الإصحَاحُ
السَّادِسُ وَالثَّلاَثُونَ

كلمة
الرب لا تفنى

غالبا ما تحوى الإصحاحات 36 – 44 أحداثا تاريخية مع نبوات قليلة
لإرميا النبى.

فى أواخر ربيع 605 ق. م. هزم نبوخذنصر القوات المصرية فى موقعة
كركميش على نهر الفرات، وبدأ يتحرك جنوبا فى سوريا إلى فلسطين.

يبدو أن هذا الجو كان مناسبا لإرميا لقراءة درج يحمل نبواته، التى
أملاها بروح الرب على كاتبه باروخ.

لهذا الإصحاح أيضا أهمية خاصة، فمن ناحية أوضح كيف بدأ جمع نبوات
إرميا، ومن ناحية أخرى ألقى ضوءا على بعض رؤساء يهوذا الذين كانوا فى أعماقهم
يطلبون سلام إرميا وباروخ.. ربما كان هؤلاء الرؤساء مساعدين فى إصلاحات الملك
يوشيا لذلك تعاطفوا مع النبى وكاتبه.

لم يستطع إرميا أن يتحدث مع الشعب، فأرسل إليهم صديقه باروخ يقرأ
للقادمين إلى أورشليم الصائمين النبوات التى سبق أن أعلنها بغرض توبتهم.

لم يحتمل الملك كلمة الرب، وعوض التوبة أحرق الدرج، وطلب قتل النبى
وكاتبه! إنه لم يطق كلمة الرب ولا الناطق بها.

عاد فكتب إرميا ما كان بالدرج الأول وزاد عليه ما لم يكن مكتوبا. ولا
تزال كلمة الله حية إلى يومنا هذا، لم تقدر النيران أن تبيدها!

 

(1) كتابة درج السفر

" وكان في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا ان هذه
الكلمة صارت الى ارميا من قبل الرب قائلة:

 خذ لنفسك درج سفر،

 واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به على اسرائيل وعلى يهوذا
وعلى كل الشعوب،

 من اليوم الذي كلمتك فيه من ايام يوشيا الى هذا اليوم.

 لعل بيت يهوذا يسمعون كل الشر الذي انا مفكر ان اصنعه بهم،

فيرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء،

 فاغفر ذنبهم وخطيتهم.

 فدعا ارميا باروخ بن نيريا،

فكتب باروخ عن فم ارميا كل كلام الرب الذي كلمه به في درج السفر.

 واوصى ارميا باروخ قائلا:

انا محبوس لا اقدر ان ادخل بيت الرب.

 فادخل انت واقرأ في الدرج الذي كتبت عن فمي كل كلام الرب في
آذان الشعب في بيت الرب في يوم الصوم،

واقرأه ايضا في آذان كل يهوذا القادمين من مدنهم.

 لعل تضرعهم يقع امام الرب،

 فيرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء،

لانه عظيم الغضب والغيظ اللذان تكلم بهما الرب على هذا الشعب " ع 1 – 7.

كان إرميا محبوسا لا يقدر أن يدخل بيت الرب (ع 5). هنا كلمة " محبوس
"
لا تعنى أنه كان مسجونا، لكنه كان ممنوعا من الدخول إلى بيت الرب،
فحسب نفسه محبوسا. [بعد الأحداث الواردة فى 19: 1 – 20).

أمر الله إرميا أن يجمع كل ما تنبأ به فى تلك المدة الطويلة، فيعلنه
للشعب بقراءته أمامهم فى يوم احتفال عام.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ط طوفان 1

أملى الدج الأول بعد هزيمة مصر فى موقعة كركميش مباشرة، ربما كانت
بداية الكارثة باعثا على جمع النبوات على أمل أن يتوب يهوذا.

واضح من ع 3، 7 أن الله يترجى توبة شعبه ولو فى اللحظات الأخيرة حتى
ليغير الحكم الإلهى من نحوهم، فتغيراتجاه بيت يهوذا يتبعه تغيير فى حكم الله (26:
3).

كان رجلا الله إرميا النبى وباروخ الكاتب تحت قيادة الروح القدس،
يعطى الأول كلمة ينطق بها والثانى يكتب.

كان الرب هو المشدد والمعضد لإرميا، لذلك على الرغم مما أصابه من
أتعاب وسخرية وعار واستهزاء لم يستطع السكوت.

لا ننسى أن نبوة إرميا كانت موضوع اهتمام ودراسة الأمناء المعاصرين
له مثل دانيال الذى قال:
" أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التى كانت عنها كلمة
الرب لإرميا لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم "
(دا 9: 2).

 

(2) اعلان عن الصوم

انتهز إرميا فرصة الصوم الذى فرضه الملك على الشعب بسبب الخطر
المرتقب من جراء تقدم جيوش الكلدانيين، والظاهر أنها كانت الفرصة الأخيرة التى
أراد الله أن يعطيها للشعب لأجل التوبة والرجوع إليه.

" ففعل باروخ بن نيريا حسب كل ما اوصاه به ارميا النبي بقراءته
في السفر كلام الرب في بيت الرب.

 وكان في السنة الخامسة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا في الشهر
التاسع انهم نادوا لصوم امام الرب كل الشعب في اورشليم وكل الشعب القادمين من مدن
يهوذا الى اورشليم.

 فقرأ باروخ في السفر كلام ارميا في بيت الرب في مخدع جمريا بن
شافان الكاتب في الدار العليا في مدخل باب بيت الرب الجديد في آذان كل الشعب
"
ع 8 – 10.

قرىء كلام السفر فى آذان الشعب فى يوم صوم فى الشهر التاسع فى السنة
الخامسة لحكم الملك يهوياقيم. كان الصوم من أجل الأزمة القومية التى حلت بهم،
ولكنهم لم يلتزموا بالتوبة! لذا قيل:

" حين يصومون لا أسمع صراخهم، وحين يصعدون محرقة وتقدمة لا
أقبلهم "
إر 14: 12.

 

(3) قراءة للرؤساء

" فلما سمع ميخايا بن جمريا بن شافان كل كلام الرب من السفر،

 نزل الى بيت الملك الى مخدع الكاتب واذا كل الرؤساء جلوس
هناك.

اليشاماع الكاتب ودلايا بن شمعيا والناثان بن عكبور وجمريا بن شافان
وصدقيا بن حننيا وكل الرؤساء.

 واخبرهم ميخايا بكل الكلام الذي سمعه عندما قرأ باروخ السفر
في آذان الشعب.

 فارسل كل الرؤساء الى باروخ يهودي بن نثنيا بن شلميا بن كوشي
قائلين:

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أشور 1

الدرج الذي قرأت فيه في آذان الشعب خذه بيدك وتعال.

فاخذ باروخ بن نيريا الدرج بيده واتى اليهم.

 فقالوا له اجلس واقرأه في آذاننا.

فقرأ باروخ في آذانهم.

 فكان لما سمعوا كل الكلام انهم خافوا ناظرين بعضهم الى بعض
وقالوا لباروخ:

إخبارا نخبر الملك بكل هذا الكلام.

 ثم سألوا باروخ قائلين اخبرنا كيف كتبت كل هذا الكلام عن فمه.

 فقال لهم باروخ بفمه كان يقرأ لي كل هذا الكلام وانا كنت اكتب
في السفر بالحبر.

 فقال الرؤساء لباروخ:

 اذهب واختبئ انت وارميا ولا يعلم انسان اين انتما " ع 11 – 19.

وقف باروخ فى الدار العليا، وبدأ يقرأ، سمعه شاب يدعى ميخايا حفيد
شافان، فتأثر جدا وأسرع إلى القصر وأخبر الرؤساء الذين استدعوا باروخ ليقرأ لهم ما
بالدرج. خافوا جدا إذ سمعوا عن الخراب الذى سيحل بالبلاد، وشعروا بالمسئولية أن
يخطروا الملك بمحتويات الدرج.

استقبالهم المشوب بالخوف لهذا الدرج ألزمهم أن يخبروا الملك فورا بما
فيه. وقد اهتم الرؤساء أيضا بسلامة إرميا وباروخ إذ كانوا يعرفون ما اتصف به
يهوياقيم من ظلم وعدوان. ومن الواضح أنهم استفادوا من النهاية المأساوية التى
لقيها " يوريا " نتيجة لأقواله (26: 23).

يذكر التقليد اليهودى أن مكان الأختباء عرف باسم " كهف إرميا
"
، وكان يقع خارج باب دمشق وإن كان ذلك ليس يقينا.

 

(4) حرق الدرج

" ثم دخلوا الى الملك الى الدار واودعوا الدرج في مخدع
اليشاماع الكاتب،

واخبروا في اذني الملك بكل الكلام.

 فارسل الملك يهودي لياخذ الدرج،

فاخذه من مخدع اليشاماع الكاتب، وقرأه يهودي في اذني الملك وفي آذان
كل الرؤساء الواقفين لدى الملك.

 وكان الملك جالسا في بيت الشتاء في الشهر التاسع.والكانون قدامه
متقد.

 وكان لما قرأ يهودي ثلاثة شطور او اربعة انه شقه بمبراة
الكاتب والقاه الى النار التي في الكانون حتى فني كل الدرج في النار التي في
الكانون.

 ولم يخف الملك ولا كل عبيده السامعين كل هذا الكلام ولا شققوا
ثيابهم.

 ولكن الناثان ودلايا وجمريا ترجوا الملك ان لا يحرق الدرج فلم
يسمع لهم.

 بل أمر الملك يرحمئيل ابن الملك وسرايا بن عزرئيل وشلميا بن
عبدئيل ان يقبضوا على باروخ الكاتب وارميا النبي ولكن الرب خبأهما "
ع 20 – 26.

قبل تقديم السفر للملك طلب الأشراف من باروخ وإرميا أن يختبئا، لأنهم
يعرفون طبيعة يهوياقيم العنيفة الظالمة. لقد ظنوا أن الملك يكتفى بسماع ملخص لما
ورد فى الدرج، لكن هذا لم يرضه بل طلب من " يهودى " أن يحضر الدرج بينما
جلس الملك بجوار كانون النار يستدفىء، والرؤساء واقفون حوله، بينما كان الشعب فى
أرجاء المدينة فى حالة خوف وفزع، خاصة الذين فى الهيكل.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مسارح المدن ن

كانت أمام الملك فرصة للتوبة، خاصة بعد أن حثه بعض رجاله أن ينصت إلى
كلمة الرب، لكنه طرح السفر فى النار، فإذ به يطرح نفسه وبيته ومدينته فى نيران
قاسية! ثم طلب القبض على إرميا النبى وباروخ فلم يجدهما رسله.

التحدى السافر الذى أظهره الملك وحاشيته فيه تناقض صارخ مع رد فعل
يوشيا عندما سمع سفر الشريعة المكتشف حديثا (2 مل 22: 11). إذ لما سمع يوشيا والد
يهوياقيم سفر الشريعة مزق ثيابه.

الدرج احترق، ولكن ما ورد بالدرج تحقق!

الذين يرفضون طريق الصليب الضيق من أجل الراحة الزمنية يمسكون بمبراة
يهودى ليمزقوا الكلمة الإنجيلية فى حياتهم.

ما أتعس الإنسان الذى يمزق كلمة الله بمبراة ذهنه ويزيفها بعقله،
يطرح رجاءه لا الدرج فى النار، أما كلمة الرب فباقية إلى الأبد.
" السموات
والأرض تزولان لكن كلامى لا يزول "
مر 13: 31

من يرتبط بكلمة الحياة الباقية إلى الأبد يحطم الفناء ويغلب الموت
ويدخل إلى عدم الفساد الأبدى.

 

(5) النسخة الثانية من الدرج

" ثم صارت كلمة الرب الى ارميا بعد احراق الملك الدرج والكلام
الذي كتبه باروخ عن فم ارميا قائلة:

 عد فخذ لنفسك درجا آخر واكتب فيه كل الكلام الاول الذي كان في
الدرج الاول الذي احرقه يهوياقيم ملك يهوذا.

 وقل ليهوياقيم ملك يهوذا:

هكذا قال الرب.

انت قد احرقت ذلك الدرج قائلا لماذا كتبت فيه قائلا مجيئا يجيء ملك
بابل ويهلك هذه الارض ويلاشي منها الانسان والحيوان.

 لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا:

لا يكون له جالس على كرسي داود وتكون جثته مطروحة للحر نهارا وللبرد
ليلا.

 واعاقبه ونسله وعبيده على اثمهم واجلب عليهم وعلى سكان
اورشليم وعلى رجال يهوذا كل الشر الذي كلمتهم عنه ولم يسمعوا.

 فاخذ ارميا درجا آخر ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب فكتب فيه
عن فم ارميا كل كلام السفر الذي احرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار،

 وزيد عليه ايضا كلام كثير مثله " ع 27 – 32

كم مضى من الوقت بعد تدمير الدرج الأصلى وبين عمل النسخة الثانية؟ لا
يعرف أحد بالضبط. لكن ربما لا تزيد عن عدة شهور. وشملت النسخة الثانية على مادة
إضافية تركز على المصير الذى ينتظر حاكم غير تقى.

لم ينشغل إرميا النبى وكاتبه بمقومة الأشرار لهما بل بحفظ الكلمة
الإلهية وتسجيلها، ليس فقط فى سفر عبر الدهور بل وفى حياتهما.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي