تَفْسِير
سِفْرُ المكابيِّن الأوّل

 

إسم السفر:

سفر
المكابيين الأول
1
Macccbees

الاختصار
: 1مك =
1 Macc

+
المكابيون هم كهنة من العشيرة الحشمونية من أبناء يهوياديت (1 أي 24 : 7)، أول من
أخد هذا اللقب هو يهوذا بن متاثيا وهو يهوذا الملقب "بالمكب" ومعناه
المطرقة، ومن ثم اتخذ الاسم "مكابيين"، ثم أطلق بعد ذلك علي كل العشيرة
بل وعلي كل من قاوم الحكام السلوقيين

 

كاتب السفر:

+
كتب هذا السفر أحد يهود فلسطين بأسلوب بسيط وفيه بعض الإشارات التي تدل على وقوف
الكاتب تماما على الحوادث والأماكن التي تمت فيها، ومن الواضح إنه كان مشبعا
بالروح الوطنية وأنه من المحافظين الأمناء على الناموس ؛ إلا إنه لم يصطبغ بصبغة
التعصب الفريسي، وكثيرا ما يظهر إخلاصه لرئاسة الكهنوت اليهودي، وموقفه أمام شريعة
السبت موقف تسامح يختلف عن موقف الفريسي كل الاختلاف، فيرجح أن الكاتب هو أحد
الصدوقيين.

 

تاريخ كتابة السفر:

يرجح
إنه كتب بين سنة 105، 90 ق.م كما يستشف في (1مكا 24:16).

 

لغة السفر:

كُتِب
سفر المكابيين الأول أصلاً باللغة العبرانية ثم ترجم بعد ذلك إلى اليونانية. وقد
ذكر القديس إيرونيموس الذي عاشَر اليهود زماناً طويلاً في فلسطين، أنه رأى بنفسه
الأصل العبراني للسفر. كما ذكر اوريجينوس أن السفر كان له عنوان يُفتتح به القول
"عصا العُصاة على الرب" أو "قضيب رؤساء أبناء الله"، وقد
فُقِدَ الأصل العبرانى للسفر وبقيت للآن ترجماته اليونانية واللاتينية وغيرها.

 أما
سفر المكابيين الثاني فقد أجمع الكل على أن كُتِبَ أصلاً باللغه اليوناني. وهو
يتكلَّم في معظمه على نفس ما تضمنّه السفر الأول وإن كان بأسلوب مغاير مختصر أو
مطوّل.

 ويُنسَب
سفرا المكابيين إلى الأسرة المكابية التي أسسها متتيا أو متاثياس (=اسم عبري معناه
عطية يهوه) وقد كان من نسل الكهنة اللاويين. ويذكر السفر الأول أن مؤسس الأسرة هو
متتيا بن يوحنا بن سمعان. وقد كان كاهناً من بني يهوياريب من مدينة أورشليم. غير
أنه سكن في "مودين"، وكان له خمسة بنين هم يوحنا (الملقَّب بكدِّيس)
وسِمعان (المسمى بطسي) ويهوذا (الملقب بالمكابى) ويوناثان (الملقب بافوس)
(1مك1:2-6). وقد وصف السفر الأول متتيا بأنه "رئيس في هذه المدينة، شريف عظيم
مُعزَّز.." (1مك17:2)، ومن وصف السفر بأن متتيا "كاهِن من بني
يهوياريب" (1مك1:2) نفهم بأن يهوياريب جد متتيا هو نفسه يهوياريب بن ألعازرا
بن هرون الذين أُخِذَ بالقرعة كأول رؤساء الفِرَق الأربعة والعشرين المخصَّصين
للخدمة في المقدس والدخول إلى بيت الرب (1أخ7:24). وبالنظر لأن حشمون كان أباً لجد
متتيا، فقد ذكر علماء الكتاب المقدس أن الإسم الحقيقي للأسرة المكابيّة هو
"أسرة الحشمونيين". وقد تغيَّر إسم الأسرة بعد ذلك إلى
"المكابيين" نسبة إلى يهوذا المكابي أحد أولاد متتيا البارزين والذي خلف
أباه في قيادة الجيوش وكان بطلاً غيوراً مشهوراً. ويرجِّح البعض أن معنى الاسم
"مكابي" هو "مضرب" أو "مطرقة". ويذكر أن سمعان
المكابي أحد أولاد متتيا ملك على اليهود بعد موت أخيه يهوذا. وقد إنتقل المُلك
والكهنوت العظيم وراثة في أسرة سمعان الحسمونية المكابية. وكان آخر السلالة
الحسمونية الذي مَلَكَ على اليهود تحت حماية الرومانيين هو "أنتيجونس بن
أرستوبولوس" الذي حكم بين عامي 4027 ق.م. وقد إنتقل الملك بعده مباشرة إلى
الملك "هيرودس الكبير" وهو الإبن الثاني لأنتيباس الذي لم يكن يهوديّاً
بل كان أدومي الأصل غير أنه صاهَر الأسرة المكابية، وكان له عشرة نساء. وقد تولّى
هيرودس الملك عام 37 ق.م. وولد السيد المسيح في أواخِر أيّامه (راجع قاموس الكتاب
المقدس).

 

محور السفر:

+
ترقب مجئ المسيح

+
الغلبة بالإيمان

+
الجهاد

 

مكان السفر بين الأسفار :

يوضع
هذا السفر بعد سفر ملاخي.

 

مفتاح السفر:

فانه
ليس الظفر في الحرب بكثرة الجنود وإنما القوة من السماء. 3 : 19

 

سمات السفر:

+
لم يتوقف تاريخ الشعب اليهودي بعد انتهاء الحكم الفارسي بل تابع مجراه تحت سيطرة
اليونانيين في ظل السلالات المنبثقة من فتوحات الاسكندر، ففي البدء كان تحت حكم
البطالمة في مصر، ثم انتقل إلى حكم السلوقيين المالكين في سوريا وهذا السفر يروى
تاريخ فترة من الزمن تمتد إلى أربعين سنة من جلوس انطيوخس أبيفانيوس على
العرش(انطيوخس الرابع السلوقي) (175 ق.م) وقام باضطهاد اليهود ليلزمهم بعبادة
الأوثان، فقد طلب الملك من متاثيا الكاهن أن يقدم ذبيحة للوثن حتى يقتدي الكل به ؛
فرفض، ولما ضعف رجل يهودي وتقدم نحو المذبح قام متاثيا بقتله هو ونائب الملك
وانطلق إلى الجبال ومعه كثيرون..

 أرسل
الملك يحاربهم يوم السبت فقتل نحو ألف منهم دون مقاومة، لكنهم أدركوا الأمر وقاموا
بالهجوم وهدم المذابح الوثنية الخ.. ولما مات متاثيا تولي القيادة ابنه الثالث (يهوذا
المكابى) وكان شجاعا وحكيما فأحبه الشعب، وقد غلب يهوذا فى مواقع كثيرة وطهر
أورشليم من الوثنية وبنى مذبحا جديدا وعيدوا ثمانية أيام وفي السنة الثالثة وفي
نفس اليوم الذي تدنس فيه الهيكل رسم " عيد تجديد الهيكل " سنة 165 ق. م
ثم مات انطيوخس سنة 164 ق. م بعد هزيمة جيوشه وتمزق جسمه بقوة الله (2 مك 9 : 11،
12)

وفي
سنة 161 ق. م بعد أن غلب يهوذا نيكانور السلوقي قتل يهوذا وخلعه يوناثان أخوه..
هذا الأخير آسره قائد الجيش السوري تريفون وقتله عام 142 ق. م فتولي أخوه شمعون
الزعامة وكان قويا لكنه اغتيل بيد صهره بطولمايس سنة 135 ق. م فخلعه ابنه يوحنا
هركانوس (135 – 105 ق. م)..الخ

+
يعتبر المصدر التاريخي الوحيد الذي بين أيدينا يتكلم عن جهاد اليهود في سبيل
الاستقلال الديني والسياسي خلال تلك السنوات

 

+
لهذا السفر قيمته التاريخية الجلية، وله أيضا لذته الشيقة في القراءة وخاصة في
أزمان الاضطهاد والأزمات الحادة لأنه ينفث في قارئه روح الولاء والإخلاص حتى الموت.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مراريون ن

 

+
يستعمل كلمة السماء عوضا عن اسم الله الذي يغفل ذكره في هذا السفر، وفيه الكثير مما
يدل على الرجاء بالمسيا المنتظر.

 

محتويات السفر :

أولا
: اضطهاد اليهود

+
غلب الاسكندر الأكبر " المقدوني " داريوس ملك الفرس والماديين وقامت
المملكة اليونانية وخضع لها ملوك كثيرين ومن بعد موته انقسمت المملكة إلى 4 ممالك
وظهر انطيوخس أبيفانيوس الذي حارب ملك مصر (بطليموس) وعاد إلى أورشليم بجيش ثقيل
ودخل إلى المقدس متعجرفا وأمر بعبادة الوثن وعدم الختان، فادت محاولة هذا الملك
لمحو دين اليهود وقوميتهم إلى التمرد الوطني بزعامة المكابيين (ص1:1- 10).

 

+
الثورة والجهاد (ص11:1- 64) : غار متاثيا الكاهن إذ رأي الهيكل ذليلا واشتهي الموت
عن الحياة فاخذ يجمع كل من له غيرة علي شريعة الرب وعهده.

 

+
قدم متاثيا أمثلة لرجال الله الغيوريين

 –
إبراهيم كان أمينا في تجربته (حسب له برا)

 –
يوسف حفظ الوصية (سيد مصر)

 –
كالب أمينا في شهادته (نال الميراث)

 –
إيليا الغيور (صعد إلى السماء)

 –
دانيال (خلص من الجب)

 

+
بداية الجهاد الذي قامت به أسرة المكابيين (ص1:2- 70).

 

ثانيا
:يهوذا المكابى (ص3 – 9)

+
وصف لتطورات هذا الجهاد إلى موت يهوذا، وبزعامة يهوذا تمكن اليهود من الظفر
بحريتهم الدينية (ص1:3- 22:9).

+
ظهور يهوذا بن متاثيا وانتصاراته (ص 3، 4)

+
صار شبيها بالأسد في أعماله (3 : 4)

+
لا تخافوا كثرتهم ولا تخشوا بطشهم. (4 : 8)

+
هجومه ضد الأمم الثائرة عليهم (ص 5)

+
إذ كان انطيوخس يحارب فى فارس لينهب مالهم سمع عن هزيمة ليسياس في اليهودية فمرض
من الحزن وأوصى صديقة كوصي على ابنه وفى نفس الوقت عاد ليسياس وأقام نفسه وصيا (ص
6)

+
قتل ديمتريوس السلوقي الروماني ليسياس والملك الصغير، كما حارب أورشليم لكن يهوذا
غلب قائدة (ص 7)

+
معاهدة صداقة بين المكابيين وروما (ص 8)

+
ديمتريوس يرسل حملة ثانية ضد يهوذا ويغلب فيقوم ناثان عوض أخيه يهوذا ص9

 

ثالثا
:أهم الأحداث بعد يهوذا (ص 10 – 16)

+
استعد إسكندر بن انطيوخس (الملك المقتول) لقاتله ديمتريوس قاتل أبيه ومحاولة كل
منهما استمالة يوناثان ص 10

+
يوناثان يجدد أسوار أورشليم ويحارب الاسكندر الذي قتل ديمتريوس، ويقوم ابن
ديمتريوس بمحاربة يوناثان فينهزم أمامه فيكافئه الاسكندر.

+
الاسكندر يطلب صداقة بطليموس ملك مصر ويتزوج أبنته.

+
انتصارات بطليموس ووصوله إلى سوريا، وقتله إسكندر وتزويج ابنته لديمتريوس عوض
إسكندر (ص 11)

+
تكوين صداقة بين يوناثان وديمتريوس … الأول أنقذ الثاني وأعاد إليه العرش من
الثائرين ضده.

+
احتيال تريفون صديق الاسكندر واسترداد الملك لابن الاسكندر، وتودد تريفون ليوناثان
وشمعون أخيه.

+
تجديد الصداقة بين يوناثان وروما، وخدعة تريفون ليوناثان. (ص 12)

+
شمعون يقود الجيش بعد اغتيال أخيه يوناثان،… وتريفون يقتل ابن الاسكندر،… تودد
شمعون لديمتريوس ومصالحته …تطهير شمعون جميع الحصون من الوثنية واستتاب الأمن فى
اليهودية وزيادة الخيرات (ص 13)

+
ديمتريوس يحارب مادي فينهزم ويسقط أسيرا (ص 14).

+
انطيوخس يحكم عوضا عن ديمتريوس ويتودد لشمعون،… مهاجمة انطيوخس لتريفون وهروب
الأخير(ص 15)

+
خدعة قائد أريحا لشمعون وابنيه وقتله لهم، … عرف يوحنا بن شمعون باغتيال والده
وأخويه فقاد الجيش عوض أبيه، … حروب يوحنا وأعماله وبناء الأسوار وصيرورته رئيس
كهنة عوض أبيه (ص 16)

 

الأعياد والمحافل المقدسة:

+
أعياد أسبوعية : يوم السبت : – راحة في الرب (لا 23 : 1 – 3)

 +
أعياد شهرية : رأس الشهر (الهلال الجديد) : – حياة التجديد في الرب

 +
كل 7 سنين : السنة السبتية : – إبراء للرب

 +
كل 50 سنة : سنة اليوبيل : – حرية كاملة بالروح القدس

 +
أعياد سنوية :

1-
الفصح 14 نيسان : موت المسيح خر 12 : 13، لا 23 : 5

2-
الفطير 15 – 21 نيسان : قداسة الحياة المخلّصة لا 23 : 6 -8، 1كو 5 : 8

3-
الباكورة 16 نيسان : المسيح بكر الخليقة الجديدة لا 23 :9 -14.

4-
البنطقستي (عيد الأسابيع او الخمسين) 6سيوان : الروح القدس قائد الكنيسة لا 23 :
15 – 21، أع 2 : 1- 4

5-
الأبواق أو لهتاف 1، 2 تشري(بداية السنة المدنية) : المسيح الملك لا 23 : 23 – 25

6-
الكفارة 10 تشري : الفداء بالصليب لا 23 : 26 – 32، لا 16.

7-
المظال 15 – 22 تشري : غرباء نترقب السماء 23: 39 – 43، زك 14 : 16

8-
التجديد أو تدشين الهيكل أو الأنوار 25 كسلو- 1 طيبيت : تجديد الهيكل بعد نصرة
يهوذا المكابى مكابيين أول 4 : 59

9-
الفوريم 14 – 15 آذار : الخلاص في أيام أستير أس 5: 14، 9 : 18 – 32

 

قانونية السفر:

سِفرا
المكابيين الأول والثاني هما آخر أسفار التوراة. وقد جاءا ضمن قائمة الأسفار
القانونية للعهد القديم الواردة في قوانين الرسل (انظر القانون رقم 85) والتي
أثبتها الشيخ الصفي بن العسال في كتابه (مجموعة القوانين – الباب الثاني). وورد
السفران في الترجمة السبعينيّة للتوراة التي تمَّت في الإسكندرية عام 280 ق.م.
والتي مازالت أقدم نسخها الخطيّة موجودة حتى الآن؛ وهي النسخة السينائيّة والنسخة
الأسكندرية والنسخة الفاتيكانية، وكلها تقريباً من القرن الرابع الميلادي. وقد قال
القديس مار أفرام أن سفريّ المكابيين الأول والثاني كانا موجودين في الترجمة
السريانية علاوة على وجودهما في الترجمة اليونانية السبعينيّة (راجع كتاب مشكاة
الطلاب في حل مشكلات الكتاب – طبعة 1919 ص167). هذا، وقد جاء ذِكر هذين السفرين في
الترجمة القبطية بلهجاتها المختلفة، وهي أقدم التراجِم بعد السبعينيّة. كما ذكر
هذان السفران أيضاً في نسخة توراة (الفولجاتا)، وهي نسخة التوراة القديمة
المُعتمَدة لدى الكنيسة الكاثوليكيّة. هذا، والمجامع العديدة أقرَّت صِحَّة هذين
السفرين، وكذا صحة باقي مجموعة الاسفار القانونيه الثانيه التي حذفها البروتستانت.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر نشيد الأنشاد الأنبا يوأنس أسقف الغربية المتنيح 07

 

 وقد
كان عدد أسفار المكابيين التي تحدَّثَت عن تاريخ إنتصار اليهود على أعدائهم
ومستعمريهم وإستقلالهم كأمّة بقيادة الأسرة الماكبيّة، هو خمسة أسفار، لم تقبل
منها الكنيستان الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة إلا السفرين الأول والثاني فقط، وهما
السِّفران القانونيّان المشهود بصِحَّتهما. وقد أصدر مجمع "ترينت"
للكنيسة الرومانية الكاثوليكيّة المنعقِد في عام 1546 قراراً أيضاً بهذا المعنى،
خصوصاً وقد ثبت أن مادة الأسفار الثلاثة الباقية غير مقبولة ومشكوك في صحة
إنتسابها إلى الوحي الإلهي.

 هذا،
وبرغم تنكُّر البروتستانت لصِحَّة هذين السفرين، فقد ورد في بعض كتبهم ما يشير إلى
عظمة مُحتوى السفرين. فقد جاء في كتابهم (مرشد الطالبين إلى كتاب الحق الثمين –
طبعة بيروت 1937 ص303) عن سفر المكابين الأول أنه "يحتوي مواد تاريخيّة عظيمة
الأهميّة"، كما جاء في نفس الكتاب ص306 "يروي هذا السفر الجهاد الباسل
الذي قام به خمسة أبناء متياس الكاهن على ملوك سورية وإستمر ثلاثاً وثلاثين سنة من
عام 168 حتى 135 ق.م. أما عن سفر المكابيين الثاني، فقد وصفه نفس المرجع السابق
ص307 بقوله "يتضمَّن هذا السفر التاريخ اليهودي من حوالي سنة 175 إلى سنة 160
ق.م. مسبوقاً برسالتين من السلطة الكهنوتيّة في اورشليم إلى اليهود الذين في مصر
تحانِثهم على إعتبار الهيكل على جبل صهيون مركز الخدمة الدينيّة وتدعوانهم إلى
حضور عيد التدشين. والقسم التاريخي منه يصف الإضطهاد الشديد الذي جرى في عهد
"أنطوخوس أبيغانس" وما جرى ليهوذا وإنتصاره".. وفي الكتاب
البروتستانتي "جغرافية الكتاب وتاريخه – تأليف تشارلز فوستر كِنت – طبعة بيروت
1923 -ص181-208، يستهِد الكاتِب في أقواله بالكثير مما تضمنّه هذان السِّفران. وعلى
سبيل المثال يتحدَّث فيما ذكره عن أسباب الحرب المكابية ص184،183 عن نفس ما ورد في
الإصحاح الأول من سفر المكابيين الأول. وفي صفحتيّ 185،184 يتحدَّث الكاتب فيما
ذكره (مودين – الشرارة الأولى للعصيان) عن نفس ما ورد في 1مك2. وفي ص186،185 حيث
يتحدث عن (أخلاق يهوذا وعمله – وعقبة بين حوردن) يستشهد بما جاء في 1مك3، وهكذا
نجد الكاتب يملأ صفحات كتابه من ص181-208 بأحاديث منقولة نقلاً مباشراً تقريباً،
وبترتيب متطابِق ليس فيه إعمال أو إجتهاد من سفريّ المكابيين، بما لا يدع مجالاً
للشك أن الكاتِب يثِق كل الثِّقة في قانونية وصدق وصحة هذين السفرين اللذين تتفق
الحوادث والأماكن والأشخاص والمواقيت الموجودة فيها مع الحقيقة المجرِّدة
المُتعارَف عليها ومع ما هو منطبِع في ذهن الكاتِب المؤرِّخ من دقائق علميّة
وتاريخيّة وجغرافيّة.

 وهناك
دلائل كثيرة تؤكِّد صحة هذين السفرين وقانونيّتهما؛ ذلك أن الكثير من آباء الكنيسة
من قديسي الأجيال الأولى قد إستشهدوا في كتبهم وعِظاتهم وكتاباتهم إستشهاداً
مباشراً مما ورد فيها. فالقديس إغريغوريوس الثاؤلوغوس كتب مقالاً عن سفريّ
المكابيين. ويوحنا ذهبى الفم كتب ثلاث مقالات في مدح المكابيين. والبابا اثاناسيوس
الرسولي في كتابه (تفسير دانيال) إستشهد بهذين السفرين. وغير هؤلاء نجد أن
القديسين إكليمندس الاسكندري، وترتليانوس وكبريانوس وأغريغوريوس النزنزي
وأمبروسيوس وكيرلس وإيرونيموس ومار أفرام قد نقلوا عن هذين السفرين في كتاباتهم
وأقوالهم.

 

 وأكثر
من هذا، فإن هناك عدة إقتباسات من هذين السفرين ذُكِرَت في أسفار العهد القديم
والجديد. ومعنى هذا أن سفريّ المكابيين في نظر كُتَّاب أسفار الوحي سِفران
قانونيّان صحيحان موحى بهما. وقد جاءت شهادات الصالحين القريبي العهد من الرسل
مِصداقاً لذلك. بل إن الإسرائيليين الذين كانت لغتهم يونانية كانوا يقرأون هذين
السفرين في إجتماعاتهم في زمان الشتات، وكانا عندهم من بين الكتب المقدسة. ولعل
نبيّاً كدانيال (=الذي إعتبر سفره من الأسفار التي جمعها عزرا) حينما يتنبَّأ
بالأعمال التي جاءت في هذين السفرين، يُصادِق ويختم بنبوّته هذه على أن السفرين
صادقان وموحى بهما. فهو في (دا3:11-32) إذ يتحدَّث عن السفن التي تأتي من كِتِّيم
(التي هي جزيرة قبرص) إنما يتنبَّأ عن الاكسندر المقدوني الذي خرج من أرض كتيم
وأوقع بداريوس ملك فارِس (انظر 1مك1:1 – وقابله بما ورد في دا3:11)، وإذ يتحدَّث
عن الأذرع التي تقوم منه وتنجِّس المقدس الحصين، إنما يتنبأ ومن بينهم أنطوكيوس
الشهير الملقب في سفر المكابيين الأول (الجرثومة الخبيثة) الذي صعد إلى أورشليم
بجيش كثيف ودخل المقدِس بتجبُّر وأخذ ما فيه من ذهب وفضة وأوانٍ مقدسة نفيسة
ومجامر وأكاليل وكنوز وحلى وسفك الدم الزكيّ ونجَّس المقدس (انظر 1مك7:1، 11،
22-25 – وقابل هذا بما ورد في دا31:11). وبعد أن تنبأ دانيال بالأعمال التي يعملها
أنطوكيوس، نجده يتحدث مُمْتَدِحاً فضل المكابيين وغيرتهم بقوله "أما الشعب
الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون. والفاهِمون من الشعب يعلمون كثيرين ويعثرون
بالسيف واللهيب وبالسبي وبالنَّهب أيّاماً.." (دا32:11، 33).

 

 وبالإضافة
لما جاء في سفر دانيال، نجد أن كتبة أسفار العهد الجديد قد إقتبسوا من سفريّ
المكابيين:

 

1-
قول يوحنا البشير عن عيد التجديد "وكان عيد التجديد في أورشليم وكان
شتاء" (يو22:10) إنما هو قول لم يشترك فيه أحد من البشيرين سواه. وعيد
التجديد الذي يتحدَّث عنه يوحنا، إنما يشير إلى العيد الذي رسمه يهوذا المكابي في
اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسِع (1مك59:4) ترتيباً على ما عمله من تطهير
الهيكل وتجديده؛ حيث ورد في السفر قوله عن يهوذا المكابي ورِجاله: " وان
يهوذا واخوته قالوا ها ان اعداءنا قد انسحقوا فلنصعد الان لتطهير المقادس
وتدشينها. فاجتمع كل الجيش وصعدوا الى جبل صهيون.. فطهروا المقادس ورفعوا الحجارة
المدنسة الى موضع نجس. ثم ائتمروا في مذبح المحرقة المدنس ماذا يصنعون به. فخطرت
لهم مشورة صالحة ان يهدموه لئلا يكون لهم عارا لتدنيس الامم اياه فهدموا المذبح.
ووضعوا الحجارة في جبل البيت في موضع لائق الى ان ياتي نبي ويجيب عنها. ثم اخذوا
حجارة غير منحوتة وفاقا للشريعة وبنوا المذبح الجديد على رسم الاول. وبنوا المقادس
وداخل البيت وقدسوا الديار. وصنعوا آنية مقدسة جديدة وحملوا المنارة ومذبح البخور
والمائدة الى الهيكل.." (1مك36:4-49). وهذا القول ينطبق ويتطابق تماماً مع ما
ورد عن يهوذا المكابي (2مك1:10-8)، حيث يقول: "اما المكابى والذين معه،
فبامداد الرب استردوا الهيكل والمدينة. وهدموا المذابح التي كان الاجانب قد بنوها
في الساحة وخربوا المعابد، وطهروا الهيكل وصنعوا مذبحا اخر واقتدحوا حجارة اقتبسوا
منها نارا وقدموا ذبيحة.. واتفق انه في مثل اليوم الذي فيه نجست الغرباء الهيكل في
ذلك اليوم عينه ثم تطهير الهيكل وهو اليوم الخامس والعشرون من ذلك الشهر الذي هو
شهر كسلو. فعيّدوا ثمانية ايام بفرح.. ورسموا رسما عاما على جميع امة اليهود ان
يعيدوا هذه الايام في كل سنة."

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد جديد إنجيل مرقس 10

 

2-
قول بولس الرسول في العبرانيين عمَّن عُذِّبوا بسبب تمسكِهم بديانتهم وعقيدتهم
".. وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة افضل. وآخرون تجربوا في
هزء وجلد ثم في قيود ايضا وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في
جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم. تائهين
في براري وجبال ومغاير وشقوق الارض.." (عب35:11-38)، إنما يقصد به أولئك
الأتقياء الذين عذَّبهم أنطيوكس الملك وفيلبس وكيله الذي عيّنه على مدينة أورشليم
في أيام المكابيين أمثال مَنْ كانوا يُساقون قسراً كل شهر يوم مولد الملك للتضحية
والقتل (2مك7/6). وأمثال المرأتين اللتين سُعيَ بهما أنهما ختنتا أولادهما فعلّقوا
أطفالهما على أثديهما وطافوا بهما في المدينة علانية ثم ألقوهما عن السور
(2مك10:6). وأمثال أولئك القوم الذين لجأوا إلى مغاور لإقامة السبت سراً فوشي بهم
إلى فيلبس فأحرقوهم بالنار (2مك11:6). وأمثال ألعازر من متقدمي الكتبة الطاعن في
السن وهو إبن تسعين سنة الذي أكرهوه بفتح فيه على أكي لحم الخنزير فقذف لحم
الخنزير من فيه فقادوه إلى الموت، حتى مات من كثرة الضرب تارِكاً موته قدوة شهامة
وتذكار فضيلة لأمته بأسرها (1مك18:6-31). وأمثال الأخوة الأبطال السبعة وأمهم
الذين عذّبوهم بالمقارع وقطعوا ألسنتهم وحمّوا الطواجِن والقدور وقلوهم على النار
فإستشهدوا كلهم في يوم واحد ببسالة مفضلين الموت على أن يموتوا على الإيمان على أن
يعيشوا مُستهينين بشريعة إلههم مُطيعين لأوامر الملك الشرير (1مك7).

 

3-
قول بولس الرسول عن "الذين بالايمان: قهروا ممالك، صنعوا براً، نالوا مواعيد،
سدوا افواه اسود، أطفأوا قوة النار، نجو من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا اشداء
في الحرب، هزموا جيوش غرباء." (عب33:11، 34) إنما يشير إلى أولئك المكابيين
الذين " قهروا فيلبس وفرساوس ملك كتِّيم في الحرب وكل من قاتلهم واخضعوهم. وكسروا
انطيوكس الكبير ملك آسية الذي زحف لقتالهم ومعه مئة وعشرون فيلا وفرسان وعجلات
وجيش كثير جداً. وقبضوا عليه حياً وضربوا عليه وعلى الذين يملكون بعده جزية عظيمة
ورهائن ووضائع معلومة." (1مك5:8-7). كما يشير قول بولس في العبرانيين أيضاً
إلى يهوذا وجيشه حيث جاء في المكابيين الثاني "لما اصبح المكابى في جيش لم
تعد الامم تثبت امامه اذ كان سخط الرب قد استحال الى رحمة. فجعل يفاجئ المدن
والقرى ويحرقها حتى اذا استولى على مواضع توافقه تغلب على الاعداء في مواقع جمة،
وكان اكثر غاراته ليلا فذاع خبر شجاعته في كل مكان." (2مك5:8-7).

 

 ويقول
الباحثون المدققون أن كلمة المكابيين أُخِذَت من الكلمة "مكبى" وهي كلمة
مكوّنة من أربعة حروف يمثل كل حرف منها بداية كلمة معيّنة. وهذه الكلمات الأربعة
هي (مي – كاموخا – باليم – يهوه) أي "مَنْ مِثل الرب بين الآلِهة؟!" أو
"من مثلك بين الأقوياء يا الله؟". وقد إتخذوا هذه العبارة شعاراً لدولة
المكابين التي حكمت اليهود حكماً مستقِلاً مدة تزيد على مائة عام. وقد كانوا
ينقشون هذه الحروف الأربعة "مكبي" على أعلامهم وعلى تروسهم.

 

 والمُتَتَبِّع
لتاريخ بني إسرائيل يعلم أنهم بعد عودتهم من سبي بابل في المرة الأولى لسنة 536
قبل الميلاد أيام الملك كورش وبعد مرور سبعين عاماً على بقائهم في بابل، إستمرّوا
يدفعون الجزية للفرس. وقد تمتَّع اليهود بقسط كبير من الحرية أيام حكمهم. ولم يقم
وقتئذ ملوك على اليهود بل ولّى عليهم الأنبياء والقادة والكهنة (من أمثال زربابل
القائد ويشوع الكاهن بن يهوصاداق الملقب أيضاً يهوشع، ثم بعدهما عزرا ثم نحميا)،
وذلك بمعاونة مجلس أعلى سُمِّيَ بمجلس السنهدرين أو السنهدريم (قوامه سبعون من
الشيوخ يرأسهم رئيس الكهنة، كمحكمة عُليا للأمة اليهودية). وقد توقَّف عمل هذا
المجلس بعد خراب هيكل أورشليم عام 70م. وفي سنة 334 قبل الميلاد لما خضع الفُرس
للإسكندر الأكبر المكدونى (إبن فيلبس المكدوني اليوناني) خضع اليهود أيضاً له حتى
وفاته عام 323 ق. م. وبعد الإسكندر قسمت المملكة بين أربعة من كبار رجاله، كان
أحدهم هو "بطليموس سوتر". وقد خضع اليهود للبطالسة، الذين كانت مصر واليهودية
ثم فلسطين (في وقت متأخِّر) من نصيبهم، وإستمرّوا كذلك حتى عام 203ق.م. فخضعوا
للسلوقيين (نسبة إلى سلوقس الأول أحد قوّاد الأسكندر المقدوني الأربعة؛ الذي أسَّس
مملكة السلوقيّين في بابل سنة 312ق.م.) الذين إنتزعوا هذا القسم من البطالسة
بقيادة أنطيوخس الكبير سليل سلوقس الأول. وقد إستمر اليهود خاضعين للملوك
السلوقيين حتى عام 167ق.م. وعندئذ نعموا بالإستقلال على عهد دولة المكابيين التي
إستمرَّت حتى عام 63ق.م. وفي هذه السنة خضع اليهود للرومان. وقد استمر حكم الرومان
لليهود أيام السيد المسيح وما بعد ذلك أيضاً. وقد إستمرّوا كذلك حتى جاءت سنة 70م.
التي فيها دخل تيطس القائد الروماني مدينة أورشليم وهدم الهيكل ونجَّس المقادِس
وأباد الرسوم والشرائع. وكان نتيجة ذلك أن تشتَّت اليهود وتفرَّقوا في كل بِقاع
الأرض وإنقضَت مملكتهم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي