الإصحَاحُ
السَّابعُ

تقديس
البيت الداخلى

إذ جاء الشعب مع القيادات الدينية إلى بيت الرب بأجسادهم دون قلوبهم،
يترنمون بتسابيح للرب بينما انحرفت حياتهم لحساب النجاسات الوثنية، بدأ الرب يعلن
لهم عن الحاجة إلى تقديس القلب الداخلى بكونه هيكل الرب، الذى لأجله أقيم هيكل
أورشليم. لذا كشف الرب عن شكلياتهم فى العبادة والتى تتلخص فى الآتى:

 

(1) تسابيح بلا عمل

" الكلمة التي صارت الى ارميا من قبل الرب قائلا:

 قف في باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل:

اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين في هذه الابواب لتسجدوا
للرب.

 هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل،

اصلحوا طرقكم واعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع " ع 1، 2.

كان القديس إرميا فى موقف لا يحسد عليه، فقد جاءته الدعوة من قبل
الرب أن يقف فى باب بيت الرب ليحدث الجماهير التى جاءت لتمارس طقوس العبادة دون
روحها، والتى لا تريد أن تسمع كلمة توبيخ أو نقد. كان من بين هذه الجماهير دون شك
كهنة عناثوث الذين يحمل أغلبهم ذكريات الطفولة والصبوة مع إرميا، وهم يدركون جرأته
وإمكانية إثارة الشعب ضدهم لمخالفتهم الشريعة.

كانت الجماهير متهللة لحركة إصلاح الهيكل الذى لم تمتد إليه يد منذ
أكثر من 250 عاما. فى وسط هذه البهجة الجماهيرية وقف إرميا، يكاد يكون وحده، يهاجم
الإصلاح الخارجى غير المتكىء على تغيير القلب والسلوك الروحى الحى. كان إرميا فى
نظرهم الرجل الناقد اللاذع، الذى يحول البهجة إلى غم، وعوض مدح القائمين بالعمل
يهاجم الكل.

بدأ الإصلاح الداخلى بالدعوة إلى تحويل التسبيح من كلمات منطوق بها
إلى حياة معاشة وسلوك.. حياة مفرحة متهللة فى الداخل مع استعذاب للوصية الإلهية.

يقول: " لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين:

هيكل الرب،

هيكل الرب،

هيكل الرب هو " ع 4.

لعل هذه العبارة كانت قرارا يتغنى به كل القادمين إلى العيد، حاسبين
أن دخولهم الهيكل سند لهم دون حاجة إلى التوبة والسلوك الروحى المقدس.

إن لم يهتموا بإصلاح الهيكل الداخلى تتحول التسابيح والترانيم حتى فى
بيت الرب إلى
" كلام كذب "، لأنهم ينطقون بغير ما
يعيشون.

اعتمد الكهنة والأنبياء على قول سليمان " إنما قد بنيت لك بيت
سكن مكانا لسكناك إلى الأبد " (1 مل 8: 13) ونبوة إشعياء النبى أن صهيون لا
تسقط أبدا (إش 33: 20) كانوا مقتنعين أن إرميا النبى مخدوع تماما، وكانوا يحرضون
الشعب ضده.

هنا يحذرهم النبى:

 " لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين،

 هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو.

 لانكم ان اصلحتم اصلاحا طرقكم واعمالكم،

 ان اجريتم عدلا بين الانسان وصاحبه،

 ان لم تظلموا الغريب واليتيم والارملة،

 ولم تسفكوا دما زكيا في هذا الموضع،

 ولم تسيروا وراء آلهة اخرى لاذائكم،

 فاني اسكنكم في هذا الموضع " ع 4 – 7

إن تمسكوا بوجود البيت دون الأهتمام بتقديس حياتهم يفقد البيت
مفهومه، بل ويتحول من بيت تسبيح إلى
" مغارة لصوص " ع 11، وهو ذات
التعبير الذى استخدمه السيد المسيح حين طرد باعة الحمام والصيارفة من الهيكل (متى
21: 13).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة أب الدير ر

 

(2) عبادة بلا قداسة

أوضح النبى أنه لكى ينعم الشعب ببركات بيت الرب يلزمهم أن يصلحوا
الطريق الذى يسلكونه، مجرين العدل بين الإنسان وصاحبه (ع 5)، وأن يقدموا عمل
المحبة خاصة للغريب واليتيم والأرملة (ع 7)، وألا يسفكوا دم الأبرياء (ع 6)،
وأخيرا ألا يعرجوا بين الفريقين، قائلا:

 " أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبا وتبخرون للبعل وتسيرون
وراء آلهة اخرى لم تعرفوها ثم تأتون وتقفون امامي في هذا البيت الذي دعي باسمي
عليه وتقولون قد انقذنا؟!
ع 8 – 10.

هيكل الرب هو القصر الملوكى، مركز ملكوت الله الذى هو ملجأ للأرامل
والأيتام والغرباء، سخى بالنسبة لكل نفس محتاجة ومرزولة. فإن مارس الشعب العنف
والقسوة يحسبون خارج الهيكل حتى إن دخلوه بأجسادهم وقدموا عطايا وتقدمات وذبائح!

 

(3) عدم الأعتبار بشيلوه

بعد أن أوضح لهم إفسادهم لبيت الرب، مقدما الدلائل التالية:

أ – يسبحون الله بأفواههم 4

ب – حولوا بيته من جماعة مملوءة حبا ورحمة وقداسة إلى جماعة قاسية
ظالمة 6

ج – يظنون أنهم قادرون على خداع الله، إذ حولوا بيته إلى مغارة
لصوص..

" هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في
اعينكم.هانذا ايضا قد رأيت يقول الرب "
ع 11

عاد ليؤكد لهم أنه وإن كان طويل الأناة لكنه لابد أن يعاقب، مقدما
بذلك ما حدث مع " شيلوه " مثلا.

" لكن اذهبوا الى موضعي الذي في شيلو الذي أسكنت فيه اسمي اولا
وانظروا ما صنعت به من اجل شر شعبي اسرائيل "
ع 12.

إنه ليس تهديدا مجردا، فما حدث مع شيلوه مركز العبادة وموضع الفرح
الذى تحول إلى خراب، سيحدث أيضا مع الهيكل.

شيلوه تقع بحوالى 17 ميلا شمال أورشليم. اختارها الرب مقرا للتابوت
وخيمة الإجتماع لمدة حوالى 300عاما، وفيها قسم يشوع البلاد على الأسباط (يش 18: 8
– 10)، وفى عهد القضاة كان الشعب يجتمع سنويا فى شيلوه للعيد.

قرر أولاد عالى الكاهن أخذ التابوت معهم من شيلوه كما هو واضح من (1
صم 21: 1). نقل التابوت إلى أورشليم بعدما أخذه الفلسطينيون فى الحرب ثم أعادوه
إلى قرية بعاريم. وكانت شيلوه خربة فى أيام إرميا. (راجع إرميا 26: 6).

 

(4) طلب صلوات الغير بدون توبة

كانت الشفاعة عن الشعب جزءا حيا من عمل الأنبياء والكهنة، فصموئيل
النبى يقول:

 " وأما أنا فحاشا لى أن أخطىء إلى الرب فأكف عن الصلاة
من أجلكم "
1 صم 12: 23.

وفى المصفاة إذ هاج الفلسطينيون عليهم قالوا لصموئيل: " لا تكف
عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين "
1 صم 7: 8.

وأيضا موسى كان يتشفع فى شعبه حتى قال الرب له: " أتركنى
ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم، فأصيرك شعبا عظيما "
خر 32: 10.

صلوات القديسين تسند النفس المجاهدة الراغبة فى التوبة، أما إذا أصرت
على عنادها فلا نفع لها، إذ يقول الرب لإرميا النبى:
" وأنت لا تصل لأجل
هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلح على لأنى لا أسمعك "
إر 7: 16، 11:
14.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 01

الله الذى قال:

" أحامى عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى
"
2 مل 19: 34 فى أيام حزقيا الملك البار، لم ينطق بهذا فى أيام الشر
المتكاثر حين أسلم المدينة لنبوخذ نصر.

تظهر شكلية العبادة فى الأعتماد على صلوات القديسين المنتقلين
والمجاهدين دون رغبة فى التوبة والندامة:
" وانت فلا تصل لاجل
هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلحّ عليّ لاني لا اسمعك "
ع 16 (إرميا 11:
14).

 

(5) تقدمات وذبائح لله والأوثان

يبدو أن إرميا النبى قد تأثر جدا عندما طالبه الله: " لا تصل
لأجل هذا الشعب.. "
ع 16. فتساءل: " لماذا يارب؟ " وجاءت الإجابة صريحة
وواضحة:

" أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم؟

 الابناء يلتقطون حطبا،

 والآباء يوقدون النار.

 والنساء يعجنّ العجين ليصنعن كعكا لملكة السموات ولسكب سكائب
لآلهة اخرى لكي يغيظوني "
ع 17، 18.

هذه الصورة التى أوضحها الله على فم إرميا النبى لا تزال قائمة فى
عائلات كثيرة حيث يدفع الآباء والأمهات أولادهم وبناتهم إلى البعد عن حياة الشركة
مع الله فى المسيح يسوع ربنا، بل أحيانا يلزموهم بالسلوك غيراللائق تحت حجة الخوف
على أولادهم من الرغبة فى التكريس الكامل لخدمة الله وعبادته فى أية صورة من
الصور.

هكذا تحولت العائلات (الكنائس الصغيرة) عن هدفها لا للخدمة لله بل
لمقاومته.

 لكنهم فى الواقع كانوا يقاومون أنفسهم، إذ يقول:

" أفاياي يغيظون يقول الرب؟

أليس انفسهم لاجل خزي وجوههم؟

 لذلك هكذا قال السيد الرب؟

ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على الناس وعلى البهائم وعلى
شجر الحقل وعلى ثمر الارض فيتقدان ولا ينطفئان "
ع 20.

كانوا يقدمون الذبائح والتقدمات وفى نفس الوقت يتجاوزون كل وصايا
الله ويجرون وراء آلهة غريبة (ع 9)، وكأن الذبيحة فريضة لإرضاء الله دون طلب الله
نفسه. لقد فقدت الذبيحة والمحرقة كل معنى روحى فى حياتهم، لهذا يوبخهم قائلا:

" ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما " ع 21.

لقد فقدت محرقاتكم وذبائحكم طبيعتها كتقدمة للرب وصارت فى نظرى لحما
لا آكله، تأخذوه من قدامى وتأكلوه أنتم فلا حاجة لى به، أو كما سبق فقال بإشعياء
النبى:

 " لماذا لى كثرة ذبائحكم.. أتخمت من محرقات كباش مسمنات،
وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر "
إش 1: 11.

عرف إرميا النبى والكاهن أن الله أمرهم بتقديم ذبيحة الفصح فى مصر
قبيل خروجهم، كما قدم شرائع خاصة بالذبائح فى الشريعة الموسوية، بل وأدرك اليهود
خلال التقليد الشفوى منذ آدم وما بعده: إبراهيم وإسحق ويعقوب عن ضرورة تقديم ذبائح
دموية، فلماذا يقول هنا:

" لاني لم اكلم آباءكم ولا اوصيتهم يوم اخرجتهم من ارض مصر من
جهة محرقة وذبيحة "؟
ع 22

أوضح ذلك بتكملة الحديث أنهم سلكوا بروح العصيان ولم يسمعوا لأنبيائه
وكانوا غير مستعدين للأستماع، فحسبت وصية تقديم المحرقات والذبائح بلا قيمة، إذ
يقول:

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر المكابيين الأول 01

" فلم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم
الشرير واعطوا القفا لا الوجه.

 فمن اليوم الذي خرج فيه آباؤكم من ارض مصر الى هذا اليوم ارسلت
اليكم كل عبيدي الانبياء مبكرا كل يوم ومرسلا،

 فلم يسمعوا لي،

 ولم يميلوا اذنهم بل صلّبوا رقابهم.

اساءوا اكثر من آبائهم.

 فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك وتدعوهم ولا يجيبونك.

 فتقول لهم هذه هي الامة التي لم تسمع لصوت الرب الهها ولم تقبل
تأديبا.باد الحق وقطع عن افواههم "
ع 24 – 28.

فى عناد قلبهم وغلف آذانهم أعطوا الله القفا لا الوجه. الإنسان
الروحى يتشبه بالشاروبيم المملوء أعينا، كله وجوه، وليس فيه قفا، بمعنى أنه لا
يقدر أن يعطى القفا لله أو لأخيه، أى لا يحمل كراهية خفية أو ظاهرة ضد خالقه
ومخلصه ولا ضد إخوته.

 

(6) مرثاة على رفض الله بيته

" جزى شعرك واطرحيه،

وارفعى على الهضاب مرثاة،

لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه " ع 29.

يطلب النبى من يهوذا أن تجز شعرها، كما تفعل النساء قديما فى حالة
الحزن الشديد، فإن كان شعر المرأة هو جمالها وإكليلها، فإنها إذ تجزه تعلن عن
مرارة نفسها، حيث حرمت من جمالها.

عوض ممارستها للتسبيح للرب كنذيرة له، ترفع مرثاة، لأن الرب قد رفض
ورذل جيل رجزه (ع 29)، لأنهم نجسوا بيته إذ:

" وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه " ع 30.

جاءت كلمة " مكرهات " حوالى 28 مرة فى العهد القديم، غالبا
ما تشير إلى عبادة التماثيل، أو كل ما يمس العبادات الوثنية من رجاسات مثل إرتكاب
الزنا كنوع من العبادة.

ومن ناحية أخرى بنوا مرتفعات توفة فى وادى هنوم (جهنم) جنوب أورشليم.
كانت النيران فيها لا تنقطع، حيث يلقى الناس البقايا والعوادم. فى هذه المرتفعات
كانت تقدم ذبائح بشرية (2 مل 23: 10):

 " وبنو مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا
بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم آمر به ولا صعد على قلبي

 لذلك ها هي ايام تأتي يقول الرب ولا يسمى بعد توفة ولا وادي ابن
هنوم بل وادي القتل ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع "
ع 31 – 32.

 

(7) مرثاة على رفض الله شعبه

إن كان الإنسان يرتكب الخطية من أجل لذات الجسد والبهجة الزمنية، فإن
الله فى محبته يسمح له أن يحرم من هذه الأمور ليدرك أن الخطية مرة ومحطمة للنفس
والجسد. وقد عبر عن ذلك بقوله:

" وتصير جثث هذا الشعب أكلا لطيور السماء ولوحوش الارض ولا
مزعج.

 وابطّل من مدن يهوذا ومن شوارع اورشليم صوت الطرب وصوت الفرح

 صوت العريس وصوت العروس،

 لان الارض تصير خرابا " ع 33، 34.

ما هى هذه الأرض الخربة إلا جسد الإنسان الذى تحرمه الخطية من التمتع
بسكنى العريس السماوى فيه والأتحاد معه، واقتناء ملكوته الداخلى المفرح، والشركة
مع القديسين والسمائيين؟!.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي