الْمَزْمُورُ
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ – غضب الله

1إِلٰهِي!
إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيداً عَنْ خَلاصِي عَنْ كَلامِ
زَفِيرِي؟ 2إِلٰهِي، فِي ٱلنَّهَارِ أَدْعُو فَلا تَسْتَجِيبُ. فِي
ٱللَّيْلِ أَدْعُو فَلا هُدُوءَ لِي. 3وَأَنْتَ ٱلْقُدُّوسُ
ٱلْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ. 4عَلَيْكَ اتَّكَلَ
آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ. 5إِلَيْكَ صَرَخُوا فَنَجُوا. عَلَيْكَ
اتَّكَلُوا فَلَمْ يَخْزُوا. 6أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لا إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ
ٱلْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ ٱلشَّعْبِ.

يطبق
العهد الجديد هذا المزمور بطريقة إيجابية قاطعة على يسوع، حين أخذ وظيفة حمل الله.
لأن في عباراته تفصيلات واضحة عن موته على الصليب، حتى أنك لترى في محتوياته
مجموعة من الكلمات التي فاه بها رب المجد خلال ساعات آلامه المبرحة. وهو بذلك
يرينا جوهر الكفارة والارتباط بين البر الإلهي والنعمة في عمل المسيح. هذا
الارتباط من أعظم بركات الله لنا، لأنه يهبنا قدوماً إلى الله في ثقة الإيمان،
وفرح الرجاء، وغبطة المحبة.

(1)
إلهي إلهي لماذا تركتني؟ هذه الكلمات تكشف لنا عن مدى العمق الذي نزل إليه يسوع
وهو ينفذ المشورات الإلهية بالفداء. وقيل إن الفادي كان يردد كلمات المزمور
تصويراً لحاله وإعلاناً لثقته الكاملة بالله. لأنه يعلم أن الآلام التي يجتازها
ستنتهي بالنصر.

لقد
وقف سيدنا في تلك الظلمة، حيث لم يستطع أحد أن يقف. وهناك أرسى أساس الخليقة
الجديد، التي لا تتزعزع، فأسقط سقوط الإنسان، ورد لله مجده بالإنسان الجديد
المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. وبكلمة أخرى إنه بعمله الكفاري دان الخطية
وأمكن تبرير الخاطئ بالنعمة المخلصة، فصار القول «الحق والرحمة التقيا، البر
والسلام تلاثما».

من
الواضح أن الذين سمعوا صرخة يسوع لم يفهموا ماذا كان يجري على الصليب. فقد ظن
بعضهم أنه ينادي إيليا، وهؤلاء كانوا يهوداً. ولعل الوثنيين ظنوا أنه ينادي أحد
الآلهة. وعلى أي حال لو أن المسيح مات وعلى لسانه صرخة كهذه لكان الأمر يبدو
فظيعاً. لكن الأمر لم يكن كذلك فالإنجيل يخبرنا أنه قبل أن يسلم الروح صرخ بصوت
عظيم «قد أكمل» (الإنجيل بحسب يوحنا 19: 3) وهذه الصرخة تركت آثارها في عقول
الناس. لأنها كانت صرخة المنتصر. وهي أيضاً هتاف من أتم عمله وفاز في المعركة،
وصرخة من خرج من الظلام إلى مجد الضياء، وأمسك بإكليل الظفر. فالمسيح إذن مات
وصرخة الانتصار على شفتيه.

ولنا
في فوز المسيح درس رائع، فقد هبط له المجد إلى عمق الهاوية، ليتيح لنا خلاصاً،
وهكذا نحن، إن كنا نتعلق بالله حتى عندما لا يلوح لنا رجاء بالعون، وإن كنا نتمسك
ببقايا إيماننا، فإن الفجر سيشرق علينا. وبكلمة أخرى إن المنتصر هو من لا يترك
إيمانه، حتى عندما تضيع كل وسائل الإيمان.

يخبرنا
الإنجيل أن يسوع تبارك اسمه، أمضى على الصليب ست ساعات في آلام مريرة جداً. ومع
ذلك لم يتلفظ بكلمة تنم عن حزنه، ولم يشك ولم يرث لنفسه. على العكس، فحين سمره
أعداؤه على الخشبة وراحوا يستهزئون به ويجدفون على اسمه رفع صوته نحو السماء وقال
«يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون». وحين وضع أحد اللصين المصلوبين
معه ثقته فيه قال له «الحق أقول لك، اليوم تكون معي في الفردوس».

(2
و3) إن كلمة نهار الواردة هنا تشير إلى الساعات الثلاث الأولى للصليب حيث كانت الشمس
تطل على الأرض لكي تسجل على البشر بشاعة الجريمة التي ارتكبت ضد ابن الله. أما
كلمة ليل فتشير إلى ساعات الظلمة حين حجبت الشمس نورها عن الكون لتلقي ستاراً على
ذلك المنظر الذي يحمر له الجبين خجلاً.

كانت
أوجاعه أكثر مما يحتمله الإنسان، ومع ذلك فقد دعا الله وبرره وأعلن أنه القدوس.
ولكن لم يكن منه جواب. والسبب هو أن يسوع كان يتعامل مع العدل الإلهي، الذي سر بأن
يسحقه بالحزن إذ جعل نفسه ذبيحة إثم (إشعياء 53: 10). ومعنى هذا أن كل ما استحقته
خطايانا من سخط وغضب ودينونة، وضع على القدوس، كما هو مكتوب «لأَنَّهُ جَعَلَ
ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ
بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (كورنثوس الثانية 5: 21).

(4-6)
يوجد فرق بين معاملة الله للآباء الأقدمين، ومعاملته للرب يسوع على الصليب. فأولئك
عاملهم بالرحمة، وإذا اعترفوا بخطاياهم وتركوها، غفر لهم. أما يسوع قفد عومل كحمل
ذبيح للتكفير عن خطايانا، وبذلك تم القول النبوي «وَٱلرَّبُّ وَضَعَ
عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 53: 6).

لقد
اقتضى عمل الفداء أن ينزل إلى دون ما نزل إليه إنسان من قبل. احتقر وذل من الناس،
ولم يكن له أن يدافع عن نفسه. وبتعليقه على صليب العار، صار عاراً عند الشعوب.

هل
تدرك معنى ما تحمله يسوع من أجلك؟ إنه لمن الشر، بل هو الشر عينه أن ترفض خلاصاً
هذا مقداره. تحمل المسيح كل هذا الألم والحقارة والموت لكي يعده لنا. فكر يا أخي
في اللعنة التي حملها يسوع بتعليقه على خشبة الصليب لتصير إليك البركة، لأنه مكتوب
«ملعون كل من علق على خشبة».

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر عاموس زنى زوجة عاموس النبى ى

 

7كُلُّ
ٱلَّذِينَ يَرُونَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ ٱلشِّفَاهَ
وَيُنْغِضُونَ ٱلرَّأْسَ قَائِلِينَ: 8 «ٱتَّكَلَ عَلَى
ٱلرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ. لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ». 9لأَنَّكَ
أَنْتَ جَذَبْتَنِي مِنَ ٱلْبَطْنِ. جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنّاً عَلَى
ثَدْيَيْ أُمِّي. 10عَلَيْكَ أُلْقِيتُ مِنَ ٱلرَّحِمِ. مِنْ بَطْنِ أُمِّي
أَنْتَ إِلٰهِي. 11لا تَتَبَاعَدْ عَنِّي لأَنَّ ٱلضِّيقَ قَرِيبٌ.
لأَنَّهُ لا مُعِينَ.

12أَحَاطَتْ
بِي ثِيرَانٌ كَثِيرَةٌ. أَقْوِيَاءُ بَاشَانَ ٱكْتَنَفَتْنِي. 13فَغَرُوا
عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ مُزَمْجِرٍ. 14كَٱلْمَاءِ
ٱنْسَكَبْتُ. ٱنْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي
كَٱلشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي. 15يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ
قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ ٱلْمَوْتِ
تَضَعُنِي. 16لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلابٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ
ٱلأَشْرَارِ ٱكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. 17أُحْصِي
كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. 18يَقْسِمُونَ
ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.

19أَمَّا
أَنْتَ يَا رَبُّ فَلا تَبْعُدْ. يَا قُوَّتِي أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي.
20أَنْقِذْ مِنَ ٱلسَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ ٱلْكَلْبِ وَحِيدَتِي.
21خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ ٱلأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ ٱلْوَحْشِ
ٱسْتَجِبْ لِي.

(7
و8) في هذه الفقرة، تصف كلمة الوحي الحال التي صار إليها المخلص. فقد لاحقته
تعييرات الأردياء من البشر. فالشيوخ كانوا يهزأون به، قائلين: آه يا ناقض الهيكل
وبانيه في ثلاثة أيام! خلص نفسك وانزل عن الصليب (الإنجيل بحسب مرقس 15: 29 و30).
وحذا آخرون من أبناء الشعب حذو الشيوخ، ففغروا أفواههم وأطلقوا ألسنتهم بكلام
التعيير والتحقير. وفيما هم يظنون أن الله قد تخلى عنه، راحوا يجدفون على اسمه.
ويخبرنا متى الإنجيلي أن المجتازين، كانوا يهزّون رؤوسهم استهزاء وسخرية. وكذلك
سجل البشير على رؤساء الكهنة والكتبة، أنهم في سخريتهم استخدموا نفس كلمات المزمور
إذ قالوا «ٱتَّكَلَ عَلَى ٱللّٰهِ، فَلْيُنْقِذْهُ» (الإنجيل
بحسب متى 27: 43).

كانوا
أغبياء ومظلمي الفكر إلى حد أنه طمس على عيون ذهنهم، وغلظت قلوبهم، فاستهانوا
بقداسة الله ورحمته. ولم يدركوا معنى النبوة التي كانت تتم فيهم. فقد كانت عبارات
هذا المزمور بين أيديهم، ولعل بعضهم كانوا يحفظونها. ولكنهم في جهالتهم كانوا هم
المتممين لها.

ويخبرنا
لوقا في روايته عن صلب رب المجد «وَكَانَ ٱلشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ،
وَٱلرُّؤَسَاءُ أَيْضاً مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ قَائِلِينَ: خَلَّصَ
آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ ٱلْمَسِيحَ مُخْتَارَ
ٱللّٰهِ» (الإنجيل بحسب لوقا 23: 35) والواقع أن الرؤساء وقد تمموا كل
مشورتهم، تبعوا يسوع إلى مكان الصلب، لكي يتلذذوا بنتائج ظفرهم. ومن فضلة قلوبهم
العامرة بالشر، تكلمت ألسنتهم بالسخرية والهزء. وكانوا يظنون أنهم يتكلمون بالمنطق
«خلص آخرين فليخلص نفسه» وهنا تغافلوا عن أهم الحقائق فلو خلص نفسه لما كان هو
المسيا المخلص.

وهناك
حقيقة أخرى جديرة بالملاحظة، وهي قصر نظرهم في الأمور الروحية، فإذا لم يقدروا أن
يعيروه بخطية، عيروه بما كان يميز مجده الأدبي وهو اتكاله على أبيه وسرور الآب به.
السرور الذي سمع الآب يعبر عنه، حين اعتمد يسوع في نهر الأردن. ولعلهم بسبب
تجاهلهم هذا الأمر، نسوا أيضاً النبوة القائلة: «أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ
بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ
يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ»
(إشعياء 53: 10).

(9-11)
ما أعمق كلمات هذه الفقرة العجيبة! فإن المسيا الذي حبل به من الروح القدس، جاء
إلى العالم في ملء الإحساس بعلاقته بالآب السماوي. واليوم في ساعات آلامه، يخاطبه
بما معناه أنت أخرجتني من البطن، وكنت أساس طمأنينتي وموضوع ثقتي، منذ جئت إلى
الدنيا ونشأت قريباً منك. والآن قد أصبح ضيق الموت قريباً، فلا تتباعد عني.

هنا
حقيقة جديرة باهتمامنا، وهي أن الاعتماد الكلي على الله هو الضمان الوحيد للحياة
النقية الطاهرة أمام الرب. أما الخطية التي تباعد بين الإنسان وخالقه فليست سوى
تنفيذ مشيئتنا نحن. فليت كل واحد منا يخضع مشيئته لله، ناظرين إلى رئيس الإيمان
ومكمله الذي كان الله بالنسبة له كل شيء. ولما رفع على الصليب وبدت الأمور وكأن
السماء تخلت عنه، لم يتلاش سروره في أن يفعل مشيئة الآب الذي أرسله. ويتعبير آخر
أنه ارتضى أن يأخذ مكان الإنسان البعيد عن الله، لكي يقربه بدمه (أفسس 2: 13).

(12
و13) في الفقرة السابقة، رأينا وصفاً لآلام السيد، التي تقبلها من يد الآب، والتي
هي آلام دينونة الله للخطية. وقد تطوع ابن الله ليرفعها بذبيحة نفسه. أما في هذه
الفقرة فنقرأ عن آلامه من يد البشر. هذه الآلام التي تفوق الوصف، لا دخل لها في
نطاق الكفارة، وإنما هي تكشف عن شر الإنسان وعداوته للرب الذي جاء لكي يحسن إليه.

لقد
صورهم المزمور بالثيران التي هي رمز القوة الجامحة والكبرياء المتمردة. وهي تمثل
شعب إسرائيل المرتد عن الله، بصورة عامة وزعماءه بصورة خاصة. هذا ما أوضحه عاموس
النبي حين قال: اسمعي هذا القول يا بقرات باشان (عاموس 4: 1). ووصفهم أيضاً
بالسباع المفترسة المزمجرة. أما الله نفسه فقد وصفهم بالشعب الصلب الرقبة (خروج
32: 9) ومعنى هذا أن أعداء يسوع كانوا قساة، لا مكان للرأفة في قلوبهم، لأن الحقد
احتلها. وبدافع هذا الحقد تعقبوه منذ البداية، في غضب ووحشية لإهلاكه. وقد أشار
يسوع إلى ذلك بقوله «رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي» (الإنجيل بحسب يوحنا
15: 24).

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة الأقباط الأرثوذكس تاريخ الكنيسة الأم 33

(14
و15) أمام حقد اليهود الذي لا يعرف هوادة اكتأب السيد رب المجد وتألم وتضايق. حتى
أنه قال في جثسيماني «نفسي حزينة حتى الموت. ويخبرنا لوقا الإنجيلي أن عرقه صار
كقطرات دم نازلة على الأرض».

ويصور
لنا المزمور تعبه وأوجاعه بعبارات مؤثرة تهتز لها أقسى العواطف. وهل من مشهد كهذا
يذيب القلوب؟ يسوع الحبيب بدا معلقاً على الصليب، وكأن كل عضو في جسده قد انفصل عن
الآخر. وكأن قلبه يذوب كالشمع في نار غضب عدل الله على الخطية. أما قوته فتحطمت
مثل إناء خزف ضرب به الصخر. وقد أحس سيد الوجود بالجفاف والتصق لسانه بشفتيه
الداميتين، وتمنى جرعة ماء يبرد بها غليله.

(16-18)
لقد كشف الصليب الأشرار في وحشيتهم. أنهم كلاب مسعورة نجسة، تفترس غيلة، مجردة من
كل عاطفة شريفة. جماعة من الأشرار التفوا حول ابن الله، ولم تأخذهم عليه شفقة، بل
إن منظره الأليم أثار ضحكهم واستخفافهم. فعلقوه على صليب بمسامير ثقبوا بها يديه
ورجليه. وفي عدم استحياء جردوه من ثيابه، واقتسموها بينهم بالقرعة، التي هي سلطان
الله، وإنما حقروا بها القدوس الحق.

قال
الدكتور زويمر: إن لهول الصلب الذي اختبره يسوع مظهرين: الألم الجسداني والألم
النفسي. فألم الجسد من جراء الجلد الفظيع وتسمير اليدين والقدمين وعطش الحمى
واختلاج الأعصاب يعذبها حمل الجسد المكسور الراغب في الانطلاق. وألم الروح لكونه
رفض من خاصته، وعري من ثيابه وأحصي مع أثمة، وعلق على صليب اللعنة.

تلك
كانت نهاية الجانب البشري من قصة الصليب، حيث كشفت خسة الإنسان. ويا له من وصف
كامل لما حدث على تلة الجلجثة! وقد كتبت القصة بلغة الأنبياء. كتبها داود قبل وقوع
الحادث بما يزيد على ألف سنة.

(19-21)
يتحول الفادي عن أشرار البشر قاتليه إلى أبيه القدوس، ومرة أخرى يسأله أن لا تنقطع
الشركة بينهما. فإنه مهما بالغ الناس في سوء معاملته لا يؤثر. فالمهم في نظره هو
موقف الآب، فما دام قريباً منه فلا عبرة بما يلاقيه من الناس.

أما
سؤاله أن يُنْقَذ من سيف الموت، فهو القيامة من الأموات هذا ما تؤكده الكلمة
الرسولية القائلة «ٱلَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ
شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ
ٱلْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ» (عبرانيين 5: 7) والكلب
والأسد في هذه الآية يمثلان الشيطان.

بقي
أن أسألك هل أدركت مدى فظاعة ما عاناه المسيح على الصليب لأجلك، لكي يفتديك،
ويشتري لك الحياة الأبدية؟ إن الثمن باهظ كما ترى، وله من الاعتبار ما يحرك ضميرك
المثقل. فتتجاوب مع المحبة الفدائية العجيبة التي احبك بها. فتعرف الفادي في شركة
آلامه، وبالتالي تصير بقيامته.

 

22أُخْبِرْ
بِٱسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ ٱلْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ. 23يَا
خَائِفِي ٱلرَّبِّ سَبِّحُوهُ. مَجِّدُوهُ يَا مَعْشَرَ ذُرِّيَّةِ
يَعْقُوبَ. وَٱخْشُوهُ يَا زَرْعَ إِسْرَائِيلَ جَمِيعاً. 24لأَنَّهُ لَمْ
يَحْتَقِرْ وَلَمْ يَرْذُلْ مَسْكَنَةَ ٱلْمَسْكِينِ، وَلَمْ يَحْجِبْ
وَجْهَهُ عَنْهُ، بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ ٱسْتَمَعَ. 25مِنْ قِبَلِكَ
تَسْبِيحِي فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْعَظِيمَةِ. أُوفِي بِنُذُورِي
قُدَّامَ خَائِفِيهِ. 26يَأْكُلُ ٱلْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ. يُسَبِّحُ
ٱلرَّبَّ طَالِبُوهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ. 27تَذْكُرُ
وَتَرْجِعُ إِلَى ٱلرَّبِّ كُلُّ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. وَتَسْجُدُ
قُدَّامَكَ كُلُّ قَبَائِلِ ٱلأُمَمِ. 28لأَنَّ لِلرَّبِّ ٱلْمُلْكَ
وَهُوَ ٱلْمُتَسَلِّطُ عَلَى ٱلأُمَمِ. 29أَكَلَ وَسَجَدَ كُلُّ
سَمِينِي ٱلأَرْضِ. قُدَّامَهُ يَجْثُو كُلُّ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى
ٱلتُّرَابِ وَمَنْ لَمْ يُحْيِ نَفْسَهُ. 30ٱلذُّرِّيَّةُ تَتَعَبَّدُ
لَهُ. يُخَبَّرُ عَنِ ٱلرَّبِّ ٱلْجِيلُ ٱلآتِي. 31يَأْتُونَ
وَيُخْبِرُونَ بِبِرِّهِ شَعْباً سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ.

في ما
تقدم رأينا عمل الفداء يتم، وقد قبله الآب وشبعت نفسه به. ورأينا المخلص يتجرع
آلامه الفدائية وحيداً، إلا أنه لا يُرى هكذا في الآيات التالية. إننا نراه في
غمرة الفرح، وليس وحيداً بل محاطاً بربوات القديسين، الذين فداهم بدمه، وكمل فرحه
فيهم. فحبة الحنطة كما قال، «وقعت في الأرض وماتت، فأتت بثمر كثير».

(22)
الآن وقد أكمل يسوع العمل الكفاري بذبيحة نفسه، نجد تبايناً مباركاً. فليس هو
بالمتروك فيما بعد ولا الصارخ إلى الله. ولكننا نسمع صوتاً قوياً حلواً قديراً،
متحدثاً بتسبيح الله وسط أولئك الذين يسميهم إخوته، قائلاً «أُخَبِّرُ
بِٱسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ ٱلْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ»
(عبرانيين 2: 12).

إنه
لامتياز لنا سعيد، أننا كمفديين نشترك مع القديسين بتسابيح الحمد، ونرفع عبادتنا
وشكرنا للرب الذي فدانا. ولكن أليس أعجب من هذا أننا نصغي أولاً إلى رب المجد الذي
كان طول أيام جسده يعلن اسم الآب ومجد الآب، إلا أنه في هذه المرة يخبر المؤمنين
باسم الآب في وسط الكنيسة؟! هؤلاء صيرهم بالنعمة أولاد الله وبالتالي إخوته، وفقاً
لقوله في صلاته الشفاعية: وعرفتهم اسمك، وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني
وأكون أنا فيهم (الإنجيل بحسب يوحنا 17: 26) فيا لها من رابطة عجيبة! ويا له من
قول مجيد… يرينا ارتباطنا المبارك مع رب المجد! ويا لها من نعمة فائقة، إننا نقترن
به كالمسيح وكالقائد لتسبيحاتنا!

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس د دوًّارة ة

ويخبرنا
يوحنا الإنجيلي أن إعلان تلك الإخوة المباركة، كانت الرسالة، التي حملها للمجدلية
بعد قيامته مباشرة، إذ قال لها «ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:
إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ» (الإنجيل بحسب يوحنا 20: 17) هنا تأسست
الصلة العجيبة، وأعلن الاسم الإلهي المجيد، اسم آب الكل، مع التمييز الضروري بين
الرب وشعبه، حيث قال له المجد «أبي وأبيكم» ولم يقل أبونا. وهو تمييز يذكرنا بمطلق
مجده. فلنسبح ذلك الذي سر بأن يدخلنا في هذه القرابة معه، والتي تضم كل شعب الله. وعلى
هذا نرى الرسول يقول «أَنَّ ٱلْمُقَدِّسَ وَٱلْمُقَدَّسِينَ
جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ لا يَسْتَحِي أَنْ
يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً» (عبرانيين 2: 11) فكم هو جميل ومبارك، أن تكون أنت نفسك من
عداد أولئك المقدسين الذين لا يستحي المسيح أن يدعوهم إخوة!!!

(23)
في هذه الآية دعوة موجهة إلى جميع خائفي الرب، لكي يسبحوا الرب. وهنا نجد لمسة من
العهد الجديد، الذي يمتد إلى جميع خائفي الرب من كل قبيلة وشعب ولسان وأمة. هذه
الدعوة لم تكن متفقة مع سنن الأمة اليهودية، التي كانت متقوقعة وراء تقاليد
الآباء، ضاربة بشريعة الله عرض الحائط. ولهذا كان قادة اليهود موضوعاً لتوبيخ الرب
يسوع إذ قال «فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ
تَقْلِيدِكُمْ! يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً:
يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هٰذَا ٱلشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي
بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. وَبَاطِلاً
يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا ٱلنَّاسِ»
(الإنجيل بحسب متى 15: 6-9).

(24)
قد يبدو للمتأمل وهو يقرأ الآيات السابقة كأن الآب وهو متخذ صفة الديان، قد حول
وجهه عن ابنه باعتبار كونه حامل خطايا البشر في جسده على الخشبة. ولكن في الحقيقة
أنه لم يتركه، إلا أن مستلزمات الفداء الذي أخذه الابن على عاتقه قضت أن يتعامل
الآب معه كديان، في نفس الوقت الذي كانت أحشاؤه تحن إلى ابنه الحبيب. ولا بد أن
بهجته كانت عظيمة في اللحظة التي قام فيها الابن من بين الأموات، منتصراً على
الموت والهاوية.

لقد
بدا السيد المصلوب لأعدائه وكأنه مصاباً، مضروباً من الله ومذلولاً، أو كما وصف
بأنه دودة لا إنسان رجل أوجاع ومختبر الحزن. وحين صرخ، إلهي إلهي لماذا تركتني، ظن
الأعداء أن الآب قطع علاقته به، فقالوا ليس له خلاص بإلهه. وأخيراً نزل إلى القبر،
ففرح الأعداء المغتاظون. ولكن الآب أقامه، ناقضاً أوجاع الموت.

(25)
إن الذين قبلوا رسالة الجلجثة، تمتعوا بفوائد الفداء وصاروا بركة لجميع الأمم.
وصار اقتبالهم حياة من الأموات (رومية 11: 15) وبهذا اتسعت دائرة التسبيح، التي
فيها أعلنت محبة الله ولطفه وطول أناته. وهنا يجب التمييز بين الجماعة التي ذكرت
في الآية 22 والجماعة التي ذكرت هنا فالأولى كنيسة الوقت الحاضر، والبقية الأمينة
في المستقبل. أما الثانية التي أطلق عليها اسم الجماعة العظيمة، فهي جماعة الشعوب
الألفية، من كل القبائل والشعوب. والأمم والألسنة (رؤيا 7: 9).

(26)
إن الودعاء هم الذين قادهم الاتضاع ونكران الذات، إلى الإقرار بأنهم خطاة. ثم
لجأوا إلى الرب المخلص، واحتموا في قمة موته الكفاري على الصليب. هؤلاء يعيشون،
وكأن حياتهم تتكلم بمحبة الرب الذي فداهم. فهم بركة عظيمة بين شعوب الأرض «لأنهم
يضيئون بينهم كأنوار متمسكين بكلمة الحياة».

(27
و28) في هذه العبارات وصف لملكوت الله، حين تدخل الخلائق في بركة ملك المسيح
الألفي. صحيح أن هذا لم يتم بعد، ولكنه سيتم حين يأتي الرب ثانية في قوة ومجد
كثير. وحينئذ يعترف كل لسان، أن يسوع رب لمجد الله الآب.

(29-31)
في نموذج الصلاة الذي علمه المسيح ودعي بالصلاة الربانية، نقرأ هذه الطلبة «ليأت
ملكوتك» ومعنى أننا نتوقع أن يأتي ملكوت الله بكل بركاته. وعندئذ تأخذ الخليقة
موقفها الصحيح قدام الله، فتنال البركة التامة، التي هي وليمة الشكر على خلاص الله
للذين لهم وعد المسيح بالجلوس على مائدته. يقابل ذلك وبصورة عكسية، أن الذين
يزدرون بما فعل الله لأجل خلاص العالم، ويسخرون من صليب الفداء، ينحدرون إلى
التراب ومصيرهم إلى الهلاك، لأنهم لم يحيوا أنفسهم.

يختم
هذا المزمور بلمسة من العهد الجديد، فإن الحق الرئيسي للإنجيل هو بر الله. البر
الذي يناله الخاطئ الأثيم، بواسطة عمل الرب على الصليب. هذا العمل يعطي كل مؤمن،
ليس البر وحسب، بل أيضاً القوة لكي يغلب. ومن يغلب له وعد المسيح بأن يعطيه إكليل
الحياة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي