الْمَزْمُورُ
الْمِئَةُ وَالْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْمِئَةُ وَٱلْحَادِي وَٱلثَّلاثُونَ – التدرب على التواضع

1يَا
رَبُّ، لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي، وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَسْلُكْ
فِي ٱلْعَظَائِمِ وَلا فِي عَجَائِبَ فَوْقِي. 2بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ
نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ.

في
هذا المزمور، يتغنى داود بتواضعه. والواقع أن في حياة داود أموراً كثيرة، تدل على
امتلاكه هذه النعمة. فهو لم يطلب الملك، حتى دعاه الله إليه. واحتمل اضطهاد شاول
بالصبر وطول الأناة، مع أنه كان يطلب نفسه. ويقول معظم المفسرين أن داود كتب هذا
المزمور، رداً على افتراءات شاول وحاشيته، الذين صوروا داود كإنسان فاسد واقع تحت
تأثير إلهامات شريرة، يتظاهر بأنها قوة إلهية. ففي المزمور، يشكو حاله أمام الله
في تذلل.

(1)
يعترض البعض على الصلاة بروح هذا المزمور، لأن كثيرين لا يجرأون على القول «يا رب
لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي، ولم أسلك في العظائم». لأن المبدأ الروحي يقول:
إذا فكرت في نفسك أنك حسناً قلت، وحسناً فعلت، فلا حسناً قلت ولا حسناً فعلت. هذا
كلام فصل، فيجب أن لا نتفاخر بفضائلنا، ولا نتغنى بمواهبنا الروحية، لكيلا نخرج
على مبدأ السلوك بتواضع، تمشياً مع دعوة المسيح حين قال «اِحْمِلُوا نِيرِي
عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ،
فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ». (الإنجيل بحسب متى 11: 28).

ولكن
حين نتأمل هذا المزمور المجيد بعمق، نجد في عباراته الموجزة عنصراً تعليمياً
وعظيماً، ففيه إرشاد روحي للسلوك في الحياة. فمثلاً يحرضنا على التحلي بفضيلة
التواضع، فلا نجادل الأمور. بل نكون بلا لوم وبسطاء أولاداً لله بلا عيب، في وسط
جيل معوج وملتو (فيلبي 2: 14 و15) ويهيب بنا أن لا نستعلي ولا نسلك في العظائم.
هكذا ناشدنا الرسول بولس حين قال «فَإِنِّي أَقُولُ بِٱلنِّعْمَةِ
ٱلْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لا يَرْتَئِيَ فَوْقَ
مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى ٱلتَّعَقُّلِ، كَمَا
قَسَمَ ٱللّٰهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ ٱلإِيمَانِ»
(رومية 12: 3). يجب أن نحذر من المبالغة في تقدير فضائلنا، لئلا نقع في خطية
الانتفاخ والكبرياء. الكبرياء هي أم العيوب ورأس كل الخطايا، لأنها هي التي أسقطت
رئيس ملائكة وصيرته شيطاناً. وهي التي أسقطت آدم وحواء، وتسببت بطردهما من فردوس
عدن إلى أرض الشقاء والتعب. وهي التي جلبت عليهما وعلى نسلهما الحكم بالموت.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أدب مؤدب ب

«يا
رب لم يرتفع قلبي»، قال داود. وبالحق كان إنساناً متواضعاً وديعاً. ولم يحاول قط
أن يرفع قلبه مستكبراً، عالماً أنه «قَبْلَ ٱلْكَسْرِ ٱلْكِبْرِيَاءُ،
وَقَبْلَ ٱلسُّقُوطِ تَشَامُخُ ٱلرُّوحِ» (أمثال 16: 18) ولم تستعل
عيناه أي لم يكن طموحاً إلى حالة أعلى. ولم يفكر في استغلال حب الشعب له لانتزاع
الملك من شاول. ويخبرنا الكتاب أنه حين أنعم عليه شاول بأن يزوجه ابنته، تعجب
وقال: «مَنْ أَنَا وَمَا هِيَ حَيَاتِي وَعَشِيرَةُ أَبِي فِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى
أَكُونَ صِهْرَ ٱلْمَلِكِ» (صموئيل الأول 18: 18).

تواضع
يا أخي، لأن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعون فيعطيهم نعمة. وحين تنال مركزاً
مرموقاً ليكن شعارك قول بولس «ولكن بنعمة الله أنا ما أنا» ولتكن عيناك متضعتين،
ليس لديك نظرات متعالية. لا تنظر بحقد وحسد إلى من هم أعلى منك. ولا تنظر بنظرة
تحقير إلى من هم دونك مركزاً أو علماً أو فضلاً.

عندما
يكون القلب متكبراً، تكون النظرات متكبرة والكلمات جافة، كما حصل مع الفريسي. الذي
وقف في الهيكل يصلي بتفاخر. ونظر إلى عشار مسكين واقف إلى جواره نظرة احتقار.
وقال: «اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي
ٱلنَّاسِ ٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلّزُنَاةِ، وَلا
مِثْلَ هٰذَا ٱلْعَشَّارِ» (الإنجيل بحسب لوقا 18: 11).

إن
حكمتنا ومصدر مديحناً الحقيقي هو أن نبقى داخل مجالنا، ولا نقحم أنفسنا في أمور
فوق مستوانا العلمي والاجتماعي. «غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِٱلأُمُورِ
ٱلْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ» (رومية 12:
6). وما أحلى أن نحمل الشعار الذي أطلقه رسول الجهاد العظيم بولس، حين قال «مَنِ
ٱفْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِٱلرَّبِّ» (كورنثوس الأولى 1: 31).

إن
قلوبنا بالطبيعة نزاعة إلى الأمور الدنيوية، لذلك جاءت كلمة الله تطلب إلينا أن
ندع الطموح جانباً، وأن نعتصم بالصبر، في انتظار إنجاز مواعيد الله لنا، وإكمال
مقاصده فينا.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الأول 74

في
اعتقادي أن نظرة التشامخ، تدل على كبرياء القلب والنفس، وضعف المحبة، لأن المحبة
لا تنتفخ. لذلك يجب أن نقمع كل فكر متكبر بقوة الروح القدس الذي يسكب محبة الله في
قلوبنا.

(2)
وهكذا تستريح أفكار المرنم، بكبح جماح النفس الأمارة بالسوء، فيتغلب على النزوات
الجسدية التي تشتهي ضد الروح. لقد بذل المرنم جهوداً لاجتياز المشقات والوصول إلى
هذا الهدف الجليل. وقد شبه المشقات التي عاناها بما يعانيه الولد الرضيع عند
الفطام. فإنه إذ يقاسي الأمرين. ولكن العناء الشديد يخف شيئاً فشيئاً، إلى أن
يزول. فيضطجع الطفل في حضن أمه راضياً. لأن بغيته الوحيدة أن يستريح بين ذراعيها.
هكذا المرنم وكل مؤمن، يستريح آمناً مطمئناً في حضن رعاية الله، مفطوماً عن مطامع
نفسه وشهوات جسده.

لقد
خسر الطفل ما كان يحسبه ضرورياً جداً له، ولكنه الآن عاد إلى الرضى والاكتفاء.
هكذا المتقي الرب والمتعبد له، يواصل مسيرته بلا أقل تذمر. فالصراع لمشيئة الله قد
حصل، والأغراض الشخصية وضعت جانباً.

فليت
كل إنسان يلجأ إلى الله، ويسأله أن يقوي فيه نعمة التواضع والتسليم لمشيئته
الصالحة المرضية الكاملة! وليت كل مؤمن يتمسك بالحق الروحي الذي حصل عليه، ويتكل
من كل قلبه على الرب.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي