"فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا تلبس؟
فإن هذه كلها تطلبها الأمم" (مت 6: 32).

 

أترون
كيف يُخجلهم من جديد، ويُظهر أنه لم يأمرهم بشيء مرهق أو ثقيل، لذلك عندما قال
"إن أحببتهم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم، أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك؟ أو
ليس الأمم يفعلون ذلك" وهو يحثهم هنا على شيء أعظم، وهكذا يدفعهم للأمام
ويوبخهم مشيرًا أن ما يطلبه منا هو دَيْن ضروري. لأننا إن كان من المحتم علينا أن
نسلك أفضل من الكتبة والفريسيين. فما الذي نستحقه؟ إن كنا لا نتجاوز هذا القدر، بل
نقبع على حال الأمم المتردية، ونحاكي صغر نفوسهم؟

 ولم
يقف الرب عند حد التوبيخ، بل إثارة الهمم بهذا الأسلوب. وهو يُخجلهم بقوة التعبير
لأنه في موضع آخر يعود فيعزيهم قائلاً: "أبوكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى
هذه كلها" ولم يقل "الله يعلم" بل "أبوكم السماوي يعلم"
ليقودهم إلى الرجاء الأعظم فيه، لأنه إن آبا ولا آب آخر سواه، فإنه لن يتوانى عن
أولاده أبدًا، في شدة الشرور، مُظهرًا أن الناس وهم آباء لا يحتملون أن يفعلون
بأبنائهم هذا. ويضيف بُعدًا آخر للنقاش هنا؛ أنهم يحتاجون إلى هذه كلها. فهذه
الأشياء ليست من النوافل التي لا لزوم لها، حتى أنه لا يهتم بها. فمع إنه في
الأشياء قليلة الشأن يهتم جدًا، كما في حال العشب. فإنه في هذه الأشياء التي تبدو
ضرورية، وموضع اهتمامكم، هي بالأمر الكافي أن يبعدكم عن هذا الاهتمام. فإن كنتم
تقولون يجب علينا التفكير والاهتمام بهذه الأشياء الضرورية. أقول: على العكس- كلا.
لأنه بسبب أنها ضرورية لا تهتموا- لأنه لو كانت تافهة لا لزوم لها، ما وجب علينا
حتى أن نيأس، بل أن نشعر بالثقة لنوالها. ولكن إذ نتحدث عن أشياء ضرورية، فلا يجب
بعد أن نشك في أمر الحصول عليها، لأنه ما من أب يفشل في إعطاء أولاده ما يحتاجون من
ضروريات. ومن المؤكد أن الله يعطيهم أيضًا احتياجاتهم: لأنه خالق طبيعتنا، والذي
يعرف تمامًا احتياجاتنا. لهذا لا يمكنكم القول: "هو في الحقيقة أبونا،
والأشياء التي نطلبها ضرورية، لكنه لا يعرف أننا نحتاج إليها!" لأن الذي يعرف
طبيعتنا ذاتها لأنه جابلها- وقد خلقها على ما هي عليه- بالتأكيد يعرف احتياجاتها
أيضًا أفضل منكم أنتم المحتاجون إلى ما يلزمها. إذ أصبحت طبيعتنا بموجب قانونه هو
في مثل هذا الاحتياج، لهذا لا يناقض نفسه فيما أراده، فيعرضها للضرورة والاحتياج.
فلا يحرمها من حاجاتها الضرورية والملحة. لهذا، دعنا لا نهتم، لأننا لن ننال شيئًا
من جراء هذا الاهتمام. بل نعذب أنفسنا، لأنه يعطينا، سواء كنا نهتم أو لا نهتم،
والأكثر حين لا نهتم. فما الذي نربحه من قلقنا غير عقوبة لا لزوم لها، لأن المرء
حين يذهب إلى حفل بهيج زافر بالأطايب، لا يهتم ولا ينشغل بالطعام. والذي يسير نحو
نبع ماء لا يقلق من جهة الشرب. لهذا إذ نرى أن لنا وفرة أكثر سخاءً من أيّ شبع أو
من أيّ ولائم بغير حصر، مجهزة قبلاً، وهي العناية الإلهية. فلماذا نصير متسولين
ضيقي الأفق؟.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر طوبيا خادم المسيح ح

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي