الإصحَاحُ
الثَّامِنُ وَالثَّلاَثُونَ

 

1 فَقَالَ
الرَّبُّ لِأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: 2 «مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ
بِكَلَامٍ بِلَا مَعْرِفَةٍ؟ 3 اُشْدُدِ الْآنَ حَقْوَيْكَ كَرَجُلٍ، فَإِنِّي
أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 4 أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الْأَرْضَ؟ أَخْبِرْ
إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. 5 مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ
مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَاراً؟ 6 عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا،
أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، 7 عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ
مَعاً، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللّهِ؟ 8 «وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ
حِينَ انْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ. 9 إِذْ جَعَلْتُ السَّحَابَ لِبَاسَهُ
وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ 10 وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ
وَمَصَارِيعَ، 11 وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلَا تَتَعَدَّى، وَهُنَا
تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟

 

بعد
المناقشات الحادة بين أيوب وأصحابه، والتي لم تؤدِّ إلى نتيجة حاسمة، سطر كاتب
السفر بإلهام الروح القدس رد الله على أيوب. وقبل أن نتأمل في هذا الرد الإلهي.
يجب أن نشير إلى أنَّ أيوب وأصحابه، لم يعرفوا الله بواسطة إعلانات الكتاب المقدس،
بل عرفوه كما أعلن في الطبيعة. ولهذا نطقوا بتلك الأقوال البليغة، عن أعمال الله
في تكوين العوالم، وحكمته الفائقة ومحبته، التي ظهرت في عنايته بالمخلوقات كالأرض
والبحر والنور والمطر والأجرام الفلكية والكائنات الحية.

 

وقد
اعترفوا بأنه وإن كان الإنسان أعظم خلائق الله، فهو لا يقدر أن يدرك كل أعمال الله
في الخليقة وفي سياسته للبشر. فعلى أيوب إذن أن يؤمن بأن الله، إنما يعمل كل شيء
حسناً، وبالحكمة والمحبة والعدل. وأن يتكل على الله، ويسلك معه بتواضع وتسليم
كامل. وأن يوقن أن معاملات الله معه، لا تسير بطريقة المصادفة، أو كيفما اتفق،
لكنها تسير بمقتضى تخطيط إلهي مرسوم. فهذا الإله المتصف بالقدرة والحكمة
الفائقتين، لا يليق بالإنسان أن يخاصمه، أو يناقض حكمه، أو يستذنبه، أو يستظلمه،
متكلماً بلا معرفة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بّيت أربَئِيل ل

 

كان
أيوب قد اشتهى وسيط صلح بينه وبين الله. لكي يرفع عنه عصا القدير، فلا يبغته رعبه.
فلم يعطه الرب سؤله كما طلب، بل ظهر له في العاصفة. وغايته كما يبدو لنا أن يوبخه
على جسارته في حكمه على العدل الإلهي. وأن يأتي به إلى الإيمان والتسليم، فيجد
السلام والراحة.

 

هكذا
أظهر الرب ذاته لإيليا، أولاً بريح عظيمة. ثم بزلزلة وبعد بالنار. ولكنه في الأخير
كلمه بصوت خفيف خفيض، وصل إلى قلبه. والأرجح أنَّ الصوت الذي سمعه أيوب، كان
بقلبه. فشعر بأنَّ الرب حاضر، وأنَّ حضوره الإلهي، كان أفضل حل للمشكلة.

 

من
هذا المتجاسر، الذي ينسب الظلم إلى قضائي الصالح العادل؟ من هذا المتكلم بلا
معرفة؟ تشدد أيها الرجل المتخاذل واسمع ما أقول! هكذا أجاب الرب أيوب من عاصفة
المجد. هل شاركتني في خلق العوالم وما فيها؟ وهل كنت لي مشيراً حين أسّست الأرض.
ورنت أصوات الملائكة بنشيد المجد والحمد؟ وهل تدرك حكمتي في وضع الحواجز للبحر لكي
لا تطفو لججه؟

 

38:
12 «هَلْ فِي أَيَّامِكَ أَمَرْتَ الصُّبْحَ؟ هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ
13 لِيُمْسِكَ بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ فَيُنْفَضَ الْأَشْرَارُ مِنْهَا؟ 14 تَتَحَوَّلُ
كَطِينِ الْخَاتِمِ، وَتَقِفُ كَأَنَّهَا لَابِسَةٌ. 15 وَيُمْنَعُ عَنِ
الْأَشْرَارِ نُورُهُمْ، وَتَنْكَسِرُ الذِّرَاعُ الْمُرْتَفِعَةُ. 16 «هَلِ
انْتَهَيْتَ إِلَى يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَوْ فِي مَقْصُورَةِ الْغَمْرِ
تَمَشَّيْتَ؟ 17 هَلِ انْكَشَفَتْ لَكَ أَبْوَابُ الْمَوْتِ، أَوْ عَايَنْتَ
أَبْوَابَ ظِلِّ الْمَوْتِ؟ 18 هَلْ أَدْرَكْتَ عَرْضَ الْأَرْضِ؟ أَخْبِرْ إِنْ
عَرَفْتَهُ كُلَّهُ! 19 «أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ،
وَالظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا، 20 حَتَّى تَأْخُذَهَا إِلَى تُخُومِهَا
وَتَعْرِفَ سُبُلَ بَيْتِهَا؟

 

يتابع
القدير أسئلته إلى أيوب: هل تدرك عنايتي في تحديد وقت انبلاج الفجر، بحيث لا يتقدم
ولا يتأخر؟ وهل تستطيع أن تفحص البحر، لتعلم مصدر مياهه؟ وهل أدركت أسرار الموت،
وعلمت ما هو مصير الإنسان بعده؟ وهل أدركت عرض الأرض، ومصدر النور وعلة الظلمة؟

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر حزقيال أهولة وأهوليبة ج ج

 

38:
21 تَعْلَمُ، لِأَنَّكَ حِينَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ، وَعَدَدُ أَيَّامِكَ
كَثِيرٌ! 22 «أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ الثَّلْجِ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ
الْبَرَدِ 23 الَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ الضَّرِّ، لِيَوْمِ الْقِتَالِ
وَالْحَرْبِ؟ 24 فِي أَيِّ طَرِيقٍ يَتَوَزَّعُ النُّورُ وَتَتَفَرَّقُ الرِّيحُ
الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الْأَرْضِ؟ 25 مَنْ فَرَّعَ قَنَوَاتٍ لِلْهَطْلِ وَطَرِيقاً
لِلصَّوَاعِقِ 26 لِيَمْطُرَ عَلَى أَرْضٍ حَيْثُ لَا إِنْسَانَ، عَلَى قَفْرٍ لَا
أَحَدَ فِيهِ، 27 لِيُرْوِيَ الْبَلْقَعَ وَالْخَلَاءَ وَيُنْبِتَ مَخْرَجَ
الْعُشْبِ؟ 28 «هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ، وَمَنْ وَلَدَ مَآجِلَ الطَّلِّ؟ 29 مِنْ
بَطْنِ مَنْ خَرَجَ الْجَلِيدُ؟ صَقِيعُ السَّمَاءِ، مَنْ وَلَدَهُ؟ 30 كَحَجَرٍ
صَارَتِ الْمِيَاهُ. اخْتَبَأَتْ. وَتَلَكَّدَ وَجْهُ الْغَمْرِ. 31 «هَلْ
تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ الثُّرَيَّا أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ الْجَبَّارِ؟ 32 أَتُخْرِجُ
الْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟ 33 هَلْ
عَرَفْتَ سُنَنَ السَّمَاوَاتِ أَوْ جَعَلْتَ تَسَلُّطَهَا عَلَى الْأَرْضِ؟ 34 أَتَرْفَعُ
صَوْتَكَ إِلَى السُّحُبِ فَيُغَطِّيَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35 أَتُرْسِلُ
الْبُرُوقَ فَتَذْهَبَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ؟ 36 مَنْ وَضَعَ فِي الطَّخَاءِ
حِكْمَةً، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي الشُّهُبِ فِطْنَةً؟ 37 مَنْ يُحْصِي الْغُيُومَ
بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ يَسْكُبُ أَزْقَاقَ السَّمَاوَاتِ، 38 إِذْ يَنْسَبِكُ
التُّرَابُ سَبْكاً وَيَتَلَاصَقُ الطِّينُ؟ 39 «أَتَصْطَادُ لِلَّبْوَةِ
فَرِيسَةً، أَمْ تُشْبِعُ نَفْسَ الْأَشْبَالِ، 40 حِينَ تَرْبِضُ فِي عَرِينِهَا
وَتَكْمُنُ فِي غَابَتِهَا لِلْكُمُونِ؟ 41 مَنْ يُهَيِّئُ لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ
إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى اللّهِ، وَتَتَرَدَّدُ لِعَدَمِ الْقُوتِ؟

 

هذه
السلسلة من الأسئلة، جاءت لإظهار عظم جهالة أيوب، ولإعلان أمجاد الخليقة التي
أبدعها الله وكونها بقدرة وحكمة. وبإظهار الله حكمته وقدرته على الطبيعة والكائنات
العاقلة وغير العاقلة، يجيب على أسئلة أيوب المتعددة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي