الإصحَاحُ
الثَّامِنُ

 

بدء
القسم الثاني من خمسة أقسام الإنجيل

قسم
المعجزات في إنجيل القديس متى

[1:834:9]

 

تطهير
الأبرص                                                                    (8: 14)

شفاء
غلام قائد المئة                                                             (5:813)

شفاء
حماة سمعان وآخرين كثيرين                                              (14:817)

فصل
قصير بين معجزات الشفاء: شرط تبعية المسيح                           (18:822)

أمر
فهدأت العاصفة والبحر سكت                                                (23:827)

إلى
كورة الجرجسيين                                                             (28:834)

 

قسم المعجزات في إنجيل القديس متى

 

يتَّسم
هذا الأصحاح بعمل المعجزات، ولكن لا يتبع ق. متى التسلسل الزمني، بل التشابه
الموضوعي. يجمع ق. متى أهم قصصه ذات المعجزات في قسم خاص يمتد من (1:8
34:9)، يعترضه
توقفان في ثلاث عشرة آية: في (19:8
22)، (9:917). وهكذا
يجمع قسم المعجزات في 68 آية، ولكن لا يذكرها كما اتفق بل اكتشف لها موضوعاً
والتزم به، كالموضوع الذي اكتشفه للعظة على الجبل أي تعاليم الرب يسوع، إذ رآه أنه
خاص بملكوت السموات فالتزم به. أمَّا الأصحاحان الثامن والتاسع فالموضوع الذي
يجمعهما ويكشف مضمونهما هو أن الأعمال الإعجازية إنما تخدم سلطان ملوكيته فوق
مناقص العالم الطبيعي والأرواح الشريرة والمصائب التي حاقت بالإنسان وأخطرها
الأمراض المستعصية والموت. ويقول العالِم بنجل([1])
أن هدف ق. متى من هذه المعجزات هو التحقق من أن المسيح كان كلِّي القدرة
omnipotent.
وهكذا وبعد أن قدَّم المسيح عظته على الجبل
وتلاها بمعجزاته نجد إنجيل ق. متى يهتم بإرسالية تلاميذه كرسل الملكوت

للعالم.

 

تطهير
الأبرص

[1:84]                         (مر 40:145)، (لو 5: 1216)

 

1:84 «وَلمَّا
نَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ
وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي.
فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائَلاً: أُرِيدُ فَاطْهُرْ. وَلِلْوَقْتِ
طَهُرَ بَرَصُهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ
اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمِ الْقُرْبَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ
مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ».

اختار
القديس متى شفاء الأبرص على قائمة المعجزات، وهو محق في ذلك، لأن البرص فوق أنه
مرض غير قابل للشفاء حسب تقرير معظم الأطباء المتخصصين، فهو مرض يخص الجماعة، إذ
أن مريضاً واحداً يمكن أن ينشر المرض في مجموعة كبيرة شأنه شأن وبأ الخطية:
» بإنسان واحد دخلت
الخطية إلى العالم … إذ أخطأ الجميع
«(رو 12:5). كذلك
فهو المرض الذي يمنع صاحبه من حضور الصلوات لأنه محسوب أنه نجس، تماماً بمفهوم
الخاطئ الضالع في خطيته. ومعروف عند الربيين القدامى أن شفاء المرض حتى بالمعجزة
صعب كصعوبة إقامة الميت. فهنا يتعقَّب ق. متى الخطية في أشنع مؤذياتها لطبيعة
الإنسان من جهة. ومن جهة أخرى معروف أن هذا المرض ينتقل بالتلامس، وهنا كانت معجزة
شفاء الأبرص إذ مدَّ يسوع يده ولمسه، ومع اللمسة النطق الإلهي:
»أريد فاطهر « فقول الأبرص: » إن أردت ™¦n
qšlVj
« وليس إن قدرت، ردَّ
المسيح عليه:
»أريدqšlw «وبهذه
الكلمة الواحدة أثبت سلطانه اللانهائي. ومعروف أن مرض البرص مرض معدٍ([2])
لذلك بحكمة قرَّر سفر اللاويين أن الأبرص يُعزل (لا 13). وعادة يصرخ الأبرص من على
بُعد: أبرص أبرص، حتى لا يقترب منه أحد، ولكنه جاء إلى المسيح وسجد أمامه وكان
حظّه السعيد أن شُفي. ولأنه مرض عنيد صار ذكر شفائه في أيام المسيَّا نوعاً من
الأعجوبة كإقامة الموتى. فلمسة المسيح نقلت إليه الصحة والعافية فعاد صحيحاً
معافى. فكل عناصر الشفاء كانت جاهزة: إيمان المريض وإرادة المسيح ولمس اليد.
والملاحظ أن حالة الشفاء تمَّت في الحال واستعاد الجسم كامل صحته وكأنه وُلد
جديداً، واستطاع المسيح أن يستدرج الميكروب اللعين ويأخذه في جسده ليستهلكه
ويبيده، وهو من ألعن الميكروبات المعروفة
Mycobacterium
leprae
فانفتحت أمام الأبرص ليس
أبواب الهيكل للعبادة بل أبواب السماء للخلاص. وغرض المسيح أن لا يقول لأحد حتى لا
يشيع في الأوساط اليهودية أن المسيح هو الذي شفاه فيحقِّقون مع المريض، والنهاية
يطردونه من المجمع كالأعمى!! أما وصية المسيح أن يُري نفسه للكاهن ويقدِّم قربان
تطهيره، فلكي يأخذ من الكاهن شهادة رسمية بخلوه من البرص حتى يستطيع أن يمارس
حياته عادياً.

 

شفاء
غلام قائد المئة

[5:813]                       (لو
7: 110)

 

كان
قائد المئة أول مَنْ اكتشف قدرة المسيح على إجراء الشفاء من بُعد! إيمان جديد
وعظيم في إسرائيل، وهو ضابط روماني عليه أن يمارس وظيفته لحساب المحتل.

5:8و6
«وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ
يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا سَيِّدُ، غُلاَمِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ
مَفْلُوجاً مُتَعَذِّبًا جِدًّا».

«مفلوجاً»: paralutikÒj

مرض
الفالج هو الشلل، والشلل أنواع، ولكن أكثرهم انتشاراً هو الشلل النصفي ويكون نتيجة
انفجار شريان في المخ، وهو مؤلم ويشل حركة الإنسان. فلو اعتبرنا أنه خادم تكون
الطامة الكبرى لمَنْ كان يخدمه، وهو كان عند سيده عزيزاً جداً بحسب إنجيل ق. لوقا
(2:7)، لذلك أسماه “ولدي
pa‹j mou
وكان طريح الفراش واقعاً تحت تشنجات عصبية كما يبدو جعلته في الآلام على مستوى
الموت. لذلك كان توسُّل قائد المائة عاطفياً للغاية. وقد وصف الحالة وترك الأمر
بيد السيد. وهنا نجد ق. متى يذكر أنه جاء بنفسه في حين أن في إنجيل ق. لوقا يذكر
أنه أرسل بعض الشيوخ. ولا تعارض فقد كان من باب الاختصار أن قال ق. متى ما قاله.
ولكن من إنجيل ق. لوقا يتضح أكثر أن حتى الشيوخ الوسطاء كانوا متأثرين من معاملة
قائد المائة
» لأنه يحب
أمتنا وهو بنى لنا المجمع
«(لو 5:7) (مجمع
كفرناحوم الذي كان يصلِّي فيه المسيح لأنه من ذات البلدة، كذلك ق. متى نفسه كان من
كفرناحوم) وكانت استجابة المسيح سريعة وباذلة وذات محبة بالغة.

7:89 «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ. فَأَجَابَ
قَائِدُ الْمِئَةِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ
تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ
كَلْمَةً فَقَطْ فَيَبْرأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ تَحْتَ
سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ
لِهذَا: اذْهَبْ فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ ائْتِ فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ
هذَا فَيَفْعَلُ
».

في
اليونانية تأتي عبارة
»
أنا
آتي
™gë ™lqèn « بمعنى: “أنا بذاتي آتي” ويأتي فعل “آتي” في صيغة aorist participle
التي تفيد الفعل اللحظي، وكأنه يقول أنا بذاتي أجئ حالاً. أمَّا رد قائد المائة
فكلُّه فهم ومشاعر راقية. فهو يبدأ بقوله إنه غير مستحق في حين أن الشيوخ في إنجيل
ق. لوقا يقولون إنه مستحق. ثم إن فهم هذا الضابط لناموس اليهود وتحفظهم الديني من
أن لا يدخلوا بيت رجل أُممي وإلاَّ يتنجَّسون، جعله يُسرع بتقديم ما يشبه الاعتذار
حتى لا يورِّط السيد في هذه المخاطرة. ولكن المسيح هو السيد العظيم الذي لا تقف
أمامه حواجز الجنس أو اللون أو النجس والطاهر، فقد لمس لتوِّه الأبرص ولم يتنجَّس
بل رفع نجاسته من عليه إلى الأبد! وهكذا فاضت تحننات السيد وبرزت محبته لترفع
الحواجز والعراقيل. وأخذ الضابط يشرح مناسبة أن يقول كلمة من على بُعد فيُشفى
غلامه لأنه يعتقد أن المسيح صاحب سلطان والكلمة عنده كجندي يرسله أينما يرسله
فيتمِّم مشيئته بالكلمة. وفي هذا تصوير إبداعي يليق بالله.

وواضح
هنا أن قائد المئة تكلَّم مع المسيح بنفسه دون وسطاء ليقنعه بعدم تكليف الجهد
والذهاب بنفسه إلى بيته، ولكن يبدو بحسب إنجيل ق. لوقا أنه أرسل مشايخ اليهود
كوسطاء، ولمَّا علم أنه مزمع أن يجيء بنفسه نزل من بيته وأسرع لمقابلة المسيح
لإقناعه بعدم المجيء ويكفي أن يقول كلمة. الأمر الذي أثَّر في المسيح للغاية.

10:8
«فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ:
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً
بِمِقْدَارِ هذَا».

كانت
الجموع التي تسير وراء المسيح متعجِّبة أيضاً كيف يذهب المسيح بنفسه لبيت قائد
المئة، وكان ضمن هؤلاء الذين يتبعون مراسيل قائد المئة الذين جاءوا يطلبون إليه،
لهؤلاء التفت المسيح وقال بصيغة تأثره الجازمة:
» الحق أقول لكم «أن إيمان هذا الرجل الأُممي وضابط الاحتلال غير
المرغوب فيه قد فاق إيمان بني إسرائيل. ولكن إيمان قائد المئة الذي استرعى انتباه
المسيح لكي يعطيه هذا الامتياز فوق إسرائيل كان بإحساس الاتضاع الشديد
» لستُ مستحقاً « » قل كلمة فقط « مع الاحترام الفائق والرجاء الحاضر. لقد كان المسيح مُحِقًّا في
كلامه، فقد رفع بصره من بعيد، فرأى بعيداً جداً الإيمان في الأُمم يفوق إيمان
إسرائيل مرَّات ومرَّات.

11:813 «وَأَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ
وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ
السَّمَوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ
الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. ثُمَّ قَالَ
يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ: اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ. فَبَرَأَ
غُلاَمُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ».

هنا الرب يشير إلى عملية الكرازة التي سوف تَعُمُّ الأرض
والممالك كلَّها. وهؤلاء الآتين من المشارق والمغارب هم الذين قبلوا الخلاص وجاءوا
يرثون الوعد! مع أصحاب المواعيد الأُولى!
» ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق
التلال وتجري إليه كل الأُمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى
بيت إله يعقوب فيعلِّمنا …
«(إش 2: 2و3)

» أمَّا بنو
الملكوت
« هؤلاء الذين ورثوا الموعد بالجسد وجحدوه بالروح والإيمان، فتساووا
مع المرفوضين من الأُمم سواءً بسواء:
» لأن الإيمان ليس للجميع «(2تس
2:3). وأمَّا البكاء وصرير الأسنان والظلمة فهي حالة البعد عن الله وما يتخللها من
الندم الذي لا يهدأ.

أمَّا
قائد المئة فأخذ نصيبه بمقتضى إيمانه، وشُفي غلامه في اللحظة التي قالها المسيح
لتظهر بوضوح قدرة المسيح الفائقة.

 

شفاء
حماة سمعان وآخرين كثيرين

[14:817]                     (مر
29:1
34)، (لو 38:441)

 

14:8و15
«وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً
وَمَحْمُومَةً، فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى، فَقَامَتْ
وَخَدَمَتْهُمْ».

نحن
لا نزال في كفرناحوم، حيث بيت المسيح، وبيت بطرس، وبيت ق. متى أيضاً. وق. مرقس
يخبرنا أن أندراوس أخا بطرس كان مع بطرس في نفس البيت. ودخل المسيح ومعه يعقوب
ويوحنا أخوه. وكان اليوم سبتاً، ودخلوا بعد الصلاة ليتناولوا الطعام. لذلك لمَّا
أقام المسيح حماة بطرس قامت وخدمتهم. وق. لوقا بصفته طبيب وصف الحمى أنها كانت
شديدة بمعنى أنها كان يصاحبها رعشة (
rigor). وهنا ق. متى يرى أن المسيح لمس يدها فقامت، ولكن وصف ق. لوقا
أتى هكذا:
» فوقف فوقها وانتهر
الحمى
فتركتها وفي الحال قامت وصارت تخدمهم
«(لو
39:4). ويقول ق. لوقا إنها كانت ممسوكة بحمى (حرارة) عظيمة
sunecomšnh puretù meg£lJ،
أمَّا المسيح
» فزجر الحمَّى
«
وهو فعل شخصي ™pet…mhsen. هنا الحمى مصوَّرة كشخص زجره المسيح.
وهكذا يبدو لنا أنها كانت بفعل شرير.

16:8و17
«وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ،
فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ الْمَرْضَى
شَفَاهُمْ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ:
هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا».

هنا تذكِرة؛ يقول الرب: » إن كنت بإصبع الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله
«
(لو
20:11)، فهنا التعامل مع الشيطان بقوة واقتدار وتعريف بشخصية المسيح:
»
أنا أعرفك مَنْ أنت «(مر 24:1). وواضح أن جزءاً كبيراً من
الأمراض كان بفعل العدو، فكان إخراج الشيطان يتبعه حدوث شفاء. والملاحظ هنا أنه
يذكر جميع الأمراض إشارة إلى مقدرة بلا حدود. وهذا
استرعى انتباه ق. متى
ليعود إلى النبوَّات (إش 4:53) والنص هنا ليس من السبعينية. وهنا نشير إلى أن أصل
إنجيل ق. متى كان باللغة العبرية، ومن اللازم أنه كان يستشهد بأقوال الأنبياء في
العهد القديم بالعبرية فجاءت «أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا» عوض السبعينية:
“حمل خطايانا وتوجَّع لأجلنا” (إش 4:53). والعبري أقرب إلى المعنى الذي يقصده ق.
متى. وهذه الرؤية التي يراها هذا النبي المدعو عظيم الأنبياء هي ذات رؤية جثسيماني
الممهِّدة للصليب، وكأنه واقف يرى بالعين ويرى بالوعي الإلهي كيف كان يتألَّم
المسيح بآلام خطايانا وأسقامنا الروحية في جسده تمهيداً للإنهاء عليها في ذبيحة
نفسه. وواضح من الواقع ومن كلام إشعياء أنها آلام طوعية بالإرادة، كذلك الأمراض
والأسقام الروحية الناتجة من الخطية أنه حملها
إرادياً بالضرورة:
» والرب
وضع عليه إثم جميعنا
«(إش 6:53). وق. بطرس
يعود فيشرحها لاهوتياً:
» الذي
حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة.
«(1بط 24:2)

أمَّا
كيف وضع الرب عليه إثم جميعنا، أو كما قال ق. بطرس حمل خطايانا في جسده على
الخشبة، فقد شرحناها في عدة مواضع. وباختصار أنه حوكم من محكمة السنهدرين بحضور
كامل أعضائها وشهودها كخاطئ بأنواع خطايا وشرور عدَّدوها، فلم يردّ ولم يدافع أو
يستنكر، بل صمت فحُسبت عليه. ونفس الأمر أمام بيلاطس حينما طلب منه رسمياً ماذا
تقول عن نفسك، فصمت ولم يرد، ولمَّا هدَّده لكي يتكلَّم أن له سلطاناً أن يصلبه أو
يبرِّئه لم يردَّ أيضاً فيما يخص التهم الموضوعة عليه، فحسبها القاضي ضده وعُوقب
وصُلب كخاطئ حاملاً كل أنواع الخطايا التي اتُهم بها. وهكذا مات بخطايا غيره.
أمَّا هو فكان القدوس الذي بلا خطية واحدة وَحْدَهُ. وهكذا استطاع أن يحمل الخطايا ويموت بها دون أن يكون مستحقاً لا
للصلب ولا للموت، فحُسب الصلب
لحسابنا والموت أيضاً وبالتالي وبالضرورة
القيامة.

 

فصل
قصير بين معجزات الشفاء

من
شروط تبعية المسيح

[18:822]                     (لو
9: 5762)

 

18:820 «وَلَمَّا
رَأَى يَسُوعُ جُمُوعاً كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذِّهَابِ إِلَى الْعَبْرِ.
فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي.
فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ
أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ».

هنا
هذا التجمُّع الكثيف من الشعب ليس هو الذي بعد الغروب بعد زيارة بيت سمعان، ولكن
يتبع ما بعده أي بعد رحلة البحيرة يوم هبوب العاصفة الشديدة. وواضح الصلة بين قول
المسيح أن ليس له مكان يسند رأسه وقول الكاتب الذي أراد أن يتبعه. ذلك أنه بسبب
الجموع التي أحاطت به ومنعته أن يذهب إلى بيته ولا إلى أي بيت ليستريح، اضطر أن
يركب المركب ويتخلَّص من ضغط هذه الجموع. وهذا يؤكِّده أنه بعدما ركب السفينة دخل
في خنّها الخلفي ونام واستغرق في نوم عميق بسبب التعب الشديد، حتى أنه لم يُحسَّ
باضطراب البحر العاصف ولا حركة المركب وهي تتهاوى من أعلى إلى أسفل!! فالمسيح أراد
أن يوضِّح لهذا الكاتب الذي أراد أن يتبعه أنه حقـًّا ليس له مكان يعيش فيه ويقيم
ويستريح.

«أتبعك أينما تمضي»:

هذا
الطلب غير ملائم بالمرَّة لحال المسيح وهو محاط بالجموع، والمسيح وتلاميذه يحاولون
الخروج من هذا الضغط بركوب السفينة. فقد لاحظ المسيح في هذا الطلب شيئاً من التصوُّر
بأن هناك مركز إقامة وخدمة ومواعيد وراحة، مما اضطر المسيح أن يوضِّح حاله تماماً
إذ ليس له أين يسند رأسه ويستريح أو يأكل هو وتلاميذه. واصفاً امتناع الراحة
والإقامة له ولتلاميذه في مكان معين بالمقارنة الحزينة بالثعالب وطيور السماء التي
لها جحور وأوكار تأوى إليها فتستريح، وتركه يفكِّر. على أن الأمر بالنسبة للمسيح
لم يكن جديداً إذ واجه نفس هذا الحرمان من الراحة حتى في ميلاده إذ لم يكن له مكان
في أي بيت يولد فيه حتى أنه ولد في مذود بقر.

21:8و22
«وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: يَا سَيِّدُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِي
أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى
يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ».

وجاء
هذا المدعو بكونه أنه تلميذ، ويبدو أنه كان قد طلب أن يتبع الرب، ولكن أباه كان
عليلاً في البيت علة الموت وكان يحتاج أن يبقى معه ليدفنه أولاً. فلمَّا عرض هذا
العذر على المسيح، استكثر المسيح على تلميذ للملكوت أن يعطله عن الدعوة دفن موتى.
فالدعوة للحياة الأبدية، ولا مجال بعد للارتباك في أعمال الموتى. فوضعها المسيح
كنصيحة للتلمذة بقيت حيَّة في أفكار الناس حتى اليوم. وجاءت في مكان آخر:
» دع الموتى يدفنون
موتاهم وأمَّا أنت فاذهب ونادِ بملكوت الله
«(لو
60:9). وسواء في سؤال الكاتب أو سؤال التلميذ كان رد المسيح يكشف أن التلمذة
معاناة لحساب ملكوت السموات. والمعاناة للملكوت هي الراحة العليا عينها.

وكأنما
المسيح يكرِّر القول النبوي القديم:
» قد جعلت قدَّامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فاختر
الحياة لكي تحيا.

«
(تث 19:30)

 

أمر
فهدأت العاصفة والبحر سكت

[23:8-27]                    (مر 35:441)، (لو 22:825)

 

23:8و24
«وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ. وَإِذَا اضْطِرَابٌ
عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ حَتَى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ،
وَكَانَ هُوَ نَائِماً».

وكأنما
كانت العاصفة البحرية تنتظر خروج السفينة من حِمَى الشاطئ لتنقض عليها حيث تيارات
الهواء العنيفة الساقطة عليها من الجبال العالية المحيطة بالبحيرة.

«اضطراب عظيم»: seismÕj mšgaj

“سيزموس”
هي الكلمة اليونانية التي جاءت هنا لتعطي معنى الاهتزاز العنيف أو الذبذبة الفائقة
الحد، وهي الكلمة التي اشتق منها اسم جهاز رصد الزلازل سيزموجراف، وهي من جهة
القياس تعطي قياساً لشدة أثر الزلزال الذي تهتز به الأرض، من الهزات البسيطة غير
المحسوسة حتى القياسات العنيفة التي تفوق الست درجات ونصف حيث التخريب، وذلك حسب
قياس ريختر المعمول به الآن. أمَّا الاهتزاز هنا فهو من جراء تيار هواء عنيف سقط
من فوق الجبال، لأن البحيرة منخفضة جداً عن سطح البحر حوالي 680 قدماً، والبحيرة
ذات مساحة كبيرة ثلاثة عشر في سبعة ونصف ميل. فالبحيرة تُعد منخفضاً شديداً وسط
الجبال. وجبل حرمون يتاخمها من شرق بارتفاع 9200 قدم. ولهذا تنقض الرياح عنيفة
وسريعة مدفوعة من ارتفاع شاهق عبر ممرات بين الجبال والتلال تجعلها شديدة الوطأة
على السفن العابرة. وتثير البحر إثارة تجعل الأمواج تتلاطم بشدة، مثل هذا اليوم
والسفينة تلعب بها الأمواج والعواصف من كل جهة. والذي يذهلنا في هذا كله أن المسيح
ظلَّ نائماً عن جهد غير معقول. لأن الأمر المُستغرَب له أنه بمجرَّد أن دخل المسيح
السفينة نام. ونام نوماً عميقاً لم يشعر باضطراب البحر ولا بحركات السفينة العنيفة
صعوداً وهبوطاً، إذ كان المسيح متعباً من جهد وسهر وعدم وجود مكان يسند فيه رأسه.
وهذا هو ابن الإنسان إن في مولده أو حياته أو حتى مماته، رسالته تقديم الذات منذ
أن دخل العالم حتى خرج.

25:827 «فَتَقَدَّمَ
تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا
نَهْلِكُ! فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟
ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوٌّ عَظِيمٌ.
فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ: أَيُّ إِنْسَانٍ هذَا! فَإِنَّ الرِّيَاحَ
وَالْبَحْرَ جَمِيعاً تُطِيعُهُ».

فلمَّا
ضاعت من البحَّارة كل حكمة في ضبط السفينة أعلنوا إفلاسهم أمام خطر الموت، لأن
الأمواج طغت على السفينة وبدأت السفينة تَعبُّ المياه في داخلها وهي علامة
النهاية. تقدَّموا إليه بطلب المعونة لا كراكب معهم بل كحارس ومدبِّر، فالأمر فاق
الحد والخوف بلغ بهم حد الفزع بحسب خبرتهم السابقة في مواجهة الأعاصير. أمَّا هو
فكان نائماً في خن المركب
» على وسادة. «(مر 38:4)

وانطباع
التلاميذ وبالتالي تسجيل الحادثة جاء متبايناً، فالقديس مرقس يقول:
» يا معلِّم أما يهمُّك
أننا نهلك
«(مر 38:4). وهذا ربما يكون أقربهم لما قالوه للمسيح، لأنه يُعتقد
أن بطرس كان رئيس البحَّارة إذ كان صاحب السفينة، وهذه هي لغته، عجول ومجترئ. فهو
الذي “انتهر” المسيح وقال له حاشاك يا معلِّم
من جهة
الصليب
وكان جواب
المسيح له ابعد عني يا شيطان أنت معثرة لي.

والقديس
لوقا ينقلها عن آخر ويقول بعد أن هذَّب لغة بطرس:
» يا معلِّم يا معلِّم إننا نهلك «(لو 24:8). وأمَّا القديس متى فيختزلها إلى أقل مفهوم إذ يبدو أنه
لم يكن في السفينة. وهكذا تعددت الانطباعات وقت الخطر ولكنها تحمل سمات شخصياتهم.

ولمَّا
قام المسيح وبَّخهم أولاً على عدم إيمانهم، لأن انزعاجهم ضيَّع عليهم فرصة استخدام
إيمانهم في مواجهة الخطر. والمسيح يعلم ما يقول إذ كان واثقاً من أن قوة إيمانهم
كانت كافية لركوب التجربة وإسكات الطبيعة، وهذا ما باشره هو أمامهم: انتهر الريح
والبحر فصار هدوء عظيم. هنا أيضاً استخدم المسيح هذا الفعل “انتهر” الذي لا يُستخدم
إلاَّ لشخص معاند، وكأنما روح شرير استولى على الريح والبحر. فالشيطان إحدى
ألقابه:
» رئيس سلطان
الهواء
«(أف 2:2). وكان توقُّف الريح والبحر عن الهيجان في الحال مما يكشف
عن سلطان فائق وكأنه يقبض على أعنَّة الرياح وهيجان البحر ويضبطها في الحال كما
يضبط راكب الحصان جموحه في الحال. فالريح والبحر خضعت في الحال لأمر المسيح، وعاد
البحر هادئاً كالحصير، وكان هذا مثار دهشة هؤلاء القوم إذ تعجَّبوا من طاعة الرياح
والأمواج.

والقديس
متى يستخدم هذه الآية ليجعلها تنطق بسلطان المسيح اللانهائي كمقتدر بالقول والفعل
معاً وبسلطان الله. فالإنسان يمكن أن يشفي مريضاً، ولكن أن ينتهر الريح والبحر
فهذا محال، فمَنْ هذا؟

 

إلى
كورة الجرجسيين

[28:834]                     (مر
1:5
20)، (لو 26:839)

 

28:8
«وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ،
اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ».

يبدو
أنهم ظلوا في المركب طول الليل وأصبحوا ورسوا على شاطئ هذه الكورة. ولكن اسم
الكورة في أقدم المخطوطات اليونانية:
cèran tîn Gadarhnîn وقد جعلها ق. مرقس (1:5) جيراسيين، وفي إنجيل ق. لوقا (26:8)
جاءت جرجسيين وذلك حسب بعض المخطوطات. وهكذا قُرئت على ثلاثة أشكال. وكانت منطقة
مغائر في الجبل تصلح للدفن كقبور تنحدر إلى البحيرة بشدة، وهذا الوصف لا ينطبق على
جيرازا ولكن ينطبق على جرزا، والذين يسكنونها يمكن أن يُدعوا جرازين أو جرجسيين.
ولكن مدينة جدارا الكبيرة قريبة من المنطقة على بعد أميال قليلة جنوب شرق وممتدة
حتى الشاطئ وهي عاصمة المنطقة كلها التي تتبعها جرزا. وهذه تبعد 6 أميال جنوب شرق
كفرناحوم عبر البحيرة وهي منطقة جبلية منحدرة بشدة نحو البحيرة وبها مغائر في الجبل
تصلح لتكون مقابر
([3]).

وهي
منطقة أممية. فعندما نزلوا على الشاطئ استقبلهم على الفور هذان المجنونان قادمَيْن
من ناحية القبور، ولو أن ق. مرقس وق. لوقا يذكران واحداً فقط إلاَّ أنه قد يكونا
اثنين وواحد منهما هو الذي تقدَّم. والمهم أنهما كانا في حالة هياج خطر قَطَعَ
الطريق على السائرين
ومعروف أن الأرواح
الشريرة تقطن القبور خاصة التي كان قد قُتل أصحابها بقسوة، فهي تظل مقيمة بجوار
أجساد أصحابها ويكون لديها روح النقمة والإيذاء والتخريب. وهي إذا دخلت شخصاً
تمارس عنفها وكأن الشخص نفسه هو الذي يقوم بهذا العنف. ولكن كما يتضح حالاً من
القصة أنهما كانا شخصين عاديين بل وذوي طبيعة هادئة طيبة استطاع الروحان الشريران
أن يقلبا كيانهما ويضيفا إلى أخلاقهما هذا السلوك المشين والعنيف. ولكن قد يكون
الروحان الشريران هما من جنس الشياطين.

29:832 «وَإِذَا
هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلِيْنَ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟
أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟ وَكَانَ بَعِيداً مِنْهُمْ
قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ
قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ
الْخَنَازِيرِ. فَقَالَ لَهُمْ: امْضُوا. فَخَرَجُوا وَمَضُوْا إِلَى قَطِيعِ
الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى
الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ».

لقد عرف الشيطان أن المسيح هو ابن الله، كما يعلم الشياطين
جيداً أن نهايتهم هي العذاب الأخير ولا تعود لهم راحة ولا حرية لإيذاء الإنسان أو
الحيوان بعد. وهكذا يبدو أن الشيطان أحسَّ أن فرصته الأخيرة في مقاومته للحق والله
والإنسان ستنتهي في ذلك اليوم، في مجئ الرب الثاني للدينونة، الأمر
المُخفى عن
كثيرين. والآن شعروا بالمسيح عدوهم الأزلي وخافوا لئلاَّ يوقع بهم العذاب قبل
الأوان
prÕ kairoà. لأن الشيطان وأعوانه فقدوا الديمومة بسقوطهم من أمام
الله ودخلوا منطقة
التغيير التي يحكمها الزمن، ونهايتهم
هي نهاية الزمن، حيث يتغير الإنسان أيضاً إلى منطقة

الخلود واللازمن بنفس الوقت

فالشيطان ينتهي إلى عذاب وفناء، والإنسان يتغيَّر إلى نعيم وديمومة.

وقد واتتهم الفرصة فرأوا قطيع خنازير كثيرة ترعى بعيداً
فطلبوا أن يدخلوا فيها أفضل من أن يرسلهم معذبين مسلسلين إلى الهاوية. وقد رأى ذلك
المسيح بدلاً من أن يدخلوا أشخاص آخرين ليعذبوهم. وكانت الخنازير بحسب إنجيل ق.
مرقس (13:5) حوالي ألفين من الخنازير. وطبعاً حياة إنسان أفضل من خنازير كثيرة.

33:8و34
«أَمَّا الرُّعَاةُ فَهَرَبُوا وَمَضُوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا
عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنْ أَمْرِ الْمَجْنُونَيْنِ. فَإِذَا كُلُّ الْمَدِينَةِ
قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاَقَاةِ يَسُوعَ. وَلَمَّا أَبْصَرُوهُ طَلَبُوا أَنْ
يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ».

لقد
كانت الخسارة ثقيلة عليهم، ألفا خنزير بعدة آلاف من الدنانير. فلمَّا وازنوا بين
شفاء الرجلين وخسارة الخنازير وجدوا أن الخسارة أفدح، ففضَّلوا أن يتعاملوا مع
الشيطان ولا يتعاملوا مع المسيح طالما هناك خسارة. وهكذا لا يزال يتصرَّف كثير من
أهل العالم. فالحياة مع الخنازير والشياطين أكثر أماناً وأقل خسارة من الحياة مع
المسيح والكنيسة!!



([1])
John Albert Bengel: Gnomon of the New Testament (1742, Eng. tr. 1866),
vol. I. p. 211.

([2]) نبذة
طبية عن مرض البرص:

يبدأ البرص عادة بألم في أي
مكان من الجسم ثم يعقبها تنميل، وبعدها يفقد الجلد لونه الطبيعي ويصير سميكاً
ويبدأ يلمع ويظهر عليه قشور، وهذه القشور هي التي أعطته الاسم العلمي
Leprosy. لأن القشر باليونانية Lepas = lšpoj أو ليبيس Lepis lep…j. وبزيادة سمك قشور الجلد يبدأ يتقرَّح بسبب التهاب
الأعصاب الطرفية وانقطاع جريان الدم في المنطقة المصابة، ويزداد الجلد حول العينين
والأذنين في التكدُّم والتكوُّر مع وجود حفر عميقة وورم. وتسقط الأصابع من اليدين
والرجلين وتتآكل الحواجب وتتساقط الرموش، وتبدأ رائحة المريض تزداد نتانة كريهة.
ويبدأ المرض يهاجم الحنجرة فيتغيَّر صوت المريض ويصير أجش. وهكذا يمكن معرفة
الأبرص من على
مسافة. وتنتقل العدوى بالتلامس مع الأجزاء المصابة، كما أن
إفرازات الأنف المخاطية تلعب دوراً هاماً في
انتقال
العدوى.

Dr. E.R. Kellersberger, The Social Stigma of Leprosy, The
Annals of the
New York Academy of Sciences, 54. (1951) pp.
126-133.

([3])
A.M. Ross, art. “
Gadara, Gadaranes”, Zondervan
Pictorial Bible Dictionary,
Grand Rapids, 1963. p. 293.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبى خادم الرب 04

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي