تَفْسِير سِفْرُ أَيُّوبَ

 

لقد
انتهينا من التأمل في أسفار العهد القديم التاريخية، وسيبدأ تأملنا الآن في
الأسفار الشعرية التي وُضع سفر أيوب (في التوراة العربية وفي معظم اللغات الأخرى)
في أولها.

وكل
ما نعرفه عن تاريخ أيوب موجود في هذا السفر الذي جعل اسمه عنوانًا له، وكان أيوب
رجلاً "كاملاً ومستقيما"، وقد عاش في أرض عوص التي سميت غالبًا باسم عوص
بن ناحور أخي إبراهيم (تكوين 21: 2)، وتوجد صلة أخرى بهذه العائلة وهي أن أليهو،
هو ابن برخئيل البوزي لأن بوز هو أخو عوص وأرض عوص هي على الأرجح في الجنوب الشرقي
لفلسطين أمام الصحراء الغربية، وكان أيوب "أعظم كل بني المشرق" ولا
يُعرف تاريخ هذا السفر، ولكن إذ لا توجد أية إشارة فيه إلى الناموس أو إلى إسرائيل
فيغلب على الظن بأن أيوب كان معاصرًا للبطاركة (أي رؤساء الآباء الأولين)، كما أن
اسم "القدير" الذي أعلن إبراهيم كان معروفًا عند أيوب وأصحابه الثلاثة
وأليهو.

إصحاح1و2
لقد ُوِصَف أيوب بأنه كان رجلاً «كاملاً ومستقيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر»، إلا
أنه تألم كثيرًا إذ خسر كل أملاكه ومواشيه، وقُتِلَ بنوه وبناته جميعًا في وقت
واحد، وابتلي في جسده بقرح رديء من باطن قدميه إلى هامته. والمعضلة العظمى التي
لهذا السفر هي أن سياسة الله فيه ليست كما كانت مع إسرائيل بكيفية مباشرة، بل تسير
وفقًا لعنايته تعالى في عالم دخلته الخطية والموت، وفيه يستخدم الشيطان قوته
العدائية إذ سمح له بذلك، ومن الواضح أن معاملات الله السياسية والتأديبية للبشر
أنما تؤول لخيرهم، إل أن هذا يقود إلى سؤال آخر كيف يتبرر أو يتزكى الإنسان أمام
الله؟ وهذا سؤال لا جواب له إلا في الإنجيل.

لقد
أخطأ أصحاب أيوب الثلاثة خطأ كاملاً في فهم سياسة الله، زعمًا منهم بأنه لابد أنه
(أي أيوب) عمل شرًا وإلا لما عومل بهذه المعاملة القاسية، أما أيوب فقد استنكر
حكمهم عليه وإذ برر نفسه استذنب الله في طرقه معه. ومفتاح هذا الجزء من السفر هو
أن أيوب امتحن وقلبه فحص حتى تنكشف حالته الداخلية الحقيقية، ولكي يتعلم معرفة
الله في حكمته وقوته وأن طرقه تؤول لبركة الإنسان.

ولنلاحظ
أن الامتحان كله أتى من قبل الله، لأنه هو تعالى الذي عرض أمر أيوب على الشيطان
عندما جاء "بنو الله" ليمثلوا أمام الرب، والشيطان على استعداد في كل
حين بأن يؤلم ويتعب الإنسان أو يشتكي عليه ولكن الله يحبط مساعيه. ولما اكتسحت كل
مقتنيات أيوب ومات أولاده وبناته سجد على الأرض وقال «الرب أعطى الرب أخذ فليكن
اسم الرب مباركًا»، ثم إذ امتلأ جسده بالقروح استخدم الشيطان زوجته لتحرضه على أن
يبارك (أي يلعن) الله، ولكنه أجابها «أألخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟» «في
كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه»، فالشيطان قد هُزم ولم يذكر بعد ذلك في هذا السفر.

هل تبحث عن  هوت دستورى قوانين ورسائل مجمع نيقية 11

إصحاح3-26
ثم يجيء أصحاب أيوب الثلاثة، ومع أنه إلى ذلك الحد لم يخطئ أيوب بشفتيه إلا أن
أصحابه ينبشون قلبه ويبرزون ما كان خفيًا فيه، ومع أنهم كانوا رجال أتقياء إلا
أنهم لم يفهموا سياسة الله معه واتهموه خطأ، ولكنهم في الوقت نفسه قرروا أشياء
كثيرة صحيحة عن تلك السياسة تنطبق على حالات أخرى، والخلاصة هي أن أقوال هؤلاء
الأصحاب الثلاثة تسير في اتجاهات ثلاثة، إذ كان لكل منهم اتجاهه الخاص، فاليفاز
سار في أقواله في طريق الاختبار الشخصي إذ قال«قد رأيت أن الحارثين إثمًا
والزارعين شقاوة يحصدونها» (إصحاح8: 4) وتتميز أقواله بالرصانة واللطف، بينما
تتميز أقوال بلدد بالعنف والشدة وفيها يُسمع صوت التقليد وحجة الآباء الأقدمين إذ
قال «أسأل القرون الأولى وتأكد مباحث آبائهم» (إصحاح8: 8)، أما صوفر فكأنه يظهر
الناموس والتدين في أقواله «أن بعدت الإثم الذي في يدك (أو أن كان في يدك إثم فأبعده
بعيدًا…حينئذ ترفع وجهك بلا عيب» (إصحاح 14: 11و15).

وقد
قادت أقوالهم أيوب إلى الإصرار على إظهار استقامته وطهارته بين الناس فقال لله «في
علمك أني لست مذنبًا ولا منقذ من يدك. يداك كونتاني وصنعتاني كلي جميعًا
افتبتلعني» (إصحاح7: 10و8)، ثم إذ اغتاظ من حكم أصحابه الجائز ضده حكم هو على الله
حكمًا خاطئًا إذ قال «دفعني الله إلى الظالم وفي أيدي الأشرار طرحني… فيعرف الله
كمالي» (إصحاح11: 16؛ 7: 19؛ 6: 31)، إلا أنه اعترف كما لو كان أمام الله قائلاً
«أن تبررت (أو أن بررت نفسي) يحكم علىّ فمي …ولو اغتسلت في الثلج ونظفت يدي
بالاشنان (بالنقاوة بماء الرماد) فأنك في النقع (الحفرة) تغمسني حتى تكرهني ثيابي»
(إصحاح20: 9-31)، ولكن السؤال الذي كان معقدًا في ذهن أيوب هو: لماذا يضع الله
قلبه على الإنسان؟ فالله هكذا عظيم جدًا والإنسان زائل وتعيس فلماذا لا يتركه الله
حتى يكمل يومه؟ فقد كان في نفس أيوب الشعور بأن الله هو الذي كان متعاملاً معه
بهذه الكيفية، وأنه لم يتألم من أعمال العناية الإلهية الجارية، وأما أصحابه فلم
يستطيعوا أن يحلوا له هذه المشكلة.

إصحاح27-31
في هذه الإصحاحات ينطق أيوب بأمثاله، وتعتبر الإصحاحات 29-31 بمثابة خلاصة ختامية
للمفارقة بين ماضيه المشرق البهيج وحاضره المظلم الأليم، والروح القدس يعطينا في
هذه القصة الواقعية صورة قديس حقيقي قد جاز في آلام مبرحة لأجل تقويمه ولأجل تعليم
وفائدة البشر في كل الأجيال.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مدينة النخل 1

إصحاح32-37
هنا يظهر أليهو في المشهد فجأة وهو رمز للمسيح كوسيط، وقد تكلم عوضًا عن الله
وقال«روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني…هانذا حسب قولك عوضًا عن الله» (إصحاح4:
22-6)، وقد أظهر أيوب بأنه لم يكن مصيبًا في تبرير نفسه أكثر من الله، وتكلم أليهو
بأسلوب رائع وبديع عن معاملات الله مع الإنسان، وكيف يكلم الإنسان ولو بواسطة
الأحلام لتعليمه وتهذيبه، وأنه إن وجد عنده وسيط "واحد من ألف" ليعلن
للإنسان كيف توجد نفسه بالاستقامة أمام الله، فينقذه من السقوط في الحفرة لأن الله
وجد فدية، وأن الله يؤدب الإنسان ليقوده للخضوع له تعالى فينال الحظوة أمامه.

وفي
إصحاح 36 ينسب أليهو البر لصانعه،ويؤكد لأيوب بأن الكامل في المعرفة (أي الله) هو
مع أيوب «صحيح المعرفة (أعني الله الكامل المعرفة) عندك (أو معك)» (إصحاح4: 36)،
وأن الله لا يرذل (أي لا يحتقر) أحدًا ولا يحول عينيه عن البار وأنهم (أي الأبرار)
إذا تضايقوا فذلك للبركة، ويختم أليهو أقواله بتأملات عميقة في قوة الله غير
المنظور.

إصحاح38-42
وأخيرًا يتكلم الرب من العاصفة في موضوع أيوب، وبواسطة الكلام عن حكمته الإلهية
وجلاله، وقوته في الطبيعة يظهر بالمبانية مع ذلك حقارة أيوب، وإذ يبين الرب لأيوب
حكمته في كل طرقه فهل يستطيع أيوب أن يدعي بأن يعلمه تعالى؟ لذلك لم يسع أيوب إلا
أن يجيب قائلا " أنا حقير" ثم صمت، ولكن الرب يستمر محاجًا مع أيوب
«ألعلك تناقض حكمتي. تستذنبني لكي تتبرر أنت؟» ثم يشير الرب ثانية إلى قوته
الفائقة في الطبيعة، ويذكر له حيوانين هائلين قد خلقهما وهما بهيموث ولوياثان
ليشعره بحقارته وضعفه وبجهالته في أقواله التي نطق بها أولا، ولذا أعترف أيوب
ثانية «قد نطقت بما لم أفهم.بعجائب فوقي لم أعرفها … بسمع الأذن سمعت عنك والآن
رأتك عيني. لذلك أرفض (نفسي) وأندم في التراب والرماد».

لقد
تعلم أيوب الآن الدرس الذي قصد الله أن يعلمه إياه، فوصل إلى المكان الصحيح اللائق
به وهو أنه كلا شيء أمام الله، وهنا فقط استطاع الله أن يرفعه.

وفي
(كورونثوس الأولى) نرى أن المسيح هو حكمته الله وقوة الله في الوقت الذي فيه ظهر
(بواسطة الصليب) أن الإنسان لا شيء مطلقًا. وقد رأى أيوب الرب فتغير كل شيء أو
بالحري تغير أيوب نفسه. ثم وبخ الله أصحاب أيوب إذ لم يقولوا فيه الصواب كأيوب.
أخيرًا أمرهم أن يصعدوا محرقة، وأيوب يصلي لأجلهم لأن أيوب كان عبد الرب الذي
ويقبل صلاته. وبارك الرب آخره أيوب أكثر من أولاده، وأعطاه أملاكًا كثيرة وسبعة
بنين وثلاث بنات وعاش بعد رجوع البركة إليه 140 سنة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عَوِيّم م

وقد
ذكر أيوب مرتين مع نوح ودانيال بمناسبة " البر " عندما صارت حالة
إسرائيل أثيمة جدًا، حتى لو وجد بينهم هؤلاء الثلاثة فأن برّهم يخلصهم هم فقط ولا
يخلص نفس ابن أو أبنه (حزقيال14: 14و20)، ويعتبر أيوب مثالا للاحتمال وبيانًا
لعاقبة الرب مع من يصبر«لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف» (يعقوب11: 5).

ويعتبر
أيوب أيضًا رمزًا لإسرائيل عندما يجيء وقت الرحمة لذلك الشعب المذنب، وعندئذ
يتبارك أكثر من البداءة، أما التعليم الفردي لكل نفس فأن هذا السفر يرينا طرق الله
مع خائفيه الذين، هم خاصته، فلا بد لهم أن يتعلموا جهالة وغباوة قلوبهم، وأن يثقوا
ثقة كاملة فيما هو الله – له المجد – ويخضعوا خضوعًا تامًا له، فلا يثقون فقط فيه
وفي عمله ولكن أيضًا في كل طرقه معهم.

هذا
ولاريب أنه قد ظهرت أشياء أعلى وأعمق في حياة المسيح على الأرض، وبواسطة الروح
القدس بعد ارتفاع الرب إلى الأعالي، إلا أن هذه الأمور الإلهية السماوية التي ظهرت
في ضوء العهد الجديد لا تؤثر قط على القيمة العظيمة التي لسفر أيوب، هذا السفر
الذي للروح القدس غرض فريد فيه بين بقية أسفار الكتاب المقدس، ومن غير الله كان
يستطيع أن يعطينا سفرًا كهذا؟

 بعض
الشواهد المقتبسة من سفر أيوب في العهد الجديد

1.     «فقال
الرب للشيطان من أين جئت فأجاب الشيطان 1.«إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من        

 الرب
وقال من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها» يبتلعه هو» (بطرس الأولى8: 5 وأنظر

 (إصحاح7:
1) رؤيا 9: 12و10)

2.«عريانًا
خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك» 2. «لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح
أننا لا نقدر

 (إصحاح21:
1) أن نخرج منه بشيء» (تيموثاوس الأولى7: 6)

3.«فقال
(أيوب) أألخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل» 3. «قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم
عاقبة الرب »

 (إصحاح10:
2) (يعقوب11: 5)

4.الآخذ
الحكماء بحيلتهم فتتهور مشورة الماكرين» 4. «مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم»

 (إصحاح13:
5) (كورونثوس الأولى19: 3)

5.«هوذا
طوبى لرجل يؤدبه الله فلا ترفض تأديب القدير» 5. «لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا
وبخك»

 (إصحاح17:
5) (عبرانيين5: 12)

6
«الذي بيده نفس كل حي وروح كل البشر» 6.«هو يعطي الجميع حياة ونفسًا … لأننا به
نحيا

 (إصحاح10:
12) ونتحرك ونوجد» (أعمال2: 17و28)

7.
«وبعد أن يفني جلدي هذا وبدون جسدي أرى الله. 7.«ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن
نعلم أنه إذا أظهر

 الذي
أراه أنا لنفسي وعيناي تنظران وليس آخر» ونكون مثله لأننا سنراه كما هو»

 (إصحاح26:
19و27) (يوحنا الأولى2: 3 وقارن فيلبي20: 3و21)

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي