تَفْسِير إِنْجِيلِ مَتَّى

 

منيس عبد النور

تأملات في موعظة
المسيح على الجبل

شريعة المسيحية
نحو الارتقاء الروحي

 

موجز
الموعظة على الجبل

مقدمة
متى 5 : 1، 2

الفصل
الأول : درجات الارتقاء الروحي متى 5 : 3-12

1-
درجة الشعور بالحاجة إلى الله «طوبى للمساكين» 3

2-
درجة التوبة «طوبى للحزانى» 4

3-
درجة الوداعة «طوبى للودعاء» 5

4-
درجة الجوع والعطش «طوبى للجياع والعطاش» 6

5-
درجة مشاعر الرحمة «طوبى للرحماء» 7

6-
درجة نقاوة القلب «طوبى ل لأنقياء القلب» 8

7-
درجة صُنع السلام «طوبى لصانعي السلام» 9

8-
درجة احتمال الألم «أحبوا أعداءكم» 10-12

الفصل
الثاني : تأثير الارتقاء الروحي متى 5 : 13-16

1-
تأثير الملح في الأرض 13

2-
تأثير النور في العالم 14-16

الفصل
الثالث : شريعة جديدة للارتقاء الروحي متى 5 : 17-20

1-
الشريعة القديمة 17، 18

2-
الشريعة الجديدة 19، 20

الفصل
الرابع : الارتقاء في المصالحة متى 5 : 21-26

1-
الشريعتان القديمة والجديدة 21، 22

2-
واجب المؤمن نحو أخيه 23، 24

3-
واجب المؤمن نحو خصمه 25، 26

الفصل
الخامس : الارتقاء في الطهارة متى 5 : 27-32

1-
تكميل الشريعة القديمة 27، 28

2-
طريق الارتقاء الروحي 29، 30

3-
الارتقاء مع شريك الحياة 31، 32

الفصل
السادس : الارتقاء في الصدق متى 5 : 33-37

1-
الشريعة القديمة 33

2-
الشريعة الجديدة 34-37

3-
القسَم في المحكمة

الفصل
السابع : الارتقاء في التسامح متى 5 : 38-42

1-
الشريعة القديمة 38

2-
الشريعة الجديدة 39-42

الفصل
الثامن : الارتقاء في المحبة متى 5 : 43-48

1-
الشريعة القديمة 43

2-
الشريعة الجديدة 44

3-
دوافع الارتقاء الروحي 45-48

الفصل
التاسع : الارتقاء في تقديم الصدقة متى 6 : 1-4

1-
صدقة المرائين 1، 2

2-
صدقة المؤمنين 3، 4

الفصل
العاشر : الارتقاء في الصلاة متى 6 : 5-15

1-
صلاة المرائين 5

2-
صلاة المؤمنين 6-8

3-
نموذج الصلاة 9-13

4-
روح المصلي 14، 15

الفصل
الحادي عشر : الارتقاء في الصوم متى 6 : 16-18

1-
صوم المرائين 16

2-
صوم المؤمنين 17، 18

الفصل
الثاني عشر : الارتقاء في الاستثمار متى 6 : 19-23

1-
استثمار أهل الأرض 19

2-
استثمار المؤمنين 20-23

الفصل
الثالث عشر : الارتقاء في الطمأنينة متى 6 : 24-34

1- ما
يضيِّع الطمأنينة 24-30

2- ما
يضمن الطمأنينة 31-34

الفصل
الرابع عشر : الارتقاء في العلاقات متى 7 : 1-6

1-
الله ديان الجميع 1، 2

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر العدد 03

2- إن
فينا عيوباً 3-5

3-
وهناك من يستحق الإدانة 6

الفصل
الخامس عشر : الارتقاء في الطلب متى 7 : 7-12

1-
ضرورة الطلب 7، 8

2-
تأكيد الاستجابة 9-11

3-
القاعدة الذهبية 12

الفصل
السادس عشر : الارتقاء في الاختيار متى 7 : 13، 14

1-
الباب الواسع والطريق الرحب 13

2-
الباب الضيق والطريق الكرب 14

الفصل
السابع عشر : الارتقاء في الاحتراس متى 7 : 15-23

1-
الأنبياء الكذبة ذئاب خاطفة 15

2-
الأنبياء الكذبة أشجار ردية 16-20

3-
الأنبياء الكذبة أصحاب ديانة كلام 21-23

الفصل
الثامن عشر : الامتحان الأخير متى 7 : 24-27

خاتمة
متى 7 : 28، 29

مسابقة
الكتاب

 

مقدمة

«1
وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ. فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ
إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ، 2 فَفَتَحَ فَاهُ وَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً : » (متى 5 : 1،
2).

 

قدَّم
البشير متى في بشارته (الأصحاحات الثلاثة 5-7) ما علَّم المسيح به عن شريعته
الجديدة، التي تكمل شريعة موسى القديمة، دون أن تنقضها- وذلك في ما سمّاه القديس
أغسطينوس «الموعظة على الجبل». وقد ألقى المسيح هذه العظة من على جبل تحيطه
الخُضرة ويغمر محيطه السلام، وأعلن فيها ما يجب أن تكون عليه الطبيعة الجديدة
لأتباعه وتصرفاتهم من ارتقاء روحي بعد أن يلبّوا نداءه «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ
اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ» (متى 4 : 17) فلا يتشبَّهون بأهل العالم (متى
6 : 8) بل يحيون حياة مقدسة مكرَّسة لله، ويزيد برُّهم عن بر معاصريهم بمن فيهم
رجال الدين (متى 5 : 20)، فيضيء نورهم وسط الظلام، ويرى الناس أعمالهم الحسنة
ويمجدوا أباهم الذي في السماوات (متى 5 : 16)، لأنهم يحبون الجميع بمن فيهم
الأعداء.

 

ولا
شك أن المسيح ألقى بعض هذه التعاليم في أماكن مختلفة، إذ يذكر لنا البشير لوقا
بعضاً منها ألقاها المسيح في ما يُعرف «بموعظة السهل» (لوقا 6 : 20-49).

 

ولم
يقصُر المسيح تعليمه هذا على تلاميذه الاثني عشر، بل ألقاه على كل من قَبِل أن
يكون له تلميذاً، فيقول البشير متى إنه « لَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ
تَلاَمِيذُهُ » (متى 5 : 1). وقد سمع هذه العظة وقت إلقائها كثيرون من غير تلاميذه
فانبهروا بها عند سماعها، لأنه كان يعلِّم بسلطان، وليس مثل الكتبة الذين كانوا
يستمدون سلطانهم من اقتباس ونقل ما سبق أن قاله القدماء (متى 7 : 28، 29).

هل تبحث عن  م التاريخ مجامع الكنيسة مجامع مسكونية المجامع المسكونية والهرطقات 10

 

وكانت
عادة الواعظ والمعلم أن يجلس، فيجتمع حوله تلاميذه وأتباعه ليسمعوه، ولعلنا لهذا
لا زلنا اليوم نقول «كرسي الأستاذية». فعلى كرسي التعليم جلس المسيح.. « فَفَتَحَ
فَاهُ وَعَلَّمَهُمْ» وهو تعبير يعني أهمية ما سيُقال، وأنه من أعماق قلب المعلم.
فيجب أن يحتلَّ ما قاله مكانته في أعماق قلوب سامعيه.

 

بين
شريعة موسى وشريعة المسيح :

تلقَّى
موسى «كليم الله» شريعة العهد القديم على جبل سيناء القاحل، أما المسيح «كلمة
الله» فقدَّم شريعة العهد الجديد على جبل قرن حطين المغطى بالخضرة والورود. وما
أبعد الفرق بين الجبلين، فيقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين لتلاميذ المسيح : «
لأَنَّكُمْ لَمْ تَأْتُوا إِلَى جَبَلٍ مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِالنَّارِ، وَإِلَى
ضَبَابٍ وَظَلاَمٍ وَزَوْبَعَةٍ، وَهُتَافِ بُوقٍ وَصَوْتِ كَلِمَاتٍ اسْتَعْفَى
الَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ أَنْ تُزَادَ لَهُمْ كَلِمَةٌ، لأَنَّهُمْ لَمْ
يَحْتَمِلُوا مَا أُمِرَ بِهِ، وَإِنْ مَسَّتِ الْجَبَلَ بَهِيمَةٌ تُرْجَمُ أَوْ
تُرْمَى بِسَهْمٍ، وَكَانَ الْمَنْظَرُ هَكَذَا مُخِيفاً حَتَّى قَالَ مُوسَى :
أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ! بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى.. وَسِيطِ الْعَهْدِ
الْجَدِيدِ : يَسُوعَ » (عبرانيين 12 : 18-24).

 

كيف
نقدر أن نمارس الشريعة المسيحية؟

قال
القديس أغسطينوس أسقف هِبّو في شمال أفريقيا (354-430م) إن هذه الموعظة هي القاعدة
الكاملة للحياة المسيحية المثالية، وهي الشريعة الجديدة. وقال الكاتب الروسي
تولستوي إنها تتلخَّص في خمس وصايا : كبت كل غضب، والطهارة، وعدم القَسَم، وعدم
المقاومة، ومحبة الأعداء بلا حدود. وقال إنها لو أُطيعت حرفياً لقَضَت على شرور
العالم.

 

هذه
الموعظة بالغة المثالية، فهي تتحدَّث عن ثماني درجات من الرقي الروحي، وهي صفات
مثالية للمسيحي الحقيقي (متى 5 : 3-12)، وتتحدث عن تأثير المسيحي في مجتمعه كملحٍ
للأرض ونورٍ للعالم (متى 5 : 13-16)؛ وعن أخلاقيات المسيحي الذي ارتقى درجات السلم
الروحي (متى 5 : 17-48)؛ وعن عبادته في الصدقة والصلاة والصوم (مت 6 : 1-18)؛ وعن
موقفه من الماديات (متى 6 : 19-34)؛ ومسؤولياته نحو مجتمعه (متى 7 : 1-12)؛ وما
ينتظره في حياته الأبدية (متى 7 : 13-21).

 

وقد
يدَّعي البعض أن الموعظة على الجبل تعلِّم أن الإنسان يخلُص بأعماله، بدليل أن
المسيح يطوِّب صفاتٍ يتحلى بها المؤمنون السعداء، لكن الواقع أن كل من يحاول أن
يعيش هذه المبادئ بقدرته الشخصية وجهاده الذاتي لا بد أن يفشل، لأنها بالغة السمو
بعيدة المنال. وهذا ما نسمّيه «الفشل المبارك» الذي يضطرُّ الشخص الفاشل لأن يلجأ
إلى مراحم الله، ويلقي بنفسه تماماً على نعمة الرب، فيختبر قول الوحي : «
وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي
سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هَذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ
سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ
الْمَعْصِيَةِ.. اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ
مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ
بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ- بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ-
وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ
يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ
بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ
مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.
لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ،
مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ
فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا » (أفسس 2 : 1-10).

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياتة المسيح يصلي لأجل تلاميذه ه

 

فعليك
قبل أن تتأمل شريعة المسيح أن تقبله مخلِّصاً لك، وتقول : «وَيْحِي أَنَا
الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ!» (رومية 7 : 24) وترفع عينيك مؤمناً بالمسيح المخلِّص،
معترفاً بخطاياك، فيغفرها لك ويُنعم عليك بالتبني، فتهتف شاكراً : «إِذاً لاَ
شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،
السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. لأَنَّ نَامُوسَ
رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ
الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ فِي
مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ
الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ
يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ
بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ» (رومية 8 : 1-4).

إنه
واقف على باب قلبك يطلب الدخول، قائلاً : « هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ
وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ
وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3 : 20). فإذا دَعَوْتَه ليدخل قلبك يتم
فيك القول : « إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ.
الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً»
(2كورنثوس 5 : 17). وبهذا وحده تعتمد على تغيير المسيح لحياتك، فتقدر أن تبدأ رحلة
حياة جديدة ترتقي فيها في الروحيات، وتمارس شريعتها كما جاءت في الموعظة على الجبل
« لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ
أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (فيلبي 2 : 13) و«أَمِينٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُوكُمُ الَّذِي
سَيَفْعَلُ أَيْضاً» (1تسالونيكي 5 : 24).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي