الْمَزْمُورُ
الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ

 

مقدمة
:
الكنيسة والخلاص

القسم
الأول (مز 1 – مز 41) هو تجميع لمزامير تتحدث عن حالة الإنسان : حياته المطوبة
وسقوطه ثم تجديده بعمل الله مخلصه الذى يرد إليه الحياة الفردوسية المتهللة
المفقودة.

أما
القسم الثانى (مز 42 – مز 50) فيماثل سفر الخروج حيث ظهر شعب الله الذى يدخل فى
ميثاق معه خلال دم الحمل (خر 12)، لهذا جاءت مزامير هذا القسم تتحدث عن "
الكنيسة والخلاص ".

يبدأ
هذا القسم بصرخة مرة تصدر عن أعماق الضغطة (مز 42 – 49)، لينتهى بإعلان ملك الله
على شعبه المتعبد له حيث يقال : " ويسود من
البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصى المسكونة…. ويسجد له جميع ملوك الأرض، وكل
الأمم تتعبد له "
مز 72. يملك ملك الملوك على شعبه الذين صاروا
ملوك الأرض، أى أصحاب سلطان على أجسادهم التى تتقدس فتحسب أرض الرب. أما طريق
المجد الملوكى فهو التوبة، لهذا يقدم لنا هذا القسم الكثير من المزامير التى تتحدث
عن التوبة والأعتراف، أبرزها مزمور التوبة الأمثل 51 الذى نترنم به فى مقدمة كل
صلاة أو تسبحة من صلوات السواعى (الأجبية)، كما يصلى به الكاهن مع الشعب فى أغلب
الصلوات الليتورجية (الجماعية).

 

مزمور 42

عطشى إلى المسيح

1 –
صرخة واشتياق إلى الله

[1 – 5]

تصدر
عن المرتل صرخة صادقة وعميقة خلال شعوره بالحرمان من أورشليم العليا وهيكل قدسه
السماوى، حاسبا نفسه محروما من الله القادر وحده أن يروى نفسه، إذ يقول :

" كما تشتاق الإيل إلى ينابيع المياة،

كذلك تاقت نفسى أن تأتى إليك يا الله.

عطشت نفسى إلى الله الحى،

متى أجىء وأظهر أمام وجه الله ؟! " [1، 2].

هل تبحث عن  م الأباء أمبروسيوس شرح الإيمان المسيحى الكتاب الأول 11

المؤمن
كالأيل التى لا تتوقف عن الجرى السريع لعلها تجد ينبوع المياة، وليست كالجمل الذى
يحمل اكتفاء ذاتيا فيه أثناء سيره البطىء فى الصحراء.

يعبر
المرتل عن شوقه نحو الله بالعطش، لأن آلامه أكثر مرارة من آلام الجوع.

قال
السيد المسيح كممثل لنا " أنا عطشان "
يو 19 : 28 ليعبر عن عطش المؤمنين إلى الله !.

جاء
فى سفر إرميا شهادة للآب كينبوع : " تركونى
أنا ينبوع المياة الحية لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء "

إر 2 : 13.

وفى موضع
آخر نقرأ عن الإبن أنهم قد تركوا ينبوع الحكمة، وأيضا عن الروح القدس :

" من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا…. يصير فيه ينبوع ماء
ينبع إلى حياة أبدية "

يو 4 : 14.

 

" عطشت نفسى إلى الله الحى،

متى أجىء وأظهر أمام وجه الله ؟!

لأن دموعى صارت لى خبزا النهار والليل،

إذ قيل لى كل يوم :

أين هو إلهك ؟ " [2، 3].

المرتل
لم يقل : " لأن دموعى صارت لى شرابا " بل " خبزا "، لأن الظمآن إن أكل خبزا
يزداد ظمأ… فدموع الإشتياق نحو اللقاء مع الله لا تروينا بل تلهب بالأكثر عطشنا
إليه.

يشير النهار
لحالة الفرج أو الفرح، والليل إلى حالة الضيق والألم، وكأن المرتل يعلن أن دموعه
لا تجف وسط أفراحه أو أحزانه، إذ تحت كل الظروف ليس ما يشغله إلا حنينه نحو الله !

فى
كبرياء وتشامخ وبسخرية يقول لى الأعداء : أين هو إلهك ؟ حسبوا طول أناة الله ضعفا
! أرادوا أن يحطموا رجائى فى الله، كأنه قد تركنى، ولم يدركوا أنه سيد التاريخ
وضابطه، إنه يتمهل ويطيل الأناة منتظرا توبتهم ورجوعهم، أو ينتظر حتى يمتلىء كأس
شرهم…….

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ ألعاد 1

…..
" لماذا أنت حزينة يا نفسى ؟

ولماذا تقلقينى ؟

توكلى على الله، فإنى أعترف له.

خلاص وجهى هو إلهى " [5].

يدرك
المرتل أن سر مرارة نفسه وانحنائها ليست تعييرات الأعداء ولا مقاومتهم وإنما ضعفه
الداخلى، لهذا فإن فرحها هو فى الله مخلصها الذى يقيم وجهها الساقط كما فى التراب.

تأتى
تسبحتنا وسط الآلام هكذا :

" أقول لله : إنك أنت هو ناصرى.

لماذا تركتنى عنك ؟!

ثم لماذا نسيتنى ؟

ولماذا أجوز كئيبا إذ يحزننى عدوى عند ترضيض عظامى ؟! " [9، 10].

عندما
يدخل الإنسان تحت التأديب يظن كأن الله قد نسيه أو تخلى عنه مع أنه سند أولاده
وناصرهم حتى وسط التأديب.

يرى
القديس أغسطينوس أن هذه الكلمات هى صرخات السيد المسيح على الصليب، القائل : " إلهى إلهى لماذا تركتنى ؟ "……
[هكذا صرخ رأسنا كمن يتكلم بإسمنا (مت 27 : 46، مز 22 : 1)].

يختم
المرتل المزمور معلنا أنه وإن كانت عظامه قد ترضضت أو انسحقت بسبب فرط ضيقه وشدة
مرارته، ونفسه قد أنحنت فى أنين، لكنه بفرح يترجى الله مخلصه.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي