الإصحَاحُ
السَّابعُ وَالثَّلاَثُونَ

صدقيا
يستشير إرميا

تعتبر الإصحاحات 37 إلى 44 قسما تاريخيا، يبدأ بالحديث عن رفع
الكلدانيين الحصار عن أورشليم مؤقتا لملاقاة فرعون خفرع، وقد طلب صدقيا الملك من
إرميا الصلاة من أجله.

ذكرت هنا حادثتان فى الفترة 589 – 588 ق. م، ربما فى ربيع 588 جاءت
الأخبار بوصول قوة إنقاذ مصرية، فرفع البابليون الحصار عن أورشليم مؤقتا لمواجهة
التهديد الحربى الجديد، فشهد السكان المحاصرون هدنة لألتقاط الأنفاس.

ارسل صدقيا الذى ملكه نبوخذنصر ملك بابل على يهوذا إلى أرميا يستشيره
إن كان يتحالف مع فرعون مصر لحمايته من الكلدانيين، ظانا أن الله يجعل من هذه
الهدنة المؤقتة هدنة دائمة. وكانت الإجابة صريحة وهى عدم الأتكال على ذراع بشر،
مؤكدا أن جيش الكلدانيين الذى حاصر أورشليم وتركها سيعود مرة أخرى ويحاصرها، ولن
يستطع فرعون أن يخلصهم.

" لانكم وان ضربتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم وبقي
منهم رجال قد طعنوا فانهم يقومون كل واحد في خيمته ويحرقون هذه المدينة بالنار
"
ع 10.

اعتبره الملك ورجاله خائنا، لذلك ضربوه وجعلوه فى بيت السجن فى بيت
يوناثان الكاتب (ع 15).

كانوا يستخدمون الجب لحبس الأشخاص المقبوض عليهم وكان ذلك مؤلما جدا،
خاصة وأنه غالبا ما وضع فى حبس منفرد.

لم يسترح ضمير الملك إذ بدأ يكتشف أن ما قاله الأنبياء الكذبة خلال
الثلاثين عاما لم يكن إلا خداعا، فأرسل إلى أرميا سرا يسأله مرة أخرى، فأكد له أنه
سينهزم أمام بابل.

لم يخف إرميا من السجن، ولا انهار أمام الملك، بل بكل جرأة قال
للملك:
" ما هى خطيتى إليك وإلى عبيدك وإلى هذا الشعب حتى جعلتمونى فى
بيت السجن؟! "
ع 18.

نقل إرميا من سجن بيت يوناثان الذى هو تحت الأرض وغير صحى إلى سجن
بيت الملك، حيث أصبح لإرميا شىء من الحرية، وأعطى قسطا من الطعام يوميا.

 

(1) ملك صدقيا

" وملك الملك صدقيا بن يوشيا مكان كنياهو بن يهوياقيم،

 الذي ملكه نبوخذراصر ملك بابل في ارض يهوذا.

 ولم يسمع هو ولا عبيده ولا شعب الارض لكلام الرب،

الذي تكلم به عن يد ارميا النبي " ع 1 – 2.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير ج ج

جاء صدقيا خلفا للملك يكنيا أو كنياهو (2 مل 24)، وقد رأى فى سلفه
ثمار رفض الكلمة الإلهية، لكنه لم يتعظ هو ورجاله وشعبه. أستخدم اسم كنياهو
اختصارا لكلمة " يكنيا "، وفيه نوع من التوبيخ.

رفض الملك وعبيده وشعبه أن يسمعوا لكلام الله (ع 2)، ففقدوا سلامهم
الداخلى. ظنوا أن فى حبس إرميا إراحة لضمائرهم ونصرة لأفكارهم، لكن بقى النبى
المفترى عليه يحمل قوة وحرية داخلية داخل السجن لأنه ملتصق بالكلمة الإلهية، بينما
شعر الملك بالضعف.. يطلب كلمة من شفتى إرميا لعله يستريح.

 

(2) صدقيا يلجأ إلى أرميا

" وارسل الملك صدقيا يهوخل بن شلميا، وصفنيا بن معسيا الكاهن
الى ارميا النبي قائلا:

صلّ لاجلنا الى الرب الهنا.

 وكان ارميا يدخل ويخرج في وسط الشعب،

 اذ لم يكونوا قد جعلوه في بيت السجن " ع 3 – 4.

بعث صدقيا برسولين إلى النبى، ربما لأنه كانت تنقصه الجرأة للحديث
معه وجها لوجه.
على أى الأحوال لقد دان صدقيا نفسه بفمه، فإن كان قد أرسل إلى أرميا
يطلب صلواته ومشورته إيمانا بأنه نبى، فلماذا لم يسمع للصوت الإلهى؟!

كان يليق بالملك لا أن يطلب من النبى من أجله فحسب، بل وأن يصلى معه
فيمارس حياة الصلاة القادرة على تغيير الأمور. فإننا حتى فى الشفاعة نطلب صلوات
القديسين معنا فلا تقبل الصلوات بدون التجائنا نحن إلى الصلاة مع التوبة.

 

(3) رفع الحصار

" وخرج جيش فرعون من مصر.

فلما سمع الكلدانيون المحاصرون اورشليم بخبرهم صعدوا عن اورشليم
"
ع 5.

فى صيف 588 ق. م. تحرك المصريون إلى منطقة فلسطين، ربما استجابة لطلب
من صدقيا (حز 17: 11 – 21)، وربما تحرك جيش مصر ليكون خط دفاع عن مصر من أى هجوم
بابلى محتمل.

فرعون هذا هو خفرع (44: 30) الذى خلف والده نخو والذى حكم من سنة 589
ق. م. – 570 ق. م.، تراجع قبل الدخول فى معركة حقيقية، تاركا أورشليم تسقط فى يد
البابليين سنة 587 ق. م.

 

(4) نبوته عن استئناف الحصار

 " فصارت كلمة الرب الى ارميا النبي قائلة:

 هكذا قال الرب اله اسرائيل،

 هكذا تقولون لملك يهوذا الذي ارسلكم اليّ لتستشيروني.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية متى بهنام م

ها ان جيش فرعون الخارج اليكم لمساعدتكم يرجع الى ارضه الى مصر.

 ويرجع الكلدانيون ويحاربون هذه المدينة وياخذونها ويحرقونها
بالنار.

 هكذا قال الرب.

لا تخدعوا انفسكم قائلين ان الكلدانيين سيذهبون عنا لانهم لا
يذهبون.

لانكم وان ضربتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم وبقي منهم رجال
قد طعنوا فانهم يقومون كل واحد في خيمته ويحرقون هذه المدينة بالنار "
ع 6 – 10.

كانت الإجابة صريحة، ليس فيها خداع، ولكن هم أرادوا أن يخدعوا أنفسهم
بأنفسهم، يريدون إجابة لا تمثل الواقع، بل حسب هواهم وإرادتهم. حقا إن لم يخدع
الإنسان نفسه لا يقدر حتى إبليس المخادع أن يخدعه! لهذا يقول إرميا النبى:

 " لا تخدعوا أنفسكم " ع 9.

 

(5) القبض على إرميا

" وكان لما أصعد جيش الكلدانيين عن اورشليم من وجه جيش فرعون،

 ان ارميا خرج من اورشليم لينطلق الى ارض بنيامين لينساب من
هناك في وسط الشعب.

 وفيما هو في باب بنيامين اذا هناك ناظر الحراس اسمه يرئيا بن
شلميا بن حننيا فقبض على ارميا النبي قائلا انك تقع للكلدانيين.

 فقال ارميا كذب.لا اقع للكلدانيين.ولم يسمع له فقبض يرئيا على
ارميا وأتى به الى الرؤساء "
ع 11 – 14.

تم القبض على إرميا فى وقت كان فيه الحصار مرتبكا، وكان هناك نوع من
الحرية فى الحركة داخل المدينة وخارجها.

وسط حركة الجماهير خرج إرميا النبى، ظانا أن أحدا لا يهتم بشأنه فى
ظروف كهذه، خاصة وأنه مختف وسط أعداد بلا حصر.

خرج إرميا من باب بنيامين متجها إلى الأرض التى اشتراها من حمنئيل،
لكن أسىء فهم نواياه، وتم القبض عليه فى شك أنه ذاهب إلى العدو.

يبدو أن هذا التصرف من جانب إرميا كان دون مشورة من الرب، مما سبب له
متاعب أكثر.

واضح أن الإتهام الذى وجه لإرميا كان باطلا، لأن الكلدانيين كانوا قد
فارقوا أورشليم، وكانوا مشغولين فى الدخول فى معركة مع فرعون. هذا وقد وضع فى
السجن دون محاكمة حقيقية.

 

(6) طرحه فى الجب، ثم إطلاقه

 " فغضب الرؤساء على ارميا وضربوه وجعلوه في بيت السجن في
بيت يوناثان الكاتب لانهم جعلوه بيت السجن.

هل تبحث عن  ئلة مسيحية الخمير في القربان ن

فلما دخل ارميا الى بيت الجب والى المقببات اقام ارميا هناك اياما
كثيرة،

 ثم ارسل الملك صدقيا واخذه وسأله الملك في بيته سرا وقال:

 هل توجد كلمة من قبل الرب؟

فقال ارميا: توجد.

فقال انك تدفع ليد ملك بابل " ع 17.

التجأ صدقيا الملك إلى أرميا إما لأنه ظن أن طرح إرميا فى السجن قد
غير من فكره، فينطق بكلمات مطمئنة عوض إصراره على تحقيق السبى البابلى، أو أراد من
النبى أن يثبت ظنه وسؤال قلبه أى أن مغادرة الكلدانيين تعنى خلاصا نهائيا كليا
لأورشليم. أما إرميا فيرد بأن هذا فكر باطل لأن جيوش بابل ستعود لتهلك المدينة.

كان الحكم على صدقيا قاسيا لأنه استشار إرميا النبى على الأقل مرتين
وأظهر حنوا نحوه، لكنه فى ضعف شخصيته كان يخشى العاملين معه الذين رفضوا رسالة
إرميا.

 

(7) إرميا يطلب الرحمة

" ثم قال ارميا للملك صدقيا ما هي خطيتي اليك والى عبيدك والى
هذا الشعب حتى جعلتموني في بيت السجن؟

 فاين انبياؤكم الذين تنبأوا لكم قائلين لا ياتي ملك بابل عليكم ولا
على هذه الارض؟

 فالآن اسمع يا سيدي الملك.

ليقع تضرعي امامك ولا تردني الى بيت يوناثان الكاتب فلا اموت هناك.

 فامر الملك صدقيا ان يضعوا ارميا في دار السجن،

وان يعطى رغيف خبز كل يوم من سوق الخبازين حتى ينفد كل الخبز من
المدينة.

فاقام ارميا في دار السجن " ع 18 – 21.

كان يمكن لصدقيا الملك أن يطلق إرميا من السجن، لكن لم تكن لديه
الشجاعة لأخذ قرار كهذا. لقد تركه فى السجن بعد أن خفف عنه بعض الأتعاب، وقد حول
الله سجن إرميا إلى بركة له ولغيره.

على أى الأحوال، كان إرميا النبى صاحب الدموع الغزيرة، وجدران القلب
المتوجعة، والأحشاء التى لا تكف عن أن تئن، لكنه الرجل الشجاع الذى يقف أمام
الملوك بقوة، ليقول
" يارب عزى وحصنى وملجأى فى يوم الضيق " إر 16: 19

 وكأنه يردد ما سبق فقاله ميخا النبى: " أنا ملآن
قوة روح الرب وحقا وبأسا لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته "
مى 3: 8.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي