الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

«7 مَخَافَةُ
ٱلرَّبِّ رَأْسُ ٱلْمَعْرِفَةِ. أَمَّا ٱلْجَاهِلُونَ
فَيَحْتَقِرُونَ ٱلْحِكْمَةَ وَٱلأَدَبَ».

تتضمن
كتب القراءة في مدارس البلدان الشيوعية، كلمات لرواد الفضاء الروس بهذا المعنى:

لقد
درنا حول الكرة الأرضية، ونظرنا بالمنظار إلى الفضاء باجتهاد، فلم نر ملائكة ولا
إلهاً. والقمر كان خربة خالية. ففضلنا أن نرجع إلى أرضنا الجميلة، لنستقر في فردوس
العمال والفلاحين.

وفي
أميركا كتب أحد العلماء بدون تبكيت الضمير هذه الجملة الموجزة: «الله قد مات».
فردد بهذه الكلمات الشريرة قول الفيلسوف نيتشه، الذي جنّ بعد إلحاده.

كلنا
نعيش في موجات الكفر المتدحرجة علينا من الغرب والشرق فاستعد للكفاح الروحي، لكيلا
تفقد إيمانك بالله الحي. ولا تفكر أن الأقوال الإلحادية اختراع جديد، لأن داود أبا
سليمان الحكيم قال في المزمور الرابع عشر هذه الكلمات البارزة:

«قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلٰهٌ.
فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاحاً. اَلرَّبُّ
مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ
مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱللّٰهِ؟ ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً،
فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاحاً، لَيْسَ وَلا وَاحِدٌ».

فالإلحاد
قديم كالبشر، لأن قلب الإنسان ثائر ضد خالقه، وشرير منذ حداثته.

وكما
أن لكل نهر ولكل سنة رأس، هكذا المعرفة الحقيقية مصدرها خوف الله. وهذه العبارة لا
تقصد فقط احترام العلي، بل الارتعاب العميق في كل مخلوق أمامه. وقد صرخ إشعياء
النبي:

«وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ
ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ،
لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُود» (إشعياء 6:
5).

فمن
يعرف الله يعرف الحقيقة ونفسه أيضاً ويخشى من خطاياه ويتب. ويستغفر الرحمن. وهذا
الإيمان الاختباري هو الباب لحياة جديدة في التقوى والمحبة والحق. فاعترف بآثامك
جهراً فتصلح.

وأما
المحلدون فيعيشون بلا ضبط النفس، كأن ضمائرهم ميتة. وقد فقدوا الحس للشرف
والاستقامة وفضائل البشر. انزل إلى مدينتك وانظر دعاية الأفلام، وتذكر الصور
العارية في المجلات المتعددة. فتعرف أن الكفر ليس فكراً فقط، بل يظهر في الفساد
الاجتماعي بكل وضوح. فجميع الذين يعيشون بدون الله يستيقظ فيهم الوحش متسلطاً
عليهم. ليشبهوا الحيوانات، أكثر من شبههم لصورة الله المخلوقة فيهم أصلاً.

لعلك
تقرأ الكتب والمجلات، وتدرس العلوم والآداب. وهذا جيد. ولكن ينبغي أن تعلم، أن
مصدر كل حكمة ومعرفة حقة هو خوف الله. الأزلي قد خلق الكون. فكل معارف منه. فهو
بداية وسبب وغاية كل العلوم. اطلب خالقك من كل قلبك، ولا تثق بالمخلوقات وتعليمهم
لأنه هو أساس الكون ومديمه.

الصلاة:
أيها الرب الإله، أنت القدوس والعظيم والأزلي. أما نحن ففانون وأشرار وجهال. اغفر
لنا ذنوبنا. ونشكرك لأنك خلقتنا. ونلتمس منك امتلاءنا بحكمتك لكي نفعل إرادتك
ونعيش بانسجام مع مقاصدك الأبدية.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح إذا كان إلها فكيف تألم ومات 06

 

«8
اِسْمَعْ يَا ٱبْنِي تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلا تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ، 9
لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وَقَلائِدُ لِعُنُقِك».

طوبى
للإنسان الذي له أب وأم يصليان لأجله. فقبل ولادته وحين كان في بطن أمه، فكرا فيه،
طالبين من الله امتلاءه بمواهبه. وبأوجاع ولدتك أمك. وبتعب حضر أبوك القوت والكسوة
لك. واعتناء والديك أحاطك، لما لم تكن بعد واعياً. وعيناهما حرستا خطواتك، لكيلا
تسقط. وإن وقعت في وحل، نظفاك. إنهما أحباك، ويحبانك بلا نهاية.

وبلا
شك أن والديك غير كاملين. وفي عصر العصاة هذا ترى سريعاً أخطاء أبويك وتقصيراتهما.
ولكن لا تنس أنهما، قد غفرا لك ألف مرة أخطاءك مسبقاً. فيليق لك أن تسامحهما رأساً
وكاملاً، لأجل أخطائهما الصغيرة والكبيرة. ولا تنس أيضاً تضحياتهما. واقبل
مشورتهما لحياتك. ولا تغضب على أبيك، إذا ضربك حسب إرشاد ضميره. لأن الحق والعدل
أساس الكون. فقصده إماتة الخطية فيك، وتحويل إرادتك للخير.

متى
تشكر والديك لمحبتهما؟ وكيف تخدمهما، الهدايا تفرح قلوب الأبوين. ولكن إن سلكت
طاهراً، واشتغلت مجتهداً، وعشت قنوعاً يتهلل قلبهما. وإن كنت أميناً للإيمان الحق،
فيبصرانك كأنك حامل تاجاً. وإن قبلت تهذيب أخلاقك بمحبة الوصايا، فتشبه إنساناً
مزيناً بجواهر.

إن
البيت أفضل مدرسة في الحياة. وقدوة الأب والأم ترسم حياتك. فأنت حامل إرثهما في
خلاياك. وقوتهما تعمل فيك. فمتى تشكرهما بحياة التضحية. الكلمات الفارغة عيب. ولكن
أعمال المحبة بدون كلمات كثيرة هي احترام حق.

إن
الوالدين الصالحين، هما شبه صورة محبة الله ونائباه لأجلك. فإن ظهر الأب الحنون في
دنيانا ممتلئ الرحمة والصبر والعدل، فكم بالحري يكون أبونا السماوي ممتلئ المحبة
والسلام والصلاح والعفة والحق. فإن عاش والداك أمام الله، فهما أفضل تفسير لوجوده.
وإن لم يعرفا الإله الحقيقي، فربما ليس هذا ذنبهما. فعندئذ اطلب من الآب السماوي
الحكمة لتسلك في قوة روحه مستقيماً، ليريا في حياتك مجده. أحب والديك، كما تحب
نفسك، وكما تخدم الله بالذات. وأن يحاولا في جهلهما أن يجبراك لإيمان أو فكر خطأ،
فينبغي أن تطيع الله أكثر من الناس. وهو يعتني بك، ويقودك إلى بيته الأزلي المعد
لأجلك.

الصلاة:
أيها الله القدوس، أشكرك لأنك منحت لي بواسطة والديّ الحياة والإرث في دمي. وأشكرك
لأن محبتهما وتمنياتهما رافقتني سنين طويلة. اغفر لي انانيتي وتمردي، وارشدني إلى
محبة حكيمة وخدمة عملية وإطاعة روحية. وإذ كانا لا يعرفانك في محبتك الأبوية،
فافتح أعينهما لكي يستسلما لك ويتقدسا في عنايتك بهما.

كم من
الناس يبكون دموعاً مرة على تلك الساعة، التي وافقوا عليها لأول مرة على خطيئة
معينة. فمن ذلك الوقت أصبحوا عبيد خطاياهم. فلا يعملون ماذا يريدون، بل العكس
يفعلون.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر إرميا 44

وكثيراً
ما تبدأ عبودية الشر في الإنسان بواسطة التقائه بصديق شرير، أو قريب مضل، الذي
يجربه لفعل المنكر. وهوذا ضميرك قد شعر، أن وراء هذه التجربة عملاً غير لائق. وخوف
الله الساكن في ذهنك وصورة والديك قدام عينيك، تخبرك أن الخطية هي خطية. ففيك يوجد
معارضة للشر. فمن يتفوق؟ الله ومشورة والديك من جهة، أو المجرب والخطية من جهة
أخرى؟ إنك واقف في مصارعة بين الله والشرير. فانتبه حالما يقدم لك الناس مالاً أو
هدايا، لأجل قبول آراء وفعل أعمال سيئة، فاهرب منهم. فإنهم لكاذبون برسمهم أمامك
التعاون والصندوق المشترك، لأن غايتهم استغلالك مالياً وروحياً وجسدياً. إنهم لا
يحبونك، بل يقصدون مواهبك وكنوزك ونفسك وجسمك. اهرب منهم سريعاً لأنه رغم وعودهم
الضخمة فليس فيهم رحمة. لأن المجرب نفسه، ساكن فيهم.

وإذا
جاء المنافقون لتعمل معهم ظلماً بآخر، باستهزاء وحيلة أو عنف وقتل، فاهرب منهم
هرباً مضاعفاً عن هربك لو كان إضرارهم بك شخصياً. لأن من يضر إنساناً آخر يضر
الله، الذي خلقه ويحبه. ومن يكمن لمسكين ليقتله أو يسيء إليه، فكأنما خنق نفسه.
لأن غضب الله يلحقك، لأجل أفعالك الشريرة. فما أبشع الذي يسيء للآخرين، ليربح
شيئاً فانياً! فهذا الظالم اختار الشرير شخصياً وترك الله الذي هو المحبة.

ولا
بد أنك لا تسكن السماء، بل الأرض المفعمة بالتجارب. فع واحذر، لأن ربك أعطاك إرادة
قوية وضميراً حياً. واطلب إلى الله المحب أن يمنحك حكمة، لتدرك كل تجربة مسبقاً.
وأن يعطيك العزم والقوة، لتترك الشر رأساً وأبداً.

والأفضل
أن تترك الأصدقاء الفاسدين، من أن تفسد شخصياً. «قل من تعاشر فأقول لك من أنت».
اطلب من ربك أصدقاء، يطلبون مثلك القداسة ويعيشون في مخافته. إن زملاءك يلعبون
دوراً كبيراً في حياتك. فاختر أصدقاء أمناء. واقرأ معهم الكتاب المقدس، فتعرفون
الله وأنفسكم وخلاص ربكم، وقوة نعمته وشركة لطفه.

 

 

«20
اَلْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي ٱلْخَارِجِ. فِي ٱلشَّوَارِعِ تُعْطِي
صَوْتَهَا. 21 تَدْعُو فِي رُؤُوسِ ٱلأَسْوَاقِ، فِي مَدَاخِلِ
ٱلأَبْوَابِ. فِي ٱلْمَدِينَةِ تُبْدِي كَلامَهَا 22 قَائِلَةً: إِلَى
مَتَى أَيُّهَا ٱلْجُهَّالُ تُحِبُّونَ ٱلْجَهْلَ،
وَٱلْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِٱلاسْتِهْزَاءِ، وَٱلْحَمْقَى
يُبْغِضُونَ ٱلْعِلْمَ؟ 23 اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هَئَنَذَا أُفِيضُ
لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي. 24 لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ،
وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، 25 بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي،
وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. 26 فَأَنَا أَيْضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ.
أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. 27 إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ،
وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَٱلزَّوْبَعَةِ، إِذَا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ
وَضِيقٌ، 28 حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلا أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلا
يَجِدُونَنِي. 29 لأنَّهُمْ أَبْغَضُوا ٱلْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا
مَخَافَةَ ٱلرَّبِّ. 30 لَمْ يَرْضَوْا مَشُورَتِي. رَذَلُوا كُلَّ
تَوْبِيخِي. 31 فَلِذٰلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ،
وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. 32 لأنَّ ٱرْتِدَادَ ٱلْحَمْقَى
يَقْتُلُهُمْ، وَرَاحَةَ ٱلْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. 33 أَمَّا
ٱلْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ
ٱلشَّرِّ».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس غ غَلاطية ة

إن
الله لا يتركك وحيداً في التجارب والمشاكل. فقد أرسل منادين أمناء، ليغلبوا أكاذيب
الفلاسفة والأنبياء الكاذبين.

وفي
قراءتنا اليوم ظهرت الحكمة ليس كفكر، بل منادية كشخص كأميرة نبيلة. تنزل متجولة
داعية في الشوارع والأسواق، منادية الجهال والمستهزئين للرجوع والخلاص.

ولا
تتكلم الحكمة بلطف فقط أو بمداهنة. بل توبخ وتؤنب لأن المحبة الحقة قاسية، لكنها
منجية، ومستعدة لسكب روح الحق في قلوب الذين يسمعون ويقبلون الإرشاد إلى الحق
(20-23).

ولكن
هناك لم يكن أحد مستيقظاً. وإذا سمع في ضجيج الحياة كلمة الحكمة يرفضها عمداً (24
و25).

ويل
للذي يستهزئ بحكمة الله، فيسقط للدينونة التي تهاجمه في حينها كزوبعة وبسلطان
عاصفة. إن غضب الله معلن على كل فجور الناس وإثمهم. والحكمة تهز رأسها على الناس،
الذين يولولون في ساعات الضيق والكوارث، لأنهم لم يدركوا ماذا أرادت الحكمة أن
تعلمهم سابقاً. إن كل ضيق إنما هو نتيجة عدم معرفة الله، وعدم الإطاعة لإرادته
الصالحة. ففي النكبات يجدف الكثيرون على خالقهم. لأنهم لم يحبوا بره، ولم يصغوا
لإرشاده. فيطلبون معنى عقوباته متأخرين. فلا يجدونه لأن قلوبهم غليظة.

لا
رجاء للملحدين في ساعة الدينونة. لأنهم أبغضوا حكمة الله الصالحة، ورفضوا خوف
القدوس. فلم يريدوا قبول روح الله، واستهزأوا بلطفه. فالقصاص الإلهي نتيجة تلقائية
للإلحاد والذنوب، كما أن سبب الموت هو ابتعاد الإنسان عن خالقه. والجهال يفكرون
أنهم يعيشون في راحة أبدية، ولا يلاحظون أن سيف الله هابط على رؤوسهم.

فإن
فتحت إنجيل متى 11: 19 و23: 37 و38 تر أن هذه القراءة هي نبوة عن يسوع بالذات
القائل عن نفسه، إنه الحكمة المتجسدة. ففيه تسكن كل كنوز الحكمة ومعرفة الله. ولا
توجد بدونه حكمة حقة ولا معرفة الأزلي. وقد تجول المسيح في الشوارع والأزقة ونادى
كل الناس إلى التوبة والإيمان. ولكنهم لم يسمعوه ولم يريدوا أن يأتوا إليه. فسقطت
دينونة الله عليهم بلا شفقة. لأن من يرفض الرجوع إلى الله، يرفض العلي نفسه.

وحتى
اليوم يرسل حكماء لعالمنا الغبي (متى 23: 34-35) الذين ينادون كل الناس في قوة
الروح القدس، أن يرجعوا ويتوبوا. فماذا يحدث؟ اقرأ مرة أخرى النص من الأمثال، فتجد
الجواب لمستقبل البشر. فهل تسمع أنت وتتعقل حقاً؟

الصلاة:
أيها الله القدوس. دينوناتك عادلة وقصاصك حق. اغفر لنا إذ لم نسمع لكلمتك بإصغاء.
وإن أهملنا نصائح حكمتك. غيّر إراداتنا لنلتجئ إلى المسيح، وندرك فيه حكمتك
المتجسدة. ونقبل روحه. ونؤمن به ونعمل إرادته. امنحنا قلباً مطيعاً لكيلا نتقسى
حين نسمع صوتك.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي