الإصحَاحُ
السَّادِسُ

 

1 فَأَجابَ
أَيُّوبُ: 2 «لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ
جَمِيعَهَا. 3 لِأَنَّهَا الْآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ
ذلِكَ لَغَا كَلَامِي. 4 لِأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ، تَشْرَبُ رُوحِي
سُمَّهَا. أَهْوَالُ اللّهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. 5 هَلْ يَنْهَقُ الْفَرَاءُ عَلَى
الْعُشْبِ أَوْ يَخُورُ الثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6 هَلْ يُؤْكَلُ الْمَسِيخُ
بِلَا مِلْحٍ، أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ؟ 7 عَافَتْ نَفْسِي
أَنْ تَمَسَّهَا، فَصَارَتْ خُبْزِيَ الْكَرِيهِ!

 

 اعتقد
أليفاز أنَّ أيوب ارتكب خطيئة، فكانت كلماتة خالية من العطف، الذي توقع أيوب أن
يراه من أصحابه. وتكلم أليفاز عن تضجر أيوب وأشار إلى أنَّ هذا التضجر يحسب جهالة
بالنسبة لعارفي الله. الأمر الذي أثار أيوب فاطلق صرخة داوية يطلب فيها الإنصاف.
ثم لا يلبث أن يتهم أليفاز بأنه ينظر إلى الأمور بسطحية، فلا يرى أنَّ مصائبه
المتتالية أمر يستلزم الشكوى. كان يرجو منه أن يضع البلايا التي نزلت به في كفة
ميزان مع تذمره، إذن لرثى لحاله على الأقل! ولكنه للأسف أسمعه أقوالاً ليست فقط
بعيدة عن كلام التعزية، بل أيضاً صب في أذنيه عبارات النقد الجارح كقوله: «الغيظ
يقتل الغبي والغيرة تميت الأحمق». فأثار كلامه أيوب، فتكلم بمبالغة، ووصف كربه
بأنه أثقل من رمل البحر. وخيبة أمله بموقف أليفاز، لم تكن وحدها سبب حزنه، بل كان
له سبب آخر، وهو الشعور بأنَّ الله صار عدوه، ويخشى أن تكون بلاياه قد أتت رأساً
من الله. ولم يلبت أن لغا كلامه، أي صار طائشاً. فنسب إلى القدير أنه رشقه بسهامه
المسمومة، معبراً بذلك عن البلايا التي سمح الله أن تنزل به. وهذه المصائب
الشديدة، شبهها بجيوش عدة مصطفة لقتاله.

 

صحيح
أنَّ هناك سبباً لصراخ الألم وأنَّ حالة أيوب ليست من الأمور التي يمكن الاستخفاف
بوقعها. فقدْ فقدَ طعم الحياة، حتى أنه شبهها بمرق البقلة الغث، الذي أعد بدون
ملح. ولهذا تعاف نفسه الطعام، الذي صار طعامه اليومي. فهو يصرخ كالحمار الوحشي، أو
كالثور الذي لا يخور بلا سبب. إلا أنَّ هذه الأسباب مع وجاهتها، لا يمكنها أن تبرر
مبالغة أيوب في نثر الإتهامات، ضد محدثه وضد الله.

 

6: 8
«يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللّهُ رَجَائِي! 9 أَنْ يَرْضَى
اللّهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10 فَلَا تَزَالُ
تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ لَا يُشْفِقُ أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلَامَ
الْقُدُّوسِ. 11 مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ، وَمَا هِيَ نِهَايَتِي
حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12 هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي
نُحَاسٌ؟ 13 أَلَا إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي، وَالْمُسَاعَدَةُ
مَطْرُودَةٌ عَنِّي!

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تنور ر

 

الآن
يعبر أيوب عن رغبته في أن يأتي عليه الموت، الذي كان يشتاق إليه، حينئذ لا يخاف.
ومن الجهة الأخرى يتعزى، لأنه لم ينكر الرب. صحيح أنَّ الحياة كانت قد ثقلت
المطالب على قوته وصبره، حتى صيرته غير قادر على أن يخوض معارك أخرى. ولكن مع
تبرمه بالحياة وتذمره من نصيبه منها، لم يمجد كلام القدوس، وإنما طلب إليه أن يسمح
له بالموت. مثله كإيليا ويونان اللذين طلبا الموت، ولكن الله لم يستجب لهما. لأن
الموت لا يأتي إلا في الوقت، الذي عينه الله، وبعد نهاية الفرصة، التي أعطاها
الخالق للإنسان لتكملة واجباته والاستعداد للرحيل.

 

لم
يفكر أيوب بقوة الله اللامحدودة، والقادرة أن تشفيه من مرضه الخبيث. وأن ترد له
أمواله، وتقيم له نسلاً جديداً. ولهذا قال متضجراً: ما هي نهايتي لأصبر نفسي؟
لكأنه نسي أنَّ الله، لا يتخلى عن صدّيق، بل يقف بجانبه في كل محنة. وكسيد الظروف،
يحول كل شيء لخير الذين هم له.

 

في
فصل سابق، قال أليفاز، إنه لو كان في موضع أيوب، لكان سلم أمره لله بلا تردد. وأنت
هل في وسعك أن تتصرف على هذا النحو، حين تحيق بك البلايا، وتحدق بك الضيقات؟ فتسلم
كل شيء لله، واضعاً ثقتك كل ثقتك في عنايته. داود في إبّان بلاياه، سلم أمره لله
وانتظره. والرب سمع صراخه، وأخرجه من جب الهلاك. ومن صميم اختباره، كتب لنا نشيده
الرائع: «هذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ، وَمِنْ كُلِّ
ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ. مَلَاكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ»
(مزمور 34:6 و7).

 

ما
أحوجنا في هذه الأيام الصعبة إلى ديانة عملية اختبارية كهذه، تستطيع أن تستصرخ
الله، وتستنفر حنانه لإنقاذ النفوس البائسة وإخراجها من جب الهلاك. هذه الديانة
ميسورة لنا، إن كنا نقبل إلى يسوع، الذي له القدرة على خلاص كل نفس تطلبه من كل
القلب.

 

الصلاة:
يا سامعا الصلاة، إليك يأتي كل بشر. نشكرك لأنك قريب من كل الذين يدعونك، الذين
يدعونك بالحق. أنعم علينا باستجابة صلواتنا من أجل سلام النفوس اليائسة. أعلن ذاتك
معيناً لكل نفس رازحة تحت الآلام، وأبا محباً يهتم بكل خلائقه.

 

6: 14
«حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ.
15 أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ
الْوِدْيَانِ يَعْبُرُونَ. 16 الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ وَيَخْتَفِي
فِيهَا الْجَلِيدُ. 17 إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ
مَكَانِهَا. 18 تَحِيدُ الْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا، تَدْخُلُ التِّيهَ
فَتَهْلِكُ. 19 نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. مَوَاكِبُ سَبَأٍ رَجَوْهَا. 20 خَزُوا
فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21 فَالْآنَ قَدْ
صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22 هَلْ قُلْتُ:
أَعْطُونِي شَيْئاً، أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي، 23 أَوْ نَجُّونِي
مِنْ يَدِ الْخَصْمِ، أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس د دواغ غ

 

أصبح
أيوب خائر القوى، لا يجد عوناً من نفسه وقد يئس من الشقاء. ثم عبر عن شدة حزنه
لخيبة أمله من موقف أصحابه نحوه. لم يشك في كونهم قصدوا تعزيته. فإنهم كابدوا مشقة
السفر الطويل لكي يأتوه ويروه. لقد عرفوه وعرفوا أسلوب حياته، ومع ذلك فإنهم كانوا
في شك في أفكارهم من جهة أحواله الأدبية. وكان فحوى خطاب أليفاز أنه يجب على أيوب
أن يعترف بخطيته ويطلب مغفرتها. ولكن نسبة التفوق الأدبي إلى نفسه، أنشأ بالطبع
نفوراً عبّر عنه بالكلمات التالية: «المحزون معروف من صاحبه وإن ترك خشية القدير» ومعنى
هذا أنَّ أيوب يشعر بأنه إذا كان قد زل عن طرق الله، كما ظن أصحابه، فإن إظهار شيء
من العواطف اللطيفة نحوه يقوي ثقته بالله. والواقع أنَّ التوبيخ الذي في غير محله
حتى من المسيحيين، طالما أهلك نفوساً ثمينة. وفي تعبير آخر فإنَّ أيوب يلتمس هنا
حق المحزون من أصدقائه وهو التعزية. هذا حق مشروع فعلاً، لأن الإنسان الذي يغوص
تحت الفواجع، له حق في عطف الأصدقاء، حتى ولو ترك خشية القدير، وإلا ما معنى
الصداقة؟ والحق يقال. إنه كان على أصحاب أيوب، أن يعربوا له عن محبتهم واهتمامهم
به، في محاولة لرده إلى الحق. لأن : «اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ،
أَمَّا الْأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ» (أمثال 17:17)

 

6: 24
عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25 مَا
أَشَدَّ الْكَلَامَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى
مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26 هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ، وَكَلَامُ
الْيَائِسِ لِلرِّيحِ! 27 بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً
لِصَاحِبِكُمْ! 28 وَالْآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ، فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لَا
أَكْذِبُ. 29 اِرْجِعُوا. لَا يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. اِرْجِعُوا أَيْضاً. فِيهِ
حَقِّي. 30 هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ أَمْ حَنَكِي لَا يُمَيِّزُ فَسَاداً؟

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر أيوب 15

 

إنَّ
قلب المؤمن، يتحول بنفس راضية عن كل قدرة بشرية، مهما كانت مخلصة. ويدعو صديقاً
واحداً، لم تستطع سيول الدينونة أن تطفئ محبتة، ولم تقدر تيارات الغضب أن تغمرها.
هذا الصديق هو ربنا يسوع المسيح ذاك المحب الألزق من الأخ.

 

لقد
التفت أيوب إلى أصحابه، يلتمس تعزية كعادتة فلم يجد. لهذا بادرهم بتوبيخ جارح،
وعزا إحجامهم إلى كون نفوسهم عافت منظره الكريه. لقد اعتبروه مصاباً من الله، وكأن
الله يغضب عليهم إن اهتموا به. مثله كالأبرص في عرف ناموس موسى، يجب عزله عن
الجميع، وإجباره على العيش خارج المحلة ليعاني قساوة الوحشة.

 

فتش
عن مياه المؤاساة المنعشة، فلم يجدها فيهم. وكانت قلوبهم جافة وباردة، كمجرى جدول
الجبل الجاف. رأى أصحابه ضربته ففزعوا. فقد اقشعروا من مصابه واعتبروه قصاصاً
إلهياً على خطيئته، فخافوا من أن يظهروا له شيئاً من العطف. ثم سألهم أن يروه في
أي شيء أخطأ وأن يعاملوه بالعدل ويكلموه بالاستقامة.

 

أجل
إنه لم يطلب منهم عوناً مادياً، ولكنه توقّع في أن يواسوه برقيق الكلام فلم يفعلوا،
بل صدرت منهم تلميحات ضد استقامتة. ولهذا تحداهم بعنف قائلاً: فهموني في أي شيء
ضللت؟ ولكن في هذا لم يكن أيوب مصيباً، لأنه تجاسر مرة أخرى أن يغاير شهادة الله
عن الإنسان، حين قال: « الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ
يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ» (رومية 3:12).

 

إنَّ
تلميحات الأصحاب لم يكن لها وزن، ولم تؤثر في نفس أيوب. وإذا كان قد تكلم بشدة،
فالواجب عليهم أن يتذكروا حزنه وأن يتساهلوا مع رجل واقع في مثل هذه الضيقات. لقد
وبخهم فعلاً على تصرفهم القاسي الخالي من الشعور، كالذين يجورون على اليتيم ويضرون
الأصحاب. والتمس منهم أن يعاملوه بالنصفة والصراحة، لأنه لا يكذب عليهم. ويطلب
إليهم أن يتحولوا عن حكمهم الجائر فيه، لأنه لا يوجد ظلم في كلامه. ويقدر أن يرى
الأمور الملتوية، أي شدائده. إنه كان مثلهم قادراً على تمييز الصحيح من الخطأ.
ويعتبر أنَّ الضربات التي أتت عليه كانت بلا استحقاق وبغير إنصاف. ومن هذا الموقف
المتصلب أصدر حكماً أدبياً في مسألته.

 

الصلاة:
شكراً لك يا ربنا لأجل يسوع الحي الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا. وأعطانا فكر
التواضع، لنعترف بخطايانا ونؤمن بيسوع، الذي صالحنا معك بموته الكفاري، فصار لنا
القدوم إليك، مبررين بالنعمة. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي