الأصحاح الرابع

معركة عماوس – حملة ليسياس – تطهير الهيكل وتدشينه

 

فى هذا الاصحاح يخوض
اليهود "حرب للرب ولمقدساته" فيعينهم الله وعندئذ يقومون بواحد من أعظم
الأعمال فى تاريخهم، وهو عيد التجديد والذى يعدّ الأحدث فى التقويم اليهودى.

 

معركة عماوس.
مناورات قبل الحرب

مكابيين ثان 8: 23-29

1وأخذ جرجياس
خمسة آلاف راجل وألف فارس منتخبين، وسار الجيش ليلا 2ليهجموا على معسكر
اليهود ويضربوهم بغتة، وكان أهل القلعة أدلاء لهم. 3فسمع يهوذا فسار هو
ورجال البأس ليضرب جيش الملك الذى فى عمّاوس، 4وكان لا يزال متفرقا فى
خارج المعسكر. 5وانتهى جرجياس إلى معسكر يهوذا ليلا فلم يجد أحدا، فبحث
عنهم فى الجبال، لأنه قال: "إنهم لهاربون منا". 6فلما كان
النهار، ظهر يهوذا فى السهل ومعه ثلاثة آلاف رجل، إلا أنهم لم يكن معهم من الدروع
والخوذ والسيوف ما يوافق مرادهم. 7ورأوا أن معسكر الوثنيين قوى محصن
وأن الخيالة من حوله وهم مدر
ّبون
على الحرب.

 

يقصد بأهل القلعة هنا أولئك اليهود المتأغرقين
والمتعاونين مع القوات السلوقية والمتمركزين فى القلعة السلوقية فى أورشليم مع
نظرائهم من الجنود السلوقيين، وهم الذين نصحوا جرجياس بعدم مواجهة اليهود مباشرة،
وإنما الالتفاف حولهم للإطباق عليهم، وبما لهم من الخبرة بطبوغرافية المكا ن، فقد
دلّوا السلوقيون على طريق داخل الجبل يجعلهم فى موقع استراتيجى.

وبالمقارنة مع ما ورد عن هذه الموقعة فى (2مكا 8: 24) نفهم أن جرجياس
القائد السلوقى، كان يعمل هنا بالتنسيق مع نيقانور (القائد الثانى) وكانت الخطة
تقضى بأن يهجم نيقانور
من الشمال
بينما يهجم جرجياس من الجنوب، ومن المحتمل أن يكون كل من جرجياس ونيقانور قد تقدما
من جهة الساحل حتى عماوس، حيث حاول جرجياس القيام بحركة التفاف، ولكن يهوذا
المكابى بجيشه الصغير والمسلّح تسليحاً خفيفاً، استطاع أن يحرز نصراً مزدوجاً على
الاثنين.

إذ أنه وبينما كان يهوذا متمركزاً بجيشه، سمع بوجود جيش جرجياس على
مقربة منه داخل الجبل (ويهوذا أقدر بمعرفة دروب ومسالك الجبال اكثر من جرجياس)
.
ومع
أن السفر هنا وكذلك سفر المكابيين الثاني (8: 12-27) لم يذكر أن يهوذا حصل على هذه
المعلومات

بطريقة خارقة للطبيعة، إلاّ أن كاتب كتاب أخنوخ – وهو معاصر لتلك الحملة – يشير
إلى ذلك، وربما أراد مقارنة المكابي بداود النبي. قارن: (أخنوخ
90: 14)(1)
مع صموئيل الثاني 5: 23- 25 و أخبار الأيام الثاني 14: 14-16).

فبادر يهوذا على الفور إلى مهاجمة جرجياس، وهى إحدى ميزات
يهوذا العسكرية
(كما سبق القول)، وفى الوقت ذاته تحرّك جرجياس تجاه اليهود، غير أنه لم يجدهم
حيث ظن أن قلوبهم قد ضعفت فهربوا فى الجبال.

ويقول يوسيفوس في تاريخه أن يهوذا المكابي قرر مهاجمة المعسكر بنفسه وأنه جعل رجاله يتناولون عشاءهم
مبكراً وبعد أن ترك نارا مشتعلة في معسكره في عماوس(1)، ثم
حاول تتبعهم طوال الليل حتى الصباح، حيث نظر الجيشان
أحدهما الآخر عن بعد، ولأول وهلة ظهر جيش جرجياس قوياً مخيفاً مقابل جيش المكا بي
(قارن مع صموئيل أول 17: 38-47)، ولكن الأخير خطب فى جنوده وألهب حماسهم للقتال عن طريق
الوازع الدينى، وهى عادة مرتبطة ببدء المعارك.

هذا وبينما تشبه خطة يهوذا هنا : خطة يشوع (راجع يشوع 8: 6) فإننا
نجد تشابها بين عمل كل من داود ويهوذا المكابي، راجع (أخبار الأيام الأول 14:
14-16 و صموئيل ثان 5: 23-25)

راجل: الجندى العادى (المشاه على أرجلهم).

فارس: أو الخيال وهو راكب الفرس، وهو أخف
حركة وأعلى تدريباً ودوره أهم فى المعركة.

درع: هو اللوح المعدنى أو الجلد القوى
لحماية صدر الجندى من سهام العدو.

 

عظة
التوجيه المعنوى

مكابيين ثان 10: 1-8

8فقال يهوذا
لمن معه من الرجال: "لا تخافوا كثرتهم ولا تخشوا بطشهم. 9أذكروا

كيف نجا آباؤنا فى البحر الأحمر، حين تتبعهم فرعون بجيشه. 10فالآن
لنصرخن إلى السماء، لعله يرضى عنا ويتذكر عهد آبائنا ويكسر الجيش أمامنا فى هذا
اليوم، 11فتعلم جميع الأمم أن هناك من يفدى ويخلص إسرائيل".

 

ما يزال حدث عبور البحر الأحمر هو محور حياة اليهود وتاريخهم، ويعد
الانتصار ال
أعظم فى سلسلة حروبهم وانتصاراتهم (خروج 14)،
إذ يمثل لهم الكثير لاسيما فيما يتعلق بحصولهم على الحرية بعد العبودية المرة فى
مصر
، والتى تلازمهم ذكراها عند كل مرة يأكلون فيها الفصح "على أعشاب
ُمرة" وبالتالى دخولهم فى حياة جديدة. والمقارنة هنا بين الخطر
المحدق بيهوذا بسبب
حصاره بين
قوات جرجياس ونيقانور، وخطر الاستعباد، كذلك كان بني اسرائيل محاصرين بين البحر
وقوات فرعون التي تطاردهم. كما يلمّح السفر إلى خلاص إسرائيل من سنحاريب، حيث نجد
صدى لـ (الآية 11) في: (ملوك ثان 19: 19 و إشعياء 37: 20)(1).

ويلاحظ فى (الآية 10) كيف يستعيض كاتب السفر عن لفظة
الجلالة بـ"السماء" بشكل واضح، فلم يقل لنصرخن إلى إلى السماء لعلها
ترضى عنا (حيث يمكن أن يقال ذلك عن السماء بسكانها والعون الآتى منها) ولكنه يقول
(السماء…لعلّه!)
. وهو
ما يلاحظ أيضاً في (آية 24).
. وعاد اليهود، وهم يسبحون السماء
ويباركونها قائلين: "إنه صالح وإن للأبد رحمته" وكما شرحنا فى
المقدمة فقد كانوا وقتئذ يفعلون ذلك احتشاماً وحياءا. وأماّ "عهد
الآباء" الذين يطلبون تذكّره هنا، فإن شأنه في ذلك شأن جميع وعود الله، حيث
يعدّ بمثابة رصيد روحى متروكاً لهم من قبل الله يسحبون منه وقتما شاءوا.

 

الجولة الأولى فى الحرب

12ورفع
الغرباء أبصارهم فرأوا اليهود مقبلين عليهم.13فخرجوا

من المعسكر للقتال، ونفخ أصحاب يهوذا فى البوق 14وشنوا
القتال فانكسرت الأمم وانهزمت إلى السهل، 15وسقط بالسيف جميع الذين فى
المؤخرة، فتعقبوهم إلى جازر وسهول أدوم وأشدود ويمينا، وكان الساقطون منهم نحو
ثلاثة آلاف رجل.

 

فوجىء السلوقيون، ويصفهم هنا بالغرباء (راجع التعليق على 3: 41) بالجيش
اليهودى قادماً
: فتهيأوا للقتال وكذلك فعل اليهود، ولكنه
من الواضح أن السلوقيين لم يتوقعوا شجاعة المكا بي وبسالة رجاله، فروّعهم ذلك برغم
تفوّقهم العسكرى، لقد ظن السلوقيون أنهم قد خرجوا فى نزهة لا حرب!! وأن الجيش
اليهودى لا يعدو فى حقيقته سوى عصابة غير نظامية، بالرغم من سماعهم عن انتصاراتهم
السابقة. ويمكن أن ننظر إلى ما حدث باعتباره هزيمة للسلوقيين فى الواقع، أكثر من
كونه نصراً لليهود، فعند دخول أرض الموعد، نبّه الله اليهود إلى أن الذى يحدث هو
انهزام الأمم أمامهم بسبب شرّهم، لا برّ اليهود.

جازر: كلمة عبرية معناه (نصيب أو مهر
العروس) وهى مدينة كنعانية تقع على مسافة 22 كم شمال غرب أورشليم، وعلى مسافة سبعة
كيلومترات غرب
عماوس (عمواس). إلى هناك تعقّب جيش المكابى جيش نقانور
(1مكا 7: 45) وذلك فى سنة 161ق.م.، وفى وقت آخر انتزعها من تيموثاؤس القائد
العمونى، ولكن بكيديس السلوقى استولى عليها وحصّنها تحسّباً لمناهضة اليهود وذلك
ضمن مدن أخرى (1مكا 6: 52) غير أن سمعان المكابى عاد فاستردها ثانية فى سنة
141ق.م. حيث طهّرها وبنى له فيها بيتاً وأم
ّن
الوثنيين الذين فيها، ثم جعلها مقراً لابنه (1مكا 13: 43 – 48 و 14 : 7، 54).

ومرة أخرى نرى التقابل بين عمل يهوذا المكابي وعمل داود النبي (راجع
صموئيل ثان 5: 25 و أخبار الأيام الأول 14: 16).

 

الحفريات الحديثة في جازر:

ربما كان هناك بالفعل نقطة للسلوقيين في جازر تستخدم كملجأ للمطاردين
في الحرب (انظر خريطة رقم 3) ويدل تحصين بكيديس لحصن جازر – كما سبق الاشارة – على
أنه كانت هناك قلعة قديمة (1مكا 1: 33 و 4: 61 و 6: 7 و 9: 52). والحفريات الحديثة
للتنقيب عن الاثار توحي بأن أية نقطة دفاعية يونانية في جازر، ربما استخدمت
تحصينات كنعانية سابقة، كانت ما تزال موجودة فوق الأرض، كما اكتشف موقعان هناك
ُيحتمل أن ينتميا إلى الموقع الدفاعي القديم، فقد اكتشف في طبقة تم تحديد تاريخها
– من خلال الفخار الذي الذي عثر عليه – بأنها تعود إلى الفترة من 175-150 ق.م. كما
اكتشف من خلال طبقة أخرى: إعادة تحصين بكيديس للموقع. وكذلك أمكن استنتاج وجود
نقطة دفاعية ترجع إلى وقت نقانور وجرجياس، ومرحلة أخرى متأخرة تمثل انشاءات ضخمة
ُتنسب إلى سمعان المكابي(1).
أمّا العالم Clermont-Ganneau فقد كشف عن جازر القديمة، ففي سنة 1873م. ووجد كتابة محفورة
باليونانية والعبرية على أحد الصخور " تخوم
جازر
PEFQ
1873
وهو المكان الذي أشار إليه
سفر يشوع (16: 3). وكتب
يوسابيوس أن جازر على بعد أربعة أو خمسة
كيلومترات شمال نيكوبوليس (عماوس).

أدوم: كلمة عبرية (من آدم ومعناها أحمر) وجاءت في
المخطوطات اليونانية
Idudaiaj وقد سكن بنى عيسو أو بني أدوم (الأدوميين) فى
نواحى الأردن بالقرب من أشدود وجازر، وقد ُسميت المنطقة كلها أدوم وذلك لوجود صخور
حمراء بها، وفى عصر المكا بيين كان جرجياس هو قائد تلك المنطقة، وعند بيت صور فى
أدوم عسكر جيش ليسياس لمحاربة اليهود
، ولكن
يهوذا المكابى كسره هناك (آيات 28 – 34) وهناك حارب يهوذا أيضا بنو عيسو لأنهم
كانوا يضايقون اليهود حيث هزمهم وسلب غنائمهم (1مكا 5 : 3) ومن هناك عبر جيش
أنطيوخس الخامس مجتازاً وادى البطمة وعدلام ومودين حيث اشتبك مع اليهود (1مكا 6:
31 و 2 مكا 13: 14).

أشدود: كلمة عبرية (معناها حصن أو قوة). تبعد
عن يهوذا شمالاً بمسافة أربعة كيلومترات ونصف، وكانت حتى عصر المكابيين مدينة
فلسطينية من بين المدن الخمس الفلسطينية (اشدود/عقرون/غزة/أشقالون/جت)
وكان
فيها معبد الإله "داجون" اشهر آلهة الفلسطينين، ولكنها اصبحت هيلينية
خلال الفترة من 333 – 63ق.م. حين تحول اسمها إلى "
أزوتوس
Azwtoj "
(
بحسب
المخطوطات اليونانية)
كانت أشدود
حصناً قوياً، وبينما لم يستطع داود اخضاعها فيما يبدو فإن الآشوريين
احتلوها اكثر من مرة منزلين عقاباً بأهلها، وفى عصر المكابيين استولى عليها يهوذا
ويوناثان وطهراها من الأوثان (1مكا 5: 68 و 10: 84) وفى عصر الرومان قدمها اغسطس
قيصر هدية لسالومى أخت هيرودس، وفى القرن الرابع كانت مقر أسقفية.(1) ويوجد
مكا نها الآن قرية صغيرة على بعد 18 ميلاً شمال شرق غزة.

يمنيا: الكلمة صيغة يونانية للإسم العبرى
"يبنة" أو "يبنئيل" وقد
ُذكرت
فى (أخبار الأيام ثان 26: 6) تحت اسم "يبنيت" ومعناها "الله
يبنى"
. ووردت
في النسخ اليونانية هكذا "
Iamneia ". وهى مدينة تقع على حدود يهوذا
الشمالية على مسافة 21
كيلومترا
إلى الجنوب الغربى من يافا، ومسافة سبعة كيلومترات شرق شاطىء البحر المتوسط على
طريق غزة شمال أشدود. وقد هاجمها يهوذا المكابى بعد ذلك الوقت بقليل نظراً لمضايقة
أهلها لليهود، وعند يمنيا هُزم اثنان من قواد المكابى، وفيها مرفأ هام حيث كانت
تعد عاصمة المنطقة البحرية. وفى سنة 90م قام علماء اليهود بعقد مجمع حددوا فيه ال
أسفار
التى يقبلونها فيما يعرف بقانون العهد القديم.

سهول أدوم وأشدود ويمنيا: يبين
ترتيب هذه الأسماء أنه كان هناك " لسان" من الأرض تسيطر عليه أدوم كان
يمتد من مريشة ويفصل اليهودية عن المدن الفلسطينية (انظر خريطة رقم 4).

ورغم الهزيمة التى ألحقها المكابى بجيوش
السلوقيين إلاّ أن المعركة كانت ما تزال قائمة ولم ي
ُزل الخطر بعد. أمّا عن الثلاثة آلاف الذين سقطوا، فهو رقم غير مبالغ فيه، لا سيما وأن
يهوذا قد استولى على الغنائم فيما بعد (آية 23).

 

حسم النصر على القواد
الثلاثة والاستيلاء على غنائمهم

16 ثم رجع
يهوذا وجيشه عن تعقبهم 17وقال للشعب: "لا تطمعوا فى الغنائم، لأن
الحرب لا تزال قائمة علينا. 18فإن جرجياس وجيشه بالقرب منا فى الجبل،
فاثبتوا الآن أمام أعدائنا وقاتلوهم، وبعد ذلك تأخذون الغنائم بأمان". 19ولم
ينته يهوذا من هذا الكلام حتى ظهرت فرقة تتشوف من الجبل. 20فرأت أن
رجالهم قد انهزموا وأن المعسكر قد أحرق، كمـا دلهـم على ذلك الدخ
ـان
المتص
ـاعد. 21فلمـا
عاينوا ذلك خافوا خوفا شديدا. وعند رؤيتهم جيش يهوذا فى السهل مستعدا للقتال، 22فر
ّوا
جميعا إلى أرض الفلسطينيين. 23فرجع يهوذا إلى غنائم المعسكر، فأخذوا
ذهباً كثيرا وفضة وأرجوانا بنفسجيا وأرجوانا بحريا وأموالا جزيلة.24وعاد
اليهود، وهم يسبحون السماء ويباركونها قائلين: "إنه صالح وإن للأبد
رحمته". 25وكان فى ذلك اليوم خلاص عظيم فى إسرائيل.

 

كان يهوذا المكابى ثاقب الفكر، فلم ينتش سريعاً للنصر ويلتفت إلى
الغنائم، فالحرب ما تزال مستمرة، بل توقع بحسّه العسكرى هجوماً مضاداً، ولذلك فإن
الانشغال بالغنائم قد ُيضعف الاستعداد القتالى لجنوده، فمن جهة سوف يتراخون بسبب
الغنائم، ومن جهة أخرى سوف يتلهّون بها في حين ي
هجم
الأعداء بغتة، (راجع 2مكا 8: 26).

وقد رصدت الفرقة السلوقية التى كانت تتشوّف
(تراقب عن بعد من مكان عال) ما حدث فروِّعت عندما شاهدت آثار الهزيمة وعلامات
الدمار،
(يشوع 8: 8،19،20) وكذلك تحُفّز الجيش اليهودى للقتال،
وعند ذلك قرر الجيش السلوقى أن يلوذ بالفرار.

 

وبالرجوع إلى (2مكا8) يتضح أن يهوذا أحرز النصر
على كل من جرجياس ونيقانور، فقد قهر القوة التى مع نقانور فى عماوس، ثم على تلك
التى مع جرجياس جنوبي عماوس (آية 17) فإذا كان جرجياس كان قد
ُعيّن قائدا فى
أدوم، فإن الهجوم كان سيتّجه من الجنوب بالتنسيق مع نقانور الآتى من الشمال، ولكنه
من المحتمل أن كليهما قد تقدما معاً من الساحل حتى عماوس.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى يحذف الله نصيبه من سفر الحياه ه

فى مقابل ذلك قسم يهوذا قواته للهجوم على نقانور بثلاثة آلاف جندى من
الستة الذين معه (2مكا 8: 16) بينما ترك الباقى لحماية مؤخرة جيشه ضد هجوم جرجياس
،
والذى لم يحدث أصلاً (كما سبق الاشارة) فقد أدرك جرجياس أن نقانور يهرب، فهرب هو
الآخر تاركا معسكره لينهبه اليهود بسهولة. أما نيقانور فقد هرب متنكراً فى ثياب
بسيطة.

يقول يوسيفوس أن السلوقيين قد تغلبوا فى البداية وقتلوا بعضاً من
جنود يهوذا المكا بي، حيث اتضح فيما بعد وهم يدفنوهم أنهم كانوا يحملون أصناماً
صغيرة ذهبية داخل ثيابهم (مثل تعاويذ) حيث اعتبر يهوذا أن ذلك هو السر وراء
مقتلهم، ويضيف يوسيفوس أن اليهود بعد كسرهم للقواد الثلاثة، قاموا بسلب أموال
التجار الذين أملوا أن يشتروا اليهود كوعد السلوقيين لهم، فقد عكس الله ظنونهم. ثم
قام يهوذا بتقسيم الغنائم بالتساوى بين جنوده كما أرسل أنصبة للمحتاجين من الشعب
مثل الأرامل والأيتام (زوجات وأولاد الجنود القتلى) والفقراء.

ومن بين الذين كانوا مع الجيش السلوقى المهاجم "
فيكس" القائد المعّين من قبل أنطيوخس أبيفانيوس على اليهودية،
والذى هرب من القتال مختبئاً فى منزل بإحدى القرى، وأغلق بابه عليه، فقام عندئذ
يهوذا بإحراق البيت فمات فيكس،
وهو الذى كان
قد عذّب الشيخ ألعازر الكاهن وقتله (كما سيجىء).

ومن بين الغنائم ُيذكر
الأرجوان
Purpule وهو الثياب الثمينة التى يرتديها الملوك
ورؤساء الكهنة والأمراء وُعلية القوم، والأرجوان فى الواقع هو صبغة ذات ألوان (مثل
الأحمر والقرمزى والبنفسجى) وهناك نوعان منه أحدهما مصنوع من الأكاسيد المستخرجة
من التربة، والآخر هو البحرى والذى يستخرج من حيوانات بعض الأصداف البحرية. وأكثر
من اشتهروا بصنع هذا الأرجوان هم سكان صور، وهو عالي التكلفة بطبيعة الحال، وكانت
ثياب هرون الكاهن منه (س
يراخ 45:
12) كما سنقرأ لاحقاً كيف أرسل الاسكندر بالاس الأرجوان إلى يوناثان المكابى
بمناسبة تعيينه رئيس كهنة (1مكا 10: 20،62،64) ونقرأ كذلك عن الغني الذى يلبس
الأرجوان مقابل لعازر الذى يتضوّر جوعاً (لوقا16: 19).

ونلاحظ في (الآية 24) هنا أن اليهود يشيرون إلى الله مرة أخرى بـ
"السماء" ويباركونها " يباركونه"، ومن المرجح أن يكونوا قد
أنشدوا فى هذا التسبيح مزامير الهلليل (113 – 118) راجع (أخبار الأيام الأول 16:
8-36 و أخبار الأيام الثاني 20 : 21 و مزامير 106،107،136) وهي تهلل لانتقام الله
لشعبه عندما يصبح صالحًا، والذي يضل أحيانا.

الاحتفال بالعودة إلى الشريعة:

 صار خلاص في إسرائيل، ومع أن الصراع لم يكن قد حسم بعد مع
السلوقيين، إلاّ أن تلك الانتصارات كانت حلقة ذات مكسب هام في ذلك الصراع، ويمكنا
أن نرى فيها أيضا صدى لانتصارات داود، راجع (صموئيل أول 19: 5 و صموئيل ثان 23: 10،12
و أخبار الأيام الأول 11: 14).

وبعد النصر على جرجياس ونقانور ظلت اليهودية
متحررة من قوة السلوقيين حتى حملة ليسياس (4: 28-35) وحيث أن الحامية الموجودة في
قلعة عكرة كانت قد أصبحت أقل قدرة على التعامل مع قوة يهوذا (قارن 2مكا 8: 8)
وأصبح اليهود الأتقياء الذين لم يتمردوا مع يهوذا، يشعرون بالحرية في اتباع تعاليم
الشريعة علنًا، ومن هنا ربما كانت النتيجة المباشرة للانتصار على جرجياس ونيقانور
هي الاحتفال بيوم 24 آب المذكور في كتاب " مجلات تعانيت
Megillat
Ta’anit
" حيث يذكر الآتي: " في الرابع والعشرين من الشهر ُعدنا
إلى شريعتنا ". ولا يمكن أن يكون هذا اليوم تذكارا لثورة متتيا لأنه لم ينتظر
من شهر كسلو في الشتاء، إلى منتصف الصيف (بدء الاضطهاد) ليقوم بثورته.

 

حملة ليسياس الأولى على
اليهود

26ووفد كل من نجا من
الغرباء على ليسياس وأخبروه بكل ما حدث. 27فلما سمع ذلك بهت وانكسر
عزمه، لأن الأمور لم تجر لإسرائيل كما كان يريده ولم تؤد إلى النتيجة التى أوصى
بها الملك.28وفى السنة التالية، جمع ليسياس ستين ألف راجل منتخبين
وخمسة آلاف فارس لمحاربة اليهود. 29فأتوا إلى أدوم، ثم عسكروا ببيت
صور، فلاقاهم يهوذا فى عشرة آلاف رجل. 30ولما رأى ذلك الجيش القوى، صلى
فقال: "مبـارك أنت يا مخلص إسرائيـل الذى حطم بطش الجبار عن يد عبده داود،
وأسلم معسكر الفلسطينيين إلى يد يوناثان بن شاول وحامل سلاحه، 31فأقفل
كذلك على هذا الجيش فى أيدى شعبك إسرائيل، وليخزوا مع جنودهم وفرسانهم. 32أحل
عليهم الرعدة، وأذب ثقتهم بقوتهم، وليتزعزعوا بانسحاقهم. 33أسقطهم بسيف
محبيك، وليسبحك بالأناشيد جميع الذين يعرفون اسمك". 34ثم التحم
القتال، فسقط من جيش ليسياس خمسة آلاف رجل، سقطوا أمام اليهود. 35فلما
رأى ليسياس انكسار جيشه وبسالة جيش يهوذا وأنهم مستعدون بشجاعتهم إما للحياة وإما
للموت، ذهب إلى أنطاكية وجمع جيشا من الغرباء ليعود بجيش أكثر إلى اليهودية.

 

كان ذلك فى بداية سنة 164ق.م. (راجع 3 : 37) حين أبلغ الناجون من
القتال (وُيسمون هنا بالغرباء
ويستخدم
السفر هنا الكلمة اليونانية التي تعني الفلسطينيين) ليسياس بأن الحملة على
المكابيين قد فشلت وأن القوات السلوقية قد
ُمنيت
بخسائر جسيمة
، إذ وقعت فريسة سهلة لجيش المكابى،
وهكذا حسب ذلك فشلاً له هو فى المهمة المكلف بها من قبل انطيوخس للقضاء على
المقاومة اليهودية.
ُانظر خريطة رقم (6).

ومن ثمّ فقد كان لزاماً عليه أن
يتولى ذلك بنفسه، ليحقّق رغبة الملك من جهة وليثأر لكرامته من جهة أخرى. فجمع
حشداً ضخماً من الجنود لا يتناسب مطلقاً مع الجيش المكابى
،
حيث بلغ السلوقيون: ستين ألف مقاتل
، مقابل
عشرة آلاف مع يهوذا
، وكان معه في المعركة السابقة أمام جرجياس
ونيقانور ثلاثة آلاف فقط، ولكنه بعد انتصاره عليهما جمع إليه آخرين(1).

وتوحي زيادة عدد جنود يهوذا المكابي في هذه المرة مقارنة بالسابقة،
بزيادة عدد مؤيديه من غير المقاتلين، بحيث تمثل هذه الزيادة نسبة مئوية كبيرة من
التعداد اليهودي، وقد جاء هذا التأييد واسع النطاق ليس نتيجة لانتصارات المكابي
فحسب، وانما لأنه أصبح من الممكن لجماعات اليهود الأتقياء – والتي كان قد لحقها
التمزيق الشديد – أن تتحد لأنها كانت ترى في انتصار ليسياس كارثة كبرى على أمتهم
ودينهم، فما أن يزول خطر ليسياس حتى تتفرق القوات من حول يهوذا، لأنهم كانوا لا
يرغبون في القتال بشكل عام، بل أملوا في تدخل مباشر من الله، ويلاحظ في (2مكا 11:
29-32) أن منلاوس الكاهن الخائن قد راسل السلطات السلوقية لانهاء الاضطهاد.

 وتمركز جيش ليسياس فى أدوم باعتبارها المنطقة المجاورة لليهود
يسكنها الوثنيون، وكان معسكرهم "بيت صور" حيث توجد هناك حامية سلوقية (6
: 7)، ويبدو أن الجيش السلوقى قد دار حول اليهودية من جهة السهل،
من
الجنوب عبر أدوم والمدينة الحدودية "بيت صور"،
إذ ُتمثل
جبال اليهودية مشكلة كبيرة لهم، من حيث عدم درايتهم بها مما يدَعهم فريسة سهلة
لليهود، حتى جاءوا إلى بيت صور.

بيت صور: Bethzur اسم عبرى معناه (بيت الصخرة "الإلهية") وهى من أقدم مدن
العالم وتبعد عن صيدا من جهة الجنوب 40
كم، وإلى
الشمال من حبرون سبعة كيلومترات، وكانت تمثل حصنًا عظيما على الطريق بين أورشليم
وحبرون، كما كانت من أقوى الحصون فى العصر الفارسي، حيث بذل الاسكندر جهداً ُمضنياً استمر سبعة أشهر
، فى سبيل
اسقاطها والاستيلاء عليها، وعندها أصبحت إحدى الحصون السلوقية، ولمّا أساء أهلها
معاملة اليهود جاء يهوذا المكابى وانتقم منهم، واستولى عليها فأصبحت من ثمّ حصناً
يهودياً ضد الأدوميين، وذلك بعد تطهيرها من الأصنام وتحصينها (5 : 15 و 6 : 7،26)
ولكن ليسياس أسقطها من جديد سنة 163 ق.م. ليعيدها حصناً سلوقياً (6: 31، 49،50 و 2
مكا 13: 19)
وبعد أن
خفت قبضة ليسياس عليها
عادت لليهود، ولكن بكيديس أكد الاستيلاء عليها مرة أخرى ليجعلها سلوقية، كما
أخذ أبناء رؤسائها رهائن (1 مكا 9: 52،54) حيث سم
يت "الحصن الثالث" وكانت ملجئا
للمرتدين من اليهود باعتبارها مدينة هيلينستية وذلك فى سنة 154
ق.م. (1مكا10: 14)
وعندما وهب أنطيوخس السادس لسمعان المكابى إدارة مساحة كبيرة من المملكة السلوقية،
كانت صور حدودها الشمالية، فأعاد سمعان تحصينها فى نفس العام (1 مكا 11 : 65 و 13:
33 و 14: 7) وظلت تحت السيادة المكابية حتى استولى عليها الرومان سنة 64
ق.م. ويبدو
أنها كانت مدينة غنية إذ باع فيها ألكيمس نفائس الهيكل التى استولى عليها (2 مكا4:
32،39).

ولكن لماذا اختار ليسياس المرور عبر " أدوم وبيت صور" ؟ :

ربما حدث ذلك بسبب أمطار الشتاء، ولكن الأرجح أن ذلك الطريق وحده كان
يتيح له دخول اليهودية – أرض العدو – بعدما يكون قد عبر قمم الجبال، لأن خطأ
السماح للعدو باتخاذ وضعه أعلى التلال، كان قد أوقع الهزيمة بسلفه، وكان الأدوميون
– كما سبق القول – أعداء تقليديين لليهود، ولا سيما اليهود التقاة (1مكا 4: 61 و
5: 3،65،66 و 6: 31 و 2مكا 10: 15-23) في حين كانوا رعايا مخلصين للسلوقيين، ويوحي
النص بأن بيت صور تابعة لأدوم، ولكنها في الواقع تابعة لليهودية، إذ نقرأ
في سفر المكابيين الثاني أن ليسياس قد حاصر بيت صور باعتباره حصناً مكابيا في ذلك
الوقت (2مكا 11: 5). وبالتالي فلا صحة للرأي القائل بأن يهوذا قد استولى على بيت
صور من أدوم مما دفع ليسياس لشن القتال عليه، إذ أن يهوذا لم يفعل ذلك إلاّ بعد
انسحاب ليسياس حيث أكّد تبعيتها لليهودية.

يبارك الله. مبارك الله.. الذي (آية 30):

          استخدمت هذه العبارة قبلاً في (أخبار الأيام الأول 29: 10
و طوبيا 3: 11 و مزمور 119: 12.. وغيرها) وقد أصبحت مع الوقت الصيغة المحببة لدى
اليهود في الصلاة.

السنة التالية (آية 28):

أما عن السنةالتي جمع فيها ليسياس جيوشه، فإن السفر هنا يميز بين
" العام الشمسي اليوناني
etos " و " المدة الزمنية البالغة عامًا كاملا emiautos " فقد تعطي الكلمة العبرية " šnh " أيا من هذين المعنيين، وان كانت المدة الزمنية البالغة
عامًا كاملا يمكن التعبير عنها بوضوح تام بـ "
snt ymym " (تكوين 41: 1) أو بـ " ymym" وحدها (لاويين 25: 29).

          وخلال مدة العام التي تلت هزيمة جرجياس ونيقانور، أعد
ليسياس حملة جديدة ثم بدأ الزحف، وربما كانت هزيمتهما في صيف أو خريف سنة 165 ق.م.
حيث أنها حدثت بعد رحيل أنطيوخس شرقاً، فهل استغرقت الترتيبات والحملة الفترة ما
بين صيف أو خريف سنة 165 وشهر كسلو (ديسمبر) 164 من العام التالي ؟. لذلك فإن
المدة بين انسحاب ليسياس وعيد التدشين: تعتبر كبيرة، كما كان من بين الأسباب التي
دفعت ليسياس إلى القيام بحملة على اليهودية، هي حساسية موقع اليهود بالنسبة
للبطالمة لا سيما وأن الملك ومعه نصف الجيش كان بعيدا عن البلاد.

                   انتهت حملة ليسياس في أذار (مارس) سنة 164 (أواخر
الشتاء) وصحب ذلك اعلان بانهاء الاضطهادومنح اليهود عفوا عاما. وكان على تريفون
Tryphon أن يقود حملة في الشتاء (1مكا 13: 20-24). واقترب كل من ليسياس
وتريفون من أورشليم من جهة الجنوب الأكثر جدبًا، ربما لتجنّب أمطار الشتاء بقدر
الامكان.

ُانظر خريطة رقم (6).

          على أية حال فإن العام التالي هنا ليس بحسب التاريخ
السلوقي، لأن العام التالي لرحيل أنطيوخس بحسب ذلك التاريخ، لم يبدأ حتى ربيع سنة
164 ق.م. عندما كانت الحملة قد انتهت !!.

          مرة أخرى يؤكد يهوذا المكابى
لجنوده، أن العامل الفاعل فى هذه المعركة هو الله لأنه سيقف معهم وبالتالى فهو
أقوى من تلك القوة المعادية(1)، ويضع يهوذا نفسه فى نفس موقف داود
النبى ويوناثان مقابل جيش الأعداء، فبالرغم من عدم التكافؤ ما بين داود الفتى
الصغير
والذى لم يقدر على ارتداء الثياب العسكرية –
وجليات المصارع الخطير، فقد صرع داود هذا العدو الأسطورة، ولذلك فإن يهوذا يرى
المشهد يتكرر ثانية بشكل مختلف، وها هوذا ينسب النصر إلى الله مسبقاً، ويرى فى
هزيمة أولئك الأعداء مجداً لاسمه القدوس بين الشعوب.
وقد ورد
ذلك في (صموئيل أول 17: 4،48) أما انتصار يوناثان فمذكور في (صموئيل أول 14:
1-15).

فلماّ اشتبك الجيشان سقط خمسة آلاف رجل من جنود
ليسياس، ويعنى تعبير أنهم "سقطوا أمام اليهود" أن اليهود هم الذين
قتلوهم،
وقد استخدم المترجم اليوناني للسفر كلمة: epesonكترجمة للكلمتين العبريتين:(سقطوا wayyippelu و ُصرعوا "
ُهزموا "
wayyinnagepu). ويذكر يوسيفوس أن اليهود لم يشتبكوا إلاّ مع طليعة
الجيش، ولكن الأصل العبري يفيد " سقط خمسة آلاف من طليعة الجيش". هذا
وقد أتاح لليهود وجودهم على أرض
المعركة، احصاء عدد القتلى، والذي زاد عن
التقدير الأولي (2مكا11: 11،12).

ولما
رأى ليسياس أنه لا طاقة له هو وجيشه بهؤلاء المستميتين
وبهرته شجاعتهم: آثر العودة مع جنوده وإلاّ تضاعف القتلى والخسائر. وهنا مال
ليسياس إلى مصالحة اليهود، لا سيما عندما سمع بأن فيلبس قد استولى على ال
ُملك
فى أنطاكية، وربما كان فى نيته العودة إلى اليهود من جديد بعد استرداد الملك
(2مكا11).

سير الحملة:

          اعتقد ليسياس في المراحل الأولى من حملته أنه باستطاعته
سحق قوة يهوذا المكابي، ولذلك لم يستجب لالتماس منلاوس الكاهن في التصالح مع
اليهود، فلما ُهزم في بيت صور اتصل به وبجماعته، ورأى الطرفان أنه لا جدوى من
مواصلة الحرب، لا سيما وقد ظن منلاوس أن انتهاء الحملة سيحتم على المتمردين
التخلّى عن تمردهم فورا، وحينئذ وافق.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أخلاق ق

          وكانت شروط ليسياس هي القاء السلاح، وقبِل ذلك عدد كبير من
الجنود، فانخفضت قوة يهوذا مما أقنع ليسياس بترك المنطقة دون خوف، على أن يعود في
العام التالي 163/162 بجيش أكبر (آية 35).

                   هذا ويتذكر اليهود يوم 28 اذار (كسنتكس) عام 164
كنهاية للاضطهاد، ومنذ ذلك التاريخ وحتى عيد التدشين كانت تجري عملية الترميمات
واعادة البناء.

         

آثار
الدمار فى الهيكل

36فقال يهوذا
وإخوته: "ها إن أعداءنا قد انسحقوا، فلنصعدالآن لتطهير الأقداس
وتدشينها".37فاجتمع
كل
الجيش وصعدوا إلى جبل صهيون.38فرأوا المقدس مقفرا والمذبح منجساً
والأبواب
محرقة، وقد
طلع النبات فى الأفنية كما يطلع فى غابة أو جبل من الجبال، والغرف مهدومة. 39فمزقوا
ثيابهم وناحوا نوحا عظيما وحثوا على رؤوسهم رمادا. 40وسقطوا بوجوههم
على الأرض ونفخوا فى أبواق الهتاف فصرخوا إلى السماء.

 

يؤكد يهوذا المكابى بأن قوات ليسياس لم تمض عنهم إلاّ بسبب عجزهم عن
تحقيق أغراضهم، ويأتى بعد ذلك
عامل آخر هو الأحداث
التى تجرى فى أنطاكية. ويشير اجتماع الجيش كله إلى
يهوذا
(آية 37) إلى أن الغالبية العظمى من التقاة قد استجابوا للمبادرة
الحشمونية، فصعدوا إلى جبل صهيون (جبل الهيكل / إشعياء 18: 7 و مزمور 74: 2 و
يوئيل 2: 1).

أما الوصف الوارد هنا عن القدس والذى يأتى عن شهود عيان، فهو يصوّر
الحال الذى آل إليه الهيكل، ويؤكد ذلك التعبير "العاطفي" أن النبات قد
طلع فى الأفنية (آية 39).
وقد اقفر
الموضع بسسب طرد السلوقيين واليهود المتأغرقين لمن فيه (1مكا 1: 39 و 3: 45).

 

لقد كان المنظر مؤلماً للغاية، إذ غطت المكان
آثار الدمار والخراب، وبالأمس القريب كانت الذبائح تُساق والأبواق تصيح والبخور
يتصاعد والدموع تسكب فى حضرة الله
، ومئات من الكهنة يتحركون فى كافة أرجاء القدس ومجد الرب
يهيمن على المكان.

أما الآن فقد أصبح مهجوراً خرباً، ناهيك عن
النجاسة التى لحقت به من جراء اقامة تمثال لـ"زيوس" ومذبح وثنى فوق مذبح
المحرقة، ودم الخنازير الذى لوث أروقة الهيكل. ويذكّر ذلك بما ورد فى (مزمور 74)
أطلقوا النار فى مقدسك ودنسوا للأرض مسكن
اسمك،
قالوا فى قلوبهم لنفننهم معاً.. أحرقوا كل معاهد الله فى الأرض.."

 

تطهير الهيكل

41حينئذ أوصى يهوذا بعض الرجال بمحاربة الذين فى القلعة،
ريثما يطهر الأقداس. 42واختار كهنة لا عيب فيهم من ذوى الغيرة
على الشريعة، 43فطهروا
الأقداس وذهبوا بالحجارة المدنسة إلى مكان غير طاهر. 44ثم تشاوروا فى
أمر مذبح المحرقات المدنس، وتساءلوا ماذا يصنعون به. 45فخطرت له
ـم فكرة صالحة
أن يهدموه، لئلا يكون لهم عارا، وقد دنسته الأمم فهدموه.46ووضعوا
حجارته فى جبل البيت فى مكان لائق، إلى أن يأتى نبي يجيب عن أمرها. 47ثم
أخذوا حجارة غير منحوتة، وفقاً للشريعة، وبنوا المذبح الجديد على رسم الأولى. 48وأعادوا
بناء الأقداس وداخل البيت وقدسوا الأفنية.49وصنعوا آنية مقدسة جديدة
وأدخلوا المنارة ومذبح البخور والمائدة إلى الهيكل. 50وبخروا على
المذبح وأوقدوا السرج التى على المنارة، فكانت تضىء في الهيكل. 51وجعلوا
الخبز على المائدة ونشروا الستائر وأتموا جميع الأعمال التى عملوها.
52 وبكروا في اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع وهو كسلو في السنة المءة والثامنة
والأربعين
53 قدموا ذبيحة بحسب الشريعة على مذبح المحرقات الجديد الذي صنعوه.

 

رغم انتصارات يهوذا المكابى وصعوده هو ورجاله
إلى ربوة صهيون (جبل الهيكل)
، إلاّ أن الوجود السلوقى فى القلعة كان ما يزال يمثل
تنغيصاً لهم وخطرا يتهدّدهم،
كما أن العفو
العام لم يشتمل على تصريح بإعادة العبادة في الهيكل (2مكا 11: 29-31 قارن بالخطاب الوارد
في 2مكا 11: 24،25) وربما كانت تلك الحامية السلوقية قد منعت يهوذا من ذلك.
ومن هنا أرسل
المكابى
فرقة من الجنود تناوش الحامية التى هناك حتى
تشاغلهم عما يدور فى الهيكل من تجديد وتطهير.

وعند بدء التطهير أتى يهوذا بكهنة لا عيب فيهم (لاويين 21: 17-23) وجاءت في العبرية
" تميميم"، وباليونانية "
amwmouj". فنزعوا "حجارة التدنيس"، ولا يُعرف بالضبط معنى التعبير، هل هى بعض
المبانى أو المذابح التى أقامها الوثنيون للإله زيوس أو بعض حجرات استخدموها فى
الطقوس الوثنية ؟ إلاّ أنه ومهما كان من أمر هذه الحجارة
، فقد حسم الأمر بإلقائها فى مكان بعيد، وربما
كان
"وادى قدرون" (وادى هنوم) وهو الوادى الكائن بجوار الهيكل وكانت تلقى
فيه القمامة والقاذروات، وفيه ُالق
يت من قبل التماثيل التى ضلّ ورائها بنى اسرائيل زماناً
(مكان غير طاهر/ آية 43). أكدت المشنا هذا الفعل إذ ورد: "… في الجانب
الشمالي الشرقي دفن أبناء الحشمونيين حجارة المذبح الذي دنسه ملوك اليونان
"(مدوت 1: 6)
.

غير أن المشكلة الحقيقية التى واجهتهم هى حجارة مذبح المحرقات والتى
تنجست بإقامة مذبح وثنى فوقها قدمت عليه ذبائح وثنية،
إذ أنه
وبحسب ما ورد في الشريعة، تحتم على اليهود أن يهدموا أي مذبح في نطاق أرض الموعد
يكون قد تنجس بعبادة الأوثان، على ألاّ يفعلوا ذلك بمذبح الرب !، وينطبق هذا على
حالتهم تماما (تثنية 12: 2-4).
وتمثلت المعضلة فى أيهما أقوى:
التقديس السابق
(في عهد سليمان) أم التدنيس
اللاحق
(من خلال السلوقيين)!! ثم قرّ رأيهم (مشورة صالحة) على
جمعها فى مكان ما
، فى جبل الهيكل إلى أن يأتى
نبى يخبرهم عما يصنعونه بها، إذ لم يكن هناك نبي كما كان فى السابق، لقد كان آخر
نبى عرفوه هو ملاخى. هذا وقد أشار السفر مراراً إلى توقف النبوة (9: 37 و 14 : 41
وما بعده) راجع أيضا (مزمور 74 : 9 و 77 : 9 و مراثى 2 : 9 و حزقيال 7 : 26).

وبهذا لم يفعلوا هنا ما ُيفعل في حالة المذبح الوثني. إذ كان يجب سحق
حجارته (ملوك ثان 23: 12 قارن مع 21: 5 و 23: 15 و أخبار الأيام الثاني 34: 4،7)

ثم أخذوا حجارة جديدة غير منحوتة كما يقضى
التقليد الكتابى (خروج 20 : 25) وبنوا مذبحاً مكانه، ثم رموا ما تهدّم وأصلحوا ما
فسد وأكملوا ما ضاع،
وُيقصد بالتقديس الوارد
هنا في (آية 47): التطهير لا المسح بالزيت، كما في
خروج 30: 22-29 و 40: 9)(1). أما الآنية التى صنعوها فهى تلك التى ُيحمل فيها البخور
والماء والدم والسكائب والملح، ثم الرفوش والملاقط والسلالم المتحركة لإنارة
المنارتين، وغيرها. ومن المحتمل أن يكونوا قد رفعوا الأجزاء القابلة للنقل مثل
المنارتان ومذبح البخور ومائدة خبز الوجوه، وهى أجزاء يمكن تحريكها بالفعل، فربما
كانوا قد احتفظوا بها منذ وقت تدنيس الهيكل حتى اعادة تدشينه، بينما يمكنهم بسهولة
تغيير الستائر، والتى تفصل بين موضع وآخر وعلى ال
أبواب وغيرها، وبذلك عوّضوا الخسائر الناتجة عن اساءة السلوقيين إلى الموضع (1مكا 1: 22،4:
28)
راجع أيضا (خروج 25 : 31 – 39 و30 : 1 – 10 و 25: 23– 30).

ويشير يوسيفوس إلى أنهم اتبعوا في التدشين
الطقس الذي أتمه موسى في تدشين الخيمة، وربما كانوا قد أحضروا في ليلة 25 كسلو:
الشمعدان ذو الُشعب ومذبح البخور والمائدة إلى القدس الداخلي، وقدموا البخور
وأضاءوا السرج ووضعوا خبز التقدمة، وأما الذبيحة فقد أحضروها في صباح اليوم
التالي، وبينما عند هذه المرحلة في وقت كل من موسى وسليمان، نزلت نار من السماء
على الذبيحة كدليل على الحضور الإلهي، "الشاكيناه" (خروج 40: 22-27
ولاويين 9 وأخبار الأيام الثاني 4: 19،20 و5: 1 و7: 1) هكذا كان يهوذا ينتظر ومعه
الحشمونيين، معجزة من هذا القبيل، ومن ثم قام الكهنة باشعال النار وتقديم الذبيحة
(آية53) حيث اقتدحوا النار من حجارة ساخنة أو صوّان (2مكا10: 3) وقد اختار شيوخ
اليهود الأجزاء التي تتلى من الشريعة في هذه المناسبة (سفر العدد 7: 1-8: 4).

ولا شك أنه كان منظرا مبهجاً أن تضاء المنارتان
بعد ذلك الظلام الدامس الذى عاش فيه الهيكل وبالتالى الأمة
(أخبار الأيام الثاني 4: 20) وكان ذلك يعبر عن الأمل في
عودة الحضور الإلهي(2)،
وكذلك البخور الذى ُرفع، والأبواق التى انطلقت أصواتها تعلن استئناف العبادة فى
الهيكل.
وكان عمل الكهنة في الهيكل يبدأ قبل الفجر.

 

تدشين الهيكل

52وبكروا فى اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع، وهو
كسلو، فى السنة المئة والثامنة والأربعين، 53وقدموا ذبيحة بحسب الشريعة
على مذبح المحرقات الجديد الذى صنعوه. 54وفى مثل الوقت واليوم الذى فيه
دنسته الأمم، فى ذلك اليوم دشن بالأناشيد والعيدان والكنارات والصنوج. 55فجثا
كل الشعب وسجد وبارك السماء التى وفقته. 56وأتمّوا تدشين المذبح فى
ثمانية أيام وقدموا المحرقات بفرح وذبحوا ذبيحة السلامة والحمد. 57وزينوا
واجهة الهيكل بأكاليل من
الذهب
وبشارات، وجددوا المداخل والغرف وجعلوا لها أبوابا. 58فكان عند الشعب
سرور عظيم جدا وأزيل تعيير الأمم. 59ورسم يهوذا وإخوته وجماعة إسرائيل
كلها أن يعيد لتدشين المذبح فى وقته سنة فسنة مدة ثمانية أيام من اليوم

الخامس والعشرين من شهر كسلو، بسرور وابتهاج.

لماذا
تأخر تطهير الهيكل:

 يعد تطهير الهيكل وتدشين المذبح، وهو ما يسمى
اصطلاحاً بعيد التجديد، من أهم الأحداث فى تاريخ اليهود، وقد أصبح عيداً قومياً
وشعبياً
بقدر أهميته الدينية، إذ ارتبط العيد
بالانتصارات المتلاحقة التى أ
حرزها اليهود على السلوقيين الذين دنّسوه، محاولين محو
الهوية الدينية اليهودية.

يلاحظ أنه رغم انتهاء حملة ليسياس في الربيع، إلاّ أن تطهير
الهيكل تم في الخريف (ديسمبر) ولم يكن يهوذا بالطبع ينتظر أمرا ملوكيا من أنطيوخس
للسماح له بذلك، ويبدو لنا أن هذا التأخير كان بناءا على رغبة اليهود التقاة
(الحسيديين ولاسيما القادة الدينيين) والذين رأوا أن ينتظر الشعب حتى يحقق الله
النبوات عن غزو أنطيوخس لمصر (دانيال 11: 40-45/أ) وقبل أن يحدث زمان الضيق الذي
لم يكن مثله (دانيال 12: 1) وحدوث الزلازل والكوارث الطبيعية، الُمشار
إليها
في سفر موسى الأبوكريفي (10: 1-6)
وينتهي عهد الهيكل المصنوع بيد
انسان، وتأتي نهاية الاضطهاد وينزل بأنطيوخس حكم البلاء (دانيال 7: 11،22،26
و
11: 45/ب) وعقابا ينزل بالأمم (سفرموسى 10: 1-6) واليه
ود
الأشرار
(أخنوخ 90: 26،27) وتكون نهاية امبراطورية السلوقيين وبداية
امبراطورية القديسين الأبدية (دانيال 7: 11-14،22،26،27 و أخنوخ 90: 30) وينزل
هيكل الله من السماء إلى أورشليم ليحل محل الهيكل الذي تدنس والذي ُشيد بيد
الانسان (أخنوخ 90: 28،29).

وتعلل التقاة بأنه لا توجد في المقابل نبوة عن تجديد الهيكل بأيدي
بشرية، وبالتالي فمن الجرأة تجديد الهيكل كان الله نفسه سيزيله ويستبدله، وكانت
هناك نبوة بأن الله ذاته سوف يحطم جميع الأصنام (موسى 10: 7). في المقابل لم يقتنع
المكابيون (القادة العسكريين) بذلك، وانتظروا حتى يثبت عدم تحقيق هذه النبوات التي
ينتظرها التقاة !!.

التوقيت الذي يجب فيه التطهير:

          كان التاريخ الذي سيعمل فيه الله ضد
أنطيوخس أبيفانيوس، طبقا لما ورد في (دانيال 7: 25) هو أول السنة السبتية، والتي
كانت تبدأ في تشري (الشهر السابع من السنة اليهودية) على الرغم من أن الطوائف
اليهودية اختلفت على بداية السنة: هل تبدأ أول تشري
Rosh ha- shanah أو يوم التكفير Day of atonment (راجع لاويين 25: 8،9).

          وكان بامكان السلطات الدينية العليا تعديل مواعيد الأعياد،
وفي المقابل لم يكن المسئول المدني قادراً على تغيير ذلك وفقا لمشروعاته، غير أنه
من غير المعروف إن كان بامكان القادة الدينيين في ذلك الوقت القيام بذلك، أي تنظيم
التقويم الطقسي (دورة الأعياد) كما هو واضح من الخطاب العيدي في (2مكا 1: 1-10).
وهكذا لا يوجد دليل على أن اليهود استطاعوا تغيير التقويم آنذاك(1).

أعمال التطهير:

في البداية رأى يهوذا ورجاله أن ُيخرجوا من فناء الهيكل: (النافذة
الشعرية) التى كانت مستخدمة في الطقوس الجنسية المتصلة بالعبادة الوثنية، ولم تكن
في البداية ُمعتبرة نجسة لأن النجاسة كانت ترتبط بالأواني المعرّضة للتدنّس
(لاويين 15: 16-18) ولكن اكتشاف مجوهرات في تركيب النافذة فتحت مجالاً للشكّ،
وربما كان اليهود ينتظرون أن يدمرها الله حسبما يشير ميخا (1: 7) ولم يبدأ يوشيا
الملك في تدمير المباني المعدة لممارسة الدعارة الطقسية إلاّ بعدما أخرج الأصنام
والأدوات الخاصة بذبائح الأوثان (ملوك ثان 23: 4-7) وبناءا على ذلك قام اليهود
بتدمير النافذة في 23 من شهر: "مارهيشفان" وربما استغرقت عملية التطهير
عدة أيام، وعندئذ أمكن تقديم تقدمة للرب من الدقيق على المذبح يوم 27 من شهر:
مارهيشفان(2).

بينما ُتركت الأصنام الموجودة
أمام أبواب المنازل الخاصة (1مكا1: 55) دون تحطيم بناءا
على اصرار التقويين
على أن يحطمها الله في أول السنة السبتية الصحيح، وأفادت "مجلة تاعنيت"
بأنه في يوم 3 كسلوُازيلت الأصنام من أمام المنازل.

وظل يهوذا واليهود حتى يوم 22 من شهر كسلو، لعل الله يتدخل بشكل
مباشر لتدشين الهيكل، فلما لم تحدث المعجزة ثبت بوضوح أن ما تخيله التقاة على أنه
نبوات في هذا الشأن لم يكن صحيحا. وربما تشير الآية 26 ( إلى أن يأتي نبي
"حقيقي") إلى المرارة التي أحسها التقاة آنذاك تجاه النبوات الكاذبة.

من ثم لم يكن ثمة داع لتأجيل تدشين المذبح، واستئناف
العبادة الكاملة بما في ذلك تقديم الذبائح، ووفقا للتقويم الكبيس كان قد انقضى
ثلاث سنوات منذ التدنيس الذي حدث على يد السلوقيين في 15 كسلو، ولم يبقَ على اليوم
الخامس عشر – وهو المعد الشهري للذبائح الوثنية – سوى يومين (راجع 1: 54-56) ولعل
يهوذا ُاعجب بأن يكون موعد الذبيحة الأولى بعد التطهير، هو نفس الموعد
عندما قدمت فيه أول ذبيحة لـ"زيوس" أى فى الخامس
والعشرين منذ سنوات ثلاثة مضت (سنة 167ق.م
/راجع 1: 59). بل وفى نفس التوقيت من النهار، ويحدّد
سفر دانيال المدة من بداية إبطال المحرقة الدائمة وتطهير الهيكل: 1290
يوماً، أى ثلاث
سنوات ونصف
(انظر صفحة 29).

وكانت مدة اليومين كافية للاعداد لهذا اليوم العظيم، وبالمقارنة مع
مناسبات التدشين السابقة في الكتاب المقدس، فقد دشنه سليمان في زمن موسم المظال (ملوك أول 8: 2،65،66 و أخبار الأيام الثاني
5: 3 و 7: 8-10). أما في أيام زربابل فقد كان تدشين المذبح من أجل الذبائح
الاجبارية
يتزامن مع عيد المظال (المشناه / مواعيد) أي سبعة أيام المظال
يضاف إليها اليوم الثامن وهو يوم الاجتماع المقدس. أما موسى فقد ُدشن المذبح
المتنقل لمدة ثمانية أيام في أول الشهر الأول من العام اليهودي " نيسان"
(خروج 40: 2، 17 و لاويين 9: 1،17).

أما وأن ُيدشن الهيكل هنا بعد التدنيس الدي تعرّض له، فهو وضع مشابه
لما حدث في أيام أحاز (أخبار الأيام الثاني 28: 22-30: 27) حيث قام الكهنة بقيادة
حزقيا بتطهيره لمدة ثمانية أيام، اعتبارا من اليوم الأول حتى الثامن من الشهر
الأول، وقدسوه ثمانية أيام أخرى اعتبارا من اليوم التاسع وحتى السادس عشر (أخبار
الأيام الثاني 29: 17-36) حيث قدموا الكثير من المحرقات والذبائح في اليوم الأخير،
ولكن الشهر الأول كان ما يزال بعيدا بالنسبة للمكابيين، إلاّ أنه فلكيا كان ما
يزال موسم المظال مستمراً (1).

وقد اشتملت احتفالات التدشين على مزامير الهلليل (مزامير 113 – 118)
وتسمى الأناشيد وذلك بمصاحبة العيدان (جمع عود) والكنارات (آلة موسيقية بسيطة مثل
الربابة) راجع (نحميا 12: 27 و أخبار الأيام الثاني 5: 13)
وربما
اشتمل الاحتفال على صلوات شكر مرتبة أصلاً أو رتبت خصيصاً لهذه المناسبة، وتحولت
مع الوقت إلى جزء من الطقس.

 

وأماّ الذبائح التى قدموها فهى:

محرقة: ويقدمها الشعب أو الإنسان عوضاً
عنه، وتحرق بكاملها، وتشير إلى الرب يسوع الذى قدم نفسه عنا، وهى أساس كل الذبائح.

ذبيحة سلامة (أو شكر): وكانت تقدم عرفاناً وشكراً لله واعترافاً بفضله، وفى حين تحرق
ذبيحة المحرقة كلها، فإن ذبيحة السلامة كان يأكلها مقدمها مع ذويه بعد أن يهب
الكاهن نصيبه، وذلك فى نفس اليوم، ويقدم معها فطير.

ويذكر يوسيفوس أنهم طلبوا من الله أن يرسل ناراً من السماء، فخرجت
نار من الحجارة فأحرقت الذبيحة، ومن هذه النار أوقدوا المنارتين وقد استمرت هذه
النار حتى خراب الهيكل فى سنة 70م على يد الرومان، ولعلّ يوسيفوس يقصد بهذه النار
تلك التى خرجت من سائل
النفطار
، الذى عثروا عليه حيث كانت الأوانى قد ُاخفيت
(كما سيجىء فى 2 مكا1).

وقد ُاكمل هذا الاحتفال المبهج والمهيب بتزيين واجهات الهيكل وتعليق
الشارات، وقد اعتاد اليهود تزيين المدخل بالشمعدانات وعناقيد العنب، وفى هيكل
هيرودس كان حجم عنقود العنب على جدران الهيكل بحجم الرجل، ومن غير المعروف ماذا
كانت تلك الشارات والتى تشبه الأعلام.

 

عيد التدشين (التجديد):

من ثم قررّ اليهود أن يكون هذا الاحتفال عيداً يحتفلون به من عام إلى
عام –
وهم يضعون هنا أسس الاحتفال بالعيد (آية 55،59) – يعيّدونه
ثمانية أيام يتخللها مزامير الهلليل، يحملون فيه أغصان الزيتون وسعف النخل مثلما
يحدث فى عيد المظال أو ال
أكواخ، حيث
دُشن هيكل سليمان فى عيد المظال (ملوك أول 8 : 2، 62 – 66) وكانوا يضيئون الُسرج
وهو الذى أعطى لهذا العيد اسمه
: الأنوار
(الحانوكا) رمز الشريعة، وُتوضع السرج هذه فى ُكوى البيوت، مما جعل للعيد شعبية
حتى بعد خراب الهيكل سنة 70م.

 

تسمية العيد:

          ورد هذا العيد في مجلة "تاعنيت" في التلمود تحت
اسم عيد التدشين، "حانوكا
Ha nukkah". فالأصل العبري للفعل " يدشّن hnk " يشير إلى تقديس مذبح جديد فقط، في
حالة أن التدشين تمّ بواسطة نار معجزية من السماء (مثلما حدث في أيام موسى
وسليمان). وفي سفر المكابيين الثاني ورد اسم محايد
للعيد: (أيام المظال في شهر كسلو) ربما لم يكن الاسم مقبولاً لدى الحشمونيين في
البداية، بسبب تشابهه المشئوم مع اسم احتفال يربعام (ملوك أول 12: 32،33) بل أنه
كان أقل قبولاً من خلفاء الحشمونيين بسبب أن التقاة كانوا يرفضونهم بصفتهم: يربعامات
معاصرين !!(1).

          وقد أطلق سفر المكابيين الثاني على
العيد تسميتي: "تطهير الهيكل" (2مكا 2: 16 و 10: 5) و " تدشين
المذبح" (2مكا 2: 19). أما يوسيفوس فإنه لا يستخدم الكلمة اليونانية "
يدشّن
enkainizein " بل تعبير يفيد الاستئناف أو الاعادة والتجديد،
كما أطلق عليه اسم: السرج أوالأنوار.

كيف كان اليهود يحتفلون به فى عهد السيد المسيح(2):

كان العيد يبدأ كالعادة فى الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كسلو)
ويستمر لثمانية أيام، وفى كل يوم كانوا يسب
ّحون
"الهلليل" بينما يأتى جمهور المصلين حاملين سعف النخيل مع بعض الأغصان
الأخرى، وكان الهيكل يضاء بالأنوار فى جميع جوانبه، وكذلك كانت البيوت، وهذه
الطقوس الثلاثة (التهليل والأنوار والأغصان) هي القاسم المشترك بين العيدين،
أي
عيد المظال وعيد التدشين
(وقد شرحنا ذلك فى تعليقنا على
رسالة يهود أورشليم إلى يهود مصر فى بداية
السفر الثانى للمكابيين) فكما ُادخلت عادتا ترنيم الهلليل وحمل الأغصان إلى عيد
التجديد، ُادخلت فى المقابل عادة ال
إضاءة إلى عيد المظال (راجع2 مكا10 : 6) هذا
وربما تكون بعض الجماعات المسيحية فى الغرب قد تأثرت بمظاهر الاحتفال بعيد
التجديد، وذلك فى احتفالاتها بميلاد المسيح (احتفالات الكريسماس) فهو عيد تجديد
الهيكل (هيكل البشرية) الذى جد
ّده الله بواسطة هيكله هو من خلال ميلاده، راجع (يوحنا 2:
19).

 

أما عن كيفية إنارة الهيكل، فإن التقليد ُيفيد
بأنه بعد السبى واعادة ترميم الهيكل
، وعندما
أرادوا انارة المنارة الذهبية، عثروا على قنينة زيت واحدة مملوءه زيتا نقياً
ومختومة
بختم رئيس الكهنة وكانت مخص
ّصة
للمصابيح، ومع أن تلك الكمية لم تكن كافية إلاّ ليوم واحد، فقد حدثت المعجزة حين
بارك الرب الزيت وبقيت القنينة ممتلئة لمدة ثمانية أيام، ولهذا السبب صدر الأمر
بإنارة الهيكل والمنازل لمدة ثمانية أيام أيضا.

هذا وقد اختلفت طقوس الاحتفال بالعيد من حيث التفاصيل، فإما أن
يشعل
رب البيت شمعة واحدة لكل افراد الأسرة وإماّ شمعة لكل فرد، ومتى كان
متدي
ّنا فإنه يشعل لكل فرد شمعة فى كل ليلة بحيث إذا كان افراد الأسرة
عشرة فإن الاحتفال يبدأ بعشر شمعات فى اليوم الأول، وفى اليوم التالى يرتفع إلى
عشرين شمعة، وهكذا يصل عدد الشموع فى نهاية الاحتفالات
فى
اليوم الثامن – إلى ثمانين شمعة. كان هذا طقس مدرسة هل
ليل،
وأما مدرسة شم
ّاى (شمعي) فقد أوصت بترتيب عكسى للسابق، وأمّا طائفة القرائين فلم
تمارس الاحتفال بالعيد أصلاً
(1).

 

ولم يكن مسموحاً بالصوم بوجه عام فى ذلك اليوم
مثل يوم البوريم أيضا، هذا وقد اقترح دكتور هيرزف
يلد Dr.Herzfeld وهو كاتب يهودى معروف أن عيد الأنوار جاء لإحياء ذكرى هبوط النار من السماء على المذبح فى
هيكل سليمان (أخ
بار الأيام الثاني 7 : 1).. غير أن أعظم حدث جرى فى هذا العيد، هو اشتراك
المسيح فيه فى الهيكل (يوحنا10: 22).

الاحتفال بعيد الحانوكا الآن:

نظرا لوقوع العيد فى نفس توقيت عيد الكريسماس فى
الغرب، فقد اتسمت إحتفالات اليهود بطابع مسيحى، فالشمعدان أو
"المينوراه" يقابل شجرة الكريسماس، كما أن الهدايا التى توزع على
الآخرين تشبه هدايا "بابا نويل" التى تُوهب للأطفال، وهكذا مع الوقت
أصبح العيد شعبياً علمانياً أكثر منه دينياً، حتى أصبحت المينوراه تسمىّ
"شجرة الحانوكا" كما ظهر ما يسمى "العم ماكس رجل الحانوكا"(1)
ويقابل "سانتا كلوز" موزع الهدايا لدى المسيحيين. وهكذا اختفت الأدعية
والنصوص الكتابية التى تتلى في
عيد التجديد – كما سبق
الاشارة – ليتحول العيد إلى عيد قومى يعبر عن اليهودية.

 

والآن
وفى هذه المناسبة من كل عام توقد الشمعدانات الضخمة فى الميادين العامة، وتنظ
ّم مواكب ضخمة
من السيارات والتى تحمل الشمعدانات فوقها، وفى بعض العواصم الأوربية مثل باريس،
يصل الموكب إلى ميدان كبير مثل "كونكورد" حيث ينزل الناس من سياراتهم
مكوّنين دائرة كبيرة يشترك فيها المئات منهم، يرقصون ويغن
ّون فى صخب شديد وأما فى اسرائيل فيصعد آلاف
الشبان إلى قلعة ماسادا خلال تلك الاحتفالات.

 

اجراءات وقائية بعد
التدشين

 60وفى
ذلك الزمان بنوا على جبل صهيون من حوله أسوارا عالية وبروجا حصينة، لئلا تجىء
الأمم وتطأه كما فعلت من قبل.
61وأقام
يهوذا هناك جيشا يحرسه، وحص
ّن بيت صور،
حتى يكون للشعب معقل تلقاء أدوم.

 

هكذا حققت الثورة المكابية فى مرحلتها الأولى
والتى توصف بأنها "حرب للرب ومقدساته" – الهدف الأسمى لها
وهو استعادة الحرية الدينية، واستمر الحال هادئاً فى اليهودية خلال الفترة من 164 –
162ق.م بسبب موت أنطيوخس أبيفانيوس وما رافق ذلك من تبعات، وقد ظل اليهود يستمتعون
بهذه الحرية الدينية حتى أيام السيد المسيح، إلى أن
ُدمر
الهيكل سنة 70م.

 

ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية من كفاح المكابيين والتى يمكن وصفها
بـ"حرب الطمع والاتساع والضلالة"(1) ولكن وبينما أعانهم
الرب فى المرحلة الأولى، فقد عانوا هم فى المقابل كثيراً فيما بعد، حتى وصل الأمر
بهم إلى استعداء
فريق منهم الحكام
السلوقيين على الفريق الآخر، وذلك عندما انقسموا إلى فريقين رَسَمَ العداء العلاقة
بينهما.

 

هذا وقد اتّخذ يهوذا
المكا بي بعض الاجراءات الوقائية لحماية الهيكل حتى لا يتعرض للتدنيس مرة أخرى،
حيث أحيط جبل صهيون بسور عالٍ وبروج للمراقبة والدفاع، وأم
ّا
بيت صور فقد حصنها لتكون "خط دفاع لليهود" مقابل الخطر الآتى من جهة
منطقة أدوم.

 

"..
ثم أتى أولادك إلى قدس أقداس هيكلك، وطهروا صحن معبدك وطهروا مقدسك وأضاءوا السرج
في ساحاتك المقدسة، وأقاموا أيام التدشين الثانية هذه "

(واحدة من
الصلوات التي صارت جزءا من طقس عيد التدشين)



(1) انظر التعليق على الآيات: (26-35 ) من
هذا الأصحاح114.

(1) وكانت
استراتيجية ترك النار مشتعلة لخداع العدو: شائعة في قصص الحرب اليونانية (راجع
1مكا 12: 28،29).

(1) قارن أيضا إشعياء 49:
24 و صموئيل أول 17: 46. وهو ما ذكر صراحة في 2مكا 8: 16-20 (راجع ايضا إشعياء 36
و 37 و ملوك ثان 18: 13-19.

(1) لمزيد من التفاصيل عن
تلك الحفريات: انظر تعليق يوناثان أ جولدشتاين على السفر – ص264و265.

(1) دائرة
المعارف الكتابية – ج 1/ص 305.

(1)
إلى هذه الحملة أشار كتاب أخنوخ الأبوكريفي (90: 15)"
ورأيت سيد الخراف يأتي اليهم غاضبا. فالذين رأوه فرّوا هاربين، وأمام وجهه وقع
الجميع في الظلمات" انظر كتاب مخطوطات قمران – كتابات ما بين العهدين. ج2
/ص98 وكذلك هامش هذه الآية في ص 156. دار الطليعة الجديدة- دمشق1998.

(1) راجع:
(ميخا 7: 16 و لاويين 26: 36 و تثنية 28: 65 و صموئيل أول 10: 26 و يشوع 5: 1 و
مزمور 9: 11،12 و 107: 26،27).

(1) لمزيد من التفاصيل،
راجع توسفته: عابودا زاراه
Aboda zarah Tosefta
والتلمود
البابلي:
Makkat, 2,9، ومشناة
ميدات.

(2)
وبعكس ذبيحة المحرقة يمكن اضاءة السرج في أي موضع، كطقس تذكاري خارج
المقدس (استير 8: 16).
انظر مشناة "تاميد" (1: 1-3: 3).

(1) لمزيد من التفاصيل عن
التقويم اليهودي في تلك الحقبة، انظر تعليق يوناثان أ.جولدشتاين على 1(مكا4: 36).

(2) هذه المعلومات مأخوذة
عن مجلة تاعنيت/ التلمود.

 

(1) هناك الكثير من الآراء
حول مواعيد الاحتفال بالتدشين، وعدد أيام ذلك، سواء في أيام سليمان أوموسى أو حزقيا
أو المكابيين. راجع في ذلك: تعليق يوناثان أ جولدشتاين ص / 276 280,

(1) راجع تعليق يوناثان أ.
جولدشتاين / ص282.

(2) راجع كتاب الهيكل.
ألفريد هيدرشيم /اعداد المؤلف- ص 298، 299.

(1)
حاول
بعض العلماء الربط بين تعليم كل من مدرستي شمعي وهلليل بخصوص ايقاد الشموع، وطقوس
أحد الأعياد الوثنية في عصر المكابيين، وهو العيد المسمى: "انقلاب الشمس
الشتائي" حيث أطلق أنطيوخس أبيفانيوس اسم هذا العيد على مناسبة تدنيس الهيكل.
ويقضي الطقس في ذلك العيد بايقاد سراج واحد في اليوم الأول، على أن يضاف إليه في
كل ليلة تالية سراجا آخر أو أكثر حتى احتفال ثمانية أيام،كرمز للشمس المستعيدة
ضيائها. ولكنه وبينما استخدم اليهود تقويما قمريا، اسنخدم الرومان تقويا شمسيا،
كما أن احتفال 25 كسلو اليهودي يقابل 25 ديسمبر الروماني والمعروف بعيد ميلاد إله
الشمس
sol. Incevitus والذي
ُيحتمل أن يكون قد ُصدّر إلى روما من سوريا.. ومن هنا عكست مدرسة شمعي عدد الشموع.
ولكن عيد التدنيس 15 كسلو= 6 ديسمبر، ويوم 25 كسلو = 16 ديسمبر، بينما عيد الشمس
بعيد عن كليهما، لا سيما في أيام يهوذا. وهكذا فلا أساس لهذه الفكرة.

(1) موسوعة
اليهود واليهودية والصهيونية. عبد الوهاب المسيرى. ج5/ص 266.

(1) تاريخ
إسرائيل/ القمص متى المسكين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي