الْمَزْمُورُ
الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلثَّالِثُ وَٱلسِّتُّونَ – داود في برية يهوذا

1يَا
اَللّٰهُ إِلٰهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ
نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلا
مَاءٍ، 2لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي
قُدْسِكَ. 3لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْحَيَاةِ. شَفَتَايَ
تُسَبِّحَانِكَ. 4هٰكَذَا أُبَارِكُكَ فِي حَيَاتِي. بِٱسْمِكَ
أَرْفَعُ يَدَيَّ. 5كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وَبِشَفَتَيْ
ٱلٱبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي. 6إِذَا ذَكَرْتُكَ عَلَى فِرَاشِي،
فِي ٱلسُّهْدِ أَلْهَجُ بِكَ، 7لأَنَّكَ كُنْتَ عَوْناً لِي، وَبِظِلِّ
جَنَاحَيْكَ أَبْتَهِجُ.

8اِلْتَصَقَتْ
نَفْسِي بِكَ. يَمِينُكَ تَعْضُدُنِي.

ليس
هناك موضع للتساؤل عمن كتب هذا المزمور، فإن كل آية فيه تحمل توقيع داود. ولكن
السؤال الذي يصح أن يطرح، هو: متى وأين كتبه إمام المرنمين؟ لم يتفق المفسرون على
زمان كتابة المزمور. ولا على كلمة برية يهوذا، التي وردت في العنوان، ولكن ذهب
بعضهم إلى القول أن المرنم كتب هذا المزمور حين كان مبعداً عن وطنه، مصوراً حنينه
إلى مقدس الله.

(1)
كان اليهود يفزعون من كلمة «يهوه» التي استهل داود بها هذا المزمور. ولا ينطقون
به، إلا مرة واحدة في السنة. وذلك في يوم الكفارة العظيم. على أن لا ينطق به، إلا
رئيس الكهنة في قدس الأقداس. ولكن داود كان قد اختبر خلاص الله، وأعطى رؤى بعيدة
المدى، فعرف أن الله لن يبقى ذلك الإله المحتجب، بل سيتجلى لشعبه عند ملء الزمان،
ويصير لهم راعياً. وقد رأينا في المزمور الثالث والعشرين، أن المرنم الحلو قال
«الرب راعي» وهنا يقول: يا رب أنت إلهي.

إنه
ليس مجرد إله، بل هو إلهي أنا. ويا للتغيير الذي تحدثه ياء المتكلم هنا! إن الفرق
بين المعرفة وبين التطبيق، لشاسع جداً. إن قلت الرب «إله» فهذا يختلف كل الاختلاف
عما إذا قلت: يسوع مخلصي. وحتى لو استطعت أن ترى المخلص في ضوء الحقيقة، مثل توما،
وزالت عنك كل الشكوك، ولمست يديه، فإن هذا لن يفيدك كثيراً، إلا إذا استطعت أن
تقول: ربي وإلهي، الله ينتظر أن يكون لك. إنه لا يكتفي بأن يكون إلهاً، إلهاً
صالحاً، إله الملائكة والقديسين، بل يريد أن يكون إلهك أيضاً.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى 16

ولا
مراء في أن داود كان يعرف أشواق الله إلى أن يتخذه الناس ولياً لهم. لأن هذا معلن
في كتابه العزيز. وأكون لكم إلهاً، وأنتم تكونون لي شعباً (لاويين 26: 12). وتجدد
هذا الإعلان في إرميا 31: 33 وحزقيال 37: 28 ورؤيا 21: 3).

ومن
ميزات داود أنه كان يحب الله حباً شديداً، وكان قلبه مفعماً دائماً بالشوق للمثول
في حضرته. ولهذا كان يستيقظ باكراً جداً ويتقدم إليه بتسابيح الحمد. وفي أحيان
كثيرة، كان يقيم الشركة معه سبع مرات في النهار (مزمور 119: 164). هل تقيم مع الله
علاقة، من هذا النوع؟ ليس المطلوب منك أن تصرف الوقت كله جاثياً على ركبتيك
ومصلياً. ولكن على الأقل تعلم أن تسكب قلبك قدام الله في الصباح الباكر، قبل أن
تواجه يومك بأحداثه، التي لا تعلم عنها شيئاً. وما أحلى أن تواجهها بقوة الصلاة
التي رفعتها إلى عرش النعمة. لكي لا تتعثر في يومك، وتكون أفكار قلبك وأقوال فمك
وأعمال يديك مقدسة، خالية من الظلم.

(3)
يعود داود بالذاكرة إلى وطنه، فيزداد حنينه إلى خيمة الاجتماع، حيث كانت تقام
العبادة لله، وقد أطلق على الخيمة مجازاً اسم مسكن الله بين شعبه. وكان هناك وراء
الحجاب المسكن، الذي يُقال له قدس الأقداس، حيث كان تابوت العهد، المغطى بكروبيم،
وما بينهما كانت سحابة نورانية، تظهر دلالة على الحضور الإلهي بين العابدين. هذا
ما أشار إليه داود بقوله: كي أبصر قوتك ومجدك، كما رأيتك في قدسك.

(3
و4) انطلاقاً من شعوره بنعمة الله العاملة فيه، يوصي المرنم كل إنسان بطرق باب
رحمة الله، التي بدونها لا حياة. ولأن الله غني في الرحمة، فهو يستحق التسبيح من
كل شفة. ولا شيء يوازي مراحمه، إلا قدرته ومجده. ومع أن داود كان يعاني من ظروف
صعبة، إلا أنه أحنى الركبتين أمام الله. وطفق يرفع آيات الشكر للمنعم الجواد،
قائلاً «هكذا أباركك». هذا هو موقف المؤمن إنه يعترف بفضل الله عليه ويعظمه كل حين.
لأنه نقله من الحال، التي كان فيها بالطبيعة. وهي حال الخطية والشقاء، إلى حال
النعمة والقداسة والسعادة. كان في حال الطبيعة بلا رجاء، ولكن رحمة الله في المسيح
أدخلته في حياة جوهرها الرجاء، الذي يبقى معنا إلى نهاية الحياة الأرضية، يشدد
عزائمنا على احتمال أوصابها.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الخروج ترجوم نيوفيتى لسفر الخروج 05

(5)
إلهنا أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلى الأبد. وهو يدعو الكل إلى وليمة الخلاص
قائلاً «لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ
شَبَعٍ؟ ٱسْتَمِعُوا لِي ٱسْتِمَاعاً وَكُلُوا ٱلطَّيِّبَ،
وَلْتَتَلَذَّذْ بِٱلدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ
وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ
عَهْداً أَبَدِيّاً، مَرَاحِمَ دَاوُدَ ٱلصَّادِقَةَ» (إشعياء 55: 2 و3).

إن
أهل العالم يكثرون من الأفراح الجسدية، وينفقون في سبيلها أموالاً طائلة ولكنهم لا
ينالون شيئاً يشبع النفس. أما المؤمنون ففرحهم في الرب الذي يشبعهم كل يوم من خبز
الله النازل من السماء، الواهب حياة للعالم، وهذا الخبز، هو يسوع الذي قال: «أَنَا
هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلا يَجُوعُ، وَمَنْ
يُؤْمِنْ بِي فَلا يَعْطَشُ أَبَداً» (الإنجيل بحسب يوحنا 6: 35). وبديهي أن الذي
يتغذى روحياً بالمسيح، لا بد أن تشبع نفسه كما شبعت نفس داود، ويذيع حمد الله
وتسبيحه كما فعل داود.

(6-8)
تعود داود أن يستيقظ إذ الليل بعد ليصرف وقتاً طويلاً في التأمل. وقبل أن ينهض من
فراشه كان يلهج بذكر الله. ويحمده على مراحمه، لأنه كان عونه وسنده في الضيقات.
وحينما تحيق به الأخطار، كان يبسط حمايته عليه. فازدادت محبته لله وصار الله له كل
شيء. وأنه لأمر عظيم أن تلهج النفس بذكر الله. بل أن تمتلئ بشعور يملك عليها كل
كيانها وتفكيرها في ساعة التأمل. انتظر الله بقلبك، وسلمه كيانك كاملاً. إنه يريد
القلب، ليحل فيه روحه القدوس. وعندئذ تمتلئ نفسك بفرح سماوي مجيد، ولك من الله هذه
الوصية: يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي