فقد إتسعت تجارة العديد منهم فى بلاد الشتات
وازدادت ثروتهم فيها، محتكرين بعض المجالات الحيوية الهامة.

 

وقد
إنقسم اليهود خلال فترة السبى التى تشتتوا فيها إلى مجتمعين : أحدهما شديد التمسك
والتقوقع والإلتصاق ببعضهم البعض، وعدم معاملة الأمم بإعتبارهم أنجاس وهو ما يسمى
إصطلاحاً ب (الجيتو اليهودى) والثانى مجتمع شديد السعى إلى سعة العيش والثراء، وهو
فى ذلك مستعد للتضحية بكل شىء كالوصايا والقيم وغيرها (لاسيما فى فترة المكابيين)
ومن هنا فإن طوبيا أقام الموازنة بين التقوى والبر من جهة والنجاح على المستوى
الإجتماعى من جهة أخرى.

 

وقد
وجد طوبيا رجلاً فى راجيس التابعة لميديا ويدعى غابليوس (كلمة عبرية =
مكافأة الله) فى ضائقة مالية فأقرضه مبلغاً يصل إلى ما يوازى 440 كجم من الفضة وقد
كانت الفضة والذهب وقتها تقوم مقام العملات والأوراق المالية فيما بعد، وقد سلمها
له بموجب صكّ من نسختين إحداهما مع الدائن، ويتضح لنا أن المبلغ قد أقرض لا كهبة
لأجل معيشة الرجل وإنما لمساعدته فى عمله أو تجارته، وتبلغ قيمة المبلغ حالياً،
حوالى نصف مليون جنيه مصرى.
 

15 ولَمَّا ماتَ شَلْمَنآسَر ومَلَكَ سَنْحاريبُ ابنُه مَكانَه
فأُغلِقَت طُرُقُ ميدِيا، لم أَعُدْ أَستَطيعُ الذَّهابَ إلَيها. 16 في أَيَّامِ
شَلْمَنآسَر، تَصَدَّقتُ كَثيراً على إخوَتي بَني قَومي. 17 فكُنتُ أُقَدِّمُ
خُبْزي لِلجِياعِ وثياباً لِلْعُراة، وإِذا رَأَيتُ أَحَداً مِنِ بَني أُمَّتي قد
ماتَ وأُلقِيَ مِن وَراء أَسْوارِ نينوى، كُنتُ أَدفِنُه. 18 وإِذا قَتَلَ
سَنْحاريبُ أَحداً عِندَ عَودَتِه هارِباً من اليَهودِيَّة، في أيَّامِ العِقابِ
الَّذي أَنزَلَه بِهِ مَلِكُ السَّماءَ بِسَبَبِ التَّجاديفِ الَّتي فاهَ بها،
كنُتُ أَدفِنُه. لَقَد قَتَلَ في غَضَبِه كَثيراً مِن بَني إِسْرائيل. فكُنتُ
أَسرِقُ جُثَثَهم وأدفِنُها. وكانَ سَنْحاريبُ يَبحَثُ عَنها فلا يَجِدُها. 19
وقَدِمَ احَدُ سُكَّانِ نينَوى فأَخبَرَ المَلِكَ في شأني بِأَنِّي أدفِنُها،
فآختَبَأت. ولَمَّا بَلَغَني أَنَّ المَلِكَ عالِمٌ بِأَمْري وأَنَّه يَسْعى
لِقَتْلي، هَرَبتُ خُفْيَةً. 20 فآستولى على كُلِّ ما هو لي ولم يُترَكْ لي شيءٌ
إِلاَّ صُودِرَ لِبَيتِ المال، عَدا حَنَّةَ اَمْرأَتي وطوبِيَّا آبني.

 

قلنا
أن شلمناصر الخامس (728 – 722 ق.م.) أعقبه فى الملك سرجون الثانى (722 – 705 ق.م.)
ومن ثم خلفه سنحاريب (704 – 682 ق.م.) وفى أيام سنحاريب كانت هناك قلاقل كثيرة
شملت المنطقة الواقعة بين نينوى وميديا (حيث يوجد السلاميون).

 

والذى
يعيننا هنا، هو أن الله غيّر قلوب الملوك الجدد من نحو بنى إسرائيل فبدأوا فى
التضييق عليهم، وربما جاء ذلك من إحساس أولئك الملوك بأن اليهود صاروا قوة كبيرة
سياسية وإقتصادية، وهو الأمر الذى حدث من قبل لبنى إسرائيل فى مصر (فَجَعَلُوا عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِكَيْ
يُذِلُّوهُمْ بِأَثْقَالِهِمْ فَبَنُوا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ: فِيثُومَ
وَرَعَمْسِيسَ. وَلَكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هَكَذَا نَمُوا وَامْتَدُّوا.
فَاخْتَشُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَاسْتَعْبَدَ الْمِصْرِيُّونَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ بِعُنْفٍ. وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي
الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَلٍ فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي
عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفاً.
خر 1 : 11 – 14) ولكن يجب ألاّ
ننسى أن قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ (أم 21 : 1) يحركه حسبما يرى
ذلك لخير أولاده.

 

وقد
حرص الملوك الآشوريين على إفقاد اليهود هويتهم الدينية والسياسية، حتى لا يصبحوا
قوة كبيرة ومجتمع متماسك ملتف حول عقيدة أو هيكل أو إله مما يشجعهم على التمرد،
ولهذا فقد كان معظم الفاتحين فى حروبهم، يقومون بتدمير الهياكل وتحطيم تماثيل
الآلهة، ومن ثم يحاولون صبغ الشعب بالصبغة الدينية والثقافية للشعب المستعمر ولنا
مثال فى ذلك، ما حدث مع اليهود من قبل الحكام السلوقيين، الذين عملوا بكل وسيلة
لطمس الهوية اليهودية ونشر الحضارة الهيلينية (الإغريقية).

 

وأما عن دفن الجثث

فقد
كانت عادة الملوك الآسرين قديماً، تعريض جثث الهاربين أو المحاولين الهرب، دون
دفن، ذلك لكى يراها المارّة، إلى الحد الذى يعرضها للإهانة والنهش من الوحوش
والجوارح (مَنْ مَاتَ لِيَرُبْعَامَ فِي
الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلاَبُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْحَقْلِ تَأْكُلُهُ
طُيُورُ السَّمَاءِ، لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ.
.راجع 1 مل 14 : 11، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَقُولُ الرَّبُّ يُخْرِجُونَ
عِظَامَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَعِظَامَ رُؤَسَائِهِ وَعِظَامَ الْكَهَنَةِ وَعِظَامَ
الأَنْبِيَاءِ وَعِظَامَ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مِنْ قُبُورِهِمْ.
وَيَبْسُطُونَهَا لِلشَّمْسِ وَلِلْقَمَرِ وَلِكُلِّ جُنُودِ السَّمَاوَاتِ
الَّتِي أَحَبُّوهَا وَالَّتِي عَبَدُوهَا وَالَّتِي سَارُوا وَرَاءَهَا وَالَّتِي
اسْتَشَارُوهَا وَالَّتِي سَجَدُوا لَهَا. لاَ تُجْمَعُ وَلاَ تُدْفَنُ بَلْ
تَكُونُ دِمْنَةًعَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. وَيُخْتَارُ الْمَوْتُ عَلَى الْحَيَاةِ
عِنْدَ كُلِّ الْبَقِيَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَشِيرَةِ الشِّرِّيرَةِ
الْبَاقِيَةِ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا يَقُولُ رَبُّ
الْجُنُودِ
. أر 8 : 1 – 3) وإن كانت الشريعة لم تحرمّ ذلك، على سبيل
تحذير بقية الشعب من كسر الناموس (وَتَكُونُ
جُثَّتُكَ طَعَاماًلِجَمِيعِ طُيُورِ السَّمَاءِ
وَوُحُوشِ الأَرْضِ وَليْسَ مَنْ يُزْعِجُهَا.
تث 28 : 26) إلاّ أنها
حددت مدة عرض جثة المجرم، بيوم واحد فقط (وَإِذَا
كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى
خَشَبَةٍ. فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ
اليَوْمِ لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلا تُنَجِّسْ أَرْضَكَ التِي
يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً
تث 21 : 22 – 23) راجع أيضاً (وَلَمَّا سَمِعَ سُكَّانُ يَابِيشَ جِلْعَادَ بِمَا فَعَلَ
الْفِلِسْطِينِيُّونَ بِشَاوُلَ
،. 1 صم 31 : 11، فَأَخَذَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ مِسْحاًوَفَرَشَتْهُ
لِنَفْسِهَا عَلَى الصَّخْرِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْحَصَادِ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمْ تَدَعْ طُيُورَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ
عَلَيْهِمْ نَهَاراًوَلاَ حَيَوَانَاتِ الْحَقْلِ لَيْلاً.
2 صم 21 :
10، كُلُّ مُلُوكِ الأُمَمِ بِأَجْمَعِهِمِ
اضْطَجَعُوا بِالْكَرَامَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ. وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ
طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ الْقَتْلَى الْمَضْرُوبِينَ
بِالسَّيْفِ الْهَابِطِينَ إِلَى حِجَارَةِ الْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ. لاَ
تَتَّحِدُ بِهِمْ فِي الْقَبْرِ لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ قَتَلْتَ شَعْبَكَ.
لاَ يُسَمَّى إِلَى الأَبَدِ نَسْلُ فَاعِلِي الشَّرِّ
. أش 14 : 18 –
20، وَالشَّعْبُ الَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ
يَكُونُ مَطْرُوحاًفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ مِنْ جَرَى الْجُوعِ وَالسَّيْفِ
وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ هُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ
وَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ شَرَّهُمْ.
أر 14 : 16).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة تسريح ح

و يرد
فى التاريخ عن الإسكندر الأكبر، أنه علّق أكثر من ألفى شخص، مصلوبين على أعمدة
بطول الطريق فى مدينة صور، وذلك بعد أن أسقطها عقب حصار طويل، وهو نفس الأمر الذى
صنعه مع أهل مدينة غزة بعد إسقاطها، ذلك بغرض الإنتقام والتشفى من أهلها، كذلك فقد
شهّر ملك آخر بجثث قتلاه بعد أن قتلهم على الخوازيق، حيث كان يتلذذ بمشاهدتهم على
تلك الحال الرهيبة.

 

وقد
كانت هناك ثلاثة أسباب، تدفع طوبيا إلى دفن الجثث، أولها العمل بموجب الشريعة،
وثانيها الشفقة التى يمليها عليه ضميره وحسّه المرهف، والثالث الخشية من أن تضعف
قلوب أولئك اليهود الذين يشاهدون القتلى من جنسهم.

 

هكذا
سلك القديّسين يوليوس الأقفهصى، وبقطر بن رومانوس، اللذين إهتما بدفن أجساد
الشهداء وتدوين سيرهم وإكرامهم، وقد صار الإهتمام بدفن الموتى ومساعدة أهل الميت
فى ذلك، بخدمة طوبيا، فى كثير من الكنائس.

 

إلا
أن غيرة طوبيا فى هذا العمل، قد عرضته لتجارب متنوعة، أولها المتاعب التطهيرية، أى
ما يحيط بدفن الميت من قيود، إذا يعتبر نجساً كل من لمس ميتاً، بل ويبقى فى نجاسته
مدة أسبوع كامل يتطهر خلاله فى اليومين الثالث والسابع (أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَنْفُوا مِنَ المَحَلةِ كُل
أَبْرَصَ وَكُل ذِي سَيْلٍ وَكُل مُتَنَجِّسٍ لِمَيِّتٍ. عد 5 : 2، مَنْ مَسَّ
مَيِّتاًمَيِّتَةَ إِنْسَانٍ مَا يَكُونُ نَجِساًسَبْعَةَ أَيَّامٍ. يَتَطَهَّرُ
بِهِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ يَكُونُ طَاهِراً. وَإِنْ
لمْ يَتَطَهَّرْ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ فَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ لا يَكُونُ طَاهِراً.
كُلُّ مَنْ مَسَّ مَيِّتاًمَيِّتَةَ إِنْسَانٍ قَدْ مَاتَ وَلمْ يَتَطَهَّرْ
يُنَجِّسُ مَسْكَنَ الرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلكَ النَّفْسُ مِنْ إِسْرَائِيل.
لأَنَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ لمْ يُرَشَّ عَليْهَا تَكُونُ نَجِسَةً. نَجَاسَتُهَا
لمْ تَزَل فِيهَا
. 19 : 11 – 13) بل إن المشكلة تتضخم هنا عندما يلمس
طوبيا ميتاً فى يوم يعتبر الأكل فيه مقدساً فيحرم منه (كما سيجىء فى الإصحاح
الثانى).

 

و
ثانى هذه المتاعب، هو تعرضه للقتل والمطاردة من السلطات الحاكمة، التى إعتبرت
عملية دفن الجثث، أمراً يعطّل مقاصدهم من تركها بدون دفن، لاسيمّا وأن سنحاريب كان
عائداً لتوه من كسرة عظيمة بعد أن قتل الملاك الرب من جيشه 185 ألفاً.. فعاد يحنق
بشدة على اليهود فى مملكته.

 

أما
ثالث هذه المتاعب، فهو تعرض طوبيا نفسه للسخرية من أهله وأصدقائه، لاسيما زوجته
التى عانت كثيراً من إضطهاد الحكام لزوجها.

21 ولم يَنقَضِ أَربَعونَ يَوماً حَتَّى قَتَلَ المَلِكَ آبناه
وهَرَبا إلى جبالِ أَرارات. فمَلَكَ آسَرحَدُّونُ ابنُه مَكانَه. وولَّىَ أَخيكارَ
اَبنَ أَخي عَنائيل على جَميعِ حِساباتِ مَملَكَتِه، وكانَ لَه سُلْطانٌ على
جَميعِ الشُّؤُونِ الإِدارِيَّة. 22 فتَوَسَّطَ لي أَخيكار فعُدتُ إِلى نينَوى.
ذلك بأَنَّ أَخيكارَ كانَ رَئيسَ السُّقاةِ وأَمينَ السِّرِّ ورَئيسَ الشُّؤُونِ
الإدارِّيَةِ والحِساباتِ على عَهْدِ سَنْحاريبَ مَلِكِ أَشُّور، وقد ثَبَّتَه
آسَرحَدُّونُ في مَناصِبِه. وكانَ آبنَ أَخي ومِن قَرابَتي.

 

سريعاً
ما إنقضت أيام إضطهاد طوبيا، فقد قام إبنى الملك أدرمالك وشرآسر، بقتله
بينما كان يتعبد بين تمثالين لإثنين من الآلهة وذلك فى معبد الإله نسروخ (وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ
ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرَآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ
أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ عِوَضاًعَنْهُ
. راجع 2 مل
19 : 37، فَأَرْسَلَ الرَّبُّ مَلاَكاًفَأَبَادَ
كُلَّ جَبَّارِ بَأْسٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مَحَلَّةِ مَلِكِ أَشُّورَ.
فَرَجَعَ بِخِزْيِ الْوَجْهِ إِلَى أَرْضِهِ. وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَ إِلَهِهِ
قَتَلَهُ هُنَاكَ بِالسَّيْفِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَحْشَائِهِ
. 2
أخ 32 : 21، وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ
نِسْرُوخَ إِلَهِهِ ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرْآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ
وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونَ ابْنُهُ
عِوَضاًعَنْهُ
. وَالثَّلاَثُونَ
أش 37 : 38) حيث هربا بعد ذلك إلى جبال أرارات (بين أرمينيا وكردستان) ومع أن
السجلات الأشورية لا تشير إلى ذلك، الاّ أن السجلات البابلية ذكرت أنه قتل بيد
إبنه، وفى قصة إعتلاءه العرش بعد موت أبيه، لا يذكر آسَرحَدُّونُ
(إسم بابلى معناه أشور أعطى أخا) حادثة إغتيال أبيه ولكنه يشير إلى
خلافات بينه وبين معارضيه مما إضطره إلى التخلص منهم فى (هاين جلبات) وهروب إثنين
منهم إلى أَرارات
5 وذلك فى سنة 681 ق.م.

 

وكان
سنحاريب قد عيّن أسرحدون نائباً للملك فى بابل ووارثاً للعرش على الرغم من أنه لم
يكن الإبن الأكبر مما دفعه أخويه إلى قتل أبيه وإشعال نار الفتنة والتى إستمرت
حوالى خمسة وأربعين يوماً
6 ثم ملك من سنة 680 إلى سنة 668 ق.م.

 

أما
طوبيا وعلى الرغم من أن إبن أخيه كانت له مكانة كبيرة ووظيفة مرموقة فى البلاط الملكى
إلا أنه لم يستطع تقديم يد العون له إلا بعد موت الملك الذى إضطهده، حيث توسطّ له
فى الرجوع إلى بلده وإسترجاع ما فقده من أموال ومقتنيات.

 

وسوف
نعود إلى الحديث عن إخيكار إبن أخى طوبيا فى تفسير الإصحاح الرابع عشر.

 

وتشبه Thisbe وتقع فى شمال الجليل جنوب قادش نفتالى وأعلى أشير، وتضيف النسخة
السينائية أنها تقع شمالى (فوجون) وأما الفولجاتا فقد وردت فيها بإعتبارها مدينة صفت.



1 Ante Nicene Fathers Vol 8
, P369.

2 Nicene & P.N. Fathers
Vol 10, P88.

3 من هنا يظهر الدور
الهام للتربية الروحية السليمة فى الأسرة
.

4 راجع تعليقنا على زواج
طوبيا وسارة.

5 دائرة المعارف
الكتابية – سنحاريب.

6 المرجع السابق – آسرحدون.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي