الإصحَاحُ
الرَّابعُ وَالْعِشرُونَ

 

ثالثاً
– عظة المسيح على جبل الزيتون (24: 1- 25: 46)

سؤالان
(24: 1- 3)

24: 1
ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ
لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ ٱلْهَيْكَلِ. 2 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا
تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هٰذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لا يُتْرَكُ
هٰهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لا يُنْقَضُ!.

غادر
المسيح الهيكل، ولم يدخله مرة أخرى، فأتمَّ بخروجه نبوة حزقيال النبي الذي رأي في
رؤياه مجد الله يترك الهيكل والمدينة المقدسة، متجهاً نحو جبل الزيتون.

فإلى
زمن يسوع كان مجد الله حالاً في هذا الهيكل، مستتراً في قدس الأقداس. لكن عصيان
أكثرية الشعب اليهودي جلب الدينونة عليهم، حتى خرج المسيح من بينهم، وتركهم لهجوم
الأعداء بلا حماية.

فالهيكل
العظيم مع قببه المذهبة بقى متلأليء الظاهر، لكن فارغاً من روح الله في داخله،
كقنديل بلا نور وسراب بلا حقيقة. فكيف يا ترى حالة قلبك؟ هل أنت هيكل الله وروحه
ساكن فيك؟ أم أنك فارغ ميت؟

 

24: 3
وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ
ٱلتَّلامِيذُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ قَائِلِينَ: قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ
هٰذَا، وَمَا هِيَ عَلامَةُ مَجِيئِكَ وَٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ؟

في
طريقهم نحو جبل الزيتون لفت التلاميذ أنظار المسيح إلى الهيكل الفخم. أما المسيح
فأبصر الفراغ والخراب لأجل الخطايا، بالرغم من كل المظاهر الرائعة. فرأت بصيرة
محبته الدينونة المقبلة على أمّته، وكان لابد أن يسقط هيكل العهد القديم، ليقوم
مكانه هيكل العهد الجديد.

 

2 –
لا يضلّكم أحد (24: 4-8)

24: 4
فَأَجَابَ يَسُوعُ: ٱنْظُرُوا، لا يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. 5 فَإِنَّ كَثِيرِينَ
سَيَأْتُونَ بِٱسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ
كَثِيرِينَ.

لم
يجاوب المسيح تلاميذه على سؤالهم بكيفية وزمن مجيئه واكتمال ملكوته، بل حذّرهم قبل
كل شيء من التجربة والارتداد الآتي، فالشيطان هو عدو الله الذي يجرّب بأنبيائه
الكذبة أن يفصل جماهير الناس عن خالقهم.

فليس
أهم سؤال للإنسان معرفة المستقبل، بل أن يكون ممتلئاً بروح الله، لكيلا تملكه
أفكار الشيطان. فروح الرب يخلق فيك التوبة والإيمان والتواضع والسلام، ويثبتك في
الفرح والعفة المبنية على الصدق والصبر والمحبة. ولكن روح الشيطان يظهر في
الاستكبار والاتكال على النفس والتخطيط الشخصي. وكذلك في البغضاء والكذب، مع كل النجاسة
والأحقاد والانتقام المر. وأخبث ثمار روح الشيطان هي الرياء، لأن فيه يتظاهر
الإنسان بالصلاح، رغم أن قلبه مفعم بالخبائث.

 

24: 6
وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لا تَرْتَاعُوا.
لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ كُلُّهَا، وَلٰكِنْ لَيْسَ
ٱلْمُنْتَهَى بَعْدُ. 7 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ
وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلازِلُ فِي
أَمَاكِنَ. 8 وَلٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ
ٱلأَوْجَاعِ.

أهم
نصيحة منحها المسيح لتلاميذه في الأيام الأخيرة هي «احترزوا لكيلا يضلّكم أحد».
فالتلاميذ طلبوا من ربهم أن يذكر لهم علامات مجيئه ثانية، ليصبحوا عارفين أذكياء،
ولكنه لم يجبهم بل أراهم الخطر الهائل وسط الكفاح بين السماء وجهنم. وهو خسارتهم
أنفسهم واشتراكهم في الارتداد العام.

والشيطان
بعدما يفسد إيمان البشرية بواسطة مسحائه الكذبة، يوقع الشعوب في حروب وضيقات، حتى
يعمّ الفزع والاضطراب، فينسى الناس خالقهم ويغرقون في أمواج المشاكل، كما غرق بطرس
لما حوَّل نظره عن المسيح، وشخَص إلى الموجة المندفقة نحوه. فلا تخف، لأن المسيح
حي. فقد قام، وهو معك ويخلّصك ويحملك ويضمنك. وهو يمنعك من الخوف مهما تراكمت
الضيقات، لأن المحبة ليس فيها خوف (1 يو 4: 18-21).

ولا
تستغرب كلمة المسيح أنه لابد من الضيقات الأربع: الحروب العالمية، والجوع
المتزايد، والأوبئة المنتشرة، والزلازل المدمّرة. إن سياط الله هذه ستضرب حتى ولو أعلن
الأنبياء الكذبة والزعماء الفخورون السلام. مع العلم أنهم يقصدون السلام حقيقة،
ويجتهدون لتحقيقه، ولكنهم لا يعرفون أن في الحروب غضب الله المنسكب على خطايانا.
فينبغي أن تأتي الأمواج المهلكة على كرتنا الأرضية، لأن البشر يتكلون على
اختراعاتهم ويهملون الخالق.

اطلبوا
الرب فتحيوا. بشّروا بالإنجيل بحكمة، فترافقكم قدرة محبة الله. وويل للأرض بدون
الإنجيل! لأن الشعوب تفترس بعضها بعضاً كذئاب جائعة.

الصلاة:
أيها الآب، اغفر لنا أنانيتنا، واجعلنا صانعي السلام بواسطة التبشير بصليب ابنك.
ارحمنا لنُشبع الجياع بخيراتك، ونضيء للضالين بالحكمة، ونعزّي البائسين. احفظنا من
الضلال المزمع أن يهبط على العالم، لأنك أنت الوحيد الذي تخلّصنا من خطايانا. نحن
في حاجة ماسة إلى ابنك المخلّص الوحيد.

 

3 –
يسلّمونكم إلى ضيق (24: 9-14)

24: 9
حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ
مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ ٱلأُمَمِ لأَجْلِ ٱسْمِي. 10 وَحِينَئِذٍ
يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ
بَعْضاً. 11 وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.

يرسل
المسيح سلامه إلى الأمم والمدن والقرى والمخيمات، فالمستعدون للإيمان يتوبون
ويدخلون إلى رحاب المسيح، ويسلكون في قوة الروح القدس طاهرين، ويصبحون أنواراً في
الظلمة المتكاثرة جداً. بيد أن كل الذين يفضّلون المال على الله، ويغتصبون السلطة
ويغرقون في النجاسة، ويرفضون التوبة الحقة، مصرّين على ظنونهم أنهم صالحون، فهؤلاء
يقسّون أنفسهم تجاه خلاص الإنجيل تدريجياً، ويبغضون النور، ويكرهون رسل الله،
ويقتلون الذين أشفقوا عليهم سابقاً، وقسموا الخبز معهم في ساعات الحرج والضيق، لأن
الروح الشيطاني يضاد الله والمولودين من روحه. وهذا المبدأ ينطبق على كل الأزمنة
والأمكنة حتى لو اختلفت المظاهر الخارجية نوعاً ما.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر المزامير 40

ولكن
في نهاية الزمن ستزداد البغضة ضد المسيح، حتى أن السلطات تحكم على أتباعه، وتجعلهم
مسؤولين عن ضيقات العالم.

فلا
تتعجب. فإنه بمقدار ما يُجري الله بواسطتك من القوة والمحبة في عالم البغضاء،
فبهذا المقدار يرفضونك ويعذّبونك. ليس لنا في هذه الدنيا وعد بحياة مريحة، بل
المسيح يدعوك للضيق والموت بدون أن يفارقك سروره.

وخيانة
الإخوة هي أشد الأمور مرارة. إن احتقار العالم لسفراء المسيح مفهوم، ولكن الاحتيال
وشهادة الزور أمام السلطات من الإخوة يحزّ في نفوسنا ويدميها! فلا تبغض أخاً ولو
أنكرك، لأنه قد سقط غنيمة لحيلة الشيطان. فصَلّ لأجله وأحبَّه واحتملهُ كما احتمل
المسيح خائنه يهوذا إلى المنتهى قائلاً له: «يا صاحب، لماذا جئت؟».

 

24:
12 وَلِكَثْرَةِ ٱلإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ ٱلْكَثِيرِينَ. 13
وَلٰكِنِ ٱلَّذِي يَصْبِرُ إِلَى ٱلْمُنْتَهَى فَهٰذَا
يَخْلُصُ. 14 وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ
ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي
ٱلْمُنْتَهَى.

كلنا
عائشون في جو مسمّم، لكن المسيح يضع يده علينا ويحررنا من الحقد ويمنحنا محبته
الخاصة، لأن لطف المسيح وحده يقدر أن يغلب ظلمة أيامنا الأخيرة. ولكن من لم يثبت
بتصميم في الصبر الإلهي سيسقط من المسيح، لأن أساليب الشيطان ماكرة وقوية.

فيا
أخي القاريء، انظر إلى المسيح، كيف غفر على الصليب لأعدائه ذنوبهم، وخلّص اللص
التائب، وثبت صابراً في عاصفة غضب الله على ذنوبنا. فالمسيح تألم بلا تذمّر، وأحب
بلا انقطاع. فلا تقدر أن تحتمل بغضة زملائك بقدرتك الخاصة، بل الرب يقوّيك إلى
محبة فائقة. فالتجيء إلى يسوع ليقوّيك، فيحل في نفسك الضعيفة مانحاً لك التأني
واللطف والمحبة السماوية، لأنك بدونه لا تقدر أن تعمل شيئاً بنّاءً.

وأما
الصَبور فيخلص. والمسيح مستعد أن يحمل نيرك معك، فتتعلم منه، لأنه وديع ومتواضع
القلب، فتجد راحة لنفسك.

والرب
يخبرنا أن للأرض والكون نهاية، فلماذا نعيش كأنه لا نهاية لحياتنا وجنسنا؟ المنتهى
قريب جداً. لقد أعطانا موسى المفتاح للسلوك الحكيم بقوله «إحصاء أيامنا هكذا
علّمنا، فنؤتَى قلب حكمة» (مزمور 90: 12).

الصلاة:
أيها الرب يسوع، نشكرك لأنك تأتي إلينا لتحمينا. علّمنا أن نحب كل الناس ونقدّم
إليهم قوة الإنجيل الفعَّال. علّمنا الصبر واحتمال الآلام، كما يسهر عبيدك في كل
الأرض مصلّين: تعال أيها الرب يسوع.

 

4 –
خراب أورشليم (24: 15-22)

24:
15 فَمَتَى نَظَرْتُمْ (رِجْسَةَ ٱلْخَرَابِ) ٱلَّتِي قَالَ عَنْهَا
دَانِيآلُ ٱلنَّبِيُّ قَائِمَةً فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْمُقَدَّسِ
لِيَفْهَمِ ٱلْقَارِئُ 16 فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ ٱلَّذِينَ فِي
ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجِبَالِ، 17 وَٱلَّذِي عَلَى
ٱلسَّطْحِ فَلا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً، 18
وَٱلَّذِي فِي ٱلْحَقْلِ فَلا يَرْجِعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ
ثِيَابَهُ. 19 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَٱلْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ
ٱلأَيَّامِ! 20 وَصَلُّوا لِكَيْ لا يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلا
فِي سَبْتٍ، 21 لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ
مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلآنَ وَلَنْ يَكُونَ. 22
وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ ٱلأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ.
وَلٰكِنْ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ ٱلأَيَّامُ.

بعدما
لخَّص المسيح مباديء الدينونة التي ستقع على العالم كله في الأيام الأخيرة قبيل
مجيئه، أوضح لتلاميذه عقوبات الله المزمعة أن تأتي على أورشليم، لأن الأمة
اليهودية صلبت ابن الله.

قال
المسيح إنهم عندما يرون «رجسة الخراب» قائمة في المكان المقدس، فليهربوا من
أورشليم بدون تباطؤ. ورجسة الخراب هي الرجسة التي تسبّب الخراب. ولذلك تفسيران:
(أ) حصار الرومان لأورشليم بجيشهم الذي تتقدمه تماثيل قيصر، وعصي تحمل تماثيل
النسور. وهذا التفسير يؤيده قول المسيح كما أورده لوقا «متى رأيتم أورشليم محاطة
بجيوش» (21: 20). (ب) تدنيس اليهود الغيورين للهيكل بأن قتلوا فيه الكهنة فسال
دمهم فيه. وقد يكون التفسيران صحيحين. فالتفسير الأول رجسة خارجية، والتفسير
الثاني رجسة داخلية.

وقال
المؤرخ المسيحي أوسابيوس أن المسيحيين لمَّا رأوا «رجسة الخراب» هربوا إلى بلاّ
;ثممش، المدينة في شمال أرض بيرية، فلم يصبهم سوء.

لقد
نجا المسيحيون من الضيق الرهيب الذي حلَّ باليهود، وقال يوسيفوس إن الرومان قتلوا
أحد عشر مليون يهودي. ولكن الله قصَّر تلك الأيام عمَّا كان معتاداً في أوقات
الحصار التي كانت تطول سنوات. فقد سقطت أورشليم بعد حصار خمسة أشهر فقط. وقد قصَّر
الله تلك الأيام لأجل المختارين الذين هم المسيحيون الحقيقيون.

 

5 –
مُسحاء كذَبة (24: 23-26)

24:
23 حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا ٱلْمَسِيحُ هُنَا أَوْ
هُنَاكَ فَلا تُصَدِّقُوا. 24 لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ
وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى
يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً. 25 هَا أَنَا قَدْ
سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. 26 فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي
ٱلْبَرِّيَّةِ فَلا تَخْرُجُوا! هَا هُوَ فِي ٱلْمَخَادِعِ فَلا
تُصَدِّقُوا!

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر التثنية 04

آمن
اليهود أنه في آخر ساعة الضيق يرسل الله مسيحه مخلّصاً، ومعه جيوش الملائكة
لعَوْنهم. ولكنهم خسروا لأن الله لم يكن معهم، إذ صلبوا ابنه الوديع. إنما بقوا
ينتظرون المسيح حتى اليوم، غير مدركين أنه قد أتى.

أما
نحن فعلينا السهر والحذر والانتباه لكيلا نسقط غنيمة للمسيح الكذَّاب، الدجال
المضل، الذي سيكون شخصية تاريخية هائلة، ابن الشيطان بالذات. فلا نقبل رباً آخر
إلا يسوع المسيح المُقام من بين الأموات، الجالس عن يمين الآب، وهو آتٍ في سحاب
السماء.

وإبليس
إذ يعرف أن وقته قصير، وأن العالم يسارع إلى المنتهى، يرسل أنبياءه ورسله ومسحاءه
لإضلال الشعوب. وكلمة «المسيح» عادة تعني الممسوح بالدهن، كنبي أو كاهن أو ملك،
الذي أصبح مسؤولاً للدين والدولة أمام الله.

ومنذ
مات المسيح على الصليب كرئيس الكهنة الحق، أتى مئات الأنبياء ورسل الشيطان،
مدَّعين أنهم مسحاء من قِبَل الله، مخلّصين للعالم.

لكن
مسيحنا العظيم هو المصلوب الذي صالحنا مع الله، ويقدر على تغيير القلوب، ويدعو
أتباعه إلى ملكوته. ولكن المسيح الكذَّاب يعمل عكس ذلك.

قال
المسيح ثلاث مرات «احترسوا من المسحاء الكذبة» لأن المضلّين يضلونكم للاتكال على
النفس. أما حَمَل الله فيغفر الذنوب، ويمنح الحياة الأبدية للمؤمنين الملتصقين به.
فانتبه خاصة من المسيح الكذَّاب الأخير، ولا تنس أن الدجَّال الكبير يأتي قبيل
المسيح الحق.

الصلاة:
أيها الآب، نشكرك لأنك ولدتنا ثانية بدم الحبيب وقوة روحك القدوس وجعلتنا أهلاً
لملكوتك. احفظنا في التواضع لنتمسّك بالصليب. سدّ أذنينا لكيلا نصغي إلى وسوسات
المسيح الكذَّاب. أعطنا الثبات في ابنك مع كل مختاريك في العالم.

 

6 –
علامات المجيء الثاني للمسيح (24: 27-41)

24:
27 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ
وَيَظْهَرُ إِلَى ٱلْمَغَارِبِ، هٰكَذَا يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ
ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. 28 لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ ٱلْجُثَّةُ
فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ ٱلنُّسُورُ. 29 وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ
تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لا يُعْطِي ضَوْءَهُ،
وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ
ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30 وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلامَةُ ٱبْنِ
ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ
ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ
ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31 فَيُرْسِلُ مَلائِكَتَهُ بِبُوقٍ
عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ
ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.

تسقط
الصواعق على أهدافها فجأة، وهكذا سيكون المجيء الثاني للمسيح، ظاهراً ببهائه بسلطة
ومجد عظيم، فتبدو السماء كأنها محترقة ملتهبة، والأرض متزلزلة متضعضعة، لأن الخالق
يأتي بكل سلطانه للحصاد الأخير.

والعالم
لا يكون مستعداً لمجيء المسيح وقبوله. وكما تطير النسور في الفضاء وتدور حائمة فوق
فرائسها، وتسطو عليها وتنهش منها قبل لفظها الروح، هكذا سيأتي المسيح الكذَّاب
بجيوشه ليأكل الكنيسة والعالم أجمع قبيل النهاية، ويكون الاضطهاد عظيماً على أتباع
يسوع.

وقبيل
مجيء المسيح القاطع ستحدث تغيرات كونية طبيعية، فيغطي الدخان والغبار الشمس
والقمر، وتزيد البرودة والصقيع على سطح الأرض، لأن أشعة الحرارة الشمسية لا تصل
إلى سطح كرتنا بسهولة.

وهذه
التغيرات في الفضاء تدل أيضاً على الصراع الروحي، لأن المسيح يأتي مع كل ملائكته
منتصراً على جيوش السلطات الظالمة، فتغلي جهنم قبل مجيء ابن الله بغيظ عظيم، لأنها
لا تقدر أن تمنع مجيء القاضي الأزلي. وكل الناس سيرون علامة ابن الإنسان في
السماء.

في
ذلك الوقت سيكمل الروح القدس تعزيته فينا نحن المؤمنين، ويحيينا ويقيمنا لنفرح
ونتقدم إلى ربنا المحبوب بالهتاف ويقين الضمير، أما كل إنسان غير مولود بروح الله
فييأس ويولول، ويصرخ: يا ليتني متُّ قبلاً. ولا أقدر أن أموت، لأنه لا توجد أماكن
للهروب من نور الله!

أيها
الأخ، إرجع إلى ربك واعترف له بذنوبك، فيطهّرك دم المسيح تطهيراً أبدياً، وروحه
القادر يحييك ويجددك.

 

24:
32 فَمِنْ شَجَرَةِ ٱلتِّينِ تَعَلَّمُوا ٱلْمَثَلَ: مَتَى صَارَ
غُصْنُهَا رَخْصاً وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلصَّيْفَ
قَرِيبٌ. 33 هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً، مَتَى رَأَيْتُمْ هٰذَا
كُلَّهُ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى ٱلأَبْوَابِ. 34 اَلْحَقَّ
أَقُولُ لَكُمْ: لا يَمْضِي هٰذَا ٱلْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ
هٰذَا كُلُّهُ. 35 اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولانِ وَلٰكِنَّ
كَلامِي لا يَزُولُ. 36 وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ
ٱلسَّاعَةُ فَلا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلا مَلائِكَةُ
ٱلسَّمَاوَاتِ، إِلاّ أَبِي وَحْدَهُ.

تنبأ
المسيح لنا أن الأرض والقمر وعوالم النجوم ستزول حتماً، كما ألهم الروح القدس بطرس
بهذه الحقائق، فكتبها في رسالته الثانية 3: 8-13. فإن قرأت هذه الحقائق ترَ أن كل
مخلوق يزول لأنه خاطيء وبعيد عن خالقه. فلهذا السبب يزول الكون ويحترق كله، لأن
جميعنا مستحقون الموت ولكن الله وعد في نعمته الفائقة أنه سيخلق سماءً جديدة
وأرضاً جديدة يسكن فيها البر والسلام.

فعلينا
الاعتراف بأن أموراً كثيرة ستحدث تمهيداً لمجيء المسيح، ولو ْننا لا نعرف كل
تفاصيلها. والغبي هو الذي يدَّعي معرفة كل شيء. والبصير يوحنا رأى في رؤياه على
جزيرة بطمس أن الحَمَل الذبيح هو الوحيد المستحق أن يفتح ختوم دينونات الله. فتاريخ
البشر بين يديّ المسيح.

 

24:
37 وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ
ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. 38 لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي ٱلأَيَّامِ
ٱلَّتِي قَبْلَ ٱلطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ
وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي دَخَلَ
فِيهِ نُوحٌ ٱلْفُلْكَ، 39 وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ
ٱلطُّوفَانُ وَأَخَذَ ٱلْجَمِيعَ، كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً
مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. 40 حِينَئِذٍ يَكُونُ ٱثْنَانِ فِي
ٱلْحَقْلِ، يُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ ٱلآخَرُ. 41 اِثْنَتَانِ
تَطْحَنَانِ عَلَى ٱلرَّحَى، تُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ
ٱلأُخْرَى.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس الكنيسة القبطية عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 06

قُبَيل
الطوفان أمر الله نوحاً أن يصنع فلك الخلاص لنفسه وعشيرته، فاستهزأ أصدقاؤه به
وحسبوه مجنوناً، حتى غرقوا في طوفان غضب الله يائسين. أما نوح فآمن بكلمة الله
وأطاع هُداه، رغم المستهزئين حوله، فخلص مع عائلته.

والمسيح
هو فلك خلاصنا لا غيره. إنه يقدّم لنا الحماية من غضب الله، ويغفر ذنوبنا، ويمنحنا
الحياة السرمدية، ويغذّينا بكلمته المقدسة. فتعال إلى مخلّصك، واتحد به في عهده
الجديد فتعيش معه إلى الأبد.

ونرى
في تاريخ البشر أنه قبل حصول تغيّرات تاريخية هامة، يصير الناس فاسدين سطحيين، رغم
شعورهم بأن الخراب قادم! وقد وصف يسوع الوقت قبل مجيئه بأن الناس يكونون آكلين
وشاربين ومتزوجين. فلا يعني هذا أن الأكل والشرب والزواج خطية، بل أن الناس يعملون
كل ذلك بدون الله، وبعيداً عنه بسطحية وغرور.

ولم يخبر
المسيح المؤمنين مسبقاً عن ساعة مجيئه، لأنهم مستعدون لاستقباله في كل حين، سواء
كانوا في ساعات اليقظة والشغل حين تشرق الشمس في نصف الكرة الأرضية نهاراً، أو حين
ينامون في الليلة الدامسة في النصف الآخر.

إن
محبة المسيح ستجتذب الأحياء في الروح من بين الأموات في الخطايا، لتوحيد أبدي مع
مخلّصهم الفادي. فهل أصبحت اليوم واحداً مع المسيح في الروح؟ وهل أدركت أن الرب
نفسه يشتاق إليك وإلى كل المؤمنين؟

الصلاة:
أيها الآب السماوي، نعظّمك لأن ابنك الحبيب أوجد لنا رجاءً حياً. إحفظنا من
السطحية والتخيلات؟ وامحُ معاصينا وثبّتنا في ابنك المخلّص لينجينا من ساعات
الدينونة ويحفظنا إليه؟ مع كل المتغيّرين من الأنانية إلى المحبة ومن الحقد إلى
السماح.

 

7 –
اسهروا (24: 42- 51)

24:
42 اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي
رَبُّكُمْ. 43 وَٱعْلَمُوا هٰذَا أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ
ٱلْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي ٱلسَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ
يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44 لِذٰلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً
مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ.

يأمرنا
المسيح أن ننتبه ونسهر منتظرين مجيئه. وهذا يعني أنه يتأخر وأن أحباءه ينعسون.
وليس أحد يعرف بدقة متى يأتي فعلاً، فالبعض يفكرون ويقولون: لا يأتي بتاتاً.
وبعضهم يقول: قد أتى وهو بيننا الآن مستتراً. فالمسيح يوبّخنا ويأمرنا بالاستعداد
واليقظة الروحية، لأنه يأتي فجأة على غير ميعاد، وبهدوء وسرية كسارق في الليل.

 

24:
45 فَمَنْ هُوَ ٱلْعَبْدُ ٱلأَمِينُ ٱلْحَكِيمُ ٱلَّذِي
أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ ٱلطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟
46 طُوبَى لِذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ ٱلَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ
يَجِدُهُ يَفْعَلُ هٰكَذَا! 47 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ
عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. 48 وَلٰكِنْ إِنْ قَالَ ذٰلِكَ
ٱلْعَبْدُ ٱلرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. 49
فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ ٱلْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ
ٱلسُّكَارَى. 50 يَأْتِي سَيِّدُ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ فِي يَوْمٍ
لا يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُهَا، 51 فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ
نَصِيبَهُ مَعَ ٱلْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ
ٱلأَسْنَانِ.

أبناء
الله أمناء لأبيهم منسجمون مع مقاصده، ويخضعون لمسيحهم لأنه ربهم، ويسمّون أنفسهم
عبيده. وهذه العلاقة ليست مبنيّة على خوف بل على المحبة والشكر للفداء. والمؤمنون
لا يسلّمون أنفسهم للمسيح مرغمين، بل يقبلونه حباً. ويتطور قبوله في قلوبهم، إلى
طاعة بفرح.

فمن
يسلّم قلبه للرب بلا قيد ولا شرط يؤهّله المسيح لخدمته في ملكوته، أي في الكنيسة.
وإحدى هذه الخدمات هي تقديم الغذاء الروحي لأعضاء عائلة الله. ربما يقودك المسيح
لشهادة واضحة في مدرستك، ليتشجّع زملاؤك بكلامك. هل في محيطك إنسان جائع لبشرى
الخلاص؟ هل سمع زملاؤك في مصنعك كلمة الصليب؟ وهل التقى أصدقاؤك بمخلّصهم، لأنك وضّحت
محبته لهم؟ هل أنت أمين في خدمتك الموهوبة لك؟ فإن كنت أميناً في القليل فسيستودعك
ربك أنفساً كثيرة وخدمات متنوعة.

ويل
لمن دعاه المسيح لخدمة الآخرين، فعاش لنفسه ولم يهتم بدعوة الله! وويل لمن نسي
أعضاء كنيسته ولم يحبهم! فهذه التصرفات تدل على أن ذلك العبد الشرير نسي مجيء ربه
القريب. فترقُّب إتيان المسيح يحفظنا من الكَسَل، ويثبّتنا في الوعي والتواضع
ويحرّضنا إلى الإقامة في خدمات متواصلة وبذل النفس، حتى نشتاق إلى تقديس أنفسنا،
لنقف متزيّنين ساعة التقائه. فمن يشتاق إلى مجيء ابن الله، يرتب كل أمور حياته
وبيته وكنيسته. ويرجو حصول الموعود بسرور.

الصلاة:
أيها الرب يسوع، أعترف إنني لم أكن حكيماً ولا أميناً في الخدمة التي دعوتني إليها
وأوكلتني بها. إغفر لي إهمالي وتقصيراتي العديدة، وقدّسني لبداية متجددة في خدمتك،
بقوة روحك القدوس، لتتجسد محبتك في ضعفي. فأصبح أميناً كما أنك أمين لي بمحبتك
العظيمة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي