الإصحَاحُ
الْخَامِسُ عَشَرَ

 

11-
يسوع أمام المحكمة المدنية (الأصحاح 15: 1-15)

 1وَلِلْوَقْتِ
فِي ٱلصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ
وَٱلْكَتَبَةُ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا
بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاطُسَ.

2فَسَأَلَهُ
بِيلاطُسُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ: «أَنْتَ تَقُولُ».
3وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيراً. 4فَسَأَلَهُ
بِيلاطُسُ أَيْضاً: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدونَ عَلَيْكَ!»
5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضاً بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاطُسُ. 6وَكَانَ
يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيراً وَاحِداً مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ
ٱلْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقاً مَعَ رُفَقَائِهِ فِي ٱلْفِتْنَةِ
ٱلَّذِينَ فِي ٱلْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8فَصَرَخَ ٱلْجَمْعُ
وَٱبْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِماً يَفْعَلُ
لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاطُسُ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ
ٱلْيَهُودِ؟». 10لِأنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ كَانُوا
قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ
ٱلْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِٱلْحَرِيِّ بَارَابَاسَ.
12فَسَأَلَ بِيلاطُسُ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِٱلَذِي
تَدْعُونَهُ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟» 13فَصَرَخُوا أَيْضاً: «ٱصْلِبْهُ!»
14فَسَأَلَهُمْ بِيلاطُسُ: «وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟» فَٱزْدَادُوا جِدّاً
صُرَاخاً: «ٱصْلِبْهُ!» 15فَبِيلاطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ
لِلْجَمْعِ مَا يُرضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ
بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ.

 

بعد
ليلة مضنية في السجن قادوا يسوع إلى الوالي الروماني المتعجرف القاتل، لأنه لم يكن
لليهود آنذاك صلاحية الحكم بإعدام إنسان. فقرر شيوه الشعب السبعون وبينهم رؤساء
الكهنة والقضاة المهرة ووجهاء علماء أن يميتوا يسوع بأيدي الأجانب الكفا، ليذاع
بواسطة هذا العار في الأمة كلها أن يسوع ظهر ضعيفاً مرفوضاً من الله ومطروداً من
رؤساء الشعب.

 

لم
يقل اليهود الماكرون لبيلاطس أنهم يطلبون موت يسوع لأجل شهادته، لأنه ابن الله
الحي، والمسيح الموعود. بل أبرزوا أمام المحكمة السياسية أنه جعل نفسه ملكاً
وحاكماً ليحرر الأمة من كابوس الاستعمار.

 

فسأله
بيلاطس رأساً وبإيجاز هل أنت ملك؟

لم
ينكر يسوع هذا اللقب بل أثبت وأوضح وظيفته الملكية الروحية على الأرض. وكان سهلاً
عليه أن ينقذ نفسه لو اقتصر علىالهدف الديني. ولكن لم ينكر حق الله في الشعب كله.
لأن العلي لم يرد قلوبهم فقط بل أيضاً حياتهم ومالهم وأوقاتهم وأنظمته. فالأيمان
بالمسيح يشمل الفكر أن ابن الله هو المالك وأن هدف المملكة الإلهية هو تجديد
العوالم بقوة ربنا يسوع المسيح.

 

لم
يفهم بيلاطس معنى اعتراف يسوع هذا. غير أنه لم يرد فيه متأثراً دموياً بالسيف
والعنف، بل إنساناً بسيطاً نقياً مستقيماً. فابتسم وأراد إطلاقه وتبرئته منتقماً
من زعماء الأمة اليهودية. ولكن الأوضاع السياسية آنذاك كانت مضطربة مبلبلة
فيالدولة الرومانية كلها. فضغظ اليهود عليه بحيل حتى فضل بيلاطس أخيراً إنهاء
القضية سريعاً وبدون ضجيج.

 

وبقي
يسوع صامتاً أمام شكاوى اليهود، لأنه قد واجه صاحب السلطة الحاكم بالحق كله مرة
واحدة. وكان موضحاً له سر نفسه ومملكته. وعلم يسوع أن نهايته أصبحت قريبة ولم يخف
من موته. وهو لم يستعطف البشر بل دان أكاذيبهم بصمته الملوكي.

 

ويل
للإنسان والشعب الذي لم يسمع كلمة الله فيما بعد. لأنها هي الوسيلة الوحدية للنعمة.
طوبى للأمة التي يكلمها الله بلطفه أو قساوته. لأنه بعدما يكلمها ينعم عليها ويهتم
بالمستمعين ويريد خلاصهم.

 

أخيراً
عرض بيلاطس للشعب كحل وسط أن يختاروا للإطلاق بين قاتل ثائر وحمل الله الوديع،
باحثاًً عن طريقة شرعية لنجاة يسوع. وبالحقيقة تلاعب بالحق. إنما الجماهير في كل
حين لا تفضل إنساناً متواضعاً يدعوهم إلى التوبة وإنكار الذات، بل يريدن بطلاً
متسلطاً يجلب لهم الحرية والمال والعظمة بالقوة. وحرض زعماء اليهود الدينيون آنذاك
الأفراد واشتروا بعضهم ليكبلوا يسوع بحكم شعبي قاطع للموت.

 

وحاول
بيلاطس أن يهدئ الأمواج الشعبية العاصية قاصداً إرضاء القيصر، الذي أعدم الولاة
العاجزين عن تدبير ولايتهم واستتباب الأمن فيها. فخاف بيلاطس وفضل أن يظل في عطف
القيصر على أ ن يحكم بالحق. فكسر الحق وأنزل حكم الإعدام صلباً بيسوع الريء ليخلص
نفسه. مرضياً اليهود المشاغبين لراحة الدولة.

 

تصور
ايها الأخ أن البشر حكموا على يسوع. والأتقياء طلبوا صلبه والجماهير تراكضت وصرخت
لإبادته. هذا هو روح العصيان من أبي العصاة الذي قصد إقصاء الله ليملك هو بعنف
وبغضة وظلم على كل نفس حية.

 

فمن
كنت تختار أنت لو كنت عائشاً في ذلك الزمن وحضرت هذه المحكمة. أباراباس البطل في
المغامرات الذي وعد شعبه بالحرية والاستقلال والرفاهية، أم تختار يسوع اللطيف
المحتقر، حمل الله الوديع، الذي ظهر ضعيفاً وغافر خطية العالم؟

 

امتحن
اختيارك بتفكير دقيق وقرر مصيرك واشهد لابن الله اليوم لأنه مخلص العالم ويبني
ملكوته في قلوب أتباعه.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع أنت الملك الحقيقي. أعترف أمامك بأني أحب الشرف والمال والقوة أكثر
من الوداعة والتواضع والقناعة. اغفر لي تفضيلي الرفاهية والاسترخاء على الحق
والتضحية. وسامحني إن لم أساعد الأبرياء المقيدين في السجو، وأدافع عنهم بالأمانة.
علمني أن أسلك في الحق وأتعلم منك الجرأة في سبيل الاستقامة والصدق الصحيح.آمين.

 

السؤال:
11- ما معنى اعتراف يسوع بأنه ملك؟

 

12-
تعذيب يسوع بالجلد (الأصحاح 15: 16-20)

16فَمَضَى
بِهِ ٱلْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ ٱلدَّارِ ٱلَّتِي هِيَ دَارُ
ٱلْوِلايَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ ٱلْكَتِيبَةِ. 17وَأَلْبَسُوهُ
أُرْجُواناً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ،
18وَٱبْتَدَأُوا يُسَلِّمونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «ٱلسَّلامُ يَا
مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!» 19وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ،
وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ.
20وَبَعْدَمَا ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عنْهُ ٱلأُرْجُوانَ،
وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ.

 

عندما
جلد الجند الروماني يسوع ضربوه بسياط كانت مربوطة بحبالها الجلدية وقطع عظمية لكي
تكشط الجلد وتصهر الظهر.

 

إن
السلسلة الفقرية هي من أ كبر أعضاء الجسد حساسية لأن منها تمر الأعصاب الرئيسية.
فمن يخرب هذا الصلب يخرب الإنسان نفسه. فالجلد كان تحضيراً للصلب لكي يصبح الجسد
قبل رفعه ضعيفاً ويفقد دماً كثيراً. فكل من مرّ من الجلد كان نصف ميت.

 

وبعد
التعذيب كان للعساكر الحق أن يسخروا بيسوع، فعملوا به ما أرادوا. لأن ساعة الصلب
لم تأت بعد. فأدخلوه إلى داخل الثكنة الأنطونية ذات الأبراج الأربعة الكثيفة
الموضوعة في شمال ساحة الهيكل. وهي كانت مطلة على الهيكل ومحيطة به ليسهل دخل
الجند الروماني كلما كانت الحاجة.

 

والفرقة
الموضوعة آنذاك في القدس شملت حوالي 500 إلى 1000 جندي وضابط.

 

ودعا
العساكر المكلفون بتعذيب يسوع زملاءهم ضاحكين وقائلين: اليوم وجدنا غريباً يزعم
أنه ملك اليهود، أراد أن يحرض الجماهير إلى الثورة. هيا نسجد له. وقال أيضاً أنه
ابن الله فلنسجد له.

 

ليس
أحد من المستهزئين آمن بدعوة يسوع وجلاله، بل رأوا رداءه الملون بالدم. وظهره
الممزق وانفراده الصامت. وركض البعض وأتى قاضي الولاية من خزانة ألبسة المسخرة.
وضفروا تاجاً من شوك ووضعوه بسخرية على رأسه ضاحكين. فدخل الشوك عميقاً في جينه.
ما أعظم الآلام التي احتملها يسوع…

 

أما
يسوع فصمت صمتاً ملوكياً بدون ولولة. ولم تكف آلام الجسد في تعذيبه. بل عذبوا نفسه
وروحه أيضاً بتجديفهم قائلين يعيش ملك اليهود الفاشل. إلى الأمام سر يا بطل السائر
بدون جيش. يا راكباً على الحمار بدون خطة سياسية. يا شافي بالعجائب وا يشفي نفسه.

 

والعض
ركع أمامه وسجد له. ولم يعرفوا ما يفعلون إذ الشيطان أغمض عيونهم. فجدفوا وسط
سجودهم. وليكملوا عارهم ضربوه بقضيب على رأسه وظهره. وكانوا قد وضعوا في يديه قبل
ذلك قضيب الملك باستهزاء.

 

لم
يحمل يسع قضيب الملك من ذهب وعاج في يده اليمنى ولا الكرة الأرضية من ذهب في
اليسرى، بل أصبح صورة الاستهزاء. ورجال الأمم ضربوه وبصقوا على وجهه. هل بصق مرة
على وجهك، على عينيك؟ فما كان رد الفعل فيك؟ انظر إلى يسوع كيف تجاوب؟ قد أحب
عداءه وبارك لاعنيه وحمل بغضاء البشر بدون تذمر. قد غلب العالم كله في نفسه.

 

بعدما
فرغوا من كل سخرية وحقد واستهزاء، كامن في قلوبهم البشرية، نزعوا عنه رداء الملك
وألبسوه رداءه المخضب بدمه. غير عالمين أن هذا الرداء المصنوع من قطعة واحدة هو
شبه رداء رئيس الكهنة الحق. فيسوع كان على الطريق ليصالح الله بالبشر، بذلاً نفسه
في سبيل المحبة. ولم يدركوا أن ملك الملوك فدى لنفسه شعباً من الشعوب يلبس صفاته:
الوداعة والمحبة، التواضع والجلال، الغفران والقداسة.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع نسجد لك لأن صمتك تكلم بأوضح بيان من كل احتجاج أو دفاع. ولم ترفض
في محبتك المستهزئين. نشكرك لأجل صبرك في الآلام ومحبتك في التعذيب. ساعدنا لكيلا
نثور في ساعة الاستهزاء ولا نبغض مضطهدينا، بل نغلب أنسنا ونحب أعداءنا ونخلصهم
باسمك. نسجد لك ونعد الطريق لمجيئك أيها الملك الموعود حمل الله الوديع. ونستودع
بين يديك أنفسنا. أنت ملكنا في المحبة المقدسة. آمين.

 

السؤال:
12- كيف عذب عساكر الرومان يسوع؟ وكيف جاوب على استهزائهم؟

 

13-
حمل الصليب إلى المنتهى (الأصحاح 15: 21-23)

21فَسَخَّرُوا
رَجُلاً مُجْتَازاً كَانَ آتِياً مِنَ ٱلْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ
ٱلْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ.
22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ
«جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ
يَقْبَلْ.

 

هل
حملت مرة ساق شجرة طوله ثلاثة أمتار؟ كان صليب المسيح ثقيلاً ضاغطاً، وكان جمسه
فاقد القوة فانهار تحت حمله وسقط.

 

ما
أعظم التعزية لنا. فكان ينبغي على يسوع أن يصبح شبيهاً لنا في كل نواحي الحياة.
إنما بقي بلا خطية فيستطيع أن يشفق بنا نسبة لضعفاتنا.

 

هل
تحمل هموماً، وخطايا وأثقالاً، في حياتك؟ هل تضغط عليك مشاكل، بغضة، أو جوع؟ مهما
يكن صليبك. المسيح حمله عوضاً عنك. ليس كبطل جبار، بل منكسراً قد وصل إلى نهاية
قوته الجسدية. فيسوع يفهمك إن لم تستطع تكميل سبيلك.

 

لم
يرم يسوع صليبه، بل ظل تحته وهو ساقط. وعندما ظهر بعد كل تحريض وضرب أنه بكل
إرادته لم يقدر إكمال طريقه، أجبر الجنود يهودياً ماراً أصله من شمال أفريقيا قد
أتى إلى فصح حمل الله إلى القدس ليحمل صليب يسوع عوضاً عنه.

 

المسيح
مستعد اليوم أن يعينك. لست وحيداً هو قريب منك، ويعرفك باسمك. أنه يقول لك:
«تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم
وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هيّن وملي
خفيف».

 

ونتعلم
من هذه الآية كما أن يسوع كان يمشي مع أبيه تحت نير واحد وحرث معه حقل العالم،
هكذا يريد يسوع أن يدخل معك إلى شركة كاملة شاملة في الحياة ويشترك معك في حمل
أثقالك. ويشركك في بركاته وقوته ودعوته.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تلمود 3

 

هل
أنت متيقن من ذاتك ومتكبر في أعماققك وتريد حمل صليبك مستقلاً؟ لا تكن غبياً،
المسيح قريب منك ويقبلك تلميذاً إن سلمت له نفسك مع مشاكلك. لا تتباكأ صل وسلم له
حياتك، لأن يسوع يحبك هو معين أمين وقدير ومخلص.

 

لا
نعرف من هو سمعان القيرواني بالضبط. ربما رفع صليب يسوع بالغيظ والغضب والاشمئزاز،
لأنه تنجس بواسطة هذا العمل حسب طقوس اليهود، إذ رأى أن حجه إلى أورشليم الذي كلفه
كثيراً أصبح باطلاً.

 

ربما
نظر إلى عيني يسوع المرمي أرضاً. ورأى الشكر في عينيه، لأن إنساناً واحداً ساعده
عملياً- وإن كان غصباً عن إرادته- في طريق آلامه.

 

وشكر
يسوع ظهر بأن ابني سمعان أصبحا بعدئذ مؤمنين مولودين ثانية، عضوين معروفين في
كنيسة روما. قد حمل أبوهما صليب يسوع أما يسوع فحمل خطايا الأب وابنيه. فطلع في
عائلة القيرواني ثمار أزلية وبركة خالدة.

 

وصل
موكب الصليب خارج سور المدينة إلى مرتفع حيث كانت السوق العمودية للصلبان مغروزة
عميقة في الأرض من قبل، معدة لصلب المجرمين. لأنه قبل صلب المسيح تمّ صلب عدة عبيد
ومجرمين هناك.

 

فسمى
الشعب المكان جلجثة بمعنى جمجمة. حيث قطعت الرؤوس وشنق اللصوص. ويقول بعض المفسرين
أن الهضبة المذكورة تظهر كجمجمة إنسان. فصليب يسوع شق رمز جمجمة البشر، لأن
الحكماء في حكمتهم لم يدركوا حكمة الله المتجسد، بل صلبوا رب المجد وأفضل ابشر.

 

عادة
كان يسقى المحكومون بالصلب قبيل صلبهم شراباً مخدراً ليستطيعوا احتمال عاصفة
الأوجاع، ولا يشعرون بكل العذاب فوراً. أما يسوع فلم يرد شرب المخدر بل أراد
احتمال الموت واعياً، عالماً أن في هذه الساعة الأخيرة من حياته، يأتي الشيطان
شصياً ليجربه إلى البغضة والكفر واليأس. ليخطئ خطية واحدة. فيبطل كل أتعاب حمل
الله مسبقاً ومستقبلاً.

 

فأراد
يسوع أن يغلب الشرير بيقظة. ورفض كل شكل من التحذير. فاستعد للآلام حتى الموت وقبل
الكفاح الأخير في حياته.

 

الصلا:
أيها الرب القدوس أنت أصبحت ضعيفاً وانكسرت تحت صليبك. فاختبرت وتعلم أفضل مني كيف
قوتي صغيرة وصبري قصير، وإني أريد رمي الحمل الموضوع عليّ. اغفر لي تذدمري وارحمني
أنا الخاطئ. ساعدني لاحتمال أثقالي لتعمل قوتك ومحبتكورجاؤك وإيمانك في ضعفي.
واغلب في اسمك التجارب الماطرة عليّ، أنت المنتصر وتنصرني حقاً. آمين.

 

السؤال:
13- ماذا نتعلم من حمل يسوع صليبه؟

 

14-
عملية الصلب (الأصحاح 15: 24-25)

24وَلَمَّا
صَلَبُوهُ ٱقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ
كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25وَكَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ.

 

لم يصف
أحد من الرسل بالتفصيل كيفية صلب يسوع فنقرأ عن أثر المسامير المصداة التي سُمر
بها على خشبة العار. والأغلب أن الخدام المكلفين بالصلب رموه على الأرض وعروه
ودقوا يديه بساق الخشب بدون شفقة.

 

قف يا
قلب وأدرك يا ذهن أن العالم يعذب خالقه، فاخترق اليد الشافية. والدم المسفوك
الساقط على التراب قدوس. والمحبة التي لم تهمل أحداً تقتل.

 

نسجد
لك يا حمل الله الوديع ونعظمكيا رافع خطية العالم. قد رفعت ذنبي أيضاً وقدستني إلى
الابد.

 

وحسب
العادة رفع المكلفون بالقتل الخشبة المستعرضة التي علق عليها جسم المصلوب، وجعلوها
على الخشبة العمودية الواقفة والثابتة على الأرض. وربطوا الخشبة الأفقية بمكان
معين عند التقائهما.

 

وأخيراً
سمروا رجليه اللتين طالما مشتا في كل مدن وقرى الأمة، فوق بعضهما بمسامر طويل قوي.

 

ما
أعظم العذاب والدم الطاهر الساقط إلى الأرض الملعونة بسبب عصيان البشر، الذين لم
يحتملوا الإنسان المثالي والإله الحقيقي المتجسد، بل صلبوه رافعينه من الأرض،
كأنهم يقولون: لا نريد ان يكون بينه وبين الكرة الأرضية علاقة مباشرة. فأبعدو
الآتي إليهم بالحقد والبغضة.

 

الصلب
هو قصاص شيطاني لأنه لا يميت المصلوب فوراً، بل أنه يموت عدت ميتات كأنه مقتول عدة
فتلات مرات عديدة.

 

أولا
يسحب الجسد المجروح بثقله فتزداد وتكبر جروحه. وبعدئذ يبتدئ تجمد أعصابه وعروقه.
حتى يغمى عليه بين الحين والحين. وتهاجمه صور مخيفة ويدق القلب دقات قوية جنونية
مرة، بينما يدق بطيئاً مرة أخرى كأنه متوقف عن الحركة. واليأس يزداد مع لتصلب
والانهيار النهائي. ربما الصليب من أفظع الإماتات الموجودة على سطح الأرض.

 

نسجد
لك يا حمل الله القدوس لأنك رفعت في جسدك الطاهر خطايا العالم كلها. وكفرت أيضاً
ذنوب القارئ الذي يقرأ هذه الكلمات. امنح له الإيمان بالخلاص التام ومصالحته مع
الله بواسطة آلامك وموتك.

 

حدث
صلب يسوع صباحاً حوالي الساعة التاسعة. عندما كانت الشمس لطيفة لم تشتد بعد. لأن
نهار اليهود يبدأ الساعة السادسة صباحاً. فتكون الساعة الثالثة عندهم الساعة
التاسعة عندنا اليوم.

 

وهذا
التوقيت يعلمنا أن المباحثات عند الوالي الروماني وحكمه على يسوع وجلد المحكوم
عليه بالموت وطريقه إلى الجلجثة، لم يدم طويلاً إذ أسرع الوالي واليهود بذلك
بطريقة روتينية ماهرة وبلا عطف ولا شفقة بل بازدراء.

 

وهكذا
كشيء عادي كقضية لأحد المجرمين جلس العبيد المكلفون بالصلب تحت الصليب واقترعوا
لأجل حصولهم على حقوقهم مما ترك المصلوب. وقد حمل رداءه الكهنوتي إلى المنتهى. فلم
يريدوا قسمته لكيلا يفقد هذا الرداء الثمين قيمته. فاقترعوا لأجله خاص.

 

واليوم
يسرع الناس في ازدحام الأسواق، ويعدون النقود بين أيديهم، ويفكرون بالأرباح،
ويتخيلون بأحلامهم، ولا يلاحظون وجود يسوع وحقيقة صليبه. ولا يشعرون بمعنى ذبيحة
ذاته ولا يحرك العطف قلوبهم نحو الذي علق على الصليب بلا خطية وبذل نفسه اقدوسة
لأجل الجميع.

 

أيها
القارئ، هل سيرة حياتك موجهة نحو الصليب، هدف حياتك وغاية تفكيرك؟ وهل تتعلق بنعمة
الفادي الحنون؟ تعمق الرسول بولس في محبة المصلوب بكل قلبه، حتى كتب: «مَعَ
ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لا أَنَا بَلِ ٱْمَسِيحُ يَحْيَا
فِيَّ» (غلاطية 2: 20).

 

وقد
أخبرنا لوقا بكلمة يسوع الأولى التي نطقها في اللحظات الأولى لصلبه قائلاً: «يَا
أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا
23: 34).

 

وبهذه
الصلاة الكهنوتية شمل العبيد ورؤساء الكهنة والوالي الروماني وكل الناس. فلم يلعن
رئيس الكهنة الإلهي قاتليه، ولم يرفض جماهير الخطاة بل خلصهم وباركهم وصلى لأجلهم.
وحقاً قد استجاب الله القدوس صلاته. أدرك صلاة يسوع الشفاعية وهو معق على الصليب
فتخلص وتثبت في الخلاص وتشكره بتسليم حياتك شكراً له.

 

الصلاة:
يا رجل الأوجاع محبتك أعظم من عقولنا وقوتك فاقت في ضعفك. لم تلعن مسمّريك بل صليت
لأجلهم وخلصتنا جميعاً. نؤمن أنك شفعت فينا عندما صرخت: يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم
لا يعلمون ماذا يفعلون. ساعدنا لنحبك ونرى صليبك دائمً في طريقنا محوراً لحياتنا
وأساسا لإيماننا وقوة لأعمالنا. أسلّم نفسي لك يا حمل الله القدوس لأنك رفعت خطية
العالم كلها. آمين.

 

السؤال:
14- كيف صلب يسوع؟

 

15-
الملك المعلق بين اللصين (الأصحاح 15: 26-28)

26وَكَانَ
عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً «مَلِكُ ٱلْيَهُودِ». 27وَصَلَبُوا مَعَهُ
لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28فَتَمَّ
ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: «وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ».

 

صفات
الملك الصالح هي الحكمة والقوة والعدل والجلال والجودة والصبر والسلطان. ولقد كانت
هذه كلها وأكثر منها في يسوع، لأنه ملك الملوك ورب الأرباب ناطق دائماً بالصدق ولم
ينكر دعوته عندما استفهم بيلاطس عن ملوكيته.

 

إنما
لم يتباحث عنها ولم يفسرها، لأنه هو هي. قد عيّنه الله الآب ملكاً في عالمنا. لم
يحكم على العصاة المتذمرين بعنف بل أحبهم وصبر عليهم. وفضل أن يموت بواسطة أيدي
الثوار من أن يبيدهم لأجل ثورتهم. فمات ملك المحبة مقتولاً طوعاً عوضاً ع أن يميت
قتلته.

 

قد
أنبأ الملاك جبرائيل معنى اسم يسوع قبيل ولادته بأنه: «سيخلص شعبه من خطاياهم».
فأصبح الملك الحق المصالح لشعبه مع الله. وكان له السلطان ليكفر عن العصاة. فلذلك
هو الملك الكهنوتي القادر أن يحل أصعب معضلة إذ حرر أتباعه من غضب الله. فحّد في
نفسه وظيفتين الملكية ورئاسة الكهنوت. فكان الكاهن الملوكي الذي اجتمعت فيه السلطة
والمحبة. الحق والغفران، الجلالة والكفارة.

 

وكان
حكم يسوع إلهياً ظاهراً في محبته القدوسة. قد تألم من قساوة إخوته ولكنه رفع
خطاياهم. مجتذباً غضب الله كله على قلبه.

 

وهكذا
صار من الكاهن الملوكي حمل الله بالذات. الذي تألم كثيراً في شعف جسده المعذب.

 

واليافطة
المعلقة فوق رأسه المتوج بالشوك كان مكتوباً عليها: «ملك اليهود». استهزاء بالمصلوب
ولإبراز بطلان الملك الواهن. إنما ضعف يسوع كان قوته. فصالح بذبيحة جسده كل الناس
مع الله. أين تجد ملكاً في دنيانا يقبل أن يموت لكي يعيش شعبه؟

 

عادة
العكس، الأمراء يضحون بقسم كبير من شعوبهم ليدوموا هم ويتمتعوا بالرفاهية. أما
يسوع فليس كذلك، قد تألم لكي لا نتألم نحن، ومات لكي نعيش ونحيا به.

 

كل
تلاميذ يسوع ما عدا يهوذا الاسخريوطي كانوا رجالاً جليليين. أي مزيجاً من الأسباط
الإسرائيليين الباقين. ففي يسوع ويهوذ الاسخريوطي نرى ماذا يمكن أن يخرج من الأمة
اليهودية. يهوذا احب المال السلطة والشرف فأصبح خائناً لملكه ومخلصه، ولق نفسه
أخيراً في اليأس. أما يسوع فبقي فقيراً متواضعاً وأنكر نفسه. وقد انفتح لروح أبيه
السماوي وإرشاده انفتاحاً كاملاً، فأصبح مخلص العالم في ذبيحة نفسه.

 

ليس
يهوذا الاسخريوطي وحسب، بل أكثرية اليهود رفضوا يسوع. لأنه طلب منهم التوبة رغم
تقواهم المزيفة وناداهم إلى تغيير الذهن رغم أفكارهم الفقهية العميقة، وبشرهم
بالرجوع إلى الله رغم فكرهم أنهم متحدون مع الخالق.

 

فشعب
العهد القديم في كبريائه رفض الملك السماوي وسلمه إلى أيدي الوثنيين، إلى موت
العار. وبهذا التسليم طردوا يسوع من أمتهم ليعلق بين لصين رمزاً لصيرورته محور
العالم النجس كله. فالقدوس بين الفجار، والوديع بين العنيدين.

 

إنما
قصد تدميرصيت ملوكيته في الإهانة البذيئة والضعف الجسدي، أصبح أوضح بيناناً
لبرنامجه. الملك الإلهي أراد أن يجعل من المجرمين اللصوص أبراراً قديسين. فطهر
النجسين، وجعل من المرفوضين عند الله جنساً مختاراً وكهنوتاً ملوكياً.

 

كل
الناس خطاة. ليس أحد صالحاً كلنا مستحقون الموت على الصليب أنت وأنا. أما يسوع فقد
أخذ مكاننا لكي نتغير إلى روحه. فكل من يقبل تعليمه وشخصيته من الأمم والأديان من
الملحدين والمتدنيين، يعرف ويدرك أنه مجرم في ذاته ومعلق على الصليب. إما بنفس
الوقت مقدساً مطهراً مبرراً بحضور يسوع الملك المرفوض، الذي يبسط اليوم أيضاً يديه
أمام العالم كله منتظراً رجوع شعبه المتمرد والإيمان منك أيضاً.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر التكوين 02

 

الصلاة:
اللهم القدوس أبانا الذي في السماوات. نسجد لك لأنك أرسلت يسوع المسيح ملكاً حقاً،
الذي لم يملك بالسلطة العنيفة بل حقق محبته ورحمته بين الناس. قد أدرك فسادنا، ولم
يبدنا. بل غفر ذنوبنا عندما مات عوضاً عنا. ساعد كل لهالكين لكي يدركوا ملكهم ونائبهم
في غضب دينونتك ويقبلوه شاكرين ليأت ملكوتك اليوم وتكن مشيئتك بواسطة قوة مصالحة
كاهننا العظيم وذبيحته الذاتية. آمين.

 

السؤال:
15- ماذا يعني اللقب ملك اليهود؟

 

16-
الاستهزاء بالمصلوب (الأصحاح 15: 29-32)

29وَكَانَ
ٱلْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ
قَائِلِينَ: «آهِ يَا نَاقِضَ ٱلْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ! 30خَلِّصْ نَفْسَكَ وَٱنْزِلْ عَنِ ٱلصَّلِيبِ!»
31وَكَذٰلِكَ رُؤَسَاُ ٱلْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا
بَيْنَهُمْ مَعَ ٱلْكَتَبَةِ قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ
فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا. 32لِيَنْزِلِ ٱلآنَ ٱلْمَسِيحُ
مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ ٱلصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنؤْمِنَ».
وَٱللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ.

 

كانت
العادة عند اليهود أن رئيس الكهنة يزور المجرمين المحكوم عليهم بالموت قبيل
إعدامهم، ليستمع إلى اعترافهم وندامتهم قبل دخولهم إلى جوف الموت، ويمنحهم السماح
العام على أساس القرابين الدائمة المقدمة في الهيكل لخلاصهم من غضب الله الآي.

 

لم
يعترف يسوع بخطاياه على الصليب، ولم يذرف دموع الندامة، بل صلى لأجل أعدائه طالباً
الغفران لأجلهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. اعتبر الأتقياء آنذاك هذه الصلاة
آخر درجة. فملأهم الغضب والاحتقار واستهزأوا بالمصلوب استهزاء مراً.

 

ازدادت
الآلام في الجسد. إنما وخز الاستهزاء نخس القلب. وجرب الشيطان يسوع أن يخلص نفسه،
وهز المارة تحت المعلق العاري رؤوسهم ورددوا خلاصة الشكوى أمام المحكمة الدينية
أنه قال سينقض الهيكل شخصياً وبينيه في ثلاثة أيام.

 

لم
يتذكروا حقيقة قوله وما فهموا أنه قصد بجسده هيكل الله، بل فكروا بالهيكل الفارغ
المبني من حجارة ميتة، الذي ظهر لهم ضماناً لحضور الله وسط الأمة.

 

واستخدم
إبليس المستهزئين العمي وحرضهم إلى دعوة جهنم الكاذبة: انزل عن الصليب. خلص نفسك.
خرب المصالحة المبتدئة، إنها الآلام النائبة عن كل الناس. هُب لنفسك. استخدم
سلطانك. نج ذاتك، وأبد أعداءك. لو فعل هكذا أو أراد ذلك لكان الشيطان انصر ولفقد
الله خلقه نهائياً.

 

وانسجم
زعماء الشعب مع نواب الأمة مع صرخات قساة القلوب وطعنوا في خدمة يسوع الخلاصية. قد
بذل نفسه فدية للكثيرين. ومشى ليلاً ونهاراً في القرى والمدن وشفىجماهير. أما
الفقهاء والكتبة فسموا شفاءاته إجراءات الشياطين. لذلك أرادوا بواسطة اتهزائهم أن
يقتلعوا ويبيدوا في أتباعه إيمانهم بقوته الإلهية. فاستهزأوا بالمصلوب بألقابه
المسيحية الكاملة. وسموه المسيح الممسوح بدون قوة وملك إسرائيل بدون جيش وشعب. لقد
كانوا منتظرين ملكاً إلهياً عظيماً يحررهم من أيدي الرومان.

 

أما
يسوع الناصري، فطهر ضعيفاً. وعلق ككافر بأيدي الأثمة والقوة الاستعمارية. فبان لهم
أن الله ليس معه بل غضبه سطا عليه.

 

وبرهاناً
لسلطانه شدوا عليه في روح الشيطان أن ينزل عن الصليب لتنفتح عيونهم لمسيحيته
وألوهيته ويدركوه في سلطانه ويؤمنوا به عبد إجراء هذه الأعجوبة المستحيلة. قد سموا
أنفسهم كهنة وفقهاء التوراة، إنما هم كانوا عمياناً لخدمة المصالحة الي تمت في
وسطهم. ولم يلاحظوا أنهم آلات سيئة في أيدي إبليس.

 

غلب
يسوع هذه التجارب الضخمة الهاجمة. ولم ينزل عن الصليب بل أكمل الخلاص فكيف بعد هذا
الحادث يدعي بعض المتدينين أن يسوع كان مرفوعاً إلى السماء وأن آخر صلب عوضاً عنه؟
لقد فكر زعماء اليهود هذه الفكرة مسبقاً بعد أن حطمتهم محبة يسوع وأمنته. فكان
المسيح لهم أشبه بمصلوب، بل كان فعلاً مصلوباً وبقي معلقاً على الصليب وأتم مصالحة
العالم بالله.

 

والمعلقان
معه على جانبيه اشتركا في لعن يسوع لأنه غير مستعد أن ينجي نفسه وبعدئذ ينزلهما
أيضاً. ويدخلهما إلى جيشه ويقود الجميع إلى النصر المبين. إلا أن أحدهما أدرك
تدريجياً ورأى أن يسوع لم يستهزئ بمستهزئيه، بل بارك لاعنيه وأحب مبغضي، وصلى لأجل
أعدائه. عندئذ فهم جلياً أن المسيح ليس كذاباً، بل هو مختلف عن الآخرين. هو
بالحقيقة ملك ورب وابن الله المنتصر. فأدركه فجأة وآمن به ودخل إلى رحابه.

 

الأتقياء
المتعصبون انفصلوا عن ملكهم وأسرعوا إلى عيد الفصح الموافق يوم السبت. ليحتفلوا
تحت حماية دم حملان الفصح عيدهم الكبير. أما حمل الله الصحيح فلم يبصرون واختفت
حقيقته عن أعينهم حتى اليوم. فتركوا رئيسهم للكهنوت ومصالحهم مع الله ي عميهم.

 

الصلاة:
أيها الآب السماوي. اغفر للجميع الذين لا يدركون أن المسيح قد قدم ذاته ذبيحة، أو
ينكرونها أو يهملونها، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. افتح أعينهم لأعجوبة الصلح
الإلهي ليدركوا فائق محبة المسيح الذي فضل الآلام والموت ليخلص الآخرين. لم ينزل
عن الصليب بل ثبت أميناً لدعوته. اجعلنا أمناء أيضاً في اتباعنا لك، لنحب أعداءنا
ونخدمهم على الدوام. آمين.

 

السؤال:
13- لماذا طلب الزعماء والشعب من يسوع أن ينزل عن الصليب؟

 

17-
انفصال الآب عن الابن (الأصحاح 15: 33-36)

33وَلَمَّا
كَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلسَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى
ٱلأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. 34وَفِي
ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:
«إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَني؟» (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلٰهِي
إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ
لَمَّا سَمِعُوا: «هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ
إِسْفِنْجَةً خَلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاُ قَائِلاً:
«ٱتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!».

 

الساعة
السادسة التي ذكرت في اليوم الحزين هي الساعة الثانية عشرة ظهراً. وعادة تبث الشمس
حرارتها من السماء الزرقاء في هذا الوقت. أما أنذاك فقد هبت عاصفة رملية على جبال
القدس، ممتصة آخر رطوبة من الجسد. ثلاث ساعات هبت تلك الريح الساخنة الناشفة ثم
اختفت الشمس، والكل أصبح في ظلمة مخيفة.

 

بعض
المفسرين يقولون إن هذه الظلمة كانت ارتكاس الأرواح الشريرة على المصلوب. حتى
انقضت جهنم بجميع قواتها على حمل الله في الغيبوبة، لتقوده في شعوره الباطني إلى
خطية ما.

 

أما يسوع
فكان ممتلئاً بكلمة الله بل هو كلمة الله المتجسد. ولذلك حتى في غيبوبته فقد فاه
بكلمات مقدسة، إذ ناب الروح القدس عنه بأنات لا ينطق بها.

 

وفي
الساعة التاسعة أي الساعة الثالثة بعد الظهر، صرخ يسوع بصوت عظيم وكانت كلماته على
الصليب وبوضوح جلي هي التي تفسر لنا سر الصليب بالعمق. فقد شهد الروح القدس بواسطة
صرخة المصلوب أن الله القدوس ترك ابنه، وحجب وجهه أمام المعلق وظهر إلهاً دياناً.
إذ سقط غضب الله على الابن المتروك. قد أتت ساعة الظلمة إنما لم تجد حقاً ولا قوة
في القدوس. الابن شرب كأس غضب الله إلى المتهى.

 

لم
يتجاسر الرسل أن يكتبوا هذه الكلمات المرعبة العميقة في اللغة العبرانية
واليونانية فوراً. لأن معناها مخيف فيظع. حتى سجلوها حرفياً في اللهجة الأرامية
وكتبوا معناها باليوناني بعدئذ.

 

سابقاً
كان يسوع يقول أنا والآب واحد. هو فيّ وأنا فيه. أما الآن فشهد أنّ وحدة المحبة قد
انقطعت والاتحاد الأزلي انفصل. فصرخ لماذا تركتني؟ لا يمكن أن يكون هذا. أنت
المحبة ولا تتركني وحيداً.

 

هذه
الصرخة من فم المصلوب التي سجلها البشيران متى ومرقس ككلمة وحيدة من فم يسوع على
الصليب، هي بالحقيقة عثرة. محيرة لكل الأتقياء والملحدين الذين لم يعرفوا معنى
صليب يسوع، فيظنون أن يسوع النجار صرح متشائماً يائساً مداناً من غضب الله.

 

أما
نحن فنرى في هذه الكلمة برهاناً على الإيمان بالله ومحبة ثابتة إلينا نحن الضالين.
فقد ضحى بِصِلَتِهِ ووحدته مع الآب ليخلصنا نحن البعيدين عن القدوس.

 

لم
يكن إنسان ما مستحقاً أن يموت عنا كحمل الله، إلا الله في جسد إنسان. كان بريئاً
ومستحاً وقادراً أن يرفع خطية العالم ويحمل كل الدينونة. ولكن بما أن الله هو واحد
وليس اثنين يظهر أن الله ظهر كالثالوث الأقدس لأجل فدائنا معلناً نفسه الآب والابن
والروح القدس، لكي يستطيع الابن «ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ
نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ
مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ!» (عبرانيين 9: 14).

 

كل من
يدرك هذا السر بمسحة الروح القدس يسجد للآب والابن، ويكرس حياته الفاشلة والمطهرة
بدم الحمل لخدمة لله. أمامنا اختياران فقط. إما أن نستهزئ بالمصلوب أو نخدمه شكراً
لمحبته الأزلية.

 

أما الجند
الروماني والحراس فلم يفهموا كلمات المصلوب باللغة الأرامية، فظنوا أن المائد نادى
النبي إيليا فخافوا من ظهور شخص إلهي من الظلمة مساعداً المصلوب لينزل عن الصليب.
فمنعوا الرحماء من بينهم الذين شفعوا فيه وأرادوا أن يقدموا للعطشان في العاصفة
الرملية اسفنجة مبللة بالماء والخل. فإيمانهم السلبي بظهورات الأموات منعهم من
خدمة الإنسانية.

 

الصلاة:
نسجد لك أيها الآب لأن قلبك انكسر عندما تركت ابنك الوحيد الذي به سُررت. أنت
المحبة الأزلية. نشكرك بواسطة ابنك لأنك غفرت آثامنا وأنك سكبت غضبك على خطايانا،
على ابنك القدوس عوضاً عنا. قد تركته لئلا يتركنا. قد انفصلت عنه لكي نبت فيك إلى
الأبد. نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس ونكرس حياتنا لك إلى خدمة أبدية
بواسطة يسوع المسيح ربنا. آمين.

 

السؤال:
17- ما هو معنى قول المصلوب: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟

 

18-
موت يسوع مع العلامات العجيبة (الأصحاح 15: 37-39)

37فَصَرَخَ
يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ. 38وَٱنْشَقَّ حِجَابُ
ٱلْهَيْكَلِ إِلَى ٱثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. 39وَلَمَّا
رَأَى قَائِدُ ٱلْمِئَةِ ٱلْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ
هٰكَذَا وَأَسْلمَ ٱلرُّوحَ، قَالَ: «حَقّاً كَانَ هٰذَا
ٱلإِنْسَانُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ!».

 

لم
يبصر يسوع أباه فيما هو يؤدي دين العدل الإليهي، لأنه تركه معلناً أمامه ديان مهلك.
أما الابن فكافح كفاح الإيمان واثقاً في أبوة الله إلى المنتهى، وأعلن من أجله
انتصاره صارخاً «قد أكمل». وصرخة النصر هذه انعكست في السماوات والأرض وجنم. وأنت
كصدى بتسابيح الحمد من جميع الملائكة والقديسين، بجانب صرير الأسنان في جهنم.

 

لم
يقدر الشرير أن يطل مصالحة البشر بالله. ولمينجح بإفساد حمل الله، لأن يسوع غلبه
مبحبته وصبره وإيمانه ورجائه القابت. قد تم الخلاص، ومن يؤمن يتبرر.

 

ورأى
يسوع شبح الموت مقبلاً عليه. إنما لم يخف رغم أن الله قد تركه، بل تمسك برجائه في
أمانة الله الأزلية. واستودع نفسه وروحه بين يدي أبيه واثقاً أن محبته الأزلية لن
تتغير، حتى وإن ظهر دياناً. فتسليم الذات في أيدي الآب كان الختم على نتصار يسوع.
الرجاء لم يخز. والروح القدس لم يمت في رغم أن كيانه البشري مات حقاً.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يَعَزيْا ا

 

يسوع
المصلوب مات فعلاً. فكيف يقول البعض ما قتلوه وما صلبوه. فالحقيقة التاريخية تدين
الكاذبين وتبين حقيقة الأمر.

 

موت
يسوع هو محور التاريخ، فمنذ تلك اللحظة تغير العالم. حمل الله برر جميع الناس
الخطاة. والحجاب إلى قدس الأقداس في الهيكل قد انشق من فوق إلى أسفل علامة أن الله
لم ينفصل عن خليقته. سابقاً كان يحق لرئيس الكهنة أن يتقدم مرة في السنة بوف ورعدة
إلى تابوت العهد المعتبر عرش الله ليصالح الأمة الخاطئة بالله القدوس. أما الآن
فانفتح الطريق لكل واحد الذي يقبل ذبيحة يسوع مؤمناً. فحواجز العهد القديم المانعة
قد ارتفعت والناموس أصبح بدون شوكة، والطريق إلى الله انفتح. تعال إلى أبيك إن
الباب مفتوح على مصراعيه، والله ينتظرك شخصياً.

 

وسمح
لبعض الأموات أن يقوموا في تلك اللحظة، لأنهم أدركوا انتصار المسيح في قبورهم،
وتقدموا إلى الإعلان الإلهي. موت ابن الله الكفاري يقدم البر والحياة الأبدية بكل
مؤمن به.

 

أما
قائد المئة الروماني الذي أشرف على الفرقة التي أعدمت يسوع، فقد شهد في حياته كيف
مات مجرمون وعبيد وأعداء وأنبياء كذبة متعددون على الصليب. ولكن موتاً مثل موت
يسوع في المحبة القدوسة والجلالة المتواضعة لم ير بعد. فعندما نكس البار رسه، تمتم
هذا القائد مغمغماً: لم يكن هذا مثل الباقين. فيه كانت القوة الإلهية حاضرة. لم
يكن ابن ملك أو قيصر فحسب. بل ابناً لله شخصياً. فالوثني أدرك سر يسوع أولاً أما
لأعضاء العهد القديم فظل مستتراً.

 

فماذا
تقول أنت في قلبك؟

 

الصلاة:
يا ابن الله القدوس نسجد لك لأنك بذلت نفسك الطاهرة لأجلنا نحن الخطاة النجسين.
ومت عوضاً عنا بآلام وتجارب كثيرة. نحبك من كل قلوبنا ونطلب إليك أن تغيّر أنانيتنا.
أذب قساوة قلوبنا لنستحق تقديم حياتنا ذبيحة الشكر لله ونخدم كل اناس كما أنت
خدمتنا. نشكرك لموتك الذي فتح لنا الطريق إلى الأب. كل المؤمنين بك يسجدون لك إلى
الأبد. آمين.

 

السؤال:
18- ماذا تعني الحوادث عند موت يسوع؟

 

19-
النساء تحت الصليب (الأصحاح 15: 40-41)

40وَكَانَتْ
أَيْضاً نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ
ٱلْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ وَيُوسِي،
وَسَالُومَةُ، 41ٱللَّوَاتِي أَيْضاً تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ
فِي ٱلْجَلِلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ ٱللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ
إِلَى أُورُشَلِيمَ.

 

كانت
سيدات من مختلف الطبقات يرافقن موكب يسوع مند البداية (لوقا 8: 2 و3) وشخصيته ضبطت
في قوة روحه تلاميذه من رجال ونساء في القداسة والاحترام.

 

الأغلب
أن التلاميذ عشاوا بعض المرات من تبرعات نساء أغنياء أدركن أن قوة عظيمة إلهية
تخرج من يسوع. ولم يطلب المسيح مقابل معجزات شفائه مالاً ولم يجمع كنوزاً، بل عاش
قانعاً فقيراً. فهؤلاء النساء تبعن موكب التلاميذ في الجليل وفي زمن الضطهاد
وخدمنهم واعتنين بنخبة الشباب هؤلاء.

 

لا
نعرف عنهم شيئاً كثيراً، ما عدا أسماءهن. والنص في إنجيل (لوقا 8: 2 و3) يدلنا على
أن بعضهم كن ملبوسات بأرواح نجسة. وقد حررهم المسيح بكلمة قدرته من قيود جهنم.

 

ولم
يحصلن على الروح القدس بعد. وعشن في رعب وخوف أن الأرواح النجسة تحل فيهم مرة أخرى
لتهلكهن. خاصة مريم المجدلية كانت مشهورة لأجل خلاصها من سبعة أرواح. فكل هؤلاء
السيدات التجأن إلى المخلص القوي وحمايته للمؤمنات، ولم يمنعهن من اتباع.

 

المرجح
أن سالومي كانت أم يوحنا ويعقوب. وقد طلبت سابقاً إلى يسوع أن ابنيها يجلسان عن
يمينه ويساره. حينما يعلن نفسه ملكاً. الآن رأت اللصين عن يمين يسوع ويساره.
ومكتوب فوق الصليب ملك اليهود. فارتجفت من اتضاعه إلى الأدنى.

 

وكثيرات
أخريات من السيدات تبعن يسوع بأمانة راجيات أنه يعلن مجده وينصر أصحاب الحق في
كفاحهم ضد الظلم. أما الآن فرأينه ممزق الجسد وشعرن بصوت اندقاق المسامير في
قلوبهن، وسمعن كلماته من فوق الصليب، ولم يهربن.

 

لو لم
يكن شجاعات لما ثبتن تحت الصليب في حالة الخطر. لا نعرف كثيراً عن كيفية موت يسوع.
أما هنّ فأصبحن شاهدات العيان ومبشرات مستحقات شكرنا.

 

ربما
سمح ضابط المئة هناك ببقائهن. لأنه لم يخف أنهن ينزلن يسوع عن الصليب. بعدما بقين
مرتجفات وباكيات على هضبة الجلجثة، ورؤساء الكهنة والشيوخ قد تركوا الموضع المرعب.

 

إن
محبة أولئك النسوة للمحب الطاهر وشكرهن للذي خلصهن من الشيطان لم يسمح لهن أن
يتركن المشهد الرهيب. ولا حتى في ساعة الموت. ولقد صلين وبكين وأصغين رجاء لكل
كلمة نطقها. والهواء الساخن نشف شفاههن، والظلمة أخافتهن، أما هن فثبتن ومكثن قب
الصليب إلى النهاية.

 

وآخر
شرارة من الرجاء انطفأت عندما صرخ يسوع صرخة النصرة ونكس رأسه ومات. قد انتظرن في
آخر لحظة إعلان المسيح الغالب المنتصر. إنما الآن شاهدن موت ابن الله، فانشلت
عقولهن وانكسرت قلوبهن وانهمرت الدموع على خدودهن، ولو أن ولولاتهن انكتمتخوفاً من
العساكر. إن أفضل إنسان قد مات والمحبة انصلبت. قوة الله ظهرت ضعيفة، فوقفت
السيدات بالرعب والفزع أمام لغز لا جواب عليه ولا حل له.

 

لم
يدركن آنذاك معنى صليب المسيح. لأن الروح القدس لم ينسكب في نفوسهن بعد.

 

الصلاة:
أيها الآب نشكرك ان ليس الرجال وحدهم يعملون التاريخ، بل أيضاً النساء لهم في
لحظات قاطعة خدمات أساسية في ملكوتك. وجلال ابنك الحبيب جذبهم حتى خَدمْنه. وأنت
أرشدتهن أن يكن شاهدات العيان والآذان عن حقيقة موت يسوع. لعرف كلماته الأخيرة
ونشهد بحدوث موته لمنكريه. ساعد اليوم كثيرا من السيدات والبنات ليدركن محبة يسوع
وجلاله الإلهي ويتبعنه ويخلصن بإيمانهن. آمين.

 

السؤال:
19- ماذا يعني وجود سيدات كثيرات عند الصليب؟

 

20-
دَفْن يسوع (الأصحاح 15: 42-47)

42وَلَمَّا
كَانَ ٱلْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ ٱلاِسْتِعْدَادُ- أَيْ مَا قَبْلَ
ٱلسَّبْتِ- 43جَاءَ يُوسُفُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلرَّامَةِ، مُشِيرٌ
شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضاً مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ،
فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَ بِيلاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. 44فَتَعَجَّبَ
بِيلاطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ ٱلْمِئَةِ وَسَأَلَهُ:
«هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» 45وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ ٱلْمِئَةِ،
وَهَبَ ٱلْجَسَدَ لِيُوسُفَ. 46فَٱشْتَرَى كَتَّاناً، فَأَنْزَلَهُ
وَكَفَّنَهُ بِٱلْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي
صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَراً عَلَى بَابِ ٱلْقَبْرِ. 47وَكَانَتْ مَرْيَمُ
ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ َيْنَ وُضِعَ.

 

من
أين علم النائب يسوف من الرامة أن يسوع قد مات بهذه السرعة؟ ربما ركضت إليه إحدى
السيدات المنتظرات وأخبرته.

 

ولماذا
ركضت إلى عضو في مجلس الأمة، لا إلى بطرس ويوحنا؟ ذلك لأن يوسف الوجيه كان تلميذ
يسوع سراً، منتظراً بالتقوى إعلان المسيح. ووثقت السيدات به وتجاسرت للاستعانة به (يوحنا
19: 38).

 

كيف
يمكن أن يسوف أكرم يسوعن مع أنه اشترك في تصويت المجلس لاعدامه. ربما امتنع عن
التصويت شكلياً، أو لم يكن حاضراً في لحظة التصويت، أو كانت الأحكام اليهودية
القديمة منطبقة على يسوع أيضاً، القائلة أنه حتى المجرك المضل غير متروك مطلقا من
نعمة الله. فلم يعتبر حكم السبعين شرعياً إلا إذا صوت اثنان من بينهم لأطلاق
المحكوم. ولعله قد صوت يوسف ونيقوديموس لبراءة يسوع بصوتيهما اللازمين لتنفيذ
الحكم فيه شرعاً (يوحنا 19: 39).

 

تعجب
بيلاطس من موت يسوع السريع. لأن المصلوبين بعلقون بعض المرات 24 أو 48 ساعة على
خشبة العار. والأقوياء منهم حتى ثلاثة ايام، أما يسوع فكان شاباً حساساً رفيعاً في
المحبة والكرامة. وقد تمزق جسده. ونفسه المحبة تعبت في خلاص العالم، وجنم هجمت
عليه، وغضب الله مزقه.

 

تأمل
وصف موت يسوع في سفر إشعياء فتتعلم كثيراً: «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ
مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ،
وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء 53: 5).

 

أما
الرب فسر بأن يسحقه بالحزن. إذ جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً. من تعب نفسه يرى
ويشبع.

 

لم
يرد بيلاطس أن يطيل في هذه القضية، وأراد أن يتخلص منها سريعاً عالماً أنه قام
بقتل غير شرعي، لأجل الضغط من الشعب. فبكته ضميره وسر عندما أتى نائب محترم من
المجلس اليهودي الذي سلم يسوع صباحاً بين يديه وأجبره لصلبه. فسلم جسد يسوع إل
أيدي مشتكية. إلا أنه أراد التيقن من موت يسوع تيقناً شرعياً لكيلا يأتي في اللحظة
الأخيرة أحد أتباعه وينزله عن الصليب ويخبئه ويعالجه حتى يشفى.

 

فأرسل
إلى قائد المئة ليحضر إليه، الذي أكد له رسمياً أن يسوع قد مات. فليس السيدات بل
أيضاً القائد شهد بتاريخية موت يسوع على الصليب.

 

ونرى
الإرشاد الإلهي وتدبير الأمور مسبقاً. لأن يوسف الذي من الرامة، لم يكن ساكناً في
القدس، بل عمل حسب عادة اليهود الأتقياء، اشترى مكاناً قريباً من أورشليم وحضر
قبره الخاص منحوتاً بالصخر، ليدفن قرب الهيكل في حالة موته. ففي محبته ليوع اتحد
معه معنوياً حتى وضعه في قبره الخاص دليلاً على إكرامه الأسمى وشكره العميق.

 

وهكذا
لم يُلق جسد يسوع إلى التراب ولم يرم إلى الكلاب في البرية كما كان يحدث عادة مع
أجساد المصلوبين، بل دُفن بقبر فخم. علامة أنه بعد موته الكفاري واحتماله غضب الله
انتهت خدمة المصالحة التي قبلها الله وأكرم ابنه المذبوح إكراماً عاياً. ولا بد أن
يوسف لم يكن منفرداً في عملية إنزال جسد يسوع عن الصليب. بل نيقوديموس الفقيه
اليهودي أسرع إليه ورجال أتقياء آخرون، السيدات كن محرومات من خدمة المحبة الأخيرة.
وتم الدفن بسرعة كبيرة لأنه بعد الساعة الثانية عشرة أي السادسة مسا حسب توقيتنا
كان بداية السبت، ومنعت كل الأشغال في الأمة تحت طائلة قانون الموت.

 

وفي
ذلك السبت التقى أيضاً عيد الفصح رمزاً لعبور غضب الله عن الذين يأكلون الحمل
المذبوح. أما حمل الله الصحيح فدفن بسرعة وصمت وارتاح في قبره يوم السبت. وختموا
على حجر قبره بختوم الوالي، لكيلا يقدر أحد من أتباعه أن يسرقه وجميع الحزان رجعوا
إلى بيوتهم وبكوا في العيد الكبير.

 

الصلاة:
اللهم القدوس نسجد لك لأنك أعددت جميع التفاصيل لدفن ابنك الحبيب. قد أرشدت يوسف
ونيقوديموس للاعتراف بمحبتهما ليسوع حتى لم يباليا بالاتهام والخطر والاهانة.
ساعدنا لكيلا نخاف من المستهزئين بنا، ولا المتعصبين، بل نشد بمحبتنا ليسوع في كل
مكان وزمان لكي يعرف الجميع أنه هو حمل الله الذي قد رفع خطية العالم. آمين.

 

السؤال:
20- ما هو الأمر العجيب في دفن يسوع؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي