الإصحَاحُ
السَّابعُ عَشَرَ

خطايا
يهوذا

بين الحين والآخر يكشف الله لنا لا عن خطورة الخطية وفاعليتها فحسب،
وإنما يعلن عنها فى تفاصيلها كما عن أثرها فى أعماق افنسان وطبيعته، حتى نحذر منها
فنهرب إليه، بكونه الطبيب والدواء، يستطيع وحده أن يجدد طبيعتنا ويهبها الشفاء!

 

(1) الخطية المحتلة للقلب

قبل أن يحدثنا عن أهم الخطايا التى سقط فيها هذا الشعب، والتى نسقط
نحن فيها بصورة أو أخرى صور لنا خطورة هذه الخطايا بكونها تحتل القلب نفسه الذى
كان يلزم أن يكون هيكلا لله، وتنحت على قرون المذبح الداخلى، فتفوح رائحة الدنس
فينا عوض رائحة المسيح الذكية.

" خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد،

 براس من الماس،

 منقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم " ع 1

تنطبق هذه الخطية على الشعب اليهودى.. هذا تفسير سهل..

وتنطبق على خطية يهوذا الأسخريوطى..

ألا تنطبق هذه النبوة علينا نحن بالأكثر؟

لقد أخطأنا وخطيتنا لم تكتب خارجا عنا، إنما فى قلوبنا، كتبت بقلم
من حديد وبرأس من الماس.

" كذكر بنيهم مذابحهم وسواريهم عند اشجار خضر على آكام مرتفعة
"
ع 2

السارية هى عمود خشب مستقيم يثبت على الأرض بجوار المذبح، وهو يمثل
آلهة الخصوبة، هذه التى من أجلها وبخ الله شعبه قائلا: " قائلين للعود أنت
أبى " إر2: 72. كنوع من السخرية، لأنها مؤنث ويخاطبونها كأب لا كأم، أى فقدوا
روح التمييز الطبيعى.

أما ثمر تلك النجاسات والرجاسات فهو:

" يا جبلي في الحقل،

 اجعل ثروتك كل خزائنك للنهب ومرتفعاتك للخطية في كل تخومك،

 وتتبرأ وبنفسك عن ميراثك الذي اعطيتك اياه،

 واجعلك تخدم اعداءك في ارض لم تعرفها،

 لانكم قد اضرمتم نارا بغضبي تتقد الى الابد " ع 3، 4.

على ضوء ما سبق الإشارة إليه بخصوص ارتباط الوثنية بالرجاسات يرى بعض
الدارسين أن الثروة والخزائن هنا إشارة إلى أعضاء الذكر بشىء من السخرية، حيث كان
معتقدهم هكذا. إذ عبدوها صار الجزاء من ذات النوع، حيث خصى الأعداء رجالهم العظماء
حتى لا ينجبوا أولادا يمكن أن يفكروا فى العودة إلى أرض الموعد كميراث لهم، بل
يبقى المخصيون عبيدا لسادتهم، الأمر الذى يمس وجودهم ذاته. هكذا لم تهبهم عبادتهم
قوة الإنجاب ومقاومة الموت بل انهيارا وتحطيما وموتا!

 

(2) الإتكال على ذراع بشرى

أول خطية تهاجم الإنسان هى اعتزاله الله مصدر حياته متكئا على ذراعه
البشرى أو الأذرع الأخرى.

" هكذا قال الرب:

ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان،

 ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه.

 ويكون مثل العرعر في البادية ولا يرى اذا جاء الخير بل يسكن الحرّة
في البرية ارضا سبخة وغير مسكونة.

 مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله " ع 5، 7.

لعله لهذا الهدف يسمح الله لنا بالضيقة حتى تتبدد أمامنا كل الأذرع
البشرية ونجد الله هو الملجأ الوحيد لنا.

وكما يقول القديس جيروم:

[أتريد أن يسمع لك الرب متحننا؟ أدعوه وأنت فى الضيق فيجيبك مترفقا.
فإنه لا يقدر الإنسان أن يدعو الرب لمعونته إلا وهو فى الضيق، حيث يكون ذراع
الإنسان بلا قيمة].

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر يهوديت 14

إذا كان إرميا النبى يتحدث عن التأديب بالقحط، لذا أوضح أن من يتكل
على ذراع بشرى يصير كنبات العرعر الذى يظهر فى منطقة العربة، هذا الذى سرعان ما
يصير كالقش الجاف. أما الذين يتكلون على الله فينالون ثمرا حتى فى فترة الجفاف أو
القحط:

" ويكون (المتكل على الجسد) مثل العرعر في البادية (الصحراء)،

 ولا يرى اذا جاء الخير،

 بل يسكن الحرّة في البرية ارضا سبخة وغير مسكونة.

 مبارك الرجل الذي يتكل على الرب، وكان الرب متكله،

فانه يكون كشجرة مغروسة على مياه وعلى نهر،

 تمد اصولها ولا ترى اذا جاء الحرّ،

 ويكون ورقها اخضر،

 وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الاثمار " ع 6 – 8.

 

(3) القلب نجيس!

" القلب اخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه.

 انا الرب فاحص القلب مختبر الكلى،

 لاعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر اعماله " ع 9، 10.

نطق الرب بهذه الكلمات أولا لكى يعطى راحة لإرميا النبى الذى كان يئن
بسبب سقوط الشعب تحت السبى.

كأن الله يقول له: تعال وانظر إلى أعماق القلب الذى أنا وحدى
أعرفه، إنه نجيس! إنه مستحق للموت! فالتأديب هو لصالحهم، كى يطلبوننى فأنزع عنهم
فساد قلوبهم!

 

(4) الإرتباط بالأرضيات

إذ يتحدث فاحص القلوب عن قلب الإنسان معلنا أنه نجيس يكشف عن سر
نجاسته وفساده، ألا وهو ارتباطه بالأرضيات عوض انطلاقه نحو الأبديات. يطلب الغنى
لا فيما يليق بالقلب كهيكل الله المقدس، إنما بأمور العالم الزائلة وشهوات الجسد
المؤقتة، فيكون أشبه بالحجلة التى تحتضن بيضا ليس لها، فتتعب فى الاحتضان وتضم ما
ليس لها، وفى النهاية تظهر أنها سلكت عمرها كله بحماقة.

" حجلة تحضن ما لم تبض،

 محصل الغنى بغير حق،

في نصف ايامه يتركه،

 وفي آخرته يكون احمق " ع 11.

غالبا ما كان هذا شائعا فى ذلك الحين، يقصد به أنه إذ يظن الإنسان
أنه يملك لكنه وهو يتعب ويشقى يخسر الكثير ويتركه الغنى وهو بعد فى العالم فى
منتصف أيامه، أما فى آخرته فيدرك أنه سلك بحماقة.

الحجلة هى طائر برى يسمى " المنادى "، إنها صاحبة
أصوات لكن بلا عمل حق! هكذا الغنى فى جهاده المر من أجل التمتع بالغنى ماديا أو
الشبع جسديا يكون كمن يعطى صوتا بلا عمل، لأنه يترك كل شىء ويخرج عريانا من هذا
العالم.

الحجلة التى تحتضن ما لم تبض هى إبليس الذى يبسط شباكه خلال الهراطقة
فيقتنص فى أحضانه البسطاء، هؤلاء هم الذين ليسوا من خليقته ولا مولودين منه، إنه
يقتنيهم بالخداع والدنس. لا يقدر إبليس أن يقول: " خرافى تسمع صوتى " يو
10: 7، لأنها ليست خرافه بل هى خراف الله الناطقة التى يسحبها من مصدر حياتهم
ويحسبها أولادا له. وللأسف فإن الحجلة قد اغتنت جدا، لكنها تركتهم فى نصف أيامها
حين جاء السيد المسيح إلى العالم وسحب المؤمنين من حضن إبليس، وأما فى نهاية
أيامها فتظهر بالأكثر حماقتها.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رفح ح

إن سر رجاء المؤمن: الأتحاد بالقدوس السماوى واهب الحياة.

يقول النبى:

" كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا.

 ايها الرب رجاء اسرائيل،

 كل الذين يتركونك يخزون.

الحائدون عني في التراب (الأرض) يكتبون،

 لانهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية " ع 12، 13.

كرسى الله أو عرشه مرتفع ومجيد وفى نفس الوقت حال فينا، ليس بعيدا
عنا، بل فى داخلنا. إن كانت الكلمة العبرية المقابلة " لمرتفع " تشير
إلى السماء، وكلمة " مقدسنا " تشير إلى هيكل أورشليم وملحقاته كما إلى
المقادس السماوية (مز 68: 36)، فإن الله المرتفع مجده فى السماء هو فينا، ونحن به
نصير مقدسا سماويا. إنه ليس ببعيد عنا، بل نزل إلينا، ونحن لسنا بعيدين عنه إذ
يرفعنا إلى سمواته.

 

(5) الله مخلصنا من الخطية

إذ تحدث عن الخطية بكونها احتلت القلب حيث كان يليق أن يكون ملكوتا
لله، مظهرا أهم خطايا يهوذا من اتكال على ذراع بشرى ونجاسات والتصاق بالتراب، شعر
النبى بأنه لا يستطيع أحد أن يخلص ما لم يتدخل الله نفسه، لهذا صرخ قائلا:

" اشفني يا رب فاشفى.خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي " ع 14.

يعلن إرميا النبى باسم الشعب أنه قد وجد الشفاء، بل والخلاص حيث
المجد، بل والتسبيح أى الفرح مع السمائيين.. وجد هذا كله فى الله مخلصه.

 يقول العلامة أوريجينوس تأتى بعد ذلك صلاة أخرى، تقول كلماتها:

" اشفني يا رب فاشفى،

خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي،

ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب؟ لتأت!

 أما انا فلم اعتزل عن ان اكون راعيا وراءك ولا اشتهيت يوم
البلية.

انت عرفت " ع 14 – 16.

 كل إنسان يريد أن يشفى من أمراض الروح والنفس عليه أن يطلب من
الطبيب الأوحد الذى جاء خصيصا من أجل المرضى، والذى قال:
" لا يحتاج
الأصحاء إلى طبيب بل المرضى "
بذلك يمكن للمريض أن يطلب فى ثقة ويقول: " اشفنى
يارب فأشفى "
.

 

" ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب؟ لتأت! " ع 15.

يوجد فى كل عصر أشرار يستهينون بطول أناة الله ويسخرون بمواعيده
ومحبته كما بتأديباته ظانين أنها مجرد كلمات أو أوهام لن تتحقق:

" قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا " حز 12: 22.

لعل إرميا النبى قد أدرك أن المخلص هو " كلمة الرب "، إذ يقول:
"
ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب؟ لتأت!"
ع 15. إذ يطلبون الخلاص
يسألون عن كلمة الرب لكى يأتى إليهم فيتبعونه. إنه وحده الذى يهبهم الراحة.

يقدم إرميا النبى صلاة لله، طالبا حمايته من مقاومى الحق، قائلا:

" لا تكن لي رعبا.

انت ملجإي في يوم الشر.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بَرَد 1

 ليخز طارديّ ولا اخز انا،

ليرتعبوا هم ولا ارتعب انا.

اجلب عليهم يوم الشر واسحقهم سحقا مضاعفا " ع 17، 18.

من جهة وعود الله تشكك الأنبياء الكذبة وأتباعهم فيها، بينما آمن بها
إرميا النبى.. هذا سبب ضيقا ومقاومة منهم. وها هو يقف مختفيا فى الرب نفسه الذى
يدعوه " ملجأى "، وقد دعى الرب هكذا 11 مرة فى سفر الكزامير كما فى
مزمور 46: 2.

هكذا لا يخاف المؤمن من الأشرار المقاومين له، ولا حتى من عدو الخير
إبليس، مهما كانت قوته.

 

(6) كسر السبت

طالب الله إرميا النبى أن يقف فى باب " بنى الشعب " ع 19. يرى البعض
أنه باب " بنيامين "، وهو باب خاص بالمدينة (37: 13، 38: 7)، وإن كان
البعض يرى أنه يتحدث عن باب خاص بالهيكل كان يدخل منه ويخرج منه الشعب، ليقف بعد
ذلك فى كل أبواب أورشليم (ع 19).

 

طالبه أن يوجه حديثه إلى ملوك يهوذا:

" هكذا قال الرب لي.اذهب وقف في باب بني الشعب الذي يدخل منه
ملوك يهوذا ويخرجون منه وفي كل ابواب اورشليم "
ع 20.

لماذا يقول " ملوك يهوذا " وليس " ملك يهوذا "؟
يرى البعض أنه يقصد بالملوك هنا كل الشعب كمقابل للكهنة، ربما لأن كل واحد صار
كملك يريد أن يتسلط ويسيطر، ليس من يقبل أن يسمع أو يطيع!.

يطالبهم بحفظ السبت (كباكورة لتقديس أيامنا فتصير كلها للرب).. لأجل حياتهم
لأنها صارت فى خطر، إذ يقول
" تحفزوا بأنفسكم " ع 21. فلا يحملوا فيه حملا
ولا يمارسون عملا (خر 20: 10، تث 5: 14)، هذا من الجانب السلبى، أما من الجانب
الإيجابى فيقول:
" قدسوا يوم السبت " ع 22، أى اسلكوا فى نقاوة
قلب وقدسية حياة.

إذ يقدس الشعب يوم الرب تجتذب نفوس كثيرة من كل جانب كعابدين حقيقيين
للرب يقدمون محرقات حب وذبائح شكر مع ذبائح وتقدمات عن الخطايا والضعفات ليتمتعوا
بالمصالحة مع الله:

" ويأتون من مدن يهوذا ومن حوالي اورشليم ومن ارض بنيامين ومن
السهل ومن الجبال ومن الجنوب يأتون بمحرقات وذبائح وتقدمات ولبان ويدخلون بذبائح
شكر الى بيت الرب "
ع 26.

أما ثمرة العصيان وعدم تقديس السبت فهو:

" ولكن ان لم تسمعوا لي لتقدسوا يوم السبت لكي لا تحملوا حملا
ولا تدخلوه في ابواب اورشليم يوم السبت فاني اشعل نارا في ابوابها فتأكل قصورها
أورشليم ولا تنطفىء "
ع 27.

السبت هو فرصة لا للخمول والتوقف عن العمل، بل للتمتع بالعبادة لله
القدوس لينعم الكل بشركة الحياة الإلهية (لا 23: 3، عد 28: 9، 10). وكأن السبت كما
يحدثنا عنه سفر اللاويين هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة والذبيحة، لا
لنكرم الله بعبادتنا، لكن ما هو أعظم لكى ننعم بعمل الله فينا واهبا إيانا الشركة
معه لندخل به إلى قداسته.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي