الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

 

ز –
سلطان المسيح يغفر ويشفي (9: 1- 8)

9: 1
فَدَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ وَٱجْتَازَ وَجَاءَ إِلَى مَدِينَتِهِ. 2
وَإِذَا مَفْلُوجٌ يُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ مَطْرُوحاً عَلَى فِرَاشٍ. فَلَمَّا
رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ
لَكَ خَطَايَاكَ. 3 وَإِذَا قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ قَدْ قَالُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ: هٰذَا يُجَدِّفُ! 4 فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، فَقَالَ:
لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِٱلشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ 5 أَيُّمَا أَيْسَرُ،
أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ
وَٱمْشِ؟ 6 وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ
ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ
ٱلْخَطَايَا حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: قُمِ ٱحْمِلْ فِرَاشَكَ
وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ! 7 فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. 8 فَلَمَّا
رَأَى ٱلْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ
ٱلَّذِي أَعْطَى ٱلنَّاسَ سُلْطَاناً مِثْلَ هٰذَا

المسيح
هو المنتصر على الأمراض وعناصر الطبيعة والأرواح الشريرة، وهو أيضاً غافر الذنوب.
وفي الحوادث المذكورة آنفاً، نرى أن الخطايا هي سبب الأمراض والفوضى والموت، لأنها
تفصلنا عن الله وسلامه. فكل من يعيش بعيداً عن ربه يخطيء. وأوضح لنا الله أن
الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله.

رأى
المسيح ضمير المريض المبكت، فلم يشأ أن يشفيه إلا بعد محو ذنوبه. ولكنه لا يغفرها
له إلا إذا فتح نفسه تماماً لعلاجه. فتكلّم المسيح عن الغفران وسلطانه المُطلق
للعفو. ولمّا شاهد إيمان أصدقاء المريض الأربعة الذين حملوه إليه، وتيقَّن من ثقة
المفلوج، سمَّاه ابنه بالإيمان، وغفر بكلمته القوية خطاياه وطهّره من آثامه. فصار
المذنب في الحال بريئاً، وابناً لله بالنعمة. فهل حررك المسيح بكلمته من كل ذنوبك؟
الجواب على هذا السؤال أهم من كل الدبلومات والشهادات والامتحانات في حياتك.
ولتتأكد من غفران خطاياك، انظر إلى المسيح المصلوب الذي حمل خطايانا، ومات ذبيحة
وكفارة لأجلنا. فمن يؤمن به يتبرر، ومن يفتح نفسه لإنجيله يختبر الخلاص.

ولما
غفر المسيح لهذا المريض ندد به خبراء التوراة واغتاظوا واتهموه بالتجديف، لأنهم لم
يؤمنوا بألوهيته، واعتبروه متعدياً مستحقاً الرجم. وعندئذ لم يعلن المسيح لهم أنه
ابن الله القدير، بل سمَّى نفسه ابن الإنسان، ليبدأوا التفكير بالأعجوبة الكبرى،
إن سلطان الله حلَّ في هيئة الإنسان الخادم الشافي المخلّص.

ولم
يرفض المسيح أعداءه، بل برهن لهم أن له الحق والمقدرة لمغفرة الخطايا، وذلك
بإعلانه شفاء المفلوج مسبَّقاً. فلمّا التفت إلى السقيم دخلت من كلمته الإلهية قوة
إلى جسمه، فشعر بانتعاش وتجديد، وقفز وركض وحمل سريره، رمزاً لسلطان المسيح
العظيم.

ليتنا
نحمل بعضنا بعضاً إلى معالجة يسوع، لننال غفران خطايانا وشفاءً من شللنا الروحي،
فتقيمنا قوة المصلوب لحياة ممتلئة الحركة والخدمة، ونركض في سبيل الناصري شهادة
لعظمة سلطانه.

الصلاة:
أيها الآب، نهلل لك لأن ابنك غفر خطايانا ومحاها على الصليب نهائياً نعظّمك ونسجد
لمحبتك ملتمسين منك خلاص الملايين الذين لم يعرفوا خلاص ملكوتك بعد. ونذكر أمامك
الجياع إلى البر في محيطنا، والعمي لمحبتك، ونسمّي أسماءهم قدامك. لا تغفل عن
دعائنا، بل اشف وخلّص وارحم الآن.

 

ح –
دعوة متى العشَّار (9: 9-13)

9: 9 وَفِيمَا
يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ رَأَى إِنْسَاناً جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ
ٱلْجِبَايَةِ، ٱسْمُهُ مَتَّى. فَقَالَ لَهُ: ٱتْبَعْنِي.
فَقَامَ وَتَبِعَهُ. 10 وَبَيْنَمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي ٱلْبَيْتِ، إِذَا
عَشَّارُونَ وَخُطَاةٌ كَثِيرُونَ قَدْ جَاءُوا وَاتَّكَأُوا مَعَ يَسُوعَ
وَتَلامِيذِهِ. 11 فَلَمَّا نَظَرَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا
لِتَلامِيذِهِ: لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ ٱلْعَشَّارِينَ
وَٱلْخُطَاةِ؟ 12 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: لا يَحْتَاجُ
ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. 13 فَٱذْهَبُوا
وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ
لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ.

يخبرنا
البشير متى عن الساعة الفاصلة في حياته، التي دوَّنها في إنجيله، بعد شفاء
المفلوج، ليُظهر أنه أقل من ذلك الخاطيء المريض، لأن العشارين كانوا يومذاك رمزاً
للغش والطمع والظلم، وعملاء للسلطة الاستعمارية. فحُسبوا مع الزناة واللصوص
والقتلة، ملعونين من الناموس. وإذ دعا يسوع متى العشار لاتِّباعه غيَّر حياته
كلياً، وجعل منه رسوله المحترم في السماء وعلى الأرض. فيظهر بهذا أن ليسوع الإرادة
والإمكانية، ليطهّر أردأ الخطاة. فمحبته تشملك أيضاً.

«اتبعني!»
هذه الكلمة المفردة كانت سهم الله الذي أصاب قلب متى واخترقه. كان اسمه قبل ذلك
«لاوي» فصار «متى» أي «عطية الله». كلمة خالقه من فم المسيح هي أكثر قدرة من ألف
كتاب بشري فارغ. ومن هذه الكلمة الفريدة تطور إنجيل متى كله، لأن العشار كان
معتاداً لتسجيل الحقائق بكل دقة. وهو الوحيد بين التلاميذ الذي تكلم بلغة مختلفة،
فخدم يسوع بمواهب مهنته. ولم يظهر اسمه في إنجيله إلا في هذا الموضع. لكنه أبرز
اسم المسيح وأعماله وكلماته القوية.

وفرحاً
بخلاصه أعدَّ متى وليمة عظيمة، ودعا كل الجياع للبر أن يحضروها. فجاء اللصوص
والغشاشون والزناة والغوغاء، ورأوا المسيح من قريب نوراً للعالم، وسمعوا كلماته
الحنونة، وقبلوا تعزيته المنجّية. فمن أول لحظة اتِّباعه ليسوع، ظهر متى مبشراً
ورسولاً.

هل تبحث عن  شخصيات الكتاب المقدس عهد جديد يهوذا الإسخريوطي ي

أما
الأتقياء والمتعلمون والمتكلمون عن بر أنفسهم فلم يدركوا رأفة المسيح، وخدعوا
أنفسهم ظانين أنهم أصحاء في الدين، وأصحاب الوحي والعهد مع الله. وبالحقيقة كانوا
هم المرضى. والمرضى الخطاة أصحاء إن تابوا وجاءوا إلى المسيح. فالمكتفي بنفسه
ينهار إلى جهنم. فكيف حالتك؟

جاء
يسوع بأعظم انقلاب في تفكير الأديان، لأنه سمَّى الأتقياء الراسخين في التديُّن
هالكين مرضى. وأما الخطاة فأبرار. فكل من يظن أنه مستقيم ومقبول عند الله والناس
هو أكبر أثيم، ولكن من يخجل لشره معترفاً بعيوبه، يُرضي الله ويكون مقبولاً عنده.

 

ط –
سؤال تلاميذ المعمدان عن الصوم (9: 14-17)

9: 14
حِينَئِذٍ أَتَى إِلَيْهِ تَلامِيذُ يُوحَنَّا قَائِلِينَ: لِمَاذَا نَصُومُ
نَحْنُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيراً، وَأَمَّا تَلامِيذُكَ فَلا
يَصُومُونَ؟ 15 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو ٱلْعُرْسِ
أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلٰكِنْ سَتَأْتِي
أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.

يرينا
المسيح معنى التقوى الحقة والباطلة بجوابه على سؤال تلاميذ يوحنا المعمدان، الذي
كان آنذاك سجيناً. وقد علَّم الشعب الندم على عيوبهم والتوبة والصوم، فظنّوا أن
المسيح يعلّم تلاميذه أيضاً الانكسار والحزن ليرحمهم الله لأجل جهودهم.

والصوم
خاصة يظهر للأتقياء في كل الأديان أنه أفضل طريقة للحصول على بركة الله. لكن
النعمة لا تُنال بالأجرة بل هي هبة. والخطايا لا تزول بالصوم، إنما إيمانك بفداء
المسيح هو الذي يخلّصك. وعندئذ يصير صومك شكراً وحمداً لا شرطاً للغفران على عهد
محبة الله الذي يشمل كل الخطاة المتبررين. فهم بنو العرس ورفقاء العريس يسوع ابن
الله، الذي يدعونا إلى أعظم فرح، أي الشركة معه. فلا يمكن أن يحزن المسيحيون، بل
هم يطمئنون في الضيق، ويستمرون في فرح الروح القدس، رغم مشاكلهم وتجاربهم، لأن
الله معهم والمسيح فيهم. ومن أدرك هذا الامتياز يسبّح الله بكل جوارحه، ويقدم له
حياته شكراً لنعمته العظيمة.

وقد
أنبأ يسوع تلاميذه أنه سيفارقهم صاعداً إلى السماء. ونحن نعيش في عصر الشركة
القريبة مع المسيح، لأنه سكب روحه القدوس في قلوبنا، عربوناً للشركة الحقَّة بين
العروس والعريس. فننتظر مجيء العريس علانية لتتحقق الشركة فعلياً في المجد.

9: 16
لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ،
لأَنَّ ٱلْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ ٱلثَّوْبِ، فَيَصِيرُ ٱلْخَرْقُ
أَرْدَأَ. 17 وَلا يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ، لِئَلاّ
تَنْشَقَّ ٱلزِّقَاقُ، فَٱلْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَٱلزِّقَاقُ
تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ
جَمِيعاً.

الفرق
بين العهد القديم والجديد، وبين الإنجيل وغيره من الأديان، أعمق مما نشعر ونفكر.
فالأديان تحذّر الإنسان من يوم الدينونة العظيم. وكلها عدا الإنجيل تعلّم أن حفظ
الشرائع هو الوسيلة الوحيدة لإرضاء الله، وأن القرابين والعطايا والصوم والصلاة
والأعمال الصالحة واجبات يقابلها الله بمكافأة، وأن كل الطقوس والعقائد تصوّر الله
كأن في يده ميزان كبير، في أحد كفتيه الخطايا وفي الأخرى الأعمال الحسنة والصلوات.
فالكفة الثقيلة أكثر تنزل وتقرر نصيب صاحبها. وهذه العقيدة لا تتفق مع فكر العهد
الجديد البتة.

يعلّمنا
المسيح أن الناس كلهم أشرار على سواء، ولا يقدر أحد أن يأتي بأعمال حسنة كافية.
لهذا يضع المسيح أعماله الخاصة وبره ونفسه على كفة ميزان الله، ليبطل الحكم علينا.
فتقوانا لا تخلّصنا، بل نتبرر بالنعمة المجانية. فإيمانك يخلّصك لا أعمالك، لأن
هذا الإيمان يوحّدك مع مخلّصك، وروحه القدوس يخلق فيك الحياة الجديدة.

فلا
تخلط بين الفكرتين، لأنهما لا تتفقان. فالطقوس والناموس عكس بر الإيمان. الروح
الجديد يتطلب هيئة جديدة. فالأفضل تكوين جماعة صغيرة بروح الإنجيل، من أن تنتمي
إلى جمع كبير متمسك بالتقاليد، وبدون استعداد للتغيير الروحي الداخلي.

الصلاة:
أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك دعوتنا إلى العهد الجديد. وحررتنا من خداع البر
الذاتي. نحن خطاة، ولكن مسيحك شفانا. علِّمنا السلوك في فرح السماء. وامنحنا
التمييز للهيئات والكنائس الحية، لننضم إليها، ونُحفَظ في شركتك معاً.

السؤال:
23 – لماذا يستحيل انسكاب خمر الإنجيل الجديد، في زقاق الناموس القديم؟

 

ي –
إقامة ميتة وشفاء مريضة (9: 18-26)

9:
18-26 18 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ بِهٰذَا إِذَا رَئِيسٌ قَدْ جَاءَ
فَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: إِنَّ ٱبْنَتِي ٱلآنَ مَاتَتْ، لٰكِنْ
تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَحْيَا. 19 فَقَامَ يَسُوعُ وَتَبِعَهُ هُوَ
وَتَلامِيذُهُ. 20 وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ نَازِفَةُ دَمٍ مُنْذُ ٱثْنَتَيْ
عَشَرَةَ سَنَةً قَدْ جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، 21
لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ. 22 فَٱلْتَفَتَ
يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ: ثِقِي يَا ٱبْنَةُ. إِيمَانُكِ قَدْ
شَفَاكِ. فَشُفِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ. 23 وَلَمَّا
جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّئِيسِ، وَنَظَرَ ٱلْمُزَمِّرِينَ
وَٱلْجَمْعَ يَضِجُّونَ، 24 قَالَ لَهُمْ: تَنَحَّوْا، فَإِنَّ ٱلصَّبِيَّةَ
لَمْ تَمُتْ لٰكِنَّهَا نَائِمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. 25 فَلَمَّا
أُخْرِجَ ٱلْجَمْعُ دَخَلَ وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا، فَقَامَتِ
ٱلصَّبِيَّةُ. 26 فَخَرَجَ ذٰلِكَ ٱلْخَبَرُ إِلَى تِلْكَ
ٱلأَرْضِ كُلِّهَا.

هل تبحث عن  م الملائكة ملائكة أشرار حيل الشيطان المجرب ب

غلب
المسيح كل السلطات المضادة لله وملكوته السرمدي. وأخيراً غلب الموت. فبعدما أوضح
البشير متى لنا كيف انتصر يسوع على الأمراض المتنوعة والعواصف والأرواح والذنوب
والنواميس، أبرز كيف طرد الموت عدونا اللدود. فالمسيح يهبنا تحريراً كاملاً من كل
ثقل وخوف، ويقودنا إلى الحياة الأبدية. فهل أنت في موكب نصرته؟

كان
لرئيس المجمع اليهودي بنت مريضة مشرفة على الوفاة فاضطرب الأب اضطراباً كبيراً،
وركض إلى يسوع وسجد له جهراً، رغم أنه رئيس المجمع. مع العلم أن السجود هو لله
وليس للناس. واعترف الرئيس بسجوده ليسوع أنه يعتبر الناصري رجلاً إلهياً عظيماً.
وقَبِلَ المسيح هذا السجود. لأنه إله حق من إله حق، ذو جوهر واحد مع الآب. فإيمانه
جعله يطلب من يسوع لمس ابنته، لأنه سبق أن رأى أن لمس المسيح للمصابين يشفيهم
شفاءاً تاماً.

ومشى
المسيح معه حالاً، إذ كانت الحالة خطيرة. ولكن اقتربت منه فجأة امرأة مريضة، وهو
في وسط الازدحام، ولمست ثوبه ملتمسة عونه، دون أن تنطق ببنت شفة. وشعر المسيح
بجريان قوة منه إليها، لأن لمستها كانت لمسة إيمان، وليست كالجماهير التي حوله.
فوقف يسوع ونظر حوله ورآها وألمَّ بقصتها، وحدَّثها علانية شهادة أمام الجميع،
فثبَّت إيمانها فيه، لأن الإيمان يأخذ من المسيح قوة وحياة ونعمة.

وهذا
الإبطاء كان درساً صعباً لرئيس المجمع، لأنه كان مستعجلاً، ففرض يسوع عليه أن
يتعلم أن الرب لا يفضّل أصحاب المناصب على غيرهم، بل يعمل متجاوباً مع إيمان
طالبه، مهما كان صغيراً أم كبيراً، امرأة أو رجلاً.

ولما
وصلوا أخيراً إلى الدار كانت البنت قد ماتت، ولكن المسيح وصف موتها بالنوم، الأمر
الذي أضحك النسوة الباكيات، فأكّدن لرب الحياة، أن البنت لم تكن شبه ميتة بل قد
ماتت فعلاً.

وعندما
رأى يسوع سلطة الموت واستهزاء الجمهور وجهالتهم، استاء وطرد الجميع من الغرفة، عدا
والدي البنت وثلاثة من تلاميذه. ووقف أمام الميتة ودعاها أن تقوم. وكما طرد
الشياطين سابقاً بكلمته، هكذا أبعد الموت، لأن سلطة المسيح تمتد إلى ما وراء ستار
الحياة. ولكلمته القوة للغلبة على الموت. فقامت البنت وتجوَّلت بين أقربائها. وإذ
ذاك استولى الاندهاش على الجميع!

ما
أعظم التعزية لنا نحن تابعي المسيح أنه سيقيمنا من بين الأموات، لأننا نعرف صوته.
فهل تسمعه اليوم؟ إن المسيح يدعوك أن تقوم حالاً من موتك في الخطايا لتعيش في
الحياة الطاهرة الأبدية.

 

ك –
شفاء أعميين وأخرس (9: 27-34)

9: 27
وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ تَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصْرُخَانِ
وَيَقُولانِ: ٱرْحَمْنَا يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. 28 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى
ٱلْبَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا
يَسُوعُ: أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ هٰذَا؟ قَالا لَهُ:
نَعَمْ يَا سَيِّدُ. 29 حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: بِحَسَبِ
إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا. 30 فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا.
فَٱنْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: ٱنْظُرَا، لا يَعْلَمْ أَحَدٌ! 31
وَلٰكِنَّهُمَا خَرَجَا وَأَشَاعَاهُ فِي تِلْكَ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا.

عاش
المسيح بين اليهود، ولكن قليلون أدركوا أنه مسيح الله، لأن أكثرهم طلبوا مخلّصاً
سياسياً، وليس تغيير قلوبهم، فبقوا عُمْياً رغم عيونهم المفتوحة وعقولهم المفكرة.
واليوم ما زال كثير من الأتقياء والعلماء يظنون أنهم يعرفون يسوع، ولكنهم لم
يتقدموا إلى جوهره الأصلي، ولم يدركوا ما هو لسلام قلوبهم. أما الأعميان المذكوران
في الحادثة، فآمنا بأن يسوع هو من ذرية داود، وأنه ملك إلهي على شعب العهد القديم.
فصرخا بصوت عظيم ليخلّصهما. ولكن المسيح لم يجب طلبتهما في الحال لأنه أراد أن
يمتحن إيمانهما. وقد اجتازا هذا الامتحان وتبعا يسوع ولحقا به، حتى وصلا إلى بيت
بطرس، فألحَّا طالبين العون، فأكرم المسيح غيرتهما بتثبيت إيمانهما بقدرته.
وسألهما إن كانا حقاً يؤمنان أنه القادر على هذه العملية الفريدة في نوعها.
فجاوباه «نعم». فهل نحن اليوم نشاركهما ونقرر أن يسوع هو القادر على الشفاء
والخلاص، فنوجّه طلباتنا إليه بكل صراحة وبساطة؟

وبعد
اعتراف الإيمان، لمس المسيح عيونهما بيده الخالقة، فرأياه هو أولاً. وكان لصورته
أعظم التأثير في قلبيهما، إذ عرفا فيه المخلّص والملك القدير. فنتج عن إيمانهما
بصيرة روحية حقَّة.

ومن
العجيب أن يسوع منعهما من إذاعة خبر شفائهما، لكيلا تتراكض الجماهير إليه بسبب
المعجزات. وقصده أن يخلق في أتباعه الإيمان الواعي أولاً، لتتغيَّر قلوبهم
وتتجدَّد أذهانهم، فيزول العمى الروحي منهم، ويمشون في نور الله صالحين. فهل جعلتك
محبة يسوع مبصراً، أو هل ما زلت تعيش بعيداً عنه، أعمى في ظلمة الخطايا وبلا خلاص؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس خ خدمة ة

9: 32
وَفِيمَا هُمَا خَارِجَانِ إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ
إِلَيْهِ. 33 فَلَمَّا أُخْرِجَ ٱلشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ ٱلأَخْرَسُ،
فَتَعَجَّبَ ٱلْجُمُوعُ قَائِلِينَ: لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هٰذَا
فِي إِسْرَائِيلَ! 34 أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا: بِرَئِيسِ
ٱلشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ.

ما أن
خرج الأعميان اللذان شُفيا على يد يسوع حتى أدخل المؤمنون إليه معتوهاً أخرس.
والأرجح أن خرسه لم ينشأ عن مرض اعتيادي بل لاتصاله بالأرواح.

وتحرّك
قلب يسوع بالحب نحو الأخرس المجنون فطرد منه الروح الشرير وحلَّ لسانه. عندما تبدأ
الصلاة المواظبة يحل المسيح ألسنة أعضاء كنيستك وجمعيتك كلها، ويُخرِج منهم الروح
العصري والتكبُّر والاعتداد، ليشهدوا لخلاص يسوع بكلماتهم الواضحة وسلوكهم
المثالي؟ التصِقْ بيسوع ولا تتركه لكي يشفي خُرساً كثيرين ويجعلهم شهوداً قدّيسين،
شاهدين لفداء المسيح.

لا
تندهش من النتيجة المتناقضة لما عمله المسيح، لأن البسطاء سبَّحوا المسيح لتطهيره
وقدرته الظاهرة في المؤمنين، ولكن الفريسيين غضبوا لأنه صار بدونهم انتعاش وتحمّس
في الشعب، لا يطابق أساليبهم التقليدية، فحمقوا وأطلقوا على يسوع البار اسم رئيس
الشياطين. وهكذا عمي هؤلاء المُبغِضون الحاقدون، لأنهم رفضوا روح المسيح الشافي.
فانتبه لتخدم المسيح بدوافع روحه اللطيف، وليس بعنف أو شتائم، لأن كل روح غير صادر
من يسوع يُخَرِّب. أما الروح القدس فيبني.

الصلاة:
أيها الأب العظيم، املأنا بروحك القدوس. اطرح كل روح نجس منّا لنقدم للعالم شهادة
واضحة عن يسوع المسيح مخلّصنا الحي. اشف كثيرين من الملبوسين بروح الإلحاد
والأفكار العصرية، وارتباطاتهم بالعرّافين والشياطين. ونشكرك لأنك شفيت الأخرس
آنذاك. هكذا تحرر الذين نقدمهم إليك اليوم.

 

3 –
إرسال التلاميذ الاثني عشر للتبشير (9: 35-11: 1)

أ –
حنان المسيح (9: 35-38)

9: 35
وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ ٱلْمُدُنَ كُلَّهَا وَٱلْقُرَى يُعَلِّمُ فِي
مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ
وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي ٱلشَّعْبِ. 36 وَلَمَّا رَأَى ٱلْجُمُوعَ
تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لا
رَاعِيَ لَهَا. 37 حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: ٱلْحَصَادُ كَثِيرٌ
وَلٰكِنَّ ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. 38 فَٱطْلُبُوا مِنْ رَبِّ
ٱلْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ.

تجوَّل
يسوع في القرى والمدن مع تلاميذه معلّماً ومبشّراً. بحث عن الضالين والجياع إلى
البر والجهال والسطحيين. وحتى المتدينين، ليربحهم إلى ملكوت محبته. فدخل البيوت
ونادى في الشوارع وعلَّم في المجامع وتكلم مع الأفراد. فاستخدم كل فرصة ليبثَّ في
عقول الناس الإنجيل المفرّح، ويفسّر التوراة على ضوء العهد الجديد. ولم يتراجع
أمام الأسئلة الخبيثة، بل غلب الماكرين بحكمة روحه، وأعلن بشرى الخلاص، ودعا
الجميع إلى ملكوته معلناً مشيئة أبيه التي ظهرت جلياً في أعماله القوية. وبشفاءاته
العجيبة أثبت صحة دعوته. فأمكن حتى للغبي أن يفهم أنه بالمسيح قد ابتدأ سلطان الله
على الأرض، وأن محبة الله تجسَّدت أمام كل ذي بصر. فتحرك الشعب كله، وشعر بحلول
عصر جديد.

وتألم
المسيح كثيراً، لأنه رأى الأمراض وأسبابها، والجهل والخراب الاقتصادي والظلم
الاستعماري. وتضايق يسوع خاصة من ضعف الإيمان، وخلطه بأفكار دنيوية، وتدخّل
الكبرياء والالتباس بالأرواح النجسة، وتسلط الموت على الجميع. لم يبتعد المسيح عن
الساقطين، ولم يبغض الغوغائيين، كما يفعل بعض الشعراء والفلاسفة المفتخرين، بل نظر
إليهم كما تنظر الأم لأولادها المرضى، فتحنن على الجميع مدفوعاً بمحبته العظيمة.
ولهذا السبب ترك السماء، ومات على الصليب، وشفع فينا. فحنان المسيح هو لبّ جوهر
قلبه.

إن
الله يحبنا ونحن مساكين ضالون في هذا العالم، نشبه الرعية المشتتة التي هاجمتها
الذئاب المفترسة بلا شفقة، وكأن لا راعي لنا. ولكن المسيح هو الراعي الصالح الذي
يهتم بك، ويراك في ضيقك، ويتألم معك، ويسارع لعونك. وفسَّر يسوع لتلاميذه حالة
الشعب بحقل ناضج مستعد للحصاد. والهزات العنيفة في ايامنا تزعزع الناس، وتوقظهم من
غفلتهم، فيزول الاطمئنان وتضطرب الجماهير. ويسمّي يسوع هذه الحالات أنسب فرصة
للحصاد الروحي. وحقاً فإننا نجد في عصرنا هزات عميقة وتزعزعات معنوية تكتسح
أّمَّتنا يميناً ويساراً. وهكذا ينضج الوقت للحصاد الإلهي، إذ يبحث الناس عن
مباديء جديدة وركن للحياة غير مقلقل.

يدعوك
المسيح للصلاة لتطلب من الله بشدة أن يرسل في أيامنا عبيداً كثيرين لخدمة خلاصه.
وهذه الصلاة واجبة الآن ليرسل رسله إلى قريتك أو مدينتك أو كورتك؟ صلِّ لكي يرسل
الرب رسله في أيامنا، لأن اليوم يوم الحصاد.

هل
أنت من هؤلاء المدعوين؟ اطلب من الرب أن يفتح أذنيك لتسمع دعوته، فيرشدك إلى
الخدمة، وتحصد كثيراً لتمجيد اسمه القدوس.

الصلاة:
أيها الآب، ها نحن المستعدين لخدمة حصادك. فإن وجدت أنفسنا نافعة للخدمة،
فاستخدمنا. ونعترف أننا فاشلون، غير مستحقين للحصاد. طهّرنا بدم ابنك، وجهّزنا
بقوة روحك. أرسل فعلة كثيرين إلى حصادك لكل أمتنا، واملأ العالم بخدَّامك ليأتي
ملكوتك عاجلاً.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي