الفصل
الثالث
صحة سفر دانيال وقانونيته

 

1- كاتب السفر وتاريخه:

يؤكد
السفر نفسه على أن كاتبه بالروح القدس هو دانيال النبى، فهو الذى أعطاه الله الرؤى
والإعلانات الإلهية وهو الذى دون السفر. ويتحدث عن نفسه فى الجزء الثانى من السفر
(ص 7-12) بضمير المتكلم، ويقول "كنت فى رؤياى(1)"، "أما أنا
دانيال(2)"، "ظهر لى أنا دانيال رؤيا(3)
"أنا دانيال فهمت من الكتب(4)"، "وبينما أنا أتكلم(5)
"فقال لى (الكائن الملائكى) اذهب يا دانيال(6)". وهكذا يتكلم فى
كل أجزاء هذا الجزء بضمير المتكلم.

وقد
أجمع العلماء فى جميع المدارس الفكرية والتفسيرية، الخاصة بسفر دانيال، أن كاتب
السفر ككل هو شخص واحد، وبالتالى يكون دانيال النبى هو كاتب السفر كله، فالجزء
الأول (ص1-6) ضرورى جداً ولازم لفهم الجزء الثانى، فهو يعتبر كمقدمة له. كما أن
الإصحاح الثانى من السفر يحتوى على نفس موضوع ومغزى وجوهر الإصحاح السابع. إلى
جانب التماثل فى الأسلوب واللغة، فقد كتب الجزء الأول بالعبرية والآرامية، وكتب
الجزء الثانى أيضا بالآرامية والعبرية، كما يتماثل الجزءان فى العبارات والأشكال
اللغوية، وبالإجمال تدل لغة السفر وأسلوبه على أن الكاتب واحد.

أما
عن استخدام الجزء الأول لضمير المخاطب فى الكلام عن دانيال النبى فلا يدل على وجود
كاتب آخر لهذا الجزء غير دانيال النبى، فهذا شئ مألوف وطبيعى سواء فى لغة الكتاب
المقدس أو فى لغة الكتاب القدماء المعاصرين للأنبياء؛ فقد تكلم موسى النبى فى
أسفاره الخمسة عن نفسه بضمي المتكلم وضمير الغائب(7)، "وكان هذا
الأسلوب شائعاً فى الكتابة المصرية فى عصر موسى النبى فكان الملوك يحيون ذكرى
انتصاراتهم بنقشها على حوائط المعابد وكانوا يستخدمون ضمير الغائب أحياناً وضمير
المتكلم فى أحيان أخرى. فقد كتبت لوحة الكرنك الإحصائية وحوليات تحتمس الثالث التى
نشرت فى كتاب "سجلات الماضى" ج 9:2-18
بضمير وصيغة الغائب وكتب زيدوفون وقيصر تورايخهم التى كانوا هم
أنفسهم أبطالها بضمير الغائب
وكذلك نبوخذ نصر ملك بابل كان يخاطب شعبه عن
نفسه بضمير الغائب "نبوخذ نصر ملك بابل راعى الشعوب(8)".

أما
تاريخ وزمن كتابة السفر فنستخرجه من أقوال دانيال النبى نفسه إذ يقول أنه كان فى
الحكم "إلى السنة الأولى لكورش الملك(9)"، وهذا يدل على
أنه كتب السفر بعد هذه السنة الأولى التى لكورش. وفى رؤياه الثالثة يقول أنها
أُعلنت له "فى السنة الثالثة لكورش ملك فارس(10)
أى سنة 536 ق.م. وبالتالى يكون قد كتب سفره فيما بين 536-530 ق.م.، وهو فى حوالى
سن التسعين من العمر؛ فقد أُخذ دانيال إلى بابل سنة 605 ق.م.وهو فى حوالى السادسة
عشر ورأى رؤياه الثالثة فى حوالى سن 86 سنة وانتقل من هذا العالم وهو فى حوالى سن
90 سنة.

 

2- صحة السفر وقانونيته:

الدليل
الداخلى :
يبدو واضحاً من محتوى السفر، الدليل الداخلى،
أن الكاتب كان أحد الذين عاشوا فى بابل مدة طويلة فهو يعرف تاريخها وعاداتها
وقضاياها وطريقة حياة أهلها معرفة دقيقة تدل على أنه عاش فى نفس المدينة وفى نفس
الزمن الذى يتحدث عنه السفر؛ فهو يعرف طبقات علمائها "المجوس والسحرة
والعرافون والكلدانيون(11)" والتى تؤكد السجلات المدنية
أنهم كانوا موجودين فى بابل، كما كان يعرف أسلوبهم جيداً "تعبير الأحلام
وتبيين ألغاز وحل عقد(12)"، وفكرهم الدينى "الآلهة
الذين ليست سكناهم مع البشر(13)"، وكذلك استخدامه لصور الحيوانات
المجنحة، خاصة الأسد المجنح(14) الذى كان يشير إلى بابل والتى كشفت
الحفريات عن وجودها مرسومة بكثرة فى معابد بابل القديمة، وأيضا حديثه عن جنون
نبوخذ نصر فى آخر أيامه والذى أكد عليه المؤرخ القديم بيروسيوس، كما نقل عنه
المؤرخ اليهودى يوسيفوس(15). وهناك تفصيلات كثيرة تدل على أن كاتب
السفر يعرف بابل معرفة دقيقة، معرفة شخص عاش فيها أكثر من 70 سنة، وعاش فى بلاطها
وكان أحد وزرائها، بل وكان والياً عليها(16).

لغة
السفر :
اللغة التى كتب بها السفر هى العبرية والآرامية
ويعتبرها العلماء الكتابيون برهان حاسم على مصداقية السفر وصحة نسبه لدانيال
النبى. كان الكاتب ملماً باللغتين، وهذا فى حد ذاته يؤكد على أنه عبرى عاش فى
بابل، فى السبى البابلى، وليس فى العصر المكابى كما يدعى النقاد، ففى العصر
المكابى لم تكن اللغة العبرية مستخدمة فيه كلغة حية، بل كانت قد توقف استخدامها
كلغة حية وحل محلها لهجة آرامية عامية. وتتشابه اللغة العبرية فى سفر دانيال بدرجة
شديدة مع عبرية الأسفار التى كتبت بعد السبى، فى القرن الخامس ق.م. كما أنها تشترك
فى بعض مصطلحات سفر حزقيال الذى كتب سفره فى السبى، فى القرن السادس قبل الميلاد.
كما تختلف آرامية سفر دانيال بصورة واضحة وملموسة عن اللهجة التى كانت سائدة
للترجمات التفسيرية الكلدانية المتأخرة للعهد القديم وتقترب كثيراً من لغة سفر
عزرا الذى كتب فى زمن قريب جداً من زمن(17) دانيال النبى.

ويقدم
لنا تفسير لانج (
Langes Comm.)(18) الملحوظات التالية على لغة سفر دانيال
:

هذه
اللهجة الآرامية التى أصبحت بالتدريج اللغة السائدة ليهود فلسطين، هى الآرامية
الشرقية أو البابلية، وهى مصطلح سامى كلية، وكان اللسان الشعبى لأهل بابل، وهى
مميزة جيداً عن اللغة المذكورة فى دانيال4، فقد كانت لغة دانيال4 هى لغة بلاط
نبوخذ نصر والسلالة الكلدانية الحاكمة وكانت تشتمل على عناصر اريانية
Aryan أو تورانية Turanian عديدة. وهى المذكورة فى دانيال 4:2
"بالآرامية" وأرميا 11:10؛ وعزرا 7:4
أما اللغة الكلدانية والمذكورة فى دانيال 4:1
لم يشار إليها ثانية، وهى مميزة بوضوح عن اللغة الآرامية العادية، كلغة مميزة وسائدة
بين جماعة الكهنة والمحاربين ثم سادت فى بابل.

تتضمن
اللغة الآرامية فى إصحاحات 2-7 عبارات عبرية عديدة مثلما تضم اللغة العبرية فى
الفصول الباقية تعبيرات كلدانية كثيرة، وهذه سمات لا يمكن أن تفسر إلا بافتراض
امتزاج اللهجتين فى اللغة الشعبية التى يمكن أن تكون قد بدأت فى زمن الغزوات
الآشورية المتكررة للأسباط العشرة (مملكة إسرائيل) والتى شملت بالتدريج وامتدت إلى
يهوذا، وهى التى ترجع إليها لغة دانيال العبرية وتشهد لها.

وقد
تجسد الوجود المشترك للعبرية والآرامية كلهجات متحدث بها وكان يفهمها الشعب إلى حد
بعيد فى الظروف التى مكنت الكاتب أن يعبر بالآرامية عن معظم رواياته ونبؤاته. وهذه
السمة تكررت فقط فى سفر عزرا بعد ذلك بقرن، وحتى أرميا استخدم آية واحدة
بالآرامية" (11:10)(19).

تقترب
آرامية سفر دانيال بدرجة كبيرة من آرامية عزرا، وأرميا 11:10 وذلك فى المفردات
اللغوية والسمات النحوية وثرائها بالكلمات الأقدم، وتعطى ملامحها النحوية العامة
الانطباع بقدم أكثر وأعلى من اللغة الكلدانية المستخدمة فى الترجومات التى كتبت فى
حوالى بداية الحقبة المسيحية.

وتوجد
كلمة واحدة فقط من الكلمات السبع، المأخوذة عن الفارسية والموجودة فى القسم الآرامى
فى سفر دانيال، مذكورة فى الترجومات، بينما هناك كلمتان منهما مشتركتان مع العبرى
الكلدانى فى سفر استير والجزء الكلدانى فى سفر عزرا والأربعة الباقية على الأقل
موجودة فى الجزء الكلدانى من عزرا. وهناك علاقة لغوية ملحوظة بين سفر دانيال وسفر
عزرا.

وطبقا
لذلك فقد وضع سفر دانيال فى الكتابات المقدسة التاريخية (على أساس صفته التاريخية
الحقيقية فى الجزء الأول منه)، وقد وضع على رأس هذه الأسفار بسبب علاقته اللغوية
مع سفر عزرا، وأيضا بسبب كونه اسبق منهم ككتاب مقدس وسفر موحى به.

دانيال
وتأثيره فى العودة من السبى :
يقول أحد العلماء : لا يمكن
أن يدرك عصر السبى ككل بدون وجود رجل مثل دانيال يكون له تأثير عظيم على شعبه،
وتتأثر عودتهم إلى فلسطين بموقعه السامى فى الدولة إلى جانب معونة الله التى هو
فوق الكل. ويرجع اهتمام كورش بإصدار أمر بعودتهم إلى فلسطين إلى إرشاد الله وتوجيهه
وتأثير هذا الرجل، دانيال، الذى كما هو واضح فى صلاته لأجل شعبه وانتهاء سبيهم، فى
ص 9، كان مهتماً بدرجة شديدة بخلاصهم من السبى. وبالتالى فرجل مثله لابد وأنه كان
له دوره مع الملك كورش، بل أن وجوده يقدم لنا الفهم الصحيح لهذه الفترة من التاريخ
اليهودى(20).

 

شهادة حزقيال النبى لدانيال النبى :

أشار
حزقيال النبى لبر دانيال النبى وحكمته وتقواه فى ثلاثة مواضع :

"هؤلاء
الرجال الثلاثة نوح ودانيال وأيوب فانهم إنما يخلصون أنفسهم ببرهم(21)
نوح ودانيال وأيوب فحى أنا يقول السيد الرب أنهم لا يخلصون أبناً ولا ابنة. إنما
يخلصون أنفسهم ببرهم(22)"، وفى هاتين الآيتين يساوى
دانيال النبى بنوح البار وأيوب الصديق فى البر والخلاص، وفى الآية الثالثة يباهى
الله بحكمته ملك صور؛ "هل أنت أحكم من دانيال سر ما لا يخفى عليك(23)
انه يباهى بحكمته المعطاة له من الله وبكشفه للأسرار.

ولكن
النقاد والليبراليين يدّعون أنه من المستحيل وغير المعقول أن يكون المقصود هو
دانيال المعاصر لحزقيال النبى، فهذا الشاب الصغير لا يمكن أن يوضع بين البطاركة
القدماء والعظماء، ويقول مونتجمرى "لا توجد إشارة لدانيال كشخص تاريخى فى
العهد القديم العبرى(24)"، وإنما دانيال المذكور فى
حزقيال هو اسم "قديس تقليدى"(25)، وبعد كتابة جيمس مونتجمرى لتفسيره
(15 ديسمبر 1926) بعدة سنوات أكتشف علماء الآثار الذين كانوا ينقبون فى أو جاريت
القديمة، رأس شمرا الحديثة، بعض ألواح الطمى، تذكر إحداها أسطورة كنعانية باسم
أقهات
Aqhat، وكان أقهات هذا له ابن يدعى دانيل (dn’l) أى "الله قاضى"، وهو نفس المعنى
اسم دانيال النبى، وتقول اللوحة انه، أى دانيل، كان صديق للأرامل والأيتام وكان
يقضى بحكمة وبر، ولكنه كان وثنى وعابد للأوثان، فكان يتعبد ويصلى للبعل ويشارك فى
طعام بيت البعل، كما كان يعبد أرواح أسلافه كآلهة ويقدم القرابين للأصنام، وكان
مذنباً يلعن أعداءه ويعيش بدون أمل حقيقى فى الله(26).

هذا
هو الشخص الوثنى الذى يساويه النقاد وعلماء اللاهوت الليبراليون(27)
بأثنين من رجال الله العظماء، نوح أبر من عاش فى جيله وأيوب الذى تغنت ببره
الأجيال وقال عنه الكتاب "لأنه ليس مثله فى الأرض. رجل كامل ومستقيم يتقى
الله ويحيد عن الشر(28)". هل هذا معقول؟!! مستحيل طبعاً
أن يساوى الله بين قديسيه الذين عبدوه وحده وبين عابد للأوثان. إنما المذكور هنا
هو دانيال النبى المحبوب من الله.

 كان
دانيال النبى عندما تكلم عنه الله فى حزقيال 14:14،20 فى حوالى سن الثلاثين من
عمره، وكان عمره وقت النبوءة الثانية (حز 3:28) حوالى 35 سنة(29).
وهذه الفترة من العمر هى التى برز فيها وأشتهر أهم عظماء العالم؛ فقد كانت خدمة
يوحنا المعمدان فى نفس السن تقريباً، كما كانت خدمة السيد المسيح فى نفس السن
أيضاً، بل أن بعض العظماء فى التاريخ من أمثال الاسكندر الأكبر ونابليون قد فاقت
شهرتهم العالم بسبب أعمالهم برغم أنهم كانوا فى سن صغير؛ فقد مات الاسكندر فى سن
الثالثة والثلاثين وكانت شهرته قد انتشرت فى كل البلاد المتحضرة وقتئذ وما تزال
حتى اليوم، وفى سن الرابعة والثلاثين كان نابليون هو أشهر واحد فى أيامه وكان فى
هذا السن إمبراطوراً لأوربا، وعندما كتب حزقيال كلام الله عن دانيال النبى كان
دانيال فى قمة شهرته خاصة بين المسبيين الذى كان ينتمى إليهم والذين كتب لهم
حزقيال النبى إعلانات الله(30).

 كان
اليهود المسبيين فى بابل يعيشون فى مستعمرات وأقاموا مجتمعات ومعابد حسب وصية
أرميا النبى لأن السبى سيطول لمدة سبعين سنة(31)، وكانوا يتطلعون إلى
أورشليم ويبكون بحرقة وهو يذرفون الدموع(32)، وكان دانيال النبى قد
وصل إلى درجة مرموقة فى بابل، وكان من الطبيعى أن يتطلع إليه اليهود فى السبى،
خاصة وأنه من النسل الملكى ومن سبط يهوذا(33)، وكانت مواهبه فى
تفسير الأحلام وحكمته التى وهبها الله له إلى جانب مركزه المرموق فى بلاط بابل
وطهارة سيرته ونقاوة شخصه، قد ذاعت وانتشرت بين هؤلاء المسبيين، وكان مصدر فخر
وزهو لهم، كما ذاعت شهرته أيضا بين رجال القصر من أمراء وحكماء وعلماء وغيرهم من
أهل بابل، يقول السفر أن الملك نبوخذ نصر عظم دانيال، "وسلطه على كل ولاية
بابل وجعله رئيس الشحن على جميع حكماء بابل(34)"، كل هذا ولم يكن
قد تعدى سن العشرين؛ وفى أيام داريوس المادى، يقول السفر أيضا "ففاق دانيال
هذا على الوزراء والمرازية لأن فيه روحاً فاضلة..(35)
كما يقول عنه السفر أيضا "وكان دانيال فهيماً بكل الرؤى والأحلام(36)
وقال عنه الملك نبوخذ نصر "أنى أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر
عليك أمر(37)". وكان يمكن للمسبيين أن يقارنوا
حكمته وفهمه وطهارة سيرته بحياة يوسف بن يعقوب الذى وصل إلى رئيس وزراء مصر واشتهر
فى العالم المتحضر وقتها فى نفس السن أيضا تقريباً، ويذكر فى الرسالة إلى
العبرانيين كأحد أبطال الإيمان(38).

 وقد
وصفته الملائكة بالرجل المحبوب "أيها الرجل المحبوب(39)
"لا تخف أيها الرجل المحبوب(40)"، "لأنك أنت محبوب(41)
كان دانيال النبى محبوب من الله والملائكة والبشر، المسبيين وغيرهم، ولهذا السبب
ساواه الله بنوح وأيوب، كأحد أبطال الإيمان كما جاء فى الرسالة إلى العبرانيين.

كما
أن أشارة حزقيال إلى شهرة دانيال بالحكمة "هل أنت أحكم من دانيال سر ما لا
يخفى عليك" ترجع إلى تفوق دانيال النبى على كل علماء الفلك والتنجيم فى زمنه،
إلى جانب حكمته فى إدارة شئون بابل استمرت حوالى 70 سنة. وقد استمرت شهرته هذه
يتناقلها المسبيون عبر الأجيال فكانت نموذجاً للمكابيين وعبرة للمسيحيين.

هذا
هو دانيال الذى تكلم عنه الله فى سفر حزقيال وذكره السيد المسيح وكان قدوة
للمسيحيين كأحد أبطال الإيمان، وليس ذلك الرجل الوثنى الذى يقول عنه النقاد
والليبراليين.

وجود سفر دانيال أيام الاسكندر الأكبر :

كتب
المؤرخ اليهودى والكاهن يوسيفوس حوالى سنة 80 م الكثير عن سفر دانيال النبى، وروى
القصة التالية(42)، التى يؤكد فيها وجود السفر فى القرن
الرابع قبل الميلاد، ويقول أنه أثناء حصار الاسكندر الأكبر لمدينة صور لجأ لليهود
للحصول على مؤنه لجيشه، ولكن رئيس الكهنة رفض قائلاً أنه أقسم أن يكون أميناً
للملك الفارسى داريوس، وهذا أغضب الاسكندر، وبعد دماره لصور وغزة اتجه فى غضب
بجيوشه الجرارة إلى أورشليم، فأرتعب رئيس الكهنة يدوع
Jaddua، ولكن الله أخبره فى حلم كيف ينقذ المدينة،
فعمل بكلمة الله والبس كهنته ملابس بيضاء وارتدى هو أبهى ملابسه مع ردائه القرمزى وصدرته
الكهنوتية وتاج الكهنوت الذهبى، وأتبعه موكب من الشعب والكهنة فى ملابس بيضاء،
وذهبوا لمقابلة الاسكندر وهم ينشدون نشيد صهيون. فذهل الاسكندر عندما أراه رئيس
الكهنة ما سبق أن تنبأ به عن دانيال النبى، ويقول يوسيفوس بالحرف الواحد
"وعندما رأى (الاسكندر) سفر دانيال، وإعلان دانيال أن واحداً من الإغريق
سيدمر الإمبراطورية الفارسية وأعتقد أنه هو نفسه الشخص المقصود… وفى اليوم
التالى دعاهم إليه وطلب منهم أن يسألوا المعروف الذى يرضيهم"، وتستمر الرواية
فتقول أن الاسكندر سجد لله وقدم ذبيحة. وهذا حدث حوالى سنة 330 ق.م. وقبل التاريخ
الذى زعمه النقاد بأكثر من 160 سنة. وتظل الحقيقة التى تسد أفواه النقاد
والليبراليين وتؤكد صحة رواية يوسيفوس، وهى أن الاسكندر دمر كل مدينة فى سوريا
كانت متعاطفة فى صداقة مع الملك داريوس الفارسى، ومع ذلك فقد ميز أورشليم وتعاطف
معها وعاملها معاملة حسنة جداً. لماذا؟ رغم أنها كانت من ضمن المدن التى أقسمت
بالولاء لملك فارس؟ لابد أن هناك سبباً، وهذا السبب هو ما كشف له فى سفر دانيال
النبى(43).

مخطوطات قمران وصحة سفر دانيال :

برهنت
المخطوطات التى أكتشفه العلماء فى قمران، وخاصة المخطوطتين المكتوبتين باللغة
العبرية فى كهف
11 Q سنة 1956 م على انتشار سفر دانيال وشهرته منذ
القديم، كما أكدت المخطوطة
Florilegium(44) والتى أشارت إلى سفر دانيال النبى بالقول "دانيال
النبي" مثلما قال السيد المسيح فى متى 15:24 على أن السفر كان يقرأ ومعترف به
فى القرن الثانى كسفر مقدس مكتوب بالروح القدس.

ويقول
أحد العلماء
(Raymond K. Harrison) أن مخطوطات قمران بما فيها مخطوطات سفر دانيال
كلها منسوخة عن مخطوطات أقدم، أقدم منها على الأقل بنصف قرن، وبما أن جماعة قمران
هى مكابية، أى من العصر المكابى، فتكون مخطوطات دانيال الموجودة لديهم منسوخة من
نسخة أقدم من العصر المكابى ذاته على الأقل بنصف قرن(45).

ويرى
العلماء أنه لو طبقت المبادئ التى يقبلها الجميع بما فيهم النقاد، فى تقييم
مخطوطات أخرى لنسبوها إلى فترة أقدم بكثير عن الوقت التى قُبلت فيه سابقاً؛ أى أنه
إذا طبقنا على سفر دانيال المبدأ القائل أن أى سفر يعترف به من الجماعة ككتاب مقدس
لابد أن يكون أقدم من زمن الجماعة نفسها بكثير، ومن ثم لابد أن يقر النقاد
والليبراليين باستحالة كتابة سفر دانيال فى القرن الثانى قبل الميلاد، بل لابد أن
يكون أقدم من ذلك بكثير(46).

ونتساءل
مع
Walvoord ونقول هل كان فى إمكان اليهود الذين عاشوا فى العصر المكابى أن
يقبلوا السفر ككتاب مقدس وينسبونه لدانيال الذى عاش قبل عصرهم بحوالى أربعة قرون،
أن لم يكن السفر مكتوباً فعلاً قبل أيامهم، عصرهم، بزمن، وكان فى عداد الأسفار
القانونية الموحى بها(47).وتدل الوثائق المكتشفة فى قمران على
أن لغة سفر دانيال العبرية فى اللفائف المكتشفة له هى اللغة العبرية القديمة
الجيدة، اللغة العبرية لبقية أسفار العهد القديم، وليست لغة العصر المكابى. كما أن
الأجزاء الآرامية ليست هى آرامية العصر المكابى، بل الآرامية الأقدم(48).

قانون
أسفار العهد القديم الموحى بها وسفر دانيال :

ضم
قانون أسفار العهد القديم الموحى بها كل الأسفار التى تسلمها علماء اليهود، رجال
المجمع العظيم، والتى كانت موجودة فى أيام عزرا ونحميا وملاخى النبى، والمعترف
بوحيها وصحة نسبها للأنبياء الذين أرسلهم الله إلى بنى إسرائيل، وكان من ضمن هذه
الكتب المقدسة سفر دانيال النبى. وقد آمن رجال هذا المجمع العظيم أن الوحى توقف مع
الأنبياء وأنه لم يأت نبى بعد ملاخى النبى.

وبالتالى
فإن ما يفترضه ويدعيه النقاد والليبراليين بأن سفر دانيال قد كتب حوالى سنة 165
ق.م. ثم انضم إلى القانون واعترف به كسفر موحى به وأن كاتبه ليس هو دانيال النبى
غير معقول وغير مقبول، لأنه من غير المعقول أن يقبل علماء اليهود الذين آمنوا بأنه
لم يأت نبى منذ ملاخى، أن يضموا إلى القانون سفر كتب بعد ملاخى بمئات السنين، فإذا
كانوا قد تحفظوا فى قبول الأسفار القانونية الثانية برغم أن كتابها كانوا معروفين
لديهم، فهل يعقل أن يضموا لكلمة الله كتاب لم يكن له وجود أيام المجمع العظيم وكتب
بعد ملاخى النبى بأكثر من 250 سنة.

الترجمات اليونانية السبعينية وسفر دانيال :

هذه
الترجمة ترجمت بأمر من الملك بطليموس فى بداية القرن الثالث ق.م.، حوالى سنة 275
ق.م. وكانت تضم سفر دانيال النبى، مما يعنى أن السفر كان موجوداً قبل التاريخ الذى
يزعمه النقاد بأكثر من مئة سنة.

 

المكابيين وسفر دانيال :

استشهد
سفر المكابيين الأول، (الذى يغطى الفترة بين 175و134 ق.م.)، بسفر دانيال وأقتبس
منه ككتاب مقدس، فيذكر فى (54:1) "رجاسة الخراب" التى أشار غليها دانيال
النبى (فى 27:9؛ 31:11؛ 11:12)، مثلما أشار إليها السيد المسيح تماماً "متى
رأيتم رجسة الخراب التى قال عنها دانيال النبى قائمة فى المكان المقدس(49)
ويقول هنا "فى السنة المئة والخامسة والأربعين أمر الملك انتيوخس ببناء
"رجاسة الخراب فوق مذبح هيكل الرب". وفى (59:2،60) يقول متثيا الكاهن
لأولاده "تذكروا حنانيا وعزرا وميشائيل؛ بإيمانهم نجوا من اللهيب. وتذكروا
دانيال لبراءته أنقذه الله من أفواه الأسود". وهو يذكرهم هنا مع الآباء
العظام إبراهيم ويوسف ويشوع وداود وإيليا، أبطال الإيمان. وهذه الشهادة فى حد
ذاتها شهادة قوية لتاريخية شخصية دانيال النبى وقانونية وصحة سفره ككلمة الله.
لأنه لا يمكن أن مثل هذا الكاهن العظيم الذى دافع عن الإيمان حتى الموت أن يذكر
دانيال والفتية الثلاثة ضمن أبطال الإيمان العظماء دون أن يكونوا كذلك. كما أنه من
غير المعقول أن يصدق مثل هذا الكاهن ما جاء فى كتاب كُتب فى أيامه، فى فترة انقطاع
الوحى، على أنه كلمة الله ويعتقد أن الأشخاص المذكورين فيه من أبطال الإيمان
ويساويه بعظماء البطاركة والأنبياء. ويجب أن نؤكد أنه كان يكلم أبناءه عن أشخاص،
يؤمنون هم وجميع الشعب بأنهم، ظهروا فى التاريخ حقاً وأسفارهم كانت معروفة لديهم
وموجودة معهم.

 

أبو كريفا العهد القديم وسفر دانيال:

يقول
المفسر الليبرالى جيسم مونتجمرى(50) أنه توجد إشارات كثيرة لسفر دانيال فى
الأدب اليهودى فى القرن الثانى ق.م.؛ فتوجد إشارات كثيرة فى سفر أخنوخ والتى ترجع
أحلام الرؤى فيه (ص83-90) إلى أيام يهوذا المكابى. وهناك قسم فى الأقوال
السيبلينية
Sibylline Oracles (ع 388-400) والتى ترجع إلى منتصف القرن الثانى ق.م. وتوجد
استشهادات كثيرة فى كتاب عهد البطاركة الاثنى عشر والذى كتب فى حوالى نفس الوقت،
وأيضا كتاب اليوبيلات والذى يشترك مع دانيال فى أسابيع السنين. والجزيئيات
الصادوقية
Zadokite والتى ترجع لبداية القرن الثانى ق.م.، ويذكر كتابات أخرى مثل
مزامير سليمان ق1 ق.م. وغيرها.

 

(11) المؤرخ اليهودى يوسيفوس وسفر دانيال :

كتب
المؤرخ والكاهن اليهودى يوسيفوس (36-100م) والمعاصر لتلاميذ المسيح الكثير عن سفر
دانيال ووصف بدانيال النبى الموحى إليه بكلمة الله(51)،
ووضع سفر دانيال ضمن الأسفار القانونية الموحى بها والذى يدافع عنها اليهود حتى
الموت وأنها كتبت فى الفترة ما بين موسى سنة 1500 ق.م. إلى ملاخى سنة 424 ق.م.،
وقسم الأسفار المقدسة إلى ثلاثة تقسيمات هى؛ الناموس والأنبياء والمزامير وضم سفر
دانيال النبى مع الأنبياء(52). وكانت شهادته هذه هى شهادة يهود عصره
ومطابقة لشهادة المسيح وتلاميذه.

(12) العهد الجديد وسفر دانيال :

بينا
فى الفصل السابق شهادة السيد المسيح ورسله لسفر دانيال النبى وتلقيبه ب
"دانيال النبى" ووصفه باعتباره أحد أبطال الإيمان وأقتباس الكثير من
آياته والاستشهاد بها فى العهد الجديد. والغريب أن النقاد والعلماء الليبراليون
يعرفون ذلك جيداً ويذكرونه، فيقول جيمس مونتجمرى، على سبيل المثال "لا يوجد
أى سؤال حول موثوقية دانيال فى العهد القديم. الاسم مذكور مرة بلقب نبى (متى
15:24)
فى عب 3:11،4 سد أفواه الأسود وأطفأوا قوة النار مشيراً إلى ص
3و4. ولكن تأثير ولغة وروح السفر قوية جداً فى الأقسام الرؤوية فى العهد الجديد،
فقرات ال
Parousia فى الأناجيل و2تسالونيكى وخاصة الرؤيا(53)".
ولا يعلق مونتجمرى على ذلك.

ولكن
بعض النقاد يقولون أن يسوع المسيح وتلاميذه، كتاب العهد الجديد، قد أفتوا بما أفتى
به يهود عصرهم ووافقوا علماء اليهود على قولهم!! فهل هذا معقول؟! هل يعقل أن يقول
السيد المسيح أن دانيال نبى ويؤكد على حقيقة ومصداقية سفره وما جاء فيه من نبواءت
لمجرد أن اليهود فى عصره قالوا ذلك؟! والإجابة : كلا. فالسيد المسيح الذى قال
لعلماء اليهود "لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم(54)"
وأيضا "تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس(55)
لا يمكن أن يوافقهم على اعتبار كتاب غير موحى به على أنه سفر قانونى وموحى به، فهو
الذى كان يقول الحق وهو الحق ذاته ولا يمكن أن يقول غير الحق، والحق هو ما قاله عن
دانيال النبى وحقيقة وجوده ووحى سفره وصحة ومصداقية نبواته.



(1) دا 2:7

(2) دا 28:7

(3) دا 1:8

(4) دا 2:9

(5) دا 2:9

(6) دا 9:12

(7) خر 26:6،27

(8) التوراة كيف كتبت وكيف وصلت إلينا للمؤلف ص 119،120

(9) دا 21:1

(10) دا 1:10

(11) دا 2:2

(12) دا 12:5

(13) دا 11:2

(14) دا 3:7-4

(15) Against
Apion B. 1,20

(16) دا 48:2

(17) See
Dr. Kitto Cyclopaedia Bib. Lit. P. 620

(18) Langes
Comm. Vol. 13P. 6,7

(19) قارن استخدام الأسفار الأقدم لبعض كلمات آرامية؛ تك
47:31؛ 2مل 2:5

(20) Dr.
Kitto Cyc. P. 620

(21) حز 14:14

(22) حز 20:14

(23) حز 3:28

(24) J. M. A Cr. Ex. Comm. On Daniel P. 3

(25) Ibid
2

(26) John
F. Walv. Dan, The Key to Proph. Rev. P. 19

(28) أيوب 8:1

(29) يرجع تاريخ النبوءة الأولى لسنة 592-591 ق.م.،
والثانية لسنة 587-586 ق.م.

(30) See
W. A Criswell Exp. Ser. On Dan. Vol. 1 P. 57-66

(31) أر 5:25-12

(32) مز 1:137-9

(33) دا 3:1

(34) دا 18:2

(35) دا 3:6

(36) دا 17:1

(37) دا 9:4

(38) عب 33:11

(39) دا 11:10

(40) دا 19:10

(41) دا 23:9

(42) Ant. Xi. 8,5

(43) W.
A. Criswell Vol. 1 P. 46

(44)Harrison Int. to OT P. 1107. R. K.

(45) Ibid
1118

(46) J. F. Wahvoord PP. 20-21

(47) Ibid

(48) W.
A. Criswell P. 46

(49) متى 15:24

(50) J.
Mont. P.3-

(51) Ant. X, 10-11

(52) Ag.
Apion 1,8

(53) J.
Mont. P. 4,5

(54) متى 3:15

(55) مر 8:7

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أَبْشَاي ي

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي