الإصحَاحُ
السَّادِسُ والأَرْبَعُونَ

ارتعاب
مصر الوثنية

تشمل الإصحاحات من 46 إلى 51 نبوات عن الأمم.

(1) دعوة إلى معركة

" كلمة الرب التي صارت الى ارميا النبي عن الامم.

 عن مصر عن جيش فرعون نخو ملك مصر،

 الذي كان على نهر الفرات في كركميش الذي ضربه نبوخذراصر ملك
بابل،

 في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا " ع 1 – 2.

بقى الجيش المصرى مرابضا فى كركميش (فى الطريق بين بابل ومصر) لمدة
أربع سنوات (609 – 605 ق.م.) خلالها كان فرعون مسيطرا على سوريا ومصر، يقيم لهم
ملوكا يحركهم كما يشاء كدميات، أما القوة الرئيسية الأخرى أى البابلية فكانت
منشغلة بأمور أخرى، وأخيرا هجم الجيش البابلى على المصريين فى كركميش لأقتلاعهم
تماما.

تصف النبوة ما كان عليه جيش مصر وذلك فى شكل دعوى إلى المعركة موجهة
من قادة الجيش المصرى إلى رجالهم الأبطال:

" اعدّوا المجن والترس وتقدموا للحرب.

 اسرجوا الخيل واصعدوا ايها الفرسان وانتصبوا بالخوذ.

اصقلوا الرماح.البسوا الدروع " ع 3 – 4.

طلب القادة أن يعد الكل المجن والترس، أى يحملوا العدة الحربية بكل
احجامها وأنواعها، وأن يستعد الفرسان وقادة المركبات. فقد عرفت مصر كأفضل مصدر
للأنواع الجيدة للخيول (1 مل 10: 28).

 

(2) ارتعاب مصر

" لماذا اراهم مرتعبين ومدبرين الى الوراء وقد تحطمت ابطالهم
وفرّوا هاربين ولم يلتفتوا؟!

الخوف حواليهم يقول الرب.

 الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو.

في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا " ع 5 – 6.

رأى إرميا بروح النبوة كيف انهار جيش فرعون عند هزيمتهم على يدى
نبوخذنصر، فقد كانت الضربة غير متوقعة وذلك بالنسبة للأستعدادات الضخمة التى كانت
لجيش فرعون ولكبريائهم وتشامخهم كأعظم قوة عالمية فى ذلك الحين.

 

(3) كبرياء مصر

" من هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواهها؟!

 تصعد مصر كالنيل وكانهار تتلاطم المياه.

فيقول اصعد واغطي الارض.

اهلك المدينة والساكنين فيها " ع 7 – 8

خطية فرعون هى الكبرياء، إذ كان بجيشه القوى يظن أنه قادر أن يفعل كل
شىء. فى تشامخه ظن أنه كنهر النيل الذى فى فترة فيضانه تمتلىء قنواته كأنهار تجرى
حوله لتغطى الأراضى بمياهها وطميها. فى كبرياء يقول فرعون:
" نهر لى
وأنا عملته لنفسى "
حز 29: 3.

 

(4) يوم للسيد الرب

" اصعدي ايتها الخيل وهيجي ايتها المركبات ولتخرج الابطال.

كوش وفوط القابضان المجن واللوديون القابضون والمادون القوس.

 فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه،

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 02

 فياكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم.

لان للسيد رب الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات " ع 9 – 10.

إذ يتطلع إرميا النبى إلى المعركة ويرى انهيار فرعون وجيشه مع القوات
المرتزقة الذين أستأجرهم، يدعو ذلك اليوم " يوم للسيد رب الجنود ". إنه
ليس كيوم معركة هرمجدون
" يوم الله القادر على كل شىء " (رؤ 16: 14)،
إنما يشبهه.

هو يوم نقمة حيث يسقط فرعون وجيشه مع القوات المرتزقة أو المتحالفة
معه القادمة من كوش (أثيوبيا أو النوبة) وفوط (ليبيا) واللوديون (أفريقيون غالبا).

 

(5) سقوط مصر

" اصعدي الى جلعاد وخذي بلسانا يا عذراء بنت مصر.

باطلا تكثرين العقاقير.

لا رفادة لك.

 قد سمعت الامم بخزيك،

 وقد ملأ الارض عويلك،

 لان بطلا يصدم بطلا فيسقطان كلاهما معا " ع 11 – 12.

إذ سقط جيش فرعون لم يعد يرى النبى فى الجيش أبطالا، بل رآه كله أشبه
بفتاة أو ببنت ضعيفة مجروحة، جراحاتها خطيرة لا يرجى شفائها.

إنها دعوة إلى الأمم التى يرمز لها بمصر لتترك عقاقيرها الكثيرة
وتلجأ إلى كنيسة المسيح، هناك تتحد مع المخلص الذى يضمد جراحات النفس ويشفيها.

 

(6) قضاء من بابل

" الكلمة التي تكلم بها الرب الى ارميا النبي في مجيء
نبوخذراصر ملك بابل ليضرب ارض مصر.

 اخبروا في مصر واسمعوا في مجدل واسمعوا في نوف وفي تحفنحيس قولوا
انتصب وتهيأ لان السيف ياكل حواليك.

 لماذا انطرح مقتدروك؟!

لا يقفون لان الرب قد طرحهم.

 كثر العاثرين حتى يسقط الواحد على صاحبه ويقولوا:

 قوموا فنرجع الى شعبنا والى ارض ميلادنا من وجه السيف الصارم.

 قد نادوا هناك فرعون ملك مصر هالك.

قد فات الميعاد " ع 13 – 17.

يرى البعض أن الحديث هنا عن المعركة التى تمت بعد معركة كركميش
بحوالى 15 أو 16 عاما حيث جاء ملك مصر بجيشه العظيم لمحاربة نبوخذنصر أثناء حصاره
أورشليم، اضطر نبوخذنصر إلى فك الحصار مؤقتا حتى يحقق نصرته على جيش فرعون ويعود
ثانية إلى محاصرة المدينة واقتحامها (37: 1 – 10). بعد عودته إلى بابل تحققت هذه
النبوة إذ عاد ليقيم حربا مع مصر ليهزمها تماما، فصارت بابل القوة العظمى الوحيدة
فى العالم فى ذلك الحين (دا 2: 37 – 42 ؛ 7: 4).

يكشف ع 16 عن انهيار الجنود المرتزقة أو المتحالفة مع فرعون فقد
أخذوا درسا قاسيا من المعركة، وقرروا العودة إلى بلادهم، إذ قالوا:
" قوموا
فنرجع إلى شعبنا وإلى أرض ميلادنا من وجه السيف الصارم "
(ع 16).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر نشيد الأنشاد 04

 

(7) سبى وخراب

أخيرا يصور لنا الخراب الذى حل بمصر التى ظنت أنها قدرة على إنقاذ
يهوذا من أيدى البابليين:

أ – ارتفاع اسم بابل أو ملكها نبوخذنصر

" حيّ انا يقول الملك رب الجنود،

 اسمه كتابور بين الجبال وككرمل عند البحر يأتي " ع 18

يبدو أن إرميا النبى رأى فى نبوخذنصر الذى غزا مصر بقوة جبلا عاليا
يرتفع فوق السهل، إنه مثل جبل تابور الذى يرتفع حوالى 1800 قدما كجبل منفرد فى سهل
يزرعيل فى شمال إسرائيل، أو مثل جبل الكرمل عند البحر الذى تبلغ قمته حوالى 1700
قدما وينحدر سفحه الغربى بحدة نحو البحر المتوسط.

ب – صارت مصر بنتا عاجزة عن التصرف:

" اصنعي لنفسك أهبة جلاء ايتها البنت الساكنة مصر،

 لان نوف تصير خربة وتحرق فلا ساكن " ع 19

جاءت الضربة قاضية فى هذه المرة، حيث حطمت مصر كلها، خاصة المدن
الكبرى. يصور مصر بفتاة مسبية لا تقدر على الدفاع عن نفسها أو الهروب من الذين
أسروها، هذا عن جيشها العظيم وملكها فرعون المتشامخ، أما عن الأرض فصارت نوف وهى
من المدن الكبرى كما رأينا خرابا، أحرقتها النيران، لا يقطنها إنسان.

ج – صارت مصر كعجلة مسمنة لا تصلح إلا للذبح

" مصر عجلة حسنة جدا.

الهلاك من الشمال جاء جاء " ع 20

لقد ظن فرعون بجيشه الذى من بين معبوداته الرئيسية عجل أبيس، أنه
قادر أن يخلص شعب يهوذا الذى فى نظره يعجز الله رب الجنود عن إنقاذه. لم يدرك
فرعون أنه قد حول بهذا الفكر مصر إلى عجلة تحمل الصورة الحسنة جدا، وذلك بسبب
شهرتها فى العالم كله، وقوة جيشها، وإمكانياتها من جهة الخيول والمركبات وكل العدة
الحربية. لكنها عجلة سمينة عاجزة عن أى عمل، لا تصلح إلا لذبحها، يأتى الذين من
الشمال (بابل) ليذبحوها.

د – حولت حلفاءها والجنود المرتزقة إلى عجول سمينة

" ايضا متسأجروها في وسطها كعجول صيرة.

لانهم هم ايضا يرتدون يهربون معا.

لم يقفوا لان يوم هلاكهم اتى عليهم وقت عقابهم " ع 21

لم تصر مصر الوثنية وحدها عجلة كمعبودها عجل أبيس، وإنما حولت
مستأجريها أى القوات المرتزقة الأجيرة والتى حلت فى وسطها وشاركتها عبادة العجل
إلى عجول صيرة أى سمينة. جاءوا للدفاع عنها مع جيشها فصارت ذبائح سمينة للقتل.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر باروك 01

ه – صارت حركتها كحفيف الحية

" صوتها يمشي كحية،

لانهم يسيرون بجيش وقد جاءوا اليها بالفؤوس كمحتطبي حطب " ع 22

استخدم إرميا النبى تشبيه الحية الخارجة من الغابة لتضرب بالفؤوس،
لأنه كان للحية مكانة عالية بين الآلهة عند المصريين، إنها عاجزة ليس فقط عن حماية
العابدين لها، بل وحتى عن حماية نفسها.

و – صارت كشجرة تسقط تحت ضربات فؤوس كثيرة

" يقطعون وعرها يقول الرب وان يكن لا يحصى لانهم قد كثروا اكثر
من الجراد ولا عدد لهم "
ع 23

ز – صارت كفتاة بيعت لشعب معاد لها

" قد أخزيت بنت مصر ودفعت ليد شعب الشمال.

 قال رب الجنود اله اسرائيل:

هانذا اعاقب آمون نو وفرعون ومصر وآلهتها وملوكها فرعون والمتوكلين
عليه. وادفعهم ليد طالبي نفوسهم وليد نبوخذراصر ملك بابل وليد عبيده "
ع 24 – 26

 

(8) تعمير مصر

" ثم بعد ذلك تسكن كالايام القديمة يقول الرب " ع 26

لا يختم على مصر بالخراب بل بالتعمير، فالله وإن كان يؤدب لكنه يشتاق
إلى تقديس كل بشر. لقد كشف بتأديباته عن جراحات النفس لا لتبقى فى آلامها بل لتطلب
يد الطبيب السماوى، فيضمد جراحاتها، ويقدم لها نفسه بلسما من جلعاد فتنعم بكمال
الصحة.

 

(9) إصلاح إسرائيل الجديد

" وانت فلا تخف يا عبدي يعقوب ولا ترتعب يا اسرائيل،

لاني هانذا اخلصك من بعيد ونسلك من ارض سبيهم فيرجع يعقوب ويطمئن
ويستريح ولا مخيف.

 اما انت يا عبدي يعقوب فلا تخف لاني انا معك لاني افني كل الامم
الذين بددتك اليهم.

اما انت فلا افنيك بل اؤدبك بالحق ولا ابرئك تبرئة " ع 27 – 28

التقينا بهذا النص قبلا فى (إر 30: 10 – 11) يتبعه وعد مسيانى (داود
ملكهم إر 30: 9). هنا نلاحظ أن الوعد قد جاء مباشرة بعد تقديم وعد إلهى لمصر
بتعميرها بعد الخراب، وكأن ما تناله مصر من وعود مرتبط بخلاص إسرائيل الجديد،
وتمتع الأمم بالإيمان الحى.

للنص تفسيران:

أولا: التفسير التاريخى: إذ تحقق ذلك بالعودة من
السبى البابلى..

ثانيا: التفسير التأويلى: إسرائيل هنا هى كنيسة العهد
الجديد، الشعب القادم من كل الأمم، يعقوب المجاهد الروحى الذى انعتق من سبى الخطية
ودخل إلى التمتع بأورشليم العليا، ونال عربون السمويات.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي