الإصحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ

 

التقييم
الشكلى

1 حِكمَةُ
الوَضيعِ تَرفع رَأسَه وتُجلِسُه في جَماعَةِ العُظَماء. 2 لا تَمدَحِ الرَّجُلَ
لِجَمالِه ولا تَنفُرْ مِنَ الإِنْسانِ لِمَنظَرِه. 3 النَّحلَةُ صَغيرةٌ في
الطُّيور ولكِنَّ ما تَجْنيه رَأسُ كُلِّ حَلاوَة. 4 لا تَفتَخِرْ بِالثِّيابِ
الَّتي تَرتَديها ولا تَتَرَفعّ في يَومَ مَجدِكَ فإنَّ أعمالَ الرَّبَ عَجيبة وأًفْعالَه
خَفِيَّةٌ عنِ البَشَر. 5 كَثيرٌ مِنَ الطُّغاةِ جَلَسوا على التُّراب والخامِلُ
الذِّكْرِ لَبِسَ التَّاج. 6 كَثيرٌ مِنَ المُقتَدِرينَ لَحِقَهم اشَدُّ الهَوان
والمَشاهيرُ
أُسلِموا إِلى أَيدي الآخَرين.

 

هذا الحديث هو امتداد
لما مرّ، وفيه أيضاً تناغم مع ما ورد فى صلاة حنَة النبيّة (صموئيل الأول 2). إذا امتلك إنسان الحكمة فإن هذا
يؤهّله لمجالس العظماء، فهى جواز مرور إلى مجالس الملوك، فى حين يظن الجاهل والأمىّ
أنه حكيم وعاقل مما يجعله يقحم نفسه فى مجالس العظماء، غير أن ذلك يسبب له الكثير
من الحرج ويكشف عن ضعفه. وليس من الحكمة أن يدّعى الإنسان الحكمة وهو بعيد عنها، والأفضل
– فى المقابل – أن لا يرتئى الإنسان فوق ما ينبغى وإنما يرتئى إلى التعقّل (رومية 12 : 3).

 

و علينا أيضاً ألاّ
نقيّم بحسب الظاهر، وألاّ يكتفى الإنسان بالإنطباع الأول، إذ يصير الإنطباع الأول
هو الإنطباع الدائم
First
impression is last impression

ولكن الأمر يحتاج إلى إتصال طويل للوقوف على خصال الآخر وطباعه ليتسنى لنا تكوين
فكرة سليمة عن شخصيته. ناهيك عن أن المسيحية تعلمنا ألاّ نحتقر إنساناً ما، بل
نخدم الكل. وقد تعلمنا بالخبرة أن كثيرين ممن كنا نحتقرهم أو لا نضعهم فى مرتبة
الآخرين صاروا عظماء ومسئولين ولهم أدوار ريادية فى المجتمع وكنيسة الله، وكثير من
المغمورين نشطوا فجأة ثم اشتهروا.

 

انها مسألة موضوعية، أن
نتغاضى عن الشكل ونهتم بالجوهر، أن تكون محبتنا للآخرين محبة كاملة وكيانية،
كثيرون يحبون الأغنياء والجميلات، ولكن المسيحى الفاضل يبحث عن الفضائل فى الآخرين،
وفى المقابل علينا ألاّ ننخدع فى الشكل بحيث نحترم ونحب حسن المظهر فحسب، لقد كان
شاول النبى وسيماً قوياً " أعظم بنى اسرائيل من كيفه فما فوق " ولكن
الله رفضه
" فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «لاَ تَنْظُرْ إِلَى
مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا
يَنْظُرُ الْإِنْسَانُ. لأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ،
وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ».
" (صموئيل الأول 16 : 7) وعموماً علينا أن ننظر إلى كل
شىء وكل أحد بكثير من التروىّ والحكمة.

 

النَّحلَ : مازال هذا
المخلوق الصغير يثير حيرة واعجاب العلماء والفلاسفة، ومازالت تجرى عليه العديد من
الإختبارات وتصدر بخصوصه الكتب والدوريات، التى تنشر الاكتشافات التى تمتّ بخصوصه،
ليس فقط بخصوص استخدام العسل كشفاء من أمراض عدة، وإنما لاستخدام النحل نفسه فى
العلاج عن طريق اللدغ، وكذلك محاولة اكتشاف سرّ الخلية ونظامها المحكم والذى يصل
إلى حد الإعجاز.

 

و يغلب الظن أن هذه
الآية هى صياغة لمثل مشهور فى اسرائيل قديماً، يقول سليمان الحكيم معلقاً على ذلك
" أَرْبَعَةٌ هِيَ الأَصْغَرُ فِي الأَرْضِ وَلَكِنَّهَا
حَكِيمَةٌ جِدّاً
: النَّمْلُ طَائِفَةٌ غَيْرُ قَوِيَّةٍ
وَلَكِنَّهُ يُعِدُّ طَعَامَهُ فِي الصَّيْفِ
. الْوِبَارُ (حيوان يشبه
الأرنب) طَائِفَةٌ ضَعِيفَةٌ وَلَكِنَّهَا تَضَعُ بُيُوتَهَا فِي الصَّخْرِ
.
الْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقاً
فِرَقاً
. الْعَنْكَبُوتُ تُمْسِكُ بِيَدَيْهَا وَهِيَ فِي
قُصُورِ الْمُلُوكِ.
" (أمثال 30 :
24 – 28
).

 

الثِّيابِ :
الثياب
لا تصنع الإنسان ولا تكوّن الشخصية ولكنها تمثل التركيب الخارجى، والثياب الثمينة
لا تعكس شخصية ثرية بل قد تخفى شخصية هزيلة بلا محتوى. ومن هنا نلاحظ أن أعظم
الفلاسفة والمكتشفين كانوا فقراء وبسطاء لا يدلّ مظهرهم مطلقاً على عظمتهم
الحقيقية، وعلى نفس القياس هناك الكثير من الشبان الطلبة المكافحون الذين يعملون
لينفقوا على أنفسهم وبذلك لهم بساطة المظهر فى حين يستحقون كل تقدير. انظروا كيف
ولد المسيح فقيراً فى مذود البقر، وفى حياته على الأرض لم يكن له أين يسند رأسه، وأكتفى
ببسيط الثياب التى كانت تغزلها له القديسة العذراء أمه.

 

و بقدر ما تكون النفس
شبعانة بقدر ما يقل الإهتمام بالخارج والعكس أيضاً صحيح فإن المغالاة فى المظهر قد
تعكس شخصية هزيلة، حتى أنه ليخشى من أن تركز الفتيات الجميلات على المظهر فقط مما
يعكس الإهتمام بالجانب الحسّى فقط. ومع كل ذلك فإنه يحسن أن يبدو الإنسان فى مظهر
لائق دون ابتذال أو إهمال مُلفت.

 

يقول القديس يوحنا
ذهبى الفم :
" لا تلوث نفسك بالأحمر والأبيض (الماكياج)
إن البعض يلتجأون إلى هذا لإخفاء القباحة. أنها محاولة عقيمة، فمنذ متى يتم تحسين
الطبيعى بما هو صناعى، ولماذا يضطرب مثل هذا ويطلب الجمال الجسدانى مع أنه لن يلام
على منظره لهذا يقول الحكيم (سيراخ) "
لا تَمدَحِ
الرَّجُلَ لِجَمالِه ولا تَنفُرْ مِنَ الإِنْسانِ لِمَنظَرِه "
.
فالله معجب بك وهو صانعك وليس الإنسان
".

 

ثم يعود فيقول : " فلنسع إلى ذلك المجد الذى لا مثيل له ونترك مجد العالم
وراءنا كشىء لا يستحق
" " لا تفتخر
بالثياب التى ترتديها فإن الراقص والغانى واللاعب يلبسون الثياب المبهرجة الغالية
أكثر منك، وبجانب هذا فإن هذا الفخر سوف تفسده العثة هو يرى الشىء الزائل مجد
الحياة الحاضرة !!
"
1.

 

و يكمل ابن سيراخ فيشير
على الإنسان بألاّ يحمله الغرور بسبب ترقية أو جائزة أو مال يأتيه. أو عند المديح (يَومَ مَجدِه) فإن الله قادر أن يقلب الأوضاع فيرفع
البائس ويذّل المتعجرف. ينصف المظلوم وينتقم من المتجبّر. يرفع المسكين ويذّل
المتشامخ النفس
" يَذْهَبُ بِالْمُشِيرِينَ
أَسْرَى وَيُحَمِّقُ الْقُضَاةَ. يَحُلُّ مَنَاطِقَ الْمُلُوكِ وَيَشُدُّ
أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاقٍ. يَذْهَبُ بِالْكَهَنَةِ أَسْرَى وَيَقْلِبُ
الأَقْوِيَاءَ. يَقْطَعُ كَلاَمَ الأُمَنَاءِ وَيَنْزِعُ ذَوْقَ الشُّيُوخِ. يُلْقِي
هَوَاناًعَلَى الشُّرَفَاءِ وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ الأَشِدَّاءِ.
" (أيوب 12 : 17 – 21).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 03

 

يروى القمص منسى يوحنا
عن أمير كان قد هزم وسبى مع سبايا ومقتنيات أخرى وفى موكب النصرة الذى صنعه الملك
الغالب جعل الأمير المهزوم يجرّ إحدى العربات بدلاً من الحصان، وفى الطريق لاحظ
الملك أن الأمير ينظر إلى عجلة المركبة التى إلى جواره كثيراً فاستوقفه وسأله عن
السبب، فقال إنى أرى أحوال الناس مثل هذه العجلة فما هو كائن فى أعلى مكان، سريعاً
ما ينحدر إلى أسفل مكان والعكس أيضاً! فلما سمع الملك الغالب ذلك فك قيوده وأطلقه
حراً.

 

و يروى عن الإمبراطور
تراجان عندما هزم من الفرس، أن الملك الفارسى كان يطأ على ظهره لكى يعتلى صهوة
جواده
2.

 

7 لا
تَذُمَّ قَبلَ أَن تَفحَص بل فَكِّر أصَوَلاً ثُمَّ وَبِّخْ. 8 لا تُجاوِبْ قَبلَ
أَن تَسمعَ ولا تَعتَرِضْ حَديثًا في أَثنائِه. 9 لا تُجادِلْ في أَمرٍ لا
يَعْنيكَ ولا تَجلِسْ لِمُحاكمةِ الخاطِئين. 10 يا بُنَيَّ لا تُقْدِمْ على
أَعمالٍ كَثيرة فإِنَّكَ إِن أَكثَرتَ مِنها لا تَخْلو مِن مَلامة. حتَّى إِن
لاحَقتَها لا تدرِكُها ولا تَنْجو بِالهَرَب. 11 رُبَّ إِنْسانٍ يَكِدُّ وَيتعَبُ
وُيسرع
ولا يَزْدادُ إِلا فاقةً. الاتّكال على اللّه وحده

 

التأنّى
:

الذّم بشكل عام مرفوض،
أمّا إن كان من الواجب علينا أن نوبّخ أو نوجّه أو نلوم. وذلك بحكم مسئوليتنا عن
آخرين (فى أُطر روحية أو دراسية أو عملية أو قضائية) ويجب علينا أولاً التروىّ وسماع
الأطراف جميعاً حتى يكون الحكم عادلاً، فلا حكم قبل المحاكمة، وفى الأمثال العربية
الشائعة
بين البدو الرحّل قيل : "إذا جاءك
رجل يشكو آخر وقد فقأت عينه، فلا تتسرع بإنصافه فقد يكون الآخر قد فُقأت عينيه
الاثنتين!!
" وكما أشرنا سابقاً فإن الغرض من المحاكمة هو إظهار الحق
والغرض من العقوبة بالتالى هو الإصلاح وليس الإنتقام. وليس أصعب من أن نسلب إنسان
ما حقّه فى عرض قضية أو التعبير عن نفسه.

 

أمّا عن مقاطعة
الأحاديث الآخرين فإن ذلك ينم عن عدم أدب، بل علينا أن ننصت جيداً قبل أن نجيب، إن
حسن الإنصات هو موهبة، وعلينا ألاّ نجهض أفكار أو كلمات الآخر.

 

آية 9 : من الأفضل أن
يهتم الإنسان بنفسه وبخطاياه وبخلاصه فإن الحياة والجهد والوقت لا يكفى للاهتمام
بخطايانا وقضايانا وقضايا الآخرين، إلاّ إن كان ذلك من أجل الدفاع عن الآخرين والتكلم
بالخير فيهم. والمقصود أيضاً فى هذه الفقرة من السفر، عدم السفسطة والجدل العقيم ومناقشة
أحوال الناس وتناول قضاياهم، وإنما فى تركيز شديد يمكن للإنسان التعبير عن رأيه فى
حياد ومسئولية دون الدخول فى جلسات نميمة " مُحاكمةِ
الخاطِئين
" إننا نتذكر هنا كيف حمل القديس موسى الأسود كيساً
مملؤاً بالرمال فوق ظهره ثم ثقبه من أسفل، ومضى إلى مكان يُحاكم فيه أخ بسبب خطأ
ما، فلما سأله الآباء الحضور عن مغزى ذلك قال أن هذه هى خطاياه وضعها خلف ظهره لكى
لا يراها وجاء ليحاكم آخر على خطاياه، فلما سمع الأباء منه ذلك غفروا للأخ.

 

آية 10 : يتحدث ابن
سيراخ هنا عن تبديد القوة وتوزيع الطاقة دون حكمة، ويرى أن التركيز أفضل حتى
يتسنّى لنا أن نثمر، والذى يدّعى المعرفة فى كل شىء من المؤكدّ أنه لا يتقن شيئاً
بعينه، فإن وزع الإنسان طاقته وأمواله بين أعمال كثيرة فإنه يتشتت ولا يستطيع
المتابعة (لا تدرِكُها) ولن يكون الحلّ
حينئذ هو الهرب منها حيث سيكون قد دخل فى رباطات كثيرة، وهكذا الأمر أيضاً بالنسبة
للقرارات والخدمة، فالذى يخدم فى خدمة واحدة يثمر فيها والذى يخدم فى إثنتين يثمر
فى كل منها 50 % وإذا وزع طاقته بين خمس خدمات يقل التركيز والثمار فيها وهكذا، وأيضاً
القراءة فى أكثر من كتاب وأكثر من موضوع من شأنها تشتيت الذهن.

 

آية 11 : وبالتالى
فهناك من يبدد طاقته دون ترتيب أو تفكير جيد أو تدبير حكيم
" يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضاً وَمَنْ يُمْسِكُ
أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ.
" (أمثال 11 : 24) كذلك أيضاً فإن الرزق من عند الرب والمكافأة
أيضاً "إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً
يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً
يَسْهَرُ الْحَارِسُ.
" (مزمور 127 : 1)
وحتى النجاح والنصرة والكسب هذه كلها هبة من الله، وعلينا أن نكون أمناء فيما لنا
والله بدوره لن يخذلنا " اَلْفَرَسُ مُعَدٌّ
لِيَوْمِ الْحَرْبِ أَمَّا النُّصْرَةُ فَمِنَ الرَّبِّ.
" (أمثال 21 : 31).

 

12 ورُبَّ
إِنْسانٍ ضَعيفٍ لا سَنَدَ لَه قَليلِ القوّةِ كَثيرِ الفَقْرِ نَظَرَت إِلَيه
عَينا الرَّبَ بِعَطْف وأَنهَضَه مِن ضَعَتِه. 13 ورَفعَ رأسَه فتَعَجَّبَ مِنه
كَثيرٌ منَ النَّاس. 14 الخَيرُ والشّرُ، والحَياةُ والمَوت والفَقرُ والغِنى مِن
عِندِ الرَّبّ. 17 عَطِيَّةُ الرَّبَ تَدومُ لِلأَتقِياء ومَرْضاتُه تَهْديهِم
لِلأَبَد. 18 ربَّ إِنْسانٍ اْغتَنى بِاْهتِمامِه واْقتِصادِه وهذه هي أجرُته:
19
حينَ يَقول: ((قد بَلَغتُ الرَّاحة وسآكُلُ الآنَ مِن خَيراتي))
وهو
لا يَعلَمُ كم يَمْضي مِنَ الزَّمان حتَّى يَترُكَ ذلِكَ لِغَيرِه وَيموت. 20
أَقِمْ على عَهدِكَ واْنصَرِفْ إِلَيه وأبلغ ٍالشَّيخوخةَ في عَمَلِكَ. 21 لا
تتعَجَّبْ مِن أَعْمالِ الخاطئ وثقْ بالرَّبّ وثابِرْ على جَّهدِكَ فإِنَّه هَيَنٌ
في عَينَيِ الرَّبَ أَن يُغنِيَ الفَقيرَ في الحالِ بَغتَةً. 22 بَرَكَةُ الرَّبِّ
أُجرَةُ التَّقِيّ وهو في لَحظَةٍ يَجعَلُ بَرَكَتَه تَزدَهِر. 23 لا تَقُلْ:
((أَيُ حاجَةٍ لي؟ وأَيُّ خَيراتٍ تَحصُلُ لي بَعدَ الآن؟)) 24 لا تَقُلْ: ((لي ما
يَكْفيني فأَيُّ سُوءٍ يُصيبُني بَعدَ الآن؟)) 25 في يَوم الخَيراتِ تُنْسى
البلايا وفي يَوم البَلايا لا تُذكر الخَيرات. 26 فإِنَّه هَيَنٌ عِندَ الرَّبِّ أَن
يُجازِيَ الإِنسان بحَسَبِ طرقِه يَومَ المَوت. 27 ساعةُ سوءٍ تُنْسي اللَّذَّات وفي
آخِرَةِ الإِنْسانِ تَنكَشِفُ أَعْمالُه. 28 لا تُغَبِّطْ أَحَدًا قَبلَ مَوته فإِنَّ
الرَّجُلَ يُعرَفُ عِندَ مَوته.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد رسالة يهوذا الرسول 00

 

الثقة فى
الله دون سواه :

تناقش هذه الأعداد فكرة
الإتكال على الرب هو الغنى نفسه، وكل من يثق فى الله فإن الله يصير طعاماً وشراباً
وشبعاً له، وليس بالضرورة أن تظهر نصرة الرب للفقير فى اغنائه أو أمطار المال عليه،
وإنما أن يملأ قلبه بالسلام، وأكثر من كل ذلك أن يزخر له حياة أبدية، حتى أنه يجب
على الناس أن يعرفوا أن كل شىء هو فى يد الله وهو قادر أن يبدل وضعاً بوضع.

 

و المساكين والفقراء (ويسمّون
فى العبرية عناويم – جمع عناو أى فقير)
3 يشغلون حيزاً كبيراً فىالكتاب المقدس – كما أشرنا سابقاً – وبالرغم
من أن الفقر قد يأتى بسبب التراخى والكسل راجع (أمثال
10 : 4، 12 : 14، 19 : 15
) ولكن الأنبياء ينظرون إليهم باعتبارهم مظلومين ومن
ثم يجب مراعاتهم وإنصافهم (أيوب 34 : 28)، (أشعياء 10 : 2)، (عاموس
2 : 7
)، (يعقوب 2 : 2 – 10).

 

فى جمع الثروة يجد
الإنسان لذة، ولا توجد لذة أكبر من متعة جمع المال !! وقد يشعر الإنسان بطمأنينة
تجاه ذلك، غير أنها طمأنينة كاذبة، فسريعاً ما ينقضى العمر ليجد الإنسان نفسه فى
مواجهة مع الله وحينئذ لن تفيده أمواله !! وقد عالج السيد المسيح هذه القضية فى
مثل الغنى الغبى
(لوقا 12) وذلك فى تعليق
له على طلب أحد الشبان تدّخل المسيح فيما بينه وبين أخيه بسبب هلافهما على الميراث،
وقد أظهر السيد المسيح تعجبه من تهافت الناس على المال، ومن ثم علّم كثيراً عن
الاهتمام بخلاص النفس وعدم التزاحم من أجل مال فان.

 

و لعلّ السيد المسيح قد
استعار هذه الصورة الرائعة التى أوردها ابن سيراخ هنا فى (آية 19) ولاشكّ أنها كانت معروفة وراسخة فى أذهان
سامعيه، الذين تداولوا أقوال سفر ابن سيراخ فى ذلك الوقت.

 

و فى قالب شعرى رائع
يصّور لنا أيوب الصديق، حال مثل الغنى الغبى فيقول
" إنْ كَنَزَ فِضَّةً كَالتُّرَابِ وَأَعَدَّ مَلاَبِسَ
كَالطِّينِ
. فَهُوَ يُعِدُّ وَالْبَارُّ (الفقير) يَلْبِسُهُ
وَالْبَرِئُ يَقْسِمُ الْفِضَّةَ
. يَبْنِي
بَيْتَهُ كَالْعُثِّ أَوْ كَمِظَلَّةٍ صَنَعَهَا الْحَارِسُ
. يَضْطَجِعُ
غَنِيّاًوَلَكِنَّهُ لاَ يُضَمُّ. يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَكُونُ
.
الأَهْوَالُ تُدْرِكُهُ كَالْمِيَاهِ. لَيْلاًتَخْتَطِفُهُ
الزَّوْبَعَةُ
. تَحْمِلُهُ الشَّرْقِيَّةُ
فَيَذْهَبُ وَتَجْرُفُهُ مِنْ مَكَانِهِ
. يُلْقِي
اللهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُشْفِقُ. مِنْ يَدِهِ يَهْرُبُ هَرْباً
.
يَصْفِقُونَ عَلَيْهِ بِأَيْدِيهِمْ وَيَصْفِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ
مَكَانِهِ
"
(أيوب 27 : 16 – 23) اقرأ نفس التصوير البديع
فى (أشعياء 5 : 8 – 10)، (عاموس 5).

 

إن الطمع هو فخ شيطانى
يحذرنا منه معلمنا بولس الرسول، ويعتبره عبادة أوثان
(كولوسى 3 : 5) وخليق بالإنسان أن يكتفى بالقوت والكسوة،
فالله الذى أعطى الحياة من لا شىء أفما يهب القوت الضرورى لها، والذى أعطى الجسد
أفما يهتم بكسائه !.

 

لقد أعتبر الفقير
الشاكر " إنساناً باراً " يستحق المكافأة من الله العلى الذى يهبه
البركة عوض تقواه، وفى كتابات العهد القديم اعتبر العناويم (الفقراء) هم أولئك
الخاضعين لمشيئة الله، فإلى الفقراء يأتى المسيّا
(أشعياء 61 : 1) وهو نفسه يأتى وديعاً متواضعاً (أشعياء 53 : 4).

 

ثم ينتقل ابن سيراخ فى
الآيتين (20، 21) إلى ترك التفكير فى
الغنى والمجد إلى الإهتمام المخلص بالعمل، وأن يسعى الإنسان فى الإجتهاد، وحسبه أن
يكون أميناً مخلصاً يحصّل قَوته بمعرفة وأمانة، ذلك دون المقارنة مع الخطاة الذين
قد يغتنون دون تعب يُذكر، إذا قورن بتعب الإنسان البار، فليس لنا أن نفحص مشيئة
الله من جهة تلك الأمور، إذ أن الله قادر أن ينتقل سريعاً بالفقير من حال الفقر
إلى الغنى، تماماً مثلما يمكنه نقل الغنَنى من حال غناه إلى العوز. إن الأمر يتعلق
بالله وحده وأمّا الإنسان فعليه أن يعمل ويجتهد وتكفيه بركة الرب، فإن
" لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ
مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ.
" (أمثال
17 : 1
) وعن الغيرة من مجد الأشرار وغناهم فى العالم يقول سليمان الحكيم
أيضاً " لاَ تَحْسِدْ أَهْلَ الشَّرِّ وَلاَ
تَشْتَهِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ
" (أمثال
24 : 1
).

 

آية 23 – 25
:
يؤكد
ابن سيراخ هنا من جديد على عدم الثقة بالغنى بحيث ننسى الفقر والشقاء المحتمل
" تُنْسى
البلايا

" فإن الأموال لا تهب راحة مطلقة، كذلك فإنه لا جدوى من البحث عن مصادر
إضافية للدخل "
آية 23 " حيث يعنى ذلك
إنشغال أكثر عن الله وعن خلاص النفس، والآن فى مصر نواجه مشكلة إجتماعية خطيرة
بسبب سعى كل من الأب والأم فى زيادة الدخل من أجل جعل أولادهم فى مستوى معيشى أفضل
أسوة بآخرين، وكانت النتيجة أن أهملوا تربية أولادهم روحياً وإنسانياً فأضروا بهم
وبأنفسهم أكثر من الضرر الذى كان سيلحق بهم من المستوى المعيشى الأقل، إن كان هناك
ضرراً حقاً من ذلك !!

 

آية 26 – 28
:
يتبقّى
هنا الرادع الأخير إذا ما تمادى الشرير وتصلّف ولم يسع فى حياته إلى بيع ما يملكه
ليشترى الملكوت، مثل التاجر الحكيم الذى باع كل ما يملك حتى يشترى اللؤلؤة الثمينة
(متى 13 : 44 – 46) وأن يصنع من مال الظلم أصدقاءاً
له من أجل الشفاعة للسكنى فى المظال الأبدية (لوقا 16).
إن الحياة سريعاً ما تنقضى، وقديماً كانوا يُخرجون يد الميت من فتحة فى الصندوق
لتظهر ممتدّة فارغة خارج الصندوق. ذلك بينما الميت فى طريقه إلى القبر، وفى هذا
أبلغ تعبير عن قول أيوب الصديق "عُرْيَاناً خَرَجْتُ
مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ.
" (أيوب 1 : 21).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد جديد إنجيل لوقا 24

 

و يعكس الآية 28 : عقيدة الكنيسة القبطية بأن الإنسان يعرف
مصيره عند موته، وكان الآباء الرهبان يجتمعون حول من تحضره الوفاة حتى يراقبونه
لعلهم يسمعون منه شيئاً أو يرون شيئاً، أو ليعاينوا
كيف يتقبل
الموت، لقد كان بعض من أولئك الذين تنيحوا يشرق وجهه بنور عجيب وابتسامة حلوة وفرح
لا ينطق به يشمل كل كيانه مع أصوات السمائيين فى كثير من الأحيان. ويضع ابن سيراخ
هنا بعداً آخراً وهو عدم الحكم على إنسان ما قبل موته أو قبل الدينونة. فالعبرة
عموماً بالنهاية !!.

 

و التعبير " لا تُغَبِّطْ أَحَدًا قَبلَ مَوته " كان مثل
شائع فى القديم، والنص العبرى يقول " سيعرف الإنسان من نهايته الأخيرة "
وفى نص آخر " إذا هرب الإنسان من العقوبة ومات فسوف يورثها لأولاده " وفى
نسخة المخطوطة القديمة " لا تمدح رجلاً قبل أن تجربه لأن الإنسان يعرف فى آخر
الأمر ".

و إلى هنا تنتهى
الأحاديث التى تعالج كبرياء الإنسان والتى بدأت فى " 10 : 6 ".

 

تحذيرات
من الشرير

29 لا
تُدخِلْ كُلَّ إِنْسانٍ إِلى بَيتكَ فإِنَّ مَكايِدَ الغَشَّاشِ كَثيرة. 30
كالحَجَلِ الصَّيَّادِ في القَفَصِ هكذا قَلبُ المُتَكَبِّر وهو كجاسوسٍ يَرقبُ
سُقوطَك. 31 فإِنَّه يَكمُن مُحَوِّلاً الخَيرَ إِلى الشَرّ وفي خَيرِ الأمورِ
يَجِدُ ما يأخُذُ علَيه. 32 مِن شَرارةٍ واحِدَةٍ يَندَلع أتّونٌ كَبير والرَّجُلُ
الخاطئ يَكمُنُ لِلدَّم. 33 إِحذَرْ مِنَ الشَرّيرِ فإِنَّه يُدَبِّرُ المَساوِئ واْخْشَ
أَن يُلحِقَ بِكَ العارَ لِلأَبَد. 34 أَدخِلِ الغَريبَ إِلى بَيتكَ فيوقعَكَ في
المَتاعِب
لو يَقلِبَ علَيكَ أَهلَ بَيتكَ.

 

الحرص :

مع أن فعل الخير هو أمر
ممدوح، ومع أنه يجب علينا ألاّ نشك فى إنسان ما، إلا أن
الحرص يجب أن يقرن بالثقة
، ويجوز لنا أن نطبق هذا على دخول إمرأة جديدة
على العائلة كزوجة لأحد الأبناء، فإذا لم تكن تقية أمينة ففى استطاعتها أن تجلب
العار والدمار على ذلك البيت، وقديماً قالوا إذا امتدت يداً غريبة إلى طبق طعام
العائلة فسد ولم يعد لذيذاً، ولكن ذلك من أجل التدقيق فى اختيار الزوجة، ولكن ما
أن تُقبل كزوجة يجب معاملتها بكثير من الرفق والثقة والحب.

 

و يشبّهون القريب هنا ب
" الحَجَلِ
" وهو طائر صغير
يدعى فى العبرية " قورى " ومعناه الصارخ أو الهاتف وهناك حجلة الصخور وحجلة
الصحراء، وأكثر ما يميز الحجلة هو صوتها، ويشبه الغنى الطامع بالحجلة، لأنها تحضن
بيض غيرها وقد جاء عنها فى كتب المؤرخين أن الحجلة الأم تجمع البيض من أعشاش
الطيور الأخرى حتى إذا كا فقس البيض عادت الفراخ إلى أمهاتها، يرد عنها فى سفر
إرميا " حَجَلَةٌ تَحْضُنُ مَا لَمْ تَبِضْ
مُحَصِّلُ الْغِنَى بِغَيْرِ حَقٍّ.
" (إرميا
17 : 11
) ويستخدم الحجل هو وبيضه طعاماً ثميناً منذ القديم، وقد اعتاد
الصيادون حبس إحداها فى قفص وبذلك تستطيع جذب أعداداً كبيرة من جنسها عن طريق
صراخها الشديد ومن هنا جاء معنى إسمها " الهاتف أو الصارخ " وبذلك تصبح
تلك الطيور فى مرمى شباك وسهام الصياد.

 

و يحذر ابن سيراخ من
الضيف أو الصديق الذى من الممكن أن يكون مثل الحجل حيث يجلب وجوده فى البيت الخطر
:
" لاَ
تَكْمُنْ أَيُّهَا الشِّرِّيرُ لِمَسْكَنِ الصِّدِّيقِ. لاَ تُخْرِبْ رَبْعَهُ.
" (أمثال 24 : 15).

 

و نسمع كثيراً فى عالم
الجريمة كيف تَخفّى اللص فى شكل فقير دخل إلى البيت فراقبه وأعدّ الشر على أصحابه،
وفى المقابل كيف تخفى رجال الشرطة كثيراً فى ثياب الفقراء والشحاذين حتى يتسّنى
لهم كشف أبعاد الجريمة وأسرارها
" وقَالَ
لَهُمْ (يوسف) : «جَوَاسِيسُ انْتُمْ! لِتَرُوا عَوْرَةَ الارْضِ جِئْتُمْ…
" (تكوين 42 : 9، 12).

 

و نقرأ فى سيرة القديس
الأنبا دانيال عن اللص الذى تخفى فى صورة قديس ليتسنّى له دخول دير العذارى وعندئذ
يعطى لأصدقائه الإشارة فيهجموا على الدير لينهبونه ولكنه تاب هناك وتحول إلى قديس،
كما فهمنا كذلك من مثل السامرى الصالح
(لوقا 11)
أن اللاوى الذى رأى الجريح خشى من الإقتراب لإسعافه لئلا يكون متخفياً فى شكل مصاب
وحينئذ يهجم على اللاوى بقية اللصوص.

 

فإذا كان الضيف حسوداً
فإنه يتكلّم عنك بالسوء ويكشف أسرارك ويتسبب فى أذيتك، ومع ذلك فعليك ألاّ تمتنع
عن فعل الخير وإيواء المحتاجين فإننا كنا غرباء ونزلاء فى أرض مصر أيضاً (قال بنى
اسرائيل) واهتم الله بنا. كذلك فقد كان يهوذا محسوباً ضمن الإثنى عشر تلميذاً وكان
يحمل الصندوق الخاص بالجماعة ويعرف كل الأسرار، ومع ذلك غدر بسيده وباعه، ولكن
السيد لم يعزله عن الجماعة ولم يشهره.

 

و يمكن استضافة الغرباء
الآن من خلال الكنيسة، حيث يطلب راعى الكنيسة من بعض الأسر الإهتمام بشخص غريب أو
ضيف، وقد انتبهت الكنيسة لهذا الأمر فأنشأت الكثير من بيوت المغتربين والمغتربات،
حيث لم يعد استضافة شخص غريب بالأمر الهين نظراً لإنتشار الجريمة وتعدّد صورها وأساليبها.



1 Nicene & P. N. F. V.13, P. 414، 422 تفسير رسائل معلمنا بولس الرسول.

2 اضمحلال وسقوط الامبراطورية
الرومانية / الجزء الأول.

3 لفظة (عناويم)
ترجمت فى اليونانية مرة بمعنى (معوزين) وأخرى بمعنى (الوديع أو المطمئن) ومن هنا
ترجمت بالمتواضعين، وبصبرهم يمكن أن يُسموا (مساكين يهوه) راجع (مزمور 74 : 19،
149 : 4) معجم اللاهوت الكتابى.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي