الْمَزْمُورُ
السَّادِسَ عَشَرَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلسَّادِسُ عَشَرَ – قُرب الرب

8جَعَلْتُ
ٱلرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلا
أَتَزَعْزَعُ. 9لِذٰلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَٱبْتَهَجَتْ رُوحِي.
جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. 10لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي
ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. 11تُعَرِّفُنِي
سَبِيلَ ٱلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى
ٱلأَبَدِ.

(8)
حين نقابل هذه الآية بما ورد في أعمال 2: 22 يتضح لنا أن المرنم يتكلم بلسان الرب
يسوع، وهو يواجه أقسى التجارب. فقد كان له المجد عالماً بما ينتظره من آلام. كان
يدرك دلالة الذبائح التي كانت تقدم كل يوم في الهيكل، ويعلم أنه حمل الله الحقيقي.
ولكم راقب خروف الفصح عالماً أنه الذبيح الذي يرمز إليه.

فكر
في مدى تأمل الرب يسوع وهو يقرأ قصة الفداء، كما جاءت في إشعياء النبي «وَهُوَ
مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا
عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ
وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.
ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى
ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ
فَاهُ» (إشعياء 53: 5-7).

كان
السيد يعلم أن هذه الأقوال تتنبأ عنه، لكنه كان واضعاً كل ثقته في أبيه، ولهذا
قال: جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني… وكلمة يمين تعني القرب والرضى
والاعتزاز. وبهذا المعنى كان يسوع إنساناً، ينظر إلى الآب. صحيح أن الكتابة
المقدسة، تقول إنه أخلى نفسه. آخذاً صورة عبد وصائراً في شبه الناس. ولكن هذا صار
تمشياً مع متطلبات الفداء. لكي يصل إلى مذبح الصليب، ليكفر بموته عن خطايانا. وهذا
على وفق ما جاء في الإنجيل: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ
بَيْنَنَا» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 14) ولكن هذا التعبير لا يعني إطلاقاً أن الابن
بمجرد ظهوره، فقد الألوهية. كلا! وإنما هكذا صارت المسرة في عينيه أن يظهر حبه
للبشر في الفداء، كما هو مكتوب «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى:
ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (تيموثاوس الأولى 3: 16) وكان
هذا لفترة من الزمن ثم عاد إلى مجده. هذا ما أخبر به الوحي إذ قال أن يسوع «بَعْدَ
مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ
ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلأَعَالِي» (عبرانيين 1: 3) لقد عاد إلى المجد الذي
له عند الآب، قبل تأسيس العالم. وهل نعجب بعد ذلك، أن وصفه الروح القدس بأنه «
بهاء مجد الله ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته».

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر دانيال 11

ومما
يدعو إلى الملاحظة، أن كلمة رسم هنا، جاءت في لغة الكتاب الأصلية بمعنى الختم،
الذي يوضع على النقود. وفي ذات الوقت تعني أخلاقاً أو صفات، مما يدل على أن سيدنا
المبارك هو الإعلان الكامل لأخلاق وصفات الله: قداسته، صلاحه، قوته، محبته، وكل ما
هو لله، ليس في طرقه وحسب، بل أيضاً في كيانه.

نقرأ
في المزمور 121: 5 هذه العبارة «ٱلرَّبُّ حَافِظُكَ. ٱلرَّبُّ ظِلٌّ
لَكَ عَنْ يَدِكَ ٱلْيُمْنَى» ففي أيام جسد الرب يسوع، كان الآب ليس فقط
معه، بل أيضاً كان فيه، بدليل قوله «ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ
يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 10) لذلك فلم يتزعزع ولم يكن
في مقدور أيَّة قوة أن تعوقه. تنكر له الناس وأنكروا فضله، وقابلوا حبه بالبغضاء.
وفي يوم محاكمته أمام بيلاطس، رفضوا إطلاقه هو البار، مفضلين عليه اللص…
باراباس، صارخين إلى بيلاطس: هذا الناصري، اصلبه اصلبه! ولما علقوه على صليب
العار، سخروا به وجدفوا على اسمه المبارك. ومع أن عدل السماء حسبه حاملاً خطايا
العالم قديمها وحديثها، إلا أنه بقي ثابتاً لا يتزعزع تاركاً لنا مثالاً في
الثبات.

هكذا
نقرأ: من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك، هكذا يسلك هو أيضاً (يوحنا
الأولى 2: 6) هل تذكر كيف سلك الإنسان يسوع؟ إن وضعت أمام عينيك سلوكك وراء غايات
دنيوية كالمال والصيت والمركز المرموق، أفلا يكون معنى هذا أن حياتك في جملتها
ومبادئها مغايرة لحياة يسوع؟ تذكر معي السؤال الذي طرحه يسوع على البشر في كل جيل
«لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ
كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي ٱلإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ
نَفْسِهِ» (الإنجيل بحسب متى 16: 26).

(9
و10) في هذه العبارات: نرى أن الإنسان كائن ثلاثي: روح ونفس وجسد (تسالونيكي
الأولى 5: 23) والروح هي أسمى ما في الإنسان. فهي مقر الفطنة ومركز الإدراك
(كورنثوس الأولى 2: 11) والنفس نسمة الحياة، وهي تربط الروح بالجسد. أما الجسد فهو
الهيكل، الذي تعبر به النفس عن ذاتها، وهو يربطها بالعالم المحيط بها. وفي كلمة
أخرى أن الروح تشعر الإنسان بالله، والنفس تشعره بذاته، والجسد يشعره بالعالم.
وقيل عن النفس والروح إنهما يفرحان بالرب ويبتهجان بخلاصه (حبقوق 3: 18).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد جديد سفر أعمال الرسل Acts of the Apostles 26

هكذا
كان شأن المخلص إذ تأكد من نصرته على الموت، فرح قلبه وابتهجت روحه. ولهذا ومع أنه
عرف كل ما يحيط بالصليب من كآبة وآلام، تقدم إليه بثقة وارتياح كامل، عالماً أنه
سيخرج منتصراً. وقد عبر عن ارتياحه بالقول «لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا
أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي.
لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً» (الإنجيل
بحسب يوحنا 10: 17 و18).

وعلى
ذلك يكون المقصود من هذه العبارة أن الآب الذي لن يدع جسد يسوع يرى فساداً، لن
يسمح ببقائه في حالة الموت، بل سيقيمه. وقوله «تقيك أو قدوسك» يقصد به جسد يسوع
(أعمال 2: 27).

(11)
إذا كان المسيح ينظر إلى القيامة كشيء مؤكد، استطاع أن يقول «تعرفني سبل الحياة»
إن سبيل الحياة هو الطريق، التي تنتهي بنا إلى الله. لأن الحياة في حقيقتها، لا
يمكن التمتع بها إلا حيث يوجد الله معطيها. إن الموت هو الانفصال عن الله مصدر
الحياة. وإذ انفصل الإنسان عن الله، أصبح في حالة الموت الروحي.

كل
مساعي الإنسان للرجوع إلى الله في كل الأجيال باءت بالفشل، بل أكدت عليه حكم
الموت. ولكن لما جاء ابن الله إلى مكان الخراب والموت، أرانا سبيل الحياة، وهو
الطريق الذي لم تبصره عين باشق (أيوب 28: 7) كان هو الحياة، وهو الذي رسم لنا طريق
الحياة، وعلينا أن نسلك فيه، لأنه كما قال لا يقدر أحد أن يأتي إلى الآب إلا به.
ولكن فتح الطريق استلزمه أن يجتاز الآلام، وعلينا أن نتبع خطواته.

إن
شبع السرور، يحصل في معرفة الآب وابنه يسوع المسيح. ومن امتيازات هذه المعرفة،
أنها تؤدي إلى الحياة الأبدية. بدليل قول المسيح «وَهٰذِهِ هِيَ
ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ
ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ
ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 17: 3) ولا مراء في أن كل لحظة
نصرفها في ظل هذه المعرفة، هي عربون للسعادة في كمالها، بانتظار أن ننظر فادينا
وجهاً لوجه.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد رسالة بطرس الرسول الأولى 04

إن
البركة العظمى المعدة لك على أساس الفداء، تتضمن عنصرين: أن تكون مع المسيح، وأن
تكون مثل المسيح. وهذا متاح لك، إذ قبلت المسيح مخلصاً شخصياً. هذا ما أكده
الرسولان بولس ويوحنا، فقد قال الأول «مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ
حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي
ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 3: 4) وقال الثاني «نحن أولاد الله، ولم يظهر بعد ماذا
سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو. وكل من عنده هذا
الرجاء به، يطهر نفسه كما هو طاهر» (يوحنا الأولى 3: 2 و3).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي