إِنْجِيلِ لُوقَا

 

الفصلُ
الأوَّل نظرَةٌ عامَّة إلى إنجيل لُوقا

 

 إنَّ
كاتِبَ إنجيل لُوقا لم يكُن يهُودِيَّاً، ولم يكُنْ واحداً من الإثني عشر. بل كانَ
يُونانِيَّاً، ولقد وجَّهَ إنجيلَهُ إلى شخصٍ كانَ يُونانِيَّاً أيضاً. يعتَقِدُ
المُفسِّرُونَ أنَّ لُوقا إستَنَدَ إلى مريم أُم يسُوع، وإلى يعقُوب أخي يسوع،
وإلى عدَّةِ شُهودِ عيانٍ آخرين كمصادِر لمعلُوماتِهِ عندما قامَ ببحثِهِ وكتبَ
هذا الإنجيل. ولقد أشارَ بُولُس إلى لُوقا "كالطبيب الحَبيب" وكمُرافِقٍ
لهُ في رحلاتِه. من الواضِح أنَّهُ سافَرَ معَ بُولُس لكَي يُعالِجَ عوارِضَهُ
المرَضِيَّة الناتِجة عن "شوكتِهِ في الجسد" (2 كُورنثُوس 12). لقد
أشارَ بُولُس إلى لُوقا ثلاث مرّاتٍ في رسائِلهِ المُوحاة (كولوسي 4: 14؛ 2
تيمُوثاوُس 4: 11؛ وفيلمون 24).

 

 ولوقا
هو أيضاً كاتِبُ سفر أعمال الرسُل. ويوجِّهُ لوقا سفر أعمال الرسُل إلى الشخص
نفسِهِ الذي وجَّهُ لهُ إنجيلَ لوقا، أي ثاوُفِيلوس. وبما أنَّ إسم ثاوُفِيلوس
يعني "مُحِبُّ الله،" يظُنُّ بعضُ المُفسِّرين أن هذين السفرَين لم
يُوجَّهَا إلى أيِّ شخصٍ مُعَيَّن يُحِبُّ الله، بينما يعتَقِدُ الآخرونَ أنَّ
ثاوُفيلوس كانَ رجُلاً حقيقيَّاً كانَ لوقا يعرِفُهُ.

 

 لقد
كانَ كاتِبُ هذا الإنجيل رجُلاً مُثَقَّفاً. ولربَّما كانَ يُعتَبَرُ عالِماً في
زَمانِه. وهو يستخدِمُ عبارَاتٍ طبِّيَّة أكثَر من هيبُّوقراطِيس الذي يُعتَبَرُ
"أب الطبّ الحديث،" ويستخدِمُ قواعِدَ لُغَويَّة يُونانيَّة أفضَلَ من باقي
كُتَّاب أسفارِ العهدِ الجديد، بما فيهم الرسُول بُولُس. لقد كانَ كاتِباً
مَوهُوباً ومُؤرِّخاً دقيقاً.

 

 عِندَما
سجَّلَ لُوقا رحلات بُولُس التبشيريَّة، إستخدما ضمير "نحنُ،" و
"هُم" بالتبادُل. إنَّ دراسةً دقيقة لهذه المقاطِع التي تحتَوي الضمير
"نحنُ" في سفرِ الأعمال، ستُرينا متى كانَ لُوقا برفقَةِ بُولُس في
رحلاتِهِ التبشيريَّة. كتبَ بُولُس للكُورنثُوسيِّين أنَّ اللهَ لم يدعُ لِلخَلاص
الكثير من الأشخاص الذين يعتَبِرُهُم العالَمُ حُكَماء (1كُورنثُوس 1: 26- 29).
كانَ هُوَ ولُوقا إستِثناءً على هذه القاعِدَة، التي قد تكونُ تفسيراً آخَرَ
لعلاقتِهما المُقَرَّبَة.

 

 يُسجِّلُ
إنجيلُ لُوقا عشرينَ مُعجِزَةً عمِلَها يسوع، سِتَّاً منها ترِدُ فقط في إنجيلِ
لُوقا. ويُسجِّلُ ثلاثةً وعشرينَ مثلاً، ثمانيةَ عشر منهُم ترِدُ فقط في إنجيلِ
لُوقا.

 

يُعتَبَرُ
إنجيلُ لُوقا الإنجيل المُفَضَّلَ لأنَّ المسيحَ الذي يَصِفُهُ لنا لُوقا هُوَ
إنسانِيٌّ، عَطوف، يهتَمُّ ويتَّحِد تماماً مع إنسانِيَّتِنا. كطَبِيبٍ، كانَ
لِلُوقا ضَميرٌ إجتِماعِيُّ عظيم، ولقد أعطاناَ قصَّةً عن حياةِ المسيح، الذي كانَ
واعِياً تماماً للقضايا الإجتِماعِيَّة. وبينما يُشدِّدُ لُوقا على اللمسَةِ
الإنسانيَّة، يُخبِرنا أنَّ مرثا كانت غاضِبَةً لأنَّ مريم لم تُساعدها على إعدادِ
الوليمة للمسيح عندما كانَ يزورُهما للغداء (لُوقا 10: 38- 42). وبينما إستَخدَم
لُوقا عينَ المُؤرِّخ التي ترى التفاصيل، وقلبَ الطبيب الذي يطفحُ بالعَطف،
أخبَرنا أنَّ عينا الرَّبّ إلتقتا بعينَي بطرُس عندما صاحَ الدِّيك وكانَ بطرُس قد
أنكَرَ ربَّهُ للمرَّةِ الثالِثة (22: 60، 61).

 

نرى
عبرَ إنجيل لُوقا بكامِلهِ لمسةَ يسُوع الإنسانيَّة. وعندما تجمَعُ كُلَّ ما تراهُ
هُناكَ، يكُونُ لديكَ وصفٌ وصُورَةٌ عقليَّة عن يسوع التي تُساهِمُ كثيراً في سجلِ
إبن اللهِ وابنِ الإنسان، تماماً كما كانَ يسُوعُ حينَها وكما هُوَ الآن. إنَّ
رسالةَ الإنجيل الثالِث هي إنسانِيَّة الله-الإنسان. فالتشديدُ هُوَ أنَّ هذا
الإنسان، الذي كانَ الله، وحَّدَ نفسَهُ بإنسانِيَّتِنا.

 

كَمُؤرِّخٍ
دقيق وكاتِبٍ ماهِر، قدَّمَ لُوقا سِجلاً دَقيقاً مُنَظَّماً لصديقِهِ
ثاوُفِيلُوس. وأنا مُتَيقِّنٌ تماماً أنَّهُ كانَ شخصاً حقيقيَّاً مَشهُوراً،
أحبَّ اللهَ وكانَ محبُوباً من لُوقا (1: 3). في مُقدِّمتِهِ للسفرِ التاريخي
الوحيد في العهدِ الجديد، وصفَ هذا الإنجيلَ الثالِث كَسِجِلٍّ "عن جميعِ ما
إبتدَأَ يسُوعُ يعمَلُهُ ويُعلِّمُ بهِ، إلى اليومِ الذي إرتفعَ فيهِ."
(أعمال 1: 1و 2)

 

يُخبِرُنا
هذا المُؤرِّخُ عن ميلادِ المسيح وعن الثلاثين سنة الأُولى من حياتِهِ، أكثر ممَّا
يُخبِرنا عنهُ أيٌّ من كُتَّابِ الأناجيل الأُخرى. إنَّ الإصحاحَين الأوَّلَين في
إنجيلِهِ يُخصِّصانِ مائةً وإثنين وثلاثين عدداً لخرقِ الصمتِ عن هذه المرحلة في
حياةِ يسُوع. إنَّ إنجيل لُوقا هُوَ سِجِلٌّ تاريخيٌّ دَقيقٌ ومُنظَّم عنِ الأُمور
التي عمِلَها يسُوع وعلَّمَ بها من وِلادتِهِ إلى صُعودِه. يعتَقِدُ الكثيرونَ من
عُلماءِ الكتابِ المقدَّس أنَّ العددَ التالي هو العددُ المفتاحِيُّ لإنجيلِ
لُوقا: "لأنَّ إبنَ الإنسانِ قد جاءَ لكَي يطلُبَ ويُخلِّصَ ما قد
هلَك." (19: 10)

 

الفَصلُ
الثانِي تأمُّلاتٌ مِيلادِيَّة

بالنسبةِ
لِلُوقا، عندما تدخَّلَ اللهُ في التاريخِ البَشريّ وصارَ إنساناً، دعا بعضَ
الأشخاص ليُشارِكُوا بهذه المُعجِزَة العظيمة. وعلى الرُّغمِ من أنَّهُ لم يكُن
هُناكَ إلا القَليل منهُم، ولكن لدى كُلِّ واحِدٍ منهُم أُموراً يُعلِّمُوننا
إيَّاها من خِلالِ خِلالِ مِثالِ حياتِهم.

 

العذراء
مريَم

 لقد
زارَ الملاكُ جبرائيل مريمَ، التي كانَت عذراءَ مخطُوبَةً لرجُلٍ إسمُهُ يُوسُف.
ولقد أخبَرَ جبرائيلُ مريم بنفسِ الخبر الذي أخبَرهُ لزكريَّا – الكاهِن الذي كانَ
والِد يُوحنَّا المعمدان – أنَّ اللهَ كانَ سيُصبِحُ إنساناً. ولكنَّ الكاهِنَ لم
يُؤمِن بما قالَهُ لهُ الملاك، وبسببِ عدمِ إيمانِه، أخبَرَهُ المَلاكُ أنَّ فمَهُ
سيُقفَل، وسيكُونُ صامِتاً إلى حين، ولن يتمكَّنَ أن يُخبِرَ أحداً عن هذه
المُعجِزة العظيمة التي حدَثَت. لقد أخبَرَ الملاكُ جبرائيل مريم أنَّها ستحبَلُ
وستَحمِلُ إبنَ اللهِ في أحشائِها. فسألَت مريمُ الملاكَ، "كيفَ يكونُ هذا،
وأنا لا أعرِفُ رجُلاً؟" (1: 34)

 

 رُغمَ
أنَّ مريم سألت الملاك كيفَ يُمكِنُ أن يحدُثَ هذا الميلاد العذراوِيّ، لكنَّهَا
لم تُجِبْ بعدَمِ إيمانٍ كما فعلَ زكريَّا. فالكاهِنُ لم يُؤمِن بأنَّ مُعجِزَة
ولادَةِ إبنِهِ مُمكِنَة. بالحقيقة، نجدُ أنَّ مريمَ آمَنَتَ بكلمات الملاك، عندما
قالَت لها أليصابات: "فطُوبَى لِلَّتِي آمنَت أن يتِمَّ ما قِيلَ لها من
قِبَلِ الملاك." (لُوقا 1: 45)

 

إيمانُ
الرُّعاة

 ظهرت
ملائكةٌ لبعضِ الرُّعاةِ الذين كانُوا يحرُسُونَ قطعانَهُم في الليل. ولقد أخبَرتِ
الملائكَةُ الرُّعاةَ بالأخبارِ السارَّة عن ولادَةِ المسيح (لوقا 2: 10، 11). من
الجدير بالمُلاحظة أنَّ الأخبارَ السارَّة التي أعلنها الملائكة كانت مُوجَّهَةً
للجميع. فبعدَ أن إستلمَ الرُّعاةُ هذه الرسالة، قبلَ وبعدَ أن رأوا هذه
المُعجِزة، أخبَرُوا الجميعَ بما أخبرَتهُم بهِ الملائكة.

 

 هل
سبقَ لكَ وتساءلتَ لماذا أخبَرَ اللهُ الرُّعاةَ عن مُعجزَةِ الميلاد الأُولى؟
كُلُّ الآخرينَ الذين أُخبِرُوا بهذه المُعجِزة لَعِبُوا دَوراً حيويَّاً، ويبدو
أنَّ اللهَ أخبَرَهُم بما كانُوا يحتاجُونَ أن يسمَعُوه. فالكاهِنُ وزوجتُهُ أليصابات
– أهلُ يُوحنَّا المعمدان – إحتاجُوا أن يَعرِفُوا. ومريم ويُوسُف إحتاجا أن
يعرِفا، وآمنَا، ولكنَّنا نقرَأُ أنَّ مريم "كانت تحفَظُ جميعَ هذا الكلام
مُتفكِّرَةً بهِ في قَلبِها." (لُوقا 2: 19).

 

 ومن
جِهَةٍ أُخرى، أخبَرَ الرُّعاةُ الجميعَ بما رأوهُ وسمِعُوهُ، قبلَ وبعدَ أن رأوا
هذه المُعجزة العظيمة. فلماذا شملَ اللهُ الرُّعاةَ في مُعجِزتِهِ العظيمة؟
لأنَّهُ عرفَ أنَّهُ سيُؤمِنونَ وسيُخبِرُونَ الجميعَ بمُعجِزَةِ المُخلِّص، الذي
هُوَ المسيح – المَسيَّا المَوعُود بهِ، والرَّبّ.

 

يسُوع
إبن الإثني عشرَ عاماً في الهَيكَل

 لقد
كسرَ لُوقا الصمتَ وأخبَرَنا بالأمرِ الوَحيد الذي نعرِفُهُ عن الثلاثين سنة التي
عاشَها يَسُوعُ ما بينَ ولادتِهِ وبدايَةِ خدمتهِ العلنيَّة التي إستمرَّت ثلاث
سنوات. هذه حادِثَةٌ جرت عندما كانَ يسُوعُ في الثانِيَةِ عشرَ من عُمرِه. لقد
أخذَهُ أهلُهُ إلى أُورشَليم، ويبدو أنَّهُم ذهبُوا بِصُحبَةِ مجمُوعَةٍ كُبرى من
الحُجَّاجِ الدينيِّين.

 

 وعلى
طريقِ العودَةِ إلى المنزِل، تطلّبَهُم الأمرُ ثلاثَةَ أيَّامٍ ليُدرِكُوا أنَّ
يسُوعَ لم يكُنْ معَهُم. فرجعوا على أعقابِهم بقَلَقٍ نحوَ أُورشَليم، ووجدُوهُ في
الهَيكَل يطرحُ أسئِلةً على القادة الدينيِّين. عندما وصفَ أهلُهُ بحثَهم عنهُ
بِقَلق، أجابَهُم، "لماذا كُنتُما تطلُبانَني ألم تعلَما أنَّهُ ينبَغي أن
أكُونَ فيما لأَبِي؟" (لُوقا 2: 49).

 

 هذا
يجعَلُ من والِدَي يسُوع يبدُوانِ إنسانِيَّين تماماً – لأنَّهُما أضاعا طفلَهُما،
ووجداهُ في آخرِ مكانٍ كانا يتوقَّعانِه. فأن يسمَعاهُ يقُولُ لهُما أنَّهُ كانَ
عليهِما أن يُدرِكا أنَّهُ سيكُونُ مُنشعلاً بعملِ الآبِ السماء في الهيكل، حيثُ
وجداهُ يطرحُ أسئِلةً على الكتبة المُتَعلِّمين وعلى مُعلِّمي النامُوس، فإنَّ هذا
أعطى معنىً كبيراً لهذهِ الحادِثة.

 

تطبيقاتٌ
شخصيَّة

 يُخبِرنا
العهدان القديمُ والجديدُ أنَّ يسُوعَ المسيح سيتدخَّلُ جسديَّاً في التاريخِ
البَشريّ مُجدَّداً، وذلكَ عند مجيئهِ الثاني. إنَّ جوهَرَ الميلاد الأوَّل هو
أنَّ اللهَ صارَ جسداً من أجلِ خلاصِنا. وجوهَرُ مجيء المسيح ثانِيَةً هو نفسُ هذا
الجوهر. بكلماتٍ أُخرى، اللهُ سوفَ يُجري الميلاد ثانِيَةً – أي أنَّ هُناكَ ميلاد
آخر آتٍ. تماماً كما كانَ الميلادُ الأوَّلُ رجاءَنا الوحيد للخلاص، فإنَّ الميلاد
الثاني هو رجاءُ الكنيسة المُبارَك ورجاءُ العالم الوحيد.

 

 لقد
أعطانا اللهُ معرِفَةً لهذا الرجاء المُبارَك من خِلالِ كَلمتِه. فهُوَ يُريدُ أن
يستَخدِمَنا ليُعلِنَ الأخبار السارَّة عن رُجوعِ إبنِهِ إل عالمٍ مملوءٍ بأشخاصٍ
لا رجاءَ لهُم. فإذا شكَّكنا مثل زكريَّا بهذه المُعجِزة، فإنَّ عدَمَ إيمانِنا
سيُغلِقُ أفواهَنا ويجعلُنا نَصمُت عن مُشاركةِ هذا الرجاء معَ أيٍّ كان. وإن
شكَّكنا وحاوَلنا كَمَريَم تحليلَ كُلّ التفاصيل المُتعلِّقَة برُجُوعِ المسيح،
فإنَّنا قد نضعُ هذه الأُمُور مُتَفَكِّرينَ بها في قُلوبِنا، بدونِ أن نُخبِرَ
الذين لا رجاءَ لهُم عن رجائِهم الوَحيد.

 

 علينا
أنْ نتبَعَ مِثال الرُّعاة وأن نُخبِرَ كُلَّ شخصٍ بهذه الأخبار السارَّة، قبلَ أن
نراها بنُفُوسِنا. فهل ستَتبَعُ مِثالَ الرُّعاة وتُخبِرُ الجميعَ عمَّا تعرِفُهُ
عنِ الرَّجاءِ المُبارَك الذي لكَ كَمُؤمِن، وعنِ الرجاء الوحيد الذي لهذا العالم؟

 

الفصلُ
الثالِث بيانُ المَسيَّا

 بالحَقيقَةِ
يُوجدُ مَقطَعَانِ يمنحانِنا فَهماً لإنجيلِ لُوقا. سبقَ وذكرتُ الأوَّل (لُوقا
19: 10). لقد أعطانا يسُوعُ المقطعَ الثاني عندما ذهبَ إلى المجمَعِ في قريتِهِ
الناصِرة، وقرأَ من سفرِ النبيِّ إشعياء (4: 18). إذا قارنتَ هذين المَقطَعين،
سوفَ ترى أنَّهما كِليهما يُوضِحانِ قصدَ يسوع من مجيئه.

 

 إذا
وضعنا هذا المقطع في إطارِهِ، فإنَّ العدد الأوَّل يُصوِّرُ لنا مُخلِّص العالم،
تماماً كما كانَ يفعَلُ في زمانِهِ، يطلُبُ ويُخلِّصُ ما قد هَلَك (19: 10). ولكن
عندما يُوضَعُ المقطَعُ الثاني في إطارِهِ، يُقدِّمُ لنا "بياناً
للمسيَّا." (4: 18). إنَّ هذا البَيان هُوَ أكثَرُ تصريحٍ شامِل ليسُوع الذي
يُظهِرُ فيهِ لماذا جاءَ وماذا كانَ يعمَلُ في عالمِنا. يُسمَّى أحياناً
"بيان الناصِرَة،" لأنَّهُ أُعلِنَ في بلدتِهِ، وعندَ بدايَةِ خدمتِهِ
العلنية التي إستمرَّت ثلاثَ سنوات.

 

إعلانُ
البَيان

 "وجاءَ
إلىالناصِرة حيثُ كانَ قد تربَّى. ودخلَ المجمَع حسبَ عادَتِهِ يوم السبت، وقامَ
ليقرَأ. فدُفِعَ إليهُ سفرُ إشعياء النبيّ. ولمَّا فتحَ السفرَ وجدَ الموضِعَ الذي
كانَ مكتوباً فيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عليَّ لأنَّهُ مسحني لأُبشِّرَ المساكِين
أرسَلني لأشفِيَ المُنكَسِري القُلوب لأُنادِيَ للمأسُورينَ بالإطلاق وللعُميِ
بالبَصَر، وأُرسِلَ المُنسَحِقينَ في الحُرِّيَّة… ثُمَّ طوى السفرَ وسلَّمَهُ
إلى الخادِم وجَلَس. وجميعُ الذين في المجمَع كانَت عُيُونُهم شاخِصَةً إليهِ.
فابتدَأَ يقُولُ لهُم إنَّهُ اليوم قد تمَّ هذا المكتُوب في مسامِعِكُم."
(لُوقا 4: 16- 21).

 

 كثيرونَ
من قادَةِ العالم بدأوا رسالتَهُم بكِتابَةِ بيانٍ أعلنُوا فيهِ الأجوِبَةَ
والحُلول التي أعلنوا أنَّهُم سيُقدِّمُونَها لمشاكِلِ الناس في هذا العالم. عندما
نسمَعُ يسُوعُ يبدَأُ خدمتَهُ العلنيَّة لثلاثِ سنوات بإعلانِ بيانِ الناصِرَة،
علينا أن نُدرِكَ أنَّنا نُصغي إلى أعظَمِ بيانٍ عرفَهُ العالَمُ على الإطلاق. هذا
لا يَصِحُّ فقط بسبب كونِ مُحتَوى البيان مُوحَىً بهِ وبكونِهِ َتتميم
النُّبُوَّة. لأنَّ بيان الناصِرة هو أعظَمُ بيانٍ عرفَهُ هذا العالمُ على
الإطلاق، لأنَّهُ طُبِّقَ بشكلٍ كامِل من قِبَلِ الشخص الذي أعلَنَهُ.

 

 علينا
أيضاً أن نُدرِكَ أنَّ يسُوعَ كانَ يُعلِنُ بيانَ الكنيسةِ اليوم، بالطريقَةِ التي
أخبرنا فيها لُوقا عن بدءِ خدمتِه. إنَّ بيانَ الناصِرة لا يُرينا فقط ماذا كانَ
يعمَلُ يسُوع عندما عاشَ حياتَهُ هُنا في الجسد، بل أيضاً يُرينا ما يرغَبُ هُوَ
أن يعمَلَهُ اليوم من خِلالِ أُولئكَ الذينَ يُسمُّونَ أنفُسَهُم "جسد
المَسيح."

 

 كانَ
لإحدى الحركات في العالم عددٌ قليلٌ جداً من الأعضاء لِعدَّةِ سنوات، لسنواتٍ
طويلَة بعدَ أن كُتِبَ بيانُها. ثُمَّ قامَ أحدُ أعضائِها بكتابَةِ نبذَةٍ صغيرَةٍ
كان عُنوانُها، "ماذاينبَغي أن يُعمَلَ؟" وكانَ زخمُ هذه النبذَة
الصغيرة هُوَ، ماذا ينبَغي أن يُعمَلَ من قِبَلِ أُولئكَ الذينَ يُؤمِنُونَ
بالبيان؟ لقد حرَّكت هذه النبذَة الملايين من الناس في هذه الحركة.

 

 إنَّ
حياةَ وتعاليم يسُوع المسيح هي بيانُ تِلميذ يسُوع المسيح. فالأتباعُ الحقيقيُّونَ
ليسُوع المسيح يُؤمِنونَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام لديهِ الحُلولُ الوحيدَةُ
لحاجاتِ ومشاكِلِ الناس في هذا العالم. إنَّ هذا الإعلان عن الهدف من قِبَلِ يسُوع
في بدايَةِ خدمتِهِ هو بيانُهُ المُختَصَرُ الذي لا يُخبِرُنا فقط بما قصدَ أن
يفعَلَهُ. فإنَّ هذا التصريح عن رسالتِهِ يُخبِرُنا ماذا ينبَغي أن يُعمَلَ من
قِبَلِ كُلِّ تِلميذٍ للمسيح في هذا العالمِ اليوم.

 

 إنَّ
هذا التصريح المُختَصَر والشامِل في آنٍ عن أهدافِ رسالةِ يسُوع، سيُظهِرُ الخُطوط
العريضة لإنجيلِ لُوقا. فبينما ندرُسُ معاً إنجيلَ لُوقا، سأُظهِرُ لكُم كيفَ
أعلَن يسُوعُ بيانَهُ عندما قرأَ من درجِ سفرِ إشعياء في الناصِرة، ثُمَّ برهنَ
لرجالِ الدين في زمانِهِ أنَّ لديهِ السلطة ليُطبِّقَ بيانَهُ. يُتابِعُ إنجيلُ
لُوقا ليُريَنا كيفَ مارسَ يسُوعُ البيان الذي أعلنَهُ وبرهنَهُ. وفي النِّهايَة،
سأُريكُم كيفَ سيَرسِمُ لُوقا صُورَةً ليسُوع، داعِياً ومُتَحَدِّياً الآخرينَ،
بمن فيهم أنا وأنت، لكي نُصبِحَ شُركاء معَهُ في تطبيقِ بيانِهِ ورسالتِهِ في هذا
العالم.

 

 الطريقَةُ
التي يُقدِّمُ بها لُوقا قصَّةَ حياة يسُوع تُعطِينا تعريفاً جوهَريَّاً آخرَ
عمَّا يعنيهِ كَونُ الإنسان تِلميذاً ليسُوع المسيح. إنَّهُ يُظهِرُ لنا ماذا
ينبَغي أن يُعمَلَ في كنيسةِ يسُوع المسيح في العالمِ اليوم.

 

 طالما
فكَّرتُ أنَّهُ من الرائع أن يقرَأَ تلميذُ يسُوع بيانَنا المسيحي، ومن ثمَّ
يكتُبُ نبذَةً بِعُنوان، "ماذا ينبَغي على تلميذٍ يُؤمِنُ ببيان يسُوع أن
يعمَلَ؟" لقد لاحظتُ أنَّهُ لا يستطيعُ تِلميذٌ واحِدٌ ليسُوع أن يكتُبَ هذا
البَيان بمُفرَدِهِ، لأنَّ اللهَ رتَّبَ إرادتَهُ لِحياتِنا كأفراد، وإعلانُهُ
لهذه الإرادة، بطريقَةٍ تُوجِبُ علينا جميعاً أن نمثُلَ أمامَهُ، كما فعلَ بُولُس
على طريقِ دِمشق، ونسأل، "يا رَبّ، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَلَ؟"
(أعمال 9: 6)

 

 إن
لم تكُنْ تابعاً ليسوع، أُصلِّي أن يُساعِدَكَ هذا الكُتَيِّب على التعرُّفِ إلى
ذلكَ الذي إختَرقَ الإنسانِيَّةَ بطريقَةٍ شخصيَّة، وبَرهَنَ أنَّهُ الإلهُ
الموعُود بهِ والذي يُريدُ أن يلمُسَ حياتَكَ أيضاً. إن كُنتَ تِلميذاً ليسُوع
المسيح، أُصَلِّي أن تُريَكَ هذه الدِّراسة لإنجيلِ لُوقا ماذا يُريدُكَ أن
تفعَلَ. وأرجو أنَّ يسمَعُ كُلُّ واحِدٍ منَّا الصوتَ الهادِئَ الخفيف لربِّنا
الحيّ المُقام، والذي يجعلُنا نعرِفُ ماذا يُريدُنا أن نعمَلَ عندما نُصبِحُ
شُركاءَ معَهُ وعندما يُطبِّقُ بيانَهُ فينا ومن خِلالِ جسدِنا اليوم.

 

بَيانُ
المسيَّا المُبَرهَن

 كانَ
يسُوعُ يشفي ويُعلِّمُ في بَيتٍ في كفرناحُوم. فجاءَ القادَةُ الدينيُّون، الذين
أُطلِقَ عليهِم إسم "مُعلِّمي النَّامُوس،" جاؤوا بعدَ رحلةٍ طويلةٍ من
أورشليم إلى الجليل، ليستعلِموا عن مُعجِزةِ يسُوع التي لا تُنقَض بشفائهِ الأبرص.
يُقدِّمُ هذا لنا الإطار الذي فيهِ برهَن يسُوعُ البيانَ الذي أعلنَهُ في
الناصِرة. فلقد حقَّقَ مُعجِزَةً شفائِيَّةً أُخرى في هذا الإطار، والتي كانت
"لكي تعلموا أنَّ لإبنِ الإنسانِ سُلطانٌ على الأرضِ أن يغفِرَ
الخطايا!" (لُوقا 5: 17- 26)

 

 بينما
كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ، قامَ أربعةُ رجالٍ بِفتحِ فجوَةٍ في سقفِ ذلكَ المنزِل،
وأنزَلوا منها بواسطةِ الحبال صديقَهم المفلوج واضِعينَ إيَّاهُ على سريرٍ،
ومدَّدوهُ أمامَ يسُوع. بالنسبَةِ ليسُوع، لم يكُن يعتَبِرُ هكذا تصرُّف وكأنَّهُ
مُقاطَعة لتعليمِه، بل فُرصَة سانحة. فاستخدَمَ يسُوعُ هذه الفُرصَة السانِحة لكَي
يُبرهِن بيانَهُ عندما قالَ للرجُل الماثِل أمامَهُ، "مغفُورَةٌ لكَ
خطاياك." فصُدِمَ رجالُ الدِّين وتساءَلوا، "من يغفِر خطايا إلا الله
وحدَهُ؟"

 

 فأجابَهُم
بسُؤال: "أيُّما أيسَر أن يُقالَ مغفُورَةٌ لكَ خطاياك. أم أن يُقالَ قُم
وامشِ؟ ولكن لكَي تعلمُوا أنَّ لإبنِ الإنسانِ سُلطاناً على الأرضِ أن يغفِرَ
الخطايا قالَ لِلمَفلُوج لكَ أقُول قُم واحمِلْ فِراشَكَ واذهَبْ إلى بيتِكَ. ففي
الحال قامَ أمامَهُم وحملَ ما كانَ مُضطَجِعاً عليهِ ومضى إلى بيتِهِ وهُوَ
يُمجِّدُ الله." (5: 23 – 25)

 

 عندما
أخبَرَ يسوعُ الرجُلَ أن خطاياهُ قد غُفِرَت، لربَّما أخذَ ضُيُوفُ الشرفِ هؤلاء
يتساءَلون فيما بينَهم، "حتَّى الآن لم نرى منكَ إلا كلاماً." وبالطبعِ
كانَ يسُوعُ يُوافِقُ معَ هؤلاء اللاهُوتيِّين أنَّ اللهَ وحدَهُ يغفِرُ الخطايا.
فمن خِلالِ هذه المُعجِزة برهَنَ لهُم أنَّهُ هُوَ الله معنا، وأنَّهُ كانَ لديهِ
نفسُ السلطان أن يغفِرَ الخطايا على الأرض كما أن للهِ سُلطانٌ أن يغفِرَ الخطايا
في السماء. وهكذا برهَنَ أنَّ لديهِ القُوَّة والسُّلطَة ليُطبِّقَ بيانَهُ.

 

بيانُ
الناصِرة المُطبَّق

 أعلنَ
يسُوعُ أنَّ روحَ اللهِ مسحَهُ لهدَف. "رُوحُ اللهِ مسحني لأُبَشِّرَ المساكِين."
لم يكُن يُشيرُ بالمساكين إلى الفُقراء إقتِصادِيَّاً في هذا المقطع، بل إلى
الفُقراء والمساكين رُوحيَّاً، أولئكَ الذين لم يسبِقْ لهُم أن يسمَعُوا بأخبارِ
الخلاص السارَّة. لقد كانُوا مساكين بمعنى أنَّهُم كانُوا رُوحيَّاً عُميان،
مُقيَّدين، ومكسُوري القُلوب.

 

 لقد
كانَ العُميانُ المساكِين بالرُّوح أُولئكَ الذين لم يعرِفُوا يمينَهُم من
شمالِهم، والذين كانُوا كَخِرافٍ لا راعي لها (متى 9: 36). لقد كانُوا عُمياناً
رُوحيَّاً. فكانَ هدَفُ رسالتِهِ أن يكرزَ بالإنجيل ويُعلِّمَ بهدَف أن يفتحَ
أعيُنَ هؤلاء العُميان رُوحيَّاً. لقد إستخدمَ تعليمَهُ في عظاتٍ، أمثالٍ،
مُقابَلات، وأعمال لكَي يمنحَ البَصَرَ للعُميان رُوحيَّاً.

 

 وجَّهُ
يٍسُوعُ أخبارَهُ السارَّة إلى أُولئكَ الذين كانُوا مُقيَّدِين. لقد أُرسِلَ
"ليُنادِيَ للمَأسُورينَ بالإطلاق." بِكلماتٍ أُخرى، لكي يُحرِّرَ المُقيَّدِين
(لُوقا 4: 18). لاحِظوا في كُلِّ الأناجيل أنَّهُ لم يَجِد شخصاً لم يكُن حُرَّاً
ويتركُهُ في عُبوديَّتِه. إنَّ هذه الظاهِرَة تُوضَّحُ لنا بِشكلٍ جَميلٍ في
حالَةِ المرأة التي ربطَها الشيطانُ لمُدَّةِ ثمانِيَةِ عشرَ عاماً وحَرَّرَها
يسُوع (لُوقا 13: 16). لقد أوضَحَ أيضاً هدفَ رسالتِهِ في حِوارٍٍ عدائيّ أقامَهُ
معَ القادَةِ الدينيِّين (يُوحنَّا 5 – 8: 30- 35).

 

 وصفَ
يسُوعُ صُعوبات الحياة بالعَواصِف. لقد أعلَنَ أنَّ العواصِفَ تأتي إلى حياتِنا
جميعاً. وعندما تتهدَّدُ هذه العواصِفُ الناس، يترنَّحُ البعضُ منهُم، والبعضُ
الآخر يتداعى ويسقُط. الذين وصفَهُم يسُوعُ وإشعياءُ بأنَّهُم مجروحينَ ومكسُوري
القُلوب هُمَ أولئكَ الذين سقطوا أمامَ العواصِف التي ضربتهُم. إنَّ عطفَ يسُوع
على هؤلاء المكسُوري القُلوب هو واحِدٌ من أكثَر نواحِي حياتِهِ وخِدمتِهِ تأثيراً.
وكطبيبِ شفوق، شدَّدَ لُوقا على ضمير يسُوع الإجتِماعي وعلى عطفِِهِ على المكسُوري
القُلوب في هذا العالم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر اللاويين 07

 

 هل
أنتَ أعمَى رُوحيَّاً؟ وهل تشعُرُ بالسُّقُوط إلى درجةِ أنَّكَ لم تعُد تعرِف
بأيِّ إتِّجاهٍ عليكَ أن تمشِي؟ هل أنتَ حُرٌّ؟ وهل تعمَلُ ما تُريدُ أن تعمَلَهُ
أو ما أنتَ مُرغَمٌ على عملِه؟ هل أنتَ مُستعبَدٌ للخطيَّة، أو لعادَةٍ ما ولا
تستطيعُ أن تعمَلَ شيئاً إلا تلكَ الأُمور التي تُقيِّدُكَ؟ هل أنتَ مكسُورٌ
ومجروح ومسحُوق، وغيرَ قادِرٍ أن تجدَ الشفاءَ لكسرِكَ؟

 

 إن
كانَ جوابُكَ بالإيجاب على أيٍّ من هذه الأسئِلة التي ذكرناها، يُقدِّمُ لُوقا
قصَّةَ حياةِ يسُوع بطريقَةٍ تُظهِرُ لنا وتُخبِرنا أنَّنا أنا وأنتَ هم الأشخاص
الذين جاءَ يسُوعُ من أجلِهم إلى هذا العالم. لقد جاءَ ليمنحَكَ البَصر بدلَ العمى
الذي تُعاني منهُ، وليُعطِيَكَ الحُرِّية من قُيُودِكَ، ويشفِيَكَ من كَسرِكَ.
لهذا عليكَ أن تتَّخِذَ القَرار بقُبُولِ المَسيح الذي تلتَقيهِ في إنجيلِ لُوقا.
إتَّخِذْ الإلتِزام بإتِّباعِهِ كتلميذٍ لهُ، وهُوَ سيُنجِحُكَ في جميعِ طُرُقِكَ.

 

الفصلُ
الرابِع شراكَةُ بَيان المَسيَّا

 مُلاحَظَةٌ
أخيرة عن الطريقة التي يُظهِرُ بها هذا البَيانُ الخُطوطَ العريضَة في إنجيلِ
لُوقا هي أن نُدرِكَ أنَّ يسُوعَ يُعلِّمُ ويُدرِّبُ تلاميذَهُ بإستمرار ويتحدَّى
الآخرين أن يُصبِحوا شُركاءَ معَهُ في تطبيقِ أهدافِ رسالتِهِ كما أعلَنها في
الناصِرة. المثَلُ الأوَّلُ الواضِحُ من هذا هُوَ الطريقة التي بها جنَّدَ بطرُسَ
معَهُ في تطبيقِ بيانِ إفتِتاحِ خدمتِه.

 

 فذاتَ
صباحٍ مُبَكِّر على شواطِئِ بحرِ الجليل، وعندما كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ جمعاً
غَفيراً من الناس، سألَ بطرُس الذي كانَ قد رجعَ لتَوِّهِ من ليلَةٍ فاشِلَةٍ في
صيدِ السمك، سألَهُ إن كانَ بإمكانِهِ أن يستخدِمَ سفينتَهُ كمنبَرٍ للوَعظ. يبدو
أنَّ يسُوعَ إحتاجَ مكاناً مُرتَفِعاً قليلاً، لكي يستطيعَ أن يتكلَّمَ بِشكلٍ
فعَّالٍ أكثَر معَ هذا الجمعِ الغَفير الذي كانَ قد زحمَهُ إلى طَرَفِ مياهِ بحرِ
الجليل (لُوقا 5: 1- 11).

 

 لم
تكُنْ هذه المرَّة الأُولى التي يلتَقي فيها يسُوعُ بِبُطرُس. فلقد حدَثَ هذا
عندما عرَّفَ أندراوُس أخاهُ بطرُس إلى يسُوع (يُوحنَّا 1: 41، 42). قِيلَ لنا
أنَّ يسُوعَ وجَّهَ دَعوَةً لهذين الأخَوين، بالإضافَةِ إلى شُرَكائِهم في العمل،
يَعقُوب ويُوحنَّا، اللذَينِ كانا شَقيقَينِ أيضاً. كانت دعوةُ يسُوع لهُم،
"هلُمُّوا ورائي فأجعَلَكُم صَيَّادِي ناس." (متَّى 4: 19). قد تكُونُ
هذه طريقةُ لُوقا المُسهَبَة في التعبيرِ عمَّا وصفَهُ متَّى في عددٍ واحِدٍ. أو
قد يكونُ لُوقا يُخبِرُنا أنَّ يسُوعَ كرَّرَ وشدَّدَ على دعوتِهِ، مُظهِراً ماذا على
بطرُس أن يتعلَّمَ إذا أرادَ أن يُصبِحَ صيَّادَ ناس.

 

 بعدَ
هذه الجلسة التعليميَّة، قالَ يسُوعُ لبُطرُس ما معناهُ، "أُريدُكَ أن
تأخُذَني معكَ إلى صَيدِ السمك!" لقد تحدَّى بطرُس أن يخرُجَ بِسفينتِهِ
ثانِيَةً إلى عُمقِ المياه. ثُمَّ طلبَ منهُ هُناكَ أن يُلقِيَ شباكَهُ في الماء،
حيثُ سيلتقِطُ الكثيرَ الكثيرَ من السمك! (4)

 

 بينما
كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ الجمعَ، نقرَاُ أنَّ بُطرُس كانَ يغسِلُ شباكَهُ ويُنظِّفُ
سفينتَهُ بعدَ ليلَةٍ فاشِلَةٍ من صَيدِ السمك. أتَصَوَّرُ أنَّ بطرُس لم يكُن في
مزاجٍ هادِئ ذلكَ الصباح. وأَتَصَوَّرُ أيضاً أنَّهُ بينما كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ
ذلكَ الجمعَ الغَفيرَ من الناس، أنَّهُ كانَ أكثَرَ إهتِماماً بهذا الصيَّاد
الكَبير ممَّا كانَ مُهتَمَّاً بذلكَ الجمع الغَفير من النَّاس.

 

 لقد
عرفَ يسُوعُ أنَّهُ في غُضُونِ ثلاثِ سنواتٍ، هذا الرَّجُل الذي لم ينجَح ولا
حتَّى في صيدِ السمك، سوفَ يَعِظُ عظةً يومَ الخمسين، التي ستُؤدِّي إلى توبَةِ
ثلاثَةِ آلافِ نفس، وأنَّ الآلاف المُؤلَّفَة سوفَ يختَبِرونَ الخلاص في كُلِّ
مرَّةٍ سيَعِظُ فيها بالإنجيل في الأيَّامِ اللاحِقة ليومِ الخَمسين (أعمال 2: 14-
42).

 

 ويعرِفُ
يسُوعُ أيضاً أنَّهُ بعدَ ثلاثِ سنواتٍ من ذلكَ الصباح، عندما سيقعُ ظِلُّ صيَّاد
الناس العظيم هذا على أجسادِ المَرضَى الذين لا رجاءَ لهُم، سوفَ يُشفَونَ بطريقةٍ
عجائبيَّة! (أعمال 5: 12- 16). لِهذا أنا أُؤمِنُ بأنَّهُ كانَ أكثَرَ إهتِماماً
ببُطرُس ذلكَ اليَوم، ممَّا كانَ مُهتمَّاً ببَقيَّة الناس.

 

 كيفَ
إستطاعَ يسُوعُ أن يُغيَّرَ هذا الإنسان، الذي لم يقدِر ولا حتى على إصطيادِ
السمك، أن يُغيِّرَهُ إلى شخصٍ سيكُونُ، إلى جانِب بُولُس الرسول، أعظَمَ صيَّاد
ناس عرفَهُ العالَمُ على الإطلاق؟ إنَّ القُوى المُحرِّكة التي تُجيبُ على سُؤالي
تحدُثُ في هذا اللِّقاء معَ بطرُس. لقد تحدَّى يسُوعُ بطرُسَ بأن يُِشارِكَهُ في
تطبيقِ أهدافِ إرساليَّتِهِ، كما أُعلِنَت في بَيانِ الناصِرة.

 

 عندما
كانَ يسُوعُ وبُطرُس في السفينَةِ وسطَ عُمقِ المياه، طلبَ يسُوعُ من بطرُس أن
يُلقِيَ شباكَهُ في البحر. فأجابَ بطرُس، "يا مُعلِّم، تعِبنا الليلَ كُلَّهُ
ولم نصطَدْ شيئاً…" مُجدَّداً، أتصوَّرُ أنَّ بطرُسَ لربَّما توقَّفَ
قليلاً في مُنتَصَفِ جوابِهِ، إلى أن إلتَقَت عينا بطرُس بعينَي يسُوع، فتابَعَ
عندَها بالقَول، "ولكن على كلمتِكَ أُلقي الشبكة." (5)

 

 عندما
رفعُوا الشِّبَاك، كانت مملوءَةً بالسمكِ! (6-7) فنتيجَةً لهذا، وقعَ بطرُس عندَ
قدمي يسوع وقال، "أُخرُج من سفينَتي يا ربّ، لأنِّي رجُلٌ خاطِئ." (8)
فأجابَهُ يسُوع، "لا تَخف يا بُطرُس. من الآن أجعَلُكَ صيَّادَ ناس."
(10)

 

 قبلَ
أن يلتَقِيَ بُطرُس بيَسوع، كانت يَشغُلُهُ هاجِسٌ واحِدٌ، ألا وهُوَ صيد السمك.
إنَّ هاتَين الكلِمَتَين اللتين تكلَّمَ بهما يسُوعُ معَ بطرُس هما الكلمتان
المُفضَّلَتانِ عِندِي لما يُسمَّى بالمأمُوريَّة العُظمى: "صَيد
الناس." كثيرونَ لديهم المَيل في الكنائس ليُبَشِّرُوا نساءً وأولاداً، لأنَّ
هذا أمرٌ أسهل من تبشيرِ الرِّجال. ولكنَّ يسُوعَ عرفَ أنَّ النِّساءَ والأولاد
سيتبَعونَ الرجال، وأنَّنا إذا إصطَدنا الرِّجال، فسوفَ نربَحُ عائلاتٍ بأكمَلِها
لهُ.

 

 لماذا
كانت ردَّةُ فعلِ بُطرُس على صيد السمك المُعجِزيّ هذا بأن دعا نفسَهُ خاطِئاً،
وبقولِهِ ليسُوع أن يخرُجَ من سفينتِه؟ يقولُ بعضُ المُفسِّرين أنَّ يسوعَ كانَ قد
وعظَ لتَوِّهِ للناس عن طبيعَةِ الإنسان الخاطِئة، وأنَّ بُطرُس كانَ قد تبكَّتَ
على خطاياهُ آنذاك، وكان هذا بالتحديد إختِبارَ تجديد سِمعان بطرُس.

 

يَعتَقِدُ
مُفسِّرُونَ آخرونَ أنَّ يسوعَ حاولَ أن يُجنِّدَ بطرُس ليكونَ شريكاً معهُ في
تطبيقِ بيانِ الناصِري. ولَرُبَّما أدركَ بُطرُس أنَّ المسيحَ كانَ يسألُهُ،
"هل تُريدُ أن تُصبِحَ شريكي في إعطاءِ البصرِ للعُميان، والحُرِّيَّة
للمأسورين، والشفاء للمُنكَسِري القُلوب؟ هل تُريدُ أن تُغيِّرَ أولويَّاتِكَ من
صيدِ السمك إلى صيدِ الناس؟" يعتَقِدُ هؤلاء المُفسِّرون أنَّ بطرُسَ كانَ
تحتَ تبكيتٍ شديد على الخطيَّة، لدرجةِ أنَّهُ شعرَ بِعَدَمِ جدارتِهِ بهذه
الدَّعوة.

 

 فلربَّما
كانَ بطرُس يقولُ بذلك، "يا ربّ، إذهَبْ عنّي لأنَّني الرجُلُ الخطأ. فليسَ
بإمكانِكَ أن تدعُوني لأكُونَ صيَّادَ سمكٍ، لأنَّني غيرُ مُستَحِقٍّ وغيرُ جديرٍ
بذلكَ‍‍." إن كانَ هذا هُوَ جوهَرُ ما كانَ يقُولُهُ بطرُس، فإنَّهُ كانَ
يُقدِّمُ مِثالاً عن الطُوبى الأُولى التي قدَّمها يسوعُ لكُلِّ واحِدٍ من
تلاميذِهِ قائلاً: "طُوبى للمساكِينِ بالرُّوح." (متَّى 5: 3)

 

 أرادَ
يسوعُ أن يأخُذَ هذا الرجُل الذي لم يكُن قادِراً حتَّى على إمساكِ السمك، ليجعلَ
منهُ صيَّادَ ناس. ولكي يفعلَ يسوعُ هذا، كانَ لا بُدَّ أن يعُلِّمَهُ من كانَ
الصيَّاد الحقيقي على سفينَةِ بُطرُس في ذلكَ اليوم. وعندما دعا بطرُسُ يسوعَ
قائلاً "يا مُعلِّم،" كانَ يُلمِّحُ إلى كَونِ يَسُوع هُوَ المُعلِّم،
ولكنَّهُ لم يكُنِ الصيَّاد. ومن ثمَّ بدأَ يُعلِّمُ الربَّ عنِ الصَّيد –
"فكُلُّ صيَّاد سمك يعرِفُ أنَّكَ إن لم تنجَح في صَيدِ السمك في عتمَةِ
الليل، لن تنجَحَ في صيدِ ولا سمكَةٍ واحدَةٍ في وضحِ النَّهار"-يبدو أنَّ
هذا كانَ موضُوعَ إعتِراضِ بطرُس.

 

 الأمرُ
الثاني الذي كانَ يُحاوِلُ الربُّ أن يعلِّمَهُ لبُطرُس هو أنَّهُ لن ينجَحَ في
إصيطادِ الناس، إلى أن يتعلَّمَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام هُوَ صيَّادُ الناس
الحقيقي الوحيد. فرحلتا صيد السمك هاتان – الأولى فاشِلة جداً، والثانِيَة ناجِحة
بِشكلٍ خارِقٍ للطبيعة – أقنَعَتا بطرُس إلى الأبد ببعضِ الأسرارِ الرُّوحيَّة:

 

"إنَّ
صيدَ الناس لا يتوقَّفُ على من أنا، بل على من هُوَ الرَّب. إن إصطِيادَ نُفُوسٍ
لِيَسُوع لا يتوقَّفُ على ما أستطيعُ أنا أن أعمَلَهُ، بل ما يستطيعُ الرَّبُّ أن
يعمَلَهُ. وصيرورتي صيَّاد سَمَك لا يتوقَّفُ على ما أُريدُهُ أنا، بل على ما
يُريدُهُ الرَّبُّ. وعِندَما يحدُثُ صيدٌ عجائِبيٌّ للنُّفُوس، عليَّ أن أتذكَّرَ
دائماً أنَّ كُلَّ إختِبارات التوبة والتجديد التي ستحدُثُ للناس، لن تكُونَ شيئاً
أنا عمِلتُهُ، بل مُعجِزَةٌ خارِقَةٌ للطبيعة عمِلَهَا الرَّبُّ من خِلالِ جسدي
الضعيف والمائِت."

 

 هل
بإمكانِكَ أن ترَى لماذا إختارَ المسيحُ الحَيُّ المُقام بطرُسَ ليُلقِيَ عِظَةَ
يوم الخَمسين، ومواعِظ أُخرى بعدَها، قادَت الآلاف لخَلاصِ المسيح؟ إنَّ السببَ
هُوَ أنَّ بُطرُس تعلَّمَ هذه الأسرار الرُّوحيَّة أكثرَ من غَيرِهِ من الرُّسُل.
ففي يومِ الخَمسين، عندما كانت تحدُثُ كُلُّ تِلكَ العجائِب والآيات والمُعجِزات،
أعلَنَ بطرُس أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام هو الذي حقَّقَ تلكَ المُعجِزات التي
كانت تحدُثُ في ذلكَ اليوم. (أعمال 2: 32, 33).

 

بالمَسيح،
في المسيح، ولِلمَسيح

 

 بعدَ
هذا اللِّقاء، نقرَأُ أنَّ بطرُس وشُركاءَهُ في العَمَل "تَرَكُوا كُلَّ
شَيءٍ وتَبِعُوه." (11) إنَّ هذا المرحَلَة من رحلةِ بطرُس الرُّوحيَّة
تُرينا بضعَةَ مُستَوياتٍ من مَسيرِنا معَ المسيح. المُستَوى الأوَّل هُوَ العيش
بالمسيح – الذي يعني قُبول البَركات العظيمة والرائِعة التي بِها يُنقِذُ الرَّبُ
حياتَنا ويُغيِّرُها. لقد إختَبَرَ بطرُس المُستَوى الأوَّل من العلاقة معَ المسيح
عندما تَبَارَكَ بِتِلكَ المُعجِزة الخارِقَة للطبيعة في صَيدِ السمك.

 

 المُستَوى
الثاني في العلاقَةِ معَ المسيح هُوَ عندما ندخُلُ إلى مُخطَّطاتِهِ لِحَياتِنا،
ونترُكُ مُخطَّطاتِنا الشخصيَّة. هل سبقَ لكَ وسَمِعتَ أشخاصاً يقُولون، "لقد
قرَّرتُ أن أُدخِلَ يسُوع المسيح في مُخطَّطاتي؟" قد يبدو هذا نبيلاً في البِداية،
ولكن إذا فكَّرتَ بهِ مَلِيَّاً، فنحنُ لا نتكارَم بأن ندعُوَ يسُوعَ إلى
مُخطَّاتِنا. بل هُوَ من يتكارَمُ بدعوتِنا إلى مُخطَّطاتِه.

 

 هُناكَ
جملَةٌ في العهدِ الجديد، التي هِيَ الإختِيارُ المُفضَّلُ عندَ الرُّسُل عندما
يَصِفُونَ هذا المُستَوى الثاني من العلاقَةِ معَ المسيح. هذه الجُملة هي
بِبَساطَةٍ: "في المسيح." لقد وصفَ يسُوعُ هذا المُستَوى من العَلاقَة
في صُورَةٍ مجازِيَّةٍ جميلة. بالنسبَةِ ليسُوع، ينبَغي أن تكونَ علاقتُنا بهِ مثل
علاقة الغُصن بالكَرمة (يوحنَّا 15: 1- 16). والثمرُ ينمُو بِوَفرَةٍ على هذه
الأغصان التي يذكُرُها يسُوعُ في مَثَلِهِ. يُعلِّمُنا هذا أنَّ هذه العِبارَة
"في المسيح،" تعني أيضاً أن نكونَ الأداة البَشَريَّة التي من خِلالِها
يُعمَلُ عملُ المسيح في هذا العالم، كونَنا ثابِتينَ تماماً "في"
المسيح- أي في إنسجامٍ معَ المسيح الحيّ المُقام.

 

 المُستَوى
الثالِث من العلاقَةِ معَ المسيح هُوَ العيش "للمسيح" (11). هذا
المُستَوى من العلاقة يُركِّزُ على الدافِع لإتِّباعِ وخِدمَةِ المسيح، بينَما
يدعونا للدُّخُولِ في مُخطَّطاتِهِ، للوُصُولِ إلى عالمِنا بإنجيلِ خلاصِهِ. على
هذا المٍُستَوى من العلاقة، نُصبِحُ شُركاءَ معَ المسيح عندما يُعطي البَصَرَ
للعُميان رُوحيَّاً، ويُطلِقُ المأسُورين أحراراً، ويَشفِي المُنكَسرِي القُلُوب
والمجروحين في هذا العالم. بالمَسيح، في المسيح، وللمسيح؛ نحنُ شُرَكاؤُهُ إذ
يُحقِّقُ أهدافَ رسالتِهِ التي أعلَنها في بيانِ الناصِرة. في هذه القِصَّة
الجَميلة، تقدَّمَ بطرُس ليُظهِرَ لنا هذه المُستَويات الثلاث من العلاقَةِ معَ
المسيح.

 

هل
باركَكَ المَسيح؟ هل أنتَ في المسيح؟ هل أنتَ مُثمِرٌ؟ وهل تعيشَ لنفسِكَ أم
للمسيح؟

 

الفصلُ
الخامِس أمثالٌ عن الشراكَة

 عندما
تقرأُ الإصحاح الخامِس عشر من إنجيلِ لُوقا، عليكَ أن تُدرِكَ أنَّكَ تقرَأُ
واحِداً من أروَعِ أمثالِ المسيح التي علَّم بها. إنَّ الدافِعَ الأساسي في هذا
المثل يُعلِّمُنا الحقيقَةَ ذاتَها التي لاحظناها في هذا الإصحاح في رحلةِ بُطرُس
الروحيَّة. كانَ يسُوعُ يُجنِّدُ شُركاءَ سيعمَلُونَ معَهُ، بينما يُتمِّمُ أهدافَ
رسالتِهِ في هذا العالم. فالإصحاحُ الرابِع عشر ينتَهي معَ يسُوع وهُوَ يُلقي إحدى
أكثر عظاتِهِ تأثيراً وقسوَةً، والمعروفَة بأنَّها أقسى أقوال يسوع. في تِلكَ
العظة، طلبَ يسُوعُ إلتِزاماً كامِلاً من أُولئكَ الذين أرادوا أن يكُونُوا
تلاميذَهُ.

 

مَثَلُ
الأشياء الضائِعة

 يبدَأُ
الإصحاحُ الخامِس عشر من إنجيلِ لوقا بإخبارِنا عن تجاوُبَين معَ عظة المسيح
المُؤثِّرة. لقد تجاوَبَ العشَّارُونَ والخُطاة معَ وعظِ يسوع، وتحلًَّقُوا
وشكَّلوا دائرةً داخِليَّة حولَهُ. أمَّا الفرِّيسيُّونَ والكَتَبَة ورجال الدين،
فتراجعوا بعضَ الخطواتِ إلى الوراء وشكَّلوا حلقةً خارجيَّة. ولقد قدَّمَ يسُوعُ
ما يُمكِنُ أن يكُونَ أعظَمِ مَثَلٍ قدَّمَهُ، لهاتين الحلقتين، اللتين واحدَةٌ
منها داخِل الأُخرى، والمُؤلَّفتين من نوعَين مُختَلِفَينِ من الناس: فحول يسوع مُباشرةً
كانَ هُناكَ دائِرةٌ ضَيِّقَة من العشَّارين والخُطاة الذين إختَبرُوا خلاصَهُ.
ومن ثَمَّ كانَ هُناكَ دائِرَةٌ أكثَر إتساعاً تراجعَ الذي تحلَّقوا فيها
مُتسائِلين، "لماذا يتعاطَى يسوعُ معَ العشَّارينَ والخطاة؟"

 

 إنَّ
هذا التعليمَ العظيم ليسُوع ليسَ كما يظُنُّ البعضُ سِلسِلَةً من الأمثال، بَل
مُجرَّدَ مثلٍ واحِد مُتتَابِع هُوَ "مَثَل الأشياء الضائِعة." هذا
المَثل مُوجَّهٌ بالدرجَةِ الأُولى لأولئكَ الذي يقِفونَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة،
أي للمُتَدَيِّنين. كانَ يسوعُ يشرَحُ لهم ما كانَ يحدُثُ في الحلقَةِ الداخِليَّة.
وكانَ يسوعُ يدعُوا أولئكَ الذين يقِفونَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة، ليُصبِحوا
شُركاءَهُ في ما يحدُثُ في الحلقةِ الداخِليَّة.

 

 يبدَأُ
يسوعُ هذا المَثَل كالتالي:

 "أيُّ
إنسانٍ منكُم لهُ مئةُ خروفٍ وأضاعَ واحِداً منها ألا يترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعِين
في البَرِّيَّة ويذهَب لأجلِ الضَّال حتَّى يجدَهُ. وإذا وجدَهُ يضعَهُ على
مَنكِبَيه فَرِحاً. ويأتي إلى بيتِهِ ويدعُو الأصدِقاء والجِيران قائلاً لهُم
إفرَحُوا معِي لأنِّي وَجَدتُ خَروفي الضَّال. أقولُ لكُم إنَّهُ هكذا يكونُ فرحٌ
في السماء بِخاطِئٍ واحِدٍ يتُوبُ."

 

 يقولُ
يسوعُ لأُولئكَ المُتحلِّقين في الدائِرَةِ الخارِجيَّة: "أنظُروا إلى هذه
الدائِرة الداخِليَّة، فكُلُّ الذين ترونَهُم هُمُ العشَّارون والخُطاة،
والزُّناة، واللُّصُوص. ولكن دَعُوني أقولُ لكُم ما يراهُ الله. اللهُ يرى هؤلاء
الناس كخِرافٍ ضالَّة. وفي كُلِّ مرَّةٍ يرجِعُ فيها خروفٌ ضائع، يكونُ فرحٌ في
السماء. وهكذا تحدَّى يسوعُ المُتديِّنين المُتَحلِّقِينَ في الدائِرةِ الخارجيَّة
قائِلاً لهُم: "اللهُ يُولي قيمَةً للخطاةِ الضالِّين. فلماذا لا تفرَحونَ
عندما أجدُ وأُرجِعُ هذه الخِراف الضالَّة؟"

 

 ثُمَّ
أخبَرَ يسوعُ قصَّةَ الدرهَمِ المفقُود. قالَ أنَّ إمرأةً كانَ لديها عشرةُ
دراهِم، فأضاعَت واحِداً منها. فأتَت بمِكنَسَة وسراج وفتَّشَت طيلَةَ النهار إلى
أن وَجَدَتِ الدِّرهمَ. وعندما وجدتْهُ، قالَت لجاراتِها، "إفرحنَ معي لأنِّي
وجدتُ الدرهمَ الذي أضعتُهُ." هُناكَ الكثيرُ من التفسيرات المُمكِنَة لهذا
الجزء من المثل. التفسيرُ الأساسيُّ هُوَ أنَّ الدرهَم الذي كانَ مُلكاً لهذه
المرأة، ضاعَ ومن ثَمَّ وُجِدَ من جديد.

 

لقد
أضعَتُ قِطعَةً نقدِيَّةً عندما كُنتُ طِفلاً. فلقد أوقعتُ هذه القطعة النقديَّة
في مصرَفِ المياه الذي كانت تُغطِّيهِ مُصبَّعَةٌ من الفولاذ. كانت القُطعَةُ
النقدِيَّةُ على بُعدِ أربَعينَ سنتيمتراً منِّي، ولكنَّني لم أستَطِعْ الوُصُولَ
إليها، لأنَّ فَتحَات المُصبَّعة الفُولاذِيَّة كانت ضيِّقَةً جداً، مما لم يسمَحْ
لي بإدخالِ يدي لإسترجاعِها. فأصبَحتُ مَذعُوراً.

 

وكانَ
هُناكَ رجُلٌ عجوز ينتَظِرُ الباصَ بقُربي ومعَهُ شمسيَّة، وأرادَ أن يُساعِدَني.
فأخرجَ عِلكةً من فمِهِ، وألصَقَها على آخرِ الشمسيَّة، وغرزَ الشمسيَّةَ بينَ
شبكِ المُصبَّعَة، وألصَقَ القطعَةَ النقديَّة بالعلكة على رأسِ الشمسيَّة، وأعادَ
لي قِطعَتي النقديَّة. وأقولُ لكُم إنَّ تلكَ القطعة كانت تُساوي أضعافاً
بالنسبَةِ لي، لأنَّني أضعتُها وإسترجعتُها.

 

أن
"تفدِيَ" يعني أن تُعيدَ شراءَ شيءٍ ما وأن تستَرجِعَهُ بعدَ أن فُقِد.
فأنتَ وأنا لنا قيمَةٌ أكبر في نظرِ الرَّبّ، لأنَّنا مِثْلُ ذلكَ الدرهم
المفقُود، عندما يستَرجِعُنا من خِلالِ فدائِهِ الذي تحقَّقَ بمَوتِ وقيامَةِ
إبنِه.

 

هذا
هو جوهَرُ مفهومِ الفداء، ومفهومُ هذا الدرهمِ الضائِع الذي وُجِد. إنَّ هذا هُوَ
صُورَةٌ مجازِيَّةٌ واضِحة عن الفِداء كما نجدُهُ في الكتابِ المقدَّس، في أسفارٍ
مثل خُروج، تثنيَة، راعُوث، وفي كتاباتِ الرُّسُل في العهدِ الجديد (1بطرُس 1: 18،
19). كانَ يسوعُ يقولُ بوضُوحٍ للحلقَةِ الخارجيَّة المُتديِّنَة، "إنَّ
هؤلاء الأشخاص ضالُّونَ ولكنَّهُم وُجِدُوا وافتُدُوا. لهذا فَرِحَتِ الملائِكَةُ
في السماء. فلماذا لا تفرحُونَ أنتُم أيضاً؟"

 

 ثُمَّ
قالَ يسوع، "إنسانٌ كانَ لهُ إبنان. فقالَ أصغَرُهما لأبيهِ يا أبي أعطِنِي
القِسمَ الذي يُصيبُني من المال. فقسَمَ لهُما معيشَتَهُ. وبعدَ أيَّامٍ لَيسَت
بِكَثيرَة جمَعَ الإبنُ الأصغَرُ كُلَّ شيءٍ وسافَرَ إلى كُورَةٍ بعيدَةٍ وهُناكَ
بذَّرَ ما لَهُ بعيشٍ مُسرِف." هذه قصَّةٌ مألُوفَةٌ جِدَّاً، قصَّة الإبن
الضال. ونجِدُ إطارَ هذه القصَّة في هاتَين الحَلَقتين اللتين واحِدَةٌ منهُما
داخِلَ الأُخرى. كانَ يسوعُ يُحاوِلُ أن يُخبِرَ الذينَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة
عمَّا كانَ يحدُثُ في الحلقَةِ الداخِليَّة، عندما علَّمَ مثل الإبن الضالّ. ما
كانَ يسوعُ يقولُهُ لهؤُلاء الفرِّيسيِّين أصحاب البِرّ الذاتي هو التالي،
"بعضُ هؤلاء الناس هُم مِثل الأبناءِ الضالِّين الذين رجعوا إلى البيت
ثانيةً، ففَرِحَت بهم كُلُّ ملائِكةُ السماء. فلماذا لا تفرحونَ أنتم عندما يرجِعُ
الأبناءُ الضالُّونَ إلى بيتِ الآب؟"

 

 بإختِصار،
إنَّ إطارَ هذا المثل العظيم هُوَ صُورَةٌ ليسُوع وهُوَ يقُولُ للذينَ في الحلقةِ
الخارِجيَّة، "كُلُّ ما ترونَهُ هو عشَّارُونَ وخُطاة. ولكن دَعوني أُخبِرُكم
بما يراهُ الله. اللهُ يرى أشخاصاً مثل الخراف الضائعة، لا يعرِفونَ يمينَهُم من
شِمالِهم، ولكنَّهُم يُنقَذُونَ من ضلالِهم، فتفرحُ السماءُ بكامِلها. اللهُ يرى
أشخاصاً ضالِّين مثل تلكَ القطعة النقديَّة فيفتديهم، ويسترجِعُهم من ضلالِهم.
اللهُ يرى الناس الذي يبدونَ وكأنَّهُم خنازير ورائحتُهم كالخنازير، ولكنَّهم
ليسوا كذلك لمُجرّدِ كَونِهم في حُفرَةِ الخنازير في هذا العالم. إنَّهُم
يرجِعُونَ من حُفرَةِ الخنازير في العالم لأنَّهُم أبناء. فتفرحُ السماءُ بأسرِها
عندما يُوجَدُ الضالُّ. فلماذا لا تفرحونَ أنتُم أيضاً؟"

 

 عندما
نُقدِّرُ الإطار الذي فيهِ عُلِّمَ مَثَلُ الإبن الضالّ، علينا أن نُدرِكَ أنَّ
قلبَ هذا المثَل هُو عندما رَجِعَ الإبنُ الضال. حدَثت حفلَةٌ كبيرة، احتُفِلَ
فيها بالرقصِ والولائم، وذُبِحَ العجلُ المُسمَّن. وإذا بالإبنِ الأكبَر يرجِعُ من
العمل. كانَ يعمَلُ بِكَدٍّ وإستِقامَةٍ كُلَّ يوم. فسألَ أحدَ أجراهُ،
"لماذا يُجري أبي هذا الإحتِفال؟" فأجابَ الخادِمُ بما معناهُ،
"لقد رجعَ أخوكَ إلى المنزِل، فذبَحَ لهُ أبوكَ العجلَ المُسمَّن، وهو يكادُ
يطيرُ من الفَرَح."

 

 ثُمَّ
نقرَأُ أنَّ الأخَ الأكبَر غَضِبَ كثيراً ورفضَ أن يدخُلَ ويُشارِكَ بالإحتِفالِ
معَ أبيهِ بعودَةِ أخيهِ الأصغَر. ولكنَّ الأب، الذي تُصوِّرُهُ القصَّةُ كشيخٍ
حَنُون ركضَ وعانَقَ إبنَهُ الضَّال وقبَّلَهُ، كانَ يُحِبُّ إبنَهُ الأكبَر
أيضاً. فخرجَ الأبُ إلى إبنِهِ الأكبرَ وصارَ يستَعطِفُهُ قائِلاً، "يا
بُنيَّ أنتَ معي في كُلِّ حِينٍ وكُلُّ ما لي هُوَ لكَ. ولكنّ أخاكَ كانَ ضالاً،
هل تفهَم هذا؟ ولقد وُجِد. كانَ ميتاً فعاش. فلماذا لا تأتي وتفرح وتُشارِكَ معنا
بالإحتِفال بهذه المُعجِزة المجيدة؟"

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ل لُبْنَى ى

 

 يُوضِحُ
هذا المَثَلُ العميقُ الإطار الذي فيهِ عُلِّمَ هذا المثل. فالإبنُ الأكبَرُ في
هذا المثَل هوَ الحلقَةُ الخارِجيَّة وقوامُها الفرِّيسيُّونَ والكتبة، الذينَ
سيغضَبُون ويرفُضُونَ الدخولَ والمُشارَكَة معَ الملائكة في الإحتِفالِ السماوِيِّ
بِعودةِ الضالِّينَ وإيجادهُم. والآبُ الذي يأتي لكَي يدعُوَ الإبنَ الأكبَر
للإنضمامِ إلى الإحتِفال يُشيرُ إلى يسُوع الذي يدعُو رِجالَ الدِّين لِكَي
يُشارِكُوهُ بأهدافِ رسالتِهِ العظيمة، في السعيِ لِخلاصِ الضالِّين، كما نجدُ
ذلكَ مُبيَّناً في الأعدادِ المِفتاحِيَّةِ لإنجيلِ لُوقا (لُوقا 4: 18؛ 19: 10).

 

 بِمعنىً
ما، كانَ يسُوعُ يعمَلُ هُنا تماماً كما عمِلَ عندما طلبَ من بطرُس أن يأخُذَهُ
إلى صَيدِ السمك (لُوقا 5: 1- 11). فرُغمَ أنَّني لا أستطيعُ أن أُبرهِنَ ذلكَ،
ولكنَّني أعتَقِدُ أنَّهُ من المُمكِن أن يكُونَ أعظَمَ مُرسَلٍ دعاهُ يسُوعُ على
الإطلاق، لرُبَّما كانَ واقِفاً بينَ رجالِ الدِّينِ أُولئكَ في تِلكَ الحلقَةِ
الخارِجيَّة – أي شاوُل الطرسُوسيّ.

 

فعندما
تتصوَّرُ يسوعَ واقِفاً في وسطِ تلكَ الحلقَة الداخِليَّة يُحيطُ بهِ العشَّارُونَ
والخُطاة، داعِياً رجالَ الدين للمُشارَكة في فرحِ خلاصِ النفُوس، فإنَّ التطبيقَ
التعبُّدِيَّ الشخصي لهذا المثل الرائع هو أنَّ يسوعَ يدعونا نحنُ اليوم لكي نكونَ
شُركاءَ معهُ في تطبيقِ بيانِ الناصِرة خاصَّتَهُ. بمِعنىً ما، بإمكانِنا أن
نقُولَ أنَّ يسُوع يشرَحُ لكُلِّ الطوائِف الإنجيليَّة المُتنوِّعة التي تُصرِّحُ
أنَّها كنيسةَ المسيح اليوم، لماذا نهتَمُّ نحنُ الإنجيليِّينَ بالتبشير – بهدَف
مُشارَكةِ الأخبارِ السارَّة معَ الضَّالِّين.

 

مَثَلانِ
عن غَنِيَّين

 في
الإصحاح 16، نقرَأُ مَثَلَين رَهيبَين أعطاهُما يسُوعُ عن الأغنِياء. هَذَين
المَثَلَين ينبَغي أن يُنظَرَ إليهِما في الإطار الذي علَّمَ فيهِ يسُوعُ بمَثَلِ
الأشياء الضائِعة في الإصحاح 15. وجَّهَ يسُوعُ هذين المَثَلَين إلى تلاميذِهِ،
ولكن عندما إنتَهى من مثَلِهِ الأوَّل، شعرَ الفَرِّيسيُّونَ بالإهانَة. هذا يعني
أنَّهُم سَمِعُوا هذه التعاليم، وأنَّ الرَّبَّ وجَّهَ بوُضُوح هاتين القِصَّتَين
للفرِّيسيِّين.

 

 المَثَلُ
الأوَّلُ عن الرجُلِ الغَنيّ، والمعرُوف بمثَل "الوكِيل غَير الأمين،"
يبدُو كإيضاحٍ سَلبِيّ، ولكنَّهُ بالحَقيقَة تصريحٌ إيجابِيٌّ عن المُشارَكة معَ
المسيح في بيانِ الناصِرة خاصَّتَهُ. القصَّةُ الثانِيَة، "الغَني
ولِعازار" هي تصريحٌ سَلبِيٌّ جداً عن رجُلٍ كانَ النَّقِيضَ المُطلَق للشريك
الذي كانَ يسُوعُ يُجنِّدُهُ لنَفسه.

 

 المَثَلُ
الأوَّلُ يُربِكُ البَعضَ لأنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّ يسُوعَ في هذا المَثَل
يُصادِقُ على تصرُّفاتٍ غيرِ مُستَقِيمَةٍ من قِبَلِ وَكيلٍ مُخادِع. ولكنَّهُم لا
يُفسِّرونَ المثلَ بشكلٍ صحيح. فالمَثَلُ هو عن رجُلٍ كانَ وكيلاً، أي مُديرَ
أعمالٍ أو أمينَ صُندُوقٍ لشَرِكتِه. هُنا نجدُ واحِدَةً من أهَمِّ الكَلِمات في
العهدِ الجديد. فالعهدُ القديمُ يُعلِّمُ بدفعِ العُشُورِ، والتقدِمات بالإضافَةِ
إلى العُشُور، ويُعَلِّمُ العهدُ القديمُ شعبَ اللهِ أن يُضَحُّوا بِذبائحَ
تُكلِّفُهُم شيئاً (2صَمُوئيل 24: 24). ولكن عندما نَصِلُ إلى العهدِ الجديد،
الكلمة المِفتاحِيَّة هي "وكيل." ومفهُومُ "الوكالَة" هو ليسَ
أن تُعطِيَ اللهَ عشرة بالمائة ممَّا لكَ أو ممَّا تُحصِّلُهُ. بَلِ تعني
الوكالَةُ أنَّ كُلَّ ما أنتَ وكُلَّ ما تَملِك يخُصُّ الله. وهكذا تُصبِحُ
القَضِيَّةُ قضيَّة إدارة. فهل تُديرُ ما إئتَمَنَكَ عليهِ الربُّ؟ هذا يشمَلُ
مالَكَ، ولكنَّهُ أيضاً يشمَلُ مواهِبَكَ، وقتَكَ، وطاقَتَكَ. بكلماتٍ أُخرى،
كُلَّ ما أنتَ وما لديك.

 

 تذكَّرْ
أنَّ المَثَلَ يعني "أن تُلقِيَ شيئاً إلى جانِبِ شيء"، وهكذا فهُوَ
يعني أن تُلقِيَ قِصَّةً إلى جانِبِ حقيقَةٍ يُريدُ يسُوعُ أن يُعلِّمَها.
فالحَقِيقَةُ التي يُريدُ يسُوعُ أن يُعَلِّمَها هي الوكالة. القصَّةُ التي
يُلقِيها إلى جانبِ هذه الحقيقة هي بشكلٍ أساسيّ قصَّةَ رجُلٍ غَنِيٍّ جداً كانَ
عندَهُ وَكيلٌ أو مُدير أعمال. سمِعَ أنَّ وكيلَهُ لا يُحسنُ إدارَةَ أعمالِه، لا
بل أنَّهُ يُبذِّرُ أموالَهُ أو يختَلِسُها. فقالَ الغَنِيُّ لوكيلِهِ أنَّهُ طلبَ
تدخُّلَ مُدَقِّقي الحِسابات ليكشفوا الدفاتِر.

 

 وإذا
بالوكيل يقولُ في نفسهِ، "الآن، لدَيَّ قُوَّة، ولديَّ أموال سيِّدي. ولكن
سُرعانَ ما سيطَّلِعُ هؤلاء المُدَقِّقُون على الحِسابات، حتى أُطرَدَ من عَمَلي
وأفقُدَ السيطَرَةَ على أموالِ سيِّدي. فماذا أستطيعُ أن أفعَل؟" فيُفكِّرُ
بالخَيارات المَوضُوعَة أمامَهُ ويقول، "الآن أعرِفُ ماذا عليَّ أن
أفعَل." وهكذا يذهَبُ في رحلةِ عملٍ لزيارَةِ مَديني سيِّدهِ.

 

لقد
كانَ وكيلُ الظُّلمِ يُفكِّرُ بمُستَقبَلِه. فكانَ يقول، "الآن لدَيَّ
وظيفَةٌ وسيطَرَةٌ على هذه الأموال التي ليسَت مُلكِي. فسوفَ أستَخدِمُ هذه
الأموال التي ليسَت لي، بطريقَةٍ أنَّني عندَما أُطرَدُ من عَمَلِي وأُجرَّدُ من
سَيطَرَتي على مالِ سيِّدي، يكونُ قد صارَ لديَّ أصدِقاءٌ يستَقبِلُونَني بسُرور
في منازِلِهم. ويُقدِّمونَ لي الضيافةَ أينما ذهبتُ."

 

وعندما
سمِعَ سيُّدُهُ بما عمِلَهُ وكيلُهُ، لم يمدَحهُ بسببِ إختِلاسِهِ لأموالِه. بل
مدحَ وكيلَ الظُّلمِ هذا لأنَّهُ فكَّرَ بمُستَقبَلِه.

 

التطبيقُ
الشَّخصِيّ

ما هي
الحقيقَة التي أرادَ يسُوعُ أن يُعلِّمَها عندما قدَّمَ هذه القصَّة؟ إنَّ تفسيرَ
وتطبيقَ هذا المثَل عميقٌ جِداً. فيسوعُ يقول، "أنتُم مثل هذا الوكِيل.
فكُلُّ ما لدَيكُم هو مُلكٌ لله. وأنتُم لا تقومونَ إلا بإدارَةِ ما أُعطِيَ لكُم.
وكما عرفَ الوكيلُ أنَّهُ سيُطرَدُ من عَمَلِه، عليكُم أن تعرِفُوا أنَّكُم
ستموتُونَ يوماً ما، وسوفَ تفقُدونَ السيطَرَةَ على كُلِّ المال والمُمتَلكات التي
أوكَلَكُم اللهُ على إدارتِها. وستسمَعُونَ هذه الكَلِمات الصريحة، "لن
تكونوا وُكلاءَ بعدَ اليوم. أعطُوا حِسابَ وِكالَتِكُم."

إنَّ
جوهَرَ هذا المَثَل هو أنَّ الوكيلَ عاشَ في مجالَين. في المجالِ الأوَّل كانَ
لديهِ سيطَرَةٌ على ثَروَةِ وأموالِ سيِّدهِ، ولكنَّهُ علِمَ أنَّهُ قريباً سوفَ
يعيشُ في مجالٍ آخر حيثُ سيفقُدُ هذه السيطَرَة. فبينما كانَ لا يزالُ في المجال
الأوَّل، إستَخدَمَ سيطَرتَهُ على تِلكَ الثَّروَة، بطريقَةٍ صنعَ فيها أصدِقاءَ
يستَقبِلونَهُ عندما يكونُ قد وصلَ إلى المجالِ الثانِي.

 

تماماً
كما إستخدمَ وكيلُ الظُّلمِ ثروتَهُ التي لم تكُن مُلكَهُ فصنَعَ بهذه الطريقَة
أصدِقاءَ كُثُر في المَجالِ الثاني، عليكَ أنتَ أن تستَخدِمَ ما لدَيكَ بطريقَةٍ
تسمَحُ لكَ عندما تصِلُ إلى المجالِ الثاني أي الأبديَّة. فعِندَما
"تُطرَدُ" أو تمُوت، سيكونَ لدَيكَ أصدِقاء ينتَظِرُونَكَ لِيُرحِّبُوا
بكَ في منازِلهِم الأبديَّة أو أماكِنِ سكنِهم.

 

"رابِحُ
النُّفُوسِ حَكيم." (أمثال 11: 30) لربَّما هذا ما يقولُهُ هذا المَثَل.
إستَخدِمْ ما أُعطِيَ لكَ في المَجالِ الأرضِي، بطريقَةٍ أنَّكَ عندما تموت، يكونُ
هُناكَ أشخاصٌ في المجالِ الأبديّ حيثُ سيُرحِّبُونَ بكَ في مساكِنِهم الأبدِيَّة.
فلربَّما سيقولونَ لكَ، "منذُ عِدَّةِ سنوات، أنتَ دَعمَت مُرسَلاً بالمال.
ولقد أدَّتَ مُساعدتُكَ الماليَّة لهذا المُرسَل بأن يقومَ برحلَةٍ إرساليَّة. ومن
خلالِ رحلتِهِ تِلك، أرشَدَنا لمعرِفَةِ المسيح. فلو لم تستخدِم مالَكَ بأمانَة،
لما كُنَّا في الحالَةِ الأبديَّة."

 

بِكَلِماتٍ
أُخرَى يقولُ هذا المَثَل بأنَّهُ لا يُمكِنُكَ أن تأخُذَ ثروتَكَ معَك. ولكن
بإمكانِكَ، بِحَسَبِ هذا المثل، أن تُوظِّفَ أموالَكَ في السماء. إحدَى الطُرُق
لكَي تُوظِّفَ أموالَكَ في السماء هي بأن تُحسِنَ إدارَةَ أموالِكَ بطريقَةٍ
تُساهِمُ فيها بتوسيعِ ملكوتِ الله، وبِبُنيانِ كَنيسَةِ يسوع المسيح. فيأتي
الأشخاصُ إلى معرِفَةٍ مُخَلِّصَة بيسوع المسيح بسببِ الطريقة التي أَدَرْتَ بها
مالَك الذي إئتَمَنَكَ عليهِ الله.

 

بعدَ
أن أخبَرَ يسُوعُ هذه القِصَّة، قدَّمَ هذا التَّصريحَ الحازِم. "الأمينُ في
القَليل أمينٌ في الكَثير. والظالِمُ في القَليل ظالِمٌ أيضاً في الكَثير. فإن لم
تكونوا أُمناءَ في مالِ الظُّلمِ فمن يأتَمنُكُم على الحقّ."

 

يَعني
هذا التطبيق بشكلٍ أساسِيّ أنَّ اللهَ لن يُبارِكَنا رُوحيَّاً إن لم نكُن أُمَناء
في وكالتِنا على المال. هذا ليسَ تركيزاً على كم ينبَغي علينا أن نُعطي، بل كيفَ
ينبَغي علينا أن نُدِيرَ المالَ الذي أوكَلنا عليهِ الله. فالوكالَةُ الأمينَةُ
والمسؤولَةُ هي جوهَرُ هذا التعليم.

 

هَل
تُشارِكُ يسُوعَ في تطبيقِ بَيانِه؟ وهل أنتَ شريكٌ معَ المسيح في تطبيقِ وتنفيذِ
خدمتِهِ العظيمة في هذا العالم وإليه. بإمكانِكَ أن تعمَلَ هذا كمُرسَل،
كمُبَشِّر، كَراعٍ، أو كشاهِدٍ أمين للرَّبِّ يسُوع المسيح. بِحَسَبِ هذا المثل،
بإمكانِكَ أيضاً أن تعمَلَ هذا بأن تستَخِدَم بأمانَةٍ ما أوكَلَكَ إيَّاهُ اللهُ
لتَمويلِ أُولئكَ الذين يشتَرِكُونَ معَ المَسيحِ كمُرسَلين، مُبَشِّرين، رُعاة، وشُهُود
أُمناء للمسيح.

 

هُناكَ
عِدَّةُ طُرُقٍ بإمكانِكَ أن تُشارِكَ المسيحَ بها، ولكنَّ السؤالَ الذي ينبَغي أن
أطرَحَهُ عليكَ، هل أنتَ بالفِعل وبالحقيقة تُشارِكُ معَ المسيح المُقام الحَي
الذي يُنفِّذُ أهدافَ رسالتِهِ في عالمنا اليوم. الكثيرُ من تعاليمِ يسوع تُخبِرُنا
أنَّنا سنَعيشُ في الحالَةِ الأبديَّة بِحَسَبِ ما يكونُ جوابُنا على هذا السؤال
اليوم.

 

 في
قصَّتِهِ الثانِيَة عن رجُلٍ غَني، قالَ يسُوعُ ما فَحواهُ، "كانَ إنسانٌ
غَنيٌّ وكانَ يلبَسُ الأُرجُوان والبَزَّ وهُوَ يتنعَّمُ كُلَّ يومٍ مُتَرَفِّهاً.
وكانَ مِسكِينٌ إسمُهُ لِعازَر الذي طُرِحَ عندَ بابِهِ مضروباً بالقُروح. ويشتَهي
أن يشبَعَ منَ الفُتاتِ الساقِطِ من مائِدَةِ الغَنيّ. بَلْ كانَتِ الكِلابُ
تَأتِي وتَلحَسُ قُروحَهُ."

 

 إذا
فكَّرتَ بهذا المثل القصير وكأنَّهُ مسرحيَّةٌ بِثَلاثِةِ مشاهِد، في المشهَدِ
الأوَّل سوفَ تَرى الغَنيَّ ينامُ كُلَّ ليلَةٍ مُتَرفِّهاً على الحرير، ويأكُلُ
أطيبَ الأطعِمَةِ مُتنعِّماً. وفي كُلِّ يومٍ، عندما يخرُجُ خارِجاً، يرى
مُتَسوِّلاً مطروحاً على بابِ بيتِهِ، والكِلابُ تلحَسُ جُروحَهُ. ولم يكُن
مُمكِناً أن يكونَ لعازارُ المُتَسوِّلُ في حالٍ أردأ مما كانَ عليه. أمَّا
الغَنيُّ، فما كانَ مُمكِناً أن يكونَ في حالٍ أحسن ممَّا كانَ عليه. هذا هو
المشهَدُ الأوَّل.

 

 المشهَدُ
الثاني هو مَوتُ الإثنين. فكِلاهُما ماتا. فالمَوتُ هو القاسَمُ المُشتَرَكُ
الأكبَر بينَ البَشَر. ماتَ الغَنيُّ في منزِلِهِ مُتنعِّماً بالحَرير، ودُفِنَ في
جنازَةٍ فَخمَة. أمَّا لِعازر فماتَ مطروحاً على بابِ الغَني، ونقرأُ أنَّهُ لم
يتمتَّع حتى بخدمةِ دفنٍ أو جنازَةٍ. بل لربَّما جاءَ عُمَّالُ التنظيفات وأخذُوا
جُثَّتَهُ وطرحوها في وادي النفايات الذي كانَ يُسمَّى "وادِي إبن هنُّوم أو
جهنَّم." فَطُرِحَ جسدُهُ فوقَ النفايات. لقد ماتا كِلاهُما. هذا هو المشهَدُ
الثاني.

 

 ولكن
عندما يُفتَحُ الستارُ على المشهَدِ الثالِث، نكتَشِفُ الحقيقَةَ التي أرادَ
يسُوعُ أن يُعلِّمَها من خِلالِ هذه القصَّة. هُنا وَصَلَ الرجُلانِ إلى الحالَةِ
الأبَدِيَّة، ولكنَّ المُتَسوِّل كانَ على أحسَنِ حالٍ ولا يُمكِنُ أن يكون على
حالٍ أفضَلُ. لقد كانَ في أحضانِ إبراهيم، مما يعني أنَّهُ كانَ على علاقَةٍ
حَمِيمَةٍ بإبراهيم. أمَّا الرجُلُ الغَنِيُّ فكانَ في الجَحيم، ولم يكُن مُمكِناً
أن تكونَ حالتُهُ أسوأ ممَّا كانت عليه.

 

نقرَأُ
أنَّهُ كانَ في العذاب. هُناكَ هُوَّةٌ كبيرَة أُثبِتَت بينَ هذين الرجُلَين، ولا
يُمكِن أن تُعبَر. ولا يُمكِنُ أن يُعمَلَ شيءٌ حِيالَها، ولقد تمَّ إعلامُ الغَني
بذلكَ. فقال، "ولكن يا أبتِ إبراهيم، أرسِل لِعازار ليبُلَّ طرفَ إصبَعِهِ
بماءٍ ويُبرِّدَ لِساني لأنِّي مُعذَّبٌ في هذا اللَّهيب." ولكن قِيلَ لهُ،
"بينَكَ وبينَ لعازار هُوَّةٌ عظيمَةٌ قد أُثبِتَت، حتَّى إنَّ الذينَ
يُريدُونَ العُبُور من هَهُنا إليكُم لا يقدِرون ولا الذين من هُناكَ يجتازونَ
إلينا. إنَّها هُوَّةٌ ثابِتة."

 

عندما
فهِمَ الغَنيُّ هذا الأمر، صارَ مُهتَمَّاً بإخوتِه الخمسة. فقال، "يا أبتِ
إبراهيم، لو جعلتَ لِعازار يقومُ من الأموات ويذهَب إلى إخوتي الخمسة، لكي
يعرِفُوا عن موضِعِ العذابِ هذا." فجاءَ الجوابُ للغَني، "عندَهُم مُوسى
والأنبياء. لِيَسمَعُوا منهُم." فأجابَ الغَنيُّ، "لا يا أبي إبراهيم.
بل إذا مضى إليهِم واحِدٌ من الأمواتِ يتُوبُون."

 

لقد
وضعَ يسُوعُ قيمةً كُبرى على أسفار مُوسى والأنبِياء المُوحاة كما نرى في الجواب
الذي أُعطِيَ للغَنيّ، "إن كانُوا لا يسمَعُونَ من مُوسَى والأنبياء، ولا إن
قامَ واحِدٌ من الأمواتِ يُصدِّقُون." لقد تحقَّقَ هذا القولُ حرفِيَّاً،
عندما قامَ يسُوعُ من المَوت ولم يُؤمِن الناسُ بإنجيلِهِ الذي كرزَ بهِ لكي
يخلُصُوا من مَصيرِ الرجُلِ الغَنيّ.

 

 إن
هذا لمَثَلٌ رهيب. وهذه واحِدَةٌ من الصورِ الرهيبَة عن الحالَةِ الأبديَّة. من
هُنا أخذنا مفهوم نار جهنَّم والدينُونَة الأبديَّة، والعذابِ الأبدي. ليسَ هذا
هُوَ التعليمُ الوحيدُ الذي قدَّمَهُ يسُوعُ عن الجحيم. فذاكَ المكان الرهيب خارج
أُورشَليم، والذي كانَ يُسمَّى "جهنَّم" يُشيرُ إلى كلمة يسُوع
المُفَضَّلَة لمَفهُومِهِ عن الجحيم. الكلمةُ تُشيرُ إلى وادٍ كبير خارِجَ
أُورشليم مُباشَرةً، حيثُ كانت تُلقى كُلُّ أنواعِ المُهمَلات، بما في ذلكَ أجساد
الحَيوانات والفُقراء. وعندما كانت تُخَطُّ بعضُ الصفحاتِ السوداء في التاريخِ
العِبريّ، كانَ بعضُ اليَهُودُ يُقدِّمُونَ أولادَهُم هُناك كذبائِحَ بَشَريَّة
لآلِهَةٍ وثَنِيَّة. عندما علَّمَ يسُوعُ أنَّنا إذا نعَتنا أخينا بالأحمَق،
نستَوجِبُ الجحيم، إستخدَمَ عبارَة "جهنَّم." تُشيرُ الكلمةُ إلى
مفهُومِ النِّفايات. بحَسَبِ يسُوع، أن تخلُصَ من الجحيم يعني أن تخلُصَ من الحياة
المتلُوفة.

 

ولكنَّ
هذه القِصَّة عن الرَّجُلِ الغَنيّ ولِعازار هي وصفُ يسُوع الأكثَر حسماً للهَلاكِ
الأبديّ لِغَيرِ المُخَلَّصين. أحدُ أسوأِ الأُمور عن هذهِ الحالةِ الأبديَّة هو
أنَّ الرجُلَ الغَني لديهِ ذاكِرَة. لديهِ أبديَّة بكامِلِها لكَي يتذكَّرَ
حياتَهُ، والسنوات الخمسين أو الستِّين أو السبعين التي عاشَها. فماذا فعلَ
بحياتِه؟ فسوفَ يعيشُ للأبديَّةِ مُعذَّباً بهذا السُّؤال؟

 

يأتي
هذا المَثَلُ بعدَ مثلِ وكيل الظُّلم. فاللهُ يُعطِي كُلاً منَّا حياةً، ونحنُ
نُديرُ أمُورَ حياتِنا هذه. ليسَ فقط مُجرَّدَ المال، الذي هو بالحقيقة المجال
الأقلّ أهمِّيَّةً في وكالتِنا، بل أيضاً حياتَنا، وقتَنا، طاقَتَنا، مواهِبنا،
صحَّتَنا، وكُلَّ مُقوِّمات حياتِنا. فالسُّؤالُ الأبديّ الذي واجَهَ هذا الرجُل
الغَنيّ هو، "ماذا فعلتَ بحياتِكَ؟"

 

 في
مَثَلِ وكيلِ الظُّلم، يطرَحُ يسُوعُ السؤالَ عليَّ وعليك، "هل ستُصبِحُ
مُشارِكاً معي في تنفيذِ وتطبيقِ رِسالتي بإدارَةِ حياتِكَ وكُلَّ ما منحتُكَ
إيَّاهُ بأمانَةٍ؟" وَمَثَلُ الغني ولِعازار هو الإيضاحُ الرهيب عن الرجُل
الذي يُجيبُ بِ"لا" قاطِعة على سُؤالِ المسيح.

 

 إنَّ
تطبيقَ هذا المثل الثاني عن الرجُلِ الغَنيّ، يُرَكِّزُ على الضمير الإجتِماعِيّ
ليسوع وللُوقا الطبيب العطُوف. إنَّهُ إجتِماعِيٌّ بالدرجةِ الأولى. فمُعظَمناُ
عندما نقرَأُ هذه القصَّة، نُركِّزُ على تفاصيل الأبديَّة المأسَاوِيَّة
المُصوَّرَة فيها، ونُغفِلُ التطبيقات الإجتِماعيَّة.

 

قالَ
ألبرت شوايتزر أنَّ تعليمَ يسوع هذا هو الذي غيَّرَ حياتَهُ إلى الأبَد، ودفعَهُ
للتَّخَلِّي عن كُلِّ الرمُوز والإمتيازات والرخاء الذي كانَ يتمتَّعُ بهِ كواحِدٍ
من مشاهيرِ العازفينَ على الأُورغِن، ومن مشاهِيرِ الفلاسِفَة والأطبَّاء
واللاهُوتِيِّين في أوروبَّا، لكَي يذهَبَ إلى إفريقيا ويخدُمَ الشعوب التي لم
تكُن تتمتَّع بأيَّةِ عنايَةٍ طِبِّيَّة لو لم يذهَب هو إليهِم ويخدِمُهم. فعندَما
نظَرَ شوايتزر إلى هذا التعليم الذي قدَّمَهُ يسوع، قالَ، "لم يتطلَّبُني
الأمرُ كثيراً لأُدرِكَ أنَّ لِعازار المَطرُوح على بابِ الرجُلِ الغَني هو ذلكَ
العالم الجائع والمُتألِّم."

 

وعندما
ذهبَ شوايتزر إلى إفريقيا، قال، "إفريقيا هي لِعازار." وقالَ أيضاً،
"حياتُكَ هِيَ حُجَّتُكَ." أعتَقِدُ أنَّ هذا تصريحٌ عَميقٌ جِدَّاً.
وهكذا قدَّمَ شوايتزر بِحياتِهِ تصريحاً يقُول،"إنَّ ما نُؤمِنُ بهِ بالفِعل،
نفعَلُهُ. وكُلُّ ما تَبَقَّى هُوَ كلامٌ بِكلام." أتساءَلُ إن كُنَّا أنا
وأنتَ نعرِفُ من هُوَ لِعازارُنا؟

 

أعتَقِدُ
أنَّ التحدِّي الذي يُقدِّمُهُ هذا التعليمُ العظيم هو أن نَتَأمَّلَ بالصُّورَةِ
المأساوِيَّةِ التي يرسُمُها لنا يسُوعُ عن حالةِ الضَّالِّين الأبَدِيَّة. إنَّ
وُجهَةَ النَّظَرِ هذهِ عن الدَّينُونَة الأَبَدِيَّة ينبَغي أن تُحرِّكَنا لِكَي
نُقدِّمَ الإنجيل لكُلِّ أولئكَ الذينَ لم يسمَعوا الإنجيلَ أبداً. وكالرسُول
بُولُس، علينا أن نتحرَّكَ بدافعِ المُسلَّمات الإرساليَّة الثلاث: الواحِدُ ماتَ
من أجلِ الجميع، الجميع ضالُّون، والجميعُ ينبَغي أن يسمَعُوا الأخبار السارَّة
(2كُورنثُوس 5: 13- 6: 2).

 

تطبيقٌ
آخَر لهذه القِصَّة، هو التطبيقُ الذي يُعتَبَرُ زُخمَ رسالةِ إنجيلِ لُوقا. وهذا
التطيقُ هو التالي: هل سنُصبِحُ أنا وأنتَ مُشارِكينَ معَ يسوع في تطبيقِ وتنفيذِ
أهدافِ رِسالتِهِ في هذا العالم كما هِي مُبَيَّنَةٌ في بيانِ النَّاصِرة؟ وهل
ستُشارِكُ معهُ في إعطاءِ البَصَر للعُميان، والحُرِّيَّة للمأُسورين، والشفاءَ
للمجروحين وللمكسُوري القُلوب في هذا العالم؟

 

ثلاثُ
فلسَفاتٍ لِلحَياة

 في
إنجيلِ لُوقا، لاحِظُوا كم منَ المرَّات وفي كم من الأماكِن يتحدَّانا يسوعُ لكَي
نُصبِحَ شُرَكاءَهُ في تنفيذِ بَيَانِهِ. من المُحتَمَل أنَّهُ بما أنَّ لوقا كانَ
طَبيباً، كانَ الوحيد من كُتَّابِ الأناجيل الذي يذكُرُ مثل السامِري الصالِح. في
لُوقا 10، يصِفُ لنا يسُوعُ رجُلاً مسلوباً ومضروباً ومطروحاً على الطريق. فبعدَ
أن تمَّ سلبُهُ وتركُهُ مُجرَّحاً، مرَّ بهِ ثلاثَةُ أشخاصٍ مُختَلِفُون، ورأوهُ
واقِعاً على جانِبِ الطريق (لُوقا 10: 25- 37).

 

الطريقُ
في هذه القصَّة تقودُ من أورشَليم إلى أريحا. كانَ الكهنَةُ غالِباً ما يُسافِرونَ
على هذه الطريق، لِكَي يختَلُوا في أريحا من أعمالِهِم في هَيكَلِ سُليمان.
وواحِداً بعدَ الآخر، مرَّ كاهِنٌ ولاوي بجانِبِ هذا الرجُل الجريح، الذي كانَ
مطرُوحاً على شفيرِ الموت، بدُونِ مُعين. فقال كُلٌّ منهُما، "أنتَ في
وَرطَة، ولكنَّني لن أتدخَّلَ في هذا." ونقرَأُ أنَّهُما عبرا، أحدُهُما بعدَ
الآخر، كُلٌّ إلى الجانِبِ الآخر من الطريق.

 

ولكنَّ
سامِريَّاً مرَّ ورأى الرجُلَ في الحُفرَة مطروحاً وينزِفُ حتَّى الموت. فضمَّدَ
جِراحَهُ، ووضعَهُ على حِمارِهِ، وأخذَهُ إلى فُندُقٍ وبعدَ أن أعطَى مالاً
لصاحِبِ الفُندُق، قالَ لهُ، "إذا إحتجتَ أيَّ شيءٍ إضافي، سأدفَعُ لكَ عندما
أرجِعُ."

 

 إنَّ
هذا المثل قدَّمَهُ يسوع جوابَاً على سُؤالٍ طرَحَهُ عليهِ أحدُ مُعلِّمي
النامُوس: "من هُوَ قريبي؟" إنَّ هذا الجواب العميق الذي قدَّمَهُ يسُوع
يُبَرهِنُ أنَّ هُناكَ ثلاثَة فلسفات للحَياة أو للقَريب. فبعدَ أن أخبَرَ يسُوعُ
بهذه القصَّة، أجابَ على سُؤالِ النَّامُوسيّ بسُؤالٍ آخر: "مَنْ مِن هؤُلاء
الثلاثة كانَ قريباً حقيقيَّاً؟"

 

يُجيبُ
يسُوعُ أوَّلاً على سُؤالِ النَّامُوسيّ بمَثَلٍ عن اللُّصُوص الذي سرقُوا ونهبُوا
وجرَّحُوا الرجُلَ حتَّى قارَبَ الموت. فلسفَةُ هؤُلاء في الحياة هي التالية:
"الذي لي هو لي، والذي لكَ سيكونُ لي بأسرَعِ وقتٍ أستطيعُ فيهِ إنتزاعَهُ
مِنك." هُناكَ الكثيرونَ في هذا العالَم يتبنُّونَ هذه الفلسفَة في الحَياة.
لهذا هُناكَ حاجَةٌ لِوجودِ الشُّرطَة والقُوى العسكَريَّة.

 

 الكاهِنُ
واللاوي، الأشخاصُ المُتَدَيِّنُون في هذه القصَّة في لوقا 10، يُصوِّرونَ هذه
الفلسفة للحياة: "الذي لي هُوَ لي؛ والذي لكَ هُوَ لكَ. لدَيَّ بركاتي،
ولديكَ بركاتُكَ، لديَّ مشاكِلي، ولدَيكَ مشاكِلُكَ. لديكَ فعلاً مُشكِلَة
حقيقيَّة هُناك، لأنَّكَ تنزِفُ حتى المَوت في تِلكَ الحُفرَة، ولكنَّ فلسفتي في
الحياةِ تقول: عِشْ واترُكَ غيرَكَ يعيش. ما لي هُوَ لي، وما لكَ هُوَ لكَ. لهذا
لن أتدخَّلَ في هذه المُشكِلَة!" كثيرٌ منَ المُتَدَيِّنين لديهم هذه
الفَلسَفَة تجاهَ الحياةِ والقَريبِ اليوم.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر إرميا 49

 

 وهُناكَ
الجوابُ الثالِثُ في هذه القصَّة على سُؤالِ يسُوع عن فلسفَةِ الحياة والقَريب.
فسَيِّدُ الأمثالِ المُطلَق يسُوع، ألقى هذه القصَّة إلى جانِبِ حقيقَةٍ أرادَ أن
يُعلِّمَنا إيَّاها. هذه الحقيقَة مُعَبَّرٌ عنها بالطريقة التي أجابَ بها
السامِريُّ على سُؤالِ يسُوع. ففلسَفَةُ السامِريِّ لِلحياة والقَريب كانت، "الذي
لكَ هُوَ لَكَ والذي لي هُوَ لكَ في أيِّ وقتٍ إحتَجتَ إليهِ."

 

 إنَّ
فلسفَةَ الحياةِ هذه لن تجعَلَ منكَ غَنِيَّاً، ولكنَّها فلسفَة يسوع في تعليمِهِ
عن لعازار المَطرُوح على بابِ بيتِكَ، وعن عالَمٍ فقيرٍ رُوحيَّاً لكونِهِ أعمَى،
مُقيَّد، ومجروح.

 

بينما
تتحرَّكُ يوميَّاً بينَ الناس، تعلَّم أن تنظُرَ إلى هؤلاء الذين تلتَقي بهم في
حياتِكَ كُعُميان، مُقيَّدين، مكسُورين، وهؤلاء هم الذي جاءَ من أجلِهم يسُوع.
تعلَّمْ كيفَ تنظُرُ إلى الناس في هذا العالم كخِرافٍ ضائعة، كدراهِم مفقودٍ،
كأبناء ضالِّين، وكلِعازار المطرُوح على بابِ كنيستِك. ثُمَّ أدرِكْ أنَّ المسيحَ
الحيَّ فيكَ، يُحِبُّ أن يَصِلَ إلى هؤُلاء من خِلالِكَ، وأن يجعَلَ منكَ جزءاً من
حلِّهِ وجوابِهِ لحاجاتِهم في هذا العالم والأبديَّة.

 

قِيلَ
أنَّ الكنيسةَ اليوم هي مثل دَورة كأس العالم لكُرَةِ القَدَم. فعندما تُشاهِدُ أو
تحضَرُ مُباراة كأس العالم على التلفزيُون، ترى آلاف المُشاهِدين الذين هُم
بأَمَسِّ الحاجَةِ إلى التمارين الرّياضِيَّة، ولكنَّهُم يَخلُدُونَ للرَّاحة،
بينما يُشاهِدونَ أحدَ عشرَ لاعِباً هُم بأمَسِّ الحاجَةِ إلى الراحة، ولكنَّهُم
يُثابِرونَ في التمرين. إن تنظُرُ إلى إرساليَّات يسوع في العالَمِ اليَوم، عليكَ
أن تتَّخِذَ الإلتِزامَ الواعي بالمسيح المُقام الحَيّ، بأن لا تكونَ مُجرَّدَ
مُشاهِدٍ بل مُشارِكٍاً ولاعِباً فاعِلاً في تلمذَةِ أشخاصٍ جُدُد ليسُوع في كُلِّ
أُمَّةٍ، مُبتَدِئاً معَ قريبِكَ.

 

الفَصلُ
السادِس المُخَلِّصُ الباحِث

 

قِصَّةُ
شفاءٍ جميلة (لُوقا 8: 26- 39)

 أولئِكَ
الذين عمِلُوا في المُستَشفيات العقليَّة قبلَ إكِتشافِ المُهدِّئات، بإمكانِهِم
أن يُقدِّرُوا قيمَةَ هذهِ القصَّة. أيٌّ منَّا سبقَ وأخذَ واحداً من أفرادِ
عائلتِه إلى مُستشفى الأمراض العقليَّة، أو أيَّ شخصٍ محبُوبٍ لديه، سيُضَحِّي
بأيِّ شيءٍ لديهِ لكَي يرى هذا الشخص المحبُوب لديهِ في كامِلِ قواه العقليَّة من
جديد. لهذا، ينبَغي أن يُعطيَ الخُبراءُ الصِّحِّيُّونَ الذين يعمَلُونَ معَ الذين
نعتَبِرهُم مرضى عقليِّين، عليهم أن يبذُلوا الكثير ليعرِفُوا كيفَ حقَّقَ يسُوعُ
هذا الشفاء العجائبِيّ.

 

 عندما
ذهبَ يسُوعُ وتلاميذُهُ إلى كُورَةِ الجدريِّين، إلتَقاهُم شخصٌ مسكُونٌ بالأرواحِ
الشرِّيرة. فسألَ هذا الإنسانُ الذي يُرثَى لِحالِهِ يسُوعَ عندما إلتَقى به،
سؤالاً يلمُسُ القلب: "مالي ولكَ؟" (لُوقا 8: 28). هُناكَ الكثيرونَ في
العالَمِ اليوم الذين لديهم مشاكِلُ مُتَعَدِّدَة، لدرجَة أنَّهُم يظُنُّونَ أنَّ
خلاصَ المسيح لا ينطَبِقُ على حالتِهم. إنَّهُم أسرى لمشاكِلهم الرهيبَة، لدرجَةِ
أنَّهُم لا يستطيعُونَ أن يتصوَّرُوا أنَّ يسُوعَ سيهتَمُّ بهم أو يتعاطَى معَهُم
ومعَ مشاكِلهم. في هذه القصَّة الجميلة، يكتَشِفُ الرجُل المسكون بالأرواح
الشرِّيرة أن يسُوعَ وخلاصَهُ هُما متوفِّرانِ لهُ لتغيير ظُروفِ حياتِه.

 

 هُناكَ
رِسالَةٌ أُخرى هامَّة في هذا القصَّة الجميلة. فبعدَ أن شُفِيَ، وعندما كانَ
يسُوعُ على وشكِ الرَّحيل، أرادَ هذا الإنسانُ أن يركَبَ السفينَةَ ويمضِيَ معَ
يسُوع. بإمكانِنَا أن نَتَصوَّرَ لماذا كانَ يرغَبُ بتركِ هذا المكان حيثُ الجميعُ
كانُوا يعرِفُونَ حالتَهُ المُزرِيَة في الماضِي. وبإمكانِنا أن نتفهَّمَ أيضاً
لماذا أرادَ أن يكُونَ معَ المسيح.

 

 ولكنَّ
يسُوعَ قالَ لهُ، "إذهَبْ وأَخبِر بكَم صنعَ بِكَ الرَّبُّ ورَحِمَكَ."
(8: 39) لقد تحوَّلَ هذا الرَّجُل إلى مُعجِزَةٍ تُخبِرُ عن عملِ المسيح، وإلى
مُرسَلٍ ليسُوع إلى أهلِ بيتِهِ وقريتِهِ الذينَ يعرِفونَ ماضيهِ تماماً.

 

 يُعطينا
هذا تعريفاً للمُرسَل. فإن كانَ اللهُ قد عمِلَ أُمُوراً عظيمةً لكَ، عندها
ستُصبِحُ مُرسَلاً. مثل تلكَ الشمعة الموضُوعة على الشمعدان، أو تلكَ المدينة
الموضُوعة على جَبل ولا يُمكِن إخفاؤُها، علينا أن نُخبِر وأن نقُول ما هي الأشياء
العظيمة التي عمِلَها اللهُ لنا. إن هذه المُهِمَّة الإرسالِيَّة ينبَغي أن تبدَأَ
في المكانِ الأصعَب، الذي فيهِ يعرِفُنا الناسُ عن كثب، ونقصُدُ بذلكَ بيُوتَنا.

 

 لقد
كانت المُعجِزَةُ إخراجَ الأرواح الشرِّيرة من هذا الإنسان. واجَه يسُوعُ وخاطَبَ
مُباشَرةً الشياطين في هذا الرَّجُل. فهل كانَ يسُوعُ سيتعامَلُ بشكلٍ مُختَلِف
معَ رجُلٍ من هذا النوع لو كانَ يسُوعُ معنا بالجسد؟ هل كانَ سيُسمِّي هذا الشخص
"مُصاباً بإنفِصامِ الشخصيَّة،" فيُدخِلهُ في مُؤسَّسَةٍ للأمراضِ
العقليَّة، ويُعطيهِ المُهدِّئات لبَقِيَّةِ حياتِه؟ ماذا تَظُنُّهُ كانَ سيفعَل؟

 

الفَرِّيسيُّ
والعشَّار (لُوقا 18: 9-14)

 لدَينا
هُنا إنسانان، صلاتان، موقِفان، وإعلانان. الأمرُ المُهِمُّ حولَ هذينِ
الرَّجُلَين هو أنَّهُ في نِهايَةِ القصَّة، أُعلِنَ واحِدٌ منهُما مُبَرَّراً
بيسُوع، أمَّا الآخرُ فلا – أو خلُصَ واحِدٌ منهُما أمَّا الآخَرُ فلا. بكلامٍ آخر
أصبَحَ أحدُهُما في حالَةِ النِّعمة، أمَّا الآخرُ فلا.

 

 تعني
كلمة "مُبَرَّر" وكأنَّنا لم نُخطِئ سابِقاً. وعلاوَةً على ذلكَ، تعني
أنَّ اللهَ أعلنَنا أبراراً. تُخبِرُنا الرسالَةُ إلى أهلِ رُومية بطريقَةٍ
مُفصَّلة كيفَ عمِلَ اللهُ هذا. يُخبِرُنا يسُوعُ في هذا المثل الأخبارَ السارَّة
أنَّ هذا التبرير هُوَ حقيقة. فبالنسبَةِ ليسُوع، الطريقَةُ التي بِها نتبرَّرُ هي
عندما نُصلِّي كما صلَّى العشَّار: "اللهُمَّ إرحَمني أنا الخاطِئ."

 

 نقرَأُ
أنَّ الفرِّيسيَّ وقفَ "يُصلِّي في نفسِهِ". لقد بدَأت صلاتُهُ معَ
نفسِهِ، وكانت عن نفسِه، وإنتَهَت بنَفسِهِ. ولم تَصِل إلى ما هُوَ أبعد من نفسِه.
أن تُصلِّي يعني حرفِيَّاً، "أن تطلُب". بهذا التعريف، لم يُصلِّ
الفرِّيسيُّ أبداً لأنَّهُ لم يطلُبْ أيَّ شيءٍ من الله.

 

 لقد
وُجِّهَ هذا المَثَلُ إلى أُولئكَ الذين وَثِقُوا بِنفُوسِهم أنَّهُ أبرارٌ
وكانُوا يحتَقِرونَ الآخرين. فكيفَ يُمِكنُ أن يُصبِحَ الخاطِئُ بارَّاً؟ وكيفَ
يُمكِنُ أن يُعلِنَ اللهُ خاطِئاً كبارّ؟ هل هذا نتيجَةٌ للمجهودِ الذاتيّ؟ وهَل
أنا بارٌّ أو مُبَرَّرٌ بسب ثِقَتي بجُهُودي الشخصيَّة لأَكُونَ بارَّاً؟ إنَّ هذا
المثل يقُولُ "لا!" فاللهُ سوفَ يُعلِنُ أنَّني "بارٌّ، وكأنَّني
لم أُخطِء سابِقاً،" عندما أَعتَرِفُ أنَّني خاطِئ، وأنَّني لا أستطيعُ أن
أُخلِّصَ نفسي، وأطلُبُ رحمةَ الله.

 

 في
هذا المثل، يُعلِنُ يسُوعُ الخَبَرَ السارَّ أنَّ هذا صَحيح. فكُلُّ رجُلٍ، إمرأة،
شابٌّ، أو فتاة في هذا العالم يُمكِنُ أن يُبَرَّرَ إذا إتَّخذَ موقِف التواضُع
والإنسِحاق والإعتِراف والتوبة، وصلَّى، "اللهُمَّ إرحمني أنا الخاطِئ."
إنَّ الوضعِيَّةَ التي إتَّخذَها الفرِّيسيُّ كانت تماماً نقيضَ وضعيَّة الصلاة،
التواضُع، الإنسحاق، الإعتِراف، والتوبة، التي تضعُنا وتحفظُنا في حالَةِ التوبة.

 

يعتَقِدُ
أحدُ المُفسِّرينَ الأتقِياء أنَّ زكَّا، رئيس العشَّارين، والذي سنلتَقي بهِ في
الإصحاحِ التالي، كانَ العشَّار الموصُوف في هذا المثل. إنَّ إعتِقادَهُ هذا
مَبنِيٌّ على كونِ المسيح قد دَعاهُ بإسمِهِ، ممَّا يعني أنَّهُما إلتَقَيا
بِبَعضِهما البعض سابِقاً. إنَّ هذا سَيَعنِي لاحِقاً أنَّ يسُوعَ ذهبَ إلى أريحا
لكَي يُتابَعَ العملَ معَ زكَّا بعدَ "صلاتِهِ" – ولكي يشرَحَ لهُ ماذا
تعني التوبَة، وكيفَ تَتَحَقَّقُ في هذه الحياة. يبدو أنَّ هذا كانَ يعني أن يُعطي
زكَّا أموالَهُ للفُقراء، لأنَّهُ كانَ قد حصَّلها بطُرُقٍ غيرِ شريفة. رُغمَ أنَّ
هذا هُوَ فقط من بابِ التَّخمِين، ولكنَّهُ يزيدُ من إهتِمامِنا بواحِدَةٍ من
أجمَلِ القصص في العهدِ الجديد.

 

يسُوعُ
ورَئيسُ العشَّارين (لوقا 19: 1- 10)

عندما
نقرَأُ الإصحاحَين الثامِن عشر والتاسِع عشر من إنجيلِ لُوقا، سنكتَشِفُ قِصَّتَين
إضافِيَّتَين عن رجالٍ أغنِياء. بإمكانِنا أن نعتَبِرَ المُقابَلة بينَ يسُوع
ورئيس العشَّارين بمثابَةِ مسرَحِيَّةٍ مُؤلَّفَة من ثلاثَةِ مشاهِد. المشهَدُ
الأوَّلُ هو حيثُ ألقَى يسُوعُ التحيَّةَ على زكَّا. المشهدُ الثاني يجري في بيتِ
زكَّا، حيثُ قضى يسُوعُ يومَهُ الكامِل في الحديثِ والتعاطي معَ هذا الرَّجُل الذي
كانَ مكروهاً من الجميع في أريحا.

 

 عندما
يُرفَعُ الستارُ عن المشهَدِ الثالِث، يخرُجُ يسُوعُ وزكَّا من بيتِ زكَّا، بعدَ
أن يكُونا قد قضَيا طوالَ النَّهارِ معاً. الكَلماتُ الأُولى نُطِقَ بها من قِبَلِ
زكَّا. فلقد دَعا يسُوع "الربّ" وأعلَنَ أنَّهُ سوفَ يُعطي نِصفَ
أموالهِ للفُقَراء، والنصف الآخر سيَستَخدِمُهُ ليَرُدَّ أربَعةَ أضعافٍ للذين
كانَ قد غشَّهُم في أريحا. (لو لم يكُنْ قدْ غَشَّ أحداً، لما إفتَرَضَ أنَّهُ
يتوجَّبُ عليهِ توزيع نِصف أموالهِ ليَحُلَّ المُشكِلَة.)

 

 أهمُّ
مشهدٍ بين هذه المشاهدِ الثلاثة، هو المشهدُ الثاني. لا نعرِفُ شيئاً عمَّا حدَثَ
في المشهَدِ الثاني، أي في بيتِ زكَّا. فعمَّ تكلَّما طِوالَ النهار؟ لابُدَّ
أنهما تحدَّثا عَنْ معنى التوبة، والغُفران وإتِّباع يسُوع. ولا بُدَّ أنَّ هذا
الحِوار تضمَّنَ المال، لأنَّ كلمات زكَّا الأُولى كانت تتَعلَّقُ بالمال. فعِندما
سمِعَ يسُوعُ هذه الكلمات من أكبَرِ خاطِئٍ في أريحا، أعلَنَ يسُوعُ زكَّا كإبنٍ
لإبراهِيم، وأعلنَ أنَّ الخلاصَ حصلَ في بيتِهِ في ذلكَ اليوم.

 

 إنَّ
الجزءَ المُفضَّلَ عندي في هذا القصَّة هو عندما ذهبَ يسُوعُ ليقضِيَ يومَهُ
الوحيد في أريحا معَ هذا اللِّصّ القَصير القامَة، وكانَ الجميعُ يتذمَّرونَ
مُمتَعِضينَ من هذا. أودُّ لو أستطيعُ أن أُفوِّضَ فنَّاناً ليرسُمَ يسُوع، الذي
كانَ بحَسَبِ المُؤرِّخِ اليَهُوديّ يُوسيفُوس رَجُلاً كبيرَ القامَةِ، وهو يمشي
نحوَ بيتِ زكَّا واضِعاً يدَهُ على كتفِهِ، بينَما ينظُرُ جميعُ الناس ذَوي البِرّ
الذاتِي بإمتِعاضٍ لأنَّ يسُوعَ كان يقضِي يومَهُ الوحيد في أريحا معَ رئيسِ
العشَّارين.

 

 إنَّ
الكلمات الجميلة التي تنتَهي بها هذه القصَّة يُمكِنُ أن تُنقَشَ على لَوحَةٍ
نُحاسِيَّةٍ نضعُها تحتَ رسمِ يسُوع واضِعاً يدَهُ على كتِفِ زكَّا: "لأنَّ
ابنَ الإنسانِ قد جاءَ لكَي يطلُبَ ويُخلِّصَ ما قد هلك." إنَّ هذه الكلمات
هي أحد الأعداد الحاسمة في هذا الإنجيل الثالِث، وتُعطينا تصريحاً مُلخَّصاً
لرسالَةِ أعظَمِ حياةٍ عاشَها أحدٌ على الأرض (19: 10).

 

 نحنُ
أيضاً نرى ستراتيجيَّة يسُوع في هذه المُقابَلة. فهُوَ كانَ يمُرُّ عبرَ أريحا،
وكانت ستراتيجيَّتُهُ بِوُضُوح أن يُبَشِّرَ ويؤُثِّرُ على كُلِّ أريحا ويربَحها
للمسيح بعدَ أن يكُونَ قدِ إجتازَ إلى ما وراء حُدُود المَدينة.

 

 حاوِل
أن تتصوَّرَ التأثيرَ على المدينة عندما بدأَ زكَّا يدعُو إلى داخِلِ بيتِهِ الناس
الذين كانَ قد سلبَهُم أموالاً إضافِيَّةً على الضرائب، كما كانَ يفعَلُ
العشَّارُونَ عادَةً. تصوَّر مُفاجَأَتَهُم، وفرحَهُم، ورهبتَهُم عندما وجدوا
أنَّهُ بدلَ أن يمُدَّ يدَهُ إلى أعماقِ جُيُوبِهم ليأخُذَ مالَهم، إكتَشَفُوا
أنَّ كُلَّ ما أرادَهُ زكَّا هو أن يُعيدَ لهُم أربَعَةَ أضعاف عن أموالِهم التي
إختَلَسَها منهُم، وكُلُّ ذلكَ نتيجَةً لكونِهِ إلتَقَى معَ يسُوع! أتصوَّر أنَّ
هذا كانَ الحدثَ الأكبَر الذي جرى هُناكَ منذُ سُقُوطِ أسوارِ أريحا أيَّامَ
يشُوع.

 

مُقابَلَة
أُخرى معَ رجُلٍ غَنِيّ (لُوقا 18: 18- 27)

 هُناكَ
قِصَّةٌ أُخرى عن رجُلٍ غَنيّ في الإصحاحِ السابِق، التي كانَ ينبَغي أن تُوضَعَ
إلى جانِبِ هذه القصَّةِ عن يسُوع وزكَّا. عندما تُقارِنُ وخاصَّةً تُناقِضُ بينَ
هذين الرَّجُلَين الغَنِيَّين، لاحظ أوَّلاً القواسمَ المُشتَرَكَة بينَهُما:

 

 لقد
كانا كِلاهُما غَنِيَّين. وكانا كِلاهُما يهُوداً. وكانا كِلاهُما مُتَشوِّقَينِ
ليريَا يسُوع. لقد تسلَّقَ زكَّا شجرَةً، بينَما الرجُل الذي نُسمِّيهِ الغَنيّ،
والحاكِم الشابّ جاءَ راكِضاً نحوَ يسُوع وسجدَ أمامَهُ. لقد جاءا كِلاهُما إلى
يسُوع علانيَةً. ولقد كانا كِلاهُما مُهتَمَّانِ بأن يعرِفا كيفَ يخلُصان، أو كيفَ
يحصَلانِ على الحياةِ الأبديَّة. لقد أحبَّ يسُوعُ بالتأكِيد كُلاً منهُما، وقالَ
لهُما أن يتوبا وأن يُظهِرا توبتَهُما بالتخلُّصِ من أموالِهما.

 

 عندما
تُقارِن بينَهُما بهَدَفَ المُبايَنة، لاحظ الفُروقات اللافِتَة بينَهُما:
فالرجُلُ الشاب كانَ مُتدَيِّناً ذا أخلاقٍ حميدة، أمَّا زكَّا فلم يكُن
مُتَديَّناً ولا ذا أخلاقٍ حميدة. الشابُّ الغَنيُّ كانَ موضِعَ إعجاب وتقديرِ
المُجتَمَع، أمَّا زكَّا فنعرِفُ أنَّهُ لم يكُن كذلكَ بتاتاً.

 

 الفرقُ
الأَهَمُّ بينَ هَذَين الرَّجُلَين كانَ أنَّ زكَّا تابَ ووزَّعَ مالَهُ بينما
الشابُّ الغَنيُّ المُتديِّنُ والأخلاقي لم يتُبْ. فحتَّى ولو أنَّ الشابَّ الغني
كانَ صادِقاً، أخلاقِيَّاً ومُتَدَيِّناً، ولكنَّهُ لم يخلُص، أمَّا زكَّا فخَلُص.
فإن لم يتُبْ الشابُّ الغَنيُّ لاحِقاً، بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّهُ ماتَ
مُتَدَيِّناً وأخلاقِيَّاً، ولكن غَيرَ مُخَلَّص. هذا يعني أنَّهُ رُغم أنَّ
زَكَّا كانَ لِصَّاً ولم يكُن مُتَدَيِّناً أو أخلاقِيَّاً قبلَ أن يَلتَقِيَ
بيَسُوع، ولكنَّ زكَّا هُوَ في السماءِ اليوم، والشابُّ الغَنيُّ هُوَ في الجحيم!

 

 علينا
أن لا نُسيءَ فهمَ هذه القصَّة. فيسُوع لم يكُن يُخبِرُنا أنَّنا نخلُصُ بما
نعمَلُهُ، أو بما نمتَنِعُ عن عمَلِه. بل كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ أنَّنا لكَي نخلُصَ
بِحقّ، علينا أن نتُوبَ ونبتَعِدَ عن الخطايا. نحنُ نرى هذا مُوضَّحاً بشكلٍ
حَيَويّ في التناقُضِ في كيفيَّةِ تجاوُبِ هذين الرجُلَين معَ يسُوع.

 

 تبدَأُ
قصَّةُ يسُوع وزكَّا معَ مثلَ الفرّيسيّ والعشَّار. عندما نقرَأُ خاتِمَةَ هذا المثل،
نكتَشِفُ عددَاً آخر يُظهِرُ يسُوع بأنَّهُ المُخلِّص الذي جاءَ ليَطلُبَ الخُطاة.
نرى هذه الصُّورة عن يسُوع وبيانِهِ للمرَّةِ الأخيرة عندما يُعطي لُوقا تصريحَهُ
بالمأمُوريَّةِ العُظمى، في خاتِمَةِ هذا الإنجيل (لُوقا 24: 46- 49).

 

خاتِمَة

 

"تأمُّلاتٌ
مسيحيَّةٌ"

 لَقَد
أعطَى يسُوعُ تعاليمَ كثيرة مِثْل "مَثَل الزارِع،" التي تُخبِرُنا كيفَ
نقتَرِبُ من تعليمِهِ ونتجاوَبُ معَهُ. يُسجِّلُ لُوقا ثلاثَ إستِعارات
إستَخدَمَها يسُوعُ لهذا الهَدَف (لُوقا 5: 36- 39؛ 7: 31- 35). المَثلانِ
الأوَّلانِ هُما عن رُقعَةٍ من ثَوبٍ جديد على ثَوبٍ قديم، وعن خَمرٍ جديدٍ غيرِ
مُختَمِر يُضافُ إلى قُربَةِ نبيذٍ قديمة.

 

 الأشخاصُ
الذين أصغُوا إلى يسُوع، فهِموا هذه الإستِعارات المجازِيَّة، لأنَّها كانت
معرُوفَةً كُلَّ يَوم، وكانت إيضاحاتٍ عَميقَة. كُلُّ إمرَأَة سبقَ لها وخاطَت
رُقعَةً على ثوب، تعرِفُ أنَّهُ لا يجوزُ أبداً أن تَخيطَ رُقعَةً جديدَةً على
ثَوبٍ عتيق. لأنَّ الثوبَ الجديد القويّ سوفَ يتَمزَّقُ عن الثَّوب القديم ويجعَلُ
رُقعتَهُ أوسَع ممَّا كانت من ذي قبل.

 

 كثيرونَ
من الذين إستمِعُوا ليسُوع، كانُوا قد إقتَرَفُوا هذا الخطأ، أي أن يسكُبُوا
نبيذاً جديداً أو غيرَ مُختَمِر، في قربَةِ نبيذٍ عتيق. وبينما بدأَ النبيذُ
الجديدُ يَختَمِرُ، لم تتحمَّل قِربَةُ النبيذ القديمة المُتَيَبِّسَة هذا الضغط
الجديد في داخِلِها. وذاتَ يوم، سيسمَعُونَ ضجَّةَ إنفجارِ هذه القُربَةِ ويَرونَ
النبيذَ يُهراقُ على الجِدار الذي كانت القُربَةُ مُعَلَّقَةً عليه. وسوفَ
يُدرِكُونَ أنَّ خطأَهُم قادَهُم إلى إنفِجار – خراب القِربَةِ العتيقة، وخسارَةِ
النبيذ.

 

 التطبيقُ
هُو أنَّ تعليمَ يسُوع (مثل رِقعَةُ الثوبِ الجديد والنبيذ الجديد) سوفَ يضغَطُ
علينا عندما نُدخِلُهُ إلى أذهانِنا. أولئِكَ الذين هُم خلائِق جديدة نتيجةً
للوِلادَةِ الجديدة، من الواضِحِ أنَّهُم "قِربَةُ الخمرِ الجديدة" التي
فيها سيُسكَبُ "الخمرُ الجديد" لتعليمِ يسُوع (2كُورنثُوس 5: 17).
وحدَها الخلائق الجديدة في المسيح هي التي ستقدِرُ على فهمِ، وقُبُولِ، وتطبيقِ
تعليمِ المسيح. هذا ما يبدُو أنَّهُ تعليمُ هذا المثل المجازِيّ.

 

 إن
كُنَّا لا نستسلِمُ للضَّغطِ الذي يضعُهُ تعليمُ المسيحِ على إراداتِنا، فإنَّ
أذهانَنا سوفَ تنفَجِرُ حرفِيَّاً. لِهذا يُحذِّرُنا يسُوع من أن نكُونَ مُنفَصِمي
الشخصيَّةِ روحيَّا، وذلكَ بمُحاوَلتِنا أن نخدُمَ سَيِّدَين (متَّى 6: 24). إن لم
نكُنْ نقتَرِب ونتجاوَب معَ تعليمِ يسُوع، معَ إلتِزامٍ بطاعَةِ تعليمِهِ، فإنَّ
ما يُسمِّيهِ الرسُول يُوحَّنا بالإعتِرافِ "الفاتِر" بالإيمان بالمسيح،
سوفَ يجعَلُنا مرضَى، ويجعَلُ المسيح المُقام مُنزَعِجاً عندما يُفكِّرُ فينا
(رُؤيا 3: 15، 16).

 

 لقد
إستَخدَمَ يسُوعُ الصُّورَةَ المجازِيَّةَ الثالِثة ليُعلِّقَ على طريقَةِ رفضِ
رجال الدين لتعليمِهِ، ورفضِهم لوَعظِ يُوحنَّا المعمدان (7: 31- 35). لقد لَعِبَ
أولادٌ في السوق لُعبَةَ "العُرس،" ولُعبَةَ "الجنازة"
لأنَّهُم كانُوا يُراقِبونَ كيفَ تجريِ هذه الأُمور في مُجتَمَعِهم. ولقد طَلَبُوا
من التُّجَّار أن يتوقَّفُوا وأن يلعَبُوا بعضَ الألعابِ الصغيرَةِ معَهُم.

 

 بهذه
الإستِعارات، كانَ يسُوعُ يقُول أنَّ الكتبَةَ والفرِّيسيِّين كانُوا مثل الأولاد
الصغار الذين يطلُبُونَ منهُ أن يلعَبَ معهم لُعبَةَ "الجنازة" لأنَّهُ
قدَّمَ لهم صُورَةَ الإنسانِ المُبارَك السعيد. ولقد طَلَبُوا من يُوحنَّا
المعمدان أن يلعَبَ لعُبَةَ "العُرس" لأنَّهُ كانَ جَدِّيَّاً للِغايَة،
وعاشَ حياةَ الإنضِباط الرُّوحيّ في الصحراء، وكرزَ بالتَّوبَة.

 

 النقطَة
التي كانَ يسُوعُ يُظهِرُها كانت أنَّهُ هُوَ ويُوحنَّا لم يأتِيا ليلعبا هذه
الألعاب الصغيرة. ولم يأتِ يسُوع ويُوحنَّا المعمدان ليُكيِّفا تعليمَهُما معَ
تعليمِ الكتبة والفَرِّيسيِّين، بل جاءا ليُحدِثا ثَورَةً في نظامِ التعليم
الدينيّ.

 

 بعدَ
أن تعرَّفَتَ الآن إلى بعضِ تعاليمِ يسُوع المسيح الدينامِيكيَّة، كَيفَ
ستَتَجاوَبُ معَ ما تعلَّمتَهُ في هذه الدِّراسة المُختَصَرَة لإنجيلِ لُوقا؟
وماذا ستفعَلُ حيالَ ما تعرِفُهُ عن أهداف مُهِمَّة يسُوع المُقام، الذي يحيا
فيكَ؟ فالمقصُودُ بتَعلِيمِهِ أن يُحدِثَ ثَورَةً في عقلِكَ، وحياتِكَ، وقِيَمِكَ.
لقد حذَّرَنا يسُوعُ، بأنَّنا إذا لم نفعَلْ شيئاً حِيالَ تعليمِهِ، فإنَّ
"رُؤيتَنا الرُّوحيَّة المُزدَوِجَة" ستُفجِّرُ عُقُولَنا حرفِيَّاً.

 

 إنَّ
إنجيلَ يُوحنَّا يُعطينا السجلّ الأكثر تفصيلاً عن موتِ وقِيامَةِ المسيح. وبما
أنَّ لديَّ ستَّة كُتَيِّبات تُقدِّمُ تعليقاً على مائة وثلاثينَ برنامجاً
إذاعِيَّاً حولَ إنجيلِ يُوحنَّا، فسوفَ أحتَفِظُ بِتفسيري أو تعليقي على حياةِ
وخِدمَةِ المسيح حتَّى أصِلَ إلى تِلكَ الكُتيِّبات. النظرَةُ الأكثر تعبيراً عن
موتِ المسيح، والتي نحصَلُ عليها من إنجيل لُوقا، هي حيثُ يقُولُ يسُوعُ للرُّسُل
أنَّ الفِصحَ سيُتمَّمُ عندما سيَمُوتُ هُوَ على الصليب (22: 16). بإستثناءِ
يُوحنَّا، يُخبِرُنا كُتَّابُ الأناجيل بالقول "فصلبُوهُ" عندما
يتكلَّمون عن موتِ المسيح على الصليب.

 

 إن
لم تكُن تعرِف المسيح كمُخَلِّصٍ شَخصِيٍّ لكَ، وكخادِمٍ لإنجيلِ المسيح، أرجوكَ
أن تُدرِكَ أنَّ يسُوعَ جاءَ لكي يمنَحَ بَصَراً لكَ في عماكَ الرُّوحيّ، ولكَي
يُحرِّرَكَ من إدمانِكَ على أشكالٍ مُتعدِّدَةٍ من الخطيَّة. إنَّهُ يُريدُ أن
يشفِيَ قلبَكَ المكسُور، وذلكَ عندما يُصبِحُ مُخلِّصَكَ الشخصيّ. ومن ثَمَّ
يُريدُ أن يضعَ في حياتِكَ هدفاً عظيماً، بينما يجعلُكَ شريكاً معهُ في
إرساليَّتِهِ العظيمة بطلبِ الضَّالِّينَ وخلاصِهم. ضعْ ثِقَتَهُ بِكَ ليكُونَ
مُخَلِّصَكَ. إجعَلْ منهُ ربَّاً على حياتِكَ، ومن ثَمَّ إقضِ ما تبقَّى من حياتِكَ
في علاقَةٍ معَ المسيح المُقام الحيّ، مُكمِّلاً أعظَمَ بيانٍ في العالم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي