الإصحَاحُ
الثَّامِنُ والأرْبَعُونَ

نبوات
ضد موآب

بدأت النبوات ضد الأمم بمصر الوثنية التى تشير إلى محبة العالم، ثم
ضد الفلسطينيين الوثنيين الذى يشيرون إلى روح العنف والعداوة، ثم صور وصيدا اللتين
تشيران إلى المتحالفين مع الشر. هنا يتحدث عن موآب الذى وإن اتسم بالكبرياء كغيره
من الشعوب المقاومة لله لكن سمته الرئيسية هى الفساد، فبجانب أن أبيهم موآب هو
ثمرة علاقة أمه بأبيها لوط وهو فى حالة سكر، فإن نساء موآب أقاموا علاقة زنى مع
شعب الله وأغروهم على ارتكاب النجاسة مع عبادة الأصنام، عندئذ يتخلى الله عنهم
فيضعفون وينهارون (عدد 25: 1 – 3).

يشير موآب إلى " روح عدم التمييز " فقد ظن أنه لا فرق بين
الله الحى والآلهة الوثنية، إلههم (الإله كموش)، وحسب بهلاك يهوذا وتدمير أورشليم
أن لا خلاص للشعب مرة أخرى.

 

(1) الله الحى ضد كموش

" عن موآب.هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل:

ويل لنبو لانها قد خربت.

خزيت وأخذت قريتايم.

خزيت مسجاب وارتعبت.

 ليس موجودا بعد فخر موآب.

في حشبون فكروا عليها شرا.

هلم فنقرضها من ان تكون امة.

وانت ايضا يا مدمين تصمّين ويذهب وراءك السيف.

 صوت صياح من حورونايم هلاك وسحق عظيم.

قد حطمت موآب وأسمع صغارها صراخا.

لانه في عقبة لوحيت يصعد بكاء على بكاء،

 لانه في منحدر حورونايم سمع الاعداء صراخ انكسار " ع 1 – 5

أولا: واضح هنا أن الهجوم ضد الإله كموش، فقد دعى الموآبيون أمة كموش (عد
21: 29) وشعب كموش (ع 46)، كما دعى كموش " رجس الموآبيين ".

كانت هناك صلة بين كموش إله الموآبيين، وملكوم إله العمونيين، وفى
العبادة لكليهما كان الأطفال يقدمون ذبائح بغجازتهم فى النار (2 مل 3: 27).

ثانيا: يعلن الله عن نفسه أنه: " رب الجنود إله
إسرائيل "
ع 1. يقوم بتأديب موآب. هو رب الجنود أو القوات السمائية الذى لا
يغلب، وهو إله إسرائيل أى المحب لشعبه والمدافع عن مؤمنيه المقدسين له.

المدن الوارد ذكرها فى الأعداد السابقة – للتأديب – مدن موآبية.

 

(2) دعوة للهروب

إذ ينحدر سكان المرتفعات بدموع كل يطلب من الآخر أن يهرب يجدوا
الصاعدين من السهول قادمين ببكاء يطلبون الهروب، فيرتبك الجميع ولا يعرفون إلى أين
يذهبون.

" اهربوا نجّوا انفسكم وكونوا كعرعر في البرية،

 فمن اجل اتكالك على اعمالك وعلى خزائنك ستؤخذين انت ايضا ويخرج
كموش الى السبي كهنته ورؤساؤه معا.

ويأتي المهلك الى كل مدينة،

 فلا تفلت مدينة فيبيد الوطاء ويهلك السهل كما قال الرب.

 اعطوا موآب جناحا لانها تخرج طائرة وتصير مدنها خربة بلا ساكن
فيها.

 ملعون من يعمل عمل الرب برخاء وملعون من يمنع سيفه عن الدم
"
ع 6 – 10.

نجد هنا دعوة إلى الهروب لنجاة النفس:

1 – الهروب من أسوار المدن إلى عرى (عرعر) البرية. لعلها دعوة إلى
عدم الثقة فى الحصون البشرية التى يصنعها الإنسان لنفسه فى غير اتكال على الله.

2 – عدم الأتكال على الأعمال الذاتية والخزائن، فإنها تقيم إلها
(كموش) لا يقدر أن يخلص نفسه ولا كهنته ولا رؤساءه. إذ يحمل الموآبيون تماثيل كموش
معهم إلى المعركة تؤخذ منهم إلى أرض السبى علامة نصرة آلهة بابل على آلهة موآب.

3 – لا يتحقق الهروب بتغيير المكان بل بتغيير الأعماق، فالتدمير يبلغ
كل مدينة، يبيد المناطق العالية ويهلك الأماكن السهلة، لا المرتفعات ولا الوديان
تقدر أن تخلص بل يد الرب العاملة فى قديسيه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مدراش صموئيل ل

4 – الحاجة إلى جناحى الروح لكى تطير النفس من وجه الشر (ع 9)، فلا
تقطن بعد فى الأماكن الخربة. ولعله هنا يحمل معنى التوبيخ فى شىء من السخرية، فإنه
إذ يحل الخراب فجأة لا يعرف موآب إلى أين يذهب، فالأرض كلها قد تدمرت. إنه فى حاجة
إلى جناح يطير به بسرعة لكى يرتفع عن كل الأرض.. ولكن إلى أين؟

5 – الجدية فى العمل، إذ ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة (ع 10).. هنا
دعوة إلى بابل للعمل بكل جدية لتحقيق ما سمح به الرب من تأديب لموآب، وفى نفس
الوقت هى دعوة إلهية لكل نفس فى ممارستها للعمل الإلهى بإخلاص وجدية، فى غير
رخاوة.

+ أشار إرميا إلى أن الأهمال أمر خطير:

" ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة " 48: 10. من كان
فى قائمة خدام الرب يلزمه أن يكون مجتهدا ومتيقظا. عندما يمسح الخطية من حياته
بغيرته يتهيأ للأقتراب نحو الله، الذى يدعوه الكتاب نارا آكلة (تث 4: 24 ؛ 9: 3 ؛
عب 12: 29).

يعلق الأب غريغوريوس الكبير على عبارة " ملعون من يمنع سيفه عن
الدم " قائلا:

[الذين يمنعون السيف عن الدم إنما يمنعون كلمة الكرازة عن قتل الحياة
الجسدانية (الشهوانية)، وقد قيل عن هذا السيف: " سيفى يفترس الجسد " تث
32: 42.]

الأب بينوفيوس يقول:

+ هذا هو السلاح الذى يقطع وينقى كل أمر شهوانى وأرضى ينمو فى
نفوسنا. إنه يجعل الناس يموتون عن الخطية، ويعيشون لله، ويزدهرون بالفضائل
الروحية.

 

(3) خراب موآب

" مستريح موآب منذ صباه وهو مستقر على درديه،

 ولم يفرغ من اناء الى اناء ولم يذهب الى السبي.

لذلك بقي طعمه فيه ورائحته لم تتغيّر.

 لذلك ها ايام تاتي يقول الرب وارسل اليه مصغين فيصغونه
ويفرغون آنيته ويكسرون اوعيتهم.

فيخجل موآب من كموش كما خجل بيت اسرائيل من بيت ايل متكلهم " ع 11 – 13

إذ جاء النداء أن يعطى موآب جناحا ليطير لعله يجد موضعا غير الأرض
يستريح فيه، وهذا أمر صعب أو يكاد يكون مستحيلا، الآن يكشف عن عدم خبرة موآب فى
الحرب. حقا إن موآب أمة قديمة ومستقرة قبل ظهور إسرائيل، عاشت فى مجد وأمان منذ
صباها. لقد عاش موآب أغلب زمانه مستريحا منذ صباه، مثل الخمر المستقرة رواسبها فى
إناء لا يتحرك.

لقد دخل فى معارك مع إسرائيل، ومنذ حوالى 40 عاما حمل شلمناصر بعضا من
الموآبيين إلى السبى، لكنه إذا قورن ذلك بالأمم المحيطة يحسب موآب مستريحا، لم
يفرغ من إناء إلى إناء، أى يحمل بين الآن والآخر إلى السبى.

سيخجل موآب من كموش إلهه المحمول مسبيا إلى بابل، كما خجل بنو
إسرائيل من عجلى الذهب اللذين أقامها الملك يربعام فى بيت إيل طالبا من
الأسرائيليين أن يتعبدوا لهما.

" كيف تقولون نحن جبابرة ورجال قوة للحرب.

 أهلكت موآب وصعدت مدنها وخيار منتخبيها نزلوا للقتل يقول الملك رب
الجنود اسمه.

 قريب مجيء هلاك موآب وبليتها مسرعة جدا.

 اندبوها يا جميع الذين حواليها وكل العارفين اسمها،

قولوا كيف انكسر قضيب العزّ عصا الجلال؟!

انزلي من المجد،

 اجلسي في الظماء،

 ايتها الساكنة بنت ديبون،

لان مهلك موآب قد صعد اليك واهلك حصونك " ع 14 – 18.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة كينونيئا ا

يعبر عن كارثة موآب التى حلت بإلهه كما بمدنه وأبطاله وسلطانه:

أ – بينما ظن الموآبيون الذين عاشوا أغلب زمانهم جبابرة أنهم رجال
قوة للحرب، إذا بمدنهم تخرب.

ب – دخل منتخبوه فى معركة ضد الملك رب الجنود، فسقطوا قتلى.

ج – انهار اسمه وعزه وسلطانه، فانكسر قضيب عزه وعصا جلاله.

إذ لجأوا إلى ديبون المدينة المرتفعة الحصينة، التى تحتضن مرتفع
كموش، صعد إليهم الهلاك وحطم حصونهم.

" قفي على الطريق وتطلعي يا ساكنة عروعير.

اسألي الهارب والناجية قولي ماذا حدث " ع 19

من هول الكارثة هربوا من المدن التى فى المرتفعات كما كانوا يسألون
بعضهم البعض: ماذا حدث؟! ولا إجابة!

" قد خزي موآب لانه قد نقض.

ولولوا واصرخوا اخبروا في ارنون ان موآب قد أهلك " ع 20

" وقد جاء القضاء على ارض السهل،

على حولون وعلى يهصة وعلى ميفعة

 وعلى ديبون وعلى نبو وعلى بيت دبلاتايم

 وعلى قريتايم وعلى بيت جامول وعلى بيت معون

 وعلى قريوت وعلى بصرة وعلى كل مدن ارض موآب البعيدة والقريبة
"
ع 21 – 24

" عضب قرن موآب وتحطمت ذراعه يقول الرب:

 اسكروه لانه قد تعاظم على الرب فيتمرغ موآب في قيائه وهو ايضا
يكون ضحكة.

 أفما كان اسرائيل ضحكة لك.

هل وجد بين اللصوص حتى انك كلما كنت تتكلم به كنت تنغض الراس؟!
"
ع 25

يشير قطع القرن وكسر الذراع إلى انتهاء القوتين السياسية والعسكرية
لموآب، لم يعد لموآب قرن عز أمام الأمم ولا ذراع عسكرى للدفاع عن نفسه.

كان موآب يستهزىء بإسرائيل عند سبيه حاسبا هذا ضعفا أو عجزا فى الله
إلههم (حز 25: 8)، وكان يسخر بإسرائيل محركا رأسه كمن يسخر بلص ألقى القبض عليه.

 

(4) حيثيات الحكم

" خلوا المدن واسكنوا في الصخر يا سكان موآب،

 وكونوا كحمامة تعشعش في جوانب فم الحفرة.

 قد سمعنا بكبرياء موآب.

هو متكبر جدا.بعظمته وبكبريائه وجلاله وارتفاع قلبه.

 انا عرفت سخطه يقول الرب انه باطل.اكاذيبه فعلت باطلا " ع 26 – 30.

توجه الدعوة إلى موآب لإخلاء المدن والسكن فى الكهوف السرية التى فى
الصخور، فيكون كحمامة بلا قوة تضع عشها فى فم صخرة.

يصير موآب كحمامة لا تضع عشها فى الحدائق على الأشجار، بل منفردة فى
صخرة بعيدة. يتحول موآب من طير مغرد إلى طير حزين فى عزلة لا يعرف إلا الصراخ.

 

(5) مرثاة على موآب

أ – يبدأ إرميا النبى بإعلان حبه للأمم مثل سيده الذى لا يسر بموت
الأشرار بل يرجعوا فيحيوا. فهو وإن كان يتنبأ على موآب بالخراب لكنه يولول عليه،
ويصرخ من الخارج، كما يئن قلبه من الداخل، يبكى فتجرى دموعه كمياة ينابيع غزيرة لا
تتوقف.

" من اجل ذلك اولول على موآب وعلى موآب كله اصرخ.

يؤنّ على رجال قير حارس.

ابكي عليك بكاء يعزير يا جفنة سبمة.

قد عبرت قضبانك البحر وصلت الى بحر يعزير " ع 31 – 32

 

ب – فقد موآب حقوله وبالتالى محاصيله، فتحولت جناته إلى برارى.

" وقع المهلك على جناك وعلى قطافك.

ونزع الفرح والطرب من البستان ومن ارض موآب " ع 32 – 33

 

ج – انتزع الفرح من بساتينه، فحيث لا حصاد ولا ثمر لا يوجد فرح ولا
طرب.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر التكوين 01

" وقد ابطلت الخمر من المعاصر.لا يداس بهتاف.جلبة لا هتاف
"
ع 33

د – يشبه موآب بعجلة عمرها ثلاث سنوات أخذ منها العجل رفيقها فتجرى
من موضع إلى آخر بغير خطة، فى حالة هيسترية

" قد اطلقوا صوتهم من صراخ حشبون الى العالة الى ياهص من صوغر
الى حورونايم كعجلة ثلاثية لان مياه نمريم ايضا تصير خربة "
ع 34

عالة، وصوغر، ونمريم، مدن موآبية.

ه – يستخدم موآب كل ما يعبر عن الحزن الشديد: قرع الرأس، جز اللحية،
وتجريح الأيادى، ولبس المسوح على الأحقاء، ونوح علنى على السطوح وفى الشوارع.

" وابطل من موآب يقول الرب من يصعد في مرتفعة ومن يبخر لآلهته.

 من اجل ذلك يصوّت قلبي لموآب كناي

ويصوت قلبي لرجال قير حارس كناي لان الثروة التي اكتسبوها قد بادت.

 لان كل راس اقرع،

وكل لحية مجزوزة،

 وعلى كل الايادي خموش،

 وعلى الاحقاء مسوح.

على كل سطوح موآب وفي شوارعها كلها نوح " ع 35 – 38

ز – فقد قيمته فى عينى الله فصار كإناة لا مسرة به.

" لاني قد حطمت موآب كاناء لا مسرة به يقول الرب.

 يولولون قائلين كيف نقضت؟!

 كيف حولت موآب قفاها بخزي،

 فقد صارت موآب ضحكة ورعبا لكل من حواليها " ع 38 – 39.

 

(6) الغزو البابلى

" لانه هكذا قال الرب ها هو يطير كنسر ويبسط جناحيه على موآب.

 قد أخذت قريوت وأمسكت الحصينات وسيكون قلب جبابرة موآب في ذلك
اليوم كقلب امرأة ماخض.

 ويهلك موآب عن ان يكون شعبا لانه قد تعاظم على الرب.

 خوف وحفرة وفخ عليك يا ساكن موآب يقول الرب " ع 40 – 43

إذ ظن موآب فى نفسه يحمل قوة لمقاومة الله " يهلك عن
أن يكون شعبا "
ع 42. يفقد كيانه أمام الأمم، ولا يكون له ملك ولا حكومة مدنية تدير
أموره.

 

(7) هروب موآب

" الذي يهرب من وجه الخوف يسقط في الحفرة،

 والذي يصعد من الحفرة يعلق في الفخ،

 لاني اجلب عليها اي على موآب سنة عقابهم يقول الرب.

 في ظل حشبون وقف الهاربون بلا قوة.

لانه قد خرجت نار من حشبون ولهيب من وسط سيحون فاكلت زاوية موآب
وهامة بني الوغا.

 ويل لك يا موآب.

باد شعب كموش لان بنيك قد أخذوا الى السبي وبناتك الى الجلاء " ع 44 – 46

لا مجال للهروب، فمن يهرب من الخوف يجد نفسه ساقطا فى حفرة، وإن صعد
من الحفرة يجد فخا قد اقتنصه. من هرب من قريته ليجد أمانا فى حشبون الحصينة وجد
نارا تخرج منها لتلتهمه. إذ يهربون إلى العاصمة حشبون يحتمون فى أسوارها يشعرون
بالضعف الشديد، وتخرج نار من هناك تأكلهم.

 

(8) إصلاح موآب

" ولكنني ارد سبي موآب في آخر الايام يقول الرب الى هنا قضاء
موآب "
ع 47

بلا شك عند عودة اليهود فى أيام كورش عاد بعض من الموآبيين
والعمونيين والفلسطينيين لكن لم ينل أحد منهم استقلاله، ولا صار لهم ملوك. لذا يرى
كثير من الدارسين أن هذه النبوة قد تحققت بقبول هذه الشعوب الإيمان بالسيد المسيح
فنزع عنهم سبيهم الداخلى، وتمتعوا بمجد حرية أولاد الله.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي