الإصحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ

 

عظمة الله
وضعف الإنسان

1 الحَيُّ لِلأَبَدِ خَلَقَ جَميعَ الأَشْياءِ معًا 2 الرَبُ
وَحدَه يُزَكَى 4 لم يَسمَحْ لأَحَدٍ أَن يُخبِرَ بِأَعْمالِه ومَنِ الَّذي
اْستَقْصى عَظائِمَه؟ 5 مَنِ الَّذي يُحْصي قُدرَةَ عَظَمَتِه؟ ومَنِ الَّذي
يُقدِمُ على رِوايَةِ مَراحِمِه؟ 6 لا سَبيلَ إِلى الإسقاطِ مِنها ولا الزِّيادةِ
علَيها ولا سَبيلَ إِلى اَْستِقصاءِ عجائبِ الرًبّ. 7 إِذا أَتَمَّ الإِنسانُ
فحينَئذٍ يَبتَدِئ وإِذا تَوَقَّفَ فحينَئِذٍ يَكونُ في حَيرة.

 

هذه أنشودة لعظمة الله.
وهى مناسبة لكى تكون تسبحة للإنسان أمام الله على غرار الهوسات الثانى والثالث والرابع,
إن التسبيح هو أرقى أشكال الصلاة ومراتبها, فالإنسان يصلى بما لله، وكأنه يجعل
الله أمامه ثم يتأمل كل صفة فيه ويمتدحها، هذا هو التسبيح.

 

و الله حىّ للأبد ليس
ذلك وحسب وإنما أيضاً أزلى، وقد خلق دميع الأشياء معاً بمعنى خلق المادة أولاً ثم
منها صنع كل شىء، وخلقها معاً قد تعنى أيضاً أنها كانت حاضرة فى ذهن الله معاً منذ
البداية وانما حددّ موعداً لتجسيدها، فقد ورد فى (تكوين
1 : 1
) " فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ
السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ.
" ثم شرح السفر بعد ذلك تفاصيل هذا الخلق، وفى
كل هذه الخلائق، مادية وبشرية، عاقلة وغير عاقلة، يؤول المجد إلى الله وتعود إليه
العظمة " يُزَكَى وَحدَه ".

 

و من يستطيع أن يدرك كل
أعماله وأسرارها، فمازال العلم الحديث يحاول اكتشاف الكون من حولنا، بل إن العقل
ذاته الذى حقق كل هذه الإختراعات والإكتشافات لم يستخدم سوى ثلثه فقط !! ولهذا
فنحن ننحنى أمام كل هذه الأسرار وهذه العظمة صامتين مقدمين المجد والسبح له
" رَتَّبَ عَظائِمَ حِكمَتِه وهو الكائِنُ مُنذُ الأزلِ وإلى
الأبد ولم يُضَف إليه شَيءٌ ولم يُحذَفْ منه شَيء ولا يَحتاجُ إلى مَشورَة أَحَد.
(سيراخ 42 : 21) " راجع أيضاً
(مزمور 129 : 17).

 

و أمّا المقصود فى (الآية 4) فى أن الله لم
يَسمَحْ لأَحَدٍ أَن يُخبِرَ بِأَعْمالِه،
فهو الإدراك والفهم الكامل
أى عدم قدرة الإنسان – مهما كان – على سبر أغوار حكمة الله فى هذه المخلوقات جميعاً.

 

لا سَبيلَ
إِلى الإسقاطِ مِنها ولا الزِّيادةِ علَيها:

و يقصد بذلك أن جميع
المخترعات الحديثة هى فى الواقع إعادة تشكيل أو اكتشاف للمادة الموجودة أصلاً وليست
بالتالى إضافة إلى خلائق الله، وكذلك لا يستطيع شخص ما أن ينكر على الله خلقه لشىء
ما، أو ينسبه إلى آخر أو إلى الصدفة البحتة
" وهُناكَ خَفايا كثيرةٌ أَعظَمُ مِن هذه فإنَّ الَّذي رَأَيناه
مِن أَعْمالِه هو القَليل.
(سيراخ 43 : 32، 33)
"
.
هذا وقد عالج السفر هذه الفكرة بإسهاب أكثر فى
(سيراخ
42 : 15 – 43 : 33).

 

الآية 7 :

يقصد بها أنه إذا أجهد
الإنسان نفسه وبذل كل جهده لكى يسبر غور هذه الأسرار والخلائق العظيمة فإنه سيكتشف
أيضاً أنه مايزال عند البداية كقطرة فى محيط أو أنه سار ميلاً واحداً فى مدّ أفقى
غير متناه، وهكذا يبرز ضعف الإنسان، عظمة الله وقدرته.

على ذلك يعلق العلامة
أوريجانوس
فى تفسيره لإنجيل القديس يوحنا قائلاً : " إن الإنسان سيتحير كثيراً إذا فكر فى كيف قال المسيح ليوحنا
أن يعمده، فهو الإله بينما يوحنا بشرى مخلوق وكذلك يوحنا يتعجب لأنه ليس أهلاً
لذلك. على أية حال هناك أشياء كثيرة غير مفهومة، كما قال ابن سيراخ
"
1.

و فى حديثه عن الثالوث
يقول القديس أغسطينوس : " إن البحث عن
حقيقة إيمانية موجودة هو أسهل بكثير من افتراض شىء غير موجود والبحث عنه، فإذا
بحثنا عن شىء نؤمن به فسنجده سريعاً، وإذا أفرغ الإنسان امكانياته فى معرفة الله ومعرفة
عجائبه فهو لا يزال فى بداية الطريق
"
2.

 

ضعف
الإنسان مقابل عظمة الله

8 ما
الإِنسان؟ وما مَنفَعَتُه؟ ما خَيرُه وما شره؟ 9 عَدَدُ أَيَّامِ الإنسان على
أكَثَرِ مِئَةُ سَنَة. 10 كنُقطَةِ ماءٍ مِنَ البَحرِ وكذرةٍ مِنَ الرَّمل هكذا هي
هذه السِّنونَ القَليلةُ أَمامَ الأَبَدِيَّة. 11 فلِذلك طالَت علَيهمِ أَناةُ
الرَّبّ وأفاضَ علَيهم رَحمَته. 12 رأى وعَلِمَ ما أَشْقى نِهايَتَهم فلِذلكَ
أَكثَر مِنَ العَفْو. 13 رَحمَة الإِنسانِ لِقَريبه أَمَّا رَحمَةُ الرَّبِّ
فلِكُلِّ ذي جَسَد: يُوَبَخ وُيؤَدَبُ وُيعَلِّمُ ويَرُدُّ كالرَاعي رَعِيَّتَه. 14
يَرحَمُ الَّذينَ يَقبَلونَ التَّأديب وُيبادِرونَ إِلى أحْكامِه.

 

ضعف
الإنسان :

يقيس ابن سيراخ هنا
عظمة الإنسان بالعظمة الإلهية، وسني الإنسان مهما طالت بالحياة الأبدية، وأعمال
الإنسان نفسها قدام صفات الله… " ما خَيرُه "
أى ماذا يساوى كل بر الإنسان أليس مثل خرقة الطامث، كذلك شرّه هل يقدر أن يسىء إلى
الله أو يبطل خطة الله. فليخزى الآن المفتخرون بشرّهم فإنهم سيغنون وسيبطل شرّهم…
وليتضع المفتخرون ببرّهم فإن كل ما قيهم من بر هو من الله.

 

غير أن ذلك يجب ألاّ
يدفع إلى اليأس بل إلى التعقّل، فإن البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية، إنما
القياس هنا بالنسبة لله نفسه، ولاشك أن الله يفرح أيضاً بالبار وينتقم من الشرير
متى أمعن فى الشر وتأصّل.

 

عمر
الإنسان :

تناقص عمر الإنسان بعد
الطوفان إلى مائة وعشرين سنة بعد أن كان مئات السنين فى البداية، وجاء الموت
كنتيجة للخطية، وكان هابيل هو أول إنسان يعاين فيه الناس الموت ومن بعده
ظلت البشرية قرابة الألف عام دون موت، وفى (تكوين 6)
نقرأ أن الشر قد استشرى بين الجميع، ويقول القديس أمبروسيوس : " أن الموت أعطى كعلاج، إذ يضع حلاً للشرور "، ويصف
أبونا يعقوب سنيه بأنها مائة وعشرين عاماً أكثرها (معظمها) تعب وبلية، وأمّا عصر
ابن سيراخ هنا يتناقص حتى المائة فقط
3، ولكن كل ذلك لا يقاس إلى جوار الأبدية وما حياة الإنسان وموته
الجسدى هنا، سوى نقطة باهتة على ذلك الخط الذى يربط بين الزمن واللانهائى، فمن ذا الذى
يبيع أبديته بدنياه القليلة الأيام ومن ذا الذى يستبدل المحفل السماوى بلذة عابرة
! " أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً
وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ
وَبَلِيَّةٌ لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعاً فَنَطِيرُ.
" (مزمور 90 : 10) راجع أيضاً
(سيراخ
17 : 2).

هل تبحث عن  هوت روحى الوسائط الروحية 04

و يطيل الله أناته على
الناس لعلهم يرجعوا، فينجون بذلك من شقاء لا ينتهى، فهو يعرف طبيعتنا ويرثى لضعفنا
ويعفو متى تاب الإنسان.

 

رحمة
الإنسان ورحمة الله :

إذا قيست رحمة الإنسان
لأخيه، برحمة الله لإثنيهما، فإن رحمة الله واسعة غير محدودة، تساءل أحد الأشخاص
مستنكراً كيف يستطيع احتمال جاره الذى يسىء إليه فقيل له عجباً وكيف يحتمل الله
اثنيكما معاً !؟ إن رحمة الإنسان محدودة لا تتخطى الصفح عن الأخ أو الإحسان إليه ولكن
الله يغفر لنا خطايانا متى تبنا مهما تعددت مرات السقوط، فنحن نغفر أحدنا للآخر فى
إطار أخلاقى وربما تنفيذاً للوصية الربية ولكن الخطية تظل باقية ما لم يغفرها الله
فى استحقاقات دمه الثمين، وهكذا لا تقاس رحمة الله برحمة الإنسان، فالخاطىء قد
يغفر للخاطىء والبار ولكن العجيب أن يموت البار عن الأثمة، لقد قرأنا الكثير من
القصص التى تصف لنا رحمة الإنسان لأخيه ولكننا قرأنا وسمعنا الكثير من القصص المدهشة
عن أناس قتلوا آخرين وسرقوا البعض وآذوا كثيرين.

 

و لله طًرقاً مختلفة فى
التعامل مع البشر ما بين الملاطفة والعتاب والعقاب، والتوبيخ والتعليم، تماماً مثل
الأم الحنون التى تستخدم كل هذه الأساليب معاً، أيهما يصلح، فهناك من يناسبه
الملاطفة وهناك من تناسبه العقوبة، وقد عولجت هذه الفكرة فى (حكمة 12 : 19 – 22) واختار الله فى العهد القديم بل
وفى العهد الجديد أيضاً رمز الراعى والخراف للإشارة إلى علاقته بشعبه، وذلك بسبب
طبيعة الأرض فى اليهودية واشتغال الأكثرين فى مهنة الرعى، وصار منظر الراعى وهو
يحمل خروفه الصغير رمزاً للمسيحية فى بداية عهدها
4، ويتصف الراعى بالحنو والبذل حتى نفسه عن
الخراف، كما تتسم الخراف (الرعية) بالتسليم والطاعة والبساطة. راجع (مكابيين الثانى 6 : 13 – 16). ويرد فى كتاب المعلم
تعليقاً على الآيتين (13، 14) أن الخوف هو
دافع هام للخلاص يأتى من خلال تأديب الرب وتوبيخه مثل الراعى فيرحم الذين يقبلون
التأديب
5.

 

العطاء

15 يا
بُنَيَّ، لا تَقرِنِ الصَّنيعةَ بِالمَلامة ولا العَطايا بِالكَلام المُكَدر. 16
أَليسَ النَّدى يُسَكِّنُ القَيظ؟ فهكذا الكَلامُ أَفضَلُ مِن العَطِيَّة. 17 أَما
تَرى أَنَّ الكَلامَ أَفضَلُ مِنَ العَطِيَّة؟ وكِلاهُما عِندَ الرجُلِ المُحسِن. 18
الأَحمَقُ يُعَنِّفُ ولا يَلطُف وعَطِيَّةُ الحاسِدِ تُحرِقُ العُيون.

 

هنا حديث عن نتائج أناة
الله، مثل الرحمة على البشر من قبل مَن شعروا بالرحمة من الله، فالبار المتصدق هو
من يشعر بأنه اؤتمن فقط على المال الذى يهبه للفقير لذلك يهبه بفرح لأنه يضعه فى
مكانه ويعطى الصدقة مع كلمات التشجيع، فإن الفقير كثيراً ما يحتاج إلى كلمة
التعزية اكثر من النقود، ولكن ليت العطاء أيضاً يُقرن بكلمات النعمة، ويروى عن
القديس أنبا أغاثون هذه القصة : حدث مرة أن مضى إلى المدينة ليبيع عمل يديه فوجد
إنساناً مجذوماً على الطريق فقال له المجذوم إلى أين تذهب، فقال له : إلى المدينة،
فقال له المجذوم : اصنع معى رحمة وخذنى معك، فحمله وأتى به إلى المدينة، فقال له
المجذوم : خذنى معك إلى حيث تبيع عمل يديك، فأخذه، ولما باع عمل يديه سأله المجذوم
: بكم بعت؟ فقال بكذا وكذا، فقال له المجذوم : أشتر لى شبكة. فاشترى له. ومضى وباع
ثم عاد وقال له المجذوم : خذ لى كذا وكذا من الأطعمة فأخذ له. ولما أراد المضى إلى
قلايته قال له المجذوم : خذنى إلى الموضع الذى وجدتنى فيه أولاً فحمله وردّه إليه.
فقال له الرجل : " مبارك أنت من الرب إلهنا الذى خلق السماء والأرض "
فرفع الأنبا أغاثون عينه فلم يره لأنه كان ملاك الرب أرسل إليه ليجربه
6.

 

إن القلب الحنون هو
الذى يحث صاحبه على عمل الرحمة وبالتالى يحثه على لطيف الكلام ولين الحديث، ولكن
هناك من يعطى ليتخلص من إلحاح الفقير (ويوجد فى كثير من المواضع من يتسولون
بالإكراه من خلال الإلحاح الشديد أو المنظر الكريه أو تقريب حيّة من ركاب القطار
مثلاً) ومن الناس من يعطى ليتمجّد بمن يعطيه وما يعطيه، وهناك من يعطى ليتلذذ بذلّ
السائل وغناه هو، ويحذر ابن سيراخ فى موضع آخر من الإهانة فى الأخذ والعطاء. راجع
(41
: 21).

 

على ذلك يعلق القديس
يوحنا ذهبى الفم
قائلاً : " كما أن الغنى لا
يشعر بالسعادة بسبب الإهانة رغم أمواله الكثيرة، هكذا أيضاً من نوجه إليه الحديث
بلطف اعطيت له الصدقة مع كلمات التشجيع فإنه يتهلل ويبتهج بالأكثر وما أعطى يصير
مضاعفاً فى قيمته بسبب الأسلوب الذى أُعطى به، ولا أقول ذلك من نفسى ولكن سفر ابن
سيراخ هو الذى أوردها
".
7

هل تبحث عن  م المسيح هل هناك نبي آخر سيأتي بعد المسيح ح

 

و فى موضع آخر يقول :
" عندما تعطى لا تتّهم ولا تضرب ولا تسب، اعط
للشفاء وليس للتجرح فمن يأتى إليك يحتاج إلى الرحمة وليس إلى السيف، هل الذى جرح (بسبب
الفقر) يحتاج إلى جرح آخر منك أم إلى علاج، هل تعلم مقدار قوة الكلمة كيف ترفع وكيف
تهبط لأن الكلام أفضل من العطية
".
8

 

و يعود فيقول " لا تهين لسانكفكيف سيتضرع إلى الله. إملأه بالبركة… بأعمال
الصدقة لأنه ممكن أيضاً عمل الصدقة باللسان
لأن الكلام أفضل من العطية
"
9.

 

البصيرة

19 قَبْلَ
الكَلام تَعَلَمْ وقَبْلَ المَرَضِ اْعتَنِ بِصِحَّتِكَ 20 وقَبْلَ القَضاءَ
اْفحَصْ نَفسَكَ فتَنالَ العَفْوَ ساعةَ الاْفتِقاد. 21 قَبْلَ المَرَضِ كُن
مُتَواضِعًا وعِندَ اْرتكابِ الخَطايا أظْهِرْ تَوبَتَكَ. 22 لا يَمنَعْكَ شَيءٌ
مِن قَضاءَ نَذرِكَ في وَقتِه ولا تَنتَظِرْ ساعةَ المَوتِ لِتُؤَدِّيَ ما علَيكَ.
23 قَبْلَ القِيامِ بِنَذْرٍ هَيِّئ نَفسكَ ولا تَكُنْ كإنسانٍ يُجَربُ الربّ. 24
تَذَكَّرْ غَضَبَ الأيَّام الأَخيرة ووَقتَ العِقابِ عِندَ تًحَوّلِ وَجهِ الربّ 25
في وَقتِ الشِّبعَِ اذكُرْ وَقتَ الجوع وفي أَيام الغِنى اْذكُرِ الفَقرَ
والعَوَز. 26 بَينَ الفَجرِ والمَساءَ يَتَغير الزَّمان كلُّ شَيءٍ يَمُرّ مَريعًا
أَمامَ الرًبَ. 27 الحَكيمُ يَتَحَذَّرُ في كُل شَيء وفي أَيامِ الخَطايا يَتحذِر
مِنَ الهَفَوات. 28 كُلُّ عاقِلٍ يَعرِفُ الحِكمَة ويَشهَدُ لِمَن يَجدُها.

29
العُقَلاءُ في الكَلاَم هم أَيضًا حُكَماء وُيمطِرونَ الأَمْثاًل السَّديدة.

 

هذه بعض النصائح لتوخّى
الحذر والإستعداد، وبمعنى أدقّ
اليقظة، فإن أكثر متاعب
الإنسان تأتى من الغفلة وعدم محاسبة النفس والتى تحّول جميع ما يحدث إلى رصيد خبرة
يفيد فى الاختبارات القادمة، وبخصوص الكلام : على الإنسان أن يختار ما يقوله ويتعلّم
التدقيق فى ذلك " هَيِّئ كَلامَكَ فتُسمعَ واستَجمع
عِلمَكَ وجاوِبْ.
(سيراخ 33 : 4) "
فإن كلمة واحدة قد تخلص إنسان بينما قد يهلك آخر بكلمة واحدة أيضاً، يقول معلمنا
يعقوب الرسول فى هذا
" إن اللسان وهو عضو صغير
يُضرم من جهنم ويضرم دائرة الكون
" وما أسهل خطايا اللسان، قال بعضهم :
تعلّم كيف تنصت جيداً وستعرف عندئذ كيف ومتى تتكلّم. راجع
(سيراخ
5 : 11 – 14)،

(11 : 7، 8).

 

المَرَضِ :

الجسد وزنة من الله
علينا الإهتمام بها وذلك دون تدليل، علينا أن نهب أجسادنا ما تحتاجه فقط دون زيادة
قد تضرّ به وبالروح، فالجسد المُنهك لا يستطيع أن يساعدنا فى الجهاد وعند مرضه
سيؤثر حتما على النفس وربما الروح. وللطبيعة قانون وضعه الله وكل من يخالف هذا
القانون يُعاقب، فمن أهمل صحته أصابه المرض مهما كان باراً !!

 

و أمّا المعجزات فهى
ليست ضد القانون الطبيعى ولكنها فوق القانون، ونقرأ عن السيد المسيح كإنسان مثلنا
: أنه أكل وشرب ونام كإنسان كامل.

 

و أمّا فكرة أن المرض قد
يأتى عقوبة فإن ذلك ليس قاعدة، فهناك أشرار كثيرون لم يعاقبوا بالمرض وفى المقابل
هناك مرضى كثيرون من الأبرار، الأمر الذى جعل إرميا النبى يتعجب ويتساءل فى حيرة
عن نجاح طريق الأشرار واطمئنان الغادرين
(إرميا 12 : 1، 2) وتعجب سليمان الحكيم أيضاً من شرير
يطول فى شره وبار يموت فى بره، غير أنه فى بعض الأحيان يسهم المرض فى توبة شخص
لاسيما وإن كان متكبراً متعجرفاً، فإن المرض يجعل الجسم متضعاً ولا شك أن المريض
هو أقرب الأحياء إلى الله
!! إن هذا يعنى أن الحياة هنا على الأرض بما فيها من
جسد ولذة لا يعول عليها كثيراً.

 

محاسبة
النفس :

الأمر هنا يحتاج إلى
صدق. وإلى أن يدين الإنسان نفسه قبل أن يدينه الله، على ألاّ يتوقف الأمر عند
الإدانة فحسب وإنما يتخطاه إلى التوبة وتحويل الندم إلى مصالحة صادقة مع الله.
فمتى ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله، وحتى إذا ارتكبنا بعض الخطايا (آية 21) فإن الله لن يديننا لأننا اخطأنا ولكنه
سيديننا ما لم نتب بعدما أخطأنا (حسب تعبير أحد القديسين). وينبهنا ابن سيراخ إلى
التفكرّ فى اليوم الأخير, حيث لا تفيد الدموع ولا تنفع الحسرة، وحيث لا دفاع ولا
تأجيل للحكم، ولا كفالة ولا مطهر ! فإذا ما تحولّ وجه الله عنا فماذا عسانا
أن نفعل حينئذ؟! فإذا قال الرب للواحد : إذهب أنت إلى اليسار، ولآخر هيا أنت إلى
يمينى، فقد قضى الأمر !.

 

النذر :

يؤكد السفر هنا ما ورد
فى سفر التثنية عن النذر
(تثنية 23 : 21 –
23
) عن ضرورة الوفاء بالنذر وفى سفر الجامعة بأنه
" إِذَا نَذَرْتَ نَذْراً لِلَّهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ
الْوَفَاءِ بِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِالْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ.
أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ.
" (جامعة 5 : 4، 5) وكل إنسان حرّ فى أن لا ينذر، ليست
هناك خطية فى عدم النذر. غير أنه إذا نذر، عليه أن يفى ويكون أميناً أمام الله،
فهى تعبير عن الشكر لأن الله حقق ألأمنية وهى غالباً ما ترتبط بطلب الخير من الله
أو النجاح أو السعة، كما أن هذه النذور سوف تنفق على الأرملو واليتيم والغريب والضيف،
فهى من يد الله وله…

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حيلام 2

 

و النذور موجودة ضمن
قائمة التقدمات فى (تثنية 12 : 6، 11، 17، 26)
فكان الشعب يمضى إلى الخيمة وبعد ذلك الهيكل ليقدم البكور والعشور والنذور… وهكذا
يعتبر عدم الوفاء بالنذر خطية بل أن الإنسان عليه أن يفى بالنذر حتى إن لم تتحقق
طلبته، لأنه بذلك يكون على سبيل من يعاقب الله لأنه لم يعطه ما طلبه !!. ومن هنا
على الإنسان أن ينذر بتعقّل وتمهّل دون تهوّر ولا يتبّع عاطفته غير المستقرة عندما
يهّم بالنذر ولا يسرف فى الوعود. لئلا يضع نفسه فى مأزق ويصبح تحت طائلة العقاب،
راجع أيضاً (أمثال 20 : 25).

 

الإحتياط
:

ينصح ابن سيراخ هنا بأن
الحياة كلها ليست غنى وليست كلها شبع وليس كلها بر وفضائل… فعندما نغتنى ونشبع علينا
ألاّ نغترّ فنحن لا نعلم ما يجلبه لنا الغد، والأفضل للإنسان أن يأخذ كفايته وأن
يكون مقتصداً، فالتدبير هام والتبصرّ هو فضيلة بحد ذاته، وربما كانت دعوة
للإقتصاد وعدم التبذير، فإنه قد يفتقر الغنى وقد ينفذ الطعام حتى فى وجود المال.
هذا وقد أكدّ السفر على هذه الفكرة فى
(سيراخ 11 : 24 – 28).

 

و فى رسائل التعزية
التى أرسلها القديس يوحنا ذهبى الفم إلى أولمبيا التى توفى زوجها الشاب
فجأة، يقول : " ان نفسك حزينة بسبب ما كنت
تتوقعينه لزوجك من درجات وكيف أنه انتزع قبل أوانه من هذه الكرامة. إن الحياة
مليئة بمثل هذه المفارقات فكثيرين توقعوا المجد ولم ينالوه وآخرين تحققت لهم
كرامات لم تكن فى فكرهم. إن هذا يحدث كثيراً فى الحكومات والممالك والميراث والزيجات،
هكذا قد تكون الفرصة قريبة جداً من يدنا فكما يقول المثل بين الكأس والشفاة مجرد
زلّة، ويقول الكتاب المقدس (
بَينَ الفَجرِ
والمَساءَ يَتَغير الزَّمان)
لقد فضح يشوع
بن سيراخ التناقض فى آمال البشر قائلاً (كثير من الطغاة جلسوا على التراب والخامل
الذكر لبس التاج)
"
10.

 

و فى موضع آخر يقول :
عندما كنا حزانى عزانا الله فلنشكره الآن ونحن سعداء، فى كربنا أراحنا ولم يتركنا
فدعونا لا نخونه أو نخون أنفسنا فى وقت الرخاء ونتحاشى الإنجراف نحو الكسل. لنكن
متيقظين للوقت، وفيما يتعلق بالخطايا فلنتصرف بنفس الأسلوب، فى وقت الشبع أذكر وقت
الجوع وفى أيام الغنى أذكر الفقر والعوز
11.

 

في أَيامِ
الخَطايا يَتحذِر مِنَ الهَفَوات:

المقصود هنا أن يحترس
الإنسان من مجرد الهفوات وذلك فى الأوقات التى يضعف فيها وتستهويه الخطية وكذلك فى
الأماكن التى من الممكن أن تجتذبه الخطية فيها.

 

و ختام
الأمر كله :

فإن الحكيم هو ذاك
الرجل الذى يتبصرّ فى كل الأمور، والحكمة هى الربان الحكيم فى خضّم هذه الحياة وهى
الضامن للنجاة من مثل هذه الشراك، فكل عاقل يحب الحكمة ويسعى فى إثرها ولنا فى ذلك،
سليمان الحكيم مثالاً (آية 29).

 

ضبط النفس

30 لا
تتَبعْ أَهْواءَكَ، بل اْكبَحْ شَهَواتِكَ. 31 فإِنَّكَ إِن أَبَحتَ لِنَفسِكَ
الرَضا بِالشَّهوَة جَعَلَتك شَماتةً لأَعْدائِكَ. 32 لا تَستَمتع بِكَثْرَةِ
المَآكِل ولا تُلزِمْ نَفْسَكَ الإِنفاقَ علَيها. 33 لا تُفقِرْ نَفْسَكَ يِا
بالمآدِبِ تُنفِقُ علَيها مِنَ الدَّين ولَيسَ في كيسِكَ شَيء.

 

يحذر ابن سيراخ هنا من
الإنغماس فى الملاذ والملاهى وكما قلنا سابقاً، فعلى الإنسان أن يأخذ كفايته فقط،
فليست السعادة فى المآكل والولائم وإنما البذل لأجل الآخرين وشكر الله على الخير
اليسير الذى بين أيدينا.

 

إن الفرق بين الكبت والضبط.
إن الكبت هو شدة الإشتياق مع شدة الحرمان، بينما الضبط هو وجود الرغبة مع توافر
الإمكانية والإرادة القوية التى تنظم العلاقة بينهما، إن الطعام يهب اللذة الوقتية
فقط ولكنه لا يحقق السعادة التى نرجوها ولا الفرح القلبى الذى ننشده
" لا تَشر إِلى كُلِّ لَذَّة ولا َتنصَبَّ على الأَطعِمَة.
فإِنَّ كَثرَةَ أكَلِ تَجلُبُ المَرَض والشَّرَهَ يَبلغٌ إِلى المَغْص. كَثيرونَ
ماتوا مِنَ الشَّرَه أَمَّا القَنوعُ فيُطيلُ حَياتَه.
(سيراخ 37 : 29 – 31) " ويرد فى تاريخ العرب
كيف أن أحد الولاة جلس ليأكل دون توقف حتى ضغط الطعام بقوة على الحجاب الحاجز
فاختنق (فطس) ومات مكانه.



1 Anti Nicene V.10، p. 368

2 Nicene and P.N, v.3،
p.125

3 والآن
يصل متوسط عمر الإنسان إلى تسعة وتسعين عاماً بين غير المدخنين، بينما يصل إلى
ستين عاماً فقط بين المدخنين (حسب احصائية فرنسية).

4 وفى
متحف " لا تران " يوجد تمثال لراعٍ يحمل خروف، ويظهر حجم الخروف ضعف حجم
الراعى، وفيه اشارة إلى عظم التضحية، ويسمى بعض الشراح (مثل كينيث بيلى) ذلك ب
" ثقل التجديد " راجع كتاب " عندما باعنى ابنى " ل : كينيث
بيلى.

5 Anti Nicene v.2،
p.230

6 Nicene & P.N. v.9, p.360 بستان الرهبان / ص 67

7 Nicene & P. N, v.9، p.56.

8 Ibid v. 10،
p.237
تفسير إنجيل متى

9 Ibid p.319

10 Nicene & P.N. v.9،
p.127

11 Ibid p.418

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي