الإصحَاحُ
الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ

 

يشتمل
هذا الإصحاح على مزيج من المجاز والحقيقة، ويشابه ما جاء في (ص 27) عن صور، كما يتكرر
ذكر "جنة الله" و"عدن"، اللتين ورد ذكرهما في

(ص28)، وقد تضمن من المعاني ما يتمشى مع (أش 14: 3-20)، ويدور محور الكلام فيه على زوال عظمة
فرعون، ويرى معظم المفسرين أن الكلام هنا قد أشار إلى أشور التي قضى نبوخذ نصر على
عظمتها، وكما حدث لها هكذا سيحدث أيضاً لفرعون:

وينقسم هذا الإصحاح إلى:

1.                
وصف تعاظم فرعون (عد 1-9)

2.                
السقوط نهاية الكبرياء (10-14)

3.                
مصير فرعون وجمهوره (عد 15-18)

 

أولاً:
وصف تعاظم فرعون (عد 1-9)

"1وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ فِي الشَّهْرِ
الثَّالِثِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ: 2يَا
ابْنَ آدَمَ, قُلْ لِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَجُمْهُورِهِ: مَنْ أَشْبَهْتَ فِي
عَظَمَتِكَ؟ 3هُوَذَا أَعْلَى الأَرْزِ فِي لُبْنَانَ جَمِيلُ الأَغْصَانِ
وَأَغْبَى الظِّلِّ وَقَامَتُهُ طَوِيلَةٌ وَكَانَ فَرْعُهُ بَيْنَ الْغُيُومِ.
4قَدْ عَظَّمَتْهُ الْمِيَاهُ وَرَفَعَهُ الْغَمْرُ. أَنْهَارُهُ جَرَتْ مِنْ
حَوْلِ مَغْرِسِهِ وَأَرْسَلَتْ جَدَاوِلَهَا إِلَى كُلِّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ.
5فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَتْ قَامَتُهُ عَلَى جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَقْلِ, وَكَثُرَتْ
أَغْصَانُهُ وَطَالَتْ فُرُوعُهُ لِكَثْرَةِ الْمِيَاهِ إِذْ نَبَتَ. 6وَعَشَّشَتْ
فِي أَغْصَانِهِ كُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ, وَتَحْتَ فُرُوعِهِ وَلَدَتْ كُلُّ
حَيَوَانِ الْبَرِّ, وَسَكَنَ تَحْتَ ظِلِّهِ كُلُّ الأُمَمِ الْعَظِيمَةِ.
7فَكَانَ جَمِيلاً فِي عَظَمَتِهِ وَفِي طُولِ قُضْبَانِهِ, لأَنَّ أَصْلَهُ كَانَ
عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. 8اَلأَرْزُ فِي جَنَّةِ اللَّهِ لَمْ يَفُقْهُ,
السَّرْوُ لَمْ يُشْبِهْ أَغْصَانَهُ, وَالدُّلْبُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ فُرُوعِهِ.
كُلُّ الأَشْجَارِ فِي جَنَّةِ اللَّهِ لَمْ تُشْبِهْهُ فِي حُسْنِهِ. 9جَعَلْتُهُ
جَمِيلاً بِكَثْرَةِ قُضْبَانِهِ حَتَّى حَسَدَتْهُ كُلُّ أَشْجَارِ عَدْنٍ
الَّتِي فِي جَنَّةِ اللَّهِ
"

هل تبحث عن  هوت روحى قبول المسيح 07

تتضمن
هذه الأعداد قصيدة لحزقيال، يصور فيها فرعون وجمهوره بما يشبه شجرة أرز هائلة
ترتفع أغصانها إلى السحاب، وترويها مياه الغمر، وقد عششت في أغصانها كل طيور
السماء، وتحت فروعها ولدت كل حيوان البر، وتحت ظلها سكنت كل الأمم العظيمة، وفي
عظمة هذه الأرزة تفوقت على أشجار جنة عدن جنة الله.

 

(عد1): التاريخ
المذكور هنا هو أول الشهر الثالث من السنة الحادية عشرة أي بعد التاريخ المذكور في
(ص30: 20) بشهرين إلا ستة أيام، الذي أنبأ فيه
حزقيال بكسر ذراع فرعون مصر، والتاريخ هنا يرجع إلى شهر يونيه سنة 586 ق.م. قبل
سقوط أورشليم بشهرين تقريباً.

 

(عد 2):
كان على حزقيال النبي أن يخاطب فرعون وجمهوره بسؤال يستهل به تشبيهاً له في عظمته،
وبنفس السؤال تقريباً يختتم هذا الإصحاح.

 

(عد3):
" هُوَذَا أَعْلَى الأَرْزِ فِي لُبْنَانَ
"

يتمسك
البعض بترجمة
“ashshar
erez”
إلى
" أرزة عالية " بينما ترجمت هذه الفقرة إلى " هوذا أشور كان
أرزاً" (حاشية الكتاب المشوهد) والذين يأخذون بالقراءة الثانية يطبقون ما جاء
في وصف تلك الأرزة الغير العادية على أشور التي زالت عظمتها على أيدي البابليين،
كمثال لما كان عتيداً أن يحدث لفرعون مصر، ولكن يفضل الكثيرون الأخذ بالقراء
الأولى إستناداً إلى ما جاء في (عد18) وتعني
عبارة " أَغْبَى الظِّلِّ " كثيف
الظل.

 

(عد4-9): تأتي
هذه الأعداد بأوصاف غير عادية لشجرة أرز جبارة عالمية تُصِوّر بطريقة مجازية
كبرياء فرعون وتشامخه.

ومثل
هذا التشبيه قد جاء في (دا ص4) الذي وصف فيه
نبوخذ نصر بمثل هذه الشجرة، كما ذكر الرب يسوع مثل حبة الخردل التي نمت وصارت شجرة
تأتي وتتآوى في أغصانها طيور السماء (مت 13: 31-32
تشبيهاً لملكوت السموات.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد إنجيل متى حبة الخردل أ أ

ويشير
إرتفاع الأرز (80 قدماً) إلى الكبرياء، والمياه والغمر تشير إلى مياه النيل
(أو نهري دجلة والفرات) ولعل "طيور السماء" (عد6) ترمز إلى الأمم التي خضعت إما لفرعون (أو
لأشور).

 

ثانياً:
السقوط نهاية الكبرياء (10-14)

"10لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ
السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ ارْتَفَعَتْ قَامَتُكَ وَقَدْ جَعَلَ
فَرْعَهُ بَيْنَ الْغُيُومِ وَارْتَفَعَ قَلْبُهُ بِعُلُوِّهِ, 11أَسْلَمْتُهُ
إِلَى يَدِ قَوِيِّ الأُمَمِ فَيَفْعَلُ بِهِ فِعْلاً. لِشَرِّهِ طَرَدْتُهُ.
12وَيَسْتَأْصِلُهُ الْغُرَبَاءُ عُتَاةُ الأُمَمِ وَيَتْرُكُونَهُ, فَتَتَسَاقَطُ
قُضْبَانُهُ عَلَى الْجِبَالِ وَفِي جَمِيعِ الأَوْدِيَةِ, وَتَنْكَسِرُ
قُضْبَانُهُ عِنْدَ كُلِّ أَنْهَارِ الأَرْضِ, وَيَنْزِلُ عَنْ ظِلِّهِ كُلُّ
شُعُوبِ الأَرْضِ وَيَتْرُكُونَهُ. 13عَلَى هَشِيمِهِ تَسْتَقِرُّ جَمِيعُ طُيُورِ
السَّمَاءِ, وَجَمِيعُ حَيَوَانِ الْبَرِّ تَكُونُ عَلَى قُضْبَانِهِ. 14لِكَيْلاَ
تَرْتَفِعَ شَجَرَةٌ مَا وَهِيَ عَلَى الْمِيَاهِ لِقَامَتِهَا, وَلاَ تَجْعَلُ
فَرْعَهَا بَيْنَ الْغُيُومِ, وَلاَ تَقُومُ بَلُّوطَاتُهَا فِي ارْتِفَاعِهَا
كُلُّ شَارِبَةٍ مَاءً, لأَنَّهَا قَدْ أُسْلِمَتْ جَمِيعاً إِلَى الْمَوْتِ إِلَى
الأَرْضِ السُّفْلَى فِي وَسَطِ بَنِي آدَمَ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ
"

يستخدم
النبي بالتبادل ضميري المخاطب والغائب بما يتفق مع مزج الحقيقة بالمجاز، وارتفاع
القلب (عد10) يوضح أن المقصود هو تشامخ الروح
الذي شبهه بإرتفاع الأرز، وقَوِيِّ الأُمَمِ
(عد 11) هو نبوخذ نصر الذي إستخدمه الرب
لتنفيذ مقاصده الإلهية.

ويصف
العددان (12، 13) نهاية خطية التجبر والكبرياء
بسقوط وإندحار أصحابهما، فهم كشجرة الأرز التي كانت في قمة العلو والارتفاع، وقد
هوت إلى الأرض فسقطت أغصانها على الجبال وفي الوديان وتحطمت فروعها، وهجرت ظلها كل
شعوب الأرض، وعلى حطامها إستقرت طيور السماء، وعلى فروعها ربضت الحيوانات. وفي (عد 14) ينتقل حزقيال من المجاز إلى الحقيقة بإعطاء
العبرة والدرس القاسي لكل من يُضرَب بضربة الكبرياء، فينزل إلى الهاوية.

 

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الخروج القمص تادرس يعقوب 23

ثالثاً:
مصير فرعون وجمهوره (عد15-18)

"15فِي يَوْمِ نُزُولِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ أَقَمْتُ نَوْحاً.
كَسَوْتُ عَلَيْهِ الْغَمْرَ وَمَنَعْتُ أَنْهَارَهُ وَفَنِيَتِ الْمِيَاهُ
الْكَثِيرَةُ, وَأَحْزَنْتُ لُبْنَانَ عَلَيْهِ, وَكُلُّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ
ذَبُلَتْ عَلَيْهِ. 16مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهِ أَرْجَفْتُ الأُمَمَ عِنْدَ
إِنْزَالِي إِيَّاهُ إِلَى الْهَاوِيَةِ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ,
فَتَتَعَزَّى فِي الأَرْضِ السُّفْلَى كُلُّ أَشْجَارِ عَدْنٍ مُخْتَارُ لُبْنَانَ
وَخِيَارُهُ كُلُّ شَارِبَةٍ مَاءً. 17هُمْ أَيْضاً نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ
مَعَهُ, إِلَى الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ, وَزَرْعُهُ السَّاكِنُونَ تَحْتَ ظِلِّهِ
فِي وَسَطِ الأُمَمِ. 18مَنْ أَشْبَهْتَ فِي الْمَجْدِ وَالْعَظَمَةِ هَكَذَا
بَيْنَ أَشْجَارِ عَدْنٍ؟ سَتُحْدَرُ مَعَ أَشْجَارِ عَدْنٍ إِلَى الأَرْضِ
السُّفْلَى, وَتَضْطَجِعُ بَيْنَ الْغُلْفِ مَعَ الْمَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ.
هَذَا فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُمْهُورِهِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ
"

تصف
هذه الأعداد بعبارات مليئة بالأسى، ذلك المصير الأليم الذي ينتهي إليه فرعون
وأعوانه، فهو ينزل إلى الهاوية بالنوح الذي يعم الطبيعة، ولعل المقصود بعبارة
" كَسَوْتُ عَلَيْهِ الْغَمْرَ "
انه كما يغطي الباكون رؤوسهم علامة على الحزن، هكذا صار الغمر الذي كان يروي
الأرزة يكسوه بالحزن، وعند هبوطه إلى الهاوية "تتعزى كل أشجار عدن" أي
تجد الأمم تعزيتها في مشاركة فرعون لها في هبوطها للهاوية وفي عبارة " تَضْطَجِعُ بَيْنَ الْغُلْفِ " تحقير لفرعون
لأن المصريين كانوا يمارسون الختان.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي