الفصل
الثامن
الرؤيا الثانية (ص8)
القرن الصغير (ضد المسيح) ومعصية
الخراب

 

رأينا
فى الفصل السابق تتابع الإمبراطوريات العالمية الأربعة التى جاء المسيح فى زمن
آخرها، وتأسيس ملكوت الله، ملكوت المسيح، ملكوت السموات، ثم ظهور شخصية ضد المسيح
الذى سيأتى فى المستقبل وقت المجئ الثانى للمسيح والدينونة. وفى هذا الفصل يقدم
لنا الوحى الإلهى فى نبوات دانيال النبى صورة نبوية للصراع الذى دار بين ملوك مادى
وفارس وملوك اليونان وعلى رأسهم الاسكندر الأكبر. ثم يقدم لنا صور لما سيحدث عند
انقسام إمبراطورية اليونان إلى أربعة أقسام أو ممالك وخروج "قرن من
الصغر" والمترجم "قرن صغير" من أحد هذه الممالك الأربعة، ثم تقدم
لنا النبوة وصفاً تفصيلياً لعمل هذا القرن مع شعب الله كنموذج مجسم وصورة رمزية
لإنسان الخطية ابن الهلاك، الذى يحركه الشيطان، فهو ضد المسيح فى العهد القديم
المجسم لشخصية ضد المسيح الآتى، فى المستقبل قبل الدينونة مباشرة.

يقول
دانيال النبى : "فى السنة الثالثة من ملك بيلشاصر الملك ظهرت لى أنا دانيال
رؤيا بعد التى ظهرت فى الابتداء. فرأيت فى الرؤيا وكان فى رؤياى وأنا فى شوشان
القصر الذى لأية عيلام. فرأيت فى الرؤيا وأنا عند نهر أولاى. فرفعت عينى ورأيت
وإذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد أعلى من الآخر
والأعلى طالع أخيراً. رأيت الكبش ينطح غرباً وشمالاُ وجنوباً فلم يقف حيوان قدامه
ولا منقذ من يده وفعل كمرضاته وعظم(1)".

يرى
دانيال النبى نفسه فى هذه الرؤيا فى قصر شوشان أو سوسا، عاصمة عيلام التى تقع شرق
بابل ب 230 ميل وشمال الخليج العربى (الفارسى) ب 120 ميل. ونهر أولاى، أو قناة
أولاى تمر بالقرب من شوشان. وقد نقل دانيال، بالروح، فى هذه الرؤيا ليكون إلى جانب
ذلك النهر.

أ-
الكبش الذى له قرنان (ملوك مادى وفارس) :

يقول
الكائن السمائى فى تفسيره للرؤيا فى وصف هذا الكبش "أما الكبش الذى رأيته ذا
القرنين فهو ملوك مادى وفارس(2)". فتصور لنا النبوة الإمبراطورية
المادية الفارسية فى صورة هذا الكبش الذى له القرنان العاليان. ويقول لنا أحد
مؤرخى القرن الرابع ويدعى مارسيلينوس
Marcellinus أن الملك الفارسى عندما يكون على رأس جيشه كان يرتدى رأس كبش على
رأسه بدلاً من التاج. وكان أحد القرنين أعلى من الآخر، وهذا ما سبق أن أشارت إليه
النبوة السابقة، عندما رمزت لهذه الإمبراطورية المتحدة بالدب الذى "ارتفع على
جانب واحد(3)"، إشارة إلى سيادة العنصر الفارسى
على العنصر المادى كما يؤكد التاريخ.

ب-
هذا الكبش ذو القرنين اتجه بفتوحاته غرباً وغزا بابل وسوريا وأسيا الصغرى واتجه
نحو اليونان، وشمالا باتجاه كولكيس
Colchis وارمينيا وسكيثيا، وجنوباً بإخضاع جزء من العربية ومصر وإثيوبيا.

ب-
التيس العافى (ملك اليونان) :

ثم
يكمل دانيال النبى رؤيا قائلاً "وبينما كنت متأملاً وإذا بتيس من المعز جاء
من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض. وللتيس قرن معتبر بين عينيه. وجاء إلى
الكبش صاحب القرنين الذى رأيته واقفاً عند النهر وركض إليه بشدة قوته. ورأيته قد
وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على
الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده. فتعظم تيس المعز
جداً ولما اعتز انكسر القرن العظيم وطلع عوضاً عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح
السماء الأربع(4)". ويقول له الكائن السمائى فى
التفسير والتيس العاقى ملك اليونان والقرن العظيم الذى بين عينيه هو الملك الأول.
وإذ أنكسر وقام أربعة عوضاً عنه فستقوم أربعة ممالك من الأمة ولكن ليس فى قوته(5)".

‌أ-      
وتشير هذه الآيات، كما أوضح الكائن
السمائى لدانيال النبى إلى الإمبراطورية اليونانية ورأسها الاسكندر الأكبر، الذى
جاء من المغرب (الغرب) واندفع فجأة تجاه الكبش؛ الإمبراطورية المادية الفارسية
وهزمه هزيمة شديدة.

‌ب-     
يقول المؤرخون إن الاسكندر الأكبر
قال أنه ابن الإله جوبيتر آمون الذى كان يتمثل ويرمز إليه بشكل تيس(6)، وقد
اكتشفت صور تاريخية تصور تيس بقرن واحد كرمز للجيوش اليونانية القديمة(7).

‌ج-     
ثم تقول النبوة "أن التيس أو
الإمبراطور اليونانى تحرك بغضب" ضد الكبش. فقد قام الاسكندر الأكبر بمحاربة
الفرس بجيوشهم الجرارة فهزمهم فى ثلاثة مواقع هى :

1-              
 جارنيكوس سنة 334 ق.م.

2-              
 إيسوس سنة 333 ق.م.

3-              
 اربيلا سنة 331 ق.م.

وكان
الجيش الفارسى فى موقعة إيسوس يتكون من 600.000 فى حين أن جيش الاسكندر الأكبر لم
يزد على 47.000. ولم تقم للإمبراطورية المادية الفارسية أى قائمة بعد ذلك.

‌د-      
ويخبرنا المؤرخ والكاهن اليهود
يوسيفوس (36-100م) أن الاسكندر، كما بينا سابقاً، قابل رئيس كهنة اليهود خارج أورشليم،
وأراه الكاهن هذه النبوة الواضحة عنه، والذى تنبأ فيها دانيال النبى بهزيمة الفرس
أمام الاسكندر الأكبر، قبل ذلك ب 225 سنة، ثم قرأها له، فتقدم الاسكندر وجثا على
الأرض.

‌ه-      
 ويرى دانيال النبى فى هذه الرؤيا
انكسار الاسكندر الأكبر، القرن العظيم ، فجأة، فقد مات فى سن 33 سنة وانقسام
إمبراطوريته إلى أربعة ممالك بين قواده الأربعة, مات فى حفلة طقسية ماجنة سنة 323
ق.م. فى بابل، وانقسمت الإمبراطورية إلى أربعة ممالك؛ بين قواده الأربعة :

1-              
 بطليموس حكم مصر وفلسطين وبيترا.
العربية.

2-              
 سلوقس حكم سوريا وبابل والشرق.

3-              
 كاسندر حكم مقدونيا واليونان.

4-              
 ليسيماخوس حكم تراكيا Thrace وبيثنيا (آسيا الصغرى).

ج-
القرن الصغير "ضد المسيح فى القديم" :

ثم
تعلن الرؤيا ابتداء من الآية التاسعة وحتى نهاية الرؤيا والإصحاح الثامن من سفر
دانيال النبى عن "القرن الصغير" والذى هو لغوياً وحرفياً "قرناً من
الصغر". هذا القرن الصغير أو الذى آتى من الصغر هنا، هو غير القرن المذكور فى
الفصل السابق، فهذا القرن الذى أتى من الصغر جاء من أحد أقسام الإمبراطورية
اليونانية، أو الحيوان الثالث "ومن واحد منها (أى القرون الأربعة) خرج قرن
صغير"، فى حين أن القرن الصغير فى الفصل السابق جاء من الإمبراطورية الرابعة
أو الحيوان الرابع، وقد طلع بين العشرة قرون التى للحيوان الرابع أو الإمبراطورية
الرابعة. وهذا القرن الذى جاء من الصغر فى هذا الإصحاح هو بإجماع المفسرين من كل
اتجاه هو الملك السورى انتيوخس ابيفانس (175-164ق.م.) الذى قاومه اليهود عندما
حاول أن يدخل التقاليد واللغة والديانات الوثنية اليونانية إلى أورشليم. هذا الملك
جاء من سلالة سلوقس ومن مملكة سوريا وجلس على عرش سوريا من (175-164ق.م.) واستولى
على أورشليم وقتل أكثر من 40.000 شخص فى ثلاثة أيام وباع مثل هذا العدد للعبودية.

وفيما
يلى نقدم قائمة بأهم التواريخ والأحداث فى تاريخ بنى إسرائيل فى أيام أنتيوخس
ابيفانس، مع آيات سفر دانيال النبى لتفهم ما جاء بهذه النبوة بشكل واضح وجلى :

1-              
 فى سنة 175ق.م. أغتصب انتيوخس
ابيفانس الابن الأصغر لأنتيوخس العظيم عرش سوريا.

وفى
أورشليم أغتصب ياسون(8) رئاسة الكهنوت من أخيه أونيا (اونياس)
بالخديعة والرشوة وشراء المنصب من هذا الملك، انتيوخس ابيفانس(9).

2-     
وفى سنة 174ق.م. ساعد ياسون رئيس
الكهنة مغتصب الكهنوت بالرشوة والذى يصفه 2مكابيين ب "الزنديق الحقير لا
الكاهن الأعظم(10)"، اليهود المرتدين فى إدخال عادات
وثنية وأقاموا مدارس وثنية وبنوا ملعباً كانوا يمارسون فيه الرياضة وهم عراه(11).

3-     
 وفى سنة 172ق.م. أغتصب منلاوس(12)
منصب رئاسة الكهنوت من أخيه ياسون بالرشوة أيضا ودفع "ثلاث مئة قنطار فضة
زيادة على ما أعطاه ياسون، فحصل على منصب الكاهن الأعظم(13)".

4-     
 وفى سنة 171ق.م. هزم انتيوخس
ابيفانس قوات بطليموس ملك مصر وابن أخته، وحاول مصادقته بالخديعة ليسلبه مملكته
وأستولى بجيشه على المدن الحصينة فى مصر(14). وهذا ما تشير إليه
نبوة دانيال النبى "وعظم جداً نحو الجنوب(15)" أى مصر التى هى
جنوب فلسطين.

5-     
 وفى سنة 170ق.م. سمع اليهود إشاعة
كاذبة عن موت انتيوخس ابيفانس، فهاجموا مواقعه العسكرية فى أورشليم. فحاصر هو
بقواته أورشليم وأخذها وقتل كما يقول 2مكابيين "ثمانيين ألف قتيل (80.000) فى
ثلاثة أيام. منهم أربعون ألف (40.000) فى المعركة وبيع منهم كالعبيد ما لا يقل عن
هذا العدد(16)". ثم "دخل الهيكل
. وبيديه الدنستين النجستين حمل الآنية المقدسة وما أهدته ملوك
الأمم لزينة الهيكل وبهائه وكرامته ومضى بها(17)".

6-              
 وفى سنة 168ق.م. عاد انتيوخس إلى
مصر وعندما أصبح قريباً من الإسكندرية أمره ممثل الرومان أن ينسحب من مصر.

وبعد
سنتين من سلبه للهيكل أرسل انتيوخس جامع الضرائب أبولونيوس إلى أورشليم بجيش من
22.000 رجل ومعه أوامر بقتل البالغين وبيع النساء والأطفال كرقيق. فسلب أبولنيوس
الهيكل يوم السبت وقتل جميع الخارجين من المدينة للتفرج على الاستعراض العسكرى
الذى قام به جنوده عند مدخل المدينة(18). وسلب ودمر جزءاً كبيراً من المدينة
وقتل الكثير من السكان وحمل الآخرين إلى العبودية والرق(19).

وبسبب
ذلك انسحب يهوذا المكابى، الابن الثالث لمتثيا الكاهن(20)، مع
تسعة من رفاقه إلى الجبال "وعاشوا هناك عيشة الوحوش يقتاتون العشب لئلا ينجسو
أنفسهم كالأخرين(20)، وأيضا بسبب "دمار الهيكل"
وتوقف "المحرقة اليومية" ثلاث سنوات ونصف.

وأجبر
انتيوخس ابيفانس بنى إسرائيل على الخضوع للدين اليونانى(21)،
وأمر ببناء مذابح للأصنام وأمر أن يدعى الهيكل فى أورشليم هيكل جوبيتر أوليمبس(22)،
وتقديم ذبائح للأوثان هناك وفى بقية مدن يهوذا الأخرى، ومنع الختان وتقديس السبت
وحرم الأعياد، وأصبح الاعتراف بالشريعة والأسفار المقدسة والديانة اليهودية جريمة
عقوبتها القتل(23).وبسبب ذلك أرتد الكثيرون من بنى
إسرائيل عن الإيمان بالله الواحد وتحولوا إلى عبادة الأصنام "وكانوا فى عيد
الملك يساقون بالقوة إلى الكل من ذبائح الأوثان فى عيد باخوس(24) إله
الخمر، وكانوا يجبرون على الطواف فى موكب التكريم..(25)".
ودنس الغرباء الوثنيين الهيكل "وأمتلأ الهيكل فسقاً وفجوراً، حتى أن الغرباء
أخذوا يمارسون أنواع العهر ويضاجعون النساء داخل الأماكن المقدسة ويدخلون إليها
المحرمات. وعلى المذبح كانت تقدم ذبائح حرمتها الشريعة(26)".

"رجسة
الخراب" وأقيمت رجسة الخراب فى الهيكل على المذبح "وفى اليوم الخامس عشر
من شهر كسلو(27) (اليوم الذى كانوا يعيدون فيه بمولد
الملك)
أمر الملك انتيوخس ببناء "رجاسة الخراب" فوق مذبح هيكل
الرب، وأقيمت مذابح للأصنام فى جميع أنحاء يهوذا". ورجاسة الخراب هنا هى مذبح
زوش الأولمبى وهو إله يونانى.

وكلمة
"رجس" أو "رجسة" أو "رجاسة"، تعنى شئ مقيت، بغيض،
كريه، وثن، وقد ارتبطت بالممارسات الوثنية، وتشير إلى الأوثان فى ذاتها لأنها
كريهة ومقيتة فى نظر الله، كما تشير أيضا للمشاركة فى الشعائر الوثنية، والأوثان
بصفة عامة مشار إليها بصفة عامة "كرجس(28)"، وكذلك الذين
يعبدون الأوثان أيضا "للخزى صاروا رجساً كما احبوا(29)".
وانتيوخس ابيفانس نفسه، هنا هو نموذج لضد المسيح، بإقامته مذبحاً للإله زيوس (زوش)
وتمثالاً له فى الهيكل(30). وهذا ما دعته رؤيا ونبوة دانيال ب
"معصية الخراب" و"رجسة الخراب"، "وحتى إلى رئيس الجند
(أى الله) تعظم وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن مقدسه. وجعل جند على المحرقة
بالمعصية فطرح الحق فى الأرض وفعل ونجح. فسمعت قدوساً واحداً (أى كائن روحى ملائكى،
ملاك) يتكلم فقال قدوس واحد لفلان المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة
ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين(31)".

وهكذا
تحول هيكل الله إلى هيكل للوثن، للإله زيوس
Zeus، وتحولت عبادة الله عن المرتدين إلى عبادة
الأوثان. أما الأتقياء فقد وصفوا هذه العبادة ب "الرجس المخرب(32)"
أو "رجسة الخراب".

وأمر
الملك انتيوخس بإحراق نسخ الأسفار المقدسة "وما وجد من أسفار الشريعة تمزق
وأحترق بالنار. وكل من وجد عنده نسخة من كتاب العهد أو أتبع أحكام الشريعة كان
يقتل بأمر من الملك(33)".

7-     
 وفى سنة 167ق.م. كان هناك عبيد من
نبى إسرائيل ثابتين وماتوا شهداء مثل اليعازر الكاهن الذى كان عمره تسعين سنة (90
سنة)، لقد حاولوا إرغامه على أكل الخنزير الذى كانت تحرمه الشريعة وتعتبره كحيوان
نجس(34)، ولكنه رفض، حتى أن أصدقاءه من
اليونانيين طلبوا منه أن يأكل أى لحم طاهر وتظاهر فقط بأنه يأكل لحم خنزير، فقال
لهم : "لا يليق بمن كان كبير السن مثلى أن يفعل غير ذلك لئلا يظن كثير من
الشبان أن لعازر وهو ابن تسعين سنة قبل مذهب الغرباء، فيضلون بسببى(35)".

والأم
التى استشهدت هى وأولادها السبعة بسبب تمسكهم الشديد، وكانوا يقتلون بسلخ جلد رأس
كل واحد منهم أمام عيون أمهم وأمامهم جميعاً، ثم بتقطيع أطرافه وإلقائه فى قدور
محماة بالنار حتى يسلقوا وهم أحياء(36).

المكابيون
:
أعطى لقب مكابى، أى مطرقة، ليهوذا ابن الكاهن متياس، ثم لأخويه
يوناثان وسمعان وذلك لوقوفهم أمام النظام الوثنى الذى فرض عليهم من الملوك
السلوقيون، خاصة الملك انتيوخس ابيقانس. وكان متثيا أو متياس الكاهن له خمسة أولاد
وكان يهوذا الذى لقب بالمكابى ثالثهم، وقد أوصى هذا الكاهن عند موته أن "يكون
يهوذا المكابى القوى الشجاع منذ صباه لكم قائداً فى المعارك التى يخوضها(37)".
ثم انضم إليهم جماعة الحسيديم(38)" والذين كانوا مشهورين بشدة
ولائهم للشريعة، وألفوا جيشاً مع يهوذا المكابى.

8-     
 وفى سنة 166ق.م. مات متثيا(39)،
وصلى يهوذا لله أن يقف معهم فى دفاعهم عن الإيمان به وعن الشريعة(40). وفى
نفس الوقت كان انتيوخس ابيفانس يحتفل فى بلدة قريبة فى إنطاكية بسوريا بألعاب
احتفالية ماجنة، يصفها أحد المؤرخين بقوله، كان آلاف كثيرة من الجنود مكللين
بأكاليل من ذهب ومرتدين دروع من فضة، ومرتدين الأرجوان، وقدموا 1000 ثور كضحايا
للآلهة والإلهات، وكان هناك 600 خادم يحملون أوانى ذهبية و200 امرأة يرشون العطور
فى الولائم، وفى وسط هذا الاحتفال الماجن تصرف انتيوخس كالمهرج الماجن الخليع. وفى
ذلك الوقت كان ينتظره حظ عكسى، وكانت نهايته قد اقتربت ففى أثناء هذا الاحتفال
الماجن كان يهوذا المكابى يجهز نفسه ويستعد لتطهير أورشليم(41).

9-     
 وفى سنة 165ق.م انقض يهوذا المكابى
على قوات انتيوخس ابيفانس بقيادة ليسياس وانتصر عليهم نصراً عظيماً، إذ أنه هزم ب
10,000 رجل، 65000 جندى من جنود انتيوخس. وذلك فى الوقت الذى كان فيه انتيوخس
متجهاً إلى أرمينيا. وخلص يهوذا المكابى أورشليم وحطم مذابح الأوثان وطهر الهيكل
فى اليوم الخامس والعشرين من شهر كسلو (كانون أول) وقدم ذبائح على المذبح،
واحتفلوا بعيد التجديد، تجديد الهيكل، لمدة ثمانية أيام، وذلك بعد عيد المظال،
وبعد أن أعيدت العبادة إلى الهيكل، وكانت مدة تدنيس الهيكل "ثلاث سنوات"(42).

10-    
 ولما سمع انتيوخس وهو فى فارس بما
حدث من استعادة أورشليم وتطهيرها وتطهير الهيكل من الأوثان وهزيمة جيشه بقيادة
ليسياس، قرر، فى غضب العودة إلى أورشليم للانتقام من بنى إسرائيل "للعار الذى
ألحقوه به. فأمر سائق عربته أن يسرع بغير توقف"(43) وأصر
على تحويل أورشليم مقبرة جماعية لبنى إسرائيل، ثم أصيب فجأة بمرض "خفى فى
أحشائه لا دواء له وبمغص أليم فى جوفه، ومات وهو يائس، وأعلن فى كلماته الأخيرة أن
مرضه وموته كان نتيجة لشره ضد عبادة الله الواحد، ضد إله بنى إسرائيل. وهكذا تحققت
نبؤه دانيال النبى بكل دقة "ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر"(44).

فهذا
الرجل نموذج ضد المسيح ورمزه وضع رجسة الخراب فى هيكل الله وأبطل المحرقة الدائمة
ودنس المقدس وأباد "العظماء وشعب القديسين"(45)
عندما قتل الآلاف منهم وباع الآلاف كعبيد، وتجبر على الله "رئيس
الرؤساء"(46).. وحاول إلغاء عبادته واستبدل بها
عبادة الأوثان وأجبر الكثيرين على ترك الإيمان بالله الواحد وشريعته وتصور أنه نجح
فى ذلك "وتعظم قوته ولكن ليس بقوته. يهلك عجباً وينجح ويفعل
وبحذاقته ينجح أيضاً المكر فى يده ويتعظم بقلبه وفى الاطمئنان
يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء"، الله ولكن " بلا يد ينكسر"(47).

هذا
الرجل نموذج الشر ومجسم ضد المسيح "تعظم حتى إلى جند السموات وطرح بعضاً من
الجند والنجوم على الأرض وداسهم"(48)، كواكب الله(49)،
وجدف على الله نفسه رئيس الرؤساء "رئيس الجند"(50)،
وداس على كثيرين من النجوم أى رجال الله، وأبطل المحرقة الدائمة التى كانت تقدم فى
الهيكل خروفان حوليان صحيحان كل يوم محرقة دائمة(51). وجعل عليها الجنود
وطرح الحق على الأرض، أى على شريعته وأحرق كتبه، وجدف على كلام الله وعلى أسفاره
المقدسة. ونجح فى ذلك ولكن لمدة محدودة. فالشر لا بد له من نهاية.

د
تبرئة القدس :

وفى
هذه الرؤيا التى رآها دانيال النبى مدة زمنية متعلقة بتبرئة القدس، أو تطهير المقدس،
مدتها 2.300 يوم. فقد رأى دانيال النبى فى الرؤيا كائن روحى سمائى ملائكى يسأل
ملاك آخر قائلاً: "إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل
القدس والجند مدوسين. فقال لى إلى آلفين وثلاث مئة صباح ومساء فيبرأ القدس:.
ويلاحظ فى السؤال هنا، السؤال عن، أو من جهة، المحرقة الدائمة ورجسة الخراب التى
وضعت فى الهيكل للإله الوثنى.

والسؤال
هنا هو: ما المقصود بهذه المدة (ال 2300 صباح ومساء)؟

والإجابة
يقدمها القديس جيروم بقوله: "لنقرأ سفر المكابيين وتاريخ يوسيفوس وسنجد أن ست
سنوات لخراب أورشليم، وثلاث سنوات لتدنيس الهيكل بوضع تمثال جوبيتر، إلى عيد
التجديد بواسطة يهوذا المكابى". لأنه لو اعتبرنا المدة هى 1.150 يوم بقسمة ال
2300 ÷2 (صباح ومساء) = 3 سنوات و4 شهور و10 أيام، حوالى 3 سنوات ونصف كما يرى
البعض. يقول القديس هيبوليتوس "فقال لى إلى آلفين وثلاث مئة صباح ومساء
فيتبرأ القدس". لأن المقدس ظل مهجوراً خلال تلك الفترة، ثلاث سنوات ونصف وتمت
ال 2.300 صباح ومساء، حتى جاء يهوذا المكابى وخلص المدينة ودمر معسكر انتيوخس
وأعاد المقدس لما كان عليه بحسب الناموس".

ولو
حسبنا ال "صباح ومساء" هنا كيوم كامل من 24 ساعة كما ترى الغالبية
العظمى من المفسرين، فتساوى مدة ال 2.300 يوم، 6 سنوات و4 شهور و20 يوم نبوى. لأنه
حسب ما جاء فى سفرى دانيال والرؤيا 3 سنوات ونصف = 42 شهراً = 1260 يوم ، وبذلك
تكون السنة النبوية مكونة من 360 يوم والشهر مكون من 30 يوم. وهذه المدة، 6 سنوات
و4 شهور و 20يوم، هى المدة الفعلية المقصودة فى النبوة، وتبدأ من صيف سنة 171ق.م
حيث بداية تدنيس الهيكل عندما نس رئيس الكهنة الخائن منلاوس أوانى الهيكل، وقتل
رئيس الكهنة التقى أونيا "فأغتنم منلاوس الفرصة، فسرق من الهيكل آنية من
الذهب، أهدى بعضها إلى اندرونيكس، وباع بعضها الآخر فى مدينه صور والمدن المجاورة
لها. ولما تأكد ذلك لأونيا وبخ منلاوس على ما فعله، فكاد له منلاوس وجعل اندرونيكس
يقتله. (2مك 1:3، 32:4-34). وفى نفس السنة أيضاً، سنة 171ق.م. كان انتيوخس فى مصر
بعد هزيمته لبطليموس عندما سمع بما فعله اليهود بسبب إشاعة موته الكاذبة، فسار إلى
اليهودية وحاصر أورشليم وقتل 40.000 فى المعركة وباع مثلهم كعبيد. فكانت هذه السنة
هى بداية حساب ال 2.300 يوم النبوية. وكانت نهايتها هى سنة 165ق.م. فى عيد
التجديد. وقد تمت النبوة حرفياً وبكل دقة.

وقد
حاول الأدفنتست(53). اعتبار هذه المدة = 2.300سنة على
أساس أن اليوم فى النبوة يساوى سنة وحسبوا المدة من سنة 457ق.م سنة صدور أمر
ارتحشتا بإعادة بناء وتجديد أورشليم، ووصلوا بها إلى سنة 1843 أو 1844م، وقالوا أن
المسيح سوف يأتى فى هذه السنة (1843+457=2300سنة).

وحسب
كاتب كتاب (دانيال وحرية الشعوب)(54). هذه المدة من سنة 528ق.م. السنة التى
أوقف فيها الملك الفارسى قمبيز ابن كورش العمل فى إعادة بناء الهيكل ووصل بها إلى
سنة 1772م (2300
528= 1772م)، حيث أنتصر الروس على الترك وفى
سنة 1774م عقدت معاهدة بين الروس والترك تم الاتفاق بمقتضاها على حماية الروس
للكنائس فى بلاد الشرق. وقد رفضت الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر هذه الحماية معتمدة
على حماية الله وحده.

وحسب
البعض الآخر(55). هذه المدة من سنة 333ق.م. (عصر
الاسكندر الأكبر) ووصلوا بنهايتها إلى سنة 1967م كبداية لازدهار الكنيسة. وهناك
حسابات أخرى كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

وكل
هذا اجتهادات شخصية بحتة ولكن الغالبية الساحقة من المفسرين فى كل العصور وفى كل
المدارس التفسيرية أجمعت على أنها مدة أيام حرفية وقد تمت بالحرف الواحد فيما بين
سنة 171ق.م. وسنة 165ق.م.



(1) دا 1:8-4

(2) دا 20:8

(3) دا 5:7

(4) دا 8:8

(5) دا 22:8

(6) Chr.
Words. Dan. P. 37

(7) Willmington’s
P. 36

(8) اسمه العبرى يشوع واتخذ هذا الاسم اليونانى (ياسون)
بدلاً منه.

(9) 2مك 7:4-11

(10) 2مك 13:4

(11) 1مك 14:1-21؛ 2مك 13:4-15 Ant. X ii. 6.

(12) اتخذ هذا الاسم بدلاً من اسمه العبرى

(13) 2مك 23:4-25 Ant. X ii. 6.

(14) 1مك 16:1-19

(15) دا 9:8

(16) 1مك 23:1،24؛ 2مك 11:5-16؛ 21-16 Ant. X iii.16.

(17) 2مك 16:5

(18) 2مك 24:5-26

(19) 1مك 33:1-35،42 Ant. X ii. 7.

(20) 2مك 27:5

(20) 2مك 27:5

(21) 1مك 33:1-35

(22) 2مك 1:6،2

(23) 1مك 43:1،46-51؛ 2مك 6:6-9

(24) باخوس أو ديونيسيوس هو إله الكرامة والخمر عند
اليونان

(25) 2مك 8:6

(26) 2مك 4:6،5

(27) أى نهاية كانون الأول سنة 167ق.م.

(28) New
Inter. Dic. NT Vol. 2. P. 74-75

(29) أر 18:16؛ حز 11:5؛ 20:7؛ 2أخ 8:5 إلخ.

(30) Theo.
Wordbook ot vol. 2 P. 955

(31) 1مك 56:1-58

(32) Ibid

(33) 1مك 56:1-58

(34) لا 7:11-8

(35) 2مك 18:6-31

(36) 2مك 7

(37) 1مك 66:2

(38) 2مك 13:7

(39) 1مك 49:2-70

(40) 1مك 1:8-4

(41) Cf
Chr. Words. P. 38

(42) 1 مك 42:4-54، 2مك3:10-47 Ant. Xii. 2.

(43) 1 مك 4:6-7، 2 مك 3:9و4.

(44) 1 مك 10:6-13، 2 مك 11:9-17.

(45) أش 13:14

(46) دا 25:8

(47) دا 25:8.

(48) دا 10:8.

(49) اش 13:14.

(50) دا 11:8، يش 14:5.

(51) خر 13:46، عدد 3:28.

(53) شهادة الأجيال لصدق نبوات دانيال ص87. The New Trea. Scrip. Know. P..955.

(54) تفسير سفر دانيال وحرية الشعوب ط1932 ص 75، 76.

(55) دانيال النبى صديق الملائكى القمص بيشوى كامل ص57.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت ترمة ة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي