الإصحَاحُ الرَّابعُ والأرْبَعُونَ

 

مدح
الرجال العظماء

1 لِنَمدحِ الرِّجالَ المَشْهورينَ وآباءَنا بِحَسَبِ أَجْيالِهم. 2
خَلَقَ الرَّبُّ مَجدًا وافِرًا وأَظهَرَ عَظَمَتَه مُنذُ القِدَم. 3 كانوا ذَوي
سُلطانٍ في مَمالِكِهم واشتَهَروا بِقُدرَتهم 4 كانوا ذَوي مَشورَةٍ بِفِطنَتِهم
ورُسُلاً بِنُبوءاتِهم وأَئِمَّةَ الشَّعبِ بِمَشوراتِهم وبِفَهمِهم لِلعِلمِ
الشَّعبِيّ وبأَقْوالِ تأديبِهمِ الحِكَمية. 5 بَحَثوا في أَلْحانِ الموسيقى ودَوَّنوا
رِواياتٍ شِعرِيَّة 6 وكانوا رِجالاً أَغنِياءَ أَصْحابَ قُدرَة يَعيشونَ بِسَلام
في بُيوتهم. 7 أولئِكَ كلُهم نًالوا مَجدًا مِن بَني جيلهم وكانوا مَوضوعَ
افتِخارٍ في أيَّامِهم. 8 فمِنهُم مَن خلَفوا اْسمًا يَجعَلُ النَّاسَ يُخبِرونَ
بِمَدائِحِهم. 9 ومِنهم مَن لم يَبقَ لَهم ذِكرٌ وقد هلَكوا كأَنَّهم لم يَكونوا
قَطّ وصاروا كأَنَّهم لم يَكونوا هُم وبَنوهم بَعدَهم. 10 وهُناكَ رِجالُ رَحمَةٍ
وأَعمالُ بِرِّهم لم تُنْسَ. 11 الميراثُ الصَّالِحُ يَدومُ مع ذُرًّيتهم وهّو
أَولادُهم. 12 ذُرًّيتهم تَبْقى أَمينةً لِلعُهود وأَولادُهم كذلك بِفَضلِهم. 13
لِلأَبَدِ نَدومُ ذُرًّيتُهم ولا يُمْحى مَجدُهم. 14 أَجْسامُهم دُفِنَت بِسَلام وأَسْماؤُهم
تَحْيا مَدى الأَجْيال. 15 الشُّعوبُ تُحَدِّثُ بِحِكمَتِهم والجَماعةُ تُخبِرُ
بِمَديحِهم.

 

من هنا يبدأ ابن سيراخ مديح
طويل فى عظماء اسرائيل، يتابع الحديث عن مجد الله ولكن هذه المرة فى قديسيه ورجاله
الأتقياء الذين بقوته وتبعوه هم بكل قلوبهم، وهكذا تمجد الطبيعة والبشرية معاً
الله، حتى وإن كانت الحكمة نفسها هى عطية الله (سيراخ
1 : 1 – 10 ؛ 24 : 1 – 12)
فإن عظمة اسرائيل كانت بسبب هذه الحكمة الممنوحة
(سيراخ 43 : 33) وسوف تدرك من مديح ابن سيراخ
لرجاء إسرائيل كيف كان اليهودى التقى يفهم تاريخ إسرائيل، راجع
(مكابيين الثانى 2 : 51 – 64).

 

و يبدأ تمجيد الآباء من
أخنوخ وحتى سمعان رئيس الكهنة والمعاصر لابن سيراخ ومعاملات الرب معهم كدليل على
تأثير الحكمة فى تاريخ الخلاص. والقائمة تضم أنواع مختلفة من هؤلاء الرجال
المشهورين بالتتابع، والذين أظهر الله فيهم مجده فيذكر أولاً:

 

محاربون وحكام
:

مثل يشوع بن نون وداود
النبى وسليمان، الذين كان لهم سلطان وأصحاب مشورة وحكماء فى الأمور الحياتية (مثل
سليمان وأمثاله).

 

مستشارين وأنبياء
:

مثل إيليا النبى وإشعياء
النبى.

 

الموسيقيين
:

كانت الموسيقى عمل قائم
بذاته فى هيكل سليمان وكان لهم نظامهم وطقوسهم ورواتبهم اليومية، راجع (ملوك أول 4 : 32). هؤلاء مجدّهم الله
(33
: 11، 12)
فمجدّهم
الناس فى أيامهم.

 

آية 8 :

و من الناس من خلّف
ذكراً صالحاً ومنهم من خلّف ذكراً رديئاً مثل يوشيا الملك الصالح مقابل يربعام بن
نباط، الملك الشرير، وهكذا ومثل هارون الكاهن وقورح المجترىء، وهكذا صار ذكر
الأبرار منهم حُلواً فى أفواهالأجيال بينما صار الآخرين رمزاً للفساد والشرّ وكأنهم
لم يكونوا، فإن عاش شخص ما خمسون عاماً ولم ينجز فيها خيراً فقد صارت 50
x
صفر ! أى كأنه لم يعش أصلاً فى حين عاش آخر مثل هذه الخمسون عاماً ولكنه جعلها
كلها إنجاز وعطاء فصارت وكأنها 50
x 100 ! ويخلّف ذكراً حسناً (آية 9) قارن مع (47
: 23 – 25 ؛ 48 : 16 ؛ 49 : 4، 5).
وكل من صنع رحمة وكل من صنع براً وكل من شهد
للرب فى حياته وأثر فى شعبه لم ينسه الناس ولم يهمل الله أجره، وأمّا الأمور التى
تحفظ ذكراهم فهى :

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر الخروج 35

·            
ازهار ذريتهم جيلاً بعد جيل، فى نسل صالح عريق (آية 11 – 13)

·            
الدفن اللائق بهم، فمازال قبر داود موجود حتى
الآن وكذلك راحيل وغيرهم.

·            
ذكراهم حيّة تتعلّم منها الأجيال، وستبقى مثلما
بقيت اسرائيل نفسها (37 : 26 ؛ 39 : 9 – 11).

 

هكذا ترك الأنبا
أنطونيوس وبقية عظماء الرهبنة أولاداً لا حصر لهم فى جميع أنحاء العالم وكازالت
أقوالهم وسيرهم مصدر قوة دافعة فى الحياة الرهبانية رغم مرور خمسة عشر قرناً على
نياحتهم، ومازالت أجسادهم مصدر بركة وتعزية وشفاء لكثيرين.

 

أخنوخ

16 أَخْنوخُ أَرْضى الرَّبَّ فنُقِل وهو عِبرَةٌ لِتَوبَةِ
الأَجْيال.

 

الإسم يعنى المبتدىء أو
المكرّس، وهو من الشخصيات العجيبة والرائعة فى العهد القديم، وهو يشترك مع إيليا
النبى فى ميزة وخبرة الأختطاف حياً وعدم الخضوع للموت الجسدى حتى الآن مثل بقية
البشر، وقد شُهد له بأنه أرضى الرب، إننا لا نعرف عنه الكثير، سوى إشارات سريعة فى
مواضع قليلة من الكتاب المقدس " بِالإِيمَانِ
نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ
نَقَلَهُ – إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ.
"
(عبرانيين 11 : 5) راجع أيضاً (تكوين 5 : 24)، (يهوذا
14
).

 

إنه الشعاع الذى أضاء
البشرية فى فجرها، وقد تعرّف الله فى سن الخامسة والستين وعاش معه ثلثمائة سنة، ولعله
كان أسعد إنسان فى جيله ومازال الكثير من الغموض يلف سيرته وكيف سيذوق الموت حسب
القانون الإلهى (عبرانيين 9 : 27) وكان العصر الذى
يعيش فيه أخنوخ يتسم بالفجور والإنحلال ولذلك فقد جاءت نبوته فى رسالة معلمنا
يهوذا " هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ
قِدِّيسِيهِ لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ
فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُِ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا،
وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ
خُطَاةٌ فُجَّارٌ
" (يهوذا 14، 15)
وهكذا صار عبرة لتوبة الأجيال، وقد أعلن عن الخلود فى فجر البشرية وهى ماتزال فى
بدايتها
(سيراخ 49 : 14) 1.

هل تبحث عن  هوت روحى كلمة منفعة 61

 

نوح البار

17 نُوحٌ وُجِدَ بارًّا على وَجهٍ كامل وفي زَمانِ الغَضَبِ صارَ
فَسيلَة وبِسَبَبِه أبقِيَت بَقِيَّةٌ على الأَرض حينَ كانَ الطُّوفان. 18 أقيمَت
معَه عُهودٌ أَبدِيَّة لِكَي لا يَهلِكَ بِالطُّوفانِ كُلُّ ذي جَسَد.

 

يرمز نوح إلى التجديد
فى الأرض فهو فَسيلَة (شتلة أو بقية)
راجع (إشعياء 6 : 11) البقية الصالحة فى أرض
أمتلأت بالشر والفجور (تكوين 6 : 9) " كَانَ نُوحٌ رَجُلا بَارّا كَامِلا فِي اجْيَالِهِ. وَسَارَ
نُوحٌ مَعَ اللهِ.
" وشهد نوح للرب وسار ضد التيار مائة وعشرين سنة
يعمل فى الفلك، وكان أهله وجيرانه وأقاربه وأبناءه يسخرون منه، ولكن ثقته فى الرب
كانت كبيرة، والحكمة التى وهبت له ملأته بالإستنارة ورأى بالبصيرة الروحية الهلاك
المزمع أن يأتى على العالم، ولكن الله أبقى على العالم من خلال نوح وأسرته
المكوّنة من سبعة أفراد، راجع (بطرس الأولى 3 : 20
(بطرس الثانية 2 : 5) وقد أيدَ الله هذه
البقية بوعدٍ أنه لن يهلكها، ولتثبيت الوعد أعطى علامة العهد وهى قوس قزح، راجع (تكوين 9 : 9 ؛ 18 : 21، 22) وجدير بالملاحظة أن
العهد مع موسى كان قاصراً على إسرائيل والعهد الجديد مع إبراهيم كان يخص ذريته فقط
(تكوين 17) ولكن عهد نوح يخص البشرية كلها.

 

إبراهيم
أب الآباء

19 إِبْراهيمُ كانَ أبَّاً عَظيمًا لِأُمَمً كَثيرة ولم يوجَدْ
نَظيرُه في المَجْد. 20 حَفِظَ شَريعةَ العَلِيِّ وقَطعَ عَهدًا معَه. في جَسَدِه
قَطعً هذا العَهْد وعِندَ الإمتِحانِ وُجدَ أَمينًا. 21 فلِذلك أَثبَتَ له
الرًّبُّ بِقَسَم أَنْ ستُبارَكُ الأمَمُ في نَسْلِه وأَن يُكَثّرَه كتُراِبِ
الأَرض وُيعلِيَ شأنَ ذُرَّيته كالنُّجوم وُيورِثَهم مِنَ البَحْرِ إِلى البَحْر ومِنَ
النَّهرِ إِلى أَقاصي الأَرض.

 

يُمثل إبراهيم وهو أول
البطاركة الثلاثة لليهود : أصل الذرّية، وهو واحد من ثلاث شخصيات يجلّها
اليهود (تكوين 12 : 2، 17 : 4)، (رومية 4 : 1 ؛ 13 : 18) يأتى من بعده موسى الذى يمثل
الشريعة أو التشريع ثم داود الذى يمثل المملكة أو الملك، ويفتخرون كثيراً بهم، وقد
صار إبراهيم مثالاً للطاعة دون أن يعرف الوجهة التى سيدعوه الله إليها، وقد بدأ
الله معه من خلال الختان (تكوين 17 ؛ 22 : 1 – 19)
والذى صار علامة التبعية لله لكل يهودى، إذ صار يمثل الموت عن العالم وتثبيت العهد
بالدم، وكان الختان إشارة إلى المعمودية
فى العهد الجديد، وأخذ إبراهيم وعداً من
الله أن يصبح نسله كرمل البحر ونجوم السماء، وثبت له هذا العهد
(عبرانيين 11 : 17)، (تكوين
22 : 18
) ويشير تعبير مِنَ البَحْرِ إِلى
البَحْر ومِنَ النَّهرِ إِلى أَقاصي الأَرض (آية 21)
إلى الوصف
التقليدى لمملكة إسرائيل المتسعة حيث يشير النهر إلى الفرات (تكوين 22 : 16 – 18) راجع أيضاً " وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ وَمِنَ النَّهْرِ
إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ.
" (مزمور 72 :
8
) ويرد كذلك فى سفر زكريا "……
وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى
الْبَحْرِ وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ.
" (زكريا 9 : 10) لقد أعطى إبراهيم لله فوهبه البركة، وقد
تغيّر اسمه إلى إبراهيم والذى يعنى أب جمهور كبير (تكوين
17 : 4
) وجعله عظيماً (آية 19) قارن
مع (تكوين 12 : 2) هذا فعله القديس أنطونيوس
عندما أطاع الله وترك العالم جعل الله أولاده كرمل البحر ونجوم السماء، وقد وصلت
طاعته إلى الذروة عندما قام بشجاعة ليذبح ابنه كأمر الله، ساعة الإمتحان (آية 20) قارن مع (تكوين
22 : 1 – 14
). وهكذا بطاعته للوصية تطابقت الحكمة التى فيه مع الشريعة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الأمثال هنرى أيرونسايد 29

 

اسحق ويعقوب

22 وكذلك أَثبَتَ ذلك لإِسحقَ إِكْراًما لإِبْراهيمَ أَبيه وأَقر على
رأسِ يَعْقوبَ بَرَكَةَ جَميعَ النَّاسِ والعَهْد. ثبّتَه في بَرَكاتِه وأَعْطاه
الميراث قَسمَ حُظوظَه ووَزعَها على الأَسْباطِ الاْثنَي عَشَر.

 

بارك الله إبراهيم فى
حياته، ثم امتدّت هذه البركة فى اسحق والذى يرمز إلى المسيح واسحق هو الشيخ الوديع
الهادىء الذى مرت أيامه بهدوء وسلام يحيا فى خوف الله، وبارك الله الإثنان غير أن
إبراهيم قد أورث اسحق الكثير من خصائصه وطباعه، إنه خير ابن لخير أبن (تكوين 17 : 9 ؛ 26 : 3 – 5، 24).

 

و أمّا يعقوب فهو يمثل
الجهاد الحقيقى والتعب والسهر والمشقة، فقد خبر حلو الحياة ومرّها، دخل مع الله فى
اختبارات حقيقية كثيرة وصارع معه وأخذ البرَكة، وبه تكونت جماعة اسرائيل " فَدَعَا اسْمَهُ اسْرَائِيلَ. " (تكوين 35 : 10).

 

و منه تفرقت الأسباط، وبينهم
قسّم الميراث (حُظوظَه) وكما أعطى الله
بركة الابن البكر ليعقوب (تكوين 27 : 28، 29 ؛ 28 : 3،
4
) فهو بدوره بارك كل أبنائه الاثنى عشر (تكوين
49 : 28
).

 

ومازالت الحكمة تعمل فى
أولاد الله فتفتح بصيرتهم فيؤمنون بالمواعيد إذ يرونها عن بعد ويحيّوها ويتبعون
الله فى صمت وفرح وإيمان عجيب.



 1 يوجد سفران لأخنوخ
ضمن الأسفار الأبوكريفية , وكذلك رؤيا أخنوخ وقد نشرت حديثاً ضمن مخطوطات قمران
باللغة العربية.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي