الإصحَاحُ
الْخَامِسُ

سر
التأديب

إن
كان الله قد دعى عروسه لكى تتجمل له بالزينة الداخلية، ففى عتاب تسأله: "
لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه؟ " ع 9 لماذا يستخدم الله كلمته النارية
المؤدبة بقسوة؟

الله
كعريس سماوى يتجاوب مع عروسه بروح الحوار المفتوح، وكأب يوضح لأولاده سر معاملاته
معهم حتى لا يسقطوا فى التذمر أو اليأس، ولا يظنوا أن الأمور تسير اعتباطا، إنما
يليق بهم أن يتفهموا خطة أبيهم حتى يثقوا فيه ويرجعوا إليه.

 

(1) لم يجد بينهم بارا واحدا

إن
كان الله هو الذى يتساءل أو نبيه إرميا عن إمكانية وجود شخص واحد يعمل بالعدل، فإن
الأمر حقا محزن للغاية.

" طوفوا فى شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا فى ساحتها،

هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها؟! ع 1

حاول
أبونا إبراهيم أن يتشفع من أجل سدوم وعمورة ولم يجد فيها عشرة أبرار تك 18: 23،
24.

أما هنا
فالله يطلب أن يجد فى أورشليم إنسانا واحدا عاملا طالبا الحق لكى يصفح عنها. لم
يجد إنسانا بارا بين القادة المدنيين والدينيين ولا بين العامة من الشعب!

كان
يوسف الشاب الصغير بارا، من أجله بارك الرب بيت فوطيفار، ومن أجله أنقذ مصر كلها
والبلاد المحيطة بها من المجاعة.

الله
يطلب إنسانا لكى يصفح عن أورشليم. ترى من هو هذا إلا ابن الإنسان، الله الكلمة،
الذى صار بالحق إنسانا لكى بدمه يكفر عن خطايا العالم كله؟! " إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار،
هو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا "
1 يو
2: 1، 2.

(2)
لم يقبلوا التأديب الأولى

إن
كانوا يعبدون الله الحى ويحلفون به، لكن عبادتهم غير مقبولة، ولا تبررهم.

أولا:
لأنهم إذا ما حلفوا بالله الحى، يحلفون بالكذب (ع 2).

ثانيا:
كانوا غير مستقيمين، يحلفون بالله الحى كما يحلفون بالآلهة الوثنية، إذ يقول فى
نفس الإصحاح: " كيف أصفح لك عن هذه؟! بنوك تركونى
بما ليس آلهة "
ع 7.

مما
أحزن قلب الله أن الجميع – الفقراء والعظماء – قد أبوا قبول التأديب الإلهى، وعوض
الرجوع إلى الله ازدادوا قساوة، فصارت وجوههم أكثر صلابة من الصخر.

" يا رب أليست عيناك على الحق (الأمانة)؟

ضربتهم فلم يتوجعوا.

افنيتهم وابوا قبول التأديب.

صلّبوا وجوههم اكثر من الصخر.

ابوا
الرجوع " ع 3.

قبل أن يتحدث عن التأديب يؤكد النبى أن الله فى تأديباته كما فى لطفه
يتطلع إلى الأمانة. يريد " الإيمان " الحى عاملا فينا، لنكون أمناء
حقيقيين، فننعم بالحق.

بائسون هم الذين لا يتألمون من سياط الله، ومطوبون هم الذين يتألمون
منها.

من جهة رفض التأديبات الإلهية التى تعين النفس على تجميلها روحيا يرى
النبى وجود فريقين:

1 – فريق دعاه " المساكين "، هؤلاء ليسوا مساكين بالروح،
أى ليسوا متواضعين فينالوا ملكوت الله (مت 5: 3)، إنما هم مساكين بسبب الجهل
الروحى، لا يدركون ما وراء التأديبات الإلهية من عمل إلهى، يتذمرون على الضيق ولا
يتوبون. هم هؤلاء يقول إرميا النبى:
" إنما هم مساكين، قد جهلوا لأنهم لم يعرفوا طريق الرب
قضاء إلههم " ع 4.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الأول 82

2 – فريق آخر دعاه " العظماء ": إذ شعر بمرارة من
جهة غير المتعلمين روحيا انطلق إلى أصحاب المعرفة، أى القيادات الدينية، ليتحدث
معهم، فوجد الكبرياء عائقا عن قبولهم تأديبات الرب. وكأن المساكين يرفضون التأديب
عن جهالة، والعظماء عن كبرياء..

"
أنطلق الى العظماء واكلمهم لانهم عرفوا طريق الرب قضاء الههم.اما هم فقد كسروا
النير جميعا وقطعوا الربط " ع 5

إذ رفضوا تأديبات الرب، وأبوا الرجوع إليه سقطوا فريسة لعدو الخير،
الذى يشبه أسد الوعر، وذئب المساء، والنمر الكامن حول مدنهم، قائلا:

"
من اجل ذلك يضربهم الاسد من الوعر.

ذئب المساء يهلكهم.

يكمن النمر حول مدنهم.

كل من خرج منها يفترس، لان ذنوبهم كثرت، تعاظمت معاصيهم " ع 6.

إذ
ازداد الجهلاء والمثقفون فى عنادهم ومقاومتهم لإرادة الله لم يبق أمامهم إلا
الهلاك الأكيد الذى لا مفر منه، وذلك بواسطة:

الأسد:
يستخدم الأسد كرمز لرعاية الله وحراسته لأولاده (رؤ 5: 5)، كما يستخدم لغضبه (إر
25: 30). استخدم أيضا كرمز لأبليس المفترس (1 بط 5: 8)، وللأنبياء الكذبة المهلكين
(حز 22: 5) وللملك الغاضب (أم 25: 30).

هنا:
يضرب الأسد من الوعر، يهلك بلا رحمة، قادما من البرية!

الذئب:
إشارة إلى حلول الهلاك ليلا وهم فى غير يقظة روحية.

النمر:
المعروف عنه بالصبر لأصطياد فريسته، إشارة إلى غفلة الخطاة ممن يحيطون بهم من
أعداء وهم منغمسون فى خطاياهم.

 

(3) أساءوا استخدام عطاياه

كشف
لهم عن سبب تأديباته لهم، إنه يعاتبهم:

" كيف اصفح لك عن هذه؟!

بنوك
تركوني وحلفوا بما ليست آلهة.ولما اشبعتهم زنوا وفي بيت زانية تزاحموا. صاروا حصنا
معلوفة سائبة.

صهلوا كل واحد على امرأة صاحبه.

 أما اعاقب على هذا يقول الرب؟!

او ما تنتقم نفسي من امة كهذه؟! ع 7 – 9

يرى
العلامة أوريجينوس أن الإنسان إذ تسيطر عليه الشهوات يصير كالحيوانات العجموات،
يفقد روح التمييز، بل وأحيانا يصير فى حالة أدنى منهم، لأنه عندما تحبل أنثى
الحيوانات تعرفن ألا تقتربن من الذكور.

ما
أرهب هذا الإتهام؟! هوذا الشعب الذى كان يجب أن يشهد لقداسة الله ويكون بركة لغيره
من الشعوب قد صار فاسدا، يشبع بخيرات الله فيزنى علانية، محتقرا الوصية الإلهية،
ومتجاهلا حق أخيه، إذ يشتهى إمرأة أخيه! أما يستحق هذا الشعب العقاب؟!

 

(4) قبلوا كلمات المخادعين

يعتبر
الله قبولهم كلمات المخادعين وعدم تصديقهم إنذاراته على ألسنة الأنبياء الحقيقيين
خيانة للرب نفسه، تستحق التأديب كنار مطهرة، لكنها ليست للفناء، لذا يكرر تعبير
" لا تفنوها " ع 10 و" لا أفنيكم " ع 18.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر العدد أوريجانوس 00

يوجه
الله كلامه للعدو المقبل، معلنا أنه وإن سمح له بالتدمير والتخريب، لكنه لن يسمح
له بالفناء: " اصعدوا على أسوارها واخربوا ولكن
لا تفنوها "
ع 10.

لقد
تم تأديبهم ولم يأت عليهم الفناء إلا عند مجىء السيد المسيح ".. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا " لو 21:
20.

الله
يتطلع إلى الكنيسة بكونها كرمه الخاص، يسمح بالتأديب لكن ليس بالأبادة:

" انزعوا افنانها لانها ليست للرب.

 لانه خيانة خانني بيت اسرائيل وبيت يهوذا يقول الرب.

 جحدوا الرب وقالوا ليس هو،

 ولا يأتي علينا شر ولا نرى سيفا ولا جوعا " ع 10 – 12.

لقد
أنكروا الرب أو جحدوه بعدم تصديقهم تهديداته على لسان أنبيائه.. إنهم يقولون: " ليس هو "، لا لأنهم ملحدون ينكرون وجوده،
لكنهم ملحدون بعدم قبولهم كلماته، وعدم الثقة فى كلمات أنبيائه.

ماذا
يفعل الرب بهم إذ قبلوا خداع الأنبياء الكذبة ولم يصدقوه؟

أولا:
إذ ينطق الأنبياء الكذبة بالباطل يصيرون هم باطلا، كالريح الذى لا يدوم، يهب
فيختفى.. يصيرون خيالا.

" والانبياء يصيرون ريحا، والكلمة ليست فيهم، هكذا يصنع بهم
"
ع 13.
يختفون سريعا ويظهر بطلان كلماتهم لأن كلمة الرب ليست فيهم.

ثانيا:
يجعل كلامه نارا فى فم نبيه إرميا، تحرق الشعب كالحطب
فتأكلهم
(ع 14). لو أنهم كانوا ذهبا أو فضة أو حجارة كريمة لصيرتهم النار
أكثر بهاء ونقاوة، لكن لأنهم حطب وعشب وقش تحرقهم!

ثالثا:
يسمح بسبيهم بواسطة أمة بعيدة قوية لا يعرفون لسانها، ولا يفهمون ما تتكلم به، أمة
تتكلم بلغة غريبة، لغة العنف والقسوة والأستعباد بغير حوار أو تفاهم!

سمات
هذه الأمة تكشف عن طبيعة الخطية التى تسبى النفس:

أمة من بعد
(ع 15): حين ترفض النفس وصية إلهها القريب إليها جدا، وكلمته الساكن فينا، نخضع
للخطية الغريبة عن طبيعتنا والمعادية لنا.

أمة قوية، أمة منذ القديم (ع 15): الخطية خاطئة جدا
وقتلاها أقوياء، تحارب البشرية منذ القدم.

أمة لا تعرف لسانها (ع 15): لا يمكن التفاهم معها، قانونها الظلم
والعنف وعدم التفاهم.

جعبتهم قبر مفتوح (ع 16): غايتها التدمير والموت.

كلهم جبابرة (ع 16): عملها الحرب الدائمة ضد أولاد الله.

" يأكلون حصادك وخبزك الذى يأكله بنوك وبناتك، يأكلون غنمك
وبقرك، يأكلون جفنتك وتينك "
ع 17 عملها إفساد كل ثمر للنفس (البنون) وللجسد
(البنات)، تحطيم كل الإمكانيات ليعيش الإنسان فى جوع وحرمان حتى الموت.

– يهلكون بالسيف مدنك الحصينة (ع 17): يفقد الإنسان الملجأ والحصن،
ليعيش كطريد وهارب فى خوف دائم وقلق مستمر، فتتحطم نفسه تماما.

هذا
كله ثمرة قبول كلمات الأنبياء الكذبة المنادين بالسلام، والناطقين بالناعمات كذبا
وخداعا!

ما
حدث مع الشعب قديما يحدث حاليا حيث ننصت إلى روح التهاون والأستهتار، روح الأنبياء
الكذبة، فنسقط تحت سبى الخطية عوض التجاوب مع تأديبات الله التى تحثنا على التوبة
والرجوع إليه.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم رؤيا إبراهيم 24

 

(5)
فقدوا البصيرة الداخلية

إذ
قبلوا كلمات الأنبياء الكذبة الناعمة سقطوا تحت التأديب الإلهى، أى فى السبى، وعوض
أن يكتشفوا خطاياهم ويقدموا توبة صاروا فى عمى روحى يتهمون الله بالعنف والقسوة.

" ويكون حين تقولون: لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه؟

تقول
لهم: كما أنكم تركتمونى وعبدتم آلهة غريبة فى أرضكم هكذا تعبدون الغرباء فى أرض
ليست لكم " ع 19.

بعد أن شرح لهم عدالته بدأ يعاتبهم، قائلا:

" اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم،

الذين لهم أعين ولا يبصرون،

لهم آذان ولا يسمعون " ع 21.

لقد
فقدوا البصيرة والقدرة على الأستماع: [إش 6: 9، مت 13: 14 – 15]، ليس من جهة
تأديبات الرب فحسب وإنما من جهة الكلمة المتجسدة، المسيا المخلص، عوض الأرتماء فى
أحضانه اتهموه أن به شيطان.

يعاتبهم
الله قائلا:

" إياى لا تخشون يقول الرب؟

أولا
ترتعدون من وجهى أنا الذى وضعت الرمل تخوما للبحر، وتعج أمواجه ولا تتجاوزها؟
" ع 22.

لم يضع الشعب لنفسه حدودا، وعوض الطاعة كالبحار والرمال وكل الطبيعة
صار لهم
"
قلب عاص ومتمرد، عصوا، ولم يقولوا بقلوبهم لنخف الرب إلهنا الذى يعطى المطر المبكر
والمتأخر فى وقته، يحفظ لنا أسابيع الحصاد المفروضة " ع 23، 24.

 

(6) اصطادوا الآخرين

أحد
أسباب التأديب أنهم نصبوا الشباك والفخاخ للآخرين لأصطيادهم حتى يغتنوا ويصيروا
سمناء، لكن شرهم لم يجلب عليهم إلا الغضب الإلهى والخسارة.

يلاحظ
فى شرهم هذا الآتى:

شرهم
ليس ثمرة ضعف بشرى، أو تحقق بطريقة لا إرادية، إنما جاء نتيجة خطة منظمة وإصرار
مسبق، إذ يقول: " لأنه وجد فى شعبى أشرار، يرصدون
كمنحن من القانصين، ينصبون أشراكا يمسكون الناس "
ع 26.

– خططوا لأستعبادهم وتحطيم حرية الناس: " مثل قفص ملآن طيورا
هكذا بيوتهم ملآنة مكرا "
ع 27.

– لا يقفون عند ارتكاب الشر وإنما يوجهون كل طاقاتهم لإصطياد الناس
بمكر كى يسقطوهم فى الخطية.

" من أجل ذلك عظموا واستغنوا،

سمنوا، لمعوا (أى مملؤون جمالا)،

 أيضا تجاوزوا فى أمور الشر " ع 27، 28.

ظنوا
أنهم صاروا عظماء أصحاب سلطان، أغنياء لا يعوزهم شىء، مملؤون صحة، ولم يدركوا أنهم
فى الواقع جمعوا لأنفسهم شرا عظيما

– فقدوا كل رحمة وامتلأوا ظلما وقساوة قلب

" لم يقضوا فى الدعوى، دعوى اليتيم،

وقد نجحوا.

وبحق المساكين لم يقضوا " ع 28.

 

(7) تجاوبوا مع الرعاة فى الشر

صار
الجرح داميا لا علاج له حتى " صار فى الأرض دهش
وقشعريرة "
ع 30

اشترك
الشعب مع القيادات الدينية فى هذا الشر " الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة
تحكم على أيديهم،

وشعبى
هكذا أحب ".

أحب
الشعب الكذب والفساد إذ وجد الفرصة للملذات الجسدية والرجاسات جاءت تصرفات
القيادات الشريرة متجاوبة مع قلب الشعب الفاسد.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي