تَفْسِير
إِنْجِيلِ مَتَّى

القمص
متى المسكين

مطبعة
دير القديس أنبا مقار – وادي النطرون

 

المحتويات

المقدِّمة

تقديم: إنجيل القديس متى

القديس متى الرسول

أولاً: التقليد القديم الخاص بكتابة إنجيل القديس متى

1 – الأصالة الرسولية للإنجيل واللغة التي كُتب بها

2 – تاريخ كتابة الإنجيل

3 – أنطاكية المدينة التي صدر فيها الإنجيل

ثانياً: مميزات إنجيل القديس متى وأسلوبه في الكتابة
والتعليم

1 – أهم المميزات:

( أ ) – التخطيط السابق

(ب) – إنجيل تكميل النبوات

( ج ) – إنجيل المسيَّا الملك الآتي كوعد الله لداود

( د ) – إنجيل ملكوت السموات

( هـ ) – إنجيل الإكليسيا بالدرجة الأُولى

( و ) – إنجيل الأمور الأخروية

( ز ) – الإنجيل الوحيد الذي جُمع وكُتب بالعبرانية

( ح ) – الإنجيل الذي حمل رسالة الأُمم قبل أن يُحبل بالمسيح
في البطن

( ط ) – إنجيل طفولة الرب يسوع

2 – تفوق القديس متى في فن التعليم والتبويب والتلقين

3 أسلوب القديس متى

ثالثاً: منهج القديس متى في تقديم المعجزات والأمثال

1 المعجزات في إنجيل
القديس متى

2 الأمثال في إنجيل
القديس متى

رابعاً: المفاهيم اللاهوتية الأساسية في إنجيل القديس متى

1 – المسيَّا في إنجيل القديس متى

2 – ابن الإنسان في إنجيل القديس متى

3 – العهد القديم كخلفية لإنجيل القديس متى

w الآيات التي اقتبسها القديس متى من العهد القديم

4 – موقف المسيح من الناموس في إنجيل القديس متى

5 – ملكوت السموات وتحقيقه بين الحاضر والمستقبل في إنجيل
القديس متى

خامساً: تبويب محتويات إنجيل القديس متى

 

شرح الإنجيل

الأصحاح الأول:

العهد الجديد، ما هو

جدول أنساب المسيح

ميلاد يسوع المسيح

 

الأصحاح الثاني:

حكماء من المشرق: البشرية تقدم عبادتها وخضوعها لله
المتجسِّد عمانوئيل

الهروب إلى مصر

قتل أطفال بيت لحم: البشرية تقدِّم جحودها من نحو الله
المُنعِم

العودة من مصر والسكنى في الناصرة

 

الأصحاح الثالث: بدء القسم الأول من
خمسة أقسام الإنجيل

ظهور يوحنا المعمدان وخدمته

عماد يسوع المسيح من يوحنا

 

الأصحاح الرابع:

تجربة المسيح

خدمة الجليل الممتدة:

( أ ) بداية الخدمة

(ب) دعوة الأربعة تلاميذ من صيد السمك إلى صيد الناس

( ج ) المسيح يعلِّم ويعظ ويشفي

 

الأصحاح الخامس: الحديث الأول الكبير:

العظة على الجبل الحديث
الأول المطوَّل

شهادات عن العظة على الجبل

المدخل لشرح العظة

مواطنو الملكوت: التطويبات علاقتهم بالعالم:
ملح ونور

بر الملكوت إزاء بر الناموس

المقابلات الست بين الناموس والمسيح

 

الأصحاح السادس:

تمهيد للأصحاح السادس

البر الأخلاقي السلوكي

(1) من نحو الفقير

(2) من نحو الله

§ الصلاة الربَّانية

(3) من نحو النفس

(4) من نحو العالم والجسد

 

الأصحاح السابع:

حياة المدعوين إلى بر الملكوت

( أ ) لا سماح لأولاد الله أن يدين بعضهم البعض

(ب) لا استهانة بالمقدَّسات

( ج ) الأسئلة الثلاثة واستجابتها الحاضرة

( د ) الباب الضيق والطريق الكرب المؤدِّي إلى الملكوت

( هـ ) نصائح لبني الملكوت. الأنبياء والمعلمون الكذبة

( و ) كيف تُصفَّي أعمال الناس ليتم اختيار الصالحين لدخول
الملكوت

نهاية القسم الأول من خمسة أقسام الإنجيل

 

الأصحاح الثامن: بدء القسم الثاني من
خمسة أقسام الإنجيل

قسم المعجزات في إنجيل القديس متى:

تطهير الأبرص

شفاء غلام قائد المائة

شفاء حماة سمعان وآخرين كثيرين

فصل قصير بين معجزات الشفاء : من شروط تبعية المسيح

أمر فهدأت العاصفة والبحر سكت

إلى كورة الجرجسيين

 

الأصحاح التاسع:

إبراء الرجل المفلوج

دعوة القديس متى صاحب الإنجيل

السؤال عن الصوم

إقامة ابنة رئيس من الموت. وشفاء امرأة نازفة دم

أعميان على الطريق

إبراء رجلٌ أخرس مجنوناً به شيطان

الحصاد كثير والفعلة قليلون

 

الأصحاح العاشر: الحديث الثاني الكبير:
إرسالية الاثني عشر

دعوة التلاميذ وإرسالهم

مقدمة الإرسالية وأسماء الاثني عشر

تعاليم المسيح للاثني عشر

 

الأصحاح الحادي عشر: بدء القسم
الثالث

شكوك المعمدان وردُّ المسيح

ويل للمدن التي سمعت تعاليم المسيح ولم تستجب

المسيح يشكر الآب لاستعلان حقيقة المسيَّا

دعوة للراحة

 

الأصحاح الثاني عشر:

الرب يؤكِّد سلطانه كرب السبت

فتاي الذي اخترته

معجزات المسيح لتحطيم صورة الشيطان

طلب عمل الآية المرفوضة

من هم أهل بيته

 

الأصحاح الثالث عشر:

الحديث الثالث الكبير: أمثال الملكوت:

حقائق عامة هامة في منهج المسيح التعليمي

مَثَل الزارع

مَثَل الزوان

مَثَلا حبة الخردل والخميرة

النبوات تتحدَّث عن أمثال المسيح

ثلاثة أمثال قصيرة وثمينة

اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن

شبكة أُلقيت في البحر

الكاتب المتعلِّم في ملكوت السموات

كتبة العهد الجديد علماء وحكماء ودارسو ملكوت

نهاية القسم الثالث

عودة المسيح إلى وطنه: بدء القسم الرابع

 

الأصحاح الرابع عشر:

حفلة هيرودس ورقصة الموت. ومقتل المعمدان الحزين

معجزة إطعام الجموع من خمس خبزات وسمكتين

المشي على الماء

أشفية على بحيرة جنيسارت

 

الأصحاح الخامس عشر:

الطهارة الشكلية والنجاسة الحقيقية: غسل الأيدي

دفاع الكنعانية!

شفاء الجموع

إشباع الجموع للمرَّة الثانية: إطعام الأربعة آلاف

 

الأصحاح السادس عشر:

علامات الأزمنة

الخميرة وتعليم الفريسيِّين

اعتراف القديس بطرس وأثره في رواية الإنجيل

أول نبوَّة عن الآلام

 

الأصحاح السابع عشر:

التجلِّي

شفاء الولد المصروع

التنبُّؤ الثاني عن الآلام

دفع ضريبة الهيكل

 

الأصحاح الثامن عشر: الحديث
الرابع الكبير:

قامة الطفولة شرطٌ للدخول
إلى الملكوت

العثرات والدخول إلى الملكوت

الغفران والمسامحة أساس للدخول إلى الملكوت

مَثَل الخادم غير الرحوم

 

الأصحاح التاسع عشر: بدء القسم
الخامس

تعليم من جهة الطلاق

المسيح والأولاد

الغني الحزين والتلميذ السعيد

 

الأصحاح العشرون:

مَثَل عُمَّال الكرم

التنبُّؤ الثالث والأخير عن آلامه وقيامته

ترجِّي أُم ابني زبدي في أمل بعيد المنال

شفاء أعميين في أريحا

 

الأصحاح الحادي والعشرون:

أسبوع الآلام

الدخول إلى أُورشليم في موكب النصرة

تطهير الهيكل

لعن شجرة التين

بأي سلطان تفعل هذا

العشَّارون يسبقونكم إلى ملكوت الله

محاكمة الكرَّامين الأردياء

 

الأصحاح الثاني والعشرون:

وليمة عُرس ابن الملك

جزية قيصر

في القيامة لمن تكون زوجة؟

أيَّة وصية هي العُظمى؟

ماذا تظنون في المسيح ابن مَنْ هو؟

 

الأصحاح الثالث والعشرون: الجزء الأول
من الحديث الخامس الكبير:

المقدِّمة

وصف خطايا الكتبة والفريسيِّين

الويلات السبعة

بكاء المسيح على أُورشليم

 

الأصحاحان الرابع والعشرون والخامس والعشرون: الجزء
الثاني من الحديث الخامس:

الأخرويات: أمور آخر الزمان

الأصحاح الرابع والعشرون:

التنبُّؤ بخراب الهيكل

الصورة العامة من الظاهر

 lمبتدأ الأوجاع

 lالمعاناة الخاصة من أجل
اسم المسيح

l الكرازة بالإنجيل كعلامة لانتهاء المناداة بالملكوت أي تكميل
الشهادة

خراب أُورشليم والهيكل وحرب الرومان
أول تفصيل لعلامات الحروب والمروعات ونموذج كامل لها

l تحذيرات من ضلالة المعلِّمين الكذبة

l المسيح يؤكِّد صحة ما قاله لمزيد من اليقظة

l تكميل الأوجاع ومخاض العالم الأخير وظهور ابن الإنسان

مَثَل شجرة التين

مَثَل الطوفان

مَثَل لص نصف الليل

 

الأصحاح الخامس والعشرون: المحاكمات
في نهاية الزمان

حديث المحاكمات: عقيدة الكنيسة في كيف تكون الدينونة الأخيرة

مَثَل العبد الأمين الحكيم: محاكمة العبد المستهتر

مَثَل العشر عذارى: محاكمة الخمس عذارى الجاهلات

مَثَل الوزنات: محاكمة العبد الكسلان والشرير

عظة لكل العالم: منظر الدينونة الأخيرة: محاكمة الجداء الملاعين

 

الأصحاح السادس والعشرون:

تقسيم إنجيل القديس متى بحسب رؤية توراتية وموقع موت المسيح
فيه

مؤامرة رؤساء الكهنة

مسحة الموت المعطِّرة للجسد

اتفاق يهوذا مع رؤساء الكهنة

الإعداد للفصح

العشاء الأخير

اتهام يسوع العلني للخائن

عشاء الرب: تأسيس الإفخارستيا لتحل محل الفصح الأخير

محنة التلاميذ: جميعكم تهربون وأولكم ينكرني

صلاة جثسيماني وسر الكأس!

التسليم والقبض

المحاكمة أمام السنهدرين

إنكار بطرس ثلاث مرَّات

 

الأصحاح السابع والعشرون:

قرار السنهدرين بتقديم المسيح للموت وتسليمه لبيلاطس

يهوذا يخنق نفسه: محنة يهوذا وندمه بعد أن زلت قدمه

استجواب المسيح أمام بيلاطس

نطق بيلاطس بالموت صلباً

استهزاء العسكر

الصلب فوق الجلجثة

الموت على الصليب

دفن الجسد

الأمر بحراسة القبر

 

الأصحاح الثامن والعشرون: القيامة
المجيدة

الرب قام والحرَّاس كالأموات

قيامة المسيح من بين الأموات وقيامتنا معه

رشوة الحرَّاس الكاذبة: شهادة ضد القيامة مدعَّمة بالقصة

الوعد والمقابلة، الاستعلان العظيم، الإرسالية الكبرى

إرسالية الكنيسة إرسالية كل الدهور

 

الفهارس

فهرس الآيات الكتابية

فهرس أقوال الآباء والكتاب الكنسيين

الفهرس الموضوعي

 

اعتراف بالفضل لذويه

لقد
طُبع هذا الكتاب في مطبعة دير القديس أنبا مقار بوادي النطرون، وقام بالإشراف على
مراحل طبع الكتاب بداية من النسخة الخطِّية وإعادة تنقيحها وإصلاح الأخطاء فيها،
ومراجعة القواعد العربية ونحو الكلام، ومراجعة الآيات بالعربية، ثم اليونانية،
وإعادة تبويب الكتاب وتنسيق فصوله؛ ثم إخراجه على آلة الكمبيوتر ثم الطابعة
بالليزر،
بالإضافة إلى عمليات التصوير للوحات الواردة بالكتاب من
تصوير وتحميض وتكبير وتصغير، ثم الحفر على اللوحات المحسَّسة للطباعة، ثم دخوله
للطبع على آلة الطباعة الأُوفست، ثم تطبيق أفرخ الورق المطبوع كملازم، ثم تخييط
الملازم معاً ثم التجليد؛ كل هذا قام به الآباء الرهبان الأعزاء الأجلاء، بما
استلزم من جهد وصبر ودقة وفن بلغ على أيديهم أقصى إتقانه.

ونحن إذ نذكر أسماءهم
وهم في غِنَى عن الذكر والذكرى، فسيرتهم مكتوبة في السموات؛ ولكن يطيب لقلب الكاتب
أن ينسب الفضل لأصحابه، فلولاهم ما خرج هذا الكتاب، وما استمتع القارئ بهذا
الإخراج البديع. كان هذا في فاتحة كتاب:
» شرح إنجيل
القديس يوحنا
« وقد تابعوا إخراج
هذا الكتاب “الإنجيل بحسب القديس متى: دراسة وتفسير وشرح” بنفس الروح
وبدافع شركة المحبة التي تجمعنا دائماً.

(الآباء بحسب ترتيب
أقدميتهم الرهبانية، ودور كل راهب في إخراج الكتاب)

الأب إرميا: مراجعة
البروفات والقواعد العربية ونحو الكلام.

الأب يوحنا:مراجعة
البروفات، وصياغة الفهرس الموضوعي.

الأب وديد:تنقيح النسخة الخطية ومراجعة الآيات باليونانية
وإعادة تبويب الكتاب وتنسيق
فصوله.

الأب باسيليوس:المراجعات
الفنية في مراحل جمع وطبع الكتاب.

الأب ديمتري:نسخ النسخة
الأُولى عن المسوَّدة التي بخط المؤلِّف.

الأب برتي:مراجعة
البروفات.

الأب لونجينوس:آلة
الطباعة الأُوفست
آلة تطبيق الملازم آلة القص التجليد.

الأب دوروثيئوس:آلة
الطباعة الأُوفست
آلة تطبيق الملازم آلة القص التجليد.

الأب أخنوخ:جمع النص
على الكمبيوتر.

الأب يسطس:جمع النص على
الكمبيوتر.

الأب دوماديوس:مضاهاة
بروفات الجمع على الكمبيوتر على الأصول المنسوخة للكتاب.

الأب زكريا:تجهيز لوحات
الطباعة.

الأب إبيفانيوس:مراجعة البروفات على الكمبيوتر وعمل فهرس الآيات
وأقوال الآباء.

الأب جيروم:آلة الطباعة
الأُوفست
آلة تطبيق
الملازم
آلة القص التجليد.

وأخيراً نستودع هذا
الكتاب بالمجهود المبذول فيه ليد القارئ، داعين له بالبركة، راجين الله أن يستخدمه
لزيادة المعرفة والتقوى وتمجيد اسم الله القدوس.

دير القديس أنبا مقار

13/4/1999م

 

 

المقدِّمة

تقديم:
إنجيل القديس متى:

الإنجيل الأول بحسب
ترتيب قانون الأسفار، ولكن يبدو أيضاً أن هذا جاء مطابقاً لأولوية تدوينه بحسب
الأبحاث الحديثة جداً، لأن أصوله الأُولى
كما سندرس
معاً
كُتبت
باللغة الأرامية في زمن مبكِّر كأقوال
lÒgia سُجِّلت عن المسيح وبلغته. ويستمد إنجيل ق. متى
أهميته القصوى الآن كونه إنجيل الكنيسة
Ecclesiastical Gospel.
فالكنيسة اعتمدت عليه منذ القديم جداً في تحضير قراءاتها ومواسمها ومراسيمها على
مدى السنة. والذي يُدهش القارئ أن ق. متى وضع هذا في اعتباره وهو يدوِّن ويعلِّق
على كل حادثة ومعجزة وحديث ومَثَل. فالكنيسة كانت مصوَّرة في ذهنه بصورتها
الرسولية الأُولى، بخدَّامها ومُعلِّميها وشعبها. لذلك فهو يُعطي الصورة الحيَّة
للكنيسة الأُولى مع معلِّمها.

وقد قدَّم للكنيسة أغلى
أسرارها، فكان أول مَنْ أعلن سر بتولية ميلاد المسيح بصورة واضحة ومؤكَّدة، من
واقع الحدث وبشهادة إشعياء النبي، في تطابق بديع. بل وهو الذي فتح الباب أمام
ق. لوقا ليستزيد من أسرار الميلاد فاستوفاها من المصدر المقابل، لأن ق. متى
لجأ إلى ق. يوسف أمَّا ق. لوقا فوقع على منبع السر من الطرف الآخر، من العذراء
القديسة الطاهرة مريم، وكأنه قد وقع على كنز من الذهب الإبريز.

كما اهتم
القديس متى باستيفاء كل أخبار القيامة وظهورات الرب، ولكن أكثر ما نحن مدينون
به لإنجيل ق. متى هو استيعابه لكل تعاليم المسيح الأخلاقية التي سعى إليها
حتى جمعها معاً في ثلاثة أصحاحات كاملة: الخامس والسادس والسابع معاً، في عظة
المسيح المشهورة التي ألقاها على الجبل في بكور خدمته. وكأنه في عُرف ق. متى
يُملي الشريعة الجديدة تكميلاً لتلك التي كانت لموسى:
» قد سمعتم
أنه قيل للقدماء… وأمَّا أنا فأقول لكم…
« والذي يصيخ السمع جيداً للقديس متى يتأكَّد أنه كان يرى المسيح
بالفعل كموسى الجديد، وإن علا عليه علو السماء عن جبل سيناء.

والعظة على الجبل كما
جاءت في إنجيل ق. متى جمعت وأوعت تعاليم الرب يسوع درراً ولآلئ باقية إلى اليوم
بنضارتها وإلى باكر والأبد. وهي ترفع المنهج المسيحي في التعليم والتربية والأخلاق
وبنيان النفس إلى أقصى ما يشتهي الإنسان والله.

ومَنْذا يرى المسيح على
الجبل وهو يُملي شريعته الجديدة على ألواح القلب اللحمية ولا يقول إن الله قد صار
معنا! فالقديس متى قدير أن يحقِّق لنا “عمانوئيل” وقد صار معنا في كل مواقف
الإنجيل، إن كان وهو يعظ أو يتجلَّى!! أو وهو يكرز ويقول:
» قد اقترب
ملكوت السموات
«(مت 17:4)، أو حتى
وهو يودِّع تلاميذه الوداع الأخير:
» ها أنا معكم كل الأيام… « بل وفيما بعد ذلك في حياة الكنيسة وإلى الآن: » حيثما اجتمع
اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم
«(مت 20:18).

وهو
إنجيل وُضِع للعبادة، وكلماته تسري في البدن وتسرق الروح. إن سمع كلماته الصبي ظل
يُردِّدها
طول
الحياة، وإن سمعها يهوديّ انفتح قلبه يظن أنه يسمع شرحاً للتوراة وتحقيقاً للناموس
والأنبياء.

فالقديس متى يهوديّ
عاشق لإسرائيل والتوراة والأنبياء، انفتحت عيناه على المسيح فرآه إسرائيل الجديد
والتوراة والناموس الجديد وتحقيق كل الأنبياء. نظر فرأى يسوع الطفل وهو في حضن
أُمه نازلاً إلى مصر ليتغرَّب هناك تغرُّب بني إسرائيل بنفره القليل هناك، وسمع
الصوت هو الصوت:
» ومن مصر دعوت ابني « (هو 1:11، مت 15:2) وكأن هروبه من هيرودس وقد دبَّر قتله كهروب
موسى من وجه فرعون وهو عازم على قتله. وتسمّع الصوت وهو الصوت:
» قد مات
الذين يطلبون نفسك (نفس الصبي)
«(خر 19:4، مت 20:2)، وماذا نسمِّي هذا الحبك في الجمع بين الحادثة
والحادثة ولصق التاريخ على التاريخ لينطق بالإنجيل موقَّعاً على التوراة، إلاَّ
أنها سيمفونية روحية لعاشق القديم يتجلَّى بالجديد، ولا قديم ولا جديد بل هو عمل
القدير طرحه على السنين لتحكيه على الأجيال ليتحقَّقه كل جيل برؤياه، ويمجِّد الذي
قال أنا الأول والآخر البداية والنهاية أو الألف والياء.

والذي يقرأ إنجيل
القديس متى على خلفية عمل الخلاص الذي برز فيه ق. بولس، يدرك من إنجيل ق. متى
القيمة العملية الحقيقية بوضوح وعن قرب لتعاليم المسيح، التي نقلت التراث اليهودي
من وضعه الضيق الخانق إلى التراث المسيحي الرحب الوسيع المفتوح الذراعين والقلب:
» سمعتم أنه
قيل: تُحبُّ قريبك وتُبغض عدوَّك. وأمَّا أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا
لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم.
«(مت 5: 43و44)

كان المسيح على حق
حينما قال:
» لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئتُ لأنقض
بل لأُكمِّل
«(مت 17:5)، لقد
التقطها ق. متى وجعلها محور إنجيله. فالمسيح عند ق. متى هو قوة العهد القديم كما
هو رجاء العهد الجديد. لذلك أصبح منوطاً به أن يحل لغز الناموس الذي كان قد احتل
قاعدة اللاهوت في العهد القديم وأخفق إخفاقاً ذريعاً في التعرُّف على المسيح
“كمسيَّا” رجاء الناموس وقوته وكماله. وهكذا جاء ق. متى ليعلن ويبرهن ويؤكِّد أن
المسيح هو المسيَّا رجاء الناموس وكماله في العهد الجديد.

كان الناموس عاجزاً
عجزاً فاضحاً، لا يستطيع أن يطيِّب قلب الخاطئ ولا يرد الأثيم عن إثمه، إذ لم يكن
في يديه إلاَّ عقوبة الموت. وكأن الناموس كان يصرخ في أيدي قضاته بانتظار الذي
يكمِّله، والكل يشعر بانتظار مَنْ سيأتي ويخلِّص. كان هذا هو شعور المرأة السامرية
التي عبَّرت عن هذا النقص الفادح أعظم تعبير:
» قالت له
المرأة: أنا أعلم أن مسيَّا الذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل
شيء
«(يو 25:4). فرد
المسيح عليها بأعظم رد:
» قال لها يسوع: أنا الذي
أُكلِّمكِ هو.
«(يو 26:4)

كان القديس متى يُدرك
هذا إدراك يهودي لاوي بل وفرِّيسي رابِّي([1])!! لهذا قدَّم
المسيح في إنجيله كأعظم ما يقدَّم لليهود، قدَّمه بصفته المسيَّا، مكمِّل الناموس
وصانع الخلاص والمكمِّل كل نقص! وكلمة “مكمِّل الناموس” عند ق. متى تعني: مَنْ
يُجبر نقصانه ويعطيه قوته وسلطانه، سلطان مغفرة الخطايا والمُصالح الذي يبرِّر
الخاطئ:
» ولا أنا أدينكِ، اذهبي ولا تخطئي أيضاً «(يو 11:8)، وقال للمفلوج: » مغفورة لك
خطاياك… قم احمل فراشك واذهب…
«(مت 9: 5و6). هذا هو مسيَّا الناموس الجديد!

حينما قال المسيح إنه » رب السبت «(مت 8:12)، كشف في الحال عن علاقته بالناموس، فالناموس لم يكن سوى
خادم تدبير الله، أمَّا المسيح فجاء وأثبت أنه صاحب التدبير. وهذه كانت مصيبة
الكتبة والفرِّيسيين إذ كانوا عائشين يعلِّمون ويحكمون بناموس ناقص، لأنهم به
وبواسطته لم يتعرَّفوا على صانعه وربِّه ومكمِّله. لذلك قال المسيح إنهم يعلِّمون
بتعاليم هي وصايا الناس وتقليد الشيوخ (انظر: مت 9:15).

وبقدر ما كان الناموس
عند بولس الرسول مقدساً والوصية صالحة وعادلة، بقدر ما انشغل بولس بالمواجهة
الملتهبة مع الفرِّيسيين والناموسيين، وقطع في تعليمه باستغناء إنجيله عن الناموس
كلياً، ذلك لأن الناموس بلغت قسوته على أيديهم أنه كان يدوس على الخاطئ، أمَّا
الإنجيل فيحمِّله بالنعمة:
» لستم تحت الناموس بل
تحت النعمة
«(رو 14:6)؛
فبالتدقيق نجد أن ما جاهد فيه ق. بولس لكي يُنحِّي الناموس نجح فيه ق. متى بكلمة
واحدة قالها المسيح ليلغي دور الناموس كلياً ونهائياً:
» أريد رحمة
لا ذبيحة
«(مت 13:9، 7:12)، والناموس
لا يقوم إلاَّ على ذبيحة.

كذلك فالناموس لا يعرف
الرحمة قط، فهو عدو الخاطئ والآمر بقتله، والمسيح يقول:
» لم آتِ
لأدعو أبراراً (بالناموس) بل خطاة إلى التوبة
«(مت 13:9)، وقرَّر الفرِّيسيون أنفسهم أن المسيح كان محباً
للعشَّارين والخطاة (مت 19:11).

من أجل ذلك يُحسب لاهوت
إنجيل ق. متى بالرغم من ميله إلى اليهود إلاَّ أنه الأكثر اعتدالاً وتوسُّطاً في
معاداته لليهودية.

القديس متى
الرسول:

قبل أن ينخرط في سلك
التلمذة للمسيح كان القديس متى يُسمَّى “لاوي”، وكان عشَّاراً، ربما على مستوى
رسمي كمأمور ضرائب يجمعها لحساب الدولة الرومانية المحتلة، لذلك كان هو وكل
العشَّارين مكروهين من اليهود. ويبدو أنه كان يجمع ضرائب ترانزيت للبضائع القادمة
من سوريا عبر بحيرة طبرية ليصير حصرها وأخذ الضريبة لمرورها عبر طريق كفرناحوم
قيصرية على
البحر الأبيض، ومنها إلى روما وقبرس والإسكندرية.

ولمَّا دعاه المسيح أخذ
اسم متى ويعني: “عطية الله”، وإذا عاد القارئ إلى (مت 9:9، مر 14:2، لو 27:5)
يتأكَّد من هذا، لذلك يلزم أن نعلم أن اسم متى واسم لاوي هما لشخص واحد رسول
وإنجيلي بآن واحد.

ومن القديس كليمندس
الإسكندري
([2]) نعرف أن
القديس متى كان أكثر التلاميذ التصاقاً بعشَّاق النسك اليهودي، الذين لا يأكلون
لحم الحيوان على الإطلاق. ويعطينا التقليد الكنسي أن القديس متى ذهب كارزاً إلى
أثيوبيا
([3]) علماً بأنه
كان ولا يزال هناك جالية لليهود كبيرة، ويذكِّرنا بذلك وزير كنداكة ملكة الحبشة
الذي تجشَّم مشاق رحلة مضنية من أثيوبيا حتى فلسطين ليحضر الفصح حتى عيد الخمسين،
فكان أول مَنْ قَبِلَ المسيحية في الحبشة. كما يقرِّر العالِم كيف
([4]) أن القديس
متى ذهب إلى مكدونية وكثير من بلاد أسيا الصغرى. على أن كرازته كانت بين اليهود،
وكان حاملاً بيده إنجيله الذي كتبه باللغة العبرية، وسوف يأتي الكلام عنه. ويقول
المؤرخ سقراط إنه تنيَّح في أثيوبيا. ولكن يرجِّح ايسيذوروس من سيفيل (أشبيليه)
أنه تنيَّح في مكدونية. ويقول هيراكليون كما ذكره كليمندس الإسكندري
([5]) إنه مات
ميتة طبيعية، ولكن يقرِّر نيسيفوروس أنه مات شهيداً (41:2)، وقد تسجَّل ذلك في تاريخ الشهداء الروماني حيث ذكر
يوم استشهاده في 21 سبتمبر، ولكن
الكنيسة اليونانية تحتفظ بيوم استشهاده في
18 نوفمبر، كما يسجِّل ذلك تشندورف في أعمال الشهداء الرسوليين صفحة 167
([6]). وأمَّا
الكنيسة القبطية فقد حفظت ذكرى استشهاده في 12 بابه.

ويقول العالِم ستاندال
في كتابه نقلاً عن العالِم دوبشوتز
([7]) إن ق. متى
كان على الأرجح “رابي” سابق في اليهودية وقد تحوَّل إلى المسيحية، وهذا يزكيه
أسلوبه ومنهجه في إنجيله. ويُعتبر أنه أقوى كاتب متمرِّس على منطق الربِّيين بين
التلاميذ بل وفي الكنيسة الأُولى. وقطعاً كان للقديس متى معارف يهودية تنتمي لفكر
الربيين دخل بها إلى المسيحية لتوافقها مع تعاليم المسيح، فكان يتحرَّك في
المسيحية بعقلية معلم رابي منفتح على المسيح حتى الأعماق؛ بل ودخل معه أسلوب
الحوار الذي كان عند الربيين ولكن لم يخرج به عن التقليد المسيحي الكنسي، علماً
بأن المسيح كانت له مثل هذه السمات، فهو معلِّم إسرائيل والساعي وراء خراف إسرائيل
الضالة. لذلك قدَّم لنا ق. متى بانوراما حوارات المسيح مع الكتبة والفرِّيسيين
والناموسيين بمهارة فائقة، أثبت فيها حجة المسيح بصورة مقنعة وبسلطان. فظهر إنجيل
ق. متى بهذه السمات أكثر من أي إنجيل آخر. وبهذه السمات عينها نشأت نقطة اتصال
كبيرة وهامة مع العقلية اليهودية آنذاك وإلى اليوم. فنحن لا نستهين بسمة إنجيل ق.
متى التي أضفاها على شخصية المسيح كونه موسى الجديد، وأنه إسرائيل الجديد، وأنه
كمال الناموس، وإن كانت غير بارزة بل مفهومة بكل وضوح، إنما عن صحة وقناعة. لهذا
أصبح هذا الإنجيل يُسمع جيداً عند العقلية اليهودية، فهو مسنود بالمنطق اليهودي
(الربَّاني). لهذا ندرك الآن تماماً لماذا أفرد ق. متى لحوارات المسيح مع الكتبة
والفرِّيسيين فصولاً بأكملها. ولهذا أصبح إنجيل ق. متى بالنسبة للكنيسة المسيحية
الأُولى حجة في يد اليهودي المتنصِّر والأُممي المتعمِّد ضد محاولات اليهود
المتعصبين.

لذلك لا نحسبنّ انعطاف
إنجيل ق. متى ناحية اليهود أنه بقايا عنصرية يهودية لرابّي قديم، ولكنه عن قصد
وتدبير سابق. فشغل ق. متى الشاغل كان أن يخدم قضية مسيحية بالدرجة الأولى، وهي
التعريف بشخص يسوع المسيح لليهود أنه هو المسيَّا ابن الله، والذي كان يجب أن يدرك
اليهود منه ذلك. ولكن من وسط ركام عدم الإيمان والمقاومة والعداوة والخصام، فقد
استُعلنت شخصية يسوع أنه المسيَّا، وهذا ما نطق به بطرس الرسول:
» أنت هو
المسيح (المسيَّا) ابن الله الحي
«(مت 16:16) كإعلان سماوي من الآب: » إن لحما
ودماً لم يُعلن لك لكن أبي الذي في السموات.
«(مت 17:16)

ولكن إن كان انشغال ق.
متى باليهود هو هاجسه الأول، فعينه كانت مثبَّتة على الأُمم، حتى وفي الأنساب التي
افتتح بها إنجيله لم يحجم ق. متى أن يدسَّ شخصيات أُممية ليؤكِّد اتجاهه. وفي
ميلاد المسيح يكشف الستار عن زيارات أُممية عاجلة آتية من الشرق البعيد لتشاهد
وتشهد وتسجد للملك المولود ملك اليهود، تعبيراً بديعاً عن نبوة دخول الأُمم في
ملكه السعيد. ولسلامة حياة الطفل المولود لزم الهروب إلى مصر، أرض حضارة كل
الأُمم، ليستريح على صدرها المريح كما استراح يوسف يوماً ما. وحتى بعد عودته من
مصر اتجه بإشارة إلهية إلى جليل الأُمم ليستوطن وتستوطن معه الرسالة هناك.

وفي خدمة المسيح تبرز
نجوم لامعة أفرزتها الأُمم لتنال بها حظوة وشهادة، إذ يعلو بريقها فوق إيمان كل
إسرائيل!! فهنا قائد المائة (أصحاح 8) الذي بأدب الأُمم تكلَّم فاستحسن المسيح
كلامه:
» يا سيد لستُ مستحقاً أن تدخل تحت سقفي «(مت 8:8)، وكأنه يتبنَّى شعور كل الأُمم آنذاك! فكانت شهادته أن
“تعجَّب” المسيح من حسن منطقه وشهد له وقال:
» الحق أقول
لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا
«(مت 10:8). وكأنما المسيح يحكي عن الإيمان الذي ملأ كل الأرض. وفي
ذلك اليوم رفع المسيح بصره إزاء عناد الكتبة والفرِّيسيين، وهو حزينٌ مغموم، فنظر
وأبصر من بعيد الأُمم صفوفاً صفوفاً بأكاليل لامعة آتية من بعيد من أطراف كل
الأرض، لتستريح بإيمانها المسيحي في حضن إبراهيم وتستوطن الملكوت، وأبناؤه مطروحون
خارجاً (مت 8: 11و12). وهكذا أعطى القديس متى صورة للملكوت تتخطَّى الجنسيات
والعصبيات.

وشيئاً فشيئاً يخرج ق.
متى بذرة الأُمم كشعب الله الجديد وهو يخرج من عمق التراث اليهودي.

لذلك يخطئ مَنْ يظن أن
ق. متى كان منحصراً في يهوديته، فهو كان يهودياً نعم، ولكن بقدر ما يفوز بالمسيَّا
من عقر دارهم لينطلق به إلى عالم مسيَّا. فهو لا ينكر أنه من قبيلة لاوي، ولكنه
يؤكِّد أنه لا ينحصر ولا يرضى بأقل من العالم كله:
» اذهبوا
وتلمذوا جميع الأمم!!
«(مت
19:28)

وهكذا يكشف لنا ق. متى
واقع صراع الكنيسة الأُولى الفتية، التي كانت تضم الاثني عشر ومعهم الشمامسة
السبعة، وهي في محاولتها الأُولى لتمتد نحو الأُمم حسب قول المسيح، الذي نسمع
رنينه في أول مجمع لأُورشليم:
» وبعدما سكتا (بولس
وبرنابا) أجاب يعقوب قائلاً: أيها الرجال الإخوة، اسمعوني. سمعان (بطرس) قد أخبر
كيف افتقد الله أولاً الأُمم ليأخذ منهم شعباً على اسمه. وهذا توافقه أقوال
الأنبياء، كما هو مكتوب (انظر عا 11:9): سأرجع بعد هذا وأبني أيضاً خيمة داود
الساقطة وأبني أيضاً ردمها وأُقيمها ثانية، لكي يطلب الباقون من الناس الرب، وجميع
الأُمم الذين دُعي اسمي عليهم، يقول الرب الصانع هذا كله. معلومةٌ عند الرب منذ
الأزل جميع أعماله
«(أع
15: 13
18). وهذه
الحركة المباركة والمبكِّرة جداً نحو الأُمم لخَّصها ق. متى بقوة وشمول وتأكيد
إلهي كعمل الكنيسة الأول والأساسي.

ولنا في حياة الكنيسة
الأُولى وخدمتها، وما بلغنا من بقايا مخطوطات وتعاليم، ما يؤكِّد أن إنجيل ق. متى
كان هو إنجيل الليتورجيا في كل أنواع عبادتها وطقوسها. فكان إنجيل ق. متى من ضمن
المحفوظات التي تغلغلت حياة المؤمنين وغرستْ تقليد الكنيسة المبكِّر جداً. ويؤكِّد
العالِم أوجسبرجر أن إنجيل ق. متى هو منبع الإلهام بالتجديد
([8]).

وفي نهاية هذه
المقدِّمة المختصرة نقدِّم شهادة أحد عظماء الألمان في الكتاب المقدَّس القدامى،
وهو ثيؤذور زاهن (1838
1933)، وهو عالم محافظ
ومدقِّق ومدافع عن الإنجيل، وقام بشرح إنجيل ق. متى سنة 1903م. يقول زاهن:

[إن عمل (أي إنجيل) ق.
متى هو غنيّ بدرجة فائقة بالنسبة
لمحتوياته، وإنه كُتب بناءً على تصميم وُضعت
خطته قبل البدء فيه، وقد تمَّ تنفيذ هذه الخطة بأدق ما يمكن من التفاصيل وبإدراك
وتصور عالٍ. وقد استخدم مواد الإنجيل بعد إخضاعها لرؤية فكرية عظيمة حقا، حتى أننا
نستطيع أن نقول إنه لا يوجد أي كتابة في العهد الجديد أو القديم تعاملت مع أهداف
تاريخية يمكن أن تقارن بإنجيل ق. متى.
]([9])

كما يقول أيضاً العالِم
جودسبيد:

[إن إنجيل ق. متى يعتبر
أنجح كتاب كُتب على وجه الإطلاق.]
([10])

 

أولاً: التقليد القديم
الخاص بكتابة إنجيل القديس متى

1 – الأصالة الرسولية
لإنجيل القديس متى واللغة التي كُتب بها

لقد بدأ القديس متى
بكتابة إنجيله ليس بشكله الحاضر باللغة اليونانية ولكن باللغة التي كان يسمعها من
المسيح، أي باللغة الأرامية والعبرانية، وهذه الحقيقة تقدِّم لها كل الشواهد
بالتأكيد. وأول إشارة وصلتنا هي عن المؤرِّخ يوسابيوس نقلاً من مخطوطة تحكي أن
بابياس أسقف هيراكليا بآسيا الصغرى يقول: [متَّى كاتب (جمع معاً) كل الأحاديث
باللغة العبرية
`Ebra…di
dialšktJ t¦ log…a sunegr£yato
وعنه أخذ كل واحد وشرح بقدر ما استطاع.]([11])

وهذه المعلومة ينقلها
بابياس عن الرسل أنفسهم. ويقص القديس إيرينيئوس قائلاً: [إن متى أيضاً كتب إنجيلاً
بين العبرانيين بلغتهم الخاصة.]([12])

كما أن هناك شهادة أخرى
ذات وزن عالٍ، وهي شهادة المؤرِّخ يوسابيوس عن بنتينوس الإسكندري يقول فيها:

 [يُقال عن بنتينوس إنه
ذهب إلى الهند (سنة 195م) فوجد هناك إنجيل ق. متى بين مسيحيي تلك الديار، الذين
كان قد خدمهم برثلماوس أحد الرسل وترك بينهم إنجيل القديس متى باللغة العبرانية
الذي كان معهم حتى ذلك الوقت.]([13])

ويؤيِّد هذا الخبر
القديس جيروم([14])،
علماً بأن بنتينوس كان علاَّمة ويُتقِن العبرية ويستطيع أن يُميِّز الإنجيل الذي
رآه. ومعروف أن كل الكرازة في بلاد العالم كانت تتركَّز في البداية بين اليهود،
وكان من الأمور الهامة جداً أن يكون بين أيديهم إنجيل بلغتهم. من هنا جاءت أهمية
إنجيل ق. متى باللغة العبرية.

وإليك أيضاً شهادة من
أوريجانوس كما سجَّلها يوسابيوس: [الإنجيل الذي بُدئ بكتابته بواسطة القديس متى،
الذي كان سابقاً عشَّاراً وبعد ذلك رسولاً ليسوع المسيح، كتبه بالعبرية وسلَّمه للمؤمنين
اليهود]([15]).
ثم يكمِّل أوريجانوس قائلاً: إن هذا هو التقليد الذي استلمه
æj ™n paradÒsei maqèn، وأوريجانوس لا يُستهان بعلمه وتقاريره فكلها
يأخذها جميع العلماء أخذ ثقة واحترام. ويقرِّر يوسابيوس: [لأن القديس متى إذ كان
قد كرز سابقاً لليهود بالعبرية، فحينما دُعي للخدمة إلى بلاد أخرى سلَّمهم الإنجيل
بلغتهم، لكي يسد إنجيله عن وجوده بينهم.]
([16])

وينقل لنا العالِم ماير
عن يوسابيوس أيضاً: [لقد قُرئ (الإنجيل) في مساء السبت بواسطة مترجم، لأن متى كتب
إنجيله باللغة العبرية.]([17])

ويشهد القديس كيرلس
الأُورشليمي في عظاته التعليمية قائلاً: [إن القديس متى الذي كتب إنجيله بالعبرية
هو الذي قال هذا.]([18])

ويشهد القديس إبيفانيوس
قائلاً: [إن متى هو الوحيد بين كُتَّاب العهد الجديد الذي سجَّل الإنجيل وكرز به
بين العبرانيين وبالحروف العبرية.]([19])

كذلك يشهد ق. إبيفانيوس
عن قصة رجل يهودي متنصِّر كيف اكتشف إنجيل القديس متى بالعبرية داخل خزانة مغلقة([20]).

كما يشهد جيروم في
مقدِّمة شرحه لإنجيل ق. متى: [إن متى في اليهودية كتب إنجيله باللغة العبرية
أساساً من أجل منفعة اليهود الذين يؤمنون بالمسيح]([21]).
كما يشهد في كتابه: “مشاهير الرجال” إنه وجد نسخة من إنجيل ق. متى بالعبرية في
بيريه
Beroea بسوريا وقام بنسخه حرفياً([22]). ويكرر هذا
الخبر عدة مرَّات في كتاباته الأخرى([23]). كذلك لنا
شهادة غريغوريوس النزينزي وذهبي الفم وأوغسطينوس وبقية الآباء، وشهادات آباء
الكنيسة السريانية التي قام بجمعها العالِم السمعاني([24]).

كل هذه الشهادات مضافاً
إليها التقليد الراسخ المسلَّم للآباء إنما توفِّر يقيناً ضد كل محاولات النقد
الجزافي في الكتب الحديثة. فالمتيقن في
الكنيسة منذ البدء أن ق. متى كتب إنجيله أولاً بالعبرية.

ولكن الأسباب التي حاقت
بالنسخ الأُولى لهذا الإنجيل المكتوب باللغة العبرية فأفقدته رصانته وقانونيته ثم
وجوده، هي حيازة هراطقة كثيرين لإنجيل ق. متى بالعبرية المحرَّفة([25])
مما جعل الكنيسة تبتعد عنه، هذا بجوار أن استخدامه بين اليهود توقَّف فتوقَّفت
نساخته حتى ضاع الموجود منه.

وبالمقابل فإن وجود
النسخة اليونانية من قديم الزمان، واعتماد الكنيسة عليها، جعل في الظاهر أن
إنجيل ق. متى باللغة اليونانية هو الأصلي، ولكن الشواهد التي يقدِّمها العالِم
الألماني ماير بأسماء العلماء الذين يشهدون بوجود النسخة العبرية، ثم كيف
انتقل الثقل إلى الإنجيل المترجم للغة اليونانية، ربما تملأ صفحة بأكملها. كذلك
محاولة كثير من العلماء لجعل إنجيل ق. متى بالعبرية ينتسب لإنجيل العبرانيين
المنحول المكتوب بالعبرية أصلاً هو افتراء محض، ويشهد بذلك القديس جيروم الذي يثبت
أنه يعرف كلا الإنجيلين والفارق الكبير بينهما. على أن إنجيل العبرانيين الذي كان في
يد الهراطقة محسوب أنه إنجيل مزيَّف منذ زمان طويل جداً.

والترجمة التي حدثت
لإنجيل ق. متى من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية جاء فيها (الشواهد من
السبعينية) ما يوحي أنها غير مترجمة من العبرية، بسبب أن معظم الاقتباسات التي من
العهد القديم مأخوذة من النسخة السبعينية وهي باليونانية. ولكن يرد على ذلك
العالِم ماير بقوله: إن الذي يترجم إلى اللغة اليونانية لا يأخذ الشواهد من الأصل
العبري، بل من الأسهل له جداً أن يعتمد على السبعينية اليونانية. ولكن يذكر
العالِم ماير أن هناك أيضاً عدة استشهادات من العهد القديم في الإنجيل اليوناني
للقديس متى مأخوذة من التوراة العبرية.

ومن الثابت علمياً
وتقليدياً أن النسخة اليونانية لإنجيل القديس متى التي بين أيدينا اليوم هي نسخة
مترجمة من الأصل العبري، ويؤكِّد هذا جميع الشواهد القديمة التي عثرنا عليها في
شهادات الآباء القدامى. على أن النسخة اليونانية هي ترجمة طبق الأصل من العبري
بحسب دراسات العلماء، والذي يثبت ذلك باليقين أن الكنيسة بدأت تستخدم النسخة
اليونانية بنفس زمن قدم النسخة العبرية، فلو كان هناك أي اختلاف لكانت رفضته
الكنيسة. وتهمّنا جداً شهادة القديس جيروم في ذلك لأنه كان يمتلك نسخة بالعبرية
نسخها بيده من النسخة التي وجدها في سوريا،
وكان يمتلك في نفس الوقت النسخة
اليونانية، ولم يُشِر إطلاقاً إلى أي اختلاف بينهما. وقد أشار ق. جيروم في شرحه
لإنجيل ق. متى إلى أن النسخة اليونانية هي ترجمة حرفية من النسخة العبرية.

وقد قدَّم يوسابيوس
شهادته في ذلك مؤكِّداً صحة شهادة ق. جيروم. لذلك يشجب العالِم الألماني ماير كل
محاولة لجعل الترجمة اليونانية لإنجيل ق. متى بالعبرية ترجمة غير ملتزمة أو
بحرِّية أو ذات إضافات، ويستشهد على ذلك بعدة شخصيات علمية ألمانية.

ولكن الذي نقبله علمياً
هو أن ق. متى لم يؤلِّف إنجيلاً بالمعنى التحريري، ولكنه بحسب تقرير بابياس
المنقول إلينا من خلال يوسابيوس (
H.E.
III, 39): [متى كتب (أو جمع معاً) كل الأحاديث t¦ log…a
sunegr£yato
] التي تعني: “جمع أو وضع
الكلام معاً في ترتيب”.

ويُلاحَظ هنا أن القديس
متى لم يقم بشرح الأقوال المنقولة، ولكنه قام فقط بتجميعها على هيئة مجموعة
منسَّقة
Collection.

وهكذا أمكن للعالِم
ماير أن ينتهي في بحثه بأن إنجيل ق. متى بحسب بابياس هو عملية جمع وتنسيق لأقوال
المسيح، ذلك باللسان العبري، ولكن لم يصل إلى المفهوم الكامل للترتيب التاريخي
للإنجيل. غير أن ذلك لا يمنع أن يكون ق. متى قد أعطى مقدِّمات للأقوال تكون ذات
مفهوم تاريخي. وهكذا يكون قد أعطى إنجيلاً بالعبرية يكفي أن يكون متكاملاً، الذي
بمقتضاه أخذ ق. متى لقب صاحب هذا الإنجيل الذي دُعي: “الإنجيل بحسب القديس
متى” بملء الصحة والالتزام!! غير أنه بترجمته إلى اللغة اليونانية يصح أن يكون
العنصر التاريخي فيه قد ازداد وضوحاً، وبذلك قبلته الكنيسة حائزاً على قانونيته
باعتباره التأليف الأصلي للقديس متى، ذلك بحسب وجهة نظر كل من إيرينيئوس
وأوريجانوس ويوسابيوس وإبيفانيوس وجيروم والآخرين.

كذلك فالذي نفهمه من
عملية الترجمة من العبرية إلى اليونانية أن الإنجيل العبري قد جاز بالضرورة عملية
تنسيق تنقيحي ليدخل إلى اللسان اليوناني، ولكن لكي يدخل تحت تقديس كلمة رسولي كان
يتحتَّم أن يكون بنفس روح وفهم الأصل العبري الذي اضطلع به ق. متى الرسول، الأمر
الذي جاز به أن تؤخذ منه الشواهد والنصوص لدى الآباء باعتبار أنها على ذمة ق. متى
الرسول. على أن آخر شاهد لوجود إنجيل ق. متى الأصلي باللغة العبرية هو القديس
جيروم([26])
كما وجده في مكتبة بامفيليوس في قيصرية.

أمَّا مترجم إنجيل
القديس متى من العبرية إلى اليونانية، فبحسب الفحص العلمي الدقيق لواقع الإنجيل
باللغة اليونانية، يتضح أن المترجم هو شخص واحد بمفرده بسبب الأسلوب والنمط الواحد
في التعبير الذي يسري في كل أجزاء الإنجيل([27]). أمَّا مَنْ
هو هذا الشخص الذي قام بهذه الترجمة فيقرِّر جيروم أنه ليس لديه تحقيق مقنع لأن
الآراء كثيرة للغاية. فمن قائل إنه القديس متى نفسه لأنه كان يعرف اللسان
اليوناني، ومن قائل بل تلاميذه، أو أحد الرسل أو ربما ق. يوحنا الرسول، أو تحت
عناية عدَّة رسل، فهي تخمينات لا يؤيدها برهان.

§ ويقول العالِم روبرتسن: [لا يوجد أي سبب حقيقي يمنع أن يكون ق.
متى هو كاتب إنجيله باللغتين العبرية واليونانية.]([28])

§ كذلك يقول العالِم ر. ك. ه. لينسكي: [إن ق. متى هو مؤلف إنجيله
بأكمله، وقد دعَّمه ببعض المقولات باللغة العبرية.]([29])

§ ويقول العالِم س. جريدانوس: [إن ق. متى هو الذي كتب إنجيله باللغة
العبرية، ولكن الذي ترجمه إلى اليونانية ربما كاتب آخر.]([30])

§ أمَّا العالِم ن. ب. ستونهاوس فيعتقد أن رسولية إنجيل ق. متى
راسخة في الكنيسة بكل ما في الكنيسة القديمة من تقليد.]([31])

§ والعالِم ر. ه. جوندري يؤكِّد أن ق. متى هو حقا الذي كتب الإنجيل
المعروف باسمه([32]).

§ كما يؤكِّد هذا العالِم أيضاً أن ق. متى كان مُلماً بعدة لغات،
وهذا واضح من اقتباساته من العهد القديم سواء من السبعينية أو العبرية، لأنه يوجد
امتزاج عجيب في الآيات المقتبسة من السبعينية اليونانية مع التوراة العبرية وبقايا
الأرامية([33]).

§ كما يؤكِّد العلاَّمة جوودسبيد ومعه العلاَّمة ج. ميليجان([34]) أن ق.
متى كان يعرف الكتابة المختصرة
hand short وقد حقَّقا ذلك باكتشاف وثائق على البردى، إذ وجدا في إحداها
حرفي: (
KS) وهي اختصار كلمة Kyrios. ويؤكِّد العالِم
تييد([35])
– وهو عالم البرديات الألماني – أن استعمال طريقة الاختزال هذه – خاصة في اسم الرب
– هي نفس طريقة اليهود في اختزال اسم الله يهوه
YHWH
بهذه الحروف الأربعة تعبيراً عن اسم الله باختصار، وقد ضاع نطقها الأصلي بمرور
الزمن وبقي الاختصار بالحروف الأربعة. علماً بأننا قد رجَّحنا أيضاً طريقة الكتابة
المختصرة عند القديس مرقس إذ رأينا أنه كان يسجِّل مباشرة من فم المسيح.

وتقول بعض التحقيقات إن
ق. متى خدم بإنجيله أول ما خدم في الجليل موطن الأقوال المستقاة، وعلَّم اليهود
بمقتضاه حسب وصية الرب والمخلِّص أن يكرزوا في أُورشليم واليهودية والسامرة
وإلى أقصى الأرض.

وقد قام العلاَّمة ماير
الألماني بعملية مسح دقيق لإنجيل ق. متى فوجده مقسَّماً بحذق إلى خمسة أقسام على
نمط تقسيم التوراة، كما سيأتي بالتفصيل.

 

2
تاريخ كتابة إنجيل القديس متى

بالنسبة لزمن تدوين
القديس متى لإنجيله باللغة العبرية، فالكنيسة تحدِّد ميعاد هذا العمل كأول إنجيل
بين الأناجيل القانونية. فأوريجانوس يقول ذلك عن طريق يوسابيوس (
H.E. VI, 25)
وإبيفانيوس في كتابه ضد الهراطقة (
Haer. L 1,4). ويقول يوسابيوس إن القديس متى كتب إنجيله قبل أن يرحل عن
البلاد، أي الجليل (
H. E. III, 24). أمَّا إيرينيئوس فيقول: إن ذلك تمَّ بينما كان بطرس وبولس في
روما يخدمان (
Haer. III 1,2). ولكن بين هذين الحدثين توجد مسافة زمنية كبيرة. ولكن المعروف
منطقياً أن ق. متى جمع إنجيله في زمن مبكِّر جداً عن زمن إذاعته في الكنيسة
باعتباره إنجيلاً قانونياً. ثم أيضاً إن ظهور النسخة المترجمة كان بعد فترة طويلة
من تجميع النسخة العبرية الأُولى. وهذا حتماً يكون قبل خراب أُورشليم بالنسبة
للنسخة المترجمة، علماً بأن في سنة 66 بدأت بوادر الحرب والحصار والتهديد بمهاجمة
الجليل وامتلاكها.

ويحدِّد
العلماء أن ما قبل حدوث رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي حسب
قول المسيح هو أقصى ميعاد لوجود ق. متى في اليهودية، لأنه بعدها
مباشرة استولى الرومان على الجليل. لذلك يؤكِّد
العالِم هيلجنفيلد أن
أقصى ميعاد محتمل لكتابة القديس متى لإنجيله هو بين سنة 50-60م([36]).

ولكن
يعطي أيضاً العالِم ماير([37])
شهادة من يوسابيوس القيصري في كتاب التواريخ
Chronicon أن تاريخ كتابة ق. متى لإنجيله هو سنة 41م. والمؤرِّخ Cosmas Indicopleustes يحدِّده بزمان رجم استفانوس. كذلك يعطي ثيئوفلاكت ومعه يوثيموس
زيجابينوس ميعاد كتابة إنجيل ق. متى في السنة
الثامنة لصعود المخلِّص، حيث تكون بالتقريب سنة 41م أيضاً، وهذا فيما يختص بالأصل

العبري.

ولكنه بحسب كتاب التواريخ
Chronicon الإسكندري وبحسب نيسيفورس كان 15 سنة بعد الصعود وهذا يعني
سنة 48م.

ويعطينا العالِم زاهن
ميعاداً محدَّداً لظهور ترجمة إنجيل ق. متى من العبرية إلى اليونانية هكذا:

[إن ظهور الترجمة
اليونانية لإنجيل ق. متى حدث قبل نهاية القرن الأول المسيحي، ذلك في إقليم آسيا
الصغرى، ويؤكِّد الشهود أن ذلك كان قبل سنة 90م.]([38])

وقد أفاد العالِم
بنتينوس أنه قام برحلة إلى جنوب الهند، ووجد هناك سنة 180م نسخة من إنجيل ق. متى
بالعبرية، وقد أذاع هذا التقليد في كنيسة الإسكندرية دون معرفتهم بقول بابياس.

وقيمة الأصل العبري لإنجيل
ق. متى ذات وزن عال في تحديد زمن مبكِّر لكتابته، لأن الأقوال التي جمعها ق. متى
تكون بعينها أقوال المسيح وباللغة التي علَّم بها. هذا يعني أن الأصل العبري
لإنجيل ق. متى يحمل بأصالة كبيرة النص الذي قاله المسيح وعلَّم به، الذي تُرجم إلى
اليونانية بعد ذلك ترجمة دقيقة ملتزمة.

ولكن تشاء نعمة الله
وتدبيره الفائق المعونة، ونحن بصدد كتابة تاريخ إنجيل ق. متى، أن يظهر في جريدة
الأهرام بتاريخ 24/3/1996م خبر مؤدَّاه كالآتي حرفياً:

[اكتشف مؤرِّخ ألماني
متخصِّص في البرديات المصرية بجامعة أكسفورد البريطانية ورقة بردي مصرية تعود إلى
القرن الأول للميلاد، وتعتبر أقدم وثيقة مسيحية في العالم. وأوضح المؤرِّخ كارستن
بيتر تييد أن البردية جرى العثور عليها عام 1901 في إحدى كنائس الأقصر، لكنها لم
تحظَ بالانتباه إلى أهميتها، وظلَّت في الكلية المجدلية بأكسفورد إلى أن بدأ
العالِم الألماني قبل عامين التعرف عليها ودراستها. واكتشف تييد أن البردية تعود
إلى عام 60م مما يجعلها أقدم وثيقة مسيحية يتم اكتشافها حتى الآن، وتضم بعض أجزاء
آيات من إنجيل ق. متى، وتستشهد بأشخاص عاشوا في الفترة التي عاش خلالها المسيح
ونشرت جريدة الديلي ميل البريطانية أمس مقتطفات من كتاب سيصدر غداً عن الموضوع
الذي يؤرخ للأناجيل الأخرى وسبق كتابتها في فترة متأخرة نسبياً عن الزمن الذي عاشه
المسيح. إلاَّ أن هذه الوثيقة تثبت أن إنجيل ق. متى يستمد معلوماته من أشخاص وصفهم
أنهم كانوا شهود عيان للسيد المسيح. كانوا من بين تلاميذه. وتمكَّن المؤرِّخ
الألماني من علاج بقايا البردية التي وجدها ممزَّقة إلى ثلاثة أجزاء صغيرة ومكتوبة
باليونانية القديمة.] انتهى.

وقد وصلتنا نسخة من هذا
الكتاب المذكور وبه كل قصة اكتشاف هذه الأجزاء من البردية وتحقيقها وصدق التاريخ
المذكور. وإليك تصوير الغلاف الخارجي ومصوّر عليه ثلاثة أجزاء من
هذه البردية المحسوبة أنها أقدم وثيقة في العالم تشهد لأصالة قدم الإنجيل، وتُحسب
أنها لشاهد عَيَان (ق. متى) قد رأى المسيح.

أمَّا تعليقنا على هذه
الوثيقة النادرة فهو كالآتي: إن كانت قد كُتبت سنة 60م وهي بخط ق. متى نفسه، فهي
على أقل الفروض يلزم أن يكون قد مرَّ عليها ما لا يقل عن خمس وعشرين سنة حتى تصل
إلى الأقصر، إذن فزمن كتابتها يتراوح بين سنة 35 وسنة 40م. وإن كان ق. متى قد
اقتبس الكثير من إنجيل ق. مرقس، يكون إنجيل ق. مرقس قد كُتب قبل ذلك، مما يؤكِّد
ما وصلنا إليه في البحث عن تاريخ كتابة إنجيل ق. مرقس وهو سنة 40م، والحقيقة أنه
قبل ذلك. وبهذا لم يعد لنا ثقة في شطحات العلماء المدَّعين المعرفة الذين قالوا
بأن تاريخ كتابة إنجيلي ق. مرقس وق. متى هو فيما بعد السبعينيات، وكان اعتمادهم
على خرافة أن الأيام الأخيرة فيها تشير إلى أنهما حضرا الحرب السبعينية وكتبا من
واقع حدوثها. وهنا نرجع على هؤلاء العلماء ونؤكِّد من جهتنا أن الأخبار التي
دوَّنها كل من ق. مرقس وق. متى عن الأيام الأخيرة هي نبوَّات صحيحة أمينة وليست
تلفيقات حسب ظنونهم الهزيلة. لأن العلماء أخذوا هذه الأخبار على أنها مدسوسة من كل
من القديس متى والقديس مرقس بعد أن شاهدا خراب الهيكل وأُورشليم. وهكذا بنوا
فروضهم على أساس أن الأناجيل غير صادقة فجاءت تحقيقاتهم هي الكاذبة. ويقرِّر قاموس
هاستنج أنه باستقراء ما جاء في نبوات الأيام الأخيرة يتحقَّق لدينا أن تاريخ كتابة
إنجيل ق. متى لا يزيد عن سنة 50م، علماً بأنه قد قُرئ مبكِّراً جداً في الكنيسة.

 

3 – أنطاكية
المدينة التي صدر منها إنجيل القديس متى
([39])

نقدِّم هنا مختصر أبحاث
العلماء، وأهمهم العالِم المشهور ستريتر، الذي يقول إن العلماء قد اتفقوا
بناءً على شواهد كثيرة أن إنجيل ق. متى كُتب أولاً في فلسطين وباللغة
العبرية، كما أوضحنا وسنوضِّح أيضاً.

والمعروف
أن أي إنجيل لم يكن يحظى بالاعتراف الرسمي في الكنيسة إلاَّ إذا كان مقدِّمه
رسولاً أو تقدِّمه كنيسة مدينة كبرى كروما أو أنطاكية أو الإسكندرية (
p. 501). وقد استقرت الأبحاث أن مدينة أنطاكية هي التي قدَّمت إنجيل ق. متى إلى
الكنيسة عامة لما كان لها من تأثير كرازي عالٍ (
p. 486).
والذي رجَّح أنطاكية هي العوامل الآتية:

1
استشهادات القديس إغناطيوس الشهيد أسقف أنطاكية المشهور التي تدلل أنه يعرف إنجيل
ق. متى وقد اقتبس منه.

2
استشهادات الديداخي (من تعاليم الرسل) من إنجيل ق. متى، ومعروف أن الديداخي هي
وثيقة سريانية الأصل لا يرقى تاريخ تدوينها إلى أكثر من سنة 100م. وكاتبها يظهر
أنه يعرف إنجيل القديس متى، وحينما يستشهد به يقول كما في “الإنجيل” معتبراً أن
إنجيل القديس متى هو “الإنجيل” بصورته العامة في الكنيسة (
p. 486).

3 أول
ظهور لإنجيل القديس متى بحسب العالِم ستريتر كان سنة 66م، حينما نزح المسيحيون من
أُورشليم لمَّا رأوا جيوش الرومان تحيط بها، فذهب معهم ق. متى ومعه النواة
(العبرية) من إنجيله، حيث كان إنجيل ق. متى يمثِّل المصالحة بين الجناح اليهودي
المتنصِّر المتشدِّد في التمسُّك بالناموس الذي يمثِّله يعقوب الرسول، وبين الجناح
المتشدِّد ضد اليهودية الذي يمثِّله بولس الرسول. وكان إنجيل ق. متى يمثِّل الفكر
الوسط الدقيق المقنع، وكان يعتمد على ق. بطرس في رئاسة التلاميذ وليس على
يعقوب أخي الرب، معتبراً أن ق. بطرس قد أخذ هذا الوضع الرئاسي بناءً على ما أعطاه
المسيح من (الحل والربط). ويقول العالِم ستريتر إن هذه المصالحة بين الجناحين التي
أنشأت هذا الاعتدال أو التوسُّط في إنجيل ق. متى استغرقت ما لا يقل عن 20 سنة (
p. 486-87).

4 ويقرِّر
العالِم ستريتر أن إنجيل ق. متى قُبل في روما رسمياً سنة 119م، بحسب التطوُّر الذي
مرَّ به لتقنين قوانين الأسفار المقدَّسة في روما في مجمع خاص، واعتُبر إنجيلاً
رسولياً وذلك بناءً على شهادة كنيسة أنطاكية، وكان استشهاد ق. إغناطيوس في روما في
الكوليزيوم هو العامل المؤثِّر بقبول إنجيل ق. متى، لأنه يُحسب أول أسقف تبنَّى
أصالة وقانونية إنجيل ق. متى، وخاصة بعد كتابة رسالته إلى روما التي احتسبتها
روما رسالة شهيد بخط يده. فصار إنجيل ق. متى حجة كنسية رسولية في روما ضد التيارات
المنحرفة للهراطقة. وقد قُبل بعد إنجيل ق. متى إنجيل ق. لوقا وهو أنطاكي أيضاً.

 

شهادة ق. إغناطيوس أسقف أنطاكية سنة 115م

وأصل تسمية “الإنجيل بحسب القديس متى”:

ولو أن ق. إغناطيوس
استشهد بالقديس لوقا مرتين وبصورة غير مؤكَّدة، وكذلك استشهد قليلاً بالقديس
يوحنا، إلاَّ أنه لم يعتمد عليهما في محاجاته. أمَّا من جهة إنجيل القديس متى،
فيوجد منه في مذكَّرات ق. إغناطيوس
أي رسائله السبع القصيرة ما يقرب من خمسة عشر استشهاداً

واضحاً.

وحتى في استشهاده
بأقوال وردت في إنجيل ق. لوقا أو ق. مرقس فإن كلماته تبدو أقرب إلى نصوص القديس
متى:

( أ ) فحينما يتكلَّم
عن عماد المسيح يقول: [وقد اعتمد بواسطة يوحنا لكي يكمِّل كل بر] إغناطيوس سميرنا
(1:1) (مت 15:3) حيث عبارة:
» يكمِّل كل
بر
«لم ترد إلاَّ في إنجيل ق. متى.

(ب) [احملوا الناس كما
حملكم الرب. الذي حمل أسقامنا جميعاً] (إلى بوليكاربوس 2:13)
(مت 17:8).

( ج ) وأحيانا يأتي
الاقتباس بصورة تكاد تكون حرفية: [كونوا حكماء في كل طرقكم كالحيات وفي كل الأحوال
وُدعاء كالحمامة] (إلى بوليكاربوس 2:2) (مت 16:10).

(
د ) والقديس إغناطيوس هو أول الآباء الذين ذكروا الميلاد العذري أو البتولي، وذكر
ذلك في

عدَّة مواقف مع التركيز الشديد على أهميته [أفسس 2:18، 1:19، سميرنا 1:1، تراليا 1:9].

ومعروف أن ق. متى هو
الذي أمعن كثيراً في بتولية ميلاد ابن الله أكثر من ق. لوقا، والقديس إغناطيوس
يعتبر أن الاعتراف والإيمان بالميلاد البتولي هو الأرثوذكسية في المفهوم العقائدي
واللاهوتي، فهو يحيِّي مسيحيي سميرنا على مسيحيتهم الأرثوذكسية كونهم مقتنعين
تماماً كمن يمسك بالمسيح كونه من نسل داود بحسب الجسد ولكن ابن الله بحسب مقتضى
الإرادة الإلهية، مولود حقا من عذراء وتعمَّد من يوحنا حتى يُكمِّل كل بر فيه]
(سميرنا 1:1).

وواضح أن هنا ثلاثة
مبادئ إيمانية إلهية مأخوذة مباشرة من إنجيل ق. متى: مجيء المسيح من نسل داود
وميلاده البتولي وعماده من يوحنا
» لكي يكمِّل كل برٍّ «

( ه ) كثيراً ما يذكر
ق. إغناطيوس إنجيل ق. متى باعتباره “الإنجيل” كاسم كتاب. فهو مثلاً يعترض على كلام
بعض الهراطقة القائلين: [ما لا نجده مذكوراً في كتب العتيقة (العهد القديم بما
يحوي من أسفار مقدَّسة) فإننا لا نؤمن به من “الإنجيل”] (فيلادلفيا 2:8). وواضح
هنا أن “الإنجيل” في عرفه هو كتاب مكتوب يمكن أن يقارن بأسفار العهد القديم. على
أن ق. إغناطيوس لا يذكر اسم كاتب الإنجيل. وفي نفس الرسالة يذكر جنباً إلى جنب
“الإنجيل” و“الرسل” و“الأنبياء” على اعتبار أنها أسماء أسفار مقدَّسة (فيلادلفيا
1:5و2). وتمشياً مع التقليد القديم لا يذكر اسم كاتب السفر، فهذا كان معمولاً به
بالنسبة لأسفار العهد القديم. فكل كتاب من أسفار موسى الخمسة يُسمَّى بأول كلمة
فيه ولا يُعطى له اسم كاتبه حسب عادة اليهود.

( و ) وحينما ظهر إنجيل
ق. مرقس كأول إنجيل عُرف في الكنيسة، دُعى بأول كلمة فيه التي هي “الإنجيل”. ولكن
لما ظهر إنجيل ق. متى دُعي أيضاً “بالإنجيل” لأن كلاًّ منهما يحمل سيرة حياة
المسيح وأعماله. ولكن لكي يفرِّق الشعب بين الذي للقديس مرقس وبين الذي للقديس متى
قيل في التقليد الكنسي طقسياً “الإنجيل بحسب ق. مرقس” و“الإنجيل بحسب ق. متى”،
للحفاظ على وحدة الاسم “الإنجيل” لما يحويه من حقيقة واحدة (
p. 559).

( ز ) وعلى أساس ما جاء
في ( و ) يتضح أن ق. إغناطيوس برجوعه إلى “الإنجيل” باعتباره الإنجيل دون ذكر بحسب
ق. مرقس أو بحسب ق. متى يكون معناه أن إنجيل ق. متى هو وحده الذي كان مستعملاً في
زمان ق. إغناطيوس في كنيسة أنطاكية. وهذا حدث أيضاً بنفس الصورة في حياة ق. جيروم
بالنسبة للمتكلمين بالأرامية من المسيحيين، إذ كانوا يطلقون كلمة “الإنجيل” دون
تحديد آخر على إنجيل ق. متى المعروف عند العلماء باللوجيا
logia أي الأقوال (p.
507
).

الديداخي
أيضاً تثبت أن إنجيل ق. متى موطنه أنطاكية (الديداخي 80100م):

بدراسة
الديداخي وُجد أن كاتبها له معرفة بإنجيل ق. متى، ومثله مثل ق. إغناطيوس فهو يرجع
إلى ق. متى باعتباره “الإنجيل”، كما يحوي نصوصاً
تعتبر من المخطوطات الشفاهية غير المكتوبة عن
المسيح.

كذلك يبدو أن ق.
إغناطيوس له دراية بالديداخي بحسب العلاَّمة ترنر([40])
(
p. 507).

أمَّا الإشارات الواضحة
لإنجيل ق. متى فهي كالآتي:

( أ ) ديداخي (5:9):
[لا تعطوا القدس للكلاب]، تساوي حرفياً (مت 6:7) ولو أنها غائبة في النص المقابل
من “المراسيم الرسولية” (
Apostolic
Constitutions
).

(ب) ديداخي (7):
أمر المسيح بالتعميد [باسم الآب والابن والروح القدس]، ولا يوجد إلاَّ في إنجيل ق.
متى (19:28). وهذه تعتبر نقطة محورية تربط الاثنين معاً.

( ج ) ديداخي (1:8):
[ولا تجعلوا صومكم مع المرائين فهم يصومون الاثنين والخميس من الأسبوع، ولكن
احفظوا أنتم الصوم في الأربعاء والجمعة (براسكيفي الاستعداد للسبت). كذلك لا
تصلُّوا كالمرائين ولكن صلُّوا أنتم كما علَّمكم الرب في إنجيله: فصلُّوا هكذا:
» أبانا الذي…»]
وذكرت الصلاة الربانية بحرفيتها كما جاءت في إنجيل ق. متى. والعلاقة بين الديداخي
والإنجيل في (مت 6: 516) واضحة.

( د ) ديداخي
(3:11و4):
[وأمَّا فيما يختص بالرسل والأنبياء فاعملوا أنتم بحسب وصايا الإنجيل،
كل رسول حينما يأتيكم فاقبلوه كالرب]. في هذه الوصية الخاصة بالرسول الكارز سائراً
على رجليه نجد الإشارة واضحة إلى إنجيل ق. متى، فهي ترجمة للقول:
» مَنْ يقبلكم
يقبلني ومَنْ يقبلني يقبل الذي أرسلني.
«(مت 40:10)

( ه ) ديداخي
(7:11):
[وكل نبي يتكلَّم بالروح فلا تفحصوه ولا تدينوه، لأن كل خطية تُغفر
ولكن هذه الخطية لا تُغفر]، وتأتي في (مت 31:12):
» وأمَّا
التجديف على الروح فلن يُغفر للناس
«

( و ) ديداخي
(1:13):
[كل نبي صادق يطلب أن يقيم عندكم فهو مستحق طعامه. كذلك المعلِّم فهو
مستحق أيضاً كالفاعل المستحق أجرته]، وهي قريبة من (مت 10:10):
» لأن الفاعل
مستحق طعامه
«

( ز ) ديداخي
(2:14):
[إذا كان أحدكم متشاجراً مع آخر فلا يجتمعا مع الجماعة حتى يتصالحا
معاً حتى لا تتنجَّس ذبيحتكم]، والعلاقة واضحة مع إنجيل ق. متى (24:5):
» فاترك هناك
قربانك قدَّام المذبح
«
وهكذا تحوِّل الديداخي ما جاء عند ق. متى من الذبائح اليهودية إلى الإفخارستيا
المقدَّسة. فهنا شرح وتطبيق.

( ح ) ديداخي
(3:15):
[ليعاتب أحدكم الآخر ولكن ليس بغضب بل بسلام كما هو في الإنجيل]، وهي
موازية لإنجيل ق. متى (15:18):
» وإن أخطأ إليك أخوك
فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما
« ثم تقول الديداخي أيضاً: [وكل صلواتكم وعطاياكم وكل أعمالكم
اعملوها كما هو في إنجيل الرب] (مت 6: 215). وهكذا يجمع كل تعاليمه
ووصاياه ليضعها بموازاة الإنجيل للقديس متى، وكأنه يقول هذه مقدِّمة عملية
للإنجيل. ولكن لكي تحصل على التعليم كله فعليك أن ترجع “للإنجيل” وخاصة العظة على
الجبل.

( ط ) ديداخي (16):
حيث ينتهي كتاب الديداخي بتعاليم عن الأخرويات “أبوكاليبسيس” وكلها مأخوذة من
إنجيل ق. متى، فقد ورد فيها:

§ [اسهروا على حياتكم، ولا تدعوا مصابيحكم تنطفئ] = (مت 8:25).

 §[لا تتركوا أحزمتكم تتراخى حول
أحقائكم] = (لو 35:12)، والأصح
Q = متى في صياغته الأُولى الأرامية.

 §[ولكن كونوا مستعدين لأنكم لا تعرفون الساعة التي يأتي فيها ربنا]
= (مت 42:24و44 – 13:25).

 §[واجتمعوا مراراً وابحثوا في أمور نفوسكم وما يهمّها لأن العبرة أن
تكونوا كاملين في اللحظة الأخيرة، لا في طول مدة إيمانكم. لأن في الأيام الأخيرة
يقوم الأنبياء الكذبة والمفسدون يتكاثرون، والغنمة تتحوَّل إلى ذئب والمحبة تنقلب
إلى عداوة] = (مت 11:24 وما بعده و24)

 §[وبينما الإثم يزداد سيبغضون الواحد الآخر] = (مت 24: 10و12)

 §[ويضطهد ويسلِّم الأخ أخاه وحينئذ يظهر المخادع للعالم وكأنه ابن
الله ويعمل عجائب ومعجزات] = (مت 10:24و24).

§ [وتُسلَّم الأرض ليديه ويعمل أعمالاً نجسة لم تكن سابقاً قط] =
(مت 21:24).

 §[وحينئذ تدخل كل الخليقة البشرية في محنة النار للاختبار، وكثيرون
يعثرون ويهلكون ولكن الذين يصبرون في إيمانهم سيخلصون] = (مت 13:24)

 §[وحينئذ تظهر علامات الحق (مت 30:24)، أولاً علامة السماء
المفتوحة، ثم علامة صوت البوق (مت 31:24)، والعلامة الثالثة قيامة الموتى، لا جميع
الموتى ولكن القديسين منهم كما قيل سيأتي الرب وجميع القديسين معه (زك 5:14)،
عندئذ يرى العالم الرب آتياً على سحاب السماء (مت 30:24، 64:26)].

ومعظم هذه النبوات اختص
بها إنجيل ق. متى وحده مما يشير أن الديداخي تعكس صورة لإنجيل القديس متى بدائية
للغاية.

وهكذا نرى أن كلاًّ من
ق. إغناطيوس الشهيد ووثيقة الديداخي وهما أقدم وثيقتين تحتفظ بهما
الكنيسة وهما سوريتا الأصل يتكلَّم كلاهما عن إنجيل ق. متى باعتباره “الإنجيل”
الذي له السلطان، فهما يشتركان معاً في تقديم
البرهان على أن إنجيل ق. متى كان هو إنجيل كنيسة أنطاكية.

 

ثانياً:
مميزات إنجيل القديس متى وأسلوبه في الكتابة والتعليم

1 أهم مميزات
إنجيل القديس متى

( أ )
التخطيط السابق:

يمتاز
إنجيل ق. متى بالترتيب المنهجي حسب خطة سابقة ملأت أفكار الكاتب وأسماعه ودراساته
فيما سمع وقرأ وجمع، فقد وضع في نفسه أن يقدِّم شخص يسوع على أنه مسيَّا الأنبياء
وابن داود، وريث
مملكة داود الأبدية
بحسب نبوات الأنبياء ومن واقع المزامير، ممَّا قاله المسيح وعلَّم. وهو يختلف في

ذلك عن كلٍّ من إنجيل ق. مرقس وإنجيل ق. لوقا.
ويصف العالِم هاندركسن
([41]) الثلاثة أناجيل من حيث خطتها ومنهجها بثلاثة أنهر، فنهر ق. مرقس سريع
الجريان في أرض وعرة غير ممهَّدة كثير الانحناءات الحادة والمساقط، يعبر على مناظر
متعددة خاطفة ثم ينقطع فجأة على منظر القبر الفارغ والنسوة الحزانى وبشارة الملاك
بالقيامة. بعكس نهر ق. متى: هادئ يمر بطيئاً وئيداً راسخاً على أرض ممهَّدة جيداً،
يقف مرَّات ومرَّات، فيكوِّن بحيرات ذات شواطئ تعجّ بالأحداث والمناظر، ثم يضيق
ليتسع مرَّة أخرى عن أحداث جسام. وفي إنجيل ق. مرقس وإنجيل ق. متى المسيح هو هو
بهدوئه ورصانته يعلِّم نفس الأمور ويحذِّر ويوعِّي ويُرسل ويبارك، ولكن في إنجيل
ق. متى كان عنده متَّسع من التعليم أكثر ومن
الانطباعات الأخروية أوضح، ومن نظرات تحمل عبيق الماضي بأمجاده تلقي
بأضوائها على الحاضر والمستقبل لتجعل من العهدين
عهداً واحداً متصلاً. وفي رأينا أن نهر ق. متى
يتعقَّبه هذا الإنجيلي البارع من منابعه الأُولى من فوق مرتفعات بيت لحم،
حيث يشق النهر مجراه من
صخرة صمَّاء
ويندفع يجرف أمامه التاريخ، ليصب أخيراً في محيط الأزل، والذي يسبح في
تياره يبلغ سر الخلود لا محالة.

 

(ب) إنجيل
تكميل النبوَّات:

صفحاته كلها مقروءة على
أصولها الأُولى من التكوين حتى ملاخي. وكأن المسيح قد جاء ليحيي الماضي كله بكل
عهوده ووعوده، بكل أسفاره وأنبيائه وتعاليمه وأقواله، وصَدُق سفر الرؤيا في قول
الملاك:
» فإن شهادة يسوع هي روح النبوَّة. «(رؤ 10:19)

يستشهد ق. متى بالعهد
القديم 41 مرَّة
([42])، منها 21
موجودة في إنجيل ق. مرقس وق. لوقا، وطبعاً ق.
مرقس فيها هو الأصل، ولكن العشرين اقتباساً الأخرى
وهي نصف الاقتباسات غير
موجودة لا في إنجيل ق. مرقس ولا في إنجيل ق. لوقا، وعشرة من هذه العشرين غير
موجودة في أي من أسفار العهد الجديد. وهكذا يدخل ق. متى بأصالته الجديدة في
اقتباسات لم يسبقه فيها أحد. ومن 41 اقتباس هناك 37 يقدِّمها ق. متى بما يشير إلى
تكميل النبوات. وأهم صيغة عنده هي:
» لكي يتم ما قيل بالنبي « وفكرة ق. متى من قوله ليتم أو ليكمل موجودة في (22:1): » وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل «
فقصد ق. متى ليس من أجل تكميل النبوَّة، بل
تكميل ونمو هذه
الحقيقة المذكورة حتى تمامها. ففي هذه الآية التي تقول:
» هوذا
العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا
«يكون القصد
من التكميل هو إثبات أن المولود هو المسيَّا
المذكور في العهد القديم، فالتكميل هو تحقيق الوعد الذي جاءت به النبوَّة، الأمر
الذي
تتبَّعه إشعياء نفسه، فبعد هذه
النبوَّة في الأصحاح السابع جاء في الأصحاح التاسع من سفره وأعطى النبوَّة
المكملة:
» لأنه يولد لنا ولد (الذي ولدته العذراء في الأصحاح السابع) ونُعطَى ابناً
وتكون الرياسة

على كتفه، ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس
السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود وعلى مملكته،
ليثبِّتها…
«(إش 9: 6و7).
فإنجيل ق. متى استحضر لا أقوال الأنبياء وحسب بل وأرواحهم، ليقدِّم كل واحد شهادته
من وراء الماضي السحيق، ليؤكِّد أن كلمة الله حية وفعَّالة تزيدها الأزمنة بريقاً
لتحقق صدق وعود الله. فالمسيح عند ق. متى هو مسيح التوراة وكل الأنبياء قبل أن
يكون مسيح العهد الجديد، مسيح الخلاص:
» الخلاص الذي فتَّش وبحث
عنه أنبياء. الذين تنبَّأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي
كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ سبق
فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها.
«(1بط 1: 10و11)

والقديس متى يقدِّم
المسيح في إنجيله الذي قسَّمه على مستوى التوراة، أنه هو موسى الجديد، وأن الإنجيل
هو التوراة وهو الناموس الجديد، والمسيح هو شخص إسرائيل الجديد أو الحقيقي على
مستوى الاستعلان أو الإعلان الجديد من الله. هذا يعني أن ق. متى يكشف خطة الله
وتحقيقها وتكميلها على مدى كل التاريخ وفوقاً منه.

 

( ج ) إنجيل
المسيَّا الملك الآتي كوعد الله لداود:

فمن بدء الإنجيل يرتفع
الإنجيل كله إلى مستوى تحقيق وعد الله لداود أن يقيم له نسلاً يجلس على كرسيه إلى
الأبد (2صم 7: 1326)، فهو المعبِّر عن مملكة أبينا داود وقد نسبه إلى
داود بطريقة محورية، فكل الأجيال تصب في هذه الحقيقة. فمسلسل الأنساب ينتقي فيه ق.
متى الأشخاص والملوك الذين يحق لهم بحسب وضعهم في الأنساب أن يكون منهم المسيَّا
الآتي، فيُسقط من المسلسل الملوك الأشرار والذين رفضهم الله، ولا يلتزم بالبكر،
ولكن يلتزم باللائق أن يكون هو المسيَّا أو الذي يليق أن يأتي منه المسيَّا (1:117).
كذلك يلتزم ق. متى بلقب ابن داود في مواضع كثيرة من حياة المسيح ليؤكِّد هذا الهدف
الأوحد (22:15 و30:20 و9:21 و15:21). والمجوس جاءوا خصيصاً ليسجدوا لملك اليهود
المولود!
» أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق
وأتينا لنسجد له
«(مت 2:2)، وموكب
الدخول الملكي لأُورشليم كان تحقيقاً لنبوَّة مجيء ملك إسرائيل وديعاً راكباً على
جحش ابن أتان (5:21)، وأمام بيلاطس يقبل المسيح لقبه كملك ويدافع عن صحته (11:27)،
وعلى الصليب يوضع عنوانه ملك اليهود (37:27). ولمَّا وقف المسيح على الجبل ليعظ
كان يلقي عظته بنطق ملكٍ:
» أمَّا أنا فأقول لكم « في مقابل ما قاله موسى في التوراة والناموس (5:
22و28و32و34و39و44). يُضاف إلى ذلك إعلانه
الملكي النهائي:
» دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا… «(28: 18و19)

ويقول المسيح عن نفسه
في إنجيل ق. متى عن كونه الملك الآتي إننا سنراه
» آتياً في
ملكوته
« (28:16)، وجعل إنجيله
كله يتزاحم فيه كل ما يخص ملكوته الآتي:
» حينئذ يشبه
ملكوت السموات
«

 

( د ) إنجيل
ملكوت السموات:

والقديس
متى يوصِّل ملوكية المسيح بملكوت السموات، ويختص بهذا الاصطلاح الذي يتكرَّر 32
مرَّة في
إنجيله([43]).
وهو يجمع ما للآب والابن معاً. وإنجيل ق. متى هو الوحيد الذي ارتفع بلفظ الله أي
“يهوه” كتقليد التوراة ليكني عنه “بالسموات” العلا مركز كرسي الله وملكه، فكلمة
السموات في التقليد العبري هي البديل التفسيري لاسم الله تحاشياً لذكر الاسم
الممنوع ذكره بحكم الناموس([44]).
وهذا الاصطلاح يكشف نواة الإنجيل العبري للقديس متى قبل أن يترجم. وبهذا الاصطلاح
الفريد أراد القديس متى أن يحقِّق شخصيته كعبراني ابن عبراني أشرق عليه نور العهد
الجديد. ولذلك أيضاً كان تمسكه بلقب ابن داود وابن إبراهيم عن وعي مسيَّاني
وإصرار. وملكوت السموات تكشف عن عمومية أبوة الله لكافة شعوب الأرض.

( ه ) إنجيل
الإكليسيا بالدرجة الأُولى:

إنجيل القديس متى يدعى
الإنجيل الأكلسيولوجي أي الكنسي، فقد ربط المسيح كملك بالجماعة التي تتبعه أي
الكنيسة. والقديس متى كان مهتماً بإعطاء الكنيسة الأولوية في تسجيلاته لتستقر في
خزانتها كتقليد العهد الجديد. والقديس متى هو أول مَنْ سجَّل اسم الكنيسة وصدور
الوعد والعهد من فم المخلِّص أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. وقد ذكر اسم الكنيسة
“اكليسيا” مرَّتين: المرَّة الأُولى بعد اعتراف ق. بطرس في قيصرية فيلبُّس (16: 1323)،
وفي المرَّة الثانية أعطى الكنيسة الحكم في المنازعات (17:18). وفي أيام كتابة ق.
متى لإنجيله كانت الكنيسة قد بلغت تكوينها الكامل وصارت صاحبة التعليم.

وقد وجَّه المسيح
لتلاميذه كل تعاليمه ومنحهم سر الملكوت باعتبارهم الأساس الأول للكنيسة التي بناها
المسيح بدمه. وهو الإنجيل الوحيد الذي أعطى قانون التعميد:
» باسم الآب
والابن والروح القدس
«فأصبحت بدء كل صلاة وكل قراءة وكل طقس في
الكنيسة، بل وأصبحت سنداً وعماداً لشرح الثالوث والأقانيم اللاهوتية.

ولو أن القديس متى لم
يبلغ رؤية ق. بولس السرِّية أن الكنيسة جسد المسيح، ولا رؤية ق. يوحنا أن الكنيسة
هي أغصان الكرمة، ولكن المسيح يوجد حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه، وهو باقٍ مع
الجماعة كل الأيام وإلى انقضاء الدهر، عمانوئيل إلى النهاية. والمسيح ملك على كل
الكنيسة بلا تخصيص، فملكه شمولي. ورفض المسيح من اليهود هو الذي فتح باباً لدخول
الأُمم. ولكن لم يكن هذا تدبير المسيح ولا في الأفق بالنسبة للتلاميذ، فقد كان
الأمثل والرجاء والتدبير أن تكون إسرائيل هي نفسها التي تكرز وتكون نوراً للأُمم
وتُعلن المسيَّا لكل العالم. ولكن لمَّا تنحت إسرائيل دخلت الكنيسة عوضاً عنها
كإسرائيل الجديد، لأنها هي التي آمنت بالمسيَّا ورحَّبت به واستعدت أن تتألَّم من أجله في العالم. وهكذا دخلت
الأُمم في التاريخ لتكون هي ختام وكمال إسرائيل التوراة التي رفضت ملكها. لذلك
فالكنيسة وحدها هي صاحبة سر الأيام الأخيرة والمنوط بها استقبال الملك الآتي
والعريس القادم. وللحزن المرير تقدَّمت إسرائيل لتكون هي مادة الدينونة القادمة بسبب
رفضهم مشورة الله وصلبهم لابنه، لذلك فهي تكون في صميم النصيب المرفوض في الدينونة

القادمة.

( و ) إنجيل
الأمور الأخروية:

القديس متى أكثر إنجيلي
قدَّم الأمور الأخروية “الإسخاتولوجي”، واستعلان ما سيكون فيها “الأبوكاليبسيس”،
بصورة واضحة قوية تكشف عن اهتمامه الخاص بهذه الأيام التي سيظهر فيها المسيح ثانية
في نهاية العالم، وكذلك اهتمامه بالدينونة. وفي الأصحاح (24) ينقل لنا سرد المسيح
لأخبار الأيام الأخيرة بالتفصيل أكثر من أي إنجيل آخر. كما قدَّم ثلاثة أمثال عن
كيفية المحاكمة في اليوم الأخير في مَثَل
الوزنات (25: 1430)، وفي مَثَل العذارى الحكيمات والجاهلات (25: 113)،
ومَثَل الخراف والجداء (25: 3146).

( ز )
الإنجيل الوحيد الذي جُمع وكُتب باللغة العبرية:

هذا حسب تحقيق العلماء
والآباء (انظر صفحة 2530)،
فهو الوحيد الذي نقل لنا ما قاله المسيح بلغته وما قاله الأنبياء بلغتهم، ثم تُرجم
حرفياً إلى اليونانية فظلَّ حاملاً عبيق التقليد الأول الذي عاشته الكنيسة الأُولى
مع المسيح وفي الهيكل. وهكذا سلَّمنا ق. متى البشارة الأُولى بروحها وتراثها
ورائحتها الأُولى.

( ح )
الإنجيل الذي حمل رسالة الأُمم قبل أن يُحبل بالمسيح في البطن:

لقد أصرَّ ق. متى أن
يتتبع العِرق النابض بروح الأُمم في أنساب المسيح قبل أن يولد المسيح، ليؤكِّد أن
المولود هو نور الأُمم قبل أن يكون رجاءً لإسرائيل. فسجَّل من نسب آباء المسيح
ثلاث أمهات أمميّات: “ثامار (الكنعانية)”، و“بثشبع (الحثية)”، و“راحاب (أُممية من
أريحا)”. وهكذا دخل دم أُممي في سلسلة أنساب المسيح ليحقِّق الاتجاه العالمي لابن
الإنسان.

( ط ) إنجيل
طفولة الرب يسوع:

فهي بدء الإنجيل،
والنواة الأُولى للأخبار السارة. فالمسيح وُلد معقوداً عليه اسم الخلاص:
» وتدعو اسمه
يسوع لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم
«(مت 21:1). وكانت العذراء وحبلها بالروح القدس أول تسجيلات ق. متى
التي أسندها إلى نبوَّة إشعياء، فكانت أول علامات العهد الجديد البارزة والأساس
الثابت لبناء لاهوت الخلاص. ثم تأتي بعدها رواية مجيء المجوس ورواية الهروب إلى
مصر لتعطي صورة حية لطفولة الرب يسوع.

 

2 – تفوُّق
القديس متى في فن التعليم والتبويب والتلقين

معروف أن القديس متى هو
الوحيد الذي جاز مرحلة التعليم باعتباره “لاوي”، أو كما يرى معظم العلماء كرابي
ومعلِّم مقتدر. وفي نفس الوقت كانت مهنته كمسئول عن ضرائب الترانزيت في كفرناحوم،
بالنسبة للبضائع المنقولة من سوريا عبر بحيرة طبرية ثم إلى قيصرية الميناء ومنها
إلى روما وقبرص والإسكندرية، فهذه كلها أعطته
مجالاً أوسع في دراسة أخلاق الناس والشعوب
واللغات.

كذلك معروف أن ق. متى
كان أول مَنْ ألَّف مجموعة الأقوال المنقولة عن المسيح بالعبرية “
Logia” فكانت أول كتاب تعليم ظهر للوجود عن المسيح وتعاليمه، والتي
استقى منها جميع الإنجيليين بلا استثناء مادة هامة لأناجيلهم.

والقديس
متى فوق كفاءته كمعلِّم، قد أظهر في إنجيله مقدرة بارعة في التقسيم والتبويب
والعرض
لمادة إنجيله. وقد جمع من أقوال المسيح كل ما كان تحت يده ويد الآخرين ليجعل من
إنجيله المرجع الأكبر لتعاليم المسيح في كافة المواضيع. ومن أمثلة مقدرته الفذَّة
في التقسيم والتبويب اكتشاف العلماء تقسيمه لإنجيله إلى خمسة أقسام ينتهي كل منها
بعظة مطوَّلة عن ملكوت السموات:

القسم الأول: العظة على
الجبل أو ناموس ملكوت السموات: من الأصحاح 5 إلى 7.

القسم الثاني: مهام
ومسئوليات القادة والمعلمين في أمور ملكوت السموات: الأصحاح العاشر.

القسم
الثالث:

جمع فيه كافة الأمثلة الخاصة بملكوت الله لتقدِّم أوسع تعليم متنوع عن ملكوت
السموات: أصحاح 13.

القسم الرابع: عن ملكوت
السموات وشرط الدخول إليه ومستوى المغفرة فيه: أصحاح 18.

القسم الخامس: عن مجيء
ملكوت السموات: أصحاح 24و25.

والقديس متى في هذا كله
هو أكبر جامع للأقوال ومنسِّق لها، إذ رأى ضرورة ذلك بثاقب فكره وبحسب مستوى
التعليم والمعرفة في أيامه، حيث لا كتابة توزَّع على الناس ولا تعليم مكتوب ولا
قدرة على التعليم في البيوت أو الجماعات، لأن الكنيسة كانت محصورة ومحاصرة في أضيق
حيِّز. لذلك اهتم بأن يجعل من إنجيله مادة سهلة للحفظ عن ظهر قلب، وهي مهنة الكتبة
لأنفسهم ولتعليم الشعب “اسمع واحفظ”. فالحفظ الغيبي هو الوسيلة الوحيدة في تلك
الأيام لنشر الإنجيل وتعليمه. والذي جعلنا نتيقَّن من هذا الأسلوب في كتابة إنجيله
هو جمعه للمعلومات تجميعاً يُسهِّل حفظها جداً في الذاكرة، إذ جعلها على هيئة ثلاث
نقاط مكرَّرة ثلاثاً ثلاثاً أو خمسة مكرَّرة خمسة خمسة وكذلك سبعة، حتى لا يفوت
على المتعلِّم شيءٌ منها. فنجد أن الملاك يعطي خطيب مريم ثلاثة إعلانات في ثلاثة
أحلام، ثم هناك ثلاث تجارب على الجبل، والعظة على الجبل تتكلَّم عن ثلاثة أنواع
للبر (الصلاة والصوم والصدقة)، وهناك ثلاثة شروط لاتباع المسيح ينتهي كل منها
بعبارة “لا يستحقني” (10: 37و38)، وثلاثة أقوال عن “الصغار” (18: 6و10و14)، وثلاث
صلوات في جثسيماني (26: 39و42و44)، ولمَّا أنكر بطرس أنكر ثلاث مرَّات، ولمَّا سأل
بيلاطس المسيح سأله ثلاثة أسئلة. ثم العدد خمسة، نجد الخمس خبزات والخمسة آلاف
والخمس عظات التي تقسِّم الإنجيل إلى خمسة أقسام. كذلك العدد سبعة نجده يقدِّم
سبعة أمثال (أصحاح 13) وسبعة ويلات (أصحاح 23). وفي سلسال ميلاد المسيح نجده يجعل
الجدول مقسَّماً إلى ثلاثة أقسام رئيسية وكل قسم منها به 14 جيلاً، إذ أراد أن
يركِّز على “داود” حيث اسمه بحسب هجاء حروفه العبرية
DWD
فمجموعة قيمة حروفه بحسب ترتيبها في الأبجدية 4+6+4=14 وهذا كله اعتناء شديد منه
ليجعل إنجيله كله على مستوى الحفظ عن ظهر قلب. وهكذا ارتفع قدر ق. متى كمعلِّم
بإنجيله إلى أقصى قمة في فن التعليم والحفظ. والكنيسة والشعب المسيحي يبرهن على
صدق هذا بكونه يحفظ الآيات من إنجيل ق. متى بسهولة ويستشهد بها بتأكيد فيما يخص
شخص المسيح وتعليمه ولاهوته، لأن ق. متى كتب إنجيله من أجل ذلك ليعطي في يدي
المؤمن قولاً حيًّا ورسالة فعَّالة. لذلك كان عماد الكنيسة الأُولى هو إنجيل ق.
متى في هذيذها المتواصل بالمسيح وتعاليمه وكلماته، وهذا يكشف عن عبقرية ق. متى
الروحية إذ استطاع أن يسقي الشعب المسيحي الإنجيل ليحفظوه كالناموس بحروفه.

والقديس متى يركِّز على
تعليم المسيح بنوع من الاهتمام والمسرَّة، وهو يعطي باستمرار موازنة ومقابلة بين
تعاليم الكتبة والناموسيين وتعاليم المسيح. وفي العظة على الجبل يقدِّم البر الذي
في الإنجيل في مقابل البر الذي في الناموس. فيظهر المسيح كمعلِّم الإنجيل الأعلى
فوق معلِّم التوراة موسى، وهو يضمِّن تعاليمه صوراً من حياته وكأنه يحكي عن شخصه
بتعليمه.

فصورة إنجيله المبدئية
هي استعلان لشخص يسوع المسيح في حياته وآلامه وموته وقيامته مقدَّمة كلها للتعليم.
وكأن القديس متى أراد أن يضمِّن إنجيله منهجاً للتدريس والتعليم للكنيسة، الوضع
الذي استأثر به الكتبة في العهد القديم، أي وبصريح العبارة أراد أن يمنهج العهد
الجديد في توراته الجديدة لشعب الله.

لذلك نجد كل اتجاهاته
مشحونة بالتعليم، حتى مجرَّد الروايات التي يسجِّلها. فعلى سبيل المثال، في الجزء
بين العظة على الجبل والعظة التالية (1:8-34:9) نجد كل الروايات تنطق بأن المسيح
هو المسيَّا وباعتراف مسيانيته ولكن دون مواربة، فقد كشف غرضه بالاقتباس من إشعياء
النبي الذي ينطق بأنه المسيَّا:
» لكي يتم ما قيل بإشعياء
النبي هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا.
«(مت 17:8)

كذلك بإبراز قول المسيح
أنه ابن الإنسان:
» وأمَّا ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه «(مت 20:8). كذلك عندما أسكت الرياح وانتهر البحر فسكت فكان
التعليق:
» فتعجَّب الناس قائلين أي إنسان هذا فإن الرياح والبحر جميعاً
تطيعه.
«(مت 27:8)

وابتداره الإنسان المفلوج
بقوله:
» مغفورة لك خطاياك «(مت 2:9). وأظهر رد فعل الكتبة مما ينبئ أنهم اعتقدوا أنه يتكلَّم
كإله:
» هذا يجدِّف «(3:9)، ويعلِّق على ذلك بقوله: » لكي تعلموا
أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا.
«(مت 6:9)

وعندما عيَّره
الفرِّيسيون أنه يأكل مع العشَّارين والخطاة كان رد المسيح هو نفس رد يهوه في
القديم لشعب إسرائيل:
» اذهبوا وتعلَّموا ما
هو. إني أريد رحمة لا ذبيحة.
«(مت 13:9)

ولمَّا جاء تلاميذ
يوحنا يراجعونه كيف لا يصوم تلاميذه كان ردُّه أن وجوده يلغي الصوم كوجود الله أو
العريس في وسط المعيِّدين:
» هل يستطيع بنو العرس أن
ينوحوا ما دام العريس معهم
«(مت 15:9). ويلاحَظ أنه لم يقل: » أن يصوموا «بل » أن ينوحوا « وهكذا حوَّل الصوم الذي قد يليق حتى والعريس الأرضي
موجود إلى نواح، أمَّا هو فحجز عدم الصوم بوجوده لأنه عريس سمائي!

 

3 – أسلوب
القديس متى

يونانية إنجيل ق. متى
جيدة. ولكن تظهر جودة اليونانية في الروايات أكثر منها في التعاليم، لأن هذه تفصح
عن أرامية خلفها مترجمة منها. بمعنى أن ق. متى كان لديه الأقوال التي للمسيح
بالأرامية
Logia فترجمها أو تُرجمت له.

وأسلوب ق. متى يفصح عن
خلفية ساميَّة (يهودية)، ويستخدمها بوضوح في التعريف إذا لزم الأمر، وه
ي واضحة جداً
في المَثَل الذي شبَّه به مَنْ يسمع أقواله ويحفظها كمَنْ يبني بيتاً إما على صخر
فيثبت أو على رمل فيسقط. كما تظهر الساميَّة بوضوح في قوله:
» مَنْ أراد
أن يخلِّص نفسه يهلكها ومَنْ يهلك نفسه من أجلي يجدها
«(مت 25:16). فهو يجمع الأسلوب الأرامي مع الأسلوب اليوناني.

والقديس متى يلجأ بكثرة
إلى كلمة وصل معيَّنة، مثلما يكرِّر ق. مرقس كلمة “للوقت
eÙqÚj”، فالقديس متى يكرِّر باستمرار كلمة “حينئذ tÒte” (استعملها نحو 90 مرَّة)، ويستعيض عنها أحياناً بما يرادفها مثل:
» في ذلك الوقت ™n
™ke…nJ tù kairù
« وهو لا يستشهد بالزمن أو يعطي تواريخ محدَّدة. وفي أقسام إنجيله
الخمسة ينتهي دائماً بجملة معيَّنة يبتدئ بها في الوقت حديثاً آخر
([45]).

ويلجأ
ق. متى إلى الاختصار الشديد وحذف المقدِّمات بقصد التركيز الشديد على استعلان
الفعل والقوة الإلهية في الآية أو الجملة أو المعجزة أو التعليم
فهو عندما يريد أن يعبِّر عن حقيقة سماوية فإنه يُسقط
الزمان والمكان معتبراً أن الإنجيل كله هو عبارة عن تجلٍ للمسيح منذ ميلاده حتى
صعوده.

 

ثالثاً: منهج القديس
متى في تقديم المعجزات والأمثال

1 المعجزات في
إنجيل القديس متى

إنها قوة الله المعلنة
للإنسان سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد، فالله مصدر القوة الإيجابية
والسلطان ولا حدود ولا نهاية لقوته، وكل شيء مستطاع لديه. على أن الذي يمتاز به
التعريف بقوة الله أنها قوة مقدَّسة بسلطان الخير المطلق، وأيضاً كونها مدبِّرة
للتاريخ وفائقة عليه، فهو صاحب وسيد كل ما يحدث في التاريخ وصانع المعجزات. وكما
دمغت قوة الله الفائقة والصانعة العجائب كل العهد القديم، جاء العهد الجديد
وتوضَّحت قوة الله الفائقة ليس في الطبيعة بعد بل في إقامة المسيح من الموت،
وبتعبير لاهوتي في خلق حياة جديدة للإنسان تسمو فوق الموت وتسود عليه. وإقامة
المسيح من الموت تشبه إخراج بني إسرائيل من عبودية مصر إلى حرية الحياة تحت تدبير
الله، ولكن تسمو جداً عليه وإن كان كل منهما هو فصحٌ، ولكن فصح إسرائيل في مصر قد
حدَّد مستقبل إسرائيل الزمني، بينما فصح المسيح على الصليب قد حدَّد مستقبل
الإنسان الأبدي لحياة أبدية، ولا زلنا نقيِّم معياره كل يومِ أحد!!

وعلى
هذا الضوء نرى أن المعجزات في العهد الجديد هي اختراق قوة الله ذات الحياة والخير
والهدف
الفائق لواقعنا المريض والحزين والعاجز، الأمر الذي به وفيه يستعلن الله ذاته.
لذلك حُسبت المعجزة آية بمعنى علامة على حضور الله، فهي بآن واحد دعوة للإيمان
بحضور الله والمسيح!! لذلك كان المسيح يلح على الناس أن يؤمنوا بالله وبه بدون
آية، لأن وجود الله بالكلمة كان بحد ذاته استعلاناً لحضور الله:
» لا تؤمنون
إن لم تروا آيات
« (يو 48:4). على أن
أهم ما يلزمنا إدراكه عن طبيعة المعجزة والآية هو أن المعجزة والآية لم تُعط
لإثبات مجيء الملكوت، ولكنها بحد ذاتها استعلان حضور ملكوت الله!!([46])
فهي لا تُعطى لإرضاء أفكار الناس وتصوراتهم، أو للتأثير على إيمانهم، ولكن

الآية والمعجزة تتم والله يوجد حيث يوجد الإيمان، لذلك لم يستطع المسيح أن يعمل
آيات في كفرناحوم لأنهم لم يكونوا يؤمنون به!!
فهذا عكس ما كان الناس ولا يزالون يظنون أن المسيح يعمل الآيات لكي يؤمن الناس:
» لماذا يطلب هذا الجيل آية، الحق أقول
لكم لن
يُعطَى هذا الجيل آية «(مر 8: 11و12). فطالما كان
المسيح ينادي بملكوت الله والناس يؤمنون، كانت تُجرى الآيات، لأن الآية والمعجزة هي بحد ذاتها اختراق ملكوت الله
لعالمنا، حيث مع الآية والمعجزة فرح لا يُنطق به
ومجيد.

لذلك أيضاً فكل معجزات
إخراج الشياطين وشفاء الأمراض لدى المتسلِّط عليهم إبليس كانت هي محصِّلة حرب
ومواجهة عنيفة بين وجود ملكوت الله في شخص المسيح مقابل سلطان الشيطان:
» أجئت إلى
هنا قبل الوقت لتعذِّبنا!!
«(مت 29:8). إنها حرب بين النور والظلمة وصلاح الله ضد أعمال الشر.
فأينما وُجد المسيح كانت تُجرى المعجزات والآيات بقدر ما كان الناس يؤمنون به، لأن
أصل الشر والبؤس والمرض وتجبُّر الشيطان هو غياب الله!! والآن إذ أُعلن اقتراب
الملكوت أُعلن بالضرورة عن المعجزة والآية لاقتلاع جذور الشر والبؤس:
» ولكن إن كنت
أنا بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله
«(مت 28:12). وهذا يعني بوضوح أنه إن يبدأ الله عمله وحكومته بواسطة
المسيح، يتحتَّم أن تُقتلع جذور الشيطان وأعماله من الناس. فالمعجزة والآية تخص
الله والمسيح أكثر من أنها تخص الناس! لأن إخراج الشياطين كان عملاً يهم المسيح
وجزءاً رسمياً في خدمته، وقد اتضح هذا جداً عندما ابتدأ عمله وخدمته بالدخول في
التجربة مع الشيطان وربطه ثم نزل “لينهب أمتعته” كفاتحة لبدء حكم الملكوت:
» إن كنت أنا
بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله
«

وحينما كان المسيح
مشغولاً بعمليات شفاء الأمراض في السبوت داخل المجامع، كان يرسم عملاً أخروياً لما
يجب أن يكون عليه الإنسان في ملكوت الله، وعندما أمر الرياح لتهدأ وصخب البحر
ليسكن فكان يقدِّم صورة لكيف ستخضع الطبيعة أيضاً لسلطان تدبيره لتخدم أعواز
الإنسان. ولكن يلزم أن نضع في الأساس أن المعجزة والآية يأتيها الله استجابة
لإيمان الإنسان وليس لاسترضاء إيمانه:
» حينئذ أجاب يسوع وقال
لها يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين، فشُفيت ابنتها من تلك الساعة
«(مت 28:15). لأن ثقة الإنسان في الله تمهِّد لعمل الله، وبالمقابل
فإن عدم الإيمان يوقف عمل الله:
» ثم تقدَّم التلاميذ إلى
يسوع على انفراد وقالوا: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم
«(مت 17: 19و20). هنا حتمية الإيمان ليجري الله منتهى سعادته في عمل
الخلاص للإنسان:
» فقال ثقي يا ابنة إيمانكِ قد شفاكِ «! (مت 22:9)، » ثم قال له (للأبرص) قم
وامضِ إيمانك خلَّصك
«(لو
19:17)،
» فقال: يا سيد، أن أبصر. فقال له يسوع: أبصر. إيمانك قد شفاك. «(لو 18: 41و42)

 

2 – الأمثال في إنجيل
القديس متى

الأمثال هي واحدة من
أهم طرائق التعليم عند المسيح الذي اختص بهذا النوع من التعليم. وهي تقوم على نوع
من المشابهة أو المحاكاة مأخوذة من الطبيعة أو من أعمال الإنسان، ولها قصة أو
رواية قصيرة للغاية فيها يضع المسيح المعنى الروحي الذي يقصده.

فالمعنى في صورته
النظرية أو الفكرية صعب التقاطه، ويحاول الإنسان أن يجد لهذا المعنى أو هذه
الحقيقة صورة يطبِّق عليها ما يفهمه. فهنا في الأمثال يجسِّم المسيح المعنى أو
الحقيقة التي يريد أن يرسِّخها في قلوبنا بأن يضعها في مثال معروف يجسِّد به هذه
الحقيقة، فيدركها الإنسان بنفسه دون شرح. وهكذا بتشغيل الذهن والتصوُّر يبلغ
الإنسان الحقيقة بنفسه وحينئذ يصعب زوالها. لذلك كانت الأمثال عند المسيح وسيلة
تعليمية ناجحة للغاية بقيت في أذهان الناس بالنقل الشفاهي حتى تسجَّلت في
الأناجيل.

ومن أجمل الأمثلة
التصويرية مَثَل ملكوت الله والزوان: إذ يصوِّر إنساناً مجتهداً زرع قمحاً جيداً
في حقله، ثم جاء عدو دون أن يراه وألقى في وسط القمح بذوراً شيطانية لنبات الزوان،
ونما القمح ونما الزوان معه، ولم يكن حلٌّ على الإطلاق لتطهير الحقل من الزوان،
وكان يتحتَّم أن يُتركا ينميان معاً حتى ميعاد الحصاد، وحينئذ بالغربال يمكن فصل
القمح عن الزوان. وجمال هذا المَثَل في تطبيقه حيث القمح هم المختارون والزوان هم
أولاد الشيطان الأشرار، وفصلهما عن بعض إنما سيتم بمعرفة المسيح في يوم الدينونة.

ومن أدق مواصفات هذه
الأمثال أن المسيح كان يقولها على أساس أن لا يشرحها، وكان على التلاميذ أن
يكتشفوا فيها سر الملكوت الذي كان قد استودعه قلوبهم. ولكن للأسف تبارى النُسَّاخ
والمعلِّمون في شرحها، وهكذا وصلتنا بشرح واختفي الاجتهاد في استجلاء
السر”.

من هذا نفهم أن المسيح
كان يعتمد على حاسة استجلاء الأسرار عند التلاميذ لينمِّيها، وهو من أهم مناهج
التعليم عند المسيح. لذلك لمَّا طلب التلاميذ من المسيح أن يفسِّر لهم مَثَل
الزارع حزن للغاية وراجعهم بشدَّة
» ثم قال لهم: أما تعلمون
هذا المَثَل. فكيف تعرفون جميع الأمثال؟
«(مر 13:4)، » قد أعطى لكم أن تعرفوا
سر ملكوت الله. وأمَّا الذين هم من خارج فبالأمثال (غير المشروحة) يكون لهم كل
شيء.
«(مر 11:4)

والأمثال قريبة جداً من
شكل الاستعارة أو المجاز التي كان يستخدمها المسيح أيضاً. والأناجيل الثلاثة معاً
تقدم لنا ما بين 3040 مَثَلاً، في حين أن إنجيل ق. يوحنا يخلو من
الأمثال، وبعض الأمثال شديدة التأثير وذات رنين عالٍ في التعليم يستمر داخل الوعي
كمَثَل الزارع، وهو موجود في الثلاثة أناجيل. وبعض الأمثال يشترك فيها القديس متى
والقديس لوقا، وبعضها يختص بها إنجيل ق. متى وحده مثل مَثَل “العشر عذارى”، وبعضها
يختص به ق. لوقا وحده كمَثَل “السامري الصالح”. ويختلف المَثَل عن الرمز حيث الرمز
يحمل في كل أجزائه ما يقابلها من معنى، ولكن المَثَل يعطي معنى رئيسياً واحداً وقد
تتعدد المعاني.

ولعلَّ أصعب مَثَل
واجهه الشُّرَّاح هو ما جاء في إنجيل ق. لوقا (16: 113) عن
الوكيل الظالم أو وكيل الظلم، إذ يلزم أولاً معرفة كلمة السرّ فيه، فإذا كُشف
أمرها صار من أقوى الأمثلة التي قالها المسيح والتي ستتحكَّم في كل تصرُّفات
الإنسان بالنسبة للعالم الحاضر وللحياة الأبدية. فكلمة السر فيه هي كلمة “مال الظلم”، فما هو “مال الظلم”، إذا عُرف سرُّه انحل
المَثَل وصار مطبَّقاً على
كل أعمال
الإنسان. وقد قمنا بشرحه في حينه (راجع: شرح إنجيل القديس لوقا الأصحاح السادس

عشر).

أمَّا بعض الأمثال التي
فقدت موضعها الأصيل في الحديث وبالتالي مناسبتها، فإنها تصبح غير مؤكَّدة الحل،
مثل ما جاء في (مت 5: 25و26):
» كُن مراضياً لخصمك سريعاً
ما دمت معه في الطريق، لئلاَّ يُسلِّمك الخصم إلى القاضي ويسلِّمك القاضي إلى
الشرطي فتُلقى في السجن. الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير
« فإذا وازنَّاها بما جاء عند ق. لوقا في إنجيله نجد أن الاختلاف
طفيف ويعتمد على موقع المثل:
» يا مراؤون، تعرفون أن
تميِّزوا وجه الأرض والسماء، وأمَّا هذا الزمان فكيف لا تميِّزونه؟ ولماذا لا
تحكمون بالحق من قبل نفوسكم؟ حينما تذهب مع خصمك إلى الحاكم، ابذل الجهد وأنت في
الطريق لتتخلَّص منه، لئلاَّ يجرّك إلى القاضي، ويُسلِّمك القاضي إلى الحاكم،
فيلقيك الحاكم في السجن. أقول لك: لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير.
«(لو 12: 5659)

والفارق كبير، فالقديس
متى يضعها في الوسط الأخلاقي إذ يعطي قبلها مباشرة:
» فإن قدَّمت
قربانك إلى المذبح، وهناك تذكَّرت أن لأخيكَ شيئاً عليكَ، فاترك هناك قربانك
قُدَّام المذبح، واذهب أولاً اصطلح مع أخيكَ، وحينئذٍ تعالَ وقَدِّم قربانك. كُن
مُراضياً لِخصْمِكَ…
«(مت 5: 2325). أمَّا وضعها في إنجيل ق. لوقا فهي
في موضع معرفة يوم الرب الذي يوحي إمَّا بالإسراع للتوبة أو الهلاك. إذ يجيء قبلها
مباشرة:
» يا مراؤون تعرفون أن تميِّزوا وجه الأرض والسماء، وأمَّا هذا
الزمان (زمان ابن الإنسان) فكيف لا تميِّزونه؟ ولماذا لا تحكمون بالحق (على
أنفسكم) من قِبَلِ نفوسكم؟ (أنكم خطاة وتحتاجون إلى التوبة قبل أن يُحكم عليكم).
«(لو 12: 56و57)

هكذا يلزم أن ندرك أن
الأمثال في وضعها الحالي احتفظت بأهميتها كوسائل تعليم كانت ذات معنى وأثر فعَّال،
وتوارثتها الكنيسة كأقوال شفاهيَّة هامة وحيَّة من فم المسيح. أمَّا أوضاعها
وتحديد معانيها فتحتاج إلى جهد كبير.

تقليد
القديس متى في عرض الأمثال وتخصصها:

يمتاز تنسيق إنجيل
القديس متى بتجمعات خمسة كبرى لتعليم المسيح:

1 – العظة على
الجبل من الأصحاح (57).

2 – الإرساليات
وتعليمها الأصحاح العاشر.

3 – حديث
الأمثال الأصحاح الثالث عشر.

4 – تعاليم
لحياة الجماعة الأصحاح الثامن عشر.

5 – حديث
الأخرويات الأصحاح (24و25).

ومعظم الأمثال تتركز في
الثلاثة أجزاء الأخيرة.

ويحاول
القديس متى أن يتَّسع بالأوصاف ويغالي جداً في شدتها وحجمها ليبرز قدر السماء من
قدر
التراب، فالكنز في الحقل باع الإنسان كل ما كان له واشتراه، واللؤلؤة لتاجر
يطلب اللآلئ الحسنة باع كل ما كان عنده واشتراها، والشبكة المطروحة جمعت من
كل نوع. ودين العبد عند سيده يساوي في حجمه الضرائب المفروضة على كل سوريا
وفينيقية واليهودية والسامرة (مت 24:18) وتُقدَّر قيمته بستمائة مليون جنيهاً،
والوزنات التي أُعطيت للعبد للمتاجرة تساوي على التوالي أجر عامل لمدَّة عشرين
وأربعين ومائة سنة!! (مت 15:25). وهذا كله تراب ولا يساوي مجد الله.

والقديس متى له روح
تأملية تسرح في الأخرويات دائماً وتلوِّن تعاليم المسيح، وهو مغرم بالأخلاقيات
ويقرن الأخلاقيات بالنهايات.

وحديث الأمثال المجتمعة
في الأصحاح الثالث عشر يعطي لإنجيل ق. متى مذاقة جيدة. ومَثَل الزارع عند ق. متى
(1:139)، حديث أطول بكثير مما عند ق. مرقس، ويرجع إلى نص إشعياء النبي
(9:6و10). والقديس متى هو الوحيد الذي وضع هنا تطويب المسيح لعيون تلاميذه وآذانهم
لأنها عاينت عصر المسيا!! وق. متى يضيف في عالم الأمثال مثله البديع عن القمح
والزوان! (24:1330) والخميرة الصغيرة (مت 33:13). ولُوحِظَ أنه يجمع
الأمثال في ثلاثيات، وهو مغرم بالرقم 7، فسبعة آلاف شخص أكلوا من سبع خبزات، وفاض
سبع سلال من الكسر.

ونعمة “البر dikaiosÚnh” عند ق. متى قطب جاذب: » طوبى للجياع
والعطاش إلى البرِّ
«(مت 6:5)، » طوبى للمطرودين من أجل البر «(مت 10:5)، » إن لم يزد بركم
على الكتبة والفرِّيسيين لن تدخلوا ملكوت السموات.
«(مت 20:5)

و“البر”
الذي يُترجم بالحق أو العدل بالنسبة لملكوت السموات عند ق. متى هو المنبثق من
الغفران
المجَّاني وبدون استحقاق من قبل الله الكلي البر، ومظهره السائد هو الرحمة.
فالله رحوم
لأنه بار، وهو
» يبرِّر الفاجر «فيستد فم العدل في نظر
الإنسان
» لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلِّص ما قد هلك «(مت 11:18)، » فلما ابتدأ في المحاسبة
قُدِّم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة([47]) (ستمائة مليون
جنيه!)… فتحنَّن سيد ذلك العبد وأطلقه وترك له الدين
«(مت 18: 24و27). بهذا المثل وهذا التحديد الواقعي لبر الله ورحمته يخرج إنجيل ق. متى بمعيار لاهوتي
فريد من نوعه عن قيمة الغفران.

وفي مَثَل الخروف الضال
ينتهي القول للقديس متى هكذا:
» هكذا ليست مشيئة أمام
أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار
«(مت 14:18). وبهذه الآية نقف وجهاً لوجه مع آية ق. يوحنا الفريدة: » هكذا أحب
الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية.
«(يو 16:3)

وتأتي الأمثال عند ق.
متى في ثلاثة مواضع تكاد تكون متخصِّصة لها:

1 – الأمثال
التي تعالج الملكوت بصفة عامة (أصحاح 13).

2 – الأمثال
الأكثر تخصصاً التي تختص بجماعة العهد الجديد وبمبادئها (أصحاح 18).

3 – الأمثال
التي تعكس ذهاب المسيح إلى أُورشليم للنهاية (أصحاح 20 إلى 25).

وعلى العموم فالأمثال
تبدأ تظهر في إنجيل ق. متى عند نقطة هامة، وذلك بعد أن أعطى المسيح تعاليمه للاثني
عشر، وبعد أن أرسل المعمدان يسأل عن حقيقة مجيء المسيح وخدمته، ثم حديث المسيح عن
الشيطان باعتباره الرجل القوي، وعن نفسه بأنه الأقوى الذي يربط هذا القوي ثم ينهب
أمتعته، بعدها وفي مبدأ الأصحاح الثالث عشر بدأت أول أمثلته عن الزارع معبِّراً عن عمل الملكوت.

أولاً:
الأمثال التي تعالج الملكوت بصفة عامة (أصحاح 13):

(3:13-8)
مَثَل الزارع:
= (مر 4: 38)،
(لو 8: 58)

والمَثَل ولو أنه للزرع
إلاَّ أنه ينظر إلى الحصاد أساساً، فهو يرمي إلى الملكوت بالنهاية، والحصاد في
عُرف المسيح والإنجيل هو الزمن الأخروي، ولكن من مبدأ الكلام ينكشف الملكوت:
» فاسمعوا
أنتم مَثَل الزارع، كل مَنْ يَسمع كلمة الملكوت…
«(مت 13: 18و19)

(10:1313)
لماذا الأمثال:
= (مر 10:412)، (لو 9:8و10)

+ » فتقدَّم
(إليه) التلاميذ وقالوا له: لماذا تكلِّمهم بأمثال؟ فأجاب وقال لهم: لأنه قد أُعطي
لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات، وأمَّا أُولئك فلم يُعطَ. فإن مَنْ لهُ
سيُعطَى ويُزَاد، وأَمَّا مَنْ ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه
«

بهذا يُفهم تماماً أن
المسيح قد غطَّى مفهوم المَثَل ليجعله لا يُفهم عند غير المدعوين للملكوت، وجعل سر
الملكوت قاصراً على تلاميذه. من هذا يظهر أن كل محاولة تمَّت لتفسير الأمثال
ليفهمها الجميع هي خارجة عن إرادة المسيح، ولا تعطي المفهوم الصحيح الموازي لسر
الملكوت.

والمهم أن نعلم أن هذه
الحقيقة (11:13) واردة في الثلاثة أناجيل، بمعنى أنها داخلة في أساس التعليم
بالنسبة للتلاميذ. وقد كشف المسيح عن حقيقة إعطاء تلاميذه سر الملكوت عند قوله:
» ولكن طوبى
لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع. فإن الحق أقول لكم إن أنبياء وأبراراً
كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا. وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم
يسمعوا
«(مت 16:13و17).
لذلك فإن الأمثال عند ق. متى تُحسب على مستوى الآيات والمعجزات التي تكشف عن حضور
الله بالسر!!

(24:1330)
مَثَل الزوان:

هنا صورة للملكوت الذي
سيجمعه المسيح من أطراف السماء الأربعة، حيث يأتي بجميع الناس ويوقفهم أمامه عن
يمينه ويساره، في اليمين الخراف وفي اليسار الجداء، والخراف هم المختارون والجداء
هم المرفوضون. وبمعنى واضح أنه الملكوت قبل الملكوت، أو ملكوت حكم الدينونة قبل
ملكوت المجد.

هنا الزرع الجيد وزرع
الزوان. ويمتاز هذا المَثَل بضرورة التأني والانتظار وعدم الحكم إلاَّ بعد أن يكمل
نمو الجميع، فالتلمذة الأصيلة ينبغي أن تأخذ كمال انطلاقها، والمضادون يُتركون
بصبر حتى النهاية:
» إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت. «(1كو 5:4)

(31:13و32)
مَثَل حَبَّة الخردل:
= (مر 4: 3032)، (لو
13: 18و19)

وفي
هذا المَثَل تنتحي سرية الملكوت في النمو المتواصل الذي يجعل من البداية الصغيرة
جداً نهاية

ذات وجود شامل، وهو أمر يفحم المناقضين له، أمره كأمر قيامة المسيح من الأموات
التي وصفها سفر الأعمال بحسب نبوَّة حبقوق (5:1):
» فليكن
معلوماً عندكم أيها الرجال الإخوة، أنه بهذا يُنادى لكم بغفران الخطايا،…
فانظروا لئلاَّ يأتي عليكم ما قيل في الأنبياء: انظروا أيها المتهاونون وتعجَّبوا واهلكوا، لأنني عملاً أعمل في أيامكم. عملاً لا تصدقون إن أخبركم أحد به.
«(أع 13: 3841)

(33:13)
مَثَل الخميرة الصغيرة:
= (لو 13: 20و21)

وهنا أيضاً سر الملكوت
يختبئ في سرعة الانتشار من بداية صغيرة للغاية، ولكن بالنهاية يصير عملاً يملأ
الأسماع والأنظار والأقطار، وهنا يضيف ق. متى في شرح نمو الملكوت الأكيد لمحة من
مزمور (78) الذي يصف فيه كيفية بداية شعب ونهايته مبتدأً بالقول:
» أميلوا
آذانكم إلى كلام فمي، أفتح بمَثَلٍ فمي أذيع ألغازاً (وأنطق بمكتومات) منذ القديم
«(مز 78: 1و2 وانظر: مت 35:13). والتركيز في هذه النبوَّة على كلمة
“أمثال” أو “ألغاز” ليوضِّح للقارئ والسامع فحوى الكلام وسريته. وواضح من بقية هذا
المزمور أن هناك علاقة بين الملكوت القادم والمُلك الذي أُكمل لشعب إسرائيل، حيث
يتبلور الكلام هنا على عهد جديد كما تبلور في القديم على عهد سيناء. والذين
يتهاونون يجرفهم التيَّار ويهلكون.

(44:1346)
مَثَل الكنز في الحقل ومَثَل اللؤلؤة الحسنة:

وهنا
يقارن سر الملكوت بفرحة اللقيا مع الله لتعوِّض الجهد والسهر والبحث، حيث ينكشف
وجه الله
ككنز فائق يستحق كل البحث والمعاناة. وشأن الكنز شأن اللؤلؤة الجميلة الكثيرة
الثمن التي تمثِّل وجه الله هنا حينما ينتهي سر الملكوت إلى مفاجأة فائقة القدر،
حينما يكتشف الإنسان أنه تواجه في قلبه مع الله.

(47:1350)
الشبكة المطروحة في البحر:

بهذا المَثَل المحكم
ينهي ق. متى هذا الأصحاح، إذ يوضِّح هذا المَثَل النهاية، شأن الحصاد الذي يجمع
الأردياء والجياد والصالحين والأشرار، اليهود والأمم، حيث ينتهي الملكوت إلى
دينونة قبل أن ينجلي وضع المختارين الداخلين إلى فرح سيدهم. والمَثَل له موضع
محبوك إذ يأتي في ظروف ازدياد النقد للمسيح من الرافضين.

ثانياً:
مَثَلان يخصان جماعة العهد الجديد (أصحاح 18):

(12:1814)
مَثَل الخروف الضال:
=(لو 15: 37)

مجرى الحديث الذي أوحى
بمَثَل الخروف الضال هو الاهتمام بالصغار:
» انظروا لا
تحتقروا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون
وجه أبي الذي في السموات. لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلِّص ما قد هلك
«(مت 18: 10و11). لذلك فاهتمام المسيح بالصغار يمتد ليشمل الذين في
خطر الهلاك، الذين ضلُّوا الطريق وخرجوا من وسط الجماعة وليس من يهتم. وهنا يجيء
مَثَل الخروف الضال شديد الإحكام، ولكن ليس على أساس أن الخروف الضال أهم من
الجماعة (التسعة والتسعين)، لأن الجماعة إن كانت في أمان وجب أن تتركَّز الجهود من
أجل الضال، على أساس أن قيمة الجماعة عند الله تشمل بالضرورة الصغير فيها والضال
والمعرَّض للهلاك. والمسيح يؤكِّد أن مجيئه أصلاً هو من أجل هذا الضال الواقع تحت
تهديد الهلاك.

(23:1835):
مَثَل العبد غير الرحوم:

هو يمثِّل قيمة الصفح
والتسامح والمغفرة لدى جماعة الملكوت، والذي يشذ عن أن يسامح رفيقه يغرَّم بكل
ديونه لدى الله. والفرق بين ما نغفره وما يُغفر بالمقابل لنا شيء لا يمكن مقارنته،
وبالتالي يكون ما سنخسره من عدم غفران خطايانا وتعدياتنا لا يمكن تصوُّره بما هو
مفروض علينا أن نغفره. والمسيح يُعطي أرقاماً مذهلة: فدين العبد الذي تركه له سيده
= 10.000 وزنة، والوزنة 6000 دينار وهذا المبلغ يساوي ستمائة مليون
جنيهاً، والمبلغ الذي لم يشأ العبد أن يغفره لزميله بالمقابل هو مائة دينار فقط أي
ما يساوي 1: 600.000 من الدين الأول!! فانظر أيها القارئ فهذه هي النسبة بين ما
علينا وبين الذي لنا على الناس!!

+ » فهكذا أبي
السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاَّته.
«(مت 35:18)

ثالثاً:
الأمثال التي تعكس ذهاب المسيح إلى أُورشليم للنهاية (أصحاح 20 إلى 25):

(1:2016)
مَثَل للملكوت: فعلة الكرم المبكِّرين والمتأخرين والدينار الواحد!!

وهنا يلمِّح المسيح على
إسرائيل أنها عملت من أول نهار العهد، واحتملت ثقل الناموس وعقوباته، وبطء استعلان
الله مئات من السنين، وأمانة حفظ الكلمة، على أن الكرم أصلاً هو إسرائيل بكل تأكيد
ومن كل الوجوه. ولكن يخيِّب المَثَل ظن الفعلة المبكرين مثل حنة وسمعان الشيخ، فلا
يأخذون أجراً إلاَّ أجر أصحاب الساعة الحادية عشر مثل الخطاة الذين تابوا على يد
المسيح، لأن عطية الملكوت صادرة من قلب الله وليس من عرق الإنسان، وفيها يتساوى
الإنسان، كل إنسان، تحت مظلة صلاح الله. ولكن الكلمة السرية هي
» فتأخذوا ما
يحق
لكم =
d…kaion «
هنا الاستحقاق في أجر الملكوت هو بحسب “عدل الله” وليس بمقتضى عرق الإنسان.

(28:2132) مَثَل الابنين:

الأول رفض العمل ثم ندم وعمل، والثاني وافق على العمل ولم يذهب:

واضح أن قادة إسرائيل
أظهروا دائماً غيرة على وصايا الله والاستعداد للطاعة، ولمَّا جاء وقت العمل
والطاعة بمجيء المعمدان لا عملوا ولا أطاعوا. وهم هنا في هذا المَثَل الابن الذي
وافق ولم يذهب، والعشَّارون والزواني هم الذين استعفوا واعتذروا ثم ندموا وأقبلوا
واعتمدوا من يوحنا، وهم الابن الأول في هذا المَثَل.

والمَثَل قدَّمه المسيح
بعد أن استجوبه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب عن بأي سلطان يفعل هذا ومَنْ أعطاه
السلطان، فردَّ عليهم بسؤاله عن معمودية يوحنا أكانت من السماء أم من الناس؟ فلم
يجيبوا. فامتنع هو أيضاً عن الإجابة، وأدرك المسيح خبثهم أنهم رفضوا الإجابة لأنهم
لم يقبلوه ولم يعتمدوا ورفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم، فجاء المَثَل عليهم بحبك
متقن.

(33:2141)
مَثَل الكرَّامين الأردياء:
=(مر 12: 19)، (لو 20: 919)

وواضح أن الكرم دائماً
يشير إلى إسرائيل، وهنا الكرَّامون هم رؤساء إسرائيل. والمَثَل على مستوى رفع قضية
ضد رؤساء إسرائيل الذين نقضوا العهد وأكلوا الكرم وقتلوا صاحب العهد والوعد،
والقضية تطالب بتسليم الكرم وتحمل أشد العقوبات. ومن المعروف أن الأنبياء قد رفعوا
هذه القضية مراراً ضد رؤساء إسرائيل ونطقوا بأحكام مريعة مسبقاً (انظر مثلاً
إشعياء 5). وبالتالي تكون بمثابة الدخول المباشر في تأسيس العهد الجديد. والعجيب
أن رؤساء الكهنة والفرِّيسيين فهموا تماماً قصد المسيح، لأن مثل هذه القضية كانت
تشغل ضمائرهم بسبب خيانتهم لعهد الله.

(1:2210) يشبه ملكوت السموات ملكاً صنع عرساً لابنه:=(لو15:1424)، (رؤ 7:19)

واضح أن الدعوة كانت
قائمة منذ القديم، ولكن تحقَّقت بمجيء المسيح الابن، والوليمة هي وليمة الملكوت،
والعرس عرس الكنيسة، والمدعوون هم رؤساء الشعب والمتولون على أمره. ولكنهم
استهزأوا بالابن وملكوته وعرسه ودعوته ورفضوه ورفضوا كلامه. فانتقلت الدعوة
بالضرورة إلى مَنْ هم خارج سياجات إسرائيل، بمعنى الخطاة والعشَّارين والزواني
وأخيراً الأُمم (الكلاب).

(11:2214)
لباس العرس:

يعتقد العلماء أن هذه
بقايا مَثَلٍ قائم بذاته، ولكنه على أي حال يوضِّح أن الدعوة للعرس، أي للملكوت،
لا تُعطَى بالقول بل بالفعل، فالمدعو مهما كان خاطئاً وغير مستحق إلاَّ أنه بوقوع
الدعوة عليه تعطيه في الحال شكل ووصف وطبيعة المدعوين، يحملها ويدخل بافتخار.
فلباس العرس هو بمثابة كارت الدعوة ممضي من صاحب الوليمة أو تذكرة إخلاء طرف من
العالم.

ولكن بحسب تقليد الكتاب
المقدَّس والكنيسة فلباس العرس تظهر حقيقته في الآيات التالية:

+ » مَنْ يغلب
فذلك سيلبس ثياباً بيضاً، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبي
وأمام ملائكته.
«(رؤ 5:3)

+ » فأُعطوا كل
واحد ثياباً بيضاً، وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً حتى يَكْمَلَ العبيد
رفقاؤهم، وإخوتهم أيضاً، العتيدون أن يقتلوا مثلهم.
«(رؤ 11:6)

+ » هؤلاء هم
الذين أتوا من الضيقة العظيمة، وقد غسَّلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف.
«(رؤ 14:7)

+ » فرحاً أفرح
بالرب، تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر
مثل عريس يتزيَّن بعمامة ومثل عروس تتزيَّن بحُليِّها.
«(إش 10:61)

+ » أشير عليك
أن تشتري مني ذهباً مصفَّى بالنار لكي تستغني، وثياباً بيضاً لكي تلبَس، فلا
يظهر خزيُ عُريتك.
«(رؤ 18:3)

وواضح أن الثوب المتسخ
هو المدنَّس بالخطايا، والمغسول والمبيَّض هو بدم الخروف. والذي يلزم الرجوع إليه
هو قول المسيح للذي ليس عليه لباس العرس
pîj e„sÁlqej ومعناها: “بأي حقٍّ
دخلت؟” وليس كما جاء في الترجمة العربية مجرَّد
» يا صاحب،
كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لِبَاسُ العرس؟
«(مت 12:22). فكلمة “كيف” فقط ضيَّعت معنى وقيمة المَثَل، إذ
السؤال: “بأي حقٍّ؟”، إذن فهو دخل بدون حق!! وحق الدخول هو مسحة الدم!!
ثوب الخلاص!!
ولا يحتاج إلاَّ الاعتراف بتبعية المسيح.

علماً بأن الكنيسة
الأُولى كانت تُلبس المعمَّد الجديد بعد خروجه من المعمودية وقبوله الروح القدس
لباساً أبيض جديداً بمفهوم لباس العرس، وكان يحتفظ به المعمَّد (رجال ونساء) لكي
يلبسه ساعة الموت ويُدفن به، بمفهوم تواجده هناك لابساً ثياب العرس أو الخلاص أو
الإنسان الجديد الممسوح بالدم (وكانوا يعتمدون وهم كبار).

(45:2451) مَثَل العبد الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على
عبيده:
=(مر
34:13)،

(لو 42:1246)

المسيح يضع هذا في هيئة
سؤال: فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في
حينه؟ الجواب متروك للقارئ أن يجيب عليه باعتبار أن السؤال موجَّه إليه شخصياً.
وهكذا يرفع المسيح حالة الاستعداد لجميع تلاميذه وسامعيه، لا بسبب الخوف من أن
يأتي السيد فجأة، بل بسبب ضرورة السهر كعلاقة حقيقية بالسيد طالما كان السيد
غائباً، فهي أمانة. لذلك فالذي لا يسهر يُعتبر أنه لا يتبع السيد وغير أمين له.
لأنه بمجيء السيد تُقيَّم العلاقة التي تربطنا به، التي نكون قد أثبتنا أننا أمناء
عليها في غيابه بالسهر والانتظار.

(1:2513)
مَثَل العشر عذارى والعرس السماوي:

ولا يغيب عن بالنا أن
إسرائيل عروس العهد القديم، ولكن لمَّا جاء زمن العرس لختم العهد بالدم خرجت من
بيت العريس:
» أين كتاب طلاق أُمكم «(إش 1:50). والعرس الآن للجماعة الجديدة الساهرة والمنتظرة صاحبة
المصباح الموقد وآنية الزيت. وإن كانت إسرائيل قد خيَّبت ظن عريسها فقد صارت عبرة،
والكل أصبح الآن عذراء، والمصباح موقد في القلب، والزيت لا يُباع بل يُقتنى قطرة
قطرة بالدموع، ونصف الليل أصبح وشيكاً!

(14:2530)
مَثَل الوزنات:
=(لو 19: 1227)

وهي غالباً وزنات من
الفضة (18:25)، فكل واحدة تساوي 342 جنيهاً استرليني، وهي مواهب الروح والخدمة
والصلاة والحب، لإقامة الخدمة وعمل الملكوت والشهادة للرب.

والمَثَل أيضاً يخص
العبد الكسلان الذي دفن موهبته فما تاجر وما ربح.

وليس من فراغ أعطى
المسيح الوزنات، وإنما من دم صليبه ليؤسِّس بها ملكوته.

 

رابعاً: المفاهيم
اللاهوتية الأساسية في إنجيل القديس متى

1 المسيَّا
في إنجيل القديس متى

من العسير أن نعثر على
منهج مدروس أو حتى نتتبع إعلانات واضحة تكشف لنا عن نجاح الإنجيل في إضفاء شخصية
مسيَّا على المسيح بوضوح مثل ما جاء في إنجيل القديس متى. فإذا بحثنا عن موقف
للمسيح أو تعليم له يؤكِّد علاقته الصميمية بالله وخاصة فيما يخص الخلاص، نجد ق.
مرقس يقدِّم لنا شخصية المسيح في حادثة التجلِّي (مر 9: 213):
» هذا هو ابني
الحبيب
« ولكن تبقى غير
كافية حتى يعطينا ق. متى صورة مهيبة للمسيَّا داخلاً كملك من أبواب مدينة الملك
العظيم، والكل يهتف بابن داود في الأعالي:
» أوصنا لابن داود… أوصنا في الأعالي «(مت
21: 1
11). والقديس متى يروي ذلك بارتياح كمَنْ يضع يده على
استعلان سر رجاء إسرائيل وكل الأنبياء، حتى ولو كان المسيح داخلاً ليموت!

كذلك في معارضة
الفرِّيسيين لأكل سنابل الحقل يوم السبت بواسطة تلاميذه جعله يعلن:
» ولكن أقول
لكم إن ههنا أعظم من الهيكل… فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً
«(مت 12: 18). ثم تصريح المسيح بواقعه
السمائي وسلطانه:
» لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض
أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج: قُم احمل فراشك واذهب إلى بيتك! فقام ومضى
إلى بيته
«(مت 9: 6و7). كذلك
فإن ق. متى يرى في وحدة المسيح بالكنيسة (الاثني عشر) أنها وحدة دائمة أو أبدية:
» مَنْ يقبلكم
يقبلني، ومَنْ يقبلني يقبل الذي أرسلني
«(مت 40:10). وهذا التعبير السرِّي اللاهوتي في مفهوم وحدة الكنيسة
والمسيح مع الآب هو نفسه قمة التعبير اللاهوتي عند القديس يوحنا والقديس بولس:

+ » في ذلك
اليوم تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم فيَّ، وأنا فيكم.
«(يو 20:14)

+ » أنا فيهم
وأنت فيَّ ليكونوا مكمَّلين إلى واحد.
«(يو 23:17)

ويعود القديس متى
ويؤكِّد هذه الوحدة:

+ » لأنه حيثما
اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم.
«(مت 20:18)

+ » وها أنا
معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين.
«(مت 20:28)

وأخيراً يكشف القديس
متى آخر غطاء عن حقيقة المسيح هكذا:

+ » فإن ابن
الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله. الحقَّ أقول
لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في
ملكوته.
«(مت
16: 27و28)

علماً بأن ق. متى هو
الوحيد الذي يذكر في إنجيله جماعة المسيح ككنيسة
™kklhs…a وهي بالعبرية qehal Yisrael » وأنا أقول
لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى
عليها…
«(مت 18:16)، وأيضاً: » وإن لم يسمع
منهم فقل للكنيسة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني
والعشَّار.
«(مت 17:18)

أمَّا الصورة الأخيرة
التي يعطيها إنجيل ق. متى للمسيح القائم في مجده وسلطانه الشامل في السماء والأرض
لحساب الكنيسة وعملها وتأسيس الملكوت على الأرض، فهو الاستعلان الكلي للمسيا:
» فتقدَّم
يسوع وكلَّمهم قائلاً: دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا
جميع الأُمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلِّموهم أن يحفظوا جميع
ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر آمين
«(مت 28: 1820). وهكذا سلَّم المسيح الرسالة لتلاميذه،
وبالتالي للكنيسة، كشهود لشخصه وتعليمه وملكوته وليس كمجرَّد حُرَّاس للتقليد.
وبذلك تتم نبوَّة إشعياء: «اجتمعوا يا كل الأُمم معاً ولتلتئم القبائل، مَنْ
منهم يخبر بهذا ويعلِّمنا بالأوليات، ليقدِّموا شهودهم ويتبرَّروا أو ليسمعوا
فيقولوا صدقٌ. أنتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي
وتفهموا أني أنا هو، قبلي لم يُصوَّر إله وبعدي لا يكون، أنا أنا الرب وليس غيري مخلِّص… وأنتم شهودي يقول الرب وأنا الله.»
(إش 43: 912)

يسوع هو مسيَّا العهد
القديم، ويقدِّمه ق. متى بنوع من التأكيد منذ أول آية في إنجيله:
» كتاب ميلاد
يسوع “المسيح” ابن داود ابن إبراهيم
« والقديس متى يتتبَّع انحداره من إبراهيم ثم داود ليوضِّح أنه وريث
مملكة داود الأبدية، وبهذا يرفع مسيَّانية المسيح إلى الإسخاتولوجية الأبدية، حيث
يتركَّز في شخص داود معنى عودة المُلك بعد أن ضاع في السبي. ففي الآية السادسة من
الأصحاح الأول يقف عند:
» ويسَّى وَلَدَ داود الملك « وإبرازه لكلمة “الملك” يكون قد ألقى بسهمه في الصميم، على
أنه يذكر السبي الحزين في الآية الحادية عشرة ويقف عندها:
» ويوشيا
وَلَدَ يكنيا وإخوته عند سبي بابل
« ولكن إذ يفرغ من سلسلة كل الآباء يحط التاج الملكي على رأس
الموعود عند الآية (16):
» ويعقوب وَلَدَ يوسف رجل
مريم التي وُلِدَ منها يسوع الذي يُدعى “المسيح”
«

وفي الحال يقدِّمه ق.
متى للعالم كملك اليهود عندما قدَّم الحكماء القادمين من المشرق قائلين:
» أين هو ملك
اليهود
«(2:2). فنحن هنا
نتتبَّع الخط الفكري أو الرؤيوي الذي يسير عليه ق. متى مُساقاً بالروح! ثم عند
تمام الخدمة يستعلن ق. متى ملوكيته (4:21و5):
» فكان هذا
كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل قولوا لابنة صهيون هوذا ملككِ يأتيكِ وديعاً
راكباً على أتان وجحش ابن أتان
« ولمَّا قدَّمه ميتاً على الصليب قدَّمه كمَنْ يُطالِب بملكه
الأبدي (11:27):
» أأنت ملك اليهود « » وكانوا
يجثون قدَّامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود
«(29:27)، » وجعلوا فوق رأسه علَّته
مكتوبة (بلغات العالم الثلاث اليهودية واليونانية والرومانية) هذا هو يسوع ملك
اليهود
«(37:27). وكذلك جاء
رؤساء الكهنة يتشفُّون به وهو معلَّق على الصليب:
» إن كان هو ملك
إسرائيل فلينزل الآن…
«(42:27)

والقديس متى يضع أمام
هذا ومنذ البدء كيف أن المسيح مولود من عذراء بحسب نبوَّة إشعياء (22:1)، إذ حُبل
به من الروح القدس (20:1)، فصحَّ القول إن اسمه
» الله معنا «عمانوئيل (23:1)،
وأنه بذلك هو ابن الله (15:2، 6:4، 5:17، 63:26، 27: 40و43و54).

وفي المعمودية تقبَّل
الروح القدس نازلاً عليه، وهنا كما في التجلِّي كان صوت الآب يعلن أن
» هذا هو ابني
الحبيب
«مختار الله (17:3، 5:17)، وهو تكلَّم عن نفسه باعتباره أنه
الابن وأن الله أبوه بالمعنى الفائق (27:11، 36:24). وهو المسيَّا الذي أكمل كل
نبوَّات العهد القديم، وذلك بالميلاد الإعجازي من العذراء والروح القدس (22:1)،
ومن صميم خدمته (4: 1416)، وبمعجزات أشفية (17:8)، وكيفية دخوله
أُورشليم (4:21). أمَّا أعماله الخلاصية فتنحصر في قبوله الآلام والموت على الصليب
التي سبق وأعلنتها النبوَّات. وقبلها قدَّم دَمَ نفسه بيديه:
» الذي يُسفك
من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا
«(28:26)، وبهذا رسم العهد الجديد بين الله والإنسان “بدم صليبه”،
حيث تمَّت المصالحة العظمى بين الله والإنسان في المسيح يسوع.

 

2 – ابن
الإنسان في إنجيل القديس متى

ابن الإنسان في أصلها
الأرامي وفي مفهومها الأوَّلي هي “ممثِّل البشرية”، وهي تأتي في الأربعة أناجيل
لتحقيق هوية المسيح بالنسبة للإنسان، في اتضاع المسيح الشديد، وبعدها كمستقبِل
لهبة نعمة الله للبشرية، وأخيراً كوسيط بين الإنسان والله في عمل فدائي سيكون سبب
استعلان مجد ابن الإنسان:
» أمَّا يسوع فأجابهما
قائلاً: قد أتت الساعة ليتمجَّد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبَّة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى
وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير
«(يو 12: 23و24). والمسيح هو
الذي أعطى نفسه لقب “ابن الإنسان” وهو يدري تماماً أنه لَقَبهُ المسيَّاني حسب
النبوَّة. وتكرَّر هذا اللقب في إنجيل القديس متى 32 مرَّة. فكل أقوال القديس مرقس
في إنجيله عن ابن الإنسان أوردها القديس متى، ولكن يعود القديس متى مع القديس لوقا
ويأتيان ببيانات جديدة عن ابن الإنسان مما سَمِعَهُ ق. متى من المسيح رأساً أو
يكون ق. لوقا قد استقاه من مصدر آخر في التقليد العام للكنيسة آنئذٍ. وقد ذكر القديس
متى قولين فقط اختص بهما دون غيره:

+ » فإني الحق
أقول لكم لا تكمِّلون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان.
«(مت 23:10)

+ » الحق أقول
لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد
paliggenes…v متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على
اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر.
«(مت 28:19)

وكلا الآيتين توضِّحان
فهم ق. متى لمعنى ابن الإنسان. وسيأتي شرحهما في موضعهما.

والقديس متى رفع هذا
اللقب ليكون معبِّراً عن المسيح عندما يأتي على السحاب مع ملائكته في المجيء
الثاني للدينونة (30:24و31). ومعروف أن هذا اللقب بدأ وله علاقة صميمية بالمسيَّا،
فدانيال النبي (13:7) أول مَنْ أطلقه ثم أُخذ عنه في التقليد اليهودي دون فحص أصل
معناه، ولكنه أُخذ عن دانيال بمفهومه المسيَّاني إنما بمضمون سرِّي غير مُدرك،
معبّر عنه بمجيئه على السحاب (في السبعينية) أو مع السحاب (في النص العبري). وهذا
اعتُبر تعبيراً عن أصل اللقب “الإلهي”، ولكن لكي يؤدي دور ابن الإنسان المسيَّاني
يلزم أن يكون إنساناً أولاً!! وفي إنجيل ق. متى يعبِّر المسيح عن وظائف ابن
الإنسان الفائقة للطبيعة، فسوف يجيء في مجد أبيه (27:16)، وعلى سحاب السماء (30:24)، ويُرسل ملائكته لجمع مختاريه
(31:24)، ويجلس على عرش مجده (28:19،
31:25) ويجتمع إليه كل الأُمم
(32:25).

+ » ومتى جاء ابن
الإنسان
في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده.
«(مت 31:25)

ويعطي ابن الإنسان وضعه
الأبوكاليبتي (الرؤيوي) فيُظهر شخصيته الأُخروية بوضوح:

+
» يرسل ابن الإنسان ملائكته
فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم… حينئذ يضيء الأبرار كالشمس
في ملكوت أبيهم. مَنْ له أذنان للسمع فليسمع.
«(مت 13: 41و43)

ويُلاحَظ هنا أن
الملكوت يظهر أولاً أنه ملكوت ابن الإنسان، ثم بعد ذلك يوصف بأنه “ملكوت الآب”.
وهنا ولو أن المسيح يتكلَّم عن ابن الإنسان في ضمير الغائب وكأنه عن شخص آخر ولكن
يعود ق. متى ويؤكِّد أنه هو هو:

+ » فأجاب وقال
لهم الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان، والحقل هو العالم، والزرع الجيد هو بنو
الملكوت، والزوان هو بنو الشرير، والعدو الذي زرعه هو إبليس، والحصاد هو انقضاء
العالم، والحصَّادون هم الملائكة.
«(مت 13: 3739)

واضح هنا أن المسيح
يزرع الزرع الجيد الذين هم بنو الملكوت ليسلِّمهم للآب السماوي:
» حينئذ يضيء
الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم
«(مت 43:13). وقد وضَّح ق. بولس هذه العملية النهائية بوضوح:

+ » وبعد ذلك
النهاية، متى سلَّم (الابن) الملك لله الآب، متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة،
لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه. آخر عدو يُبطَل هو الموت. لأنه
أخضع كل شيء تحت قدميه. ولكن حينما يقول إن كل شيء قد أُخضع فواضح أنه غير الذي
أَخْضَعَ له الكل (الآب). ومتى أُخْضِعَ له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضاً
سَيَخْضَعُ للذي أَخْضَعَ له الكل، كي يكون الله (آب وابن وروح قدس) الكل في الكل.
«(1كو 15: 2428)

هنا تتضح صورة ملكوت
الابن بعد إبادة كل سلطة أرضية فإن ملكوت الابن يخضع أي
يسلَّم للآب. والذي زاد به ق. بولس عن ق. متى قوله:
» لأنه يجب أن
يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه
«

وحينما قدَّم ق. متى
عمل ابن الإنسان كزارع، ثم أوضح بعد ذلك أنه سيأتي كديَّان، ظهر أنه يركِّز على
قطبين في الرواية: زمن خدمة المسيح في التعليم بدعوة المختارين ووضعهم في ملكوته،
وزمن مجيئه للدينونة التي بواسطتها سينقِّي ملكوته من جميع صانعي المعاثر، وبعد
ذلك يقدِّم المختارين إلى الآب السماوي.

وهذا يجعلنا نفهم أننا
ورثنا ميراثين: الميراث الأول هو ميراث يسوع المسيح، ورثنا أقواله وأعماله
ومعجزاته ونعمته في أعمال الفداء والموت والقيامة وهو الإنجيل.
والميراث الثاني ميراث ابن الإنسان، ورثنا إنسانه الجديد الذي قام به من بين
الأموات باعتباره الخليقة الجديدة، فصار لنا شركة في ميراثه للآب وهو الملكوت: ملكوته
أولاً ثم ملكوت الآب.

أمَّا وظيفة ابن
الإنسان فيما بعد عمل المسيح يسوع على الأرض فقد كشفها كل من إنجيل ق. لوقا
وإنجيل ق. يوحنا أنه “المسيح الروح” الذي رآه ق. بولس في السماء، وسمع
وتعلَّم منه وقاده في كل أعمال كرازته، والذي صار للكنيسة الرب الروح،
والرأس للجسد. وهذه الأعمال والمسمَّيات دخلت في صميم الليتورجيا من بعد الرسل
وتبلورت على أساسها التعبيرات الإيمانية.

وقد لاحَظ العالِم
يواكيم إرميا([48])
كيف انتقل ق. متى من تسجيله لابن الإنسان أنه الديَّان (مت 31:25 إلخ):
» ومتى جاء
ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده
« إلى نفس هذا الديَّان وقد صار ملكاً (مت 25: 3441):
» ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا
الملكوت المعدَّ لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني.
كُنتُ غريباً فآويتموني. عُرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم
إليَّ. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: ياربُّ، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو
عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك
مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيُجيب الملك ويقول لهم: الحقَّ أقول لكم: بما
أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم
« ويوضِّح يواكيم إرميا المواضع التي ذَكَرَ فيها ق. متى ابن
الإنسان أنه سيأتي في مجده ومجد أبيه:

+ » فإن ابن
الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله.

«(مت 27:16)

+ » الحق أقول
لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده
تجلسون أنتم أيضاً…
«(مت
28:19)

+ » ومتى جاء
ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده
ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميِّز بعضهم من بعض كما يميِّزُ الراعي الخراف من
الجداء.
«(مت 25: 31و32)

كل هذه الآيات توضِّح
عمله كديَّان، ولكن دون أن تتغيَّر صورة تواضعه “كابن الإنسان” في عمله المسيَّاني
وخدمته القائمة على أساس ما أكمله من هوان في جسد تواضعه، حيث يظهر وعليه علامة
صليبه:
» حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميع
قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، فيُرسل
ملائكته
ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات
إلى أقصائها.
«(مت 24: 30و31)

وإلى هنا لا يزال ابن
الإنسان بتواضعه، يحمل في اسمه شركة اتحاد الإنسان فيه، وتظهر أكثر في سفر الرؤيا:

+ » هوذا يأتي
مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه (جنبه المفتوح)، وينوح عليه جميع قبائل
الأرض نعم آمين. أنا هو الألف والياء. البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي
كان والذي يأتي القادر على كل شيء… أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتاً وها
أنا حي إلى أبد الآبدين آمين.
«(رؤ 1: 7و8 و17و18)

وإلى هذا الحد فإن ابن
الإنسان يظهر بكامل شركته مع الإنسان حاملاً آلامه وصليبه. ولكن ق. متى هو
الإنجيلي الوحيد الذي أورد أن ابن الإنسان أرسل ملائكته ويظهر البوق،
وهو عماد أعمال الأبوكاليبسيس (استعلان الأخرويات). ويشاركه في ظهور البوق ق. بولس
في (1كو 15: 51و52):
» هوذا سر أقوله لكم… في لحظة في طرفة عين عند
البوق الأخير، فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد
«

وقد سبق ق. متى وكشف في
محاكمة المسيح الأُولى عند رؤساء الكهنة أنه أوضح مَنْ هو ابن الإنسان، وما هو
عمله، وكيف سيأتي للدينونة، ردًّا مباشراً على سؤال رئيس الكهنة: هل هو المسيح؟
» فأجاب رئيس
الكهنة وقال له: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ فقال له
يسوع: أنت قلت، وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين
القوة وآتياً على سحاب السماء.
«(مت 26: 63و64)

ويُلاحَظ في الأصل
اليوناني لكلمة
» وأيضاً أقول لكم pl»n «أنها تعني: “وأقول أكثر من ذلك”،
بمعنى: أني لست أنا المسيح ابن الله وحسب، بل والديَّان الذي سيأتي على السحاب
ليدين! ولكن المهم أيضاً قوله: “من الآن” وتعني: “من الآن فصاعداً
¢p’ ¥rti” كما جاءت أيضاً بهذا المعنى في (39:23، 29:26). وبهذا يؤكِّد لنا
ق. متى معنى ارتفاع الابن والمجد الدائم الذي سيتمجَّد به، وهو المقابل لمفهوم ق.
يوحنا عن المجد الذي ناله بالارتفاع على الصليب:
» قد أتت
الساعة ليتمجَّد ابن الإنسان… وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع
«(يو
12: 23و32).

فالارتفاع والمجد هو أيضاً للمشاركة مع الإنسان، وهو الوضع الختامي لرسالة الابن،
أي المجيء الأخير كابن الإنسان، ليصفِّي حساب ملكوته توطئة لتسليمه للآب مع
مختاريه. فهو بهذا الوضع الأخير يكون قد أنهى رسالة “المسيَّا” بل وأكمل عمل “ابن
الله”، وانتهى إلى حال ابن الإنسان المتمجِّد والجالس عن يمين أبيه إلى الأبد:
» وها أنا حي
إلى أبد الآبدين
«

وهنا يأتي تعبير ق. متى
في تنبؤ المسيح عن آلامه في وضع آخر عمَّا جاء عند ق.
مرقس:
» وابتدأ يعلِّمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألَّم
كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم
«(مر 31:8)، وقد نقل ق. متى هذا القول دون ذكر ابن الإنسان: » ومن ذلك
الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أُورشليم
ويتألَّم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة
والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم
«(مت 21:16). هنا يذكر القديس متى أن
يسوع المسيح هو الذي سيتألَّم ويموت ولا يدعوه ابن الإنسان كما قالها ق. مرقس
(أمَّا كلمة “ينبغي” فقلنا
باستمرار أنها ترجمة خطأ وصحتها “يتحتَّم
must”). وهكذا يتضح للقارئ بأبلغ بيان أن ق. متى واعٍ لمنهجه اللاهوتي بدقة، ويوضِّح ذلك أكثر في سؤاله: » مَنْ يقول الناس إني أنا ابن الإنسان «(مت 13:16)، هنا أعطى لضمير “أنا” لقب ابن الإنسان ليكشف عن شخصيته
المتفوِّقة السيادية.

ومعروف لدى العلماء
المدقِّقين أن ق. متى يذكر الباروسيا
parous…a بالنسبة لابن الإنسان أي الاستعلان الأخير كمصطلح لاهوتي دقيق وسليم بحسب الفكر اللاهوتي (24: 27و37و39): » لأنه كما أن
البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً “مجيء
parous…a ابن
الإنسان
”… وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجيء parous…a ابن
الإنسان
« وقد كرَّرها مرَّة
ثالثة، وكان أول مَنْ قالها ولم يجارِه في ذلك أحد من الإنجيليين!! ولكن ق. بولس
استخدم هذا الاصطلاح بكثرة (1كو 23:15 و1تس 19:2، 13:3، 15:4، 23:5)، بل وكشف أصله
الأرامي إذ أعطانا صورة حيَّة من صلاة الكنيسة بالأرامية حسب التقليد الأول حيث المسيَّا في مجده والكنيسة تصلِّي إليه ليأتي:
» إن كان أحد لا يحب الرب يسوع فليكن
أناثيما

(محروماً) ماران أثا (تعالَ أيها الرب)
«(1كو
22:16). وهي صورة لمفهوم الباروسيا في الكنيسة
الأُولى.

والقديس متى يساهم
أيضاً مساهمة فريدة من نوعها في ذكر “التجديد
paliggenes…a” كعملية مسيَّانية بالدرجة الأُولى يقوم بها ابن الإنسان حسب
التقليد الكنسي الذي يميل إلى الإسخاتولوجية اليهودية، وقد وُجِدَت عند فيلو
ونُسَّاك قمران، وهي إحدى الخطوط المميَّزة في سفر الرؤيا، وجاءت في أقوال المسيح
هكذا:
» فأجاب بطرس حينئذ وقال له: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك
فماذا يكون لنا؟ فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: أنتم الذين تبعتموني في “التجديد”
متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً…
«(مت 19: 27و28). هذا القول يبرز عملية التجديد التي قام بها المسيح
بصفته “المسيَّا الغالب”، حيث هنا يظهر ابن الإنسان بلا ذكر للدينونة. وقد حوَّلها
ق. لوقا إلى ما يقابلها خلواً من لقب ابن الإنسان ومن مفهوم “التجديد”، عندما قال:
» أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي. وأنا أجعل لكم كما جعل لي
أبي ملكوتاً
«(لو 22: 28و29).
فالقديس متى نظر إلى تجارب المسيح وألقابه وآلامه باعتبارها تفتح الباب للتجديد
بلا نزاع باعتبارها أنها كانت بادئة استعلان الملكوت وأساسه. ولا يغيب عن البال أن
لقب ابن الإنسان دخل العهد الجديد عن طريق دانيال النبي (دا 13:7) ومعه فكر عملية التجديد
المزمعة أن تكون على يديه، ذلك أنه أعطاه الصورة الممجَّدة الدائمة، فهي واضحة في
نبوَّة دانيال المتعلِّقة بملكوته الأبدي:
» سلطانه
سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض
« وأعقبها بظهور شعب جديد أسماه » شعب قديسي
العلي
«(دا 14:7و27)
يشتركون مع ابن الإنسان في ملكوته.

كذلك فإن ق. متى يعطينا
صورة للتقليد الخاص بالسهر استعداداً لمجيء ابن الإنسان، حيث يذكر أولاً
ابن الإنسان ثم ربَّكم ثم ابن الإنسان (24: 39و42و44):

+ » ولم يعلموا
حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع. كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان… اسهروا
إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم… كذلك كونوا أنتم أيضاً
مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان
«

هنا يركِّز على السهر
في مقابل الدينونة المزمعة أن تكون فجأة. وهنا سواء ذكر “ابن الإنسان” أو “ربَّكم”
فهو يؤكِّد الدينونة القادمة على الكنيسة. وذِكْرُ “ربّكم” هنا إنما يؤكِّد
صفة المسيح الرحوم الشافي والمحسن إلى البشرية الضعيفة والمسكينة والمريضة، فهنا
لمسة حنان لديَّان قادر أن ينجِّي، ولكنها صورة للنهاية.

ومع أن لقب ابن الإنسان
يعبِّر عن عمل المسيح الأُخروي، إلاَّ أنه لا يُقال له مستقبلاً بل من واقع حياته
لأنه صاحب طبيعة ابن الإنسان! والقصد الخفي وراء هذا اللقب الذي اختاره المسيح هو
التعبير عن الإنسان الذي لم يسقط بسقوط آدم ليعبِّر تعبيراً إلهياً عن خلقة الله
الأصلية للإنسان
([49]).
ولعل هذا هو أقوى شرح لمفهوم أصل لقب ابن الإنسان الذي قدَّمه العالِم ألن
W.C. Allen مستشهداً بثلاثة من كبار علماء الألمان، ويعلِّق على لقب ابن
الإنسان بقوله: [وبناءً على ذلك يكون مفهوم “الإنسان الكامل” جزءاً من الرجاء
المسيَّاني الذي جاء المسيح ليحقِّقه. فلمَّا استخدم الرب لقب “ابن الإنسان”
للإشارة إلى نفسه أراد بذلك الإشارة إلى وجوده الأزلي المتميِّز عن كل إنسان آخر،
ثم وبآن واحد أنه إنسان حقيقي إلى أبعد حد، مختار ليكون هو المسيَّا للخلاص وقبول
المجد]
([50]).
وهكذا نراه يشرح بلا أي مواربة سر ميلاده العذري من القديسة مريم العذراء
والروح القدس. وبذلك ينجلي أمامنا منهج القديس متى العملاق في تقديمه لشخص المسيح
كمولود من العذراء
(18:125) وبآن واحد هو ابن الله (17:3) وهو
المعيَّن ليكون هو المسيَّا
(16:16) وأنه الابن المحبوب مسيَّا الملك
(5:21).

فابن الإنسان عند ق.
متى هو لقب التلاقي بين الله والإنسان.

على أن التقليد الذي
يقدِّمه لنا ق. متى عن ابن الإنسان لا يناقض ما يقدِّمه ق. لوقا وق. مرقس، فهما
صورتان لعملة واحدة، ولكن ق. متى يقدِّم لنا تقليداً أكثر وعياً باللقب. والواقع
أن “المسيَّا” في إنجيل ق. يوحنا يبرزه إنجيل ق. متى على أنه “ابن الإنسان” في
صورته الأخروية.

 

3 – العهد
القديم كخلفية لإنجيل القديس متى

لقد شعر ق. متى بسبب
يهوديته وشدَّة تعلُّقه بأسفار العهد القديم وخاصة الأنبياء
بضرورة أن يُلقي على حوادث المسيح وشخصيته بأضواء من العهد القديم لإبراز معالم
شخصية المسيح المسيَّانية، وإنارة المعاني المختفية وراء حركات التاريخ والطقس
والعمليات الكبرى كالفداء والخلاص. وباختصار لإبراز الرجاء المسيَّاني كله كإطار
لمعنى الإنجيل، ومن ناحية أخرى لإعطاء فرصة لليهودي المتعصِّب لأسفاره وتاريخه أن
يكتشف في المسيح قمة الفكر اليهودي وأمله ورجاءه، الذي انعقد عليه لواء اهتمام
الأنبياء جميعاً وحركات التاريخ بدقتها المطلقة، لبلوغ نهاية واحدة هي مسيَّا
الرجاء! فالتواجد المسيحي بمعناه، في عمل المسيح من أوله إلى آخره، أي من ميلاده
حتى صلبه، هو خلاصة الأسفار اليهودية جميعاً. هذا فضلاً عن شرح إضافي يأتي من وراء
الأحداث والأعمال ليُبرز قيمتها الإلهية ومعناها بالنسبة للإنسان المسيحي الراغب
في المزيد من معرفة الأصول والمبادئ في فكر الله.

(مت 12)
في الأنسال وما بعدها:

هي دعوة لأبناء العهد
القديم لإعادة رؤية العهد القديم وتذوُّقه على واقع حي يكشف كل الأغطية عن أحاجيه
ورموزه، ففي مطلع إنجيل ق. متى يواجه إنسان الرؤى القديمة شخصية “ابن داود” الوريث
الأبدي لمملكة داود أبيه:
» ويعقوب وَلَدَ يوسف رجل
مريم التي وُلِدَ منها يسوع الذي يُدعى “المسيح”. فجميع الأجيال من إبراهيم
إلى داود أربعة عشر جيلاً.
«(مت
1: 16و17)

ثم تكتحل عينا اليهودي
الناظر إلى الوراء، وقد أجهده النظر والرؤية، لمعرفة مَنْ هو هذا عمانوئيل الذي
تكلَّم عنه إشعياء، الذي عرف معناه وما عرف منتهاه:
» يعطيكم
السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل
وتَلِد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل
«(إش 14:7)، فيجيء إنجيل ق. متى ويحكي
عن العذراء

عينها، وعن حَمْلِها الإلهي بالروح القدس والابن الذي يولد منها هو ابن الله
“يشوع” الجديد الذي يخلِّص شعبه من خطاياهم. وهكذا وُلِدَ ابن الله من جنس الإنسان
وهو ابن الله وعاش بيننا ورأينا مجده. وهكذا
وبآن واحد أُعطِى إنسان الأُمم بالرؤية المعقولة رحلة في الماضي السحيق 700

سنة ليسمع من إشعياء ما تمَّ بحروفه في ميلاد
المسيح في بيت لحم اليهودية مسقط رأس داود. وهكذا
يرتبط الجديد بالقديم
ليدرك إنسان العالَم أن تاريخ الأيام وجَرْي السنين إنما يؤرِّخ لله لحساب
الإنسان.

كذلك عودة إلى ميخا
النبي (2:5) والحديث عن ميلاد ملك إسرائيل الذي مخارجه منذ القديم منذ أيام
الأزل!! فمَنْ يكون هذا الذي منذ الأزل سوى الله؟ ثم يحدِّد ميخا ذو النظر الحديدي
موقع ميلاد هذا الإله على خريطة يهوذا “بيت لحم” أصغر مدن يهوذا:
» أمَّا أنتِ
يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف (مدن) يهوذا، فمنك يخرج لي الذي
يكون متسلِّطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل
« وتأتي كلمة الأزل لتجُبَّ الزمن بقديمه وجديده وترفعه إلى أعلى
السموات!

وحينما
يسمع اليهودي أنه تحقَّق وتمَّ ميلاد مسيَّا الدهور في المدينة الصغرى بيت لحم (مت
6:2)، يبدأ
يعيش تاريخه وتاريخ آبائه وأنبيائه ويتنسَّم رائحة رضى الله. كما أنه حينما يسمع
هذا إنسان الأُمم يرى قولاً ألقاه الله على قلب نبي (ميخا: 758698
ق.م) وبعد 700 سنة يتحقَّق بحروفه، فيدرك صحة الكلام وصدق الحديث!

ويتمِّم هيرودس خطة
تحصين ميراثه الملكي فيذهب ويقتل كل أطفال بيت لحم من ابن سنتين فما دون، فيصرخ ق. متى ناحباً مع الناحبين (مت 2:
17و18)، ويستعير حزن إرميا في نبوته:
» هكذا
قال الرب، صوت سُمع في الرامة نوح بكاء مر، راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزى
عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين
«(إر 15:31). وعجيبة هذه النبوَّة، فراحيل لم يكن لها أولاد تبكي عليهم، فالنبوَّة على أطفال بيت لحم قبل أن يذبحهم
هيرودس بستمائة سنة (إرميا: 628588
ق.م).

وكذلك
أيضاً عودة إلى هوشع النبي (786724 ق.م)، ويضع الله في فم القديس متى
آية

إسرائيل القديم والجديد معاً (هو 1:11) عن ابن لله وهو إسرائيل قديماً حينما كان
الله يدلِّله، وهو عينه إسرائيل الجديد مسيح الدهور والأُمم، كيف دعاه من مصر: في
الأول كان هارباً من غلاء المعيشة وموت الفقر،
وفي الثاني كان هارباً من الذي أراد أن يقتله (هيرودس) حفظاً على ميراث ملوكيته

الفانية:

+ » لمَّا كان
إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني.
«(هو
1:11)

+ » خذ الصبي
وأُمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه.
«(مت 13:2)

+ » فلمَّا مات هيرودس إذا ملاك الرب قد ظهر
في حلم ليوسف في مصر قائلاً: قم وخذ الصبي وأُمه واذهب إلى أرض إسرائيل
لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي.
«(مت 3: 19و20)

وكأن
الله كان يرسم بالتاريخ كله وبواسطة شعب بأكمله مصير حركة الخلاص القادم لحساب
العالم.

(مت 3: 111:4):

ويمشي التاريخ ويمشي
الإنجيل على هداه، ويأتي المسيح إلى السابق الصابغ ليعتمد منه على نهر الأُردن،
ويربط القديس متى عماد المسيح من يوحنا على الأُردن بإشعياء النبي (في الأصحاح
الأربعين) الذي يفتتحه النبي تماماً كما يفتتح يوحنا العهد الجديد، برؤيا الروح
نازلاً من السماء ومستقراً على المسيح، علماً بأن الروح القدس هو المعزِّي. وهكذا
يفتتح ق. متى إنجيله بالعزاء كما افتتحه إشعياء:
» عزوا عزوا
شعبي يقول إلهكم، طيِّبوا قلب أُورشليم… صوتُ صارخٍ في البرية أعدّوا طريق الرب
«(إش 40: 13). فبمجرَّد أن قال ق. متى: » وفي تلك
الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا لأنه قد اقترب
ملكوت السموات. فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوتُ صارخٍ في
البرية…
«(مت 3: 13)،
انكشف في الحال المضمون الكلي عند ق. متى لِما كان عند إشعياء:
» عزوا عزوا
شعبي
«

لقد اختار ق. متى أعز
وأجمل نبوَّة عن افتتاح العهد الجديد، ليضعها بالفعل في افتتاح العهد الجديد، ليس
كنبوَّة بعد بل كتحقيق لكل النبوَّات. وكما أنه ليس عزاء فقط عند إشعياء بل توبة
وغفران كَمُل وصار مقبولاً:
» طيِّبوا قلب أُورشليم
ونادوها بأن جهادها قد كَمُلَ أن إثمها قد عُفِيَ عنه أنها قد قَبِلَتْ من
يد الرب ضعفين عن كل خطاياها
«(إش 2:40)، هكذا تماماً وبالحرف الواحد تمَّت النبوَّة وأكملت
متعلقاتها من توبة وغفران:
» من ذلك الزمان ابتدأ
يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات.
«(مت 17:4)

وعلى القارئ الذكي أن
ينتبه إلى قول إشعياء:
» صوت صارخ في البرية «واعتراف
يوحنا المعمدان علناً الذي كشفه إنجيل ق. يوحنا، عندما جاءت بعثة الكهنة واللاويين
تستجوب المعمدان:
» مَنْ أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا؟ ماذا تقول
عن نفسك؟ فقال: أنا صوت صارخ في البرية.
«(يو 1: 22و23)

ثم ينتقل ق. متى من
المعمدان إلى المسيح، ومن المناداة بالتوبة ومغفرة الخطايا على قياس إشعياء:
» إن إثمها قد
عُفِيَ عنه أنها قد قَبِلَتْ من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها
«(إش 2:40) إلى المسيح الذي من بعد عماده يتوجَّه بالروح مباشرة
ليصفِّي حساب آدم مع مَنْ أسقطه من أمام وجه الله، ثم ما سمعه اليهودي من فم
إشعياء:
» هوذا عبدي الذي أعْضُدُه مختاري الذي سُرَّت به نفسي،
وَضَعْتُ روحي عليه
فيُخرج الحق للأُمم
«(إش 1:42). حيث “مختاري” هو “حبيبي”. يعود ويسمعها مع رؤيا على
العيان والمنظور على نهر الأُردن والمسيح يتقبَّل العماد من يوحنا:
» وإذا
السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً (عليه) مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من
السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
«(مت 3: 16و17)

وكما جاز إسرائيل البحر
الأحمر وخرج إلى البرية ليتقبَّل تجربة وراء تجربة من الشيطان، هكذا خرج المسيح
إسرائيل الجديد من نهر الأُردن إلى جبل التجربة ليوفي حساب جدٍّ سابق (آدم) وشعب
له ورث الشر من صُلبه!!

(مت 4: 1225)
في بدء الخدمة:

هنا يفتتح ق. متى بدء
خدمة المسيح وعينه على إشعياء (1:9و2):
» ولكن لا
يكون ظلام للتي عليها ضيق، كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالي يُكرم
الأخير طريق البحر عبر الأُردن جليل الأُمم. الشعب السالك في الظلمة أبصر
نوراً عظيماً، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور
« ويحق للقديس متى أن يفتخر برؤيته التي لقطت هذه النبوَّة التي
أكملها المسيح بالحرف الواحد:
» ولمَّا سمع يسوع أن
يوحنا أُسلم انصرف إلى الجليل وترك الناصرة، وأتى فسكن في كفرناحوم التي
عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم، لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي… (إش 9: 1و2
كما أسلفنا)
«(مت 4: 1214).
ويكمِّل ق. متى:
» من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات «(مت
17:4). وهكذا تظهر براعة ق. متى كيف
يخلع عن إسرائيل بجليله العائشين في
ظلمة الموت ثوبَ الماضي البالي ويُلبسه الجديد المضيء ضياء الجَلَد.

ونحن مهما قارنَّا
وأبدعنا في المقارنة فلن نأتي ما أتاه ق. متى في وضع ظلام الضيق وإهانة الزمان
الأول والشعب السالك في الظلمة، والجالسين في ظلام الموت، في مقابل إشراق نور
ورؤية نور عظيم وتكريم الله في الزمان الثاني لمن أهانه الزمان الأول! إنه إبداع.
وأمَّا مضمونه وما ينطوي عليه من معنى فهو الإبداع الأعظم: فما الظلمة إلاَّ حياة
الإثم والخطية، وما إهانة الزمان الأول إلاَّ سبي النقمة إزاء الفجور، وما ظلمة
الموت إلاَّ سيادة شيطان الظلمة بأعمال تورِّث الموت. كل هذه خلعها الجليل الأعلى
والأسفل وأرض زبولون ونفتالي في الشمال، ولبس النور كالثوب بشبه الله إذ قبل
الخلاص وتأسست فيه أول كنيسة وأول رؤيا للقائم من الموت:
» إنه يسبقكم
إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم
«(مر 7:16). وهكذا أشرق نور القيامة أول ما أشرق على الجليل، وهكذا
سكن الفرح في أرض ظلال الموت:
» أكثرتَ الأُمة عظَّمتَ
لها الفرح، يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد، كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة
«(إش 3:9). وكانت الغنيمة هي القيامة.

ولكن تسير الخدمة بعد
ما
» أتى وسكن في كفرناحوم «وتبدأ
الآيات والمعجزات، ويبدأ هكذا:
» وكان يسوع يطوف كل
الجليل يعلِّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب
«(مت 23:4). وصحَّ وتمَّ ما سبق ونطق به إشعياء: » لأنه يولد
لنا ولد ونُعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً
قديراً أباً أبدياً رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود
وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد. غيرة رب الجنود تصنع
هذا
«(إش 9: 6و7)، » حينئذ
تتفقَّح عيون العمي وآذان الصم تتفتَّح، حينئذ يقفز الأعرج كالأيل (الغزال)
ويترنَّم لسان الأخرس.
«(إش 35: 5و6)

(مت 8،9) في
الأشفية واعتراضات الفرِّيسيين:

يقدِّم القديس متى في
الأصحاحين الثامن والتاسع معجزات شفاء ويلحقها بالآيتين (8:9و33) كختام تقرير
الشعب. ويعلِّق ق. متى على معجزات الشفاء بآية اختارها من أوضح نبوَّات إشعياء عن
هذه الأيام بالذات:
» لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها، ونحن
حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً
«(إش 4:53 = مت 17:8). ويتحقَّق ما قاله إشعياء تأميناً
لخدمة المسيح وضماناً أبدياً لنجاحها رغم كل المصادمات والمحاكمات، وما انتهى بهم
العداء للإنهاء الصوري على حياته (إش 49: 813):
» هكذا قال
الرب: في وقت القبول استجبتك وفي يوم الخلاص أعنتك، فأحفظك وأجعلك عهداً للشعب…
ترنَّمي أيتها السموات وابتهجي أيتها الأرض، لتُشِد الجبال بالترنُّم لأن الرب قد
عزَّى شعبه وعلى بائسيه يترحَّم
« وهكذا يخط ق. متى في تخطيطه لإنجيله مترسِّماً ضوء ما تُلقيه
النبوَّة على الحادثة ولا تخطئ، وكأن أصحاح 53 من إشعياء صاحب النصيب الأكبر في
كشف ما استتر في قصة الآلام والموت الفدائي.

وليس ق. متى وحده هو
الذي مسك بإشعياء كما يمسك المسافر بالبوصلة، بل والمسيح نفسه رأى سر صليبه وآلامه
مكشوفاً عند إشعياء فلم يجزع من المصير المرسوم!! إن إشعياء النبي كان كمَنْ عاش
بالرؤى حركات العهد الجديد، وتأمَّل فيها مليًّا، ووقَّع عليها ألحانه جميعها،
المبهجة منها والحزينة بوتر واحد!! ففي أشدّها فرحاً تجد في نهايتها “قفلة” (أي
خاتمة موسيقية) توحي بأحزان قادمة، والحزينة منها لا تخلو من نبرة انتصار وفرح.
والإنسان يتعجَّب كيف عاش إشعياء هذا وذاك لا لشيء إلاَّ ليعيشه ق. متى، ونحن من
ورائه في هذا وفي ذاك!!

وهذا وذاك لم يفت
المسيح منه شيءٌ فقد كان يعرف نفسه جيداً في «ناموس موسى والأنبياء والمزامير»،
ما كان يجب فيه أن يتألَّم وما كان فيه أنه سيقوم منتصراً!!
» فقال لهما
أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلَّم به الأنبياء، أما
كان ينبغي أن المسيح يتألَّم بهذا ويدخل إلى مجده؟ ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء
يفسِّر لهما الأمور المختصَّة به في جميع الكتب.
«(لو 24: 2527)

هذا ما أدركه ق. متى
جيداً وقرأ إنجيله عليه!! اسمعه والمسيح نفسُه يوقِّع على النبوَّة حينما ردَّ على
مقاوميه قائلاً:
» إني أريد رحمة لا ذبيحة. لأني لم آتِ لأدعو
أبراراً بل خطاة إلى التوبة
«(مت 13:9)، ثم اسمعها في هوشع وانظر ما كان يعرفه المسيح من بقية
الآية:
» إني أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات.
ولكنهم كآدم تعدّوا العهد هناك غدروا بي… وكما يكمن لصوص لإنسان كذلك زمرة
الكهنة في الطريق
«(هو
6: 69). وقد كرَّرها ق. متى في الأصحاح الثاني عشر:
» فلو علمتم
ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء
«(مت 7:12). ولكي يدرك القارئ بتأكيد أن المسيح كان يعلم بدقائق هذه
الآية فلنذكر كيف ردَّد الباقي منها عندما أرسل زمرة رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ
ليقبضوا على المسيح، فقال لهم:
» كأنه على لصٍّ خرجتم
بسيوف وعصيّ
لتأخذوني
«(مر 48:14). وهكذا أثبت المسيح ومن بعده ق. متى أنه كان يعرف هوشع
وما تنبأ به جيداً.

ولعل أعظم ما قاله هوشع
العجيب قاله على عودة إسرائيل في توبة، وكيف أن الشعب ورؤساءه كسروا العهد وخانوا
الأمانة:
» هلم نرجع إلى الرب لأنه هو افتَرَسَ فَيَشفينا، ضَرَبَ
فيَجبرنا، يُحيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يُقيمنا فنحيا أمامه. لنعرف
فلنتتبَّع لنعرف الرب، خروجه يقين كالفجر، يأتي إلينا كالمطر، كمطر متأخر يسقي
الأرض!… ولكنهم كآدم تعدّوا العهد (خيانة) هناك غدروا بي… إنهم قد صنعوا
فاحشة!
«(هو 6: 13و7و9).
وليس أعظم من هذا مرثاة يرثي بها المسيحُ الذين قاوموه وصلبوه من واقع ما تنبأ به
هوشع:
» ويل لهم لأنهم هربوا عني، تبًّا لهم لأنهم أذنبوا إليَّ أنا أفديهم وهم تكلَّموا عليَّ بكذب…
وأنا أنذرتهم وشدَّدت أذرعهم وهم
يفكرون
عليَّ بالشر
«(هو 7: 13و15)، » أمَّا الفرِّيسيون فقالوا برئيس الشياطين يخرج الشياطين. «(مت
34:9)

ويقول القديس يوحنا في
إنجيله ملخِّصاً أعمالهم:
» لأن اليهود كانوا قد
تعاهدوا أنه إن اعترف أحد بأنه المسيح يُخرج من المجمع.
«(يو 22:9)

 

(مت 11)
المعمدان:

يستشهد المسيح نفسه عن
يوحنا المعمدان بملاخي النبي هكذا:
» فإن هذا هو الذي كُتب
عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدَّامك
«(مت 10:11). فإذا رجعنا لملاخي نجد المطابقة صارخة (مل 1:3): » هاأنذا أرسل
ملاكي فيهيئ الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك
العهد الذي تُسرُّون به، هوذا يأتي قال رب الجنود
«

والذي يسترعي انتباهنا
هنا أن النبوَّة تنطق بنطق مخالف لما نطقه المسيح، وفي هذا توعية وكشف لشخصية
المسيح المتكلِّم: ففي النبوَّة يقول: «يهيئ الطريق أمامي» والمتكلِّم هو
يهوه الله، وفي نطق المسيح في إنجيل ق. متى:
» الذي يهيئ
طريقك قدَّامك
« وهكذا حدث تفسيرٌ
من عند المسيح يقوم على أساس أن يهوه المتكلِّم عن نفسه في النبوَّة “أمامي”
ردَّده المسيح على أساس أن يهوه يتكلَّم عن المسيح بالمخاطب “أمامك”، وبذلك يصير
المتكلِّم في النبوَّة هو هو المتكلِّم في إنجيل ق. متى، أو الواقع على مستوى
التنفيذ. ولكن المسيح له المجد أخفى هذه الحقيقة فلم يقل “أمامي” بل قال “قدَّامك”
باعتبار أن الله يكلِّم ابنه بعد أن كان الله يتكلَّم عن ذاته. وهنا منتهى الكشف
عن أن الله والمسيح (الابن) هو “واحد”.

وإذ يعود ملاخي النبي
في نهاية سفره ليعلن بوضوح عن اسم ملاكه الذي سيرسله هكذا:
» هاأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف «(مل
5:4)، يعود المسيح
أيضاً ويؤكِّد هذه النبوَّة وكيف أنها تمَّت بمجيء يوحنا
المعمدان، فبعدما مدح المعمدان قال:
» وإن أردتم أن تقبلوا
فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، مَنْ له أُذنان للسمع فليسمع.
«(مت 11: 14و15)

(مت 12) في
المنازعة الأولى:

والآن يدخل ق. متى على
نبوَّة إشعياء ليكشف مستوى خدمة المسيح في الشفاء والعطاء، وما يقابله من صدود
وفخاخ للهلاك وهو لا يكل ولا ينكسر. يقول إشعياء:

+ » هوذا عبدي
الذي أَعْضُدُهُ مختاريَ الذي سُرَّت به نفسي، وضعت روحي عليه فيُخرج الحق للأُمم.
لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمِعُ في الشوارع صوته. قصبةً مرضوضةً لا يقصف وفتيلةً
خامدةً (مدخِّنة) لا يُطفئ. إلى الأمان يُخرج الحق لا يكلُّ ولا
ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته.
«(إش 42: 14)

ويقابلها عند ق. متى
(18:1221)، إذ بعد أن شفى المسيح صاحب اليد اليابسة في المجمع
» خرج
الفرِّيسيون وتشاوروا عليه لكي يهلكوه
«(مت 14:12)، ولكن يقابلها في النبوَّة: » لا يكل ولا
ينكسر حتى يضع الحق في الأرض
«بمعنى أن المقاومة لا
تنتهي، وفي نفس الوقت لا ييأس من ضعاف النفوس ولا يرذل ضعاف الإيمان، فبصبر عظيم
وفائق يشجِّع ويداوي:
» قصبة مرضوضة لا يقصف
وفتيلة مدخِّنة لا يُطفئ حتى يُخرج الحق إلى النصرة
« وعوض » وتنتظر الجزائر شريعته «قال: » وعلى اسمه
يكون رجاء الأُمم
«(مت
12: 20و21). نعم فكل ما سجَّله ق. متى من أعمال المسيح المدهشة وأقواله وتعليمه
للشعب بلغت إلى أقصى الأرض ولكل الأمم!! وهذا يعلنه إشعياء بوضوح:
» أنا الرب قد
دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب، ونوراً للأُمم. لتفتح عيون
العمي
لتُخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن (الخطايا) الجالسين في الظلمة
(عدم معرفة الخلاص).
«(إش
42: 6و7)

ويُلاحَظ أنه في مقابل
قول النبوَّة:
» تفتح عيون العمي «يعطي القديس متى حادثة
شفاء:
» حينئذ أُحضر إليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه، حتى إن الأعمى
الأخرس تكلَّم وأبصر.
«(مت
22:12)

ويعطي ق. متى الصورة
الأخَّاذة جداً لصدام الكتبة والفرِّيسيين مع المسيح، والمسيح كالطود الراسخ
يتقبَّل الضربات فيسمو فوقها، ويخاطب المقاومين بلطف ولكن بلهجة الغالب، ويصفها
إشعياء بقوله:
» أنا الرب هذا اسمي (أنا هو) ومجدي لا أعطيه لآخر… هوذا
الأوليات قد أتت (أعمال يهوه) والحديثات (التجديد) أنا مخبر بها.
«(إش 42: 8و9)

وهنا يكشف ق. متى
ورقته:
» فبهتت كل الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود «(مت 23:12)، وفي مقابل انبهار الشعب واعترافه بابن داود أي
المسيَّا، يتصدَّى الفرِّيسيون:
» أمَّا الفرِّيسيون
فلمَّا سمعوا (بخبر شفاء المجنون الأعمى الأخرس) قالوا: هذا لا يُخرج الشياطين
إلاَّ ببعلزبول رئيس الشياطين
«(مت 24:12). ولكن ليس رد مثل رد إشعياء النبي عليهم، وكأنه يتكلَّم
بروح الإنجيل أو بفكر ق. متى أو حتى بفكرنا:
» أيها الصم
اسمعوا، أيها العمي انظروا لِتُبصِروا… ولكنه شعبٌ منهوبٌ ومسلوبٌ قد اصطيد في
الحُفَرِ كُلُّه وفي بيوت الحبوس (التي صنعوها لأرواحهم) اختبأُوا، صاروا نهباً…
«(إش 42: 18و22)

أمَّا “الحديثات”
التي يتكلَّم عنها النبي فهي في إنجيل ق. متى:
» ولكن إن كنت
أنا بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله.
«(مت 28:12)

ونحن هنا نجوز تجربة من
أهم وأخطر تجارب الإنجيل، حيث تتمشَّى أعمال المسيح على النبوَّات خطوة خطوة،
فيأخذ الإنجيل منتهى صدقه وجلاله، وتأخذ النبوَّة منتهى غايتها وتحقيقها!! كل ذلك
في نسيج تتمشَّى فيه السدّة مع اللحمة ليخرج لنا عمل روحي من أبدع أعمال النعمة
للخلاص. فهنا عمل ق. متى في إنجيله يتجلَّى في أروع صورة.

كما لا ندَّعي أننا
فحصناها بما تستحقه من الكشف الدقيق وهذا يَسْهُل على القارئ ملاحظته
ولكننا بصدد شرح محدَّد لا يؤهِّلنا للاستغراق في البحث والتفتيش.

(مت 13) في
الأمثال:

الأمثال عند ق. متى
تتجه نحو مدى الاستجابة لمواعيد الله، وقالها المسيح إمَّا لتلاميذه مباشرة لكي يُعدَّهم
للملكوت القادم، أو إرسالها لتبلغ أسماع قادة شعب إسرائيل فيما يخص مدى نفورهم
وهجرانهم لمواعيد الله في العهد القديم، وهي (مواعيد الله) على قدر خطوات من تحقيق
الملكوت الموعود به والذي يدعو إليه. ولو أننا قد أفردنا باباً خاصاً للأمثال،
ولكن نعبر فيها الآن على ضوء نبوَّات العهد القديم. والذي أثار هذا الموضوع هو
سؤال التلاميذ عن معنى مثل الزارع، إذ تعجَّب المسيح كيف لا يعرفونه من أنفسهم
لأنهم قد أُعطوا سر الملكوت، بمعنى إدراك الروح والبصيرة، حتى أنه راجعهم في إنجيل
ق. مرقس إذ كيف يعرفون بعد ذلك باقي الأمثال، وبدأ المسيح يوضِّح لهم أن التجاءه
إلى الأمثال هو لتغطية الاتجاه الروحي، حتى أن الذي ليس له روح الفهم
وطبعاً بسبب هجرانه لوصايا الله وعدم تمسُّكه بوعوده لا يفهم المثل.
أمَّا أولاد النعمة والروح فيفهمونه بدون شرح. وفي هذا تنبأ مزمور (78) بهذا
المعنى هكذا:

+ » اصغِ يا
شعبي إلى شريعتي، أميلوا آذانكم إلى كلام فمي، أفتح بمثلٍ فمي، أذيع ألغازاً
منذ القدم،
التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا أخبرونا.
«(مز 78: 13 = مت 35:13)

ومن هنا جاء الالتجاء
للعهد القديم حيث قيل هذا المعنى بنوع شديد وقاسٍ. فمثلاً في (مت 13:1315)
يقول المسيح لتلاميذه:
» من أجل هذا أكلِّمهم
بأمثال لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون، فقد تمَّت فيهم
نبوَّة إشعياء القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون. لأن
قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمضوا عيونهم لئلاَّ يبصروا
بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم
« وهذا القول مطابق لما جاء في العهد القديم لإشعياء فعلاً (إش 6:
9و10). وطبعاً القول شديد ومحزن لأنه جاء في إشعياء بصورة النقمة:
» غلِّظ قلب
هذا الشعب وثقِّل أذنيه وأطمِس عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه
ويرجع فيُشفى
«(إش 10:6). وطبعاً
هذه النقمة من الله بسبب شناعة بعدهم عن الحق قولاً وعملاً، واقترافهم خطايا وآثام
في حق وصايا الله وعهده. فلمَّا أساءوا إساءة متعمّدة ضد وعده وعهده الأول وكل
وصاياه، أصبح من الخطر أن يدخلوا على عهده الثاني عهد النعمة والحرية والمحبة. فهم
بسلوكهم حرموا أنفسهم من عملية فتح الوعي والعينين والقلب والأذن لسماع وطاعة دعوة
المسيح للخلاص (نفس الأمر الذي صنعه الله مع آدم بعد أن انفتحت عيناه على الشر،
طرده من الفردوس لئلاَّ يأخذ من شجرة الحياة ويأكل فيعيش في خطيته إلى الأبد).
وهنا بقية ما جاء في إشعياء يحكي عن نتيجة عماهم ورفضهم لدعوة الملكوت بقتلهم
المسيح. اسمع ما يقول إشعياء عن خراب أُورشليم والهيكل وفلسطين وطرد اليهود
وتشتيتهم:
» فقلت إلى متى أيها السيد.
فقال إلى أن تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر
«(إش 11:6).
ولكن لا يمكن أن يدوم غضب الله إلى الأبد، فلابد من عودة وتوبة ونعمة ورجاء:
» ولكن كالبطمة والبلوطة (أشجار ضخمة) التي وإن
قُطعت فلها ساق يكون ساقه زرعاً مقدَّساً.
«(إش 13:6)

ويكمِّل ق. متى أصحاحه
بكيف لا يكف هذا الشعب عن ثورانه ورفضه وعناده:
» ولمَّا جاء
إلى وطنه كان يعلِّمهم في مجمعهم حتى بُهتوا (والنتيجة) وقالوا من أين لهذا هذه
الحكمة والقوات، أليس هذا ابن النجَّار، أليست أُمه تُدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي
وسمعان ويهوذا، أوليست أخواته جميعهن عندنا، فمن أين لهذا هذه كلها؟ فكانوا يعثرون
به. وأمَّا يسوع فقال لهم: ليس نبي بلا كرامة إلاَّ في وطنه وفي بيته. ولم يصنع
هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم
«(مت 13: 5458). وفي إنجيل ق. لوقا يذكر أنهم
أخذوه وأرادوا أن يطرحوه من فوق الجبل ليموت!!

وهكذا كان هذا الشعب
على طول مرحلة حياته من مصر إلى البرية إلى الأرض التي أعطاهم، ملأوها انحرافاً عن
عبادته وطاعته. ولكن أيضاً يقول في مزمور (78) في النهاية كيف تحنَّن الله على
شعبه وأعاد لهم داود مضاعفاً وأيام الحب والرحمة:
» رفض خيمة
يوسف ولم يختر سبط إفرايم، بل اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي أحبَّه… واختار
داود عبده وأخذه من حظائر الغنم من خلف المرضعات، أتى به ليرعى يعقوب شعبه
وإسرائيل ميراثه. فرعاهم حسب كمال قلبه وبمهارة يديه هداهم
«(مز 78: 6772). وهكذا وصلنا إلى داود محور إنجيل ق.
متى، وهذا يعني أن المسيح بأمثاله يفرِّق بين الغنم والجداء، وفي النهاية هو لشعبه
عندما يعود شعبه له.

ونظرية ق. متى التي
يقدِّم بها أمثاله هي لكي يكشف حالة المقاومين للمسيح المستعصية التي بدأت من
سيناء ولم تنته حتى خراب أُورشليم. فالقديس متى يمهِّد للعهد الجديد باستئصال
أورام خبيثة في علاقة شعب إسرائيل مع الله، يكشف عن الداء الخطير ويعطي الجديد بين
“قوسين” أي الأمثال. فالذي بين القوسين هو للذين انفتحوا للجديد، وأمَّا الذين
انغلقوا على أنفسهم ورفضوا المسيح فيصير الكلام عينه شهادة ضدَّهم وسبب دينونة،
انتهت بخراب البلاد وتوقف علاقتهم بالله، ولكن ليس إلى المنتهى.

(مت 15: 120)
في المنازعة الثانية:

إن تركيب الكلام في هذا
الأصحاح يحتاج إلى متابعة ما يقابله في إشعياء لكي تنكشف أسراره. والأصحاح الخامس
عشر من إنجيل ق. متى يبدأ بصدام مع الفرِّيسيين
» حينئذ جاء
إلى يسوع كتبة وفرِّيسيون الذين من أُورشليم قائلين، لماذا يتعدَّى تلاميذك تقليد
الشيوخ (تعليم الناموس) فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً
«(مت 15: 1و2). فيرد عليهم المسيح من إشعياء: » يا مراؤون
حسناً تنبأ عنكم إشعياء قائلاً: يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه،
وأمَّا قلبه فمبتعد عني بعيداً، وباطلاً يعبدونني وهم يعلِّمون تعاليم هي وصايا
الناس
«(مت 15: 7
انظر إش 13:29). هذه الآيات يكمِّلها إشعياء فيزداد الوضوح وضوحاً:
» ويل للذين
يتعمَّقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير أعمالهم في الظلمة ويقولون مَنْ يبصرنا
ومَنْ يعرفنا
«(إش
15:29). هذه الإضافة خطيرة لأن هذه كانت سيكولوجية الكتبة والفرِّيسيين ورؤساء
الكهنة، كانوا يخططون في الظلام وهم مطمئنون أن حتى الله لا يراهم!! وطبعاً سر هذا
كله ما جاء في الآية (8):
» يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأمَّا قلبه
فمبتعد عني بعيداً!!
«هذه مصيبة المصائب، لقد انقطعت
الصلة بينهم وبين الله فماذا بقي لهم إلاَّ تعاليم كاذبة وخطة لقتل ابن الله! هذا
الداء سبق المسيح
وحذَّر منه في موضع
آخر:
» ليس
كل مَنْ يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات.
«(مت 21:7)

ولكن أخاف أن نكون نحن
أيضاً قد بردت محبتنا وضعف إيماننا وأصبح يتعلَّق بفتيلة اسمها “يا رب يا رب”، ولا
حرارة ولا حب ولا دموع ولا بكاء ولا بذل حتى الموت. لماذا؟ الصلة مقطوعة!!
» وتصير
أعمالهم في ظلمة ويقولون مَنْ يبصرنا ومَنْ يعرفنا
«

وعلينا أن نتأكَّد أن
إدخال آيات إشعياء النبي تعليقاً على كلام الرب هو من عمل المسيح وليس من عمل ق.
متى، وكل ما قام به ق. متى هو استعادة ما قاله المسيح بوعي وهدف. ولا يمكن أن نغفل
أن المسيح بدأ خدمته بذهابه إلى مجمع الناصرة وقام وقرأ إشعياء النبي وعلَّق على
الكلام بقوله:
» اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم «! (لو 21:4). وكانت هذه القراءة دستور التلاحم بين القديم والجديد
وأول انجذاب فكر ق. متى لأهمية أقوال الأنبياء كمُلْحَق يأتي مباشرة لكلام المسيح،
لأن في قول الأنبياء تكميلاً غير وارد في الإنجيل.

لينتبه القارئ من
افتتاح الأصحاح بالقول إن الكتبة والفرِّيسيين الذين جاءوا ليتصدُّوا للمسيح كانوا
“من أُورشليم”، وهنا يفتح ق. متى المقابل من إشعياء (29: 9و10):
» توانوا
وابهتوا تلذَّذوا واعموا، قد سكروا وليس من الخمر، ترنَّحوا وليس من المسكر، لأن
الرب قد سكب عليكم روح سبات وأغمض عيونكم. الأنبياء (الكذبة) ورؤساؤكم الناظرون
غطَّاهم
« وذلك حتى انقضَّ
عليهم الرومان وخرَّبوا المدينة والهيكل وقتلوا الشعب مع رؤسائه وأنبيائه الكذبة.
وهكذا أُورشليم برؤسائها تصدَّت للمسيح، وأُورشليم برؤسائها سُحقت وشعبها فيها.

وهكذا نرى كيف أن
النبوَّة تمتد بالقول الذي يقوله المسيح لتبلغ به النهاية. ويلاحظ أيضاً أن المسيح
كان يطلب الإيمان، ومن المفروض في رؤساء اليهود وقادة البلاد وكهنة أُورشليم أن
يكون لهم الإيمان. لذلك نسمع أيضاً في بداية الأصحاح الذي استشهد به المسيح كيف
يولول إشعياء على عاصمة البلاد وينذر بخرابها الأكيد:
» وأحيط بكِ
كالدائرة وأضايق عليكِ بحصن وأقيم عليكِ متارس… ويصير جمهور أعدائك كالغبار
الدقيق (من الكثرة) وجمهور العتاة كالعصافة المارة (سرعة الانقضاض) ويكون ذلك في
لحظة بغتة، من قبل رب الجنود.
«(إش 29: 3و5و6)

والإنسان يتعجَّب بعد
وضع النبوَّة في مقابل المقولة أو الرواية، فهي تكشف أعماقها المستورة وتجعل لكل
فعل رد فعل، ولكل مقاومة ومصارعة ثمناً مدفوعاً من دم أصحابها وخراباً معجَّلاً!
والإنسان بكل صراحة كان يستهين بمقاومة الفرِّيسيين والكتبة ورؤساء الكهنة، إلاَّ
أن النبي كان واقفاً لهم بالمرصاد منذ 700 سنة، يرصد حركاتهم ويضع فوقها العقاب
المحتَّم.

ولكن
أخطر ما قيل في النبوَّة هو اعتقاد هؤلاء المتصدِّين للمسيح والمخططين للإيقاع به
كأنهم يغيظون

الله أو يناورون عليه أو يتحدُّون:
» ويل للذين يتعمَّقون (يخططون) ليكتموا
رأيهم عن الرب
فتصير
أعمالهم في الظلمة ويقولون مَنْ يبصرنا ومَنْ يعرفنا… أو تقول الجبلة عن جابلها
لم يفهم!؟
«(إش 29: 15و16)

فلمَّا اغتاظ التلاميذ
من مناوراتهم
» تقدَّم تلاميذه وقالوا له: أتعلم أن الفرِّيسيين لما سمعوا
القول نفروا، فأجاب وقال: كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع، اتركوهم هم عميان
قادة عميان، وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة.
«(مت 15: 1214)

والعجيب أن بين فقرتي
أصحاح (15: 19) وأصحاح (16: 14) عن الفرِّيسيين أن المسيح
كان يشفي:
» فجاء إليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخُرس وشل وآخرون كثيرون
وطرحوهم عند قدمي يسوع فشفاهم. حتى تعجَّب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلَّمون والشل
يصحّون والعرج يمشون والعمي يبصرون ومجَّدوا إله إسرائيل
«(مت 15: 30و31). وبالمقابل وفي نفس الموضع يحكي إشعياء عن هذا
المنظر عينه وكأنه كان شاهد عيان من وراء الزمان:
» ويَسمَعُ في
ذلك اليوم الصم أقوال السفر، وتنظر من القتام والظلمة عيون العمي، ويزداد البائسون
فرحاً بالرب ويهتف مساكين الناس بقدوس إسرائيل
«(إش 29: 18و19). ويا للتطابق العجيب، فهذا ليس عهداً قديماً بل
مرآة مضيئة يرى فيها الفهيم صورة الجديد برتوشها ليزداد العالِم علماً وابن
الإنجيل عزاءً.

(مت 2128)
في رواية الآلام:

يبدأ القول بما جاء في
(5:21) في أمر الأتان التي ركبها المسيح في دخوله أُورشليم كما جاء في إشعياء
(11:62) وفي زكريا (9:9):

+ » فكان هذا
كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون هوذا ملككِ يأتيكِ وديعاً
راكباً على أتان وجحش ابن أتان.
«(مت 21: 4و5)

ولكن في إشعياء:
(11:62) لا يزيد عن قوله:
» قولوا لابنة صهيون هوذا
مخلِّصكِ آتٍ…
« أمَّا زكريا
فيكمِّل القول:
» ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أُورشليم، هوذا
ملككِ يأتي إليكِ
هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان.
«(زك 9:9)

ويكمِّل ق. متى في
أصحاح (9:2111) مستغرقاً في وصف تهليلي رائع:
» والجموع
الذين تقدَّموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: أوصنا لابن داود مبارك الآتي
باسم الرب أوصنا في الأعالي. ولمَّا دخل أُورشليم ارتجَّت المدينة كلها قائلة مَنْ
هذا؟ فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل
«

وهنا عجز الوصف عن أن
يعطي مضمون هذا “المارش” الملكي كما غطَّاه زكريا:
» هوذا ملككِ
يأتي إليكِ
« لأن القصد الأساسي
من هذا الوصف هو استعلان ابن داود مسيَّا، الذي اعتبره إشعياء:
» هوذا مخلِّصكِ
آت
« وصوَّره زكريا
النبي بالملك الظافر تحيطه هالة الأبوكاليبسيس ذي البوق والفرح والبهجة،
ولكن أي فرح وأي بهجة ومن أين تأتي؟ يرد زكريا أيضاً:

+ » فأخذت عصاي
نعمة وقصفتها لأنقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط… فقلت لهم إن حسن في أعينكم
فأعطوني أجرتي وإلاَّ فامتنعوا: فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب ألقها
إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمَّنوني به (ثمن الدم)، فأخذت الثلاثين من الفضة
وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب.
«(زك 11: 1013)

وهكذا كُسر العهد الأول
في الوقت الذي سُفك فيه دم العهد الثاني. هذا هو أساس تهليل يوم دخول الرب
أُورشليم، فهو كما يصوِّره زكريا العجيب فرح وبهجة
الخلاص من فوق دم ثمَّنوه بثلاثين من الفضة، وكان كريماً من حمل بلا عيب كقول
القديس بطرس (1بط 19:1). فهكذا تربط النبوَّة
بهجة دخول أُورشليم كملك مُظفر تحوطه تهليل وأفراح الخلاص، بثمن هذا الخلاص

الذي هو سفك دم!! هنا يتجلَّى اللاهوت من عمق
حدث سجَّله التاريخ ليدخل إلى عمق الإيمان
ويدوم.

ويحكيها إرميا النبي
بنفس الواقع اللاهوتي:
» ها أيام تأتي يقول الرب
وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً، ليس كالعهد الذي قطعته مع
آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب
«(إر 31: 31و32). وهنا يقنِّن إرميا: » سفك الدم «بالعهد
الجديد!!
» لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود. «(زك 6:4)

وهكذا يتوكأ ق. متى على
إشعياء وعلى زكريا معاً ليحكي بالتفصيل قصة آلام الخلاص كلها. وبعد أن دخل المسيح
أُورشليم وبدأ بتطهير الهيكل قال جملته المشهورة:
» بيتي بيت
الصلاة يُدعى لكل الشعوب
«(إش 7:56)، ولكن المسيح أضاف إليها ما نقض الصلاة بل ونقض وجود
الهيكل برمَّته وأسقط تاريخه من سجلاَّت السماء
» بيتي بيت
الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص
«(مت 13:21). ولكن لا نعدم نقداً في إشعياء وفي نفس الأصحاح (56)
لما صنعوه في بيت الصلاة حتى استوجب أن يدعى هكذا مغارة لصوص:
» والكلاب
شرهة لا تعرف الشبع وهم رعاة لا يعرفون الفهم،
التفتوا جميعاً إلى طرقهم، كل واحد إلى الربح عن أقصى (أقصى ربح)!! هلموا آخذ
خمراً ولنشتفَّ مسكراً ويكون الغد كهذا اليوم عظيماً بل أزيد جداً
«(إش
56: 11و12). ولكن الغد
ولولة
وخراب، والهيكل إلى التراب قد صار، وأُورشليم محروقة بالنار، لأنه إن لم تكن صلاة
يكون خرابٌ!!

ولكن لا يفوتنا من وسط
الخراب تسبيح وعلى لسان داود:
» وقالوا له أتسمع ما
يقوله هؤلاء (الأطفال)؟ فقال لهم يسوع نعم، أما قرأتم قط من أفواه الأطفال والرضَّع
هيأت تسبيحاً
«(مت 16:21).
والمقابل عند داود في المزمور (2:8):
» من أفواه الأطفال
والرضَّع أسست حمداً بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم
« وهنا أضاف لنا داود أن الرب جعل التسبيح لإسكات أصوات الأعداء
المتذمرين.

ثم نأتي إلى استشهاد
المسيح في الآية (42:21) من المزامير أيضاً (مز 22:118):
» فقال لهم
يسوع أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البنَّاؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا… ومَنْ سقط على هذا الحجر يترضَّض ومن
سقط هو عليه يسحقه!
«(مت
21: 42و44). قال هذا في نهاية مَثَل الكرَّامين الأردياء الذين تعاهدوا على قتل
ابن صاحب الكرم، الذي انتهى سرده أمام الفريسيين، وسألهم ماذا يفعل صاحب الكرم
بهم، فأجابوا وقد حكموا على أنفسهم وهم لا يدرون:
» أولئك
الأردياء يهلكهم هلاكاً رديًّا ويسلِّم الكرم إلى كرامين آخرين يعطون الأثمار في
أوقاتها
«(مت 41:21). وحينئذ
أخرج المسيح الورقة التي حجزها إلى الآخِر وهي أنهم هم الكرَّامون الأردياء، وأضاف
كونهم دبَّروا قتله بالفعل فيكونون بمثابة مَنْ رفضوا حجر الزاوية باعتبارهم
بنَّائين لإسرائيل ومعلميه، فقال مثله المشهور عن الحجر وعن مَنْ يرفضه: إمَّا
يترضَّض إذا عثر فيه، وإمَّا يُسحَق إن هو وقع عليه.

أمَّا المزمور (118)
فهو أغنى المزامير في وصف رسالة المسيح الخلاصية، والرب التجأ إليه ليصف كيف قام
كحجر الزاوية في بناء الخلاص لكافة الشعوب، فرفْضُه بواسطة بنَّائي إسرائيل جعله
حجر زاوية في كنيسة الله للخلاص، فإن كانوا قد أسقطوه ورفضوه وكان يوم حزن، فذلك
لكي يقوم وتصبح قيامته مصدر فرح وابتهاج أبدي:

+ » أحمدك لأنك
استجبت لي وصرت لي خلاصاً. الحجر الذي رفضه البنَّاؤون قد صار رأس الزاوية، مِنْ
قِبَلِ الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب (يوم القيامة
من بين الأموات) نبتهج ونفرح فيه. آه يا رب خلِّص. آه يا رب أنقذ. مبارك الآتي
باسم الرب. باركناكم من بيت الرب.
«(مز 118: 2126)

وفي الأصحاح الثاني
والعشرين يتمسَّك المسيح بكلام داود وهو هو رب داود، متخذاً من مزموره سرّ ارتفاعه
بعد قيامته (اليوم الذي صنعه الرب) ليجلس عن يمين الله:

+ » قال الرب
لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك (مَنْ سقط عليهم الحجر) موطئاً لقدميك.
« (مت 44:22)

وهذا هو مضمون المزمور
(1:110) الذي يؤكِّد مسيَّانية المسيح ومساواته بالآب. فكلمة “عن يمين الرب” هي
مساواة في الكرامة والمجد.

ولأجل هذا أصرَّ ق. متى
ليجعل داود رأس النسل الذي انحدر منه المسيح بحسب الجسد، الأمر الذي تمسَّك به ق.
بولس:
» الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدَّسة، عن ابنه،
الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة
بالقيامة من الأموات: يسوع المسيح ربنا.
«(رو 1: 24)

ولا يفوتنا أن نقابل
كلمة المسيح لبطرس ساعة القبض:
» فقال له يسوع: رد سيفك
إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون
«(مت 52:26)، بما يقابلها في سفر التكوين: » من يد الإنسان أطلب نفس الإنسان… سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه «(تك
9:

5و6). هذا هو تقييم للمسيح على أعلى مستوى بالنسبة لاحترام العهد القديم والعمل
بأوامره.

وإذ نأتي إلى ختام هذا
البحث المقتضب نلفت نظر القارئ أننا لا نشرح الإنجيل بآيات العهد القديم، ولكن
نكشف مدى استخدام المسيح لآيات العهد القديم لتدعيم مقولاته في إنجيل ق. متى الذي
تخصَّص في هذا اللون من المضاهاة، والنتيجة أن المسيح أكد على ضرورة فحص الكتب من
موسى والمزامير والأنبياء، ذلك لكي يثبت إيماننا كما قدمها ق. بطرس هكذا:
» ونحن سمعنا
هذا الصوت مقبلاً من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدَّس، وعندنا الكلمة
النبوية وهي أثبت،
التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في
موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب
الصبح في قلوبكم. عالمين هذا أولاً أن كل نبوَّة الكتاب ليست من تفسير خاص، لأنه
لم
تأتِ نبوَّة قط بمشيئة إنسان بل
تكلَّم أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس.
«(2بط 1: 1821)

الآيات التي
اقتبسها القديس متى من العهد القديم:

 

1
الاقتباسات التي استخدمها المسيح في كلامه:

 

إقتباسات بالترتيب في
العهد القديم

ما يقابلها في الإنجيل بدون ترتيب

سفر التكوين:

(27:1،2:5)

(4:19)

 

» فخلق
الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم
«

» ذكراً
وأنثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خُلق
«

» أما
قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى
«

 

(24:2)

(5:19)

 

» لذلك
يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً
«

» من
أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكونان الاثنان جسداً واحداً
«

 

(7:7)

(38:24)

 

» فدخل
نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك
«

» لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون
ويشربون ويتزوَّجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك
«

 

(14:18)

(26:19)

 

» هل
يستحيل على الرب شيء
«

» هذا
عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع
«

 

سفر الخروج:

(6:3)

(32:22)

 

» ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب «

» أنا
إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات بل إله أحياء
«

 

(12:20،17:21)

(4:15، 19:19)

 

» أكرم
أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض
«

» ومن
شتم أباه أو أُمه يُقتل قتلاً
«

» فإن
الله أوصى قائلاً: أكرم أباك وأمك ومَنْ يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً
«

 

(13:20-16)

(18:19)

 

» لا
تقتل. لا تزنِ. لا تسرق. لا تشهد على قريبك شهادة زور
«

» فقال
يسوع: لا تقتل لا تزنِ لا تسرق لا تشهد بالزور
«

 

(24:21)

(38:5)

 

» عيناً
بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل
«

» سمعتم
أنه قيل عين بعين وسن بسن
«

 

(8:24)

(28:26)

 

» وأخذ
موسى الدم ورش على الشعب وقال: هذا هو دم العهد الذي قطعه الرب معكم
«

» لأن
هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا
«

 

سفر اللاويين:

(2:14)

(4:8)

 

» هذه
تكون شريعة الأبرص يوم طهره، يُؤتى به إلى الكاهن…
«

» اذهب
أرِ نفسك للكاهن وقدِّم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم
«

 

(18:19)

(39:22)

 

» لا
تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك. بل تحب قريبك كنفسك. أنا الرب
«

» والثانية
مثلها تحب قريبك كنفسك
«

 

(20:24)

(38:5)

 

» كسر
بكسر وعين بعين وسن بسن
«

» سمعتم
أنه قيل عين بعين وسن بسن
«

 

سفر العدد:

(2:30)

(33:5)

 

» إذا
نذر رجل نذراً للرب أو أقسم قسماً أن يلزم نفسه بلازمٍ فلا ينقض كلامه
«

» سمعتم
أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أوفِ للرب أقسامك
«

 

سفر التثنية:

(16:5)

(4:15)

 

» أكرم
أباك وأمك كما أوصاك الرب
«

» فإن
الله أوصى قائلاً: أكرم أباك وأمك
«

 

(16:6)

(7:4)

 

» لا
تجربوا الرب إلهكم كما جرَّبتموه في مسَّة
«

» مكتوب
أيضاً لا تجرِّب الرب إلهك
«

 

(3:8)

(4:4)

 

» وأطعمك
المن الذي لم تكن تعرفه… لكي يعلِّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل
ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان
«

» مكتوب
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله
«

 

(1:13-3)

(24:24)

 

» إذا
قام في وسطك نبي أو حالم حلماً وأعطاك آية أو أعجوبة… فلا تسمع
«

» لأنه
سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة
«

 

(13:18)

(48:5)

 

» تكون
كاملاً لدى الرب إلهك
«

» فكونوا
أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل
«

 

(15:18)

(5:17)

 

» يقيم
لك الرب إلهك نبيًّا من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون
«

» وفيما
هو يتكلَّم إذا سحابة نيِّرة ظلَّلتهم وصوت من السحابة قائلاً: هذا هو ابني
الحبيب الذي به سررت له اسمعوا
«

 

(15:19)

(16:18)

 

» لا
يقوم شاهد واحد على إنسان في ذنب ما أو خطية… على فم شاهدين أو على فم ثلاثة
شهود يقوم الأمر
«

» وإن
لم يسمع فخذ معك أيضاً واحداً أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة
«

 

(1:24)

(31:5)

 

» إذا
أخذ رجل امرأة وتزوَّج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه… وكتب لها كتاب طلاق
ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته…
«

» وقيل
مَنْ طلَّق امرأته فليعطها كتاب طلاق
«

 

(4:30)

(31:24)

 

» إن
يكن قد بدَّدك إلى أقصاء السموات فمن هناك يجمعك الرب إلهك
«

» فيرسل
ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلى
أقصائها
«

 

(5:32و6)

(17:17)

 

» جيل
أعوج ملتوي ألرب تكافئون بهذا يا شعباً غبياً غير حكيم
«

» أيها
الجيل غير المؤمن الملتوٍ إلى متى أكون معكم
«

 

سفر صموئيل 1

(6:21)

(4:12)

 

» فأعطاه
الكاهن (الخبز) المقدَّس لأنه لم يكن هناك خبزٌ إلاَّ خبز الوجوه
«

» كيف
دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط
«

 

سفر الملوك 1:

(1:10)

(42:12)

 

» وسمعت
ملكة سبا بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه بمسائل
«

» ملكة
التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة
سليمان
«

 

سفر الملوك 2:

(42:4)

(16:14)

 

» فقال
أعط الشعب ليأكلوا
«

» أعطوهم
أنتم ليأكلوا…
«

 

سفر أيوب:

(2:42)

(26:19)

 

» قد
علمت أنكَ تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر
«

» فنظر
إليهم يسوع وقال لهم: هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع
«

 

سفر المزامير

(8:6)

(23:7)

 

» ابعدوا
عني يا جميع فاعلي الإثم
«

» فحينئذ
أصرح لهم إني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم
«

 

(3:8)

(16:21)

 

» من
أفواه الأطفال والرُضَّع أسَّست حمداً بسبب أضدادك
«

» فقال
لهم يسوع: نعم. أما قرأتم قط من أفواه الأطفال والرُضَّع هيأتَ تسبيحاً
«

 

(1:22)

(46:27)

 

» إلهي
إلهي لماذا تركتني؟…
«

» ونحو
الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي إيلي لما شبقتني؟ أي إلهي إلهي
لماذا تركتني؟
«

 

(3:24و4)

(8:5)

 

» مَنْ
يصعد إلى جبل الرب ومَنْ يقوم في موضع قدسه الطاهر اليدين والنقي القلب
«

» طوبى
للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله…
«

 

(11:37)

(5:5)

 

» أما
الودعاء فيرثون الأرض ويتلذَّذون في كثرة السلامة
«

» طوبى
للودعاء لأنهم يرثون الأرض
«

 

(9:41)

(23:26)

 

» أيضاً
رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليَّ عقبه
«

» الذي
يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني
«

 

(6:42)

(38:26)

 

» يا
إلهي نفسي منحنية([51])
فيَّ
«

» فقال
لهم: نفسي حزينة جدًّا حتى الموت. امكثوا هنا واسهروا معي
«

 

(2:48)

(34:5و35)

 

» فرح
كل الأرض جبل صهيون… مدينة الملك العظيم
«

» لا
تحلفوا البتة… ولا بأُورشليم لأنها مدينة الملك العظيم
«

 

(1:110)

(44:22)

 

» قال
الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك
«

» قال
الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك
«

 

(22:118و23)

(42:21)

 

» الحجر
الذي رفضه البنَّاؤون قد صار رأس الزاوية مِنْ قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في
أعيننا
«

» أما
قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البنَّاؤون هو قد صار رأس الزاوية مِنْ
قِبَلِ الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا
«

 

(26:118)

(39:23)

 

» مبارك
الآتي باسم الرب. باركناكم من بيت الرب
«

» لأني
أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب
«

 

سفر إشعياء:

(1:5و2)

(33:21)

 

» كان
لحبيبي كرم على أَكَمَةٍ خصبة فَنَقَبَةُ ونقَّى حجارته وغرسه كرم سورق وبنى
برجاً في وسطه ونقر فيه أيضاً معصرة فانتظر أن يصنع عنباً
«

» كان
إنسان رب بيت غرس كرماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجاً وسلَّمه إلى
كرَّامين وسافر
«

 

(9:6و10)

(14:13و15)

 

» قل
لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا. غلِّظ قلب هذا
الشعب وثقِّل أُذنيه واطمس عينيه لئلاَّ يُبصر بعينيه ويسمع بأُذنيه ويفهم بقلبه
ويرجع فيُشفى
«

» تسمعون
سمعاً ولا تفهمون ومبصرين تبصرون ولا تنظرون لأن قلب هذا الشعب قد غلظ وآذانهم
قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلاَّ يُبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا
بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم
«

 

(9:1311)

(29:24و30)

 

» هوذا
يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحمو غضب ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها. فإن
نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها. تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع
بضوئه وأعاقب المسكونة على شرِّها
«

» وللوقت
بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء
وقوات السموات تتزعزع… وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض
«

 

(13:29)

(8:15)

 

» لأن
هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمه وأكرمني بشفتيه وأمَّا قلبه فأبعده عني
«

» يقترب
إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأمَّا قلبه فمبتعد عني بعيداً
«

 

(24:49-26)

(29:12)

 

» هل
تُسلب من الجبار غنيمة وهل يُفْلِتُ سبي المنصور، فإنه هكذا قال الرب حتى سبي
الجبَّار يُسلَبُ وغنيمةُ العاتي تفلت وأنا أخاصم مخاصمك وأخلِّص أولادك. أنا
الرب مخلِّصك وفاديك عزيز يعقوب
«

» أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم
يربط القوي أولاً وحينئذ ينهب بيته
«

 

(7:56)

(13:21)

 

» آتي
بهم إلى جبل قدسي وأُفرِّحهم في بيت صلاتي… لأن بيتي بيت صلاة يُدعى لكل
الشعوب
«

» مكتوب
بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص
«

 

(1:61-3)

(3:5و4،5:11)

 

» روح
السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني لأُبشِّر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب…
لأعزِّي كل النائحين… ودهن فرح عوضاً عن النوح
«

» طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات… طوبى
للحزانى لأنهم يتعزّون
« »والمساكين يُبشَّرون «

 

(1:66)

(34:5و35)

 

» السموات
كرسيِّ والأرض موطئ قدميَّ. أين البيت الذي تبنون لي وأين مكان راحتي؟
«

» لا
تحلفوا البتة لا بالسماء لأنها كرسيُّ الله ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه
«

 

سفر إرميا:

(16:6)

(28:11و29)

 

» هكذا
قال الرب: قفوا على الطريق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق
الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم
«

» تعالوا
إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم
وتعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم
«

 

(11:7)

(13:21)

 

» هل
صار هذا البيت الذي دُعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم
«

» مكتوب
بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص
«

 

(7:12)

(38:23)

 

» قد تركت بيتي رفضت ميراثي!! «

» هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً «

 

(8:21)

(13:7و14)

 

» هنذا
أجعل أمامكم طريق الحياة وطريق الموت
«

» ادخلوا
من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدِّي إلى الهلاك وكثيرون هم
الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدِّي إلى الحياة وقليلون
هم الذين يجدونه
«

 

سفر دانيال:

(13:7)

(64:26)

 

» كنت
أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحُبِ السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم
الأيام فقرَّبوه
قدَّامه «

» وأيضاً
أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب
السماء
«

 

(27:9)

(15:24)

 

» وفي
وسط الأسبوع يُبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مُخرَّبٌ حتى يتمَّ
ويُصبَّ المقضيُّ على المُخرّب
«

» فمتى
نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدَّس ليفهم
القارئ
«

 

(41:11)

(10:24)

 

» ويدخل
إلى الأرض البهيَّة فيعثر كثيرون
«

» وحينئذ
يعثر كثيرون ويسلِّمون بعضهم بعضاً
«

(دخول تيطس أورشليم).

 

(1:12)

(21:24)

 

» وفي
ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن
منذ كانت أُمة إلى ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت يُنجَّى شعبك كل مَنْ يوجد مكتوباً
في السفر
«

» لأنه
يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون
«

 

(2:12)

(46:25)

 

» وكثيرون
من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار
للازدراء الأبدي
«

» فيمضي
هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية
«

 

(3:12)

(43:13)

 

» والفاهمون
يضيئون كضياء الجلد والذين ردّوا كثيرين إلى البرِّ كالكواكب إلى أبد الدهور
«

» حينئذ
يضيئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم
«

 

(11:12)

(15:24)

 

» ومن
وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً
«

» فمتى
نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدَّس ليفهم
القارئ
«

 

سفر هوشع:

(6:6)

(13:9، 7:12)

 

» إني
أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات
«

» فاذهبوا
وتعلَّموا ما هو. إني أريد رحمة لا ذبيحة
«

 

سفر يونان:

(17:1)

(40:12)

 

» وأمَّا
الرب فأعدَّ حوتاً عظيماً ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام
وثلاث ليالٍ
«

» لأنه
كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الإنسان في
قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ
«

 

سفر ميخا:

(6:7)

(10: 21و35و36)

 

» لأن
الابن مستهين بالأب والبنت قائمة على أمها والكنة على حماتها وأعداء الإنسان أهل
بيته
«

» ويقوم
الأولاد على والديهم ويقتلونهم
«

» فإني
جئت لأفرِّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها وأعداء الإنسان
أهل بيته
«

 

سفر صفنيا:

(3:1)

(41:13)

 

» أنزع…
المعاثر مع الأشرار وأقطع الإنسان عن وجه الأرض يقول الرب
«

» يُرسل
ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم
«

 

سفر زكريا:

(7:13)

(31:26)

 

» استيقظ
يا سيف على راعيَّ وعلى رَجُل رفقتي يقول رب الجنود. اضرب الراعي فتتشتَّت الغنم
وأرد يدي على الصغار
«

» كلكم
تشكون فيَّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني أضرِب الراعي فتتبدَّد خراف الرعية
«

 

(5:14)

(31:25)

 

» ويأتي
الرب إلهي وجميع القديسين معك
«

» ومتى
جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده
«

 

سفر ملاخي:

(1:3)

(10:11)

 

» هنذا
أرسل ملاكي فيهيِّئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك
العهد الذي تُسرُّون به
«

» فإن هذا هو الذي كُتب عنه ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي
الذي يهيِّئ طريقك قدَّامك
«

 

2
شواهد من العهد القديم، قدَّمها ق. متى أو قُدِّمت بواسطة الآخرين في أسئلتهم
للمسيح:

 

إاقتباسات في العهد
القديم بالترتيب

ما يقابلها في الإنجيل بدون ترتيب

سفر التكوين:

(24:4)

(21:18و22)

 

» إنه ينتقم لقايين سبعة أضعاف وأمَّا للامك فسبعة وسبعين «

» حينئذ تقدَّم إليه بطرس وقال: يا رب كم مرَّة يُخطئ إليَّ
أخي وأنا أغفر له هل إلى سبع مرَّات. قال له يسوع: لا أقول لك إلى سبع مرَّات بل
إلى سبعين مرَّة سبع مرَّات
«

 

(8:38) والأهم: (تث
5:25)

(24:22)

 

» فقال
يهوذا لأونان ادخل على امرأة أخيك وتزوَّج بها وأقم نسلاً لأخيك
«

» يا
معلِّم قال موسى: إن مات أحد وليس له أولاد يتزوَّج أخوه بامرأته ويُقم نسلاً
لأخيه
«

 

سفر الخروج:

(19:4)

(20:2)

 

» وقال
الرب لموسى في مديان: اذهب ارجع إلى مصر لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا
يطلبون نفسك
«

» قم
وخُذ الصبي وأُمه واذهب إلى أرض إسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس
الصبي
«

 

سفر العدد:

(17:27)

(36:9)

 

» يخرج
أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي
لها
«

» ولمَّا رأى الجموع تحنَّن عليهم إذ كانوا منزعجين
ومنطرحين كغنم لا راعي لها
«

 

سفر التثنية:

(25: 5و6)

(24:22)

 

» إذا
سكن إخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن… أخو زوجها يدخل عليها… والبكر
الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت
«

» يا معلِّم قال موسى: إن مات أحد وليس له أولاد يتزوَّج
أخوه بامرأته ويُقم نسلاً لأخيه
«

 

سفر الملوك 2:

(8:1)

(4:3)

 

» رجل
أشعر متنطِّق بمنطقة من جلد على حقويه. فقال: هو إيليا التشبي
«

» ويوحنا
هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد وكان طعامه جراداً وعسلاً
بريًّا
«

 

سفر المزامير:

(7:2)

(17:3)

 

» إني
أخبر من جهة قضاء الرب، قال لي: أنت ابني أنا اليوم ولدتك
«

» وصوت
من السموات قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت
«

 

(22: 7و8)

(27: 39و43)

 

» كل
الذين يرونني يستهزئون بي يفغرون الشفاه وينغضُون الرأس قائلين: اتكل على الرب
فلينجِّه لينقذه لأنه سُرَّ به!
Óti qšlei
aÙtÒn
«

» وكان
المجتازون يجدِّفون عليه وهم يهزّون رؤوسهم
«

» قد
اتكل على الله، فلينقذه الآن إن أراده»
e„ qšlei
aÙtÒn

 

(21:69)

(27: 34و48)



» ويجعلون
في طعامي علقماً وفي عطشي يسقونني
خلاً «

» أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة «

» وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه «

 

(78: 1و2)

(13: 34و35)

 

» اصغ
يا شعبي إلى شريعتي أميلوا آذانكم إلى كلام فمي: أفتح بمثلٍ فمي أُذيع ألغازاً
منذ القدم
«

» هذا
كله كلَّم به يسوع الجموع بأمثالٍ وبدون مثلٍ لم يكن يكلِّمهم. لكي يتم ما قيل
بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم
«

 

(91: 11و12)

(6:4)

 

» لأنه
يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك على الأيدي يحملونك لئلاَّ تصدم بحجر
رجلك
«

» لأنه
مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك
«

 

سفر إشعياء:

(14:7، 10:8)

(23:1)

 

» ولكن
يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل… لأن
الله معنا
«

» هوذا
العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا
«

 

(9: 1و2)

(4: 15و16)

 

» كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالي يكرم الأخير
طريق البحر عبر الأُردن جليل الأُمم، الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً،
الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور
«

» أرض
زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأُردن جليل الأُمم. الشعب الجالس في ظلمةٍ
أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور
«

 

(3:40)

(3:3)

 

» صوتُ
صارخ في البرية أعدوا طريق الرب قوِّموا في القفر سبيلاً لإلهنا
«

» فإن
هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل: صوتُ صارخٍ في البرية أعدوا طريق
الرب اصنعوا سبله مستقيمة
«

 

(42: 1-4)

(3: 16و17، 12: 18-21)

 

» هوذا
عبدي الذي أعضده مختاري الذي سُرَّت به نفسي، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأُمم،
لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة
لا يُطفئ

» وإذا
السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه. وصوت من
السموات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت
«

» هوذا
فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سُرَّت به

 

إلى الأمان يُخرج الحق. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في
الأرض وتنظر الجزائر شريعته
«

نفسي أضع روحي عليه فيخبر الأُمم بالحق. لا يخاصم ولا
يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخِّنة لا
يُطفئ حتى يُخرج الحق إلى النصرة وعلى اسمه يكون رجاء الأُمم
«

 

(6:50)

(67:26)

 

» بذلت
ظهري للضاربين وخَدَّيَّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق
«

» حينئذ
بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه
«

 

(4:53)

(17:8)

 

» لكن
أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها
«

» لكي
يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل: هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا
«

 

(11:62)، (زك 9:9)

(5:21)

 

» قولوا
لابنة صهيون: هوذا مخلِّصك آتٍ
«

» ابتهجي
جداً يا ابنة صهيون. اهتفي يا بنت أُورشليم هوذا ملككِ يأتي إليك هو عادل ومنصور
وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان
«

» قولوا
لابنة صهيون: هوذا ملككِ يأتيكِ وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان
«

 

سفر إرميا:

(15:31)

(2: 17و18)

 

» صوت
سُمع في الرامة نوحٌ بكاءٌ مرّ راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزَّى عن
أولادها لأنهم ليسوا بموجودين
«

» حينئذ
تمَّ ما قيل بإرميا النبي القائل: صوت سُمع في الرامة نوحٌ وبكاءٌ وعويل كثير.
راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزَّى لأنهم ليسوا بموجودين
«

 

سفر هوشع:

(1:11)

(15:2)

 

» لمَّا
كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني
«

» لكي
يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني
«

 

سفر ميخا:

(2:5)

(2: 5و6)

 

» أمَّا
أنتِ يا بيت لحم أفراتة وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا. فمنكِ يخرج لي
الذي يكون متسلِّطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل
«

» فقالوا
له: في بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبي: وأنتِ يا بيت لحم أرض يهوذا
لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منكِ يخرج مدبِّر يرعى شعبي إسرائيل
«

 

سفر زكريا:

(11: 12و13)

(26: 15و16، 27:
6و7و9و10)

 

(انظر 9:9، إش 11:62)

» فقلت
لهم: إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلاَّ فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من
الفضة. فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به. فأخذت
الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب
«

» وقال:
ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أُسلِّمه إليكم فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك
الوقت كان يطلب فرصة ليسلِّمه
«

» فأخذ
رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم. فتشاوروا
واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. حنيئذ تمَّ ما قيل بإرميا النبي القائل:
وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمَّن الذي ثمَّنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن
حقل الفخاري، كما أمرني الرب
«

 

من هذا الجدول الذي
ينطق باهتمام القديس متى البالغ أن يضمِّن إنجيله الصورة المشرقة للتوراة كلها في
هذه الاقتباسات، يظهر للقارئ مدى العناية والجهد والتخطيط المُسْبَق في الفكر
والوعي الروحي ليقدِّم القديس متى إنجيله، حاملاً كل الوعود والمواعيد والنبوَّات،
محقِّقاً أن يسوع هو المسيَّا رجاء اليهود ونور العالم.

 

4 موقف
المسيح من الناموس في إنجيل القديس متى

إنجيل القديس متى هو
الوحيد الذي أعطى مكاناً لتأكيد قيام ودوام الناموس باعتباره كلمة الله:

+ » لا تظنوا
أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمِّل. فإني الحق أقول لكم:
إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ من الناموس حتى يكون الكل. فمَنْ نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى
وعلَّم الناس هكذا، يُدعى أصغر في
ملكوت السموات. وأمَّا مَنْ عمل وعلَّم،
فهذا يُدعى عظيماً في ملكوت السموات. فإني أقول لكم: إن لم يزد برُّكم على الكتبة
والفرِّيسيين لن تدخلوا ملكوت السموات.
«(مت 5: 1720)

المسيح هنا يركِّز على
روح الناموس الذي أبرزته الوصايا العشر، التي وضعت أساس علاقة الإنسان بالله من
تكريم كلي، وأساس علاقة الإنسان بالإنسان من احترام وعدم تعدِّي، وهي تُعتَبر أصل
وروح كل قانون ظهر في العالم ليقيِّم علاقات الإنسان بالله والناس.

بهذه
المقدِّمة ابتدأ ق. متى يسجِّل عظة المسيح على الجبل، على أن أساسها هو اكتشاف روح
الناموس فيها:
» قد
سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومَنْ قَتَلَ يكون مستوجب الحكم، وأمَّا أنا
فأقول لكم إن كل مَنْ يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم
«(مت
5: 21و22). هنا نحن أمام الناموس
وفي مقابله الإنجيل، الناموس يقول لا تقتل
والإنجيل يقول لا تغضب. هنا الناموس يحكم بالموت على القاتل ولا يقدِّم له أي علاج، في حين أن الإنجيل يتخطَّى الأمر
بعدم القتل إلى معالجة علَّته بإعطاء وصية عدم الغضب وبالتالي يتحاشى عقوبة الموت،
وكأننا انتقلنا بالخاطئ من محكمة العقوبات إلى بيت أبوي، ومن تحت المقصلة إلى حضن
نصوح. وهذا هو الانتقال من الناموس إلى الإنجيل.

وهكذا أخذ المسيح يسرد
الوصايا ليستخرج منها روحها ويعلنها بوجه جديد يتناسب مع روح العهد الجديد.

كذلك عاد في الأصحاح
(23) يقول:
» حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً: على كرسي موسى جلس
الكتبة والفرِّيسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون.
فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل
ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا
يريدون أن يحرِّكوها بإصبعهم. وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس…
«(23: 15). وهنا ابتدأ
المسيح يفرز بين نصوص الناموس وبين الفتاوي والتعاليم
المكمِّلة من عندهم، التي أسماها المسيح: » أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل «و» تعاليم هي وصايا الناس. «(مت 9:15)

بهذا
التعليم الأولي جداً بدأ المسيح خدمته التعليمية تمهيداً للدخول في ما هو أكمل،
الذي اعتبره البر الحقيقي وليس البر بالناموس:
» إن لم يزد بركم على الكتبة والفرِّيسيين لن تدخلوا ملكوت السموات «(مت
20:5). وهو البر غير القائم على التدقيق في الأعمال بل المستمد من روح الله:
» ليس كل مَنْ يقول
لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في
السموات.
«(مت 21:7)

وأعطى المسيح صورة لروح
الناموس في وضعه الأساسي عند الله فيما قبل موسى عندما قال:
» وجاء إليه
الفرِّيسيون ليجربوه قائلين له: هل يحل للرجل أن يطلِّق امرأته لكل سببٍ؟ فأجاب
وقال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأُنثى؟ وقال: من
أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً، إذاً
ليسا بعد اثنين بل “جسد واحد”، فالذي جَمَعَهُ الله لا يفرِّقه إنسان (هنا
قول المسيح “الذي جمعه الله” هو أصل الناموس وروحه وهو إرادة الله من نحو
حياة الإنسان). قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن تُعطى كتاب طلاق فتُطلَّق؟ قال لهم:
إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلِّقوا نساءكم (وهنا قول المسيح: “من
أجل قساوة قلوبكم”
هو من صميم “الناموس” الذي وُضِعَ ليناسب قساوة قلوب
الشعب).
«(مت 19: 38)

وهكذا ابتدأ المسيح
يسحب التعبُّد الأعمى للناموس لاتباع تعاليم المسيح التي هي أصل وعلَّة وضع
الناموس، وهو الاتباع والالتصاق بالله نفسه عن طريق الإيمان بالمسيح وتعليمه، ثم
الإيمان بإنجازاته التي حرَّرت الإنسان من الحرف الذي يقتل إلى الروح الذي يحيي،
الذي وصل إليه ق. بولس بعد عراكه مع الناموس:

+ » إذاً
الناموس مقدَّس والوصية مقدَّسة وعادلة وصالحة. فهل صار لي الصالح موتاً (لأن
الناموس يحكم بالموت)؟ حاشا! بل الخطية. لكي تظهر خطيةً منشئةً لي بالصالح موتاً،
لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية. فإننا نعلم أن الناموس روحيٌّ، وأمَّا أنا
فجسديٌّ، مبيع تحت الخطية.
«(رو 7: 1214)

وهكذا جاء المسيح
ليرفعنا من تحت الخطية التي هي السبب في مجيء الناموس، فلمَّا رفع المسيح الخطية
بطلت قوة الناموس وبطلت أحكامه بالموت:

+ » إذاً لا شيء
من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل
(بالنعمة) حسب الروح. لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس
الخطية والموت.
«(رو 8: 1و2)

هكذا استطاع ق. بولس أن
يقنِّن للقديس متى النقلة التي انتقل بها المسيح من الناموس إلى الخلاص، من الخطية
إلى الفداء، من الموت بالناموس إلى الحياة في المسيح! فالناموس كان لازماً قبل
المسيح، ولكن بعد المسيح لم يصبح للناموس قدرة الوجود وهو الحكم
بالموت في حضرة المسيح الحاكم بالحياة. وهكذا أكمل المسيح عمل
الناموس التأديبي بموته هو
» قد كان الناموس
مؤدِّبنا إلى المسيح
«(غل
24:3) حيث يحمل المسيح عنَّا كل تأديب وحكم الناموس، ويمنحنا البراءة والبر:
» لا تظنوا
أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأُكمِّل
«(مت 17:5). وقول المسيح في إنجيل ق. متى: » إن لم يزد
برُّكم على الكتبة والفرِّيسيين لن تدخلوا ملكوت السموات
«(مت 20:5) هذه الزيادة في البر هي ما هو فوق الناموس بالإيمان
بالمسيح، الذي يمنحنا برَّ المسيح الشخصي الذي يسمو فوق كل أعمال الناموس وبرِّه.

وفي المقابلة بين نير
الناموس الثقيل من جهة الفرائض المحدودة وبين نير المسيح يقول المسيح:
» تعالوا
إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم
وتعلَّموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب
فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحملي خفيف
«(مت 11: 2830). وهكذا
بينما الناموس على يدي الكتبة لا يعطي المثل الحي الذي يُحتذى، يُعطي المسيح نفسه
مثلاً أعلى يُحتذى به، بل ويؤازر بروحه ويقوِّي. وهكذا أيضاً بينما الناموس
يتطلَّب الطاعة العمياء لأوامر صعبة التنفيذ، يطلب المسيح أن يتعلَّموا الوداعة
والتواضع منه باستعداد أن يعطي نفسه معيناً ومصدراً للحياة. ولكن أشد ما يستعلنه
المسيح من سر حياته الخاصة وتعليمه في صميم حياتنا اليومية هو حضوره الذاتي
السرِّي والمخفى في أشخاص الناس المرفوضين والمذلين والمهانين:
» ثم يقول
الملك (الديَّان وصاحب الملكوت) للذين عن يمينه تعالوا يا مُبَارَكي أبي رثوا
الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت
غريباً فآويتموني، عرياناً فكسوتموني، مريضاً فزرتموني، محبوساً فأتيتم إليَّ.
فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً
فسقيناك، ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك، ومتى رأيناك مريضاً أو
محبوساً فأتينا إليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد
إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم
«(مت 25: 3440). وهكذا بهذا الفعل الإلهي السرِّي
العجيب سهَّل المسيح الانتماء إليه والتعامل معه بأن خفَّض حالة تواجده في صميم
حياتنا اليومية، ليس إلى مستوى إمكانياتنا وحسب، بل وإلى أدنى مستوى يمكن أن
نتعامل معه، وهم المحتاجين والأذلاء والجوعى والعريانين. وهكذا يقدِّم المسيح في
إنجيل ق. متى قبول العهد الجديد والانتماء إليه إلى ما دون إمكانيات الإنسان
العادي، وكأنه جعل الملكوت بين يدي الناس.

أمَّا التوازي بين
الملكوت والناموس فهو قائم على أساس “ناموس الإيمان” وليس ناموس الأعمال، كما
قالها ق. بولس:
» فأين الافتخار؟ قد انتفى، بأي ناموس؟ أبناموس الأعمال؟
كلاَّ، بل بناموس الإيمان
«(رو 27:3). لذلك كان المسيح ضد تحويل الإيمان بالله إلى مجرَّد
أعمال لا علاقة لها بالروح، وكان واضحاً جداً في ذلك حينما عنَّف الكتبة
والفرِّيسيين هكذا:
» لكن ويل لكم أيها الكتبة والفرِّيسيون المراؤون
لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدَّام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين
يدخلون.
«(مت 13:23)

هنا المانع لدخول
الملكوت ليس هو الناموس، ولكن القوَّامين على الناموس الذين جعلوا منه سدًّا ضد
الملكوت.

مركز المسيح
بالنسبة للناموس عند القديس متى:

كان
الناموس يصرخ عاجزاً لا يستطيع أن يطيِّب قلب الخاطئ ولا يرد الأثيم عن إثمه، لم
يكن في يديه إلاَّ عقوبة الموت. وكان معروفاً كما هو عند السامرية
أن المسيَّا لما يأتي يرد عجز الناموس ويرد كل
شيء.
والقديس متى أدرك هذا للغاية وقدَّم المسيح على أنه هو المسيَّا مكمِّل الناموس
وصانع الخلاص الكلِّي.

وكلمة “يكمِّل”
الناموس تعني يجبر نقصانه ويكمِّل عمله وأسبابه ويعطيه سلطانه الغافر والمصالح
والمريح، الأمور التي كان الناموس عاجزاً عنها.

كان الناموس هو القاضي
الذي يحكم بالإعدام بمقتضى الناموس (القانون) ولم يكن هو الحاكم والملك، فجاء
المسيح الملك ليحكم فوق الناموس بالعفو الملكي، ليرفع الخطية والموت ويعطي الحياة
الأبدية التي عجز الناموس حتى عن إدراكها. والمسيح عبَّر عن ذلك أقوى تعبير حينما
قال
» ابن الإنسان هو رب السبت «(مت 8:12)، أي رب الناموس وملكه وسيده. الناموس خادم التدبير
الإلهي والمسيح هو رب وصاحب التدبير، نير الناموس نير عبودية، ونير المسيح هين
وحمله خفيف، يحرِّر من خطية وموت وكل عبودية
» فإن حرركم
الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً
«(يو 36:8). والمسيح لمَّا أراد أن يرفع مِنْ قدر الناموس ويكمِّله
كمَّله بكلمة واحدة “المحبة” فهي كمال الناموس، والمحبة هي الوصية الأُولى
والعظمى، والمسيح كان هو المحبة.

 

5 ملكوت
السموات

وتحقيقه بين الحاضر
والمستقبل في إنجيل القديس متى

لا يزال العلماء في
حيرة من أمر حدوث تحقيق الملكوت المعلن عنه في الإنجيل، وحوادث نهاية الدهور،
بمعنى هل قد حصل الإنسان بالفعل على تحقيق وعود المسيح من جهة الملكوت وكمال
الشركة معه بموته وقيامته، أم أن نهاية الدهور الزمنية لا تزال أمام الإنسان
ليستوعبها بنعمة أخرى جديدة في زمن يحدِّده الله مستقبلاً ولم يُستعلن حتى الآن؟

وقد مضى على هذه
الأبحاث ما يقرب من ثلاثين سنة ولم يستقر العلماء على حل([52]).

ولكن حيرة العلماء
مردود عليها، لأن ببعض البصيرة والوعي نجد أن الشركة مع المسيح بموته وقيامته بدأت
في الحال بعد قيامة المسيح، وهي مستمرة ولن تكمل إلاَّ بنهاية الدهور حينما
يكمِّلها المسيح بمجيئه الثاني. ولكن المسيح الآن لم يتركنا نهائياً على أمل أنه
سيأتي فيما بعد، بل أعطانا منذ الآن أن نختبر حضوره روحياً في وسط الجماعة
» حيثما اجتمع
اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم
«(مت 20:18)، » وها أنا معكم كل الأيام
إلى انقضاء الدهر
«(مت
20:28). كما جعل لنا شركة حيَّة مع الآب ومعه أيضاً:
» وأمَّا
شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم
كاملاً.
«(1يو 1: 3و4)

وإنجيل ق. متى يعني
كثيراً بهذا الأمر، فقد آل على نفسه أن يوحِّد بين تحقيق المستقبلات الآتية وبين
ما نلناه الآن من جراء الفداء والخلاص الذي تمَّ بخدمة المسيح من واقع الاتحاد
بموته وقيامته.

فعلى سبيل المثال حينما
يقول:
» طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات «يربط ما
نعيشه الآن روحياً الذي هو المسكنة بالروح بصميم
الأخرويات الذي هو ملكوت السموات.

ولكي يُشبع روح الجماعة
المسيحية بمفهوم الأخرويات حوادث آخر الزمان، وهي مصدر عزاء وفرح لا
يُستهان به يربطها باستمرار بالوصايا السلوكية، كما يقدِّمها أيضاً
في مضمون الأمثال:
» يشبه ملكوت السموات… « وهذا الطابع في الربط بين الأخرويات وبين الحياة الحاضرة قد أخذته
الديداخي من إنجيل ق. متى، وهي وثيقة مسيحية مبكِّرة يرجع تاريخها إلى ما قبل سنة
100م، وهي تقدِّم الواجبات اللازمة لإنسان يسعى لدخول الملكوت.

والخطورة أن يأتي نبي
كاذب ويقول: إن أمور آخر الزمان قد تمَّت وانتهت في هذا الزمان (راجع 2تي 18:2)
» قائلين: إن
القيامة قد صارت
« فيحرم الإنسان
المسيحي من السعي والرجاء والعمل الروحي من أجل الآتي. أو أن يقول إن المسيح قد
أتى (2تس 2:2)، فيصيب الكنيسة بإحباط شديد إذ أن كل قوة الحياة المسيحية متركِّزة
في انتظار مجيء المسيح، لأن الواقع مخيِّب لكل الآمال، ورجاؤنا هو حي بالآتي. لذلك
اعتنى إنجيل ق. متى أشد الاعتناء بالتحذير
» من الأنبياء
الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم
تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً؟ هكذا كل شجرة جيدة تصنع
أثماراً جيدة، وأمَّا الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية… فإذاً من ثمارهم
تعرفونهم
«(مت 7: 1520)
والكلام للمسيح نفسه. ثم عاد المسيح يوعِّي تلاميذه من الأشخاص المضلِّين الذين
يتكلَّمون عن الأخرويات ونهاية الدهور عن جهل
وعدم معرفة:
» فإن
كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح ويضلُّون كثيرين.
«(مت 24: 4و5)

ارتباط
الملكوت بالحياة الحاضرة في العظة على الجبل:
(أصحاح 5 إلى 7)

ويعطي القديس متى
حديثاً للمسيح شاملاً وهو المعروف بالعظة على الجبل (3:5 إلى 27:7)، يؤكِّد فيه
عدة مرَّات أن فعل تكميل الملكوت يتم منذ الآن:
» طوبى
للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات… طوبى للمطرودين من أجل البر لأن
لهم ملكوت السموات…
وأمَّا مَنْ عمل وعلَّم فهذا يُدعى عظيماً في ملكوت
السموات…
إن لم يزِد برّكم على الكتبة والفرِّيسيين لن تدخلوا ملكوت
السموات…
فصلوا أنتم هكذا… ليأتِ ملكوتك… اطلبوا أولاً ملكوت الله
وبره وهذه كلها تزاد لكم… ليس كل مَنْ يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت
السموات
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات
«

ويتخلَّل هذه الأقوال
عن الملكوت نصائح ووصايا سلوكية وأخلاقية كثيرة تؤهِّل الإنسان للدخول إلى ملكوت
الله: مِنْ مغفرة خطايا الآخرين، وعفة القلب والعين وطهارة اليد، وعدم الحلفان
البتة، وعدم مقاومة الشر بل مقابلة الشر بالخير، وإعطاء الخد الآخر لمن يلطم، وترك
الرداء لمن يريد أخذ الثوب،
» ومَنْ سخَّرك ميلاً
فاذهب معه اثنين
« » ومَنْ سألك
فأعطه
« » ومَنْ أراد
أن يقترض منك فلا تردَّه
« و» أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى
مبغضيكم وصلوُّا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم
« » فكونوا
كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل
« » متى صنعت
صدقة فلا تصوِّت قدَّامك بالبوق… وأمَّا أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرِّف شمالك ما
تفعل يمينك
« » ومتى صليت
فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك… ولا تكرروا الكلام باطلاً كالأُمم
« » ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين… وأمَّا أنت فمتى
صمت فادهن رأسك واغسل وجهك
« » لا تكنزوا
لكم كنوزاً على الأرض… بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء… لأنه حيث يكون كنزك
هناك يكون قلبك أيضاً
« » سراج الجسد
هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً
« » لا تقدرون
أن تخدموا الله والمال
« » لا تهتموا
لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون
« » لا تهتموا
للغد
« » لا تدينوا
لكي لا تدانوا… أخرج أولاً الخشبة من عينك
« » اسألوا
تُعطوا اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم
« » فكل ما
تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم
« » ادخلوا من
الباب الضيِّق… ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدِّي إلى الحياة وقليلون هم
الذين يجدونه…
«

واضح أن جميع هذه
الوصايا السلوكية التي تتخلَّل العظة على الجبل متصلة اتصالاً وثيقاً بملكوت
السموات. فهي تُعتبر منهجاً حيًّا للعمل والسلوك الواجب علينا الآن لكي نؤهَّل
للعمل الأخروي أي ملكوت الله. وهكذا في إنجيل ق. متى يتلاحم السلوك الحاضر بالرجاء
الأخروي كتلاحم السدّة مع اللحمة. وهذه الأعمال التي نعملها الآن نعملها على أساس
أن المسيح أكمل لنا بالفداء ما يلزم من النعمة والقوة والبصيرة التي تسهِّل وتعين
في أداء هذه الوصايا الخاصة التي تؤهِّلنا للحياة الأخروية.

استعلان
الملكوت في الحياة الحاضرة بواسطة الكرازة:
(أصحاح 10)

والعظة الثانية التي
يقدِّمها القديس متى بعد العظة على الجبل تختص بالوصايا المعطاة للكارزين:
» وفيما أنتم
ذاهبون اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السموات اشفوا مرضى، طهِّروا بُرْصَاً،
أقيموا موتى، أخرجوا شياطين. مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا
«(مت 10: 7و8). ويُلاحَظ هنا ارتباط الكرازة باقتراب الملكوت، وهذا
بعينه هو الكرازة بالأخرويات. ولكن هنا أيضاً يأتي ملكوت الله متصلاً اتصالاً
وثيقاً بالحياة الحاضرة.
والنتيجة المباشرة المفرحة جداً أن قوة الملكوت في
الحياة اليومية تُستعلن بالعلامات الدامغة وهي شفاء الأمراض وإخراج الشياطين وأن
المساكين يُبشَّرون. إذن، فملكوت السموات عند ق. متى هو حاضر حضوراً سرياً بقوة
روحية سرِّية تُعلن عن نفسها بالإيمان والخلاص والتجديد والفرح الغامر وبالآيات.
وهذه حقيقة سرِّية استعلنها ق. متى وهي لا تزال بقوتها عاملة حتى اليوم. فبمجرَّد أن يخدم الخادم ويكرز بملكوت الله عن
اقتدار روحي مشمول بالنعمة، ينفتح باب الخلاص ويؤمن الكثيرون
، كإعلان صادق
أن الجماعة في حالة قبول سمائي ومهيَّأة بالفعل لدخول ملكوت الله. بمعنى أن
الكرازة بملكوت الله بحضور النعمة وعمل الروح القدس تنتقل من الكلمة إلى الفعل، من التعليم إلى معجزة الخلاص التي تشهد بحضور الرب
وانفتاح الاستحقاق للملكوت، حيث يعمّ الفرح
الغامر والتهليل الذي يخرج عن الوعي والفائق للعقل، لأن حضور الملكوت هو
المقابل لاختطاف العقل والدخول في الفرح المفرط:
» وعلى رؤوسهم فرح أبدي. ابتهاج وفرح يدركانهم. «(إش 11:51)

وهذه الحقيقة التي
يقدِّمها ق. متى ناتجة من حضور المسيح نفسه متكلِّماً وعاملاً في تلاميذه:
» مَنْ يقبلكم
يقبلني ومَنْ يقبلني يقبل الذي أرسلني
«(مت 40:10)، فهنا استرجاع كامل لكرازة المسيح نفسها مستترة في
تلاميذه، حيث يُستعلن الإنجيل مرَّة أخرى بصورته الأُولى القوية والكاملة:
» ها أنا معكم
كل الأيام إلى انقضاء الدهر
«(مت 20:28)، قالها المسيح مباشرة بعد أن قال اذهبوا وتلمذوا
وعلِّموا وعمِّدوا:
» وهذه الآيات تتبع المؤمنين. «(مر 17:16)

هنا لا نستطيع أن نقول
إنها علامات آخر الزمان، بل علامات الملكوت القائم والمُستعلن بالخدمة والكرازة،
أو بمعنى أكثر عمقاً وشمولاً استعلان الكنيسة في حالة وعي روحي ونعمة، لأن عمل
الكنيسة الأعظم هو الكرازة بالملكوت، والكرازة بالملكوت تعني حضوره سريًّا
مؤيَّداً بالإيمان والخلاص والمعجزات، ذلك بضمان حضور المسيح الدائم! غير أن ظهور
هذه العلامات بصورتها الباهرة هو بحد ذاته علامات المنتهى الذي تعيشه الكنيسة داخل
الزمن
» ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم «(يو 16:17). وهكذا يصعب جداً في إنجيل ق. متى الفصل بين الاكليسيا
أي الكنيسة الحيَّة كجماعة تحيا بالروح والنعمة، وبين الاسخاتولوجي أي الأخرويات.

الكنيسة بين
الملكوت والحياة الحاضرة:
(أصحاح 16و18)

على أن قول المسيح
للقديس بطرس بعد نطقه بالإيمان بإيحاء نعمة الآب:
» طوبى لك يا
سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك
أيضاً: أنت “بتروس” وعلى هذه الصخرة “بترا” أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى
عليها، وأُعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في
السموات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات
«(مت 16: 1719)؛ هذا الحدث الضخم يُعتبر قمة الاستعلان
للكنيسة لتعانق ملكوت الله، مع علامات وُضعت في يدها ومفاتيح تفتح وتغلق السماء
كإيليا، وهذا ينتقل إلى جماعة الكنيسة لتشارك في هذا الزخم السمائي لتحيا الملكوت
في عمق الزمان، وتطال “نهاية الزمان” وهي تحت الزمان، تبلغه ولا تستطيع أن
تحقِّقه، تمسك بالملكوت بيدها ورجلاها مزروعتان في أرض الشقاء، تمسك الحياة
الأبدية بيد وباليد الأخرى لقمة الخبز لتحيا وتكمِّل غربتها:
» الوقت منذ
الآن مقصَّر لكي يكون… الذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه، لأن هيئة
هذا العالم تزول. فأريد أن تكونوا بلا هم.
«(1كو 7: 2932)

وعلى التوازي يبرز ق.
متى شرط الدخول إلى الملكوت:
» إن لم ترجعوا وتصيروا
مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات، فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في
ملكوت السموات
«(مت 18: 3و4). وبعد
أن يبلغ المسيح بالتلاميذ إلى قامة دخول ملكوت السموات على مستوى قامة الولد، يعود
ويربطها بالتجربة في الإعثار على مستوى الولد أيضاً (مت 18: 7-10). وهكذا يبلغ
التوتُّر أقصاه، فقامة الدخول إلى الملكوت واقعة تحت تجربة الشيطان التي تنتهي
بإلقاء الساقط في العثرة في البحر مربوطاً في عنقه بحجر حتى لا يعود إلى الحياة.
وهكذا يقف التلميذ بين الملكوت وجهنم، يمسك الملكوت بيديه والشيطان ماسك بتلابيبه،
والغلبة هي لقامة الطفولة خلواً من عثرة ورجعة إلى العالم.

لا توجد
أحقية للدخول إلى الملكوت:
(أصحاح 2025)

ولكن الدخول إلى
الملكوت لا يعتمد على الأحقية مطلقاً:
» وفيما هم يأخذون
(الدينار الواحد) تذمَّروا على رب البيت قائلين هؤلاء الآخِرون عملوا ساعة واحدة
وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر. فأجاب وقال لواحد منهم: يا
صاحب ما ظلمتك. أما اتفقت معي على دينار؟ فخذ الذي لك واذهب. فإني أريد أن أعطي
هذا الآخير مثلك. أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بما ليَّ، أم عينك شريرة لأني أنا
صالح. هكذا يكون الآخِرون أولين والأولون آخِرين، لأن كثيرين يُدعون وقليلين
ينتخبون
«(مت 20: 1116).
والقصة عادية فيما يخص الله، ولكن أدخلها ق. متى ضمن توجيه وتهذيب المجتمع الكنسي
الذي يتطلَّع إلى ملكوت السموات:
» فإن ملكوت السموات
يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة…
«(1:20)، بمعنى ورود حالات الامتياز غير القائم على استحقاق من
الفرد بحسب رؤية عينيه وجهده وكفاءته، بل القائم على اختيار نعمة الله التي تقيس
الإنسان بمقياس رؤية صلاح الله
» لأني صالح « كذلك يضيف ق. متى قصة أم ابني زبدي (مت 20: 2024)
وتدخُّلها في توزيع الأنصبة في ملكوت الله لكي يجلس ابناها عن يمين الرب ويساره في
ملكوته، حيث كان الرد أن الجلوس عن اليمين واليسار هو
» للذين
أُعدَّ لهم من أبي
«
فالأنصبة توزَّع حسب الإعداد الإلهي السابق حتى على ميلاد الجسد بحسب رؤية الله
وصلاحه وليس بحسب رؤية الإنسان:
» قبلما صوَّرتك في البطن
عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدَّستك
«(إر 4:1)، » اختارنا فيه قبل تأسيس
العالم لنكون قدِّيسين وبلا لوم قدَّامه في المحبة… لمدح مجد نعمته الذي أنعم
بها علينا في المحبوب
«(أف
1: 4و6)،
» إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون… في ملكوت
السموات
«(11:8). وطبعاً
يردّ ق. متى بهذا التجميع القصصي على شعب إسرائيل الذين ادَّعوا لأنفسهم أحقيَّة
الدخول إلى الملكوت دون سائر شعوب الأرض بالرغم من رفض الله لهم ورفضهم له:
» أين كتاب
طلاق أمكم!
«(إش 1:50). وهكذا
يوعِّي الكنيسة أن لا ترتكن على ادعاءات كاذبة:
» لأن الذي
يحبه الرب يؤدِّبه
«(عب
6:12)، والكرَّامين الأردياء يهلكهم هلاكاً رديًّا ويسلِّم الكرم إلى كرامين آخرين
(41:21).

كذلك في دعوة مدعوِّي
الملك إلى عشاء العرس الذي يمثِّل الملكوت يظهر كيف
أُخرج بخزي الذي ليس عليه لباس العرس، الذي هو رسم الإنجيل أو شهادة إيمان أو صك خلاص وإخلاء طرف من نجاسات العالم. وفي النهاية
كان تقرير الملك:
» اربطوا رجليه ويديه وخذوه
واطرحوه في الظلمة الخارجية
«(13:22). وهكذا الذين أرادوا أن
يدخلوا خلسة بنوع من
الأحقية الكاذبة أو ادعاء الخدمة أو المظهر الكاذب، فكان
نصيبهم هذه الفضيحة العلنية. وهكذا تصبح الدعوة للملكوت بحد ذاتها عملية فاصلة
وخطيرة. فالاسخاتولوجية الملكوتية عند ق. متى تمحّص بالنار.

وواضح من تعاليم
المسيح، التي جمعها ق. متى لكي يبرز فيها معاملات الله مع الملكوت في الكنيسة
القادمة، أن أبرز ما فيها هو أن التلمذة والخدمة الكنسية بوجه عام لا يوجد فيها
مناعة ضد المحاسبة والفحص والطرد والدينونة، وأن يتهيَّأ الإنسان أولاً للباس
العرس (الخلاص) هو أخطر ما في الدعوة إلى الملكوت. وأخطر عقبة في الاستعداد
واللياقة لدخول الملكوت هي بطء استعلانه:
» سيدي يبطئ
قدومه، فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى، يأتي سيد ذلك العبد في
يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها
«(مت 24: 4850). الأمر الذي خصَّص له أيضاً قصة العشر
عذارى والخمس الحكيمات باستعداد الزيت والنور والسهر! فمَثَل العبد الذي قال سيدي
يبطئ ومَثَل الخمس عذارى الحكيمات يحددان عبور النقطة الحرجة في مواجهة الملكوت حيث الرفض أو القبول، وهذه النقطة الحرجة هي:
“اسهروا”. فالتلمذة الساهرة للملكوت هي سر
العبور:
» حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم. مَنْ له أذنان للسمع فليسمع. «(مت 43:13)

 

خامساً: تبويب محتويات
إنجيل ق. متى

بحسب تقسيم الخمسة كتب

يصح تبويب محتويات
إنجيل ق. متى بحسب تقسيم الخمسة كتب كما يلي([53]):

1 – بدء الإنجيل:
الأنساب والميلاد والطفولة: (1:123:2)

( أ ) أنساب المسيح:
(1:117)

(ب) ميلاد يسوع المسيح:
(18:125)

( ج ) سجود المجوس:
(1:212)

( د ) الهروب إلى مصر

وذبح أطفال بيت لحم:
(13:223)

2 – القسم أو الكتاب
الأول: المناداة بملكوت السموات: (1:329:7)

( أ ) الرواية: بداية
الخدمة: (1:325:4)

(ب) حديث تعليمي:
العظة على الجبل: (1:529:7)

3 – القسم أو الكتاب
الثاني: الخدمة في الجليل: (1:81:11)

( أ ) الرواية: وهي
مجموعة عشر معجزات: (1:834:9)

(ب) حديث تعليمي:
عظة على الإرسالية: (35:91:11)

4 – القسم أو الكتاب
الثالث: مناوشات وأمثال: (2:1152:13)

( أ ) الرواية:
مناقضات وعداوة اليهود: (2:1150:12)

(ب) حديث تعليمي:
أمثال الملكوت: (1:1352)

5 – القسم أو الكتاب
الرابع: تعليم التلاميذ: (53:1335:18)

( أ ) الرواية: حوادث
تسبق الرحلة نحو أُورشليم: (53:1327:17)

(ب) حديث تعليمي:
عظة للكنيسة: (1:1835)

6 – القسم أو الكتاب
الخامس: في اليهودية وأُورشليم: (1:1946:25)

( أ ) الرواية:
الرحلة إلى أُورشليم وحوادث هناك: (1:1939:23)

(ب) حديث تعليمي:
عن الأخرويات: (1:2446:25)

7 – رواية الآلام:
(1:2666:27)

8 – رواية القيامة:
(1:2820)

بهذا المنهج المفصَّل
والدقيق يتضح بصورة جلية الهدف الأساسي للقديس متى من إنجيله:

( أ ) فالمسيح يكرز
بمجيء الملكوت إلى اليهود بالكلمة والفعل الإعجازي: أمَّا بالكلمة
فبالتعليم، وأمَّا بالفعل الإعجازي فبالأشفية والمعجزات. ودعاهم إزاء هذا
الإعلان إلى المجيء بالتوبة ولكنهم رفضوا الدعوة ورفضوا الاستجابة.

(ب) ولكن بالرغم من ذلك
آمنت النخبة وقبلت الدعوة وتبعوه، فكانوا إسرائيل الجديد عوض إسرائيل التي بدأت
تنسحب من ميدان الحياة الإلهية وتدبير نعمة الله.

( ج ) وبهؤلاء التابعين
بدأ ملكوت الله في الوجود.

نظام
المقابلة العكسية في ترتيب إنجيل القديس متى
([54]):

يُلاحِظ العلماء نظاماً
سارياً في الإنجيل بطريقة خفية يسير على نمط ( أ ) و (ب): (ب) و
( أ )، والتي تُسمَّى بالمقابلة العكسية
chiasmus
ومثلها جاء واضحاً في الآية (15:13) حسب ما جاء في (إش 10:6) كالآتي في إشعياء:

+ » غلِّظ قلب هذا الشعب وثقِّل أذنيه
واطمس عينيه لئلاَّ يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه
«

123321

وهكذا جاءت بالترتيب: قلب
أذن عين، عين أذن قلب ونقلها القديس متى كما
هي من إشعياء.

ولكن ق. متى أخذ هذا
النموذج وطبَّقه على الإنجيل ككل ليصنع به هذه المقابلة العكسية. فلو أخذنا الخمسة
أقسام العامة لإنجيل ق. متى، فنقطة الانتصاف (3) التي تأتي عندها المقابلة ثم تنعكس نجد فيها التعليم مكرَّراً مرَّتين ليفيد هذا
الانعكاس، حيث يعلِّم المسيح الأمثال للجموع ثم يذهب إلى
البيت حيث يشرح
هناك الأمثال لتلاميذه، وهنا يبدأ ينعكس الترتيب عند نقطة الانتصاف (3) لبدء العكس
في النصف الآخر من الإنجيل.

( أ ) أمَّا القسم
الأول من التعليم (1) حسب الترتيب السابق (أصحاح 5 إلى أصحاح 7) نجده يأتي بناء
على ذلك في القسم (1) من النصف الآخر في (أصحاح 23 إلى أصحاح 25) وليذكر القارئ
النظام (1)، (2)، (3) : (3)، (2)، (1).

على أن (1) في النصف
الأول كان على أوصاف بني الملكوت: والمقابل له (1) في النصف الآخر يجيء عن أوصاف
دخول الملكوت.

(ب) كذلك القسم الثاني
من التعليم (2) حسب الترتيب يأتي في أصحاح (10) والمقابل (2) في النصف الآخر يأتي
في أصحاح (18) وهما بطول واحد!! ويجيء (2) في النصف الأول عن الملكوت وإرسالية الرسل: ويجيء (2) في النصف المقابل
عن مَنْ الذي يَخلُص ويدخل
الملكوت.

( ج ) بداية الإنجيل
كله أصحاح واحد يجيء عن ميلاد المسيح من الروح القدس، الآتي من فوق
(الأصحاح الأول) وفي المقابل يختم ق. متى الإنجيل كله بقيامة المسيح من الأموات والذهاب
إلى فوق
(أصحاح 28) والوصية بالتعميد للميلاد الثاني من فوق.

( د ) أول اقتباس من
العهد القديم كان عن عمانوئيل الله معنا، وآخر وعد قاله المسيح: «ها أنا
معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر».

( ه ) أول تجربة قامت
بتشكيك من الشيطان: «إن كنت أنت ابن الله» وآخر تعيير وتشكيك قدَّمه رؤساء
الكهنة: «إن كنت أنت ابن الله».

هذه محاولة لطرح صورة
عن كيفية اتباع ق. متى تنسيق إنجيله بصورة عامة لا يمكن أن تُمحى من الذهن، فهي
كرسم هندسي متماثل في الأبعاد والأطوال. ولكن لا يستطيع أحد أن يُجزم بصحة هذا
تماماً، كما لا يمكن إغفاله تماماً، والقصد واحد أن يعطي ق. متى صورة تعليمية تبقى
في الذهن للحفظ:
» وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. «(مت 20:28)

في الختام:

إن تركيز ق. متى على
تعليم وشرح أقوال المسيح وتقسيم إنجيله ليسهل التعليم به وحفظه، في ظننا لا يقوم
من فراغ، فالقديس متى نفسه يذكر حادثة في غاية الأهمية وجديرة جداً بالانتباه وهي
في صميم التعليم والتعلُّم. إذ في الأصحاح الثالث عشر العدد الثاني والخمسين بعد
أن قدَّم المسيح أمثاله لتلاميذه وللجموع وقف المسيح واستدار نحو تلاميذه وقال
لهم:
» أفهمتم هذا كله؟ فقالوا نعم يا سيد. فقال لهم: من أجل ذلك
كل كاتب متعلِّم في ملكوت السموات يُشبه رجلاً رب بيت يُخرج من كنزه جدداً وعتقاء
«

معنى هذا أن التعليم
الذي قدَّمته لكم والذي تقدِّمونه للآخرين هو كنوز تُحفظ في قلب واعٍ مستعد دائماً
أن يخرجها بصورتها الجديدة كما سمعتموها وتعلمتموها مؤيَّدة بالعهد القديم، التي
لا تقل في كونها كنوزاً أيضاً لكل السامعين. ولكن الكلمة الأساسية التي تسترعي
انتباهنا جداً هي قوله:
» كل كاتب «فهنا يؤسِّس
المسيح من تلاميذه وأولاده نظام الكتبة، أي حكماء التوراة المدعوين دكاترة
اللاهوت، يحفظون الإنجيل عن ظهر قلب كما كان الكتبة يحفظون التوراة تماماً، مضافاً
إليه كل نبوَّات العهد القديم التي تلقي ضوءًا على صدق ما تمَّ للمسيح وبالمسيح.

إذن، فمنهج ق. متى في
توضيح وتقسيم إنجيله واعتماده على التعليم الشفاهي بدرجة قصوى هو حصيلة وصية الرب
له ولبقية التلاميذ ولكل مَنْ تضلَّع في معرفة أسرار ملكوت الله.

ثم لو عدنا إلى واقعنا
الآن بعد ألفَيْ سنة من نداء المسيح هذا، نسأل هل وُجد هؤلاء الكتبة المسيحيون على
مستوى حكماء إسرائيل الذين يحفظون الإنجيل عن ظهر قلب، أو على الأقل يُخرجون من
كنوزه جدداً وعتقاء للكنيسة؟([55])

 

 

BIBLIOGRAPHY

1. Ancient Literary Sources

Augustine, St., Sermon on the Mount, NPNF, 1st ser., Vol. VI.

Chrysostom, St., Homilies on the Gospel of St. Matthew, NPNF,
1st ser., Vol. X.

Clement of Alexandria, Paedagogus, ANF, Vol. II.

________, Stromata,
ANF, Vol. II.

Eusebius, Ecclesiastical History, NPNF, 2nd
ser., Vol. I.

Irenaeus, Against Heresies, ANF, Vol. I.

Jerome, De viris illustribus, NPNF, 2nd ser.,
Vol. III.

Josephus, Flavius, Jewish Antiquities, Loeb
Classical Library.

________,
Jewish Wars,
Loeb Classical Library.

________, Vita,
Loeb Classical Library.

Rufinus, Ecclesiastical History, NPNF, 2nd
ser., Vol. VI.

Socrates, Ecclesiastical History, NPNF, 2nd
ser., Vol. II.

 

2. Modern Works

 

Albright, W.F., and Mann, C. S., Matthew, The
Anchor Bible 26,
Doubleday, New York, 1971, repr. 1987.

Allen, W. C., A Critical and Exegetical Commentary
on the Gospel according to St. Matthew,
Edinburgh, 1907, 3rd ed. 1912, repr. 1957.

Argyle, A.W., The Gospel according to Matthew, The
Cambridge Bible Commentary, 1963.

Barclay, William, The Gospel of Matthew, Westminster
Press,
Philadelphia, 1956, 2nd ed. 1958.

Bengel, John Albert, Gnomon of the New Testament, Vol.
1,
Edinburgh, 1866.

Brown, Raymond, New Testament Essays, Milwaukee,
1965.

Bruner, Frederick Dale, Matthew, A Commentary,
2 vols., Word Publishing, 1987, 1990.

Buttrick, George A., The Gospel according to St.
Matthew,
Exposition, in The Interpreter’s Bible, Vol. 7, New York, 1951.

Caffin, B.C., St. Matthew, The Pulpit
Commentary, Eerdmans, 1950, repr. 1961.

Carson, D.A., Matthew, in F.E. Gaebelein, ed., The
Expositor’s Bible Commentary
, vol. 8 (Grand Rapids, 1984).

Dalman, G., The Words of Jesus, Edinburgh,
T.&T. Clark, 1902.

Fenton, J. C., Saint Matthew, The Pelican
Gospel Commentaries, 1963.

France, R.T., The Gospel according to Matthew, (Leicester
and Grand Rapids, 1985).

Goodspeed, E.J., New Solutions of New Testament
Problems
,
Chicago, Chicago University Press, 1927.

_________,
Matthew, Apostle and Evangelist
, Philadelphia
and
Toronto, 1959.

Gundry, R.H., The Use of Old Testament in St.
Matthew’ s Gospel
,
Leiden, 1967.

_________, Matthew, A Commentary on his Literary and
Theological Art,
Eerdmans,
Grand
Rapids
, 1982.

Hendriksen, W., Bible Survey, Grand Rapids,
1961.

_________,
Exposition of the Gospel according to Matthew,
New Testament Commentary, Grand Rapids, 1973,
rep. 1987.

Jeremias, J., The Parables of Jesus, rev. ed. New York,
1963.

Johnson, Sherman E., The Gospel according to St.
Matthew, Introduction and Exegesis,
in The Interpreter’s Bible, Vol. 7, New
York, 1951.

Kingsbury, Jack Dean, Matthew, Proclamation
Commentaries, Fortress Press, Philadelphia, 1986.

Lenski, R.C.H., The Interpretation of St. Matthew’s
Gospel
, Columbus, Ohio, Lutheran Book Concern, 1932 (Minneapolis, 1964).

Machen, J. Gresham, The Virgin Birth of Christ, Harper,
New York and London, 1930.

Mann, C.S., Matthew, The Anchor Bible 26,
Doubleday, New York, 1971, repr. 1987.

McNeile, Alan Hugh, The Gospel according to St.
Matthew
, London, 1915, repr. 1957.

Meyer, H.A. W., Critical and Exegetical Handbook to
the Gospel of Matthew,
Hendrickson Publishers, 6th ed. 1884, repr. 1983.

Milligan, G., The New Testament Documents,
London, 1913.

Montefiore, C.G., The Synoptic Gospels, London,
1909

Morgan, G.C., The Parables of Kingdom, no date.

_________, The Gospel according to Matthew, Revell, New
York, 1929.

Morris, Leon, The Gospel according to Matthew, Eerdmans,
1992.

Pink, Arthur W., An Exposition of the Sermon on the
Mount,
Grand Rapids, 1950, repr. 1995.

Robertson, A.T., Word Pictures in the New Testament,
London, 1930.

Robinson, Theodore H., The Gospel of Matthew, London,
1928, repr. 1947.

Schweizer, Eduard, The Good News according to
Matthew,
Atlanta, 1975.

Slater, W. F., St. Matthew, The New Century
Bible, Edinburgh, no date.

Stanton, Graham, The Interpretation of Matthew, SPCK
& Fortress Press, 1983.

Stendahl, Krister, The School of St. Matthew and
its use of the Old Testament
, Uppsala, 1954, Fortress Press, Philadelphia,
1968.

Stonehouse, N.B., Origins of the Synoptic Gospels,
Grand Rapids, 1963.

Streeter, B.H., The Four Gospels, A Study of
Origins, Treating of the Manuscript Tradition, Sources, Authorship, and Dates
,
London, Macmillan, 1924, repr. 1961.

Thiede, C.P. and M. d’Ancona, Eyewitness to Jesus,
Amazing New Manuscript Evidence about the Origin of the Gospels,
Doubleday,
1996.

Turner, C. H., Studies in Early Christian History,
Oxford, 1912.

Wagner, Günter, An Exegetical Bibliography of the
New Testament, Matthew and Mark,
Georgia, 1983.

Warfield, B., Biblical and Theological Studies,
Philadelphia, 1953.

Williams, A. Lukyn, St. Matthew, The Pulpit
Commentary, Eerdmans, 1950, repr. 1961.

Yeager, O., The Renaissance New Testament, Vol.
1, Renaissance Press Inc., 1976.

Zahn, Theodore., Introduction to the New Testament,
3 vols., 1909, repr. 1977.

 

3. General Works

 

Bauer, W., A Greek-English Lexicon of the New
Testament and Other Early Christian Literature,
1957.

Brown, R. E., Fitzmyer, J. A., Murphy, R. E., The
Jerome Biblical Commentary,
New Jersey, 1968.

Douglas, J. D., New Bible Dictionary, 1962, 2nd
ed. 1982.

Encyclopedia Britannica, 1969.

Hastings, James, Dictionary of the Apostolic
Church,
Edinburgh, 1951.

Kittel, G., and Friedrich, G., eds., Theological
Dictionary of the New Testament,
10 volumes, Grand Rapids, Eerdmans,
1964-1976.

Nestle, Interlinear Greek English New Testament.

Wright, G.E., Biblical Archaeology,
Philadelphia, London, 1957.

Zondervan Pictorial Bible Encyclopedia, Grand Rapids, 1963.



([1]) يُقرِّر
العالِم البرايت اعتماداً على دائرة المعارف اليهودية
The
Jewish
Encyclopaedia وعلى قاموس كيتل للعهد الجديد، أن اللاوي في أيام المسيح كان من
الطبيعي أن يكون من طغمة الفرِّيسيين، وأن يكون متعلِّماً ومن أصحاب العقيدة
اليهودية الأرثوذكسية (أي غير منحرف للفئات). ولأن الهيكل في أيام المسيح كان
وقفاً على الكهنة ورؤساء الكهنة من طغمة الصدوقيين، هذا أجبر جماعة اللاويين أن
يبحثوا عن عمل بعيداً عن طقوس العبادة في الهيكل، وهذا يعلِّل لماذا كان ق. متى
يشتغل كعشَّار للهيئة السياسية خصوصاً وأنه كان متعلِّماً ويعرف اللغات.

W.F. Albright and C.S. Mann, Matthew, The Anchor Bible 26, 1971,
p. CLXXVIII.

([2]) Clement of Alex, Paedag. II. 1.

([3]) Rufinus, H.E. x, 9;
Socrates, H.E. I, 19; Nicephorus, ii, 41.

([4]) Cave, Antiq. Ap., p. 553 ff, cited
by A.H.W. Meyer, op. cit., p. 2.

([5]) Clement of Alex., Strom. IV, 9.

([6]) A.H.W. Meyer, op. cit., pp.
1,2.

([7]) E. von Dobschütz, cited by Krister
Stendahl, The School of St. Matthew and its Use of the Old Testament,
Uppsala, 1954, p. 30.

([8]) M.S. Augsburger, Matt. pp. 17, 18.

([9]) Theodore Zahn, Introduction to the New
Testament,
vol. II, p. 556.

([10]) E.J. Goodspeed, cited by W. Hendriksen, op.
cit., p. 79.

([11]) Eusebius, H.E. III, 39, cited by in
A.H.W. Meyer, op. cit., p. 4.

([12]) Irenaeus, Adv. Haer., III, I, 1.

([13]) Eusebius, H.E. V, 10.

([14]) Jerome, De vir. illust., 36.

([15]) Eusebius, H.E. VI, 25.

([16]) Ibid, III, 24.

([17]) Eusebius, Ad Marin, Quaest, II,
cited by A.H.W. Meyer, op. cit., p. 5-6.

([18]) Cyril of Jerusalem, Catechet., 14.

([19]) Epiphanius, Haer, XXX, 3.

([20]) Ibid. L 1,5; XXX, 6.

([21]) Jerome, Praef. in Matt.

([22]) Ibid., De Vir. illustr. 3.

([23]) Ibid., Ep. ad Damas. IV; ad
Hedib
. IV; in jes. III; in Hos. III.

([24]) Assemani, Bible. Orient. III, p. 8.

([25]) وقد تُرجم
هذا الإنجيل أي إنجيل متى بعد أن حذف منه الهراطقة ما يخص لاهوت المسيح فسُمِّي
بالإنجيل المنحول وسُمِّي أتباعه “بالنصارى” في بلاد العرب.

([26]) Jerome, De vir, illust., 3.

([27]) Credner, Einleit. § 37; Holtzmann
cited by A.H.W. Meyer, op. cit., p. 11.

([28]) A. T. Robertson, Word Pictures in the
New Testament,
vol I, p. XI.

([29]) R. C. H. Lenski, Interpretation of St.
Matthew’s Gospel,
p. 18.

([30]) S. Greijdanus, cited by W. Hendriksen, Exposition
of the Gospel according to Matthew,
p. 93, n. 110.

([31]) N. B. Stonehouse, Origins of the
Synoptic Gospels,
pp. 46,47.

([32]) R. H. Gundry, The Use of the Old
Testament in St. Mattew’s Gospel,
pp. 181-185.

([33]) Ibid., pp. 174-178.

([34]) E. J. Goodspeed, Matthew, Apostle and
Evangelist
, pp. 57-76; G. Milligan, The New Testament Documents,
1913: p. 241-247.

([35]) Carsten Peter Thiede and M. d’Ancona, Eyewitness
to Jesus,
Amazing New Manuscript Evidence about the Origin of the
Gospels,
Doubleday, 1996, pp. 142 f.

([36]) Hilgenfeld, cited
by A.H.W. Meyer, op. cit., p. 19 n.

([37]) A.H.W. Meyer, op. cit., p.
19.

([38]) Theodore Zahn, Introduction to the New
Testament,
vol. II, p. 517.

([39]) Burnett Hillman Streeter, The Gospels,
A Study of Origins, Treating Manuscripts, Tradition, Sources, authorship, and
Dates,
Macmillan, London, 1924, reprinted 1961.

([40]) C.H. Turner, Studies in Early Christian
History
, Oxford, 1912, p. 8 n.

([41]) W. Hendriksen, op. cit., p.
25,26.

([42]) بالإضافة
إلى هذه الاستشهادات الحرفية التي يبلغ عددها 41 مرَّة هناك عدد يصعب حصره من
الإشارات والاقتباسات غير الحرفية. وقد جمعنا نصوص جميع هذه الاقتباسات من العهد
القديم مع ما يقابلها في إنجيل ق. متى (انظر صفحة 85-97).

([43]) A.H. McNeile, op. cit., p.
XIX.

([44]) G. Dalman, The Words of Jesus, p.
206 f.

([45]) انظر ذلك
بتفصيل في مقدِّمة شرح الأصحاح 26 صفحة 756-758.

([46]) Raymon Brown, New Testament Essays,
Milwaukee, 1965, p. 171.

([47]) الوزنة
كانت تساوي ستة آلاف دينار والدينار كان يساوي الأجر اليومي لعامل واحد (مت 2:20).

([48]) Joachim Jeremias, The Parables of
Jesus,
1963, p. 142.

([49]) Gressmann, Volz and Gunkel, cited by W.C.
Allen, A Critical and Exegetical Commentary on the Gospel. acc. to S.
Matthew
ICC, p. LXXIV.

([50]) Ibid., p. LXXV.

([51]) جاءت في السبعينية: «يا إلهي نفسي مضطربة فيَّ =
ذ Qeزj mou prصj ™mautصn ¹ yuc» mou ™tar£cqh» وقد اقتبسها إنجيل ق. يوحنا: «الآن نفسي قد اضطربت.» (يو 27:12)

([52]) W.F. Albright and C.S. Mann, Matthew, The
Anchor Bible, p. LXXXI.

([53]) The Jerome
Biblical Commentary,
vol. II, p. 66.

([54]) J. C. Fenton, Saint Matthew, The
Pelican Gospel Commentaries, 1963, p. 16.

([55]) في العهد
القديم خصَّص الله سبطاً بأكمله – سبط لاوي – ليصيروا كتبة للناموس والتوراة:
دراسة وشرح وحفظ وتعليم. هؤلاء حفظوا بالحق الناموس والتوراة من الضياع والتحريف
والخطأ والتعدِّي، وأرَّخوا لكل حركة وكل عمل بدقة متناهية، فحُفظت التوراة على مر
الدهور بحروفها وأرقامها وتسجَّلت الأسفار والرحلات على واقع الأماكن والأشخاص
والزمن، وتسجَّلت التواريخ بأرقامها بدقة فائقة من آدم حتى المسيح! فلو اعتبرنا أن
تعداد إسرائيل كان مليونين، فسبط لاوي كان العُشر من هذا العدد باحتساب ضياع سبط
ونصف، أي كان لا يقل عن مائتي ألف كاتب! فما هي النسبة التي أفرزتها
الكنيسة لهذا العمل بالنسبة للعهد الجديد؟ بل ما هو عدد الأشخاص الذين حددتهم
الكنيسة وأفرزتهم بحكم القانون رسمياً لكي يدرسوا ويشرحوا ويحفظوا ويعلِّموا
ويؤرِّخوا لها؟؟ علماً بأن هذا كان مطلباً للمسيح!!

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م محلي 1

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي